تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) : إذا قرأت القرآن وعلّمت الشّرائع ولكن لا يقبلون ، كالأصمّ الّذي لا يسمع أصلا.

(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) : تقدر على إسماعهم.

(وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) (٤٢) : ولو انضمّ إلى صممهم عدم تعقّلهم.

وفيه تنبيه ، على أنّ حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه. ولذلك لا يوصف به البهائم. وهو لا يتأتّى ، إلّا باستعمال العقل السّليم في تدبّره. وعقولهم لمّا كانت مؤوفة بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتّقليد ، تعذّر إفهامهم الحكم والمعاني الدّقيقة. فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام النّاعق.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) : يعاينون دلائل نبوّتك ولكن لا يصدّقونك.

(أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) : تقدر على هدايتهم.

(وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) (٤٣) : وإن انضمّ إلى عدم البصر عدم البصيرة. فإنّ المقصود من الإبصار : هو الاعتبار والاستبصار. والعمدة في ذلك البصيرة ، ولذلك يحدس الأعمى المستبصر يتفطّن ما لا يدركه البصير الأحمق. والآية ، كالتّعليل للأمر بالتّبرّي والإعراض عنهم.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) : بسلب حواسّهم وعقولهم.

(وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٤) : بإفسادها وتفويت منافعها عليهم.

وفيه دليل ، على أنّ للعبد فعلا ، وأنّه ليس مسلوب الاختيار بالكلّيّة ، كما زعمت الأشاعرة.

ويجوز أن يكون وعيدا لهم ، بمعنى : أنّ ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله لا يظلمهم به ، ولكنّهم ظلموا به أنفسهم باقتراف أسبابه.

وقرأ حمزة والكسائيّ ، بالتخفيف ورفع «النّاس».

وفي الكافي (١) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله الحليم (٢) العليم إنّما غضبه على من لم يقبل منه رضاه ، وإنّما يمنع من لم يقبل منه عطاءه ، وإنّما يضلّ من لم يقبل منه هداه. (الحديث).

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) : يستقصرون مدّة لبثهم في

__________________

(١) تفسير الصافي ٢ / ٤٠٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحكيم.

٦١

الدّنيا أو القبور ، لهول ما يرون.

والجملة التّشبيهيّة في موقع الحال ، أي : يحشرهم مشبّهين بمن لم يلبث إلّا ساعة.

أو صفة «ليوم» والعائد محذوف ، تقديره : كأن لم يلبثوا قبله. أو لمصدر محذوف ، أي : حشرا كأن لم يلبثوا قبله.

(يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) : يعرف بعضهم بعضا ، كأنّهم لم يتفارقوا إلّا قليلا. فهذا أوّل ما نشروا ، ثمّ ينقطع التّعارف لشدّة الأمر عليهم.

وهو حال أخرى مقدّرة. أو بيان لقوله : «كأن لم يلبثوا». أو متعلّق الظّرف ، والتّقدير : يتعارفون يوم يحشرهم.

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) : استئناف ، للشّهادة على خسرانهم والتّعجب منه. ويجوز أن يكون حالا من الضّمير في «يتعارفون» ، على إرادة القول.

(وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٤٥) : لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف ، فاستكسبوا بها جهالات أدّت بهم إلى الرّدى والعذاب الدّائم.

(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) : نبصّرنّك.

(بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) : من العذاب في حياتك ، كما أراه يوم بدر.

(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) : قبل أن نريك.

(فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) : فنريكه في الآخرة. وهو جواب «نتوفّينّك». وجواب «نرينّك» محذوف ، مثل فذاك.

(ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) (٤٦) : مجاز عليه ذكر الشّهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها ، ولذل رتّبها على الرّجوع «بثُمّ». أو مؤدّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) : من الأمم الماضية.

(رَسُولٌ) : يبعث إليهم ليدعوهم إلى الحقّ.

(فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) : بالبيّنات ، فكذّبوه.

(قُضِيَ بَيْنَهُمْ) : بين الرّسول ومكذّبيه.

(بِالْقِسْطِ) : بالعدل. فانجي الرّسول ، وأهلك المكذّبون (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٤٧).

وقيل (١) : معناه : لكلّ أمّة يوم القيامة رسول تُنسب إليه. فإذا جاء رسولهم الموقف

٦٢

ليشهد عليهم بالكفر والإيمان ، قضي بينهم بإنجاء المؤمن وعقاب الكافر لقوله : (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ).

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : تفسيرها بالباطن : أنّ لكلّ قرن من هذه الأمّة رسولا من آل محمّد يخرج إلى القرن الّذي هو إليهم رسول ، وهم الأولياء وهم الرّسل. وأمّا قوله : (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) قال : معناه : أنّ رسل الله يقضون بالقسط (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ، كما قال الله.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) : استبعادا له ، واستهزاء به.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٨) : خطاب منهم للنّبيّ والمؤمنين.

(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً) : فكيف أملك لكم ، فاستعجل في جلب العذاب إليكم.

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : أن أملكه. أو ولكن ما شاء الله من ذلك كائن.

(لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) : مضروب لهلاكهم.

(إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٤٩) : لا يتأخّرون ولا يتقدّمون. فلا تستعجلوا ، فيجيء وقتكم وينجز وعدكم.

وقوله : «لا يستقدمون» معطوف على الشّرطيّة.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن حمران قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِذا جاءَ) (الآية).

قال : هو الّذي سمّي لملك الموت ليلة القدر.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ) : الّذي تستعجلون به.

(بَياتاً) : وقت بيات واشتغال بالنّوم.

(أَوْ نَهاراً) : حين كنتم منشغلين بطلب معاشكم.

(ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) (٥٠) : أيّ شيء من العذاب يستعجلونه وكلّه مكروه لا يلائم الاستعجال؟! وهو متعلّق «ب أرأيتم» ، لأنّه بمعنى : أخبروني. و «المجرمون» وضع موضع

__________________

(١) المجمع ٣ / ١١٤ بتفاوت يسير وأنوار التنزيل ١ / ٤٤٩.

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٢٣ ، ح ٢٣.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٢٣ ، ح ٢٤.

٦٣

الضّمير ، للدّلالة على أنّهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيء الوعيد لا لأن يستعجلوه.

وجواب الشّرط محذوف ، وهو : تندموا على الاستعجال ، أو تعرفوا خطأه.

ويجوز أن يكون الجواب «ما ذا» ، كقولك : إن أتيتك ما ذا تعطيني؟ وتكون الجملة متعلّقة «ب أرأيتم» ، أو بقوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ). بمعنى : إن أتاكم عذابه ، آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان.

وعلى التّقدير الآخر «ما ذا يستعجل» اعتراض ، ودخول حرف الاستفهام على «ثمّ» لإنكار التّأخير.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ـ إلى قوله ـ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) : فهذا عذاب ينزل في آخر الزّمان على فسقة أهل القبلة ، وهم يجحدون نزول العذاب عليهم.

وفي مجمع البيان (٢) : عنه ـ عليه السّلام ـ مثله.

(آلْآنَ) : على إرادة القول ، أي : قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب : الآن آمنتم به.

وعن نافع (٣) «الآن» بحذف الهمزة ، وإلقاء حركتها على اللّام.

(وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (٥١) : تكذيبا واستهزاء.

(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) : عطف على «قيل» المقدّر.

(ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) : المؤلم على الدّوام.

(هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٥٢) : من الكفر والمعاصي.

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) : ويستخبرونك.

(أَحَقٌّ هُوَ).

قيل (٤) : أحقّ ما تقول من الوعد أو ادّعاء النّبوّة ، تقوله بجدّ أم باطل تهزل به.

قيل (٥) : قاله حيّ بن أخطب لما قدم مكّة.

والأظهر ، أنّ الاستفهام فيه على أصله ، لقوله : «ويستنبئونك».

وقيل (٦) : إنّه للإنكار. ويؤيّده أنّه قرئ : «الحقّ هو» ، فإنّ فيه تعريضا بأنّه

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٢.

(٢) المجمع ٣ / ١١٥ بتفاوت.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٠.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٦٤

باطل. و «أحقّ» مبتدأ ، والضّمير مرتفع به سادّ مسدّ الخبر. أو خبر مقدّم ، والجملة في موضع النّصب ب «يستنبئونك».

(قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) : أنّ العذاب لكائن. أو ما ادّعيته لثابت.

وقيل (١) : كلا الضّميرين للقرآن.

و «إي» بمعنى : نعم. وهو من لوازم القسم. ولذلك يوصل بواوه في التّصديق ، فيقال : إي والله. ولا يقال : إي ، وحده.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه] (٣) ، عن القسم بن محمّد الجوهريّ ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) : ما تقول في (٤) عليّ ـ عليه السّلام ـ. (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).

وفي أمالي الصّدوق (٥) : حدّثنا محمّد بن الحسن ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي عبد الله الصّادق ـ عليه السّلام ـ ، عن أبيه ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ ـ إلى قوله ـ لَحَقٌ).

قال : يستنبئك ، يا محمّد ، أهل مكّة عن عليّ بن أبي طالب إمام هو؟ (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) ، مثله.

وفي شرح الآيات الباهرة (٧) : روى أبو عبد الله الحسين بن جبير ـ رحمه الله ـ في نخب المناقب ، حدّثنا مسندا عن الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).

قال : يسألونك ، يا محمّد : أعليّ ـ عليه السّلام ـ وصيّك؟ قل : إي وربّي ، إنّه

__________________

(٥ و ٦) نفس المصدر والموضع.

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ١ / ٤٣٠ ، ح ٨٧.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ما يقول محمد في» بدل «ما تقول في».

(٥) أمالي الصدوق / ٥٣٥ ، ح ٧.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣١٣.

(٧) تأويل الآيات الباهرة ١ / ٢١٤.

٦٥

لوصيّي.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥٣) : بفائتين العذاب.

(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) قيل (١) : بالشّرك ، أو التّعدّي على الغير.

(ما فِي الْأَرْضِ) : من خزائنها وأموالها.

(لَافْتَدَتْ بِهِ) : لجعلته فدية من العذاب. من قولهم : افتدى به ، بمعنى : فداه.

