تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

عن السّؤال ، لكن أشغله حبّ الولد عنه حتّى اشتبه الأمر عليه.

وقرأ (١) ابن كثير ، بفتح اللّام والنّون الشّديدة. وكذا نافع وابن عامر ، غير أنّهما كسرا النّون ، على أنّ أصله : تسألني. بحذف نون الوقاية ، لاجتماع النّونات. وكسرت الشّديدة للياء ثمّ حذفت ، اكتفاء بالكسرة.

وعن نافع (٢) ، إثباتها ، برواية ورش (٣) في الوصل.

(قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ) : فيما يستقبل.

(ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) : ما لا علم لي بصحّته.

(وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) : وإن لم تغفر لي ما فرط منّي من السّؤال.

(وَتَرْحَمْنِي) : بالتّوبة والتّفضّل عليّ.

(أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤٧) : أعمالا. قاله على سبيل الخضوع لله والتّذلّل له والاستكانة.

(قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) : انزل من السّفينة مسلّما من المكاره محفوظا من جهتنا. أو مسلّما عليك.

(وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) : ومباركا عليك. أو زيادات في نسلك حتّى تصير آدما ثانيا.

وقرئ (٤) : «اهبط» بالضّمّ. «وبركة» على التّوحيد : وهي الخير النّامي.

(وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) : وعلى أمم هم الّذين معك. سمّوا : أمما ، لتحزّبهم.

أو تشعّب الأمم منهم. أو على أمم ناشئة ممّن معك ، والمراد بهم : المؤمنون. لقوله : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) : أي : وممّن معك أمم سنمتّعهم في الدّنيا.

(ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٨) : في الآخرة. والمراد بهم : الكفّار من ذرّيّة من معه.

وقيل (٥) : هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب. والعذاب ، ما نزل بهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : رويس.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٠.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٠.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ و ٢٣٨.

١٨١

عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ هلاك قوم نوح ـ عليه السّلام ـ. وذكر حديثا طويلا.

وفي آخره : وأنزل الله على نوح ـ عليه السّلام ـ (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ). فنزل نوح بالموصل من السّفينة ، وبنوا مدينة الثّمانين. وكانت لنوح ابنة ركبت معه السّفينة ، فتناسل النّاس منها. وذلك قول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : نوح أحد الأبوين.

وفي كتاب الخصال (١) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا هبط نوح ـ عليه السّلام ـ من السّفينة ، أتاه إبليس عليه اللّعنة فقال : ما في الأرض [رجل] (٢) أعظم منّة عليّ منك ، دعوت [الله] (٣) على هؤلاء الفسّاق فأرحتني منهم. ألا أعلّمك خصلتين : إيّاك والحسد ، فهو الّذي عمل بي ما عمل. وإيّاك والحرص ، فهو الّذي عمل بآدم ما عمل.

وفي الكافي (٤) : عنه ، عن القاسم بن (٥) الرّيّان ، عن أبان بن عثمان ، عن موسى بن العلاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح ـ عليه السّلام ـ ، جزع جزعا شديدا واغتمّ لذلك.

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ : هذا عملك بنفسك ، أنت دعوت عليهم.

فقال : يا ربّ ، إنّي أستغفرك وأتوب إليك.

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : أن كل العنب الأسود ، ليذهب غمّك.

(تِلْكَ) : إشارة إلى قصّة نوح. ومحلّها الرّفع بالابتداء ، وخبرها (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) ، أي : بعضها.

(نُوحِيها إِلَيْكَ) : خبر ثان. والضّمير لها ، أي : موحاة إليك. أو حال من الأنباء. أو هو الخبر «ومن أنباء» متعلّق به. أو حال من «الهاء» في «نوحيها».

(ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) : خبر آخر ، أي : مجهولة عندك وعند قومك من قبل إيحائنا إليك. أو حال من «الهاء» في «نوحيها» ، أو «الكاف» في «إليك» ، أي : جاهلا أنت وقومك بها.

__________________

(١) الخصال / ٥٠ ـ ٥١ ، ح ٦١.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٦ / ٣٥٠ ، ح ٢.

(٥) ليس في المصدر.

١٨٢

وفي ذكرهم تنبيه على أنّه لم يتعلّمها إذ لم يخالط (١) غيرهم ، وأنّهم مع كثرتهم لمّا لم يسمعوها فكيف بواحد منهم.

(فَاصْبِرْ) : على مشاقّ الرّسالة وأذيّة القوم ، كما صبر نوح ـ عليه السّلام ـ.

(إِنَّ الْعاقِبَةَ) : في الدّنيا بالظّفر ، وفي الآخرة بالفوز.

