تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

(وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) : فلا راد له.

والعامل في «إذا» ما دلّ عليه الجواب.

وفي قرب الإسناد (١) للحميريّ : أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ).

فقال : إنّ القدريّة يحتجّون بأوّلها ، وليس كما يقولون. ألا ترى أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ). وقال نوح : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) قال : الأمر الى الله يهدي من يشاء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) فصار الأمر إلى الله ـ تعالى ـ.

(وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) (١١) : من يلي أمرهم ، فيدفع عنهم السّوء.

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) : من أذاه.

(وَطَمَعاً) : في الغيث.

وقيل (٣) : يخاف المطر من يضرّه ، ويطمع فيه من ينفعه.

وفي عيون الأخبار (٤) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : «خوفا» للمسافر. و «طمعا» للمقيم.

وانتصابهما (٥) على العلّة بتقدير المضاف ، أي : إرادة خوف وطمع. أو التّأويل بالإخافة والإطماع. أو الحال من البرق. أو المخاطبين على إضمار «ذو». أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول ، أو الفاعل للمبالغة.

(وَيُنْشِئُ السَّحابَ) : الغيم المنسحب في الهواء.

__________________

(١) قرب الاسناد / ١٥٧ ـ ١٥٨.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٦ ، ح ٢٠.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥١٥.

(٤) العيون ١ / ٢٩٤ ، ح ٥١.

(٥) أي : انتصاب كلّ منهما بكونه مفعولا له. وإنّما وجب تقدير المضاف لأنّه شرط في نصب المفعول الذي له أن يكون فعلا لفاعل عامله.

٤٢١

(الثِّقالَ) (١٢) : جمع ثقيلة. وإنّما وصف به السّحاب ، لأنّه اسم جنس في معنى الجمع.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : يعني : يرفعها من الأرض.

(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ) :

قيل (٢) : أي : سامعوه.

(بِحَمْدِهِ) ملتبسين (٣) به فيضجون بسبحان الله (٤) والحمد لله. أو يدلّ الرّعد بنفسه على وحدانيّة الله وكمال قدرته ، متلبّسا بالدّلالة على فضله ونزول نعمته ورحمته.

وسئل (٥) النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن الرّعد. فقال : ملك موكّل بالسّحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السّحاب.

وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : وروي أنّ الرّعد صوت ملك ، أكبر من الذّباب وأصغر من الزّنبور.

وسأل أبو بصير (٧) أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّعد : أيّ شيء هو؟

قال : إنّه بمنزلة الرّجل يكون في الإبل فيزجرها : هاي هاي ، كهيئة ذلك.

قال : قلت : جعلت فداك ، فما حال البرق؟

قال : تلك مخاريق الملائكة تضرب السّحاب فتسوقه إلى الموضع الّذي قضى الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه المطر.

وفي مجمع البيان (٨) : وكان النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا سمع صوت الرّعد قال : سبحان من يسبّح الرّعد بحمده.

ورويّ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : إنّ ربّكم ـ سبحانه ـ يقول : لو أنّ عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر باللّيل وأطلعت عليهم الشّمس بالنّهار ، ولم أسمعهم صوت الرّعد.

وروى (٩) سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٦١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥١٥.

(٣) كذا في أنوار التنزيل. وفي النسخ : متلبّس.

(٤) كذا في أنوار التنزيل. وفي النسخ : فيصيحون سبحان الله.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥١٥.

(٦ و ٧) الفقيه ١ / ٣٣٤.

(٨ و ٩) المجمع ٣ / ٢٨٣.

٤٢٢

سمع الرّعد والصّواعق قال : اللهمّ ، لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك.

(وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) : من خوف الله وإجلاله.

وقيل (١) : الضّمير «للرّعد».

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : يونس بن عبد الرّحمن ، أنّ داود قال : كنّا عنده فارتعدت السّماء ، فقال هو : سبحان من يسبّح له الرّعد بحمده والملائكة [من خيفته] (٣).

فقال له أبو بصير : جعلت فداك ، إنّ للرّعد كلاما؟

فقال : يا أبا محمّد ، سل عمّا يعنيك ودع ما (٤) لا يعنيك.

(وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) : فيهلكه.

في أمالي (٥) شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى أنس بن مالك : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

فقال للرّسول : أخبرني عن الّذي يدعوني إليه ، أمن فضّة هو أم من ذهب أو من حديد؟

فرجع إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأخبره بقوله ، فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ارجع إليه فادعه.

قال : يا نبيّ الله ، إنّه أعتى من ذلك.

قال : ارجع إليه.

فرجع إليه ، فقال كقوله. فبينا هو يكلّمه إذ رعدت (٦) سحابة رعدة فألقت على رأسه صاعقة ذهبت بقحف رأسه ، فأنزل الله ـ جلّ ثناؤه ـ : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) (الآية).

وفي أصول الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد (٨) بن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٦.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٧ ، ح ٢٢.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : عمّا.