(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ).

قيل (٢) : لأنّهم بهتوا بما عاينوا ممّا لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهو له ، فلم يقدروا أن ينطقوا.

وقيل (٣) : (أَسَرُّوا النَّدامَةَ) أخلصوها. لأنّ إخفاءها إخلاصها. أو لأنّه يقال : سرّ الشّيء ، لخالصته. من حيث أنّها تخفى ويضنّ (٤) بها.

وقيل (٥) : أظهروها. من قولهم : أسرّ الشّيء وأشره : إذا أظهره.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : ثمّ قال : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) آل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ حقّهم. (ما فِي الْأَرْضِ) جميعا (لَافْتَدَتْ بِهِ) ذلك الوقت ، يعني : الرّجعة.

وحدّثني محمّد بن جعفر (٧) قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسين ، عن صالح بن أبي حمار (٨) ، عن أبي (٩) الحسن بن موسى الخشّاب ، عن رجل ، عن حمّاد بن عيسى ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سئل عن قوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ). قال : قيل له : ما ينفعهم إسرار النّدامة وهم في العذاب؟

قال : كرهوا شماتة الأعداء.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٠.

(٢) نفس المصدر والموضع ، وتفسير الصافي ٢ / ٤٠٦.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) ضنّ به عليه : بخل.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣١٣.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣١٣.

(٨) المصدر : صالح بن أبي عمّار. وجامع الرواة ١ / ٤٠٥ : صالح بن أبي حمّاد.

(٩) ليس في المصدر : أبي.

٦٦

وفي روضة الكافي (١) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. يقول فيه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وشرّ النّدامة ندامة يوم القيامة.

(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٥٤) : ليس تكريرا. لأنّ الأوّل قضاء بين الأنبياء ومكذّبيهم ، والثّاني مجازاة المشركين على الشّرك أو الحكومة بين الظّالمين والمظلومين. والضّمير إنّما يتناولهم ، لدلالة الظّلم عليهم.

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : تقرير لقدرته ـ تعالى ـ على الإثابة والعقاب.

(أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) : ما وعده من الثّواب والعقاب كائن لا خلف فيه.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٥) : لأنّهم لا يعلمون ، لقصور عقلهم ، إلّا ظاهرا من الحياة الدّنيا.

(هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) : في الدّنيا ، فهو يقدر عليها في العقبى. لأنّ القادر لذاته لا تزول قدرته. والمادّة القابلة بالذّات ، الحياة والموت ، قابلة لهما أبدا.

(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٥٦) : بالموت والنّشور.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٥٧) ، أي : قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العمليّة الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها والمرغّبة في المحاسن والزّاجرة عن المقابح ، والحكمة النّظريّة الّتي هي شفاء لما في الصّدور من الشّكوك وسوء الإعتقاد ، وهدى إلى الحقّ واليقين ، ورحمة للمؤمنين حيث أنزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضّلال إلى نور الإيمان وتبدّلت مقاعدهم من طبقات النّيران بمصاعد من درجات الجنان.

والتّنكير فيها ، للتّعظيم.

وفي كتاب الإهليلجة (٢) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : وأنزل عليكم (٣) كتابا فيه شفاء لما في الصّدور من أمر (٤) الخواطر ومشبهات (٥) الأمور.

وفي أصول الكافي (٦) : عليّ ، عن أبيه ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي

__________________

(١) الكافي ٨ / ٨٢ ، ضمن ح ٣٩.

(٢) البحار ٣ / ١٥٢.

(٣) المصدر : انزاله عليهم.

(٤) المصدر : أمراض.

(٥) المصدر : مشتبهات.

(٦) الكافي ٢ / ٦٠٠ ، ح ٧.

٦٧

عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : شكا رجل إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجعا في صدره.

قال : استشف بالقرآن. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ).

وفي روضة الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن عليّ بن عيسى ، رفعه قال : إنّ موسى ـ عليه السّلام ـ ناجاه الله ـ تبارك وتعالى ـ. فقال في مناجاته : يا موسى ، لا يطول في الدّنيا املك. وذكر حديثا قدسيّا طويلا. يقول فيه ـ عزّ من قائل ـ وقد ذكر محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ولأنزلنّ عليه قرآنا فرقانا شفاء لما في الصّدور من نفث (٢) الشّيطان.

وفي نهج البلاغة (٣) : قال ـ عليه السّلام ـ : وتعلّموا القرآن ، فإنّه ربيع القلوب.

واستشفوا بنوره ، فإنّه شفاء لما في الصّدور.

(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) «الباء» متعلّقة بفعل يفسّره قوله : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا). فإنّ اسم الإشارة بمنزلة الضّمير ، تقديره : بفضل الله وبرحمته فليعتنوا ، أو فليفرحوا (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا). وفائدة ذلك التّكرير ، التأكيد والبيان بعد الإجمال وإيجاب اختصاص الفضل والرّحمة بالفرح.

أو بفعل دلّ عليه «قد جاءتكم». وذلك إشارة إلى مصدره ، أي : فبمجيئها فليفرحوا.