(لِلْمُتَّقِينَ) (٤٩) : عن الشّرك والمعاصي.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٢) ، بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : بقي نوح بعد النّزول من السّفينة خمسين سنة. ثمّ أتاه جبرئيل ، فقال له : يا نوح ، قد انقضت (٣) نبوّتك واستكملت أيّامك ، فانظر الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة الّتي معك فادفعها إلى ابنك سام.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي روضة الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : عاش نوح ـ عليه السّلام ـ ألفي سنة وثلاثمائة سنّة. منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث ، وألف سنة إلّا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم ، وهو (٥) خمسمائة عام بعد ما نزل من السّفينة ونضب الماء. فمصّر الأمصار واسكن ولده البلدان ، ثمّ أنّ ملك الموت جاءه وهو في الشّمس.

فقال : السّلام عليك.

فردّ عليه نوح ـ عليه السّلام ـ فقال : ما جاء بك ، يا ملك الموت.

فقال : جئتك لأقبض روحك.

قال : دعني أدخل من الشّمس إلى الظّل.

فقال له : نعم.

فتحوّل ، ثمّ قال : يا ملك الموت ، كلّ ما مرّ بي من الدّنيا ، مثل تحويلي من الشّمس إلى الظّل ، فامض لما أمرت به.

فقبض روحه.

__________________

(١) أ ، ب ، ر : يتخالط.

(٢) كمال الدين / ١٣٤ ـ ١٣٥ ، صدر ح ٣.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : انقظت.

(٤) الكافي ٨ / ٢٨٤ ، ح ٤٢٩.

(٥) ليس في المصدر.

١٨٣

وعنه (١) ـ عليه السّلام ـ : عاش نوح بعد الطّوفان خمسمائة عام. ثمّ أتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ.

فقال : يا نوح ، إنّه قد انقضت نبوّتك واستكملت أيّامك. فانظر إلى الاسم الأكبر [وميراث العلم] (٢) وآثار علم النّبوّة الّتي معك ، فادفعها إلى ابنك سام. فإنّي لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم تعرف به طاعتي ، ويعرف به هداي ، وتكون النجاة فيما بين مقبض النّبيّ ومبعث النّبيّ الآخر. ولم أكن أترك النّاس بغير حجّة لي ، وداع إليّ ، وهاد إلى سبيلي ، وعارف بأمري. فإنّي قد قضيت أن أجعل لكلّ قوم هاديا أهدي به السّعداء ، ويكون حجّة لي على الأشقياء.

قال : فدفع نوح ـ عليه السّلام ـ الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة إلى سام. وأمّا حام ويافث ، فلم يكن عندهما علم ينتفعان به.

قال : وبشّرهم نوح بهود ، وأمرهم باتّباعه ، وأمرهم أن يفتحوا الوصيّة في كلّ عام وينظروا فيها ويكون عيدا لهم.

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ) ، أي : أحدهم.

(هُوداً) : عطف على قوله : (نُوحاً إِلى قَوْمِهِ).

«وهودا» عطف بيان.

(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) : وحده.

(ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

وقرئ (٣) ، بالجرّ ، حملا على المجرور وحده.

(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) (٥٠) : على الله ، باتّخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء.

(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) : خاطب كلّ رسول به قومه ، إزاحة للتّهمة وتمحيضا للنّصيحة. فإنّها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع.

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٥١) : أفلا تستعملون عقولكم ، فتعرفوا المحقّ من المبطل

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٨٥ ، ح ٤٣٠.

(٢) من المصدر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٧١.

١٨٤

والصّواب من الخطأ.

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون ، في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه قالت العلماء له (٢) : فأخبرنا ، هل فسّر الله ـ تعالى ـ الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك ـ إلى قوله ـ : والآية السّادسة قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣). وهذه خصوصيّة للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى يوم القيامة ، وخصوصيّة للآل دون غيرهم. وذلك أنّ الله ـ تعالى ـ حكى ذكر نوح ـ عليه السّلام ـ في كتابه : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً ، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٤). وحكى ـ عزّ وجلّ ـ عن هود ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ، أَفَلا تَعْقِلُونَ). وقال ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قل يا محمّد : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). ولم يفرض الله ـ تعالى ـ مودّتهم إلّا وقد علم أنّهم لا يرتدّون عن الدّين أبدا ، ولا يرجعون إلى الضّلال بعد الإيمان (٥).

(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) : اطلبوا مغفرة الله بالإيمان ، ثمّ توسّلوا إليها بالتّوبة ، وأيضا التّبرّي من الغير إنّما يكون بعد الإيمان والرّغبة فيما عنده.

(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) : كثير الدّرّ.

(وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) : يضاعف قوّتكم.

قيل (٦) : إنّما رغّبهم بكثرة المطر وزيادة القوّة ، لأنّهم كانوا أصحاب زروع وعمارات.

وقيل (٧) : حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث (٨) سنين. فوعدهم هود ـ عليه السّلام ـ على الإيمان والتّوبة بكثرة الأمطار ، وتضاعف القوّة بالتّناسل.

__________________

(١) العيون ١ / ٢٣١ و ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الشورى / ٢٠.

(٤) هود / ٢٩.

