تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

(نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) (٢) : بالعقاب على الشّرك ، والثّواب على التّوحيد.

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) : عطف على «ألّا تعبدوا».

(ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) : ثمّ توسّلوا إلى مطلوبكم بالتّوبة. فإنّ المعرض عن طريق الحقّ لا بدّ له من رجوع.

وقيل (١) : استغفروا من الشّرك ، ثمّ توبوا إلى الله بالطّاعة.

ويجوز أن يكون «ثمّ» لتفاوت ما بين الأمرين.

(يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) : يعيّشكم في أمن ودعة.

(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : هو آخر أعماركم المقدّرة. أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال.

(وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) : ويعط كلّ ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدّنيا والآخرة. وهو وعد للموحد التّائب بخير الدّارين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ ذلك عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ.

ونقل ابن مردويه (٣) من العامّة (٤) ، بإسناده : عن رجاله ، عن ابن عبّاس قال : قوله ـ تعالى ـ : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أنّ المعنيّ به : عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا) : وإن تتولّوا.

(فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (٣) : يوم القيامة.

وقيل (٥) : يوم الشّدائد ، وقد ابتلوا بالقحط حتّى أكلوا الجيف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّه الدّخان والصّيحة.

وقرئ (٧) : «وإن تولّوا» من ولي.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.

(٣) أي : وهو من العامة.

(٤) تفسير البرهان ٢ / ٢٠٦ ، ح ٥ عنه.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.

١٢١

(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) : رجوعكم في ذلك اليوم. وهو شاذّ عن القياس.

(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤) : فيقدر على تعذيبهم أشدّ عذاب. وكأنّه تقدير لكبر اليوم.

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) : يثنونها عن الحقّ وينحرفون عنه. أو يعطفونها على الكفر وعداوة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. أو يولّون ظهورهم.

وقرئ (١) : «تثنوني» بالتّاء والياء ، من أثنوني ، وهو بناء المبالغة.

وفي الجوامع (٢) : وفي قراءة أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ : يثنوني ، على يفعول (٣). من الثّني وهو [بناء] (٤) مبالغة.

و «تثنون» من الثّن : وهو الكلأ الضّعيف. أراد به ضعف قلوبهم ، أو مطاوعة صدورهم للثّني. و «نثنئنّ» من اثنأنّ ، كابيأضّ ، بالهمزة.

(لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) : من الله بسرّهم ، فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه.

قيل (٥) : أو من رسوله.

قيل (٦) : إنّها نزلت في طائفة من المشركين ، قالوا : إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، كيف يعلم.

وقيل (٧) : نزلت في المنافقين. وفيه نظر ، إذ الآية مكّيّة ، والنّفاق حدث بالمدينة.

وفي روضة الكافي (٨) : ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أخبرني جابر بن عبد الله ، أنّ المشركين كانوا إذا مرّوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حول البيت ، طأطأ أحدهم ظهره ورأسه ـ هكذا ـ وغطّى رأسه بثوبه حتّى (٩) لا يراه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأنزل الله الآية.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٠) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : يكتمون ما في صدورهم من بغض عليّ ـ عليه السّلام ـ. قال رسول الله ـ صلّى

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.

(٢) الجوامع / ٢٠١.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : يفعولي.

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير الصافي ٢ / ٤٣١.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) الكافي ٨ / ١٤٤ ، ح ١١٥.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.

١٢٢

الله عليه وآله ـ : إنّ آية المنافق بغض عليّ ـ عليه السّلام ـ [قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١) فكان قوم يظهرون المودّة لعليّ ـ عليه السّلام ـ عند النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ويسرّون (٢) بغضه.

(أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) : ألا حين يأوون إلى فراشهم يتغطّون (٣) ثيابهم كراهة استماع كلام الله ، كقوله : (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ).

وقيل (٤) : يتغطّون بثيابهم.

(يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) : في قلوبهم.

(وَما يُعْلِنُونَ) : بأفواههم. يستوي في علمه سرّهم وعلتهم ، فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه.

(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥) : بالأسرار ذات الصّدور ، أو بالقلوب وأحوالها.