و «الفاء» بمعنى الشرط ، كأنّه قيل : إن يفرحوا بشيء فيهما ، فليفرحوا. أو للرّبط بما قبلها. والدّلالة على أنّ مجيء الكتاب الجامع بين هذه الصّفات موجب للفرح وتكريرها للتّأكيد ، كقوله :

لا تجزعي ان منفسا بأهلكة

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (٤)

وعن يعقوب (٥) : «فلتفرحوا» بالتاء ، على الأصل المرفوض.

وقد روي ، مرفوعا. ويؤيّده أنّه قرئ : «فافرحوا».

(هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨) : من حطام الدّنيا ، فإنّها إلى الزّوال. وهو ضمير

__________________

(١) الكافي ٨ / ٤٢ ، ح ٨.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : نفس.

(٣) نهج البلاغة / ١٦٤ خطبة ١١٠.

(٤) صدر البيت ليس في أنوار التنزيل ١ / ٤٥١.

(٥) نفس المصدر والموضع.

٦٨

«ذلك».

وقرأ (١) ابن عامر : «تجمعون» على معنى : فبذلك فليفرح المؤمنون ، فهو خير ممّا تجمعونه أيّها المخاطبون.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : ثمّ قال ـ جلّ ذكره ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ـ إلى قوله ـ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : والقرآن.

ثمّ قال : قل لهم ، يا محمّد : (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

قال : «الفضل» رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. و «رحمته» أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) قال : [فليفرح] (٣) شيعتنا ، هو خير ممّا أعطوا أعداءنا من الذّهب والفضّة.

وفي مجمع البيان (٤) : روي ، عن أنس ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : من هداه الله للإسلام وعلّمه القرآن ثمّ شكا بالفاقة ، كتب الله الفاقة بين عينيه إلى يوم القيامة. ثمّ تلا : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) (الآية).

وقال أبو جعفر (٥) ـ عليه السّلام ـ : «فضل الله» رسوله. و «رحمته» عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وفي أصول الكافي (٦) : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن محمّد بن الفضيل ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

قال : بولاية محمّد وآل محمّد ـ عليهم السّلام ـ هو خير ممّا يجمع هؤلاء من دنياهم.

وفي أمالي الصّدوق (٧) ـ رحمه الله ـ ، بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : والّذي بعث محمّدا بالحقّ

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣١٣.

(٣) من المصدر.

(٤) المجمع ٣ / ١١٧.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) الكافي ١ / ٤٢٣ ، ح ٥٥.

(٧) أمالي الصدوق / ٤٠٠ ، ح ١٣.

٦٩

نبيّا ، ما آمن بي من أنكرك ، ولا أقرّ بي من جحدك ، ولا آمن بالله من كفر بك.

وأنّ فضلك لمن فضلي ، وأنّ فضلي لفضل الله ـ عزّ وجلّ ـ. وهو قول ربّي ـ عزّ وجلّ ـ : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (١) (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). «ففضل الله» نبوة نبيّكم. و «رحمته» ولاية عليّ بن أبي طالب. «فبذلك» قال : بالنّبوة والولاية.

«فليفرحوا» ، يعني : الشّيعة. (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، يعني : مخالفيهم من الأهل والمال والولد في دار الدّنيا.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا).

قال : فليفرح (٣) شيعتنا. «هو خير ممّا» أعطي عدوّنا من الذّهب والفضّة.

عن أبي حمزة (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال قلت : (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). قال : الإقرار بنبوّة محمّد ـ عليه وآله السّلام ـ.

والائتمام (٥) بأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. هو خير ممّن يجمع هؤلاء في دنياهم.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) : جعل الرّزق منزّلا ، لأنّه مقدّر في السّماء محصّل بأسباب منها.

و «ما» في موضع النّصب «بأنزل» ، أو ب «أرأيتم» فإنّه بمعنى : أخبر وفي.

و «لكم» دلّ على أنّ المراد منه : ما حلّ.

(فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) ، مثل (هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) (٦) (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) (٧).

(قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) : في التّحريم والتّحليل ، فتقولون ذلك بحكمه.

(أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٥٩) : في نسبة ذلك إليه.

ويجوز أن تكون المنفصلة متّصلة «ب أرأيتهم». و «قل» مكرّر للتّأكيد. والمعنى : أخبروني آلله إذن لكم في التّحليل والتّحريم ، فأنتم تفعلون ذلك بإذنه ، أم تكذبون على

__________________

(١) أ ، ب ، ر : فليفرحوا يعني الشيعة.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٢٤ ، ح ٢٨.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : فليفرحوا.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٩.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الائتمار.

(٦) الأنعام / ١٣٨.

(٧) الأنعام / ١٣٩.

٧٠

الله في نسبة ذلك إليه.

ويجوز أن يكون الاستفهام للإنكار ، و «أم» منقطعة. ومعنى الهمزة فيها التّقرير ، لافترائهم على الله.

(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) : أيّ شيء ظنّهم؟

(يَوْمَ الْقِيامَةِ) : أيحسبون أن لا يجازوا عليه.