(٥) المصدر : «ضلال أبدا» بدل «الضلال بعد الإيمان».

(٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٧١.

(٨) المصدر : ثلاثين سنة.

١٨٥

(وَلا تَتَوَلَّوْا) : ولا تعرضوا عمّا أدعوكم إليه.

(مُجْرِمِينَ) (٥٢) : مصرّين على إجرامكم.

(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) : بحجّة تدلّ على صحّة دعواك. وهو كذب وجحود ، لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات.

(وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) : بتاركي عبادتهم.

(عَنْ قَوْلِكَ) : صادرين عن قولك. حال من الضّمير في «تاركي».

(وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (٥٣) : إقناط له من الإجابة والتّصديق.

(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ) : ما نقول إلّا قولنا : اعتراك ، أي : أصابك. من عراه يعروه : إذا أصابه.

(بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) : بجنون ، لسبّك إيّاها وصدّك عنها. ومن ذلك تهذي وتتكلّم بالخرافات.

والجملة مفعول القول ، وإلّا لا عمل لها لأنّ الاستثناء مفرغ.

(قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٥٤) (مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) (٥٥) : أجاب به عن مقالتهم الحمقاء ، بأن أشهد الله ـ تعالى ـ على براءته من آلهتهم وفراغه عن إضرارهم ، تأكيدا لذلك وتثبيتا له. وأمرهم بأن يشهدوا عليه ، استهانة بهم ، وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير إنظار. حتّى إذا اجتهدوا فيه ، ورأوا أنّهم عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشدّاء أن يضرّوه ، لم يبق شبهة أنّ آلهتهم الّتي هي جماد لا تضرّ ولا تتمكن من إضراره.

وهذا من جملة معجزاته ، فإنّ مواجهة الواحد الجمّ الغفير من الجبابرة العتاة العطاش إلى إراقة دمه بهذا الكلام ليس إلّا لثقته بالله ، وتثبّطهم عن إضراره ليس إلّا بعصمته إيّاه. ولذلك عقّبه بقوله : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) : تقريرا له.

والمعنى : أنّكم وإن بذلتم غاية وسعكم لم تضرّوني. فإنّي متوكّل على الله واثق بكلاءته ، وهو مالكي ومالككم ، لا يحيق بي ما لم يرده ، ولا تقدرون على ما لم يقدّره.

ثمّ برهن عليه بقوله : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) ، أي : إلّا هو مالك لها قادر عليها ، يصرّفها على ما يريد بها.

و «الأخذ بالنّواصي» تمثيل لذلك.

(إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٦) ، أي : إنّه على الحقّ والعدل ، فلا يضيع

١٨٦

عنده معتصم ولا يفوته ظالم.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ، يعني : أنّه على حقّ ، يجزي بالإحسان إحسانا وبالسّيء سيّئا ، ويعفو عمّن يشاء ويغفر ـ سبحانه وتعالى ـ.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) : فإن تتولّوا.

(فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) : فقد أدّيت ما عليّ من الإبلاغ وإلزام الحجّة ، فلا تفريط منّي ولا عذر لكم فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم.

(وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) : استئناف بالوعيد لهم ، بأنّ الله يهلكهم ويستخلف قوما آخرين في ديارهم وأموالهم. أو عطف على الجواب بالفاء ، ويؤيّده القراءة بالجزم على الموضع ، وكأنّه قيل : فإن تتولّوا يعذرني ويستخلف.

(وَلا تَضُرُّونَهُ) : بتولّيكم.

(شَيْئاً) : من الضّرر. ومن جزم «يستخلف» ، أسقط النّون منه.

(إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (٥٧) : رقيب ، فلا تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم. أو حافظ مستول عليه ، فلا يمكن أن يضرّه شيء.

(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) : عذابنا ، أو أمرنا بالعذاب.

(نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا).

قيل (٢) : كانوا أربعة آلاف.

(وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٥٨) : تكرير نجّاهم منه.

قيل : هو السّموم ، كانت تدخل من أنوف الكفرة وتخرج من أدبارهم ، فتقطّع أعضاءهم.

أو المراد به : تنجيتهم من عذاب الآخرة ـ أيضا ـ. ولتعريض بأنّ المهلكين ، كما عذّبوا في الدّنيا بالسّموم فهم معذّبون في الآخرة بالعذاب الغليظ.

(وَتِلْكَ عادٌ) أنّث اسم الإشارة باعتبار القبيلة. أو لأنّ الإشارة إلى قبورهم وآثارهم.

(جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) : كفروا بها.

(وَعَصَوْا رُسُلَهُ) : لأنّهم عصوا رسولهم. ومن عصى رسولا ، فكأنّما عصى الكلّ.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٥١ ، ح ٤٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٢.

١٨٧

لأنّهم أمروا بطاعة كلّ رسول.

(وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (٥٩) ، يعني : كبراءهم الطّاغين.

و «عنيد» من عند ، عندا ، وعندا ، وعنودا : إذا طغى.