(٥) أمالي الطوسي ٢ / ٩٩.

(٦) ب : أرعدت.

(٧) الكافي ٢ / ٥٠٠ ، ح ١.

(٨) المصدر : محمد.

٤٢٣

إسماعيل ، عن محمّد بن الفضيل (١) ، عن أبي الصّباح الكنانيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : يموت المؤمن بكلّ ميتة ، إلّا الصّاعقة [لا تأخذه] (٢) وهو يذكر الله ـ عزّ وجلّ ـ.

عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن بريد بن معاوية العجليّ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الصّواعق لا تصيب ذاكرا.

قال : قلت : وما الذّاكر؟

قال : من قرأ مائة آية.

حميد بن زياد (٤) ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن ميتة المؤمن.

قال : يموت المؤمن بكلّ ميتة [يموت] (٥) ، غرقا ، ويموت بالهدم ، ويبتلى بالسّبع ، ويموت بالصّاعقة ، ولا تصيب ذاكرا لله ـ عزّ وجلّ ـ.

عليّ بن إبراهيم (٦) ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عن أبيه ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : لا تملّوا من قراءة (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) فإنّه من كانت قراءته [بها] (٧) في نوافله لم يصبه الله ـ عزّ وجلّ ـ بزلزلة أبدا ، ولم يمت بها ولا بصاعقة ولا بآفة من آفات الدّنيا حتّى يموت. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي مجمع البيان (٨) : وروي عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ الصّواعق تصيب المسلم وغير المسلم ، ولا تصيب ذاكرا.

(وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) : حيث يكذّبون رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة ، والتّفرّد بالألوهيّة ، وإعادة النّاس ومجازاتهم.

و «الجدال» التّشدّد في الخصومة. من الجدل ، وهو القتل.

و «الواو» إمّا لعطف الجملة على الجملة ، أو للحال.

لما روي سابقا ، ولما نقل (٩) : أنّ عامر بن الطّفيل وأربد بن ربيعة ، أخا لبيد وفدا

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : الفضل.

(٢) من المصدر.

(٣) الكافي ٢ / ٥٠٠ ، ح ٢.

(٤) الكافي ٢ / ٥٠٠ ، ح ٣.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٢ / ٦٢٦ ، ح ٢٤.

(٧) من المصدر.

(٨) المجمع ٣ / ٢٨٣.

٤٢٤

على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قاصدين لقتله ، فأخذه عامر بالمجادلة ، ودار أربد من خلفه ليضربه بالسّيف ، فتنبّه له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال : اللهمّ أكفنيهما بما شئت. فأرسل الله عليه (١) صاعقة فقتلته ، ورمى عامرا بغدّة فمات في بيت سلوليّة ، وكان يقول : غدّة كغدّة البعير ، وموت في بيت سلوليّة. فنزلت.

(وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١٣) :

«المماحلة» المكايدة (٢) لأعدائه. من محل بفلان : إذا كايده (٣) وعرّضه للهلاك. ومنه : تمحّل : إذا تكلّف استعمال الحيلة. ولعلّ أصله ، المحل ، بمعنى : القحط.

وقيل (٤) : فعال ، من المحل ، بمعنى : القوّة.

وقيل (٥) : مفعل ، من الحول أو الحيلة ، أعل على غير القياس.

وقرئ (٦) ، بفتح الميم ، على أنّه مفعل ، من حال يحول : إذا احتال.

قيل (٧) : ويجوز أن يكون المعنى : شديد الفقار ، فيكون مثلا في القوّة والقدرة ، كما جاء : فساعد الله أشدّ وموساه أحدّ. لأنّ الحيوان إذا اشتدّ محاله كان منعوتا بشدّة القوّة ، والاصطلاح بما يعجز عنه غيره. ألّا ترى إلى قولهم : فقرته العواقر. وذلك لأنّ الفقار عمود الظّهر وقوامه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : أي : شديد الغضب.

وفي مجمع البيان (٩) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : شديد الأخذ.

وهما مع اتّحاد ما لهما حاصل المعنى.

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) : الدّعاء الحقّ ، فإنّه الّذي يحقّ أن يعبد ، ويدعى إلى عبادته دون غيره. أو له الدّعوة المجابة ، فإنّ من دعاه أجابه.

و «الحقّ» ما يناقض الباطل. وإضافة الدّعوة إليه لما بينهما من الملابسة ، أو على

__________________

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥١٦ ، والمجمع ٣ / ٢٨٣ باختلاف.

(١) يعني : على أربد.

(٢) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥١٦. وفي النسخ : أي : المماحلة والمكايدة.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : كاده.

(٤ و ٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥١٦.

(٧) الكشاف ٢ / ٥٢٠. ويوجد قريب منها في أنوار التنزيل ١ / ٥١٦.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٣٦١.

(٩) المجمع ٣ / ٢٨٣.

٤٢٥

تأويل دعوة المدعوّ الحقّ.