وهو منصوب بالظّنّ. ويدلّ عليه أنّه قرئ بلفظ الماضي ، لأنّه كائن. وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم.

(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) : حيث أنعم عليهم بالعقل ، وهداهم بإرسال الرّسل وإنزال الكتب.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (٦٠) : هذه النّعمة.

(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) : ولا تكون في أمر.

وأصله الهمز ، من شأنت شأنه : إذا قصدت قصده. والضّمير في (وَما تَتْلُوا مِنْهُ) له. لأنّ تلاوة القرآن معظّم شأن الرّسول ، أو لأنّ القراءة تكون لشأن. فيكون التّقدير : من أجله. ومفعول تتلو (مِنْ قُرْآنٍ). على أنّ «من» تبعيضيّة ، أو مزيدة لتأكيد النّفي ، أو للقرآن. وإضماره قبل الذّكر ثمّ بيانه ، تفخيم له أو لله.

(وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) : تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم. ولذلك ذكر حيث خصّ ما فيه فخامة ، وذكر حيث عمّ ما يتناول الجليل والحقير.

(إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) : رقباء مطّلعين عليه.

(إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) : تخوضون فيه وتندفعون.

وفي مجمع البيان (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ. وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا قرأ هذه الآية ، بكى بكاء شديدا.

(وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) : ولا يبعد عنه ، ولا يغيب عن علمه.

وقرأ (٢) الكسّائيّ ، بكسر الزّاء.

(مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) : موازن نملة صغيرة ، أو هباء.

__________________

(١) المجمع ٣ / ١١٩ ، وتفسير القمّي ١ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٢.

٧١

(فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ، أي : في الوجود والإمكان. فإنّ العامّة لا تعرف ممكنا غيرهما ليس فيهما ولا متعلّقا بهما. وتقديم «الأرض» لأنّ الكلام في حال أهلها.

والمقصود منه : هو البرهان على إحاطة علمه بها.

وفي كتاب التّوحيد (١) : عن عليّ ـ عليه السّلام ـ. يقول فيه ، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات : وأمّا قوله : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) كذلك ربّنا لا يعزب عنه شيء. وكيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق وهو الخلّاق العليم.

(وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١) : كلام برأسه مقرّر لما قبله.

و «لا» نافية للجنس. و «أصغر» أسمها. و «في كتاب» خبرها.

وقرأ (٢) حمزة ويعقوب ، بالرّفع ، على الابتداء والخبر. ومن عطف على لفظ «مثقال ذرّة» وجعل الفتح بدل الكسر ، لامتناع الصّرف ، أو على محلّه مع الجارّ ، جعل الاستثناء منقطعا.

وقيل (٣) : المراد بالكتاب : اللّوح المحفوظ.

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) : الّذين يتولّونه بالطّاعة ، ويتولّاهم بالكرامة.

(لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) : من لحوق مكروه.

(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) : لفوات مأمول.

والآية ، كمجمل فسّره قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٦٣) : بيان لتولّيهم إيّاه.

ومحلّ «الّذين آمنوا» النّصب. أو الرّفع على المدح ، أو على وصف الأولياء ، أو على الابتداء ، وخبره «لهم البشرى».

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن عبد الرّحمن بن سالم الأشلّ ، عن بعض الفقهاء قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ ـ إلى قوله ـ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

ثمّ قال : أتدرون من أولياء الله؟

__________________

(١) التوحيد / ٢٦٥.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٢.

(٣) المجمع ٣ / ١١٩ ، وأنوار التنزيل ١ / ٤٥٢.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٢٤ ، ح ٣٠.

٧٢

قالوا : من هم ، يا أمير المؤمنين؟

فقال : هم نحن وأتباعنا. فمن تبعنا من بعدنا ، طوبى لنا وطوبى لهم.

وطوباهم أفضل من طوبانا.

قيل : ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا ، ألسنا نحن وهم على أمر؟

قال : لا ، لأنّهم حملوا ما لم تحملوا وأطاقوا ما لم تطيقوا.

عن بريد العجليّ (١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : وجدنا في كتاب عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ ـ إلى قوله ـ يَحْزَنُونَ) : إذا أدّوا فرائض الله ، وأخذوا بسنن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وتورّعوا عن محارم الله ، وزهدوا في عاجل زهرة الدّنيا ، ورغبوا فيما عند الله ، واكتسبوا الطّيّب من رزق الله ، لا يريدون به التّفاخر والتّكاثر ، ثمّ أنفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة ، فأولئك الّذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدّموا لآخرتهم.

وفي مجمع البيان (٢) ، مثله.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٣) ، بإسناده إلى أبي بصير قال : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : يا أبا بصير ، طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره. أولئك أولياء الله ـ إلى قوله ـ (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

وفي الجوامع (٤) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ سئل عن أولياء الله.

فقال : هم الّذين يذكرون الله برؤيتهم ، يعني : في السّمت والهيئة.

وفي الكافي (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من عرف الله وعظّمه ، منع فاه من الكلام وبطنه من الطّعام وعنّى نفسه بالصّيام والقيام.