والمعنى : عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم ، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم.

(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : جعلت اللّعنة تابعة لهم في الدّارين ، تكبّهم في العذاب.

(أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) : جحدوه. أو كفروا نعمه. أو كفروا به ، فحذف الجارّ.

(أَلا بُعْداً لِعادٍ) : دعاء عليهم بالهلاك. والمراد به : الدّلالة على أنّهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكى عنهم. وإنما كرّر «ألا» وأعاد ذكرهم ، تفظيعا لأمرهم وحثّا على الاعتبار بحالهم.

(قَوْمِ هُودٍ) (٦٠) : عطف بيان «لعاد». وفائدته تمييزهم عن عاد الثّانية ، عاد إرم. والإيماء إلى استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : إنّ عادا كانت بلادهم في البادية من الشقيق (٢) إلى الأجفر أربعة منازل. وكان لهم زرع ونخيل كثير ، ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة ، فعبدوا الأصنام. وبعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الإسلام وخلع الأنداد ، فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه ، فكفّت السّماء عنهم سبع سنين حتّى قحطوا. وكان هود زرّاعا. وكان يسقي الزّرع ، فجاء قوم إلى بابه يريدونه ، فخرجت عليهم امرأة شمطاء عوراء.

فقالت : من أنتم؟

فقالوا : نحن من بلاد كذا وكذا ، أجدبت بلادنا ، فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله حتّى نمطر (٣) وتخصب بلادنا.

فقالت : لو استجيب (٤) لهود لدعا لنفسه ، فقد احترق زرعه لقلّة الماء.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : المشرق. والشقيق والأجفر : منزلان بطريق مكة.

(٣) المصدر : تمطر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : استجيبت.

١٨٨

قالوا : فأين هود؟

قالت : هو في موضع كذا وكذا.

فجاءوا إليه ، فقالوا : يا نبيّ الله ، قد أجدبت بلادنا ولم نمطر (١) ، فاسأل الله أن يخصب بلادنا ونمطر (٢).

فتهيّأ للصّلاة ، وصلّى ودعا لهم.

فقال لهم : ارجعوا ، فقد أمطرتم (٣) وأخصبت بلادكم.

فقالوا : يا نبيّ الله ، إنّا رأينا عجبا.

قال : وما رأيتم؟

قالوا : رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء ، قالت لنا : من أنتم ، وما تريدون؟ فقلنا : جئنا إلى هود ، ليدعو الله لنا فنمطر. فقالت : لو كان هود داعيا لدعا لنفسه ، فإنّ زرعه قد احترق.

فقال هود : تلك (٤) أهلي ، وأنا أدعو الله لها بطول البقاء.

فقالوا : وكيف ذلك؟

قال : لأنّه ما خلق الله مؤمنا إلّا وله عدوّ يؤذيه ، وهي عدوّتي. فلئن يكون عدوّي ممّن أملكه خير من أن يكون عدوّي ممّن يملكني.

فبقى هود في قومه يدعوهم إلى الله ، وينهاهم عن عبادة الأصنام حتّى تخصب (٥) بلادهم. وأنزل الله عليهم المطر ، وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) (الآيات). فلمّا لم يؤمنوا ، أرسل الله عليهم الرّيح الصّرصر [يعني : الباردة] (٦). وهو قوله في سورة القمر (٧) : (كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (٨). وحكى في سورة الحاقّة ، فقال : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) (٩).

__________________

(١ و ٢) المصدر : تمطر.

(٣) ب : مطرتم.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «هو ذاك» بدل «هود تلك».

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : أخصبت.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : «اقتربت» بدل «القمر».

(٨) القمر / ١٨ ـ ١٩.

(٩) الحاقة / ٦ ـ ٧.

١٨٩

قال : كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيّام.

قال : فحدّثني (١) أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ (٢) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : الرّيح العقيم تخرج من تحت الأرضين السّبع. وما خرج منها شيء قطّ إلّا على قوم عاد ، حين غضب الله عليهم. فأمر الخزّان أن يخرجوا منها ، مثل سعة الخاتم. فعصت على الخزنة ، فخرج منها ، مثل مقدار منخر الثّور تغيّظا منها على قوم عاد. فضجّ الخزنة إلى الله من ذلك.

فقالوا : يا ربّنا ، إنّها قد عصت (٣) علينا ، ونحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك وعمّار بلادك.

فبعث الله جبرئيل فردّها بجناحه ، وقال لها : اخرجي على ما أمرت به.

فخرجت (٤) على ما أمرت به ، فأهلكت (٥) قوم عاد ومن كان بحضرتهم.

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) : هو كوّنكم منها لا غيره. فإنّه خلق آدم وموادّ النّطف الّتي خلق نسله منها من التّراب.

(وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) : عمّركم واستبقاكم. من العمر. أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها.