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) : غذاؤها ومعاشها ، لتكفّله إيّاه تفضّلا ورحمة. وإنّما أتى بلفظ الوجوب ، تحقيقا لوصوله ، وحملا على التّوكّل فيه.

(وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) : أماكنها في الحياة والممات. أو الأصلاب والأرحام. أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ، ومودعها من الموادّ والمقارّ حين كانت بعد بالقوة.

(كُلٌ) كلّ واحد من الدّوابّ وأحوالها.

(فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦) : مذكور في اللّوح المحفوظ. وكأنّه أريد بالآية : بيان كونه عالما بالمعلومات كلّها وبما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها ، تقريرا للتّوحيد ولما سبق من الوعد الوعيد.

وفي نهج البلاغة (٥) : قال ـ عليه السّلام ـ : قسّم أرزاقهم ، وأحصى آثارهم وأعمالهم ، وعدّد أنفسهم (٦) وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضّمير ، ومستقرّهم

__________________

(١) من الهامش وليس في المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يسترون.

(٣) أ ، ب ، ر : يقطعون.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١ ، وتفسير الصافي ٢ / ٤٣١.

(٥) نهج البلاغة / ١٢٣ ، ضمن خطبة ٩.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قسّم أرزاقهم ، وأعمارهم ، وعدّد أنفاسهم.

١٢٣

ومستودهم من الأرحام والظّهور ، إلى أن تتناهى بهم (١) الغايات.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : محمد بن فضيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل من أهل البادية.

فقال : يا رسول الله ، إنّ لي بنين وبنات وإخوة وأخوات وبني بنين وبني بنات وبني إخوة وبني أخوات ، والمعيشة علينا خفيفة (٣). فإن رأيت ، يا رسول الله ، أن تدعو الله أن يوسّع علينا؟

قال : وبكى. فرقّ له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (٤) وقرأ : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ). وقال و (٥) من كفل بهذه الأفواه المضمونة على الله رزقها ، صبّ الله عليه الرّزق صبّا ، كالماء المنهمر.

إن قليل فقليلا ، وإن كثير فكثيرا.

قال : ثمّ دعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمّن له المسلمون.

قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فحدّثني من رأى الرّجل في زمن عمر ، فسأله عن حاله.

فقال : من أحسن من خوّله (٦) حلالا وأكثرهم مالا.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، أي : خلقهما وما فيهما ، كما مرّ بيانه في الأعراف. أو ما في جهتي العلو والسّفل. وجمع السّموات دون الأرضين ، لاختلاف العلويّات بالأصل والذّات دون السّفليّات.

وفي الكافي (٧) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الدّنيا في ستّة أيّام ، ثمّ اختزلها (٨) عن أيّام السّنة. فالسّنة ثلاثمائة وأربع وخمسون يوما.

وفي كتاب الاحتجاج (٩) للطّبرسيّ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : تناهى لهم.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، ح ٣.

(٣) لعلّه مصحّف «ضيّقة».

(٤) المصدر : فرقّ له المسلمون فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَما مِنْ دَابَّةٍ) ... الخ.

(٥) ليس في المصدر ، وب : وقال و.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : حوله. وخوّله الله المال : أعطاه إيّاه متفضّلا وملكه إيّاه.

(٧) الكافي ٤ / ٧٨ ، صدر ح ٢.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : أخذتها. (٩) الاحتجاج ١ / ٣٧٩.

١٢٤

وفيه : وأمّا قوله : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) (١) فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ذكره ـ أنزل (٢) عزائم الشّرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ). ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر (٣) ، ولكنّه جعل الأناة والمداراة أمثالا (٤) لأمنائه وإيجابا للحجّة على خلقه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ـ إلى قوله (٦) ـ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ). وذلك في مبتدأ (٧) الخلق ، أنّ الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ خلق الهواء ، ثمّ خلق القلم فأمره أن يجري.

فقال : يا ربّ ، بما أجري؟

فقال : بما هو كائن.