فقالوا : بآبائنا وأمّهاتنا يا رسول الله ، هؤلاء أولياء الله؟

قال : إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا ، ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ، ومشوا فكان مشيهم بين النّاس بركة. لو لا الآجال الّتي كتب الله عليهم (٦) ، لم تقرّ أرواحهم في أجسادهم ، خوفا من العذاب وشوقا إلى الثّواب.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٣١.

(٢) المجمع ٣ / ١٢٠.

(٣) كمال الدين / ٣٥٧ ، ح ٥٤.

(٤) الجوامع / ١٩٦.

(٥) الكافي ٢ / ٢٣٧ ، ح ٢٥.

(٦) المصدر : قد كتبت عليهم.

٧٣

وفي كتاب الخصال (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أخفى أربعة في أربعة : أخفى وليّه في عباده ، فلا تستصغرنّ عبدا من عبيد الله ، فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) : وهو ما بشّر به المتّقين في كتابه وعلى لسان نبيّه ، وما يريهم من الرّؤيا الصّادقة ، وبشّرهم عند النّزع.

(وَفِي الْآخِرَةِ) بيان لتولّيه لهم.

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : وأتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل من أهل البادية ، له جسم (٣) وجمال.

فقال : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا ـ إلى قوله ـ وَفِي الْآخِرَةِ).

فقال : أمّا قوله : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، فهي الرّؤيا الحسنة يراها المؤمن فيبشّر بها في دنياه. وأمّا قوله ـ عزّ وجلّ ـ : «في الآخرة» ، فإنّها بشارة المؤمن يبشّر بها عند موته. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد غفر لك ، ولمن يحملك إلى قبرك.

وفي أصول الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في قوله ـ تعالى ـ : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) : يبشّرهم بقيام القائم ، وبظهوره ، وبقتل أعدائهم ، وبالنّجاة في الآخرة ، والورود على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ الصّادقين على الحوض.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يا عقبة ، لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلّا هذا الأمر الّذي أنتم عليه. وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقرّ به عينه ، إلّا أن تبلغ نفسه إلى هذه ـ ثمّ أهوى بيده الى الوريد ، ثمّ اتكأ.

وكان معي المعلّى ، فغمزني أن أسأله.

__________________

(١) الخصال / ٢١٠ ، ح ٣١.

(٢) الفقيه ١ / ٧٩ ، ح ٣٥٦.

(٣) المصدر : حشم.

(٤) الكافي ١ / ٤٢٩ ، ح ٨٣.

(٥) نفس المصدر ٣ / ١٢٨ ، ح ١.

٧٤

فقلت : يا ابن رسول الله ، فإذا بلغت نفسه هذه أيّ شيء يرى؟ فقلت له بضع عشرة مرّة : أيّ شيء؟

فقال في كلّها : يرى. لا يزيد عليها.

ثمّ جلس في آخرها ، فقال : يا عقبة.

فقلت : لبيّك وسعديك.

فقال : أبيت إلّا أن تعلم؟.

فقلت : نعم ، يا ابن رسول الله. إنّما ديني مع دينك ، فإذا ذهب ديني كان ذلك (١). كيف لي بك ، يا ابن رسول الله ، كلّ ساعة؟ وبكيت فرقّ لي.

فقال : يراهما ، والله.

قلت : بأبي وأمّي ، من هما؟ قال : ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ ـ عليه السّلام ـ. يا عقبة ، لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتّى تراهما.

قلت : فإذا نظر إليهما المؤمن ، أيرجع إلى الدّنيا؟.

فقال : لا ، يمضي أمامه. إذا نظر إليهما ، مضى أمامه.

فقلت له : يقولان شيئا؟

قال : نعم. يدخلان جميعا على المؤمن ، فيجلس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عند رأسه وعليّ ـ عليه السّلام ـ عند رجليه. فيكبّ (٢) عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيقول : يا وليّ الله ، أبشر أنا رسول الله. إنّي خير لك ممّا تركت من الدّنيا. ثمّ ينهض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فيقوم عليّ ـ عليه السّلام ـ حتّى يكبّ عليه ، فيقول : يا وليّ الله ، أبشر أنا عليّ بن أبي طالب الّذي كنت تحبّه. أما لأنفعنّك.

ثمّ قال : إنّ هذا في كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ.

فقلت : أين ، جعلني الله فداك ، هذا من كتاب الله؟

قال : في يونس ، قول الله ـ عزّ وجلّ ـ ها هنا : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ

__________________

(١) قال في الوافي : «كان» تامة ، أي : إذا ذهب ديني ، تحقق تخلفي عنك ومفارقتي إياك وعدم اكتراثي بالجهل بما تعلم. وفي تفسير العياشي والمنقول عن المحاسن : «إنما ديني مع دمي ، فإذا ذهب ديني كان ذلك». وعليه فالمعنى : أن ديني مقرون بحياتي ، فمع عدم الدين فكأني لست بحي.

(٢) أكب عليه : أقبل إليه ولزمه.

٧٥

الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ، لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

ابن عثمان ، عن عقبة أنّه سمع أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الرّجل إذا وقعت نفسه في صدره ، رأى.