وقيل (٦) : هو من العمرى ، بمعنى : أعمركم فيها دياركم ، ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم. أو جعلكم معمّرين دياركم تسكنونها مدّة عمركم ، ثمّ تتركونها لغيركم.

فعلى الأوّل «استعمر» ، بمعنى : أعمر. وعلى الثّاني ، بمعنى : جعلك معمّرا.

جاز في الاستفعال الوجهان.

(فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) : قريب الرّحمة.

(مُجِيبٌ) (٦١) : لداعيه.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

(٢) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ٢٤٦ وفي النسخ : خربوز.

(٣) المصدر : عتت.

(٤) المصدر : فرجعت وخرجت.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأهلك.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٣.

١٩٠

(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) : لما نرى فيك من مخايل الرّشد والسّداد ، أن تكون لنا سيّدا ومستشارا في الأمور ، وأن توافقنا في الدّين. فلمّا سمعنا هذا القول منك ، انقطع رجاؤنا عنك.

(أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) : على حكاية الحال الماضية.

(وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) : من التّوحيد ، والتّبرّؤ عن الأوثان.

(مُرِيبٍ) (٦٢) : موقع في الرّيبة. من أرابه. أو ذي ريبة ، على الإسناد المجازيّ. من أراب في الأمر.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) : بيان وبصيرة. وحرف الشّكّ باعتبار المخاطبين.

(وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) : نبوّة.

(فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) : فمن يمنعني من عذابه.

(إِنْ عَصَيْتُهُ) : في تبليغ رسالته ، والمنع عن الإشراك به.

(فَما تَزِيدُونَنِي) : إذن باستتباعكم إيّاي.

(غَيْرَ تَخْسِيرٍ) (٦٣) : غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله والتّعرّض لعذابه.

أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران.

(وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) انتصب «آية» على الحال ، وعاملها معنى الإشارة. و «لكم» حال منها تقدّمت عليها ، لتنكيرها.

(فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) : ترع نباتها وتشرب ماءها.

(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ) (٦٤) : عاجل. لا يتراخى عن مسّكم لها بالسّوء إلّا يسيرا ، وهو ثلاثة أيّام.

(فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ) : عيشوا في منازلكم ، أو في داركم الدّنيا.

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما يسأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه : ثمّ قام إليه آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله منه (٢) ، وأيّ أربعاء

__________________

(١) العيون ١ / ٢٤٧.

(٢) ليس في المصدر.

١٩١

هو؟

قال آخر أربعاء في الشّهر وهو المحاق ، وفيه قتل قابيل أخاه ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ : ويوم الأربعاء عقروا النّاقة.

(ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) : الأربعاء والخميس والجمعة ، ثمّ تهلكون.

(ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) (٦٥) ، أي : غير مكذوب فيه. فاتسع بإجرائه مجرى المفعول به : كقوله :

ويوما شهدناه سليما وعامرا

أو غير مكذوب على المجاز ، وكأنّ هذا الواعد قال له : أفي بك ، فإن وفى به صدّقه وإلّا كذّبه.

أو وعد غير كذب ، على أنّه مصدر ، كالمجلود والمعقول.

وفي مجمع البيان (١) : وروى جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا نزل الحجر في غزوة تبوك قام فخطب النّاس ، وقال : يا أيّها النّاس ، لا تسألوا نبيّكم الآيات. فهؤلاء قوم صالح سألوا نبيّهم أن يبعث لهم النّاقة ، فكانت ترد من هذا الفجّ فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها ، مثل الّذي كانوا يشربون من مائها يوم غبّها (٢). فعتوا عن أمر ربّهم (فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) فذلك وعد من الله غير مكذوب. ثمّ جاءتهم الصّيحة ، فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم ، إلّا رجلا كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله ـ تعالى ـ يقال له : أبو رغال (٣).

قيل : يا رسول الله ، من أبو رغال؟

قال : أبو ثقيف.

(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) ، أي : ونجّيناهم من خزي يومئذ. وهو هلاكهم بالصّيحة ، أو ذلّهم وفضيحتهم يوم القيامة.

وعن نافع (٤) والكسائيّ ، هنا وفي المعارج ، في قوله : «من عذاب يومئذ» بالفتح ،

__________________

(١) المجمع ٣ / ١٧٥.

(٢) الغبّ : من أوراد الإبل ، أن ترد الماء يوما وتدعه يوما ثمّ تعود.

(٣) نور الثقلين ٢ / ٣٧٤ ، ح ١٥١ : أبو زعال.

١٩٢

على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (٦٦) : القادر على كلّ شيء والغالب عليه.

وفي أصول الكافي (١) : محمّد بن أبي عبد الله ، رفعه إلى أبي هاشم الجعفريّ قال : كنت عند أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ. فسأله رجل ، فقال : أخبرني عن الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ له أسماء وصفات في كتابه ، وأسماؤه وصفاته هي هو (٢)؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ لهذا الكلام وجهين.

