تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

قال : فقال : إنّ الله إذا اتّخذ عبدا رسولا أنزل عليه السّكينة والوقار ، فكان يأتيه من قبل الله مثل الّذي يراه بعينه.

(جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) : النّبيّ والمؤمنين. وإنّما لم يعيّنهم للدّلالة على أنّهم الّذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم ، لا يشاركهم فيه غيرهم.

وقرأ ابن (١) عامر وعاصم ويعقوب ، على لفظ الماضي المبنيّ للمفعول.

وقرئ (٢) : «فنجى».

(وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١١٠) : إذا نزل بهم.

وفي عيون الأخبار (٣) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون في عصمة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ : حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا أبي ، عن حمدان بن سليمان النّيشابوريّ ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا ـ عليه السّلام ـ.

فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟

قال : بلى.

قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ؟

... إلى أن قال : فأخبرني عن قول الله ـ تعالى ـ : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا).

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : يقول الله ـ تعالى ـ : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) من قومهم ، وظنّ قومهم أنّ الرّسل قد كذبوا جاء الرّسل نصرنا.

فقال المأمون : لله درّك ، يا أبا الحسن.

(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) : في قصص الأنبياء وأممهم. أو في قصّة يوسف وإخوته.

(عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) : لذوي العقول المبرّأة من شوائب الإلف والرّكون إلى الحسّ.

(ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) : ما كان القرآن حديثا يفترى.

(وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) : من الكتب الإلهيّة.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥١١.

(٣) العيون ١ / ٢٠٢.

٤٠١

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : يعني من (٢) كتب الأنبياء.

(وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) : يحتاج إليه في الدّين.

(وَهُدىً) : من الضّلالة.

(وَرَحْمَةً) : ينال بها خير الدّارين.

(لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١١١) : يصدّقونه.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٥٨.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : به.

٤٠٢

تفسير سورة الرّعد

٤٠٣
٤٠٤

سورة الرّعد

مدنيّة.

وقيل (١) : مكّيّة ، إلّا قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ) (الآية).

وآياتها ثلاث (٢) وأربعون.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : من أكثر قراءة سورة الرّعد لم يصبه الله بصاعقة أبدا ولو كان ناصبيّا (٤) ، وإذا كان مؤمنا دخل (٥) الجنّة بلا حساب ويشفع في جميع من يعرفه (٦) من أهل بيته وإخوانه.

وفي مجمع البيان (٧) : ابيّ بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من قرأ سورة الرّعد أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ سحاب مضى وكلّ سحاب يكون إلى يوم القيامة ، وكان يوم القيامة من المؤمنين (٨) بعهد الله.

(المر)

قيل (٩) : معناه : أنا الله أعلم وأرى.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٢.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : خمس.

(٣) ثواب الأعمال / ١٣٣ ، ح ١.

(٤) المصدر : ناصبا.

(٥) المصدر : أدخله.

(٦) المصدر : يعرف.

(٧) المجمع ٣ / ٢٧٣.

(٨) المصدر : الموفين.

٤٠٥

وفي كتاب معاني الأخبار (١) ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ [و «المر» معناه :] (٢) أنا الله المحيي المميت الرّزاق.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي لبيد (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : يا أبا لبيد ، إنّ لي في حروف القرآن المقطّعة لعلما جمّا. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أنزل (الم) (٥) (ذلِكَ الْكِتابُ) فقام محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى ظهر نوره وثبتت كلمته وولد يوم ولد ، وقد مضى من الألف السّابع مائة سنة وثلاث سنين.

ثمّ قال : وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطّعة إذا عدّدتها من غير تكرار ، وليس من حروف مقطّعة حرف تنقضي أيّامه إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه.

ثمّ قال : «الألف» واحد ، و «اللّام» ثلاثون ، و «الميم» أربعون ، و «الصّاد» تسعون (٦) ، فذلك مائة وإحدى وستّون (٧). ثمّ كان بدو خروج الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ «الم [الله] (٨)». فلمّا بلغت مدّته ، قام قائم (٩) ولد العبّاس عند «المص» ، ويقوم (١٠) قائمنا عند انقضائها ب «المر» (١١) ، فافهم ذلك وعه (١٢) واكتمه.