قلت : جعلت فداك ، وما يرى؟

قال : يرى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فيقول له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا رسول الله أبشر. ثمّ يرى عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فيقول : أنا عليّ بن أبي طالب الّذي كنت تحبّه ، يجب عليّ (١) أن أنفعك اليوم؟

قال : قلت له : يكون أحد من النّاس يرى هذا ثمّ يرجع إلى الدّنيا؟

قال : إذا رأى هذا أبدا مات ، وأعظم ذلك (٢).

قال : وذلك في القرآن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا ـ إلى قوله ـ لِكَلِماتِ اللهِ).

أبو عليّ الأشعريّ (٣) ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي المستهلّ ، عن محمّد بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، حديث سمعته من بعض شيعتك ومواليك يرويه عن أبيك.

قال : وما هو؟

قلت : زعموا أنّه كان يقول : أغبط ما يكون أمر بما نحن عليه إذا كانت النّفس في هذه.

فقال : نعم. إذا كان ذلك ، أتاه نبيّ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأتاه عليّ ـ عليه السّلام ـ وأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وأتاه ملك الموت ـ عليه السّلام ـ.

فيقول ذلك الملك لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا عليّ ، إنّ فلانا كان مواليا لك ولأهل بيتك؟

فيقول : نعم ، كان يتولّانا ويتبرّأ من عدوّنا.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) قال في الوافي : أي : مات موتا دائما لا رجعة بعده. أو المعنى : ما رأى هذا قطّ إلّا مات.

«وأعظم» ، أي : عدّ سؤالي عظيما. ولنا أن نجعل قوله : «وأعظم ذلك» عطفا على قوله : «مات» ، يعني : مات وعدّ ما رأى وما بشر به عظيما لم يرد معهما رجوعا إلى الدنيا.

(٣) الكافي ٣ / ١٣٤ ، ح ١٣.

٧٦

فيقول ذلك نبيّ الله لجبرئيل ـ عليه السّلام ـ. فيرفع ذلك جبرئيل إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

عدّة من أصحابنا (١) ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبديّ ، عن ابن أبي يعفور قال : كان خطّاب الجهنيّ خليطا لنا ، وكان شديد النّصب لآل محمّد ، وكان يصحب نجدة الحروري (٢)

قال : فدخلت عليه أعوده للخلطة والتّقيّة ، فإذا هو يغمى (٣) عليه في حدّ الموت.

فسمعته يقول : ما لي ولك ، يا عليّ؟

فأخبرت بذلك أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

قال : رآه ، وربّ الكعبة. رآه ، وربّ الكعبة.

سهل بن زياد (٤) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الحميد بن عوّاض قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إذا بلغت نفس أحدكم هذه ، قيل له : أما ما كنت تحذر (٥) من همّ الدّنيا وحزنها ، فقد أمنت منه. ويقال له : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ وفاطمة ـ عليهما السّلام ـ أمامك.

وفي روضة الكافي (٦) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن معمر بن خلّاد (٧) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا أصبح ، قال لأصحابه : هل من مبشرات ، يعني به : الرّؤيا.

عنه (٨) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رجل لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).

قال : هي الرّؤيا الحسنة ، يرى المؤمن فيبشّر بها في دنياه.

وفي تفسير العيّاشي (٩) : عن عبد الرّحيم قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : أما

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٣٣ ، ح ٩.

(٢) الحروريّة : طائفة من الخوارج ، منسوبة إلى حروراء ، وهي قرية بالكوفة.

(٣) المصدر : مغمى.

(٤) الكافي ٣ / ١٣٤ ، ح ١٠.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : تحضر.

(٦) الكافي ٨ / ٩٠ ، ح ٥٩.

(٧) كذا في المصدر. وجامع الرواة ٢ / ٢٥٢. وفي النسخ : عمر بن خلّاد.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ٦٠.

٧٧

أحدكم حين تبلغ نفسه ها هنا ، ينزل عليه ملك الموت فيقول له : أمّا ما كنت ترجو ، فقد أعطيته. وأمّا ما كنت تخافه ، فقد أمنت منه. ويفتح له باب إلى منزله من الجنّة ، ويقال له : انظر إلى مسكنك من الجنّة ، وانظر هذا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ والحسن والحسين ـ عليهم السّلام ـ رفقاؤك. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).

عن أبي حمزة الثّماليّ (١) قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : ما يصنع بأحد عند الموت؟

قال : أما والله ، يا أبا حمزة ، ما بين أحدكم وبين أن يرى مكانه من الله ومكانه منّا إلّا أن تبلغ نفسه ها هنا ـ ثمّ أهوى بيده إلى نحره. ألا أبشرك ، يا أبا حمزة؟

فقلت : بلى ، جعلت فداك.

فقال : إذا كان ذلك ، أتاه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ ـ عليه السّلام ـ معه قعد عند رأسه.

فقال له إذا كان ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أما تعرفني؟ أنا رسول الله. هلّم إلينا ، فما أمامك خير لك ممّا خلّفت. أمّا ما كنت تخاف ، فقد أمنته. وأمّا ما كنت ترجو ، فقد هجمت عليه. أيّتها الرّوح ، اخرجي إلى روح الله ورضوانه.