ـ إلى قوله ـ : وكذلك سمّينا ربّنا قويّا ، لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق. ولو كانت قوته [قوة] (٣) البطش المعروف من المخلوق ، لوقع التّشبيه ولاحتمل الزّيادة. وما احتمل الزيادة ، احتمل (٤) النقصان. وما كان ناقصا ، [كان] (٥) غير قديم. وما كان غير قديم ، كان عاجزا.

(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) (٦٧) : ميّتين.

(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) : كأن لم يقيموا فيها أحياء. وتمام القصّة قد سبق في سورة الأعراف.

(أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ).

نوّنه أبو بكر ، ها هنا ، وفي النّجم. والكسائي في جميع القرآن. وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله : «(أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (٦٨). ذهابا إلى الحيّ ، أو الأب الأكبر.

وفي روضة الكافي (٦) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس ، عن الحسن بن عبد الرّحمن ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يذكر فيه قصّة صالح ـ عليه السّلام ـ وقوله. وفيه قال : يا قوم ، [إنّكم] (٧) تصبحون

__________________

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٤.

(١) الكافي ١ / ١١٦ و ١١٧ صدر وقطعة من ح ٧.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : هي.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «احتمال» بدل «وما احتمل الزيادة احتمل».

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٨ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، ذيل ح ٢١٤.

(٧) من المصدر.

١٩٣

غدا ووجوهكم مصفرّة ، واليوم الثّاني ووجوهكم محمرّة ، واليوم الثّالث ووجوهكم مسودّة.

فلمّا أن كان أوّل يوم ، أصبحوا ووجوههم مصفرّة. فمشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : قد جاءكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم : لا نسمع قول صالح ، ولا نقبل قوله وإن كان عظيما.

فلمّا كان اليوم الثّاني ، أصبحت وجوههم محمّرة. فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا : يا قوم ، قد جاءكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم : لو أهلكنا (١) جميعا ، ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا الّتي كان آباؤنا يعبدونها.

ولم يتوبوا ، ولم يرجعوا. فلمّا كان اليوم الثّالث ، أصبحوا ووجوههم مسوّدة. فمشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : يا قوم ، أتاكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم : قد أتانا ما قال لنا صالح.

فلمّا كان نصف اللّيل ، أتاهم جبرئيل ، فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصّرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم. وقد كانوا في تلك الثّلاثة أيّام قد تحنّطوا وتكفّنوا ، وعلموا أنّ العذاب نازل بهم. فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية (٢) ولا شيء إلّا أهلكه الله. فأصبحوا في ديارهم وكانوا في (٣) مضاجعهم موتى أجمعين ، ثمّ أرسل الله عليهم مع الصّيحة النّار من السّماء ، فأحرقهم أجمعين.

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ) ، يعني : الملائكة.

قيل (٤) : كانوا تسعة.

وقيل (٥) : كانوا ثلاثة : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل.

وفي مجمع البيان (٦) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قيل : كانوا أربعة : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : «إن هلكنا».

(٢) كذا في المصدر وفي النسخ : ناعية ولا داعية.

(٣) ليس في المصدر : كانوا في.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٤.

(٦) المجمع ٣ / ١٧٩.

١٩٤

(بِالْبُشْرى).

قيل (١) : بهلاك قوم لوط.

وفي مجمع البيان (٢) ، وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ هذه البشارة كانت بإسماعيل ، من هاجر.

ويأتي من العلل.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : أنّها بإسحاق.

(قالُوا سَلاماً) : سلّمنا عليك سلاما. ويجوز نصبه ب «قالوا» ، على معنى ذكروا سلاما.

(قالَ سَلامٌ) : ، أي : أمركم ، أو جوابي سلام ، أو عليكم سلام. رفعه إجابة بأحسن من تحيّتهم.

وقرأ (٥) حمزة والكسائيّ : «سلم» ، وكذلك في الذّاريات. وهما لغتان ، كحرم ، أو حرام.

وقيل (٦) : المراد به : الصّلح.

(فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٦٩) : فما أبطأ مجيئه به ، أو فما أبطأ في المجيء به ، أو فما تأخّر عنه. والجارّ مقدّر أو محذوف.

و «الحنيذ» المشويّ بالرّضف (٧).

وقيل (٨) الّذي يقطر (٩) ودكه. من حنذت الفرس : إذا عرقته بالجلال. لقوله : «بعجل سمين» (١٠).

وفي تفسير العيّاشيّ (١١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ ، يعني : زكيا (١٢) مشويّا نضيجا.

وعن الصّادق ـ عليه السّلام ـ (١٣) ، يعني : مشويّا نضيجا.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٤.

(٢) المجمع ٣ / ١٧٩.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ١٥٢ ، ضمن ح ٤٤.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ١٥٢ ، ح ٤٤ و ٤٥.

٥ و ٦ ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٧٤.

(٧) الرضف ـ جمع رضفة ـ : الحجر المحمى بالنّار او الشمس.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقطرك.

(١٠) الذاريات : ٢٦.

