لا يعبر على بابي اليوم (١) سائل ، إلّا أطعمتموه. فإنّ اليوم يوم الجمعة.
قلت له : ليس كلّ من يسأل مستحقّا (٢). فقال : يا ثابت ، أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّا ، فلا نطعمه ونردّه ، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله. أطعموهم! أطعموهم! إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشا فيتصدّق منه ، ويأكل هو وعياله منه. وإنّ سائلا مؤمنا صوّاما محقّا ، له عند الله منزلة ، وكان مجتازا غريبا ، اعترّ (٣) على باب يعقوب عشيّة جمعة ، عند (٤) أوان إفطاره. فهتف على بابه [وقال] (٥) : أطعموا السّائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم! يهتف بذلك على بابه مرارا ، وهم يسمعونه. وقد جهلوا حقّه ، ولم يصدّقوا قوله.
فلمّا يئس أن يطعموه وغشيه اللّيل ، استرجع واستعبر (٦) وبكى (٧) ، وشكا جوعه إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ. وبات (٨) طاويا (٩). وأصبح صائما جائعا حامدا لله. وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا.
[فلمّا جاء اللّيلة الثّانية ، جاء ووقف يهتف على بابه : أطعموا السّائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم. يهتف بذلك على بابه مرارا ، وهم يسمعونه. وقد جهلوا حقّه ، ولم يصدّقوا قوله. فلمّا يئس من أن يطعموه ، وغشيه اللّيل ، استرجع واستعبر وبكى ، وشكا جوعه إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ. وبات طويّا. وأصبح صائما حامدا جائعا صابرا. وأصبح آل يعقوب شباعا بطانا] (١٠). وأصبحوا وعندهم فضلة من طعامهم.
قال : فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى يعقوب في صبيحة تلك اللّيلة : لقد أذللت ـ يا يعقوب! ـ عبدي ذلّة استجررت (١١) بها غضبي ، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي وبلواي (١٢) عليك وعلى ولدك. يا يعقوب! إنّ أحبّ أنبيائي إليّ ، وأكرمهم عليّ ، من رحم
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : محقّا.
(٣) الاعترار : إتيان الفقير للمعروف من غير أن يسأل.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : غير.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) استعبر : بكى حتى جرى دمعه.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) يوجد في أ ، ر.
(٩) الطاوي : الجائع.
(١٠) ليس في المصدر.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : استحدثت.
مساكين عبادي ، وقرّبهم إليه ، وأطعمهم ، وكان لهم (١) مأوى وملجأ.
يا يعقوب! أما رحمت ذميال (٢) عبدي المجتهد في عبادتي ، القانع باليسير من ظاهر الدّنيا عشاء أمس لمّا اعترّ (٣) ببابك أوان إفطاره ، وهتف بكم : «أطعموا السّائل الغريب المجتاز القانع»!؟ فلم تطعموه شيئا ، فاسترجع واستعبر ، وشكا ما به إليّ. وبات (٤) طاويا حامدا لي صابرا (٥). فأصبح صائما ، وأنت ـ يا يعقوب! ـ وولدك شباعا! وأصبحتم وعندكم فضلة من طعامكم!
أو ما علمت ـ يا يعقوب! ـ أنّي بالعقوبة والبلوى إلى أوليائي أسرع منّي بها إلى أعدائي!؟ وذلك حسن النّظر منّي لأوليائي ، واستدراج منّي لأعدائي.
أما ـ وعزّتي ـ لأنزلنّ بك بلائي ، ولأجعلنّك وولدك به (٦) غرضا لمصائبي ، ولأؤدّبنّك بعقوبتي. فاستعدّوا لبلائي. وارضوا بقضائي. واصبروا للمصائب.
فقلت لعليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ : جعلت فداك ، متى رأى يوسف الرّؤيا؟ فقال : في تلك اللّيلة التي بات فيها يعقوب شبعانا (٧) ، وبات فيها ذميال طاويا جائعا.
فلمّا رأى يوسف الرّؤيا ، وأصبح فقصّها على أبيه يعقوب ، فاغتمّ يعقوب لمّا سمع من يوسف الرّؤيا (٨) ، مع ما أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه ، أن استعدّ (٩) للبلاء. فقال يعقوب ليوسف : لا تقصص (١٠) رؤياك هذه على إخوتك فإنّي أخاف أن يكيدوا لك كيدا. فلم يكتم يوسف رؤياه ، وقصّها على إخوته.
قال عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ : وكانت أوّل بلوى نزلت بيعقوب وآل يعقوب الحسد ليوسف ، لمّا سمعوا منه الرّؤيا.
قال : فاشتدّت رقّة يعقوب على يوسف ، وخاف أن يكون ما أوحى الله
__________________
(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : بلائي.
(١) يوجد في ب.
(٢) الظاهر أنّ ذميال اسم ذلك الرجل.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعتري.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ويأت.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) المصدر : شباعا.
(٨) ليس في المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : استعدّوا.
(١٠) ر : زيادة «لا تقصص».
ـ عزّ وجلّ ـ إليه من الاستعداد للبلاء ، إنّما (١) هو في يوسف خاصّة ، فاشتدّت رقّته عليه من بين ولده.
فلمّا رأى إخوة يوسف ما يصنع يعقوب بيوسف ، وتكرمته (٢) إيّاه ، وإيثاره إيّاه عليهم ، اشتدّ ذلك عليهم ، وبدأ البلاء فيهم. فتآمروا (٣) فيما بينهم وقالوا : إنّ يوسف وأخاه (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) ، أي : تتوبون. فعند ذلك قالوا : (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) (الآية). فقال يعقوب : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ).