وقيل (١) : الحقّ هو الله ، وكلّ دعاء إليه دعوة الحقّ.

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) ، أي : والأصنام الّذين يدعوهم المشركون ، فحذف الرّاجع.

أو والمشركون الّذين يدعون الأصنام ، فحذف المفعول لدلالة (مِنْ دُونِهِ) عليه.

(لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) : من الطّلبات.

(إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ) : إلّا استجابة كاستجابة من بسط كفّيه.

(إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ) : يطلب منه أن يبلغه من بعيد ، أو يغترف مع بسط كفّيه ليشربه.

(وَما هُوَ بِبالِغِهِ) : لأنّ الماء جماد لا يشعر بدعائه ، ولا يقدر على إجابته ، ولا يستقرّ في الكفّ المبسوطة ، وكذلك آلهتهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : هذا مثل ضربه الله للّذين يعبدون الأصنام والّذين يعبدون الآلهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعهم (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ) ليتناوله من بعيد ولا يناله.

وحدّثني أبي (٣) ، عن أحمد بن النّظر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : جاء رجل إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، رأيت أمرا عظيما.

قال : وما رأيت؟

قال : كان لي مريض ، ونعت له ماء من بئر بالأحقاف يستشفي به في برهوت.

قال : فتهيّأت ومعي قربة وقدح لآخذ من مائها وأصبّ في القربة ، وإذا بشيء قد هبط في جوّ السّماء ، كهيئة السّلسلة ، وهو يقول : يا هذا ، اسقني السّاعة أموت. فرفعت رأسي إليه ورفعت إليه القدح لأسقيه ، فإذا رجل في عنقه سلسلة ، فلمّا ذهبت أناوله القدح اجتذب منّي حتّى علّق بالشّمس ، ثمّ أقبلت على الماء أغرف إذ أقبل الثانية ، وهو يقول : العطش العطش ، يا هذا ، اسقني السّاعة أموت. فرفعت القدح لأسقيه فاجتذب

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٨٣.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٦١.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦١.

٤٢٦

منّي حتّى علّق بالشّمس ، حتّى فعل ذلك ثالثة ، [فقمت] (١) وشددت قربتي ولم أسقه.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ذلك قابيل بن آدم الّذي قتل أخاه ، وهو يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ـ إلى قوله ـ إِلَّا فِي ضَلالٍ).

وقرئ (٢) : «تدعون» بالتّاء. و «باسط» بالتّنوين.

(وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (١٤) : في ضياع وخسار وبطلان.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) :

قيل (٣) : يحتمل أن يكون السّجود على حقيقته ، فإنّه يسجد له الملائكة والمؤمنون من الثّقلين طوعا حالتي الشّدّة والرّخاء ، والكفرة له كرها حال الشّدّة والضّرورة.

(وَظِلالُهُمْ) : بالعرض ، وأن يراد به انقيادهم لإحداث ما أراده منهم شاءوا أو كرهوا ، وانقياد ظلالهم لتصريفه إيّاها بالمدّ والتّقلّص.

وانتصاب «طوعا وكرها» بالحال ، أو العلّة ، وقوله : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١٥) : ظرف «ليسجد» والمراد بهما الدّوام ، أو حال من «الظّلال». وتخصيص الوقتين لأنّ الامتداد والتّقلص أظهر فيهما.

و «الغدوّ» جمع غداة ، كقنيّ وقناة (٤). و «الآصال» جمع أصيل ، وهو ما بين العصر والمغرب.

وقيل (٥) : «الغدو» مصدر ، ويؤيّده أنّه قرئ به. و «الإيصال» وهو الدّخول في الأصيل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أمّا من يسجد من أهل السّماوات طوعا فالملائكة يسجدون لله طوعا ، ومن يسجد من أهل الأرض فمن ولد في الإسلام فهو يسجد له طوعا. وأمّا من يسجد له كرها ، فمن اجبر (٧) على الإسلام. وأمّا من

__________________

(١) من المصدر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥١٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥١٧.

(٤) ب : كفتى وفتاة.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥١٧.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٦٢.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : جبر.

٤٢٧

لم يسجد ، فظّله يسجد له بالغداة والعشيّ.

وفيه (١) : قال : تحويل كلّ ظلّ خلقه الله هو سجود لله ، لأنّه ليس شيء إلّا له ظلّ يتحرّك بتحريكه ، وتحويله سجوده.

وفيه (٢) : قال : ظلّ المؤمن يسجد طوعا ، وظلّ الكافر يسجد كرها ، وهو نموّهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم.

وقيل (٣) : أريد بالظّلّ الجسد ، وإنّما يقال للجسم : الظّلّ ، لأنّه عنه الظّلّ ولأنّه ظلّ للرّوح ، لأنّه ظلمانيّ والرّوح نورانيّ ، وهو تابع له يتحرّك بحركته النّفسانيّة ويسكن بسكونه النّفسانيّ.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن أسباط ، عن غالب بن عبد الله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) قال : هو الدّعاء قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ، وهي ساعة إجابة.