(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) :

قيل (١٣) : المراد بالكتاب : السّورة ، و «تلك» إشارة إلى آياتها ، أي : تلك الآيات آيات السّورة الكاملة. أو القرآن.

(وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) : هو القرآن كلّه.

ومحلّه الجرّ بالعطف على «الكتاب» عطف العامّ على الخاصّ ، أو إحدى الصّفتين على الأخرى.

__________________

(٩) نفس المصدر والمجلّد / ٢٧٤.

(١) المعاني / ٢٢ ، ح ١.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٢ ، ح ٢.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : أبي سعيد.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : المرا.

(٦) المصدر : ستّون.

(٧) المصدر : ثلاثون.

(٨) من المصدر.

(٩) المصدر : زيادة «من».

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : ويقول.

(١١) المصدر : الر.

(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «وعد».

(١٣) أنوار التنزيل ١ / ٥١٣. والمجمع ٣ / ٢٧٤.

٤٠٦

أو الرّفع بالابتداء ، وخبره (الْحَقُ). والجملة كالحجّة على الجملة الأولى.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١) : لإخلالهم بالنّظر والتّأمّل فيه.

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) : مبتدأ وخبره الموصول. ويجوز أن يكون الموصول صفة ، والخبر (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ).

(بِغَيْرِ عَمَدٍ) : أساطين ، جمع عماد ، كإهاب وأهب. أو عمود ، كأديم وأدم.

وقرئ (١) : «عمد» ، كرسل.

(تَرَوْنَها) : صفة «لعمد» ، أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السّماوات كذلك. وهو دليل على وجود الصّانع الحكيم ، فإنّ ارتفاعها على سائر الأجسام المساوية لها في حقيقة الجرميّة ، واختصاصها بما يقتضي ذلك ، لا بدّ وأن يكون المخصّص ليس بجسم ولا جسمانيّ ، يرجّح بعض الممكنات على بعض بإرادته ، وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : فثمّ (٣) عمد ، ولكن لا ترونها.

وفي نهج البلاغة (٤) : قال ـ عليه السّلام ـ : فمن شواهد خلقه خلق السّماوات موطدات (٥) بلا عمد ، قائمات بلا سند.

وفيه (٦) كلام له ـ عليه السّلام ـ يذكر فيه خلق السّماوات : جعل سفلاهنّ موجا مكفوفا ، وعلياهنّ سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا ، بغير عمد يدعمها ، ولا دسار (٧) ينتظمها (٨).

وفي كتاب الإهليلجة (٩) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : فنظرت العين إلى خلق مختلف متّصل بعضه ببعض ، ودلّها القلب على أنّ لذلك خالقا ، وذلك أنّه فكّر حيث دلّته العين على أنّ ما عاينت من عظم السّماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد ولا دعامة تمسكها ، وأنّها لا تتأخّر فتنكشط ، ولا تتقدّم فتزول ، ولا تهبط مرّة فتدنو ، ولا ترتفع فلا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٢.

(٢) تفسير القمّي ٢ / ٣٢٨.

(٣) فثمّ : فهناك.

(٤) النهج / ٢٦١ خطبة ١٨٢.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : موطرات. ووطد الشيء : دام وثبت ورسا.

(٦) نفس المصدر / ٤١ خطبة ١.

(٧) الدسار ـ واحد الدسر ـ : المسامير.

(٨) المصدر : ينظمها.

(٩) البحار ٣ / ١٦٢.

٤٠٧

ترى.

(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) : سبق معناه.

(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) : ذلّلهما لما أراد منهما ، كالحركة المستمرّة على حدّ من السّرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها.

(كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) : لمدّة معيّنة يتمّ فيها أدواره. أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره ، وهي (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ).

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : أمر ملكوته من الإيجاد والإعدام ، والإحياء والإماتة ، وغير ذلك.

(يُفَصِّلُ الْآياتِ) : ينزلها ويبيّنها مفصّلة. أو يحدث الدّلائل واحدا بعد واحد.

(لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (٢) : لكي تتفكّروا فيها وتحقّقوا كمال قدرته ، فتعلموا أنّ من قدر على خلق هذه الأشياء المخلوقات وتدبيرها قدر على الإعادة والجزاء.