فانتزعه حذرا عليه من أن تكون البلوى من الله على يعقوب في يوسف خاصّة ، لموقعه من قلبه وحبّه له.
قال : فغلبت قدرة الله وقضاؤه ونافذ أمره في يعقوب ويوسف وإخوته ، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه ، ولا عن يوسف وولده. فدفعه إليهم ، وهو لذلك كاره (٤) متوقّع للبلوى من الله في يوسف.
فلمّا خرجوا من منزلهم ، لحقهم أبوهم (٥) مسرعا. فانتزعه من أيديهم ، فضمّه إليه ، واعتنقه وبكى ، ودفعه إليهم. فانطلقوا به مسرعين ، مخافة أن يأخذه منهم ، ولا يدفعه إليهم.
فلمّا مضوا (٦) به ، أتوا به غيضة أشجار فقالوا : نذبحه ونلقيه تحت هذه الشّجرة ، فيأكله الذّئب اللّيلة. فقال كبيرهم يهوذا (٧) : لا تقتلوا يوسف ولكن (أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
فانطلقوا به إلى الجبّ. وألقوه فيه ، وهم يظّنون أنّه يغرق فيه. فلمّا صار في قعر الجبّ ، ناداهم : يا ولد رومين ، اقرؤوا يعقوب منّي السّلام. فلمّا سمعوا كلامه ، قال بعضهم لبعض : لا تزالوا من ها هنا ، حتّى تعلموا أنّه قد مات. فلم يزالوا بحضرته ، حتّى
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : من مكرمته.
(٣) أي : فتشاوروا.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : كان.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) المصدر : امنعوا.
(٧) ليس في المصدر.
أيسوا (١) ورجعوا ـ وسيأتي تمام الخبر ـ.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : فأدنوه (٣) من رأس الجبّ ، وقالوا : انزع قميصك. فبكى وقال : يا إخوتي! لا تجرّدوني. فسلّ واحد منهم عليه السّكّين وقال : لئن لم تنزعه ، لأقتلنّك! فنزعه. فدّلوه في البئر (٤) وتنحّوا عنه.
فقال يوسف في الجبّ : يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب! ارحم ضعفي وقلّة حيلتي وصغري.
ثمّ قال عليّ بن إبراهيم ـ ونسب ابن طاوس قوله هذا إلى الصّادق عليه السّلام ـ :
ورجع إخوته فقالوا : نعمد إلى قميصه ، فنلطّخه بالدّم ونقول لأبينا : إنّ الذّئب أكله. فقال لهم أخوهم (٥) لاوي : يا قوم ، ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله (٦) ابن إبراهيم خليل الله!؟ أفتظنّون أن الله يكتم هذا الخبر عن أنبيائه!؟
[فقالوا : وما الحيلة؟ قال : نقوم ونغتسل ونصلّي جماعة ، ونتضرّع إلى الله ـ تعالى ـ أن يكتم ذلك الخبر عن نبيّه] (٧) فإنّه جواد كريم. فقاموا واغتسلوا. وكانوا في سنّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنّهم لا يصلّون جماعة حتّى يبلغوا أحد عشر [رجلا] (٨) فيكون واحد منهم إماما ، وعشرة يصلّون خلفه.
قالوا : وكيف نصنع ، وليس لنا إمام؟ فقال لاوي : نجعل الله إمامنا. فصلّوا وتضرّعوا (٩) وبكوا. وقالوا : يا ربّ ، أكتم علينا هذا.
وفي أصول الكافي (١٠) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن عمّار الدّهّان ، عن مسمع ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :
لمّا طرح إخوة يوسف [يوسف] (١١) في الجبّ ، أتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ. فدخل
__________________
(١) المصدر : امسوا.
(٢) تفسير القميّ ١ / ٣٤٠ ـ ٣٤٢ باختلاف يسير.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأتوه.
(٤) كذا في ب. وفي النسخ والمصدر : اليم.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) المصدر : نبيّ الله.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : جزعوا.
(١٠) الكافي ٢ / ٥٥٦ ، ح ٤.
(١١) من المصدر.
عليه فقال : يا غلام! ما تصنع ها هنا!؟ فقال : إنّ إخوتي ألقوني في الجبّ. قال : أفتحبّ أن تخرج منه؟ قال : ذاك إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ. إن شاء ، أخرجني.
قال : فقال له : إنّ الله يقول لك : ادعني بهذا الدّعاء ، حتّى أخرجك من الجبّ. فقال له : وما الدّعاء؟ قال : قل : «اللهمّ ، إنّي أسألك بأنّ لك الحمد ، لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّموات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تجعل لي ممّا أنا فيه فرجا ومخرجا».
قال : ثمّ كان من قصّته ما ذكر الله في كتابه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) نحوه سندا ومتنا. وزاد بعد قوله : «ومخرجا» : «وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب». فدعا ربّه. فجعل له من الجبّ فرجا ، ومن كيد المرأة مخرجا. وآتاه ملك مصر ، من حيث لا يحتسب.
وفي أمالي شيخ الطّائفة (٢) ، بإسناده إلى أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ما كان دعاء يوسف ـ عليه السّلام ـ في الجبّ؟ فإنّا قد اختلفنا فيه.
فقال : إنّ يوسف ـ عليه السّلام ـ لمّا صار في الجبّ ، وأيس من الحياة ، قال : «اللهمّ إن كانت الخطايا والذّنوب قد أخلقت وجهي عندك ، فلن ترفع لي إليك صوتا ، ولن تستجيب لي دعوة ، فإنّي أسألك بحقّ الشّيخ يعقوب. فارحم ضعفه. واجمع بيني وبينه. فقد علمت رقّته عليّ ، وشوقي إليه».
(وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) :
أوحي إليه في صغره ، كما أوحي إلى يحيى وعيسى ـ عليهما السّلام ـ.
(لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) : لتحدثنّهم بما فعلوا بك.
(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٥) : أنّك يوسف (٣) ، لعلوّ شأنك ، وبعده عن أوهامهم ، وطول العهد المغيّر للحلي والهيئات.
وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر ، حين دخلوا عليه ممتارين ، فعرفهم ، وهم له منكرون. بشّره بما يؤول إليه أمره ، إيناسا له ، وتطييبا لقلبه.
وقيل (٤) : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) متّصل ب «أوحينا». أي : آنسناه بالوحي ، وهم لا
__________________
(١) تفسير القميّ ١ / ٣٥٤.
(٢) أمالي الطوسي ٢ / ٢٨ قريب منه.
(٣) ب : ليوسف.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٩.
يشعرون ذلك.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : يقول : لا يشعرون أنّك أنت يوسف. أتاه جبرئيل ، فأخبره بذلك.
وفي علل الشّرائع (٢) وفي تفسير العيّاشيّ (٣) ، عن السّجّاد ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل : ابن كم كان يوسف يوم ألقوه في الجبّ؟ قال : كان ابن تسع (٤) سنين.
وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن زيد الشّحّام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قوله : (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال : كان ابن سبع سنين.
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً) : آخر النّهار.
وقرئ (٦) : «عشيّا» وهو تصغير عشي. و «عشي» ـ بالضّمّ والقصر ـ جمع أعشى. أي : عشوا من البكاء.
(يَبْكُونَ) (١٦) : متباكين.
نقل أنّه لمّا سمع بكاءهم ، فزع وقال : ما لكم يا بنيّ؟ وأين يوسف؟
(قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) : نتسابق في العدو أو الرّمي.
وقد يشترك الافتعال والتّفاعل ، كالانتضال والتّناضل.
(وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) : بمصدّق لنا.
(وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (١٧) لسوء ظنّك بنا وفرط محبّتك ليوسف.
(وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ، أي : ذي كذب ، بمعنى : مكذوب فيه.
ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة.
وقرئ (٧) بالنّصب ، على الحال من الواو. أي : جاؤوا كاذبين. و «كدب» ـ بالدّال غير المعجمة ـ أي : كدر أو طريّ. وقيل : أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث ، فشبّه به الدّم اللّاصق على القميص.
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٣٤٠.
(٢) العلل ١ / ٤٨ ، ح ١.
(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٧٢ ، ح ١٦.
(٤) ب ، العياشي : سبع.
(٥) نفس المصدر والمجلّد / ١٧٠ ، ح ٧.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٩.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٠.
و (عَلى قَمِيصِهِ) في موضع النّصب ، على الظّرف ، أي : فوق قميصه. أو على الحال من الدّم ، إن جوزّ تقديمها على المجرور.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) : قال : إنّهم ذبحوا جديا على قميصه.
وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي جميل (٣) ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أوتي بقميص يوسف إلى يعقوب ، فقال : اللهمّ ، لقد كان ذئبا رقيقا حين لم يشقّ القميص! قال : وكان به نضح من دم.
وفيه (٤) : قال : ما كان أشدّ غضب ذلك الذّئب على يوسف ، وأشفقه (٥) على قميصه ، حيث أكل يوسف ، ولم يمزّق قميصه!
وفي مجمع البيان (٦) : وروي أنّه ألقى ثوبه على وجهه وقال : يا يوسف ، لقد أكلك ذئب رحيم! أكل لحمك ، ولم يشقّ قميصك!
وفي كتاب الخصال (٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان في قميص يوسف ثلاث آيات في قوله : (جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ، وقوله (٨) : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) ، وقوله (٩) ـ تعالى ـ : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا).
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ، أي : سهّلت لكم ، وهوّنت في أعينكم أمرا عظيما. من السّول ، وهو : الاسترخاء.
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ، أي : فأمري صبر جميل. أو : فصبر جميل أجمل.
وفي الحديث النّبويّ (١٠) : الصّبر الجميل الّذي لا شكوى فيه إلى الخلق. ورواه ابن عقدة عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ والعيّاشيّ عن الباقر ـ عليه السّلام ـ.
(وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (١٨) : على احتمال ما تصفونه من هلاك
__________________
(١) تفسير القميّ ١ / ٣٤١.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٧١ ، ح ٩.
(٣) المصدر : أبي جميلة.
(٤) لم نعثر على هذه الرواية في تفسير العيّاشي ، ولكن رواه القميّ في تفسيره ١ / ٣٤٢.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الشّفقة.
(٦) المجمع ٣ / ٢١٨.
(٧) الخصال ١ / ١١٨ ، ح ١٠٤.
(٨) يوسف / ٢٦.
(٩) يوسف / ٩٣.
(١٠) تفسير الصافي ٤ / ٨٢٤.
يوسف.
في كتاب علل الشّرائع (١) وفي تفسير العيّاشيّ (٢) عن السّجاد ـ عليه السّلام ـ أنّه لمّا سمع مقالتهم ، استرجع واستعبر ، وذكر ما أوحى الله إليه من الاستعداد للبلاء. [فصبر] (٣) وأذعن للبلاء (٤). [يعني بسبب غفلته عن إطعامه الجار الجائع.] (٥) فقال لهم : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً). وما كان الله ليطعم لحم يوسف الذّئب من قبل أن أرأى (٦) تأويل رؤياه الصّادقة.