(١١) تفسير العياشي ٢ / ١٥٢ ، ضمن ح ٤٤.

(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : ذكيا.

١٩٥

وعنه (١) ـ عليه السّلام ـ : أنّه قال : كلوا.

فقالوا : لا نأكل ، حتّى تخبرنا ما ثمنه.

فقال : إذا أكلتم ، فقولوا : بسم الله. وإذا فرغتم ، فقولوا : الحمد لله.

فالتفت جبرئيل إلى أصحابه ، وكانوا أربعة رئيسهم جبرئيل ، فقال : حقّ لله أن يتّخذ هذا خليلا (٢).

(فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ) : لا يمدّون إليه أيديهم.

(نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) : أنكر ذلك منهم ، وخاف أن يريدوا به مكروها.

و «نكر» و «أنكر» و «استنكر» بمعنى.

والإيجاس : الإدراك.

وقيل (٣) : الإضمار.

(قالُوا) : له لمّا أحسّوا منه أثر الخوف.

(لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) (٧٠) : إنّا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب.

وإنّما لم نمدّ إليه أيدينا ، لأنّا لا نأكل.

(وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ) : وراء السّتر تسمع محاورتهم ، أو على رؤوسهم للخدمة. وهي سارة ، ابنة لاحج. وهي ابنة خالته.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : إنّما عنى : سارة.

(فَضَحِكَتْ) : سرورا بزوال الخيفة. أو بهلاك أهل الفساد. أو بإصابة رأيها ، فإنّها كانت تقول لإبراهيم : أضمم إليك لوطا ، فإنّي أعلم أنّ العذاب ينزل بهؤلاء القوم.

وقيل (٥) : «فضحكت» ، أي : فحاضت.

قال [الشاعر :] (٦)

وعهدي بسلمى ضاحكا في لبابة

ولم تعد حقّا ثديها أن تحلبا

__________________

(١٣) نفس المصدر والمجلد / ١٥٤ ، ح ٤٨.

(١) نفس المصدر والمجلّد / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، ح ٤٧ بتصرّف في صدره.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : خليله.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٤.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٥٢ ، ضمن ح ٤٤.

١٩٦

ومنه : ضحكت السّمرة : إذا سال صمغها.

وقرئ (١) ، بفتح الحاء.

وفي كتاب علل الشّرائع (٢) ، وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الباقر ، يعني : تعجّبت (٤) من قولهم.

وفي معاني الأخبار (٥) ، وفي مجمع البيان (٦) ، وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : حاضت.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : ضحكت ، أي : حاضت. وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل.

(فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (٧١).

نصبه (٩) ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسّره ما دلّ عليه الكلام ، وتقديره : ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب.

وقيل (١٠) : إنّه معطوف على موضع «بإسحاق» ، أو على لفظ «إسحاق». وفتحته للجرّ ، فإنّه غير منصرف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظّرف.

وقرأ (١١) الباقون ، بالرّفع ، على أنّه مبتدأ خبره الظّرف ، أي : ويعقوب مولود من بعده.

وقيل (١٢) : «الوراء» ولد الولد. ولعلّه سمّي به ، لأنّه بعد الولد. وعلى هذا تكون إضافته إلى إسحاق ليس من حيث أنّ يعقوب وراءه ، بل من حيث أنّه وراء إبراهيم من جهته ، وفيه نظر. والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة ، كيحيى. ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا ، فسميا (١٣) به. وتوجيه البشارة إليها للدّلالة على أنّ الولد المبشّر به

__________________

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٤.

(٦) من المصدر.

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) العلل / ٥٥٠ ، ذيل ح ٤.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٥٢ ، ذيل ح ٤٤.

(٤) تفسير العياشي : فعجبت.

(٥) معاني الأخبار / ٢٢٤ ، ح ١.

(٦) المجمع ٣ / ١٨٠.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ١٥٢ ، صدر ح ٤٥.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٣٣٤.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٤.

(١٠) نفس المصدر والموضع.

(١١ و ١٢) نفس المصدر والموضع.

(١٣) كذا في المصدر. وفي أ ، ب : فسميناه به ،

١٩٧

يكون منها ، ولأنّها كانت عقيمة حريصة على الولد.

(قالَتْ يا وَيْلَتى) : يا عجبا. وأصله في الشّرّ ، فأطلق في كلّ أمر فظيع.

وقرئ (١) ، بالياء ، على الأصل.

(أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) : ابنة تسعين.

(وَهذا بَعْلِي) : زوجي. وأصله القائم بالأمر.

(شَيْخاً) : ابن مائة وعشرين.

ونصبه على الحال ، والعامل فيها معنى الإشارة.

وقرئ (٢) ، بالرّفع ، على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو شيخ. أو خبر بعد خبر.

أو هو الخبر ، و «بعلي» بدل.

وفي كتاب علل الشّرائع (٣) : عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ : وهي يومئذ ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم يومئذ ابن عشرين ومائة سنة.