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) : بسطها طولا وعرضا ، لتثبت عليها الأقدام ويتقلّب عليها الحيوان (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) : جبالا ثوابت. من رسا الشّيء : إذا ثبت. جمع ، راسية. والتّاء للتّأنيث ، على أنّها صفة أجبل ، أو للمبالغة.

(وَأَنْهاراً) : ضمّها إلى الجبال ، وعلّق بهما فعلا واحدا من حيث أنّ الجبال أسباب لتولّدها.

(وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) : متعلّق بقوله : (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ، أي : وجعل فيها من جميع أنواع الثّمرات صنفين اثنين ، كالحلو والحامض ، والأسود والأبيض ، والصّغير والكبير ، والرّطب واليابس.

(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) : يلبس ظلمة اللّيل ضياء النّهار ، فيصير الجوّ مظلما بعد ما كان مضيئا.

وقرأ (١) حمزة والكسائي ، بالتّشديد.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣) : فيها ، فإنّ تكوّنها وتخصيصها

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٣.

٤٠٨

بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبّر أمرها وهيّأ أسبابها.

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) : بعضها طيّبة ، وبعضها سبخة ، وبعضها رخوة ، وبعضها صلبة ، وبعضها يصلح للزّرع دون الشّجر ، وبعضها بالعكس. ولو لا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم يكن كذلك ، لاشتراك تلك القطع في الطّبيعة الأرضيّة وما يلزمها ويعرض لها بتوسّط ما يعرض من الأسباب السّماويّة ، من حيث أنّها متضامّة متشاركة في النّسب والأوضاع.

(وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) : وبساتين فيها أنواع الأشجار والزّروع.

وتوحيد الزّرع ، لأنّه مصدر في أصله.

وقرأ (١) ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص : «وزرع ونخيل» بالرّفع عطفا على «وجنّات».

(صِنْوانٌ) : نخلات أصلها واحد.

(وَغَيْرُ صِنْوانٍ) : ومتفرّقات مختلفة الأصول. أو أمثال وغير أمثال.

وفي الحديث النّبويّ (٢) : عمّ الرّجل صنو أبيه.

وقرأ (٣) حفص ، بالضّمّ ، وهو لغة تميم ، كقنوان في جمع قنو.

(يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) : في الثّمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما. وذلك ـ أيضا ـ ممّا يدلّ على الصّانع الحكيم ، فإنّ اختلافها مع اتّحاد الأصول والأسباب لا يكون إلّا بتخصيص قادر مختار.

وقرأ (٤) ابن عامر وعاصم ويعقوب : «يسقى» بالتّذكير على تأويل ما ذكر.

وحمزة والكسائي : «ويفضّل» بالياء ليطابق قوله (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ).

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن الخطّاب الأعور ، رفعه إلى أهل العلم والفقه من آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ قال : (فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) ، يعني : هذه الأرض الطّيّبة مجاورة لهذه الأرض المالحة وليست منها ، كما يجاور القوم وليسوا منهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٣.

(٢) المجمع ٣ / ٢٧٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥١٣.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥١٣.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٣ ، ح ٤.

٤٠٩

وفي مجمع البيان (١) : وروي عن جابر قال : سمعت النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول لعليّ ـ عليه السّلام ـ : النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة. ثمّ قرأ هذه الآية.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤) : يستعملون عقولهم بالتّفكّر ، فيهتدون إلى عظمة الصّانع وعلمه وحكمته وقدرته.

(وَإِنْ تَعْجَبْ) : يا محمّد بإنكارهم البعث.

(فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) : حقيق بأن يتعجّب منه ، فإنّ من قدر على إنشاء ما قصّ عليك كانت الإعادة أيسر شيء عليه ، والآيات المعدودة ، كما هي دالّة على وجود المبدأ ، فهي دالّة على إمكان الإعادة.

(أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) : بدل من قولهم ، أو مفعول له ، والعامل في «إذا» محذوف دلّ عليه (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).

(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) : لأنّهم كفروا بقدرته على البعث.

(وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) : مقيّدون بالضّلال لا يرجى خلاصهم ، أو يغلّون يوم القيامة.

(وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٥) : لا ينفكّون عنها. وتوسيط الفصل ، لتخصيص الخلود بالكفّار (٢).

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) : بالعقوبة قبل العافية ، وذلك أنّهم استعجلوا بما هدّدوا به من عذاب الدّنيا استهزاء.

(وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) : عقوبات أمثالهم من المكذّبين ، فما بالهم لم يعتبروا بها ، ولم يجوّزوا حلول مثلها عليهم؟

و «المثلة» بفتح الثّاء وضمّها ، كالصّدقة والصّدقة : العقوبة ، لأنّها مثل المعاقب عليه. ومنه المثال للقصاص. وأمثلت الرّجل من صاحبه : إذا اقتصصته منه.

وقرئ (٣) : «المثلات» بالتّخفيف. و «المثلات» بإتباع الفاء العين. والمثلات

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٧٦.

(٢) فيكون الخلود بمعنى : الأبد هنا. وإن كان بمعنى المكث الطويل في المواضع الاخر والمقصود بالفصل هنا : «هم».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥١٤.

٤١٠

بالتّخفيف بعد الإتباع. و «المثلات» على أنّها جمع ، مثلة ، كركبة وركبات.

وفي نهج البلاغة (١) : واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال ، فتذكّروا في الخير والشّرّ أحوالهم ، واحذروا أن تكونوا أمثالهم.

وفيه (٢) : قال ـ عليه السّلام ـ : فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس [الله] (٣) وصولاته ووقائعه ومثلاته ، واتّعضوا بمثاوي (٤) خدودهم ومصارع جنوبهم.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) : مع ظلمهم أنفسهم.

ومحلّه النّصب على الحال ، والعامل فيه «المغفرة». والتّقييد به دليل على جواز العفو قبل التّوبة ، فإنّ التّائب ليس على ظلمه (٥). ومن منع ذلك خصّ الظّلم بالصّغائر المكفّرة لمجتنب الكبائر ، أو أوّل «المغفرة» بالسّتر والإمهال.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (٦) : للكفّار ، أو لمن شاء.

وفي مجمع البيان (٦) : وروي عن سعيد بن المسيّب قال : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد بعيش ، ولو لا وعيد الله وعقابه لا تكل كلّ واحد.

وفي كتاب التّوحيد (٧) : حدّثنا أبو عليّ ، الحسين بن أحمد البيهقيّ بنيشابور سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة قال : أخبرنا محمّد بن يحيى الصّوليّ قال : حدّثنا أبي ذكوان (٨) قال : سمعت إبراهيم بن العباس (٩) يقول : كنّا في مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها : «إنّها لا تغفر».

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة ، قال الله ـ جلّ جلاله ـ : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ).

__________________

(١) النهج / ٢٩٦ خطبة ١٩٢.

(٢) نفس المصدر / ٢٩٠ خطبة ١٩٢.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بمساوئ. والمثاوي ـ جمع المثوى ـ : المنزل.

(٥) أي : فإنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

(٦) المجمع ٣ / ٢٧٨.

(٧) التوحيد / ٤٠٦ ، ح ٤.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : أبو ذكران.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : إبراهيم العياشي.

٤١١

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) : لعدم اعتقادهم بالآيات المنزلة عليهم ، واقتراحا لنحو ما أوتي موسى وعيسى ـ عليهما السّلام ـ.

(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) : مرسل للإنذار ، كغيرك من الرّسل ، وما عليك إلّا الإتيان بما تصحّ به نبوّتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك.

والآيات كلّها متساوية الأقدام في حصول الغرض.

(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧) : يهديهم إلى الحقّ ، ويدعوهم إلى الصّواب.

وفي مجمع البيان (١) : عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا المنذر وعليّ الهادي من بعدي ، بك يا عليّ يهتدي المهتدون.

وروي الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ (٢) في كتاب «شواهد التّنزيل» بالإسناد [عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن حكم بن جبير] (٣) عن أبي بردة الأسلميّ قال : دعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالطّهور ، وعنده عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. فأخذ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بيد عليّ ـ عليه السّلام ـ بعد ما تطهّر فألزقها (٤) بصدره ، ثمّ قال : إنّما أنت منذر ، يعني : نفسه ، ثمّ ردّها إلى صدر عليّ ـ عليه السّلام ـ ثمّ قال : ولكلّ قوم هاد.