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) : رفقة.
قيل (٧) : يسيرون من مدين إلى مصر. فنزلوا قريبا من الجبّ. وكان ذلك بعد ثلاث أيّام من إلقائه فيه.
(فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) : الّذي يرد الماء ويستقي لهم.
قيل (٨) : وكان مالك بن ذعر الخزاعيّ.
(فَأَدْلى دَلْوَهُ) : فأرسلها في الجبّ ليملأها ، فتدلّى (٩) بها يوسف. فلمّا رآه (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) : نادى البشرى ، بشارة لنفسه ، أو لقومه ، كأنّه قال : تعالي ، فهذا أوانك.
وقيل (١٠). هو اسم صاحب له ، ناداه ليعينه على إخراجه.
وقرأ (١١) غير الكوفيّين : «يا بشراي» بالإضافة. وأمال فتحة الرّاء حمزة والكسائي.
وقرأ (١٢) ورش بين اللّفظين.
وقرئ (١٣) : «يا بشرى» بالإدغام ـ وهو لغة ـ و «بشراي» ـ بالسّكون ـ على قصد الوقف.
(وَأَسَرُّوهُ) :
__________________
(١) العلل ١ / ٤٧.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٦٩ ، ح ٥.
(٣) من المصدرين.
(٤) كذا في العلل. وفي النسخ والعياشي : للبلوى.
(٥) ليس في المصدرين.
(٦) كذا في العلل. وفي العياشي : أرى. وفي النسخ : أدى.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٠.
(٨) نفس المصدر والموضع.
(٩) أ ، ب ، ر : فتدالى.
(١٠ و ١١ و ١٢ و ١٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٩٠.
قيل (١) : أي الوارد وأصحابه من سائر الرّفقة.
وقيل (٢) : أخفوا أمره وقالوا لهم : دفعه أهل الماء إلينا ، لنبيعه لهم بمصر.
والظّاهر أنّ الضّمير لإخوة يوسف. وذلك أنّ يهوذا كان يأتيه كلّ يوم بالطّعام.
فأتاه يومئذ ، فلم يجده فيها. فأخبر إخوته. فأتوا الرّفقة ، وقالوا : هذا غلامنا أبق (٣) منّا.
فاشتروه. وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه.
(بِضاعَةً) :
نصب على الحال. أي : أخفوه متاعا للتّجارة. واشتقاقه من البضع ، فإنّه ما يبضع من المال للتّجارة.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) (١٩) ، لم يخف عليه أسرارهم ، أو صنيع إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم.
(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ) : وباعوه. وفي مرجع الضّمير الوجهان. أو : اشتروه من إخوته.
(بَخْسٍ) : مبخوس ، لزيفه أو نقصانه.
(دَراهِمَ) :
بدل من الثّمن.
(مَعْدُودَةٍ) : قليلة.
فإنّهم كانوا يزنون ما بلغ الأوقيّة ، ويعدّون ما دونها. وكان عشرين درهما.
وفي عيون الأخبار (٤) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في خبر الشّاميّ ، وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة ، حديث طويل. وفيه : وسأله (٥) عن أوّل من وضع سكتة الدّنانير والدّراهم. فقال : نمرود بن كنعان.
وفي كتاب علل الشّرائع (٦) ، بإسناده إلى محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد ، بإسناده رفعه قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لبعض أصحابه ـ وقد سأله عن مسائل ـ :
وإنّما سمّي الدّرهم درهما ، لأنّه دار همّ. من جمعه ، ولم ينفقه في طاعة الله ، أورثه النّار.
__________________
(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) أبق : هرب.
(٤) العيون ١ / ١٩٢ ، ح ١.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : سئل.
(٦) العلل ١ / ٣ ، ح ١.
(وَكانُوا فِيهِ) : في يوسف.
(مِنَ الزَّاهِدِينَ) (٢٠) من الرّاغبين عنه.
والضّمير في «وكانوا» إن كان للإخوة ، فظاهر ، وإن كان للرّفقة ـ وكانوا بائعين ـ فزهدهم فيه لأنّهم التقطوه ، والملتقط للشّيء متهاون به ، خائف عن حال انتزاعه ، مستعجل في بيعه. وإن كانوا مبتاعين ، فلأنّهم اعتقدوا أنّه آبق.
و «فيه» متعلّق ب «الزّاهدين» ، إن جعل اللّام للتّعريف. وإن جعل بمعنى «الّذي» ، فهو متعلّق بمحذوف يبيّنه «الزّاهدين». لأنّ متعلّق الصّلة لا يتقدّم على الموصول.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (٢) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) قال :
كانت عشرين درهما. والبخس النّقص. وهي قيمة كلب الصّيد إذا قتل كان قيمته عشرين درهما.
وفي مجمع البيان (٣) : وكانت الدّراهم عشرين درهما. وهو المرويّ عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ. قال : وكانوا عشرة اقتسموها درهمين درهمين.
وفي كتاب الخصال (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في سؤال بعض اليهود عليّا ـ عليه السّلام ـ عن الواحد إلى المائة : فما العشرون؟ قال : بيع يوسف بعشرين درهما.
وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن الحسن ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) قال : كانت عشرين درهما.
عن ابن حصين (٦) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَشَرَوْهُ ـ إلى قوله : ـ مَعْدُودَةٍ) قال : كانت الدّراهم ثمانية عشر درهما.
وبهذا الإسناد (٧) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : كانت الدّراهم عشرين درهما.