ثمّ خلق الظّلمة من الهواء ، وخلق النّور من الهواء ، [وخلق الماء من الهواء ،] (٨) وخلق العرش من الهواء ، وخلق العقيم (٩) من الهواء ، وهو الرّيح الشّديد ، وخلق النّار من الهواء ، وخلق الخلق كلّهم من هذه السّتّة الّتي خلقت من الهواء. فسلّط العقيم على الماء ، فضربته فأكثرت الموج والزّبد ، وجعل يثور دخانه في الهواء.

فلمّا بلغ الوقت الّذي أراد ، قال للزّبد : اجمد ، فجمد. وقال للموج : اجمد ، فجمد. فجعل الزّبد أرضا ، وجعل الموج جبالا رواسي للأرض.

فلمّا أجمدها ، قال للرّوح والقدرة : سوّيا عرشي إلى السّماء ، فسوّيا عرشه إلى السّماء. وقال للدّخان : اجمد ، فجمد. ثمّ قال له : ازفر ، فزفر. فناداها والأرض جميعا (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ).

فلمّا أخذ في رزق خلقه خلق السّماء وجنانها (١٠) والملائكة يوم الخميس ، وخلق

__________________

(١) سبأ / ٤٦.

(٢) المصدر : نزّل.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : مثالا.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٦) ليس في المصدر : إلى قوله.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : مبدأ.

(٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : الغيم.

(١٠) المصدر : جناتها.

١٢٥

الأرض يوم الأحد ، وخلق دواب البرّ والبحر يوم الاثنين ، وهما اليومان اللّذان يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) (١). وخلق الشّجر ونبات الأرض (٢) وأنهارها وما فيها والهوامّ في يوم الثّلاثاء ، وخلق الجانّ ، وهو أبو الجنّ يوم السّبت ، وخلق الطّير في يوم الأربعاء ، وخلق آدم في ستّ ساعات في يوم الجمعة. فهذه (٣) السّتّة الأيّام خلق الله السّموات والأرض وما بينهما.

وفي روضة الكافي (٤) : عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الله خلق الخير يوم الأحد [وما كان ليخلق الشّرّ قبل الخير ، وفي يوم الأحد] (٥) والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها في يوم الثّلاثاء ، وخلق السّموات يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).

(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) : قبل خلقهما.

قيل (٦) : لم يكن حائل بينهما ، لا أنّه كان موضوعا على متن الماء. واستدلّ به على إمكان الخلاء ، وأنّ الماء أوّل حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم.

وقيل (٧) : كان الماء على متن الرّيح.

وفي كتاب التّوحيد (٨) : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقّاق ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ قال : حدّثنا جذعان بن نصر [أبو نصر] (٩) الكنديّ قال : حدّثنا سهل بن زياد الآدميّ ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله (١٠) بن كثير ، عن داود الرّقّيّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ).

فقال لي : ما يقولون [في ذلك] (١١).

__________________

(١) فصّلت / ٩.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : والنبات والأرض.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ففي هذه.

(٤) الكافي ٨ / ١٤٥ ، ح ١١٧.

(٥) من المصدر.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) التوحيد / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، ح ١.

(٩) من المصدر.

(١٠) بعض نسخ المصدر : عبد الرحمن.

(١١) من المصدر.

١٢٦

قلت : يقولون : إنّ العرش كان على الماء ، والرّبّ فوقه.

فقال : كذبوا. من زعم هذا ، فقد صيّر الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أنّ الشّيء الّذي يحمله أقوى منه.

قلت : بيّن لي ، جعلت فداك.

فقال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ حمّل علمه ودينه الماء قبل أن تكون سماء أو أرض أو إنس أو جنّ أو شمس أو قمر. فلمّا أراد أن يخلق الخلق ، نثرهم بين يديه.

فقال لهم : من ربّكم؟

فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ. فقالوا : أنت ربّنا.

فحمّلهم العلم والدّين. ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي ، وهم المسئولون.

ثمّ قيل لبني آدم : أقرّوا لله بالرّبوبيّة ولهؤلاء النّفر بالطّاعة.

فقالوا : نعم ، ربّنا ، أقررنا.

فقال للملائكة : اشهدوا.