ثمّ قال : إنّك منار الأنام ، وغاية الهدى ، وأمير القرى ، أشهد على ذلك إنّك كذلك.

وفي أمالي الصّدوق (٥) ، بإسناده إلى عبّاد (٦) بن عبد الله قال : قال عليّ ـ عليه السّلام ـ : ما نزلت من القرآن آية إلّا وقد علمت أين نزلت ، وفيمن نزلت ، [وفي أيّ شيء نزلت ،] (٧) وفي سهل نزلت أو في جبل نزلت.

قيل : فما نزل فيك؟

قال : لو لا أنّكم سألتموني ما أخبرتكم ، نزلت فيّ هذه الآية (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ). فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المنذر ، وأنّا الهادي إلى ما جاء به.

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٧٨.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : فألزمها. ولزق الشيء بالشيء : اتّصل به لا يكون بينهما فجوة.

(٥) أمالي الصدوق / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، ح ١٣.

(٦) أ ، ب ، ر : عبّاد الله بن عبد الله.

(٧) من المصدر.

٤١٢

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١) ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) (الآية).

فقال : كلّ إمام هاد لكلّ قوم في زمانه.

وفي أصول الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّظر بن سويد وفضالة بن أيّوب ، عن موسى بن بكر ، عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

قال : كلّ إمام هاد للقرن الّذي هو فيهم.

عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن بريد العجليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

فقال : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المنذر ، ولكلّ زمان إمام منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبيّ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ الهداة من بعده عليّ ، ثمّ الأوصياء واحدا بعد واحد.

الحسين بن محمّد الأشعريّ (٤) ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن سعدان ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

فقال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا المنذر وعليّ الهادي.

يا أبا محمّد ، هل من هاد اليوم؟

قلت : بلى ، جعلت فداك ، ما زال منكم هاد من بعد هاد حتّى دفعت إليك.

فقال : رحمك الله ، يا أبا محمّد ، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثمّ مات ذلك الرّجل ماتت الآية مات الكتاب ، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي ، كما جرى فيمن مضى.

محمّد بن يحيى (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور ، عن عبد الرّحيم القصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ :

__________________

(١) كمال الدين ٢ / ٦٦٧ قريب منه.

(٢) الكافي ١ / ١٩١.

(٣) الكافي ١ / ١٩٢ ، ح ٢.

(٤) الكافي ١ / ١٩٢ ، ح ٣.

(٥) الكافي ١ / ١٩٢ ، ح ٤.

٤١٣

(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ). فقال : قال (١) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا (٢) المنذر ، وعليّ الهادي. أما ، والله ، ما ذهبت منّا وما زالت فينا إلى السّاعة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن حمّاد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : المنذر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، والهادي أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ، وبعده الأئمّة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وهو قوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فينا (٥) نزلت هذه الآية (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

وقال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا المنذر وأنت الهادي ، يا عليّ. فمنّا الهادي والنجاة (٦) والسّعادة إلى يوم القيامة.

عن عبد الرّحيم القصير (٧) قال : كنت يوما من الأيّام عند أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ فقال : يا عبد الرّحيم.

قلت : لبّيك.

قال : قول الله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) إذ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا المنذر وعليّ الهادي. ومن الهادي اليوم؟

قال : فمكثت (٨) طويلا ، ثمّ رفعت رأسي فقلت : جعلت فداك ، هي فيكم توارثونها (٩) رجل فرجل حتّى انتهت إليك ، فأنت جعلت فداك ، الهادي.

قال : صدقت ، يا عبد الرّحيم ، إنّ القرآن حيّ لا يموت والآية حيّة لا تموت.

وقال عبد الرّحيم (١٠) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ القرآن [حيّ] (١١) لم يمت ، وإنّه يجري ، كما يجري اللّيل والنّهار ، وكما يجري الشّمس والقمر ، ويجري على آخرنا (١٢) ،

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٥٩.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٣ ، ح ٥.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيما.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : فهنا الهادي الإنجاء.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٣ ، ح ٦.

(٨) المصدر : فسكت.