وفي نهج البلاغة (٥) : فتبارك الّذي يسجد له (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) ويعفّر له خدّا ووجها ، ويلقي (٦) بالطّاعة إليه (٧) سلما وضعفا (٨) ، ويعطي له القياد (٩) رهبة وخوفا.

[وقال : وسجدت له بالغدوّ والآصال الأشجار.] (١٠)

قيل (١١) : كما يجوز أن يراد بكلّ من السّجود والظّلّ والغدوّ والآصال معناه المعروف ، كذلك يجوز أن يراد بالسّجود الانقياد وبالظّلّ الجسد وبالغدوّ والآصال الدّوام ، ويجوز ـ أيضا ـ أن يراد بكلّ منهما ما يشمل كلا المعنيين ، فيكون في كلّ شيء بحسبه وعلى ما يليق به ، وبهذا تتلائم الرّوايات والأقوال.

__________________

(١ و ٢) تفسير القمّي ١ / ٣٦٢.

(٣) تفسير الصافي ٣ / ٦٣.

(٤) الكافي ٢ / ٥٢٢ ، ح ١.

(٥) نهج البلاغة / ٢٧٢ ، خطبة ١٨٥.

(٦) المصدر : زيادة «إليه».

(٧) ليس في المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي ب : وضعنا وفي سائر النسخ : وضفنا.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : «الانقياد» بدل «له القياد».

(١٠) ليس في المصدر. ويوجد في نور الثقلين ٢ / ٤٩٢ ، ح ٧٣.

(١١) تفسير الصافي ٣ / ٦٧.

٤٢٨

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : خالقهما ، أو متولّي أمرهما.

(قُلِ اللهُ) : أجب عنه بذلك ، إذ لا جواب لهم سواه. أو لأنّه البيّن الّذي لا يمكن المراء فيه. أو لقّنهم الجواب به.

(قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ) : ثمّ ألزمهم بذلك ، لأنّ اتّخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل.

(أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) : لا يقدرون أن يجلبوا إليها نفعا أو يدفعوا عنها ضرا ، فكيف يستطيعون نفع الغير ودفع الضّرّ عنه.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ).

قيل (١) : «المشرك» الجاهل بحقيقة العبادة والموجب لها ، و «الموحّد» العالم بذلك.

وقيل (٢) : المعبود الغافل عنكم ، والمعبود المطّلع على أحوالكم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : يعني : الكافر والمؤمن.

(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) : الشّرك والتّوحيد.

وقرأ (٤) حمزة والكسائي وأبو بكر ، بالياء.

(أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) : بل جعلوا ، والهمزة للإنكار ، وقوله : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) صفة «لشركاء» داخلة في حكم الإنكار.

(فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) : خلق الله وخلقهم.

والمعنى : أنّهم ما اتّخذوا لله شركاء خالقين مثله حتّى يتشابه عليهم الخلق ، فيقولوا : هؤلاء خلقوا ، كما خلق الله فاستحقّوا العبادة كما يستحقّها ، ولكنّهم اتّخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق.

(قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) : لا خالق غيره فيشاركه في العبادة. جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها ، ثمّ نفاه عمّن سواه ليدلّ على قوله : (وَهُوَ الْواحِدُ) ، أي : المتوحّد بالألوهيّة.

(الْقَهَّارُ) (١٦) : الغالب على كلّ شيء.

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) : من السّحاب. أو من جانب السّماء أو من السّماء

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٧.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦٢.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥١٧.

٤٢٩

نفسها ، فإنّ المبادئ منها (١).

(فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ) : أنهار ، جمع واد ، وهو الموضع الّذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتّسع فيه (٢) ، واستعمل للماء الجاري فيه. وتنكيرها ، لأنّ المطر يأتي على تناوب بين البقاع (٣).

(بِقَدَرِها) : بمقدارها الّذي علم الله أنّه نافع غير ضارّ. أو بمقدارها في الصّغر والكبر.

(فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً) : رفعه.

و «الزّبد» وضر الغليان (٤).

(رابِياً) : عاليا.

(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ) : يعمّ الفلزّات ، كالذّهب والفضّة والحديد والنّحاس ، على وجه التّهاون بها إظهارا لكبريائه.

(فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) : طلب حليّ.

(أَوْ مَتاعٍ) : كالأواني وآلات الحرب والحرث. والمقصود من ذلك : بيان منافعها.

(زَبَدٌ مِثْلُهُ) ، أي : وممّا يوقدون عليه زبد مثل زبد الماء ، وهو خبثه.

و «من» للابتداء ، أو للتّبعيض.

وقرأ (٥) حمزة والكسائي وحفص ، بالياء ، على أنّ الضّمير للنّاس وإضماره للعلم به.