وسيأتي الخبر بتمامه.

(إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (٧٢) ، يعني : الولد من هرمين (٤). وهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة ، ولذلك (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) : منكرين عليها. فإنّ خوارق العادات ، باعتبار أهل بيت النّبوّة ومهبط المعجزات وتخصيصهم بمزيد النّعم والكرامات ، ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل ، فضلا عمّن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات.

و «أهل البيت» نصب على المدح ، أو النداء لقصد التّخصيص ، كقولهم : اللهم ، اغفر لنا أيّتها العصابة.

وفي كتاب معاني الأخبار (٥) : أنّ الصّادق ـ عليه السّلام ـ سلّم على رجل.

فقال الرّجل : وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته ورضوانه.

فقال : لا تجاوزوا بنا قول الملائكة لأبينا إبراهيم : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ

__________________

وفي سائر النسخ : فسمياه به.

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٥.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) العلل / ٥٥١ ، صدر ح ٦.

(٤) الهرم : الشيخ ، يبلغ أقصى الكبر.

(٥) لم نعثر عليه في المعاني ولا في مظانه من البحار ولكن رواه تفسير نور الثقلين ٢ / ٣٨٦ ح ١٧٠.

١٩٨

الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

وفي أصول الكافي (١) : أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن جميل ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : مرّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بقوم ، فسلّم عليهم.

فقالوا : عليك السّلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه.

فقال لهم أمير المؤمنين : لا تجاوزوا بنا ، مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم ، إنّما قالوا : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ).

وفي روضة الكافي (٢) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس ، عن عليّ بن حمّاد عن (٣) عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) (٤) [فأصل الشجرة المباركة] (٥) إبراهيم ـ عليه السّلام ـ. وهو قول الله ـ تعالى ـ : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ عليّ بن أبي طالب مرّ بقوم فسلّم عليهم.

فقالوا : وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه.

فقال لهم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : لا تجاوزوا بنا (٧) ما قالت الأنبياء لأبينا إبراهيم ـ عليه السّلام ـ. إنّما قالوا : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

وروى (٨) الحسن بن محمّد ، مثله. غير أنّه قال : ما قالت الملائكة [لأبينا ـ عليه السّلام ـ] (٩).

(إِنَّهُ حَمِيدٌ) : فاعل ما يستوجب به الحمد.

(مَجِيدٌ) (٧٣) : كثير الخير والإحسان.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٦٤٦ ، ح ١٣.

(٢) الكافي ٨ / ٣٨١ ، ضمن ح ٥٧٤.

(٣) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٥٧٧. وفي النسخ : بن.

(٤) النور / ٣٥.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٥٤ ، ح ٥٠.

(٧) المصدر : «تجاوزنا» بدل «تجاوزوا بنا».

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) من المصدر.

١٩٩

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : أوحى الله إلى إبراهيم ، أنّه سيولد لك. فقال لسارة.

فقالت : (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ).

فأوحى الله إليه ، أنّها ستلد ويعذّب أولادها أربعمائة سنة بردّها الكلام عليّ.

قال : فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب ، ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا. فأوحى الله إلى موسى وهارون ، نخلّصهم من فرعون. فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة.

قال : وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هكذا أنتم ، لو فعلتم لفرّج الله عنّا. فأمّا إذا لم تكونوا ، فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه.

(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) ، أي : ما أوجس من الخيفة ، واطمأنّ قلبه بعرفانهم.

(وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) : بدل «الرّوع».

(يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) (٧٤) : يجادل رسلنا في شأنّهم. ومجادلته إيّاهم قوله : (إِنَّ فِيها لُوطاً). وكان لوط ابن خالته.

وهو إمّا جواب لمّا جيء به مضارعا على حكاية الحال. أو لأنّه في سياق الجواب بمعنى الماضي ، كجواب لو. أو دليل جوابه المحذوف ، مثل اجترأ على خطابنا ، أو شرع في جدالنا. أو متعلّق به ، فقام مقامه ، مثل أخذ ، أو أقبل يجادلنا.

(إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) : غير عجول على الانتقام على من أساء إليه.

(أَوَّاهٌ) : كثير التّأوّه من الذّنوب والتّأسّف على النّاس.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عنهما ـ عليهما السّلام ـ قالا : دعّاء.

(مُنِيبٌ) (٧٥) : راجع إلى الله. والمقصود من ذلك : بيان الحامل له على المجادلة ، وهو رقّة قلبه وفرط ترحّمه.

(يا إِبْراهِيمُ) : على إرادة القول ، أي : قالت الملائكة : يا إبراهيم.

(أَعْرِضْ عَنْ هذا) : الجدال ، وإن كانت الرّحمة حملتك عليه فلا فائدة فيه.

(إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) : قضاؤه وحكمه ، الّذي لا يصدر إلّا عن حكمة.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٥٤ ، ح ٤٩.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٥٤ ، ح ٥١.

٢٠٠