(٩) كذا في المصدر. وفي أ : فوارثوها. وفي سائر النسخ : توارثوها.

(١٠) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٤ ، ح ٦.

(١١) من المصدر.

٤١٤

كما يجري على أوّلنا (١).

عن حنان بن سدير (٢) ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فقال : [قال] (٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا المنذر وعليّ الهادي. وكلّ إمام هاد للقرآن الّذي هو فيه.

جابر (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا المنذر وعليّ الهادي إلى أمري.

(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) ، أي : حملها (٥). أو ما تحمله (٦) على أيّ حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقّبة ، من ذكر وأنثى ، تامّ وناقصّ ، وحسن وقبيح ، وسعيد وشقيّ.

(وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) : وما تنقصه ، وما تزداد في الجنّة والخلقة والمدّة والعدد. أو نقصان دم الحيض وازدياده.

و «غاض» جاء متعدّيا ولازما ، وكذا «ازداد» قال الله ـ تعالى ـ : (وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٧) ، فإن جعلتهما لازمين تعيّن «ما» أن تكون مصدريّة (٨). وإسنادهما إلى الأرحام على المجاز ، فإنّهما لله ، أو لما فيها (٩).

وفي الكافي (١٠) : عنه ، عن أحمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عمّن ذكره ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ ـ إلى قوله ـ وَما تَزْدادُ) قال : «الغيض» كلّ حمل دون تسعة أشهر. «وما تزداد» كلّ شيء يزداد على تسعة أشهر ، وكلّما رأت المرأة الدّم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعدد

__________________

(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أحدنا.

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أخرنا.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٤ ، ح ٧.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٩.

(٥) فتكون «ما» مصدريّة.

(٦) فتكون «ما» موصولة ، أو موصوفة.

(٧) الكهف / ٢٥.

(٨) إذ لو كان موصولة أو موصوفة لزم خلوّ الجملة عن العائد إلى «ما» إذ لا يمكن أن يقال : التقدير : وما تغيضه الأرحام إذ الكلام على تقدير أن يكون الفعل لازما فلا يكون له مفعول.

(٩) قوله : «فإنهما لله أو لما فيها» فالأوّل على تقدير أن يكون الفعل متعدّيا ، والثاني على تقدير أن يكون لازما.

(١٠) الكافي ٦ / ١٢ ، ح ٢.

٤١٥

الأيّام الّتي رأت (١) في حملها من الدّم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن زرارة ، عن أبي جعفر أو أبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ في قوله : (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) ، يعني : الذّكر والأنثى. (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال : «الغيض» ما كان أقلّ من الحمل. «وما تزداد» ما زاد على (٣) الحمل فهو مكان ما رأت (٤) من الدّم في حملها.

محمّد بن مسلم (٥) وحمران وزرارة ، عنهما ـ عليهما السّلام ـ قالا : (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) أنثى أو ذكر. (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) [ما لم يكن حملا] (٦) [الّتي لا تحمل] (٧). «وما تزداد» من أنثى أو ذكر.

عن محمّد بن مسلم (٨) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ).

قال : ما لم يكن حملا. (وَما تَزْدادُ) قال : الذّكر والأنثى جميعا.

زرارة (٩) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) قال : الذّكر والأنثى. (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال : ما كان من دون التّسعة فهو غيض. (وَما تَزْدادُ) قال : ما رأت الدّم في حال حملها ازداد به على التّسعة أشهر.

(وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (٨) : بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه ، كقوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) فإنّه ـ تعالى ـ خصّ كلّ حادث بوقت وحال معيّنين ، وهيّأ له أسبابا مسوقة إليه تقتضي ذلك.

(عالِمُ الْغَيْبِ) : الغائب عن الحسّ.

(وَالشَّهادَةِ) : الحاضر له.

(الْكَبِيرُ) : العظيم الشّأن ، الّذي كلّ شيء دونه.

(الْمُتَعالِ) (٩) : المستعلي على كلّ شيء بقدرته. أو الّذي كبر عن نعت

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : زاد فيها.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٤ ، ح ١١.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : من.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «كلّما زاد» بدل «مكان ما رأت».

(٥) العياشي ٢ / ٢٠٥ ، ح ١٢.

(٦) من المصدر.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣.