(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) : فإنّه (٦) مثّل الحقّ والباطل ، فإنّه مثّل الحقّ في إفادته وثباته بالماء الّذي ينزل من السّماء فيسيل به الأودية على قدر الحاجة

__________________

(١) أي لما كان مبادئ الماء من جانب السماء فإنّه يحصل بارتفاع الأبخرة الحاصلة من حركات الكواكب على طريق العادة.

(٢) أي : تجوّز فيه ، فأطلق اسم الوادي الّذي هو المحلّ على الحالّ الّذي هو الماء.

(٣) أي : ليس سيل جميع الأودية في زمان واحد ، بل بعض في بقعة في زمان وبعض في زمان آخر في بقعة اخرى.

(٤) أي وسخه ، أو خبثه.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥١٨.

(٦) ليس في المصدر.

٤٣٠

والمصلحة ، فينتفع به أنواع المنافع ، ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه (١) ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنيّ والآبار ، وبالفلزّ الّذي ينتفع به في صوغ الحلي واتّخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدّة متطاولة. والباطل في قلّة نفعه وسرعة زواله بزبدهما ، وبيّن ذلك بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) : يجفأ به ، أي : يرمي به السّيل أو الفلزّ المذاب.

وانتصابه ، على الحال.

وقرئ (٢) : «جفالا» ، والمعنى واحد. يقال (٣) : جفأت القدر بزبدها ، وأجفأ السيل وأجفل.

(وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) : كالماء وخلاصة الفلزّات.

(فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) : ينتفع به أهلها.

(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧)) : لإيضاح المشتبهات.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : يقول : أنزل الحقّ من السماء فاحتمله (٥) القلوب بأهوائها ، ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشّكّ على قدر شكّه ، فأحتمل الهوى باطلا كثيرا أو جفاء ، فالماء هو الحقّ ، والأودية هي القلوب ، والسّيل هو الهوى. والزّبد وخبث الحلية هو الباطل ، والحلية والمتاع هو الحقّ. من أصاب الحلية والمتاع في الدّين (٦) انتفع به ، وكذلك صاحب الحقّ يوم القيامة ينفعه. ومن أصاب الزّبد وخبث الحلية في الدّنيا لم ينتفع به ، وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به.

وفي كتاب الاحتجاج (٧) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : قد بيّن الله قصص المغيّرين فضرب مثلهم بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الّذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحلّ ويبطل ويتلاشى عند التّحصيل. والّذي ينفع النّاس منه ، فالتّنزيل الحقيقيّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله. والأرض في هذا الموضع. فهي

__________________

(١) المنافع ـ جمع منقع ـ : وهو المستنقع ، أو البحر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥١٨ ، والكشاف ٢ / ٥٢٣.

(٣) الكشاف ٢ / ٥٢٣.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٦٢.

(٥) المصدر : فاحتملته.

(٦) تفسير الصافي ٣ / ٦٥ : الدنيا.

(٧) الاحتجاج ١ / ٣٧١.

٤٣١

محلّ العلم وقراره. (الحديث).

(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) : للمؤمنين ، الّذين استجابوا (لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) : الاستجابة الحسنى.

(وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) : وهم الكفرة.

و «اللّام» متعلّقة «بيضرب» على أنّه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما.

وقيل (١) : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) خبر «الحسنى» وهي المثوبة أو الجنّة. (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا) مبتدأ خبره (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). وهو على الأوّل كلام مبتدأ لبيان ما آل غير المستجيبين.

(وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) : وهو المناقشة فيه ، بأن يحاسب الرّجل بذنبه ولا يغفر منه شيء.

وفي مجمع البيان (٢) : (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) في الحديث : من نوقش في الحساب عذّب.

وقيل (٣) : هو أن لا تقبل لهم حسنة ، ولا تغفر لهم سيّئة. وروي ذلك عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

(وَمَأْواهُمْ) : مرجعهم.

(جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٨) : المستقرّ. والمخصوص بالذّمّ محذوف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : يمهدون في النّار.

(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) : فيستجيب.

(كَمَنْ هُوَ أَعْمى) : عمى القلب ، لا يستبصر فيستجيب.

و «الهمزة» لإنكار أن تقع شبهة في تشابهما بعد ما ضرب من المثل.

(إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٩) : ذو والعقول المبرّأة عن مشايعة الإلف ومعارضة الوهم.

في شرح الآيات الباهرة (٥) : نقل ابن مردويه ، عن رجاله ، بالإسناد إلى ابن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٨.

(٢) المجمع ٣ / ٢٨٧.

(٣) نفس المصدر والمجلّد / ٢٨٨.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٦٣.

(٥) تأويل الآيات الباهرة ١ / ٢٣١ ، ح ٧.