فيقول له عليّ ـ عليه السّلام ـ مثل قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ قال : يا أبا حمزة ، ألا أخبرك بذلك في كتاب الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (الآية).

(لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) : لا تغيير لأقواله ، ولا إخلاف لمواعيده.

(ذلِكَ) : إشارة إلى كونهم مبشّرين في الدّارين.

(هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٤).

هذه الجملة والّتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشّر به وتعظيم شأنه. وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله.

(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) : إشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم.

وقرأ (٢) نافع : «يحزنك» من أحزنه. وكلاهما بمعنى.

__________________

(٩) تفسير العياشي ٢ / ١٢٤ ، ح ٣٢.

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٢٦ ، ح ٣٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٢.

٧٨

(إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) : استئناف ، بمعنى التّعليل. ويدلّ عليه القراءة بالفتح ، كأنّه قيل : لا تحزن بقولهم ولا تبال بهم ، لأنّ الغلبة لله جميعا لا يملك غيره شيئا منها ، فهو يقهرهم وينصرك عليهم.

(هُوَ السَّمِيعُ) : لأقوالهم.

(الْعَلِيمُ) (٦٥) : بعزماتهم ، فيكافئهم عليها.

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) : من الملائكة والثّقلين. وإذا كان هؤلاء الّذين هم أشرف الممكنات عبيدا لا يصلح أحد منهم للرّبوبيّة ، فما لا يعقل منها أحقّ أن لا يكون له ندّا أو شريكا. وهو ، كالدّليل على قوله : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) ، أي : شركاء على الحقيقة وإن كان يسمّونها شركاء.

ويجوز أن يكون «شركاء» مفعول «يدعون». ومفعول «يتّبع» محذوف دلّ عليه (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ)» ، أي : ما يتّبعون يقينا ، وإنّما يتّبعون ظنّهم أنّها شركاء.

ويجوز أن يكون «ما» استفهاميّة منصوبة «بيتّبع». وموصولة معطوفة على «من».

وقرئ (١) : «تدعون» بالتّاء. والمعنى : أيّ شيء يتّبع به الّذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنّبيّين ، أي : أنّهم لا يتّبعون إلّا الله ولا يعبدون غيره ، فما لكم لا تتّبعونهم فيه ، كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) فيكون إلزاما بعد برهان.

وما بعده مصروف عن خطابهم ، لبيان سندهم ومنشأ رأيهم.

(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٦٦) : يكذبون فيما ينسبون إلى الله. أو يحزرون ويقدّرون أنّها شركاء تقديرا باطلا.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) : تنبيه على كمال قدرته وعظيم نعمته المتوحّد هو بهما ، ليدلّهم على تفرده باستحقاق العبادة. وإنّما قال : «مبصرا» ولم يقل : «لتبصروا فيه» تفرقة بين الظّرف المجرّد والظّرف الّذي هو سبب.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٧) : سماع تدبّر واعتبار.

(قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) : أي : تبنّاه.

(سُبْحانَهُ) : تنزيه له من التّبنّي ، فإنّه لا يصحّ إلّا ممّن يتصوّر له الولد ، وتعجّب

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٣.

٧٩

من كلمتهم الحمقاء.

(هُوَ الْغَنِيُ) : علّة لتنزّهه. فإنّ اتّخاذ الولد [مسبب عن الحاجة. (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : تقرير لغناه. (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) : نفي لمعارض] (١) ما أقامه من البرهان ، مبالغة في تجهيلهم وتحقيقا لبطلان قولهم.

و «بهذا» متعلّق بسلطان. أو نعت له أو «بعندكم» ، كأنّه قيل : إن عندكم في هذا من سلطان.

(أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٦٨) : توبيخ وتقريع على اختلافهم وجهلهم. وفيه دليل على أنّ كلّ قول لا دليل عليه ، فهو جهالة. والعقائد لا بدّ لها من قاطع ، وأنّ التّقليد فيها غير سائغ.

(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) : باتّخاذ الولد ، وإضافة الشّريك إليه.

(لا يُفْلِحُونَ) (٦٩) : لا ينجون من النّار ، ولا يفوزون بالجنّة.

(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) : خبر لمبتدأ محذوف ، أي : افتراؤهم متاع في الدّنيا يقيمون به رئاستهم في الكفر. أو حياتهم ، أو تقلّبهم متاع.

أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : لهم تمتّع في الدّنيا.

(ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) : بالموت ، فيلقون الشّقاء المؤبّد.

(ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠) : بسبب كفرهم.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) : خبره مع قومه.

(إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ) : عظم عليكم وشقّ.

(مَقامِي) : نفسي ، كقولك : فعلت كذا لمكان فلان. أو كوني وإقامتي بينكم مدّة مديدة. أو قيامي على الدّعوة.

(وَتَذْكِيرِي) : إيّاكم.

(بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) : وثقت به.

(فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) : فاعزموا عليه.

(وَشُرَكاءَكُمْ) : أي : مع شركائكم. ويؤيّده القراءة ، بالرّفع ، عطفا على

__________________

(١) ليس في أ ، ب ، ر.

٨٠