(٩) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٥ ، ح ١٤.

٤١٦

المخلوقين ، وتعالى عنه.

(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) : في نفسه.

(وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) : لغيره.

(وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) : طالب للخفاء في مختبأ باللّيل.

(وَسارِبٌ) : وبارز.

(بِالنَّهارِ) (١٠) : يراه كلّ أحد. من سرب سروبا : إذا برز.

وهو عطف على «من» أو «مستخف» ، على أنّ «من» (١) في معنى الاثنين (٢) ، كقوله :

نكن مثل ما يا ذئب (٣) يصطحبان

كأنّه قال : سواء منكم اثنان مستخف باللّيل وسارب بالنّهار.

والآية متّصلة بما قبلها ، مقرّرة لكمال علمه وشموله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) ، يعني : فالسّرّ والعلانية عنده سواء.

(لَهُ) : لمن أسرّ ، أو جهر ، أو استخفى ، أو سرب.

(مُعَقِّباتٌ) : ملائكة تعتقب (٥) في حفظه.

جمع ، معقّبة. من عقّبه ، مبالغة عقبه : إذا جاء على عقبه ، كأنّ بعضهم يعقب بعضا.

أو لأنّهم يعقّبون أقواله وأفعاله ، فيكتبونها.

أو اعتقب ، فأدغمت التّاء في القاف. والتّاء للمبالغة ، أو لأنّ المراد

__________________

(١) ليس في أ ، ب.

(٢) قوله : «وهو عطف على من أو مستخف» فعلى الأوّل يكون «من» مقدرا على قوله : «وسارب بالنهار» حتّى يكون المتصف بالصفتين المذكورتين شخصين ، ولذا قال في الاحتمال الثاني على أن يكون «من» في معني الاثنين. وإنّما اعتبر ذلك ، لأنّ الاستواء لا بدّ أن يكون بين اثنين.

(٣) قوله : «نكن مثل من يا ذئب» نداء وقع اعتراضا بين «من» وصلته أي : نكن مثل رجلين يصطحبان.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٦٠.

(٥) ب : تتعقب.

٤١٧

بالمعقّبات (١) : جماعات (٢).

وقرئ (٣) : «معاقيب» جمع ، معقّب أو معقّبة ، على تعويض الياء من حذف إحدى القافين.

(مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ، أي : من جوانبه.

(يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) :

قيل (٤) : من بأسه متى أذنب ، بالاستمهال والاستغفار له.

وقيل (٥) : يحفظونه من المضارّ [أو يراقبون أحواله] (٦) من أجل أمر الله وقد قرئ به.

وقيل (٧) : «من» بمعنى الباء.

وقيل (٨) : «من أمر الله» صفة ثانية «لمعقبات».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : أنّ هذه الآية قرئت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال لقارئها : ألستم عربا ، فكيف يكون المعقّبات من بين يديه ، وإنّما المعقّب من خلفه؟

فقال الرّجل : جعلت فداك ، كيف هذا؟

فقال : إنّما أنزلت «له معقّبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله» ومن ذا الّذي يقدر أن يحفظ الشّيء من [أمر] (١٠) الله ، وهم الملائكة الموكّلون بالنّاس.

وفي تفسير العيّاشيّ (١١) عنه ـ عليه السّلام ـ مثله.

عن فضيل بن عثمان (١٢) بكرة (١٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في هذه الآية : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) (الآية) قال : من المقدّمات المؤخّرات (١٤) المعقّبات الباقيات الصّالحات.

__________________

(١) ر : بالمتعقبات.

(٢) أراد أنّ المعقّبات : جمع معقّبة ، وتاء المعقّبة إمّا لأجل المبالغة ، وإمّا لأجل التأنيث باعتبار أنّ موصوفها الجماعة.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥١٥.

(٤ و ٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) من المصدر.

(٧ و ٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٣٦٠.

(١٠) من المصدر.

(١١) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٥ ، ح ١٥.

(١٢) نفس المصدر والموضع ، ح ١٧.

(١٣) ليس في المصدر. وفي أ ، ب : بن بكرة.

(١٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : هو المقدرات المؤاخذات.