٤٣٢

عبّاس أنّه قال : إنّ قوله ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) هو عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وذكر أبو عبد الله (١) ، الحسين بن جبير ـ رحمه الله ـ في «نخب المناقب» قال : روينا حديثا مسندا ، عن أبي الورد الإماميّ المذهب ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) هو عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ. و «الأعمى» هنا [هو] (٢) عدوّه. «وأولوا الألباب» شيعته الموصوفون بقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) المأخوذ عليهم في الذّرّ بولايته ويوم الغدير.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن قصبة (٤) بن خالد قال : دخلت على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فأذن لي وليس هو في مجلسه ، فخرج علينا من جانب البيت من عند نسائه وليس عليه جلباب. فلما نظر إلينا رحّب بنا (٥) ، ثمّ جلس.

ثمّ قال : أنتم أولوا الألباب في كتاب الله ، قال الله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).

عن أبي العبّاس (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : تفكّر ساعة خير من عبادة سنة ، [قال الله] (٧) (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).

(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) : ما عقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيّته حين قالوا : «بلى». أو ما عهد الله عليهم في كتبه.

(وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠)) : ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد. وهو تعميم بعد تخصيص.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : حدّثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رحم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ معلّقة بالعرش تقول : اللهمّ ،

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة ١ / ٢٣١ ، ح ٨.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٧ ، ح ٢٥.

(٤) المصدر : عقبة.

(٥) المصدر : «قال : أحبّ لقاءكم» بدل «رحب بنا».

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٨ ، ح ٢٦.

(٧) من المصدر.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٣٦٣.

٤٣٣

صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي تجري في كلّ رحم. ونزلت هذه الآية في آل محمّد ، وما عاهدهم عليه ، وما آخذ عليهم من الميثاق في الذّرّ من ولاية أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ بعده ، وهو قوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ) (الآية).

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الرّحم ، وموالاة المؤمنين ، والإيمان بجميع الأنبياء ، ويندرج في ذلك مراعاة حقوق النّاس.

وفي أصول الكافي (١) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : إنّ الرّحم معلّقة بالعرش تقول : اللهمّ ، صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي رحم آل محمّد ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ ـ إلى قوله ـ أَنْ يُوصَلَ) ورحم كلّ ذي رحم.

عدّة من أصحابنا (٢) ، عن سهل بن زياد ، عن ابن بكير (٣) ، عن عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).

فقال : قرابتك.

عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان وهشام بن الحكم ودرست ابن أبي منصور ، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (الَّذِينَ ـ إلى قوله ـ أَنْ يُوصَلَ).

فقال : نزلت في رحم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد يكون في قرابتك.

ثمّ قال : فلا تكوننّ ممّن يقول للشيء : إنّه في شيء واحد.

وفي الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : وممّا فرض الله ـ تعالى ـ أيضا ، في المال [من] (٦) غير الزكاة قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).

__________________

(١) الكافي ٢ / ١٥١ ، ح ٧.

(٢) الكافي ٢ / ١٥٦ ، ح ٢٧. وفيه : «عن أحمد بن أبي عبد الله عن ابن فضال» بدل «عن سهل بن زياد».

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ابن أبي بكير.

(٤) الكافي ٢ / ١٥٦ ، ح ٢٨.

(٥) الكافي ٣ / ٤٩٨ ، ح ٨.

(٦) من المصدر.

٤٣٤

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن العلا بن فضيل (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الرّحم معلّقة بالعرش تقول : اللهمّ ، صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي رحم آل محمّد ورحم كلّ مؤمن ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).

عن محمّد بن الفضيل (٣) قال : سمعت العبد الصّالح يقول : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) قال : هي رحم آل محمّد معلّقة بالعرش تقول : اللهمّ ، صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي تجري في كلّ رحم.

عن الحسين بن موسى (٤) قال : روى أصحابنا قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).

فقال : هو صلة الإمام في كلّ سنة بما قلّ أو كثر.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما أريد (٥) بذلك إلّا تزكيتكم.

(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : وعيده عموما.

(وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١)) : خصوصا ، فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.

وفي أصول الكافي (٦) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن صفوان الجمّال قال : وقع بين أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وبين عبد الله بن الحسن كلام حتّى وقعت الضوضاء بينهم ، فاجتمع النّاس ، فافترقا عشيّتهما بذلك وغدوت في حاجة فإذا أنا بأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ على باب عبد الله بن الحسن وهو يقول : يا جارية ، قولي لأبي محمّد [يخرج] (٧).

قال : فخرج ، فقال : يا أبا عبد الله ، ما كبر بك؟

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٨ ، ح ٢٧.

(٢) كذا في المصدر. وجامع الرواة ١ / ٥٤٣. وفي النسخ : فضل.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٨ ، ح ٢٩. وفيه : محمد بن الفضل.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٩ ، ح ٣٤. وفيه : الحسن بن موسى.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : وما أراد.

(٦) الكافي ٢ / ١٥٥ ، ح ٢٣.

(٧) يوجد في المصدر مع المعقوفتين.

٤٣٥

قال : إنّي تلوت آية من كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ البارحة فأقلقتني.