__________________
(١) تفسير القميّ ١ / ٣٤١.
(٢) المصدر : «عن أبي بصير» بدل «بن أبي نصر».
(٣) المجمع ٣ / ٢٢٠.
(٤) الخصال ٢ / ٥٩٧ ، ح ١.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ١٧٢ ، ح ١١.
(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٧٢ ، ح ١٤.
(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ١٥.
وهي قيمة كلب الصّيد إذا قتل. والبخس النّقص.
ويمكن الجمع بين الأخبار بأنّ الثّمن الّذي باعوه به ، هو العشرون ، واستحطّوا درهمين منه ، بعد العقد على عشرين.
وفي كتاب علل الشّرائع (١) وفي الحديث السّابق عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ.
انّهم لمّا أصبحوا قالوا : انطلقوا بنا ، حتّى ننظر ما حال يوسف ، أمات ، أم هو حيّ. فلمّا انتهوا إلى الجبّ ، وجدوا بحضرة الجبّ سيّارة ، وقد أرسلوا واردهم وأدلى دلوه. فلمّا جذب دلوه ، فإذا هو بغلام متعلّق بدلوه. فقال لأصحابه : يا بشرى! هذا غلام! فلمّا أخرجوه ، أقبل إليهم إخوة يوسف ، فقالوا : هذا عبدنا سقط [منّا] (٢) أمس في هذا الجبّ ، وجئنا اليوم لنخرجه. فانتزعوه من أيديهم. وتنّحوا به ناحية فقالوا : إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبدنا ، فنبيعك [على] (٣) بعض هذه السّيّارة ، أو نقتلك! فقال لهم يوسف : لا تقتلوني ، واصنعوا ما شئتم.
فأقبلوا به إلى السّيّارة ، فقالوا : أمنكم من يشتري منّا هذا العبد؟ فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما. وكان إخوته فيه من الزّاهدين.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : فحملوا يوسف إلى مصر ، وباعوه من عزيز مصر.
وفي علل الشّرائع (٥) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ أنّه سئل : كم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر؟ فقال : مسيرة اثني عشر يوما.
وفي الكافي (٦) وكمال الدّين (٧) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في حديث يذكر فيه يوسف ـ عليه السّلام ـ : وكان بينه وبين والده ثمانية عشر يوما. قال : ولقد سار يعقوب وولده عند البشارة مسيرة (٨) تسعة أيّام من بدوهم (٩) إلى مصر.
ولعلّ الاختلاف في الخبرين باعتبار اختلاف سير السّيّارة. فإنّ بعضهم كان
__________________
(١) العلل ١ / ٤٨ ، ح ١.
(٢ و ٣) من المصدر.
(٤) تفسير القميّ ١ / ٣٤٢.
(٥) العلل ١ / ٤٨ ، ح ١.
(٦) الكافي ١ / ٣٣٦ ، ح ٤.
(٧) كمال الدين ١ / ١٤٤ ، ح ١١.
(٨) كمال الدين : في.
(٩) ليس في كمال الدين : من بدوهم.
يسير اثني عشر يوما ـ كالرّاكبين على الفرس ـ وبعضهم ثمانية عشر ، كالسّائرين على الإبل.
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ) :
قيل (١) : هو العزيز الّذي كان على خزائن مصر. وكان اسمه «قطفير» أو «إطفير». وكان الملك يومئذ ريّان بن الوليد العمليقيّ. وقد آمن بيوسف ، ومات في حياته.
وقيل (٢) كان فرعون موسى عاش أربعمائة سنة بدليل قوله (٣) : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ). والمشهور أنّه من أولاد فرعون يوسف ، والآية من قبيل خطاب الأولاد بأحوال الآباء.
نقل (٤) أنّه اشتراه العزيز ، وهو ابن سبع عشرة سنة. ولبث في منزله ثلاث عشرة سنة. واستوزره الرّيّان ، وهو ابن ثلاثين سنة. أعطاه الله العلم والحكمة ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وتوفيّ ، وهو ابن مائة وعشرين.
واختلف فيما اشتراه به من جعل شرائه غير الأوّل. فقيل (٥) : عشرون دينارا وزوجا نعل وثوبان أبيضان. وقيل (٦) : ملؤه فضّة. وقيل (٧) : ذهبا.
(مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ) ـ وكان اسمها (٨) زليخا. كما يأتي في الخبر ـ : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) : اجعلي مقامه عندنا كريما ، أي : حسنا. والمعنى : أحسني تعهّده.
(عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) في ضياعنا وأموالنا ، ونستظهر به في مصالحنا.
(أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) : نتبنّاه ـ وكان عقيما ـ لما تفرّس فيه من الرّشد.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : ولم يكن له ولد. فأكرموه وربّوه. فلمّا بلغ أشدّه ، هوته امرأة العزيز. وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلّا هوته ، ولا رجل إلّا أحبّه. وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر.
(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) : وكما مكّنّا محبّته في قلب العزيز ، أو كما
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩١ ، وفي ب : «يعني» بدل «قيل».
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) غافر / ٣٤.
(٤) نفس المصدر والموضع.
(٥ و ٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٩١.
(٨) ليس في ب.
(٩) تفسير القمّي ١ / ٣٤٢.
مكّنّاه في منزله ، أو كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز ، مكّنّا له فيها.
(وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) :
عطف على مضمر. تقديره : ليتصرّف فيها بالعدل ، ولنعلّمه. أي : كان القصد في إنجائه وتمكّنه إلى أن يقيم العدل ، ويدبّر أمور النّاس ، ويعلم معاني كتب الله وأحكامه ، فينفّذها. أو : تعبير المنامات المنبّئة عن الحوادث الكائنة ، ليستعدّ لها ، ويشتغل بتدبيرها قبل أن تحلّ.
(وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) ، لا يردّه شيء ، ولا ينازعه فيما يشاء. أو : على أمر يوسف. أراد به إخوة يوسف شيئا ، وأراد الله غيره. فلم يكن إلّا ما أراده.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢١) أنّ الأمر كلّه بيده. أو : لطائف صنعه ، وخفايا لطفه.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) : منتهى اشتداده في جسمه وقوّته. وهو سنّ الوقوف ما بين الثّلاثين والأربعين.
وقيل (١) : سنّ الشّباب. ومبدؤه بلوغ الحلم.
(آتَيْناهُ حُكْماً) : حكمة. وهو العلم المؤيّد بالعمل. أو : حكما بين النّاس.
(وَعِلْماً) ، يعني : على تأويل الأحاديث.
(وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢٢) :
تنبيه على أنّه ـ تعالى ـ إنّما آتاه ذلك ، جزاء على إحسانه في عمله ، واتّقائه (٢) في عنفوان أمره.
(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) : طلبت وتمحّلت أن يواقعها. من : راد يرود : إذا جاء وذهب لطلب شيء. ومنه : الرّائد.
(وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) :
قيل (٣) : كانت سبعة. والتّشديد للتّكثير ، أو للمبالغة في الإيثاق.
(وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) ، أي : أقبل وبادر. أو : تهيّأت لك. والكلمة على الوجهين اسم فعل بني على الفتح ، كأين. واللّام للتّبيين ، كالّتي في : سقيا لك.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩١.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : إحصانه.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٩١.
وقرأ (١) ابن كثير بالضّمّ ، تشبيها له بحيث. ونافع وأبو عامر بالفتح وكسر الهاء ـ كحيط ـ وهو لغة فيه.
وقرأ (٢) هشام كذلك إلّا أنّه يهمز. وقد روي عنه ضمّ التّاء.
وقرئ (٣) : «هيت» ـ كجير ـ و «هئت» ـ كجئت ـ من : هاء يهيء : إذا تهيّأ. وعلى هذا فالّلام من صلته.
وفي مجمع البيان (٤) : وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ : «هئت لك» بالهمزة وضمّ التّاء.
(قالَ مَعاذَ اللهِ) : أعوذ بالله معاذا.
(إِنَّهُ) : إنّ الشّأن (رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) : سيّدي «قطفير» أحسن تعهّدي ، إذ قال لك : «أكرمي مثواه». فما جزاؤه أن أخونه في أهله.
وقيل (٥) : الضّمير لله. أي : إنّه خالقي ، وأحسن منزلتي ، بأن عطف على قلبه ، فلا أعصيه.
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) : المجازون الحسن بالسّيّئ.
وقيل (٦) : الزّناة. فإنّ الزّنا ظلم على الزّاني والمزنيّ بأهله.
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) :
قيل (٧) : قصدت مخالطته ، وقصد مخالطتها. والهمّ بالشّيء : قصده والعزم عليه.
ومنه : الهمام ، وهو : الّذي إذا همّ بشيء ، أمضاه.
وقيل (٨) : المراد بهمّه ، ميل الطّبع ومنازعة الشّهوة ، لا القصد الاختياريّ. وذلك ممّا لا يدخل تحت التّكليف. بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله ، من يكفّ عن الفعل عند قيام هذا الهمّ ، أو مشارفة الهمّ ، كقولك : لو لم أخف الله.
(لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) :
__________________
(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٢.
(٤) المجمع ٣ / ٢٢٢.
(٥ و ٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٢.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٢.
قيل (١) : أي : في قبح الزّنا وسوء مغبّته ، لخالطها ، لشبق الغلمة وكثرة المبالغة. والجواب محذوف ، يدلّ عليه المذكور سابقا ، عند من لم يجوّز تقديم الجزاء عليها. ومن جوّزه ، فلا حاجة إليه.
وقيل (٢) : رأى جبرئيل.
وقيل (٣) : تمثّل له يعقوب عاضّا على أنامله.
وقيل (٤) : «قطفير».
وقيل (٥) : نودي : يا يوسف! أنت مكتوب في الأنبياء ، وتعمل عمل السّفهاء!؟
وفي كتاب الاحتجاج (٦) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ مجيبا لبعض الزّنادقة ـ وقد قال : وأجده وقد شهر هفوات الأنبياء. يقول : في يوسف : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ـ : وأمّا هفوات الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ وما بيّنه الله في كتابه [ووقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم ممّا اجترمته الأنبياء ، ممّن شهد الكتاب بظلمهم] (٧) ، فإنّ ذلك من أدلّ الدّلائل على حكمة الله الباهرة ، وقدرته القاهرة ، وعزّته الظّاهرة. لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ تكبر في صدور أممهم ، وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها ، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم. فذكرها ، دلالة على تخلّفهم (٨) عن الكمال الّذي انفرد (٩) به ـ عزّ وجلّ ـ.
وفي مجمع البيان (١٠) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «البرهان» النّبوّة المانعة من ارتكاب الفواحش ، والحكمة الصّارفة عن القبائح (١١).
(كَذلِكَ) ، أي : مثل ذلك التّثبيت ثبّتناه. أو : الأمر مثل ذلك (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) : خيانة السّيّد (وَالْفَحْشاءَ) : الزّنا.
وفي كتاب معاني الأخبار (١٢) ، بإسناده إلى خلف بن حمّاد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٢.