٤١٨

وفي كتاب المناقب (١) لابن شهر آشوب ، أيضا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) يقول : بأمر الله من أن يقع في ركيّ (٣) أو يقع عليه حائط أو يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه (٤) يدفعونه إلى المقادير. وهما ملكان يحفظانه باللّيل ، وملكان بالنّهار يتعاقبانه.

وفي مجمع البيان (٥) : واختلف في المعقّبات على أقوال.

أحدها : أنّها الملائكة يتعاقبون ، تعقب ملائكة اللّيل ملائكة النّهار وملائكة [النّهار ملائكة اللّيل] (٦) ، [وهم الحفظة] (٧) يحفظون على العبد عمله. وقد روي ذلك عن الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

والثّاني : أنّهم ملائكة يحفظونه من المهالك ، حتّى ينتهوا به إلى المقادير ، فيخلّوا بينه وبين المقادير. عن عليّ ـ عليه السّلام ـ.

(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) : من العافية والنّعمة.

(حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) : من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن أبي عمرو المدائنيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ أبي كان يقول : إنّ الله قضى قضاء حتما ، لا ينعم على عبده نعمة فيسلبها (٩) إيّاه قبل أن يحدث العبد ذنبا يستوجب بذلك الذّنب سلب تلك النّعمة ، وذلك قول الله : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).

عن الحسين بن سعيد المكفوف (١٠) ، كتب إليه في كتاب له : جعلت فداك ، يا سيّدي ، علّم مولاك ما معنى (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).

فكتب ـ عليه السّلام ـ : أمّا التّغيير ، فإنّه لا يسيء (١١) إليهم حتّى يتولّوا (١٢) ذلك

__________________

(١) المناقب ٤ / ١٩٧.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٦٠.

(٣) الركيّ ـ جمع الركيّة ـ : البئر.

(٤) المصدر : بينهم.

(٥) المجمع ٣ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٦) ليس في م ، ب ، ر.

(٧) من المصدر.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٦ ، ح ١٩.

(٩) المصدر : فسلبها.

(١٠) نفس المصدر والموضع.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ليس. (١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقولوا.

)١٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يقولوا.

٤١٩

بأنفسهم بخطاياهم وارتكابهم ما نهى عنه. وفي الحديث أشياء غير هذا سؤالا وجوابا انتزعت منه موضع الحاجة.

عن سليمان بن عبد الله (١) قال : كنت عند أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ قاعدا ، فاتي بامرأة قد صار وجهها قفاها ، فوضع يده اليمنى في جبينها ويده اليسرى من خلف ذلك ثمّ عصر وجهها عن اليمين ، ثمّ قال : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) فرجع وجهها.

فقال : احذري أن تفعلي ، كما فعلت. [قالوا : يا بن رسول الله وما فعلت؟

فقال : ذلك مستور إلّا أن تتكلّم به فسألوها ، فقالت : كانت لي ضرّة فقمت اصلّي فظننت أنّ زوجي معها ، فالتفّت إليها فرأيتها قاعدة وليس هو معها فرجع وجهي على ما كان.] (٢) وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن بريد قال : سأل رجل أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) (٤) (الآية).

فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة ، فكفروا نعم الله ـ عزّ وجلّ ـ وغيّروا ما بأنفسهم من عافية الله ، فغيّر الله ما بهم من نعمة ، و (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) فأرسل [الله] (٥) عليهم سيل العرم فغرّق قراهم وخرّب ديارهم وأذهب أموالهم ، وأبدلهم مكان جنّاتهم (جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) ثمّ قال : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٦).

وفي كتاب معاني الأخبار (٧) ، بإسناده إلى أبي خالد الكابليّ قال : سمعت زين العابدين ـ عليه السّلام ـ يقول : الذّنوب الّتي تغيّر النّعم : البغي على النّاس ، والزّوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف ، وكفران النّعم ، وترك الشّكر. ثمّ تلا هذه الآية.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٥ ، ح ١٨. كذا فيه وفي النسخ : عبد الملك.

(٢) من المصدر.

(٣) الكافي ٢ / ٢٧٤ ، ح ٢٣.

(٤) سبأ / ١٩.

(٥) من المصدر.

(٦) سبأ / ٢٠.

(٧) معاني الأخبار / ٢٧٠ ، ح ٢.

٤٢٠