قال : وما هي؟

قال : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) فقال : صدقت ، لكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب [الله ـ جلّ وعزّ ـ] (١) فاعتنقا وبكيا.

وفي الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن هشام بن أحمر. وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه. ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، جميعا ، عن سلمة (٣) ، مولاة أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قالت : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حين حضرته الوفاة ، فاغمي عليه ، فلمّا أفاق قال : أعطوا الحسن بن عليّ بن الحسين ، وهو الأفطس ، سبعين دينارا ، وأعطوا فلانا كذا [وكذا وفلانا كذا وكذا] (٤).

فقلت : أتعطي رجلا حمل عليك بالشّفرة؟

فقال : ويحك ، أما تقرئين القرآن؟

قلت : بلى.

قال : أما سمعت قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ـ إلى قوله ـ سُوءَ الْحِسابِ).

قال ابن محبوب في حديثه : حمل عليك بالشّفرة يريد أن يقتلك؟

فقال : أتريدين على أن لا أكون من الّذين قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ـ إلى قوله ـ سُوءَ الْحِسابِ) نعم ، يا سلمة (٥) ، إنّ الله خلق الجنّة وطيّبها وطيّب ريحها [، وإن ريحها] (٦) ليوجد من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٧ / ٥٥ ، ح ١٠.

(٣) المصدر : سالمة.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : سالمة.

(٦) ليس في أ.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٨ ، ح ٢٨.

٤٣٦

ـ صلّى الله عليه وآله ـ : برّ الوالدين وصلة الرّحم يهونان الحساب. ثمّ تلا هذه الآية : (الَّذِينَ يَصِلُونَ ـ إلى قوله ـ سُوءَ الْحِسابِ).

وفي مجمع البيان (١) : وروى الوليد بن آبان ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : هل على الرّجل في ماله سوى الزكاة؟

قال : نعم ، أين ما قال الله : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ) (الآية).

وفي كتاب معاني الاخبار (٢) : أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه (٣) قال لرّجل : يا فلان ، مالك ولأخيك؟

قال : جعلت فداك ، كان لي عليه شيء فاستقصيت (٤) عليه (٥) في حقّي.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) أتراهم يخافون (٦) أن يظلمهم أو يجوز عليهم؟ لا ، ولكنّهم خافوا الاستقصاء والمداقّة (٧).

وفي روضة الواعظين (٨) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا معشر المؤمنين (٩) ، إيّاكم والزّنا ، فإنّ فيه ستّ خصال : ثلاث في الدّنيا ، وثلاث في الآخرة. أمّا الّتي في الدّنيا ، فإنّه يذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر. وأمّا الّتي في الآخرة ، فإنّه يوجب سخط الرّبّ ـ عزّ وجلّ ـ ، وسوء الحساب ، والخلود في النّار.

وفي الكافي (١٠) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن حمّاد بن عثمان قال : دخل رجل على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فشكا إليه رجلا من أصحابه ، فلم يلبث أن جاء المشكوّ إليه (١١).

فقال له أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما لفلان يشكوك؟

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٨٩.

(٢) المعاني / ٢٤٦ ، ح ١.

(٣) ليس في أ ، ب.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فاستقضيت.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : خافوا.

(٧) المداقة : المحاسبة الدقيقة.

(٨) روضة الواعظين ٢ / ٤٦٢.

(٩) المصدر ، أ ، ب ، ر : المسلمين.

(١٠) الكافي ٥ / ١٠٠ ـ ١٠١ ، ح ١.

(١١) ليس في المصدر.

٤٣٧

فقال له : يشكوني أنّي استقصيت منه حقّي.

قال : فجلس أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ مغضبا ، ثمّ قال : كأنّك إذا استقصيت حقّك لم تسئ ، أرأيتك ما حكى الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال : (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) ترى أنّهم خافوا الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يجوز عليهم؟ لا والله ، ما خافوا إلّا الاستقصاء ، فسمّاه (١) الله ـ جلّ وعزّ ـ : (سُوءَ الْحِسابِ) ، فمن استقصى (٢) فقد أساء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي إسحاق قال : سمعته يقول في (سُوءَ الْحِسابِ) : لا تقبل حسناتهم ، ويؤخذون بسيّئاتهم (٤).

عن هشام بن سالم (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) [قال : تحسب عليهم السّيّئات و [لا] (٦) تحسب لهم الحسنات] (٧) وهو الاستقصاء.

عن هشام بن سالم (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) قال : الاستقصاء والمداقّة.

وقال : تحسب عليهم السّيّئات ، ولا تحسب لهم الحسّنات.

وفي مصباح الشّريعة (٩) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : لو لم يكن للحساب مهولة (١٠) إلّا حياء العرض على الله وفضيحة (١١) هتك السّتر على المخفيات ، لحقّ للمرء أن لا يهبط من رؤوس الجبال ، ولا يأوي إلى عمران ، ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام إلّا عن اضطرار متصل بالتّلف.