(٦) الإحتجاج ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٩.
(٧) من المصدر.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : تخليهم.
(٩) المصدر : تفرد.
(١٠) المجمع ٣ / ٢٢٥.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : القبيح.
(١٢) المعاني / ١٧٢ ، ح ١.
وَالْفَحْشاءَ) ، يعني : أن يدخل في الزّنا.
(إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢٤) : الّذين أخلصهم الله لطاعته.
وقرأ (١) ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالكسر في كلّ القرآن ، أي : الّذين أخلصوا دينهم لله.
وفي عيون الأخبار (٢) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون ، مع أهل الملل والمقالات ، وما أجاب به عليّ بن الجهم في عصمة الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ حديث طويل. وفيه يقول : ـ عليه السّلام ـ :
وأما قوله في يوسف ـ عليه السّلام ـ : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ، فإنّها همّت بالمعصية ، وهمّ يوسف بقتلها ، إن أجبرته ، لعظم ما تداخله. فصرف الله عنه قتلها والفاحشة. هو قوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) ، يعني : القتل والزّنا.
وفي مجلس آخر (٣) للرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون في عصمة الأنبياء ، بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال :
حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا ـ عليه السّلام ـ. فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أليس من قولك أنّ الأنبياء معصومون؟ قال : بلى. قال : فما معنى قول الله عزّ وجلّ ـ إلى أن قال : ـ فأخبرني عن قول الله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ).
فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : (لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ولو لا أن رأى برهان ربّه ، لهمّ بها ، كما همّت به. لكنّه كان معصوما ، والمعصوم لا يهمّ بذنب ، ولا يأتيه. ولقد حدّثني أبي ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : همّت بأن تفعل ، وهمّ بأن لا يفعل.
فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن!
وفي باب آخر (٤) ، فيما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار المجموعة ، قال : وبهذا الإسناد ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قال :
قامت امرأة العزيز إلى الصّنم ، فألقت عليه ثوبا. فقال لها يوسف : ما هذا؟
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٢.
(٢) العيون ١ / ١٥٤ ، ح ١.
(٣) العيون ١ / ١٥٥ ـ ١٦٠ ، ح ١.
(٤) العيون ٢ / ٤٤ ، ح ١٦٢.
فقالت : أستحيي من الصّنم أن يرانا. فقال لها يوسف : أتستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر [ولا يفقه] (١) ، ولا يأكل ولا يشرب ، ولا أستحي أنا ممّن خلق الإنسان وعلّمه!؟ فذلك قوله ـ تعالى ـ : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ).
وفي أمالي الصّدوق (٢) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لعلقمة : إنّ رضا النّاس لا يملك ، وألسنتهم لا تضبط. وكيف تسلمون ممّا لم تسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله ـ عليهم السّلام ـ!؟ ألم ينسبوا يوسف ـ عليه السّلام ـ إلى أنّه همّ بالزّنا!؟ والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا همّت به وهمّ بها ، قالت : كما أنت. قال : ولم؟ قالت : أغطّي وجه الصّنم لا يرانا. فذكر الله عند ذلك ، وقد علم أنّ الله يراه. ففرّ منها (٤).
وأمّا ما رواه عن محمّد بن قيس (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : إنّ يوسف لمّا حلّ سراويله ، رأى مثال يعقوب [قائما] (٦) عاضّا على أصبعه ، وهو يقول له : يا يوسف! قال : فهرب. ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لكنّي ـ والله ـ ما رأيت عورة أبي قطّ. ولا رأى أبي عورة جدّي قطّ. ولا رأى جدّي عورة أبيه قطّ. قال وهو عاضّ على إصبعه. فوثب. فخرج الماء من إبهام رجله. فموافق لمذهب العامّة ، ومحمول على التّقيّة.
يدلّ على (٧) ما رواه عن بعض أصحابنا (٨) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أيّ شيء يقول النّاس في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ)؟ قلت : يقولون : رأى يعقوب عاضّا على أصبعه. فقال : لا ليس كما يقولون.
فقلت : فأي شيء رأى؟ قال : لمّا همّت به وهمّ بها ، قامت إلى صنم معها في البيت ، فألقت عليه ثوبا. فقال لها يوسف : ما صنعت؟ قالت (٩) : طرحت عليه ثوبا.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) أمالي الصدوق / ٩١ ، ح ٣.
(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٧٣ ، ح ١٧.
(٤) المصدر : ففرّ منها هاربا.
(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ١٨.
(٦) من المصدر.
(٧) الصحيح : عليه.
(٨) تفسير العياشي ٢ / ١٧٤ ، ح ١٩.
(٩) المصدر : قال.
أستحيي أن يرانا. قال : فقال يوسف : فأنت تستحين من صنمك ـ وهو لا يسمع ولا يبصر ـ ولا أستحيي أنا من ربّي!؟
إسحاق بن يسار (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّ الله بعث إلى يوسف ـ وهو في السّجن ـ : يا ابن يعقوب! ما أسكنك مع الخطّائين؟ قال : جرمي (٢). فاعترف (٣) بمجلسه منها مجلس الرّجل من أهله.
واعلم أنّ العامّة ـ خذلهم الله ـ نسبوا إلى يوسف ـ عليه السّلام ـ في هذا المقام أمورا ، [ورووا بها روايات مختلقة لا يليق للمؤمنين نقلها ، فكيف باعتقادها!] (٤).
ونعم ما قيل (٥) : إنّ الّذين لهم تعلّق بهذه الواقعة هم : يوسف ـ عليه السّلام ـ والمرأة ، وزوجها ، والنّسوة ، والشّهود ، وربّ العالمين ، وإبليس. وكلّهم قالوا ببراءة يوسف عن الذّنب. فلم يبق لمسلم توقّف في هذا الباب :
أمّا يوسف ، فقوله (٦) : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي). وقوله (٧) : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ).
وأمّا المرأة ، فلقولها (٨) : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ). وقالت (٩) : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ).
وأمّا زوجها ، فلقوله (١٠) : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ).
وأمّا النّسوة ، فلقولهنّ (١١) : (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). وقولهنّ (١٢) : (حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
وأمّا الشّهود ، فقوله (١٣) ـ تعالى ـ : (شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) (الآية).
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ / ١٩٨ ، ح ٨٧. كذا فيه. وفي النسخ : إسحاق بن بشار.
(٢) المصدر : زيادة «قال : فاعترف بجرمه فاخرج».
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأعرف.
(٤) كذا في تفسير الصافي ٣ / ١٤ ، وهامش نور الثقلين ٢ / ٤٢٠ ، نقلا عنه. وفي النسخ : «نشير إلى أكثرها سابقا» بدل ما بين المعقوفتين.
(٥) تفسير الصّافي ٣ / ١٤.
(٦) يوسف / ٢٦.
(٧) يوسف / ٣٣.
(٨) يوسف / ٣٢.
(٩) يوسف / ٥١.
(١٠) يوسف / ٢٨.
(١١) يوسف / ٣٠.
(١٢) يوسف / ٥١.
وأمّا شهادة الله بذلك ، فقوله ـ عزّ من قائل ـ : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ). وأمّا إقرار (١) إبليس بذلك (٢) فقوله (٣) : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). فقد أقرّ إبليس بأنّه لم يغوه.
وعند هذا نقول لهؤلاء الجهّال الّذين نسبوا إلى يوسف ـ عليه السّلام ـ الفضيحة ، إن كانوا من أتباع دين الله ، فليقبلوا شهادة الله بطهارته. وإن كانوا من أتباع إبليس ، وجنوده فليقبلوا إقرار إبليس بطهارته.
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ) :
أي : تسابقا إلى الباب.
وحذف الجارّ. أو ضمّن الفعل معنى الابتدار. وذلك أنّ يوسف ـ عليه السّلام ـ فرّ عنها ليخرج. وأسرعت وراءه ، لتمنعه الخروج.
(وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) : اجتذبته من ورائه ، فقدّ قميصه.
والقدّ : الشّق طولا. والقطّ : الشّقّ عرضا.
(وَأَلْفَيا سَيِّدَها) : وصادفا زوجها (لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٥) :
بادرت إلى هذا القول ، إيهاما بأنّها فرّت منه ، تبرئة لساحتها عند زوجها وتغييره على يوسف وإغراءه به انتقاما منه.
و «ما» نافية. أو استفهاميّة ، بمعنى : أي شيء جزاؤه إلّا السّجن!؟
(قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) : طالبتني بالمؤاتاة.
وإنّما قال ذلك ، دفعا لما عرّضته له من السّجن أو العذاب الأليم. ولو لم تكذب ، لما قاله.
(وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) :
قيل (٤) : ابن عمّها.
وقيل (٥) : ابن خالها صبيّا في المهد.
__________________
(١٣) يوسف / ٢٦.
(١) ليس في أ ، ب.
(٢) ليس في أ ، ب ، ر.
(٣) الحجر / ٣٩ ـ ٤٠ ، وص / ٨٢ ـ ٨٣.
(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٢.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن بعض رجاله ، رفعه قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ألهم الله ـ عزّ وجلّ ـ يوسف أن قال للملك : سل هذا الصّبي في المهد ، فإنّه سيشهد أنّها راودتني عن نفسي. فقال العزيز للصّبيّ. فأنطق الله الصّبي في المهد ليوسف فقال :
(إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢٦) ، لأنّه يدلّ على أنّها قدّت قميصه من قدّامه بالدّفع عن نفسها ، أو أنّه أسرع خلفها ، فتعثّر بذيله ، فانقدّ جيبه.
(وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢٧) ، لأنّه يدلّ على أنّها تبعته ، فاجتذبت ثوبه ، فقدّته.
والشّرطيّة محكيّة على إرادة القول ، أو على أنّ فعل الشّهادة من القول ونحوه. ونظيره قولك : إن أحسنت إليّ ، فقد أحسنت إليك. فإنّ معناه : أن تمنن عليّ بإحسانك ، أمنن عليك بإحساني السّابق.
وقرئ (٢) : «من قبل» و «من دبر» بالضّمّ ـ لأنّهما قطعا عن الإضافة ، كقبل وبعد ـ وبالفتح ، كأنّهما جعلا علمين للجهتين ، فمنعا من الصّرف ، وبسكون العين.
وفي كتاب الخصال (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان في قميص يوسف ثلاث آيات في قوله ـ تعالى ـ : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) وقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) (الآية). وقوله ـ تعالى ـ : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) (الآية).
(فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ) : إنّ قولك : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً). أو : إنّ السّوء. أو : إنّ هذا الأمر (مِنْ كَيْدِكُنَ) : من حيلتكنّ.
والخطاب لها ولأمثالها. أو لسائر النّساء.
(إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٢٨) :
فإنّ كيد النّساء ألطف وأعلق بالقلب ، وأشدّ تأثيرا في النّفس. ولأنهن يواجهن به الرّجال ، والشّيطان يوسوس به مسارقة.
(يُوسُفُ) :
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٣.
(٣) الخصال ١ / ١١٨ ، ح ١٠٤.