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا) : على ما تكرهه النّفس ويخالفه الهوى.

(ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) : طلبا لرضاه ، لا لرياء أو سمعة أو نحوهما.

(وَأَقامُوا الصَّلاةَ) : المفروضة.

(وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) : بعض الّذي وجب عليهم إنفاقه.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : فسمّى.

(٢) المصدر : زيادة «به».

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢١٠ ، ح ٣٧.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ويؤخرون سيّئاتهم.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢١٠ ، ح ٣٨.

(٦) من المصدر.

(٧) ليس في أ ، ب ، ر.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ٢١٠ ، ح ٣٩.

(٩) مصباح الشريعة / ٨٥.

(١٠) المصدر : محولة.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : فضيحته.

٤٣٨

(سِرًّا) : في السّرّ ، كمن لم يعرف به.

(وَعَلانِيَةً) : وفي العلانية ، كمن عرف به.

(وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) : ويدفعونها بها ، فيجازون الإساءة بالإحسان.

أو يتبعون الحسنة السّيّئة ، فتمحوها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن حمّاد ، عن أبي بصير ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا عليّ (٢) ، ما من دار فيها فرحة إلّا تبعها ترحة (٣) ، وما من له (٤) همّ إلّا وله فرج إلّا همّ أهل النّار فإذا عملت سيّئة فاتبعها بحسنة تمحها سريعا ، وعليك بصنايع الخير فإنّها تدفع مصارع السّوء.

وإنّما قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على حدّ تأديب النّاس ، لا بأنّ لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (٥) سيّئات عملها.

(أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٢) : عاقبة الدّنيا ، وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنّة.

والجملة خبر الموصولات إن رفعت بالابتداء ، وإن جعلت صفات «لأولي الألباب» فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصّفات.

(جَنَّاتُ عَدْنٍ) : بدل من (عُقْبَى الدَّارِ). أو مبتدأ خبره (يَدْخُلُونَها).

و «العدن» الإقامة ، أي : جنّات يقيمون فيها. وقد مضى في شأنها أخبار.

وقيل (٦) : هو بطنان الجنّة.

وفي كتاب الخصال (٧) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على النّاس يوم الشّورى قال : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّتي الّتي وعدني الله ، ربّي ، جنّات عدن ، قضيب غرسه [الله] (٨) بيده ثمّ قال له : كن فكان ، فليوال عليّ بن أبي طالب وذرّيّته من بعده ، فهم الأئمّة وهم الأوصياء ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، لا يدخلونكم في باب ضلال ولا

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٦٤.

(٢) ليس في ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : مرحة.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر : زيادة «له».

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥١٩.

(٧) الخصال ٢ / ٥٥٨ ، ح ٣١.

(٨) من المصدر.

٤٣٩

يخرجونكم من باب هدى ، لا تعلّموهم فهم أعلم منكم ، يزول الحقّ معهم أينما زالوا غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

وعن عليّ (١) ـ عليه السّلام ـ أنّه سأله بعض اليهود ، فقال : أين يسكن نبيّكم من الجنّة؟

قال : في أعلاها درجة وأشرفها مكانا ، في جنّات عدن.

قال : صدقت ، والله ، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى.

وفي أصول الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبي المغرا ، عن محمّد بن سلام ، عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من أراد أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنّة عدن الّتي غرسها الله بيده ، فليوال (٣) عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ ، وليتولّ وليّه ، وليعاد عدوّه ، وليسلّم للأوصياء من بعده ، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي ، أعطاهم الله فهمي وعلمي ، إلى الله أشكو أمر أمّتي المنكرين (٤) لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، وأيم الله ، ليقتلنّ (٥) ابني لا أنالهم الله شفاعتي.

وفيمن لا يحضره الفقيه (٦) : في خبر بلال ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ الّذي يذكر فيه صفة الجنّة قال : فقلت لبلال : هل وسطها غيرها؟

قال : نعم ، جنّة عدن وهي في وسط الجنان ، وأمّا جنّة عدن فسورها ياقوت أحمر وحصاها اللؤلؤ.

(وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) : عطف على المرفوع في «يدخلون» ، وإنّما ساغ للفصل بالضّمير الآخر. أو مفعول معه ، والمعنى : أنّه يلحق بهم من صلح من أهلهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم ، تبعا لهم وتعظيما لشّأنهم. وهو دليل على أنّ الدّرجة تعلو بالشّفاعة ، وأنّ الموصوفين بتلك الصّفات يقترن بعضهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنّة زيادة في أنسهم.

__________________

(١) الخصال ٢ / ٤٧٧ ، ح ٤٠.

(٢) الكافي ١ / ٢٠٩ ، ح ٥.

(٣) المصدر : فليتولّ.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : المنكرون.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : لتقتلنّ.

(٦) الفقيه ١ / ١٩٣ ، ح ٩٠٥.

٤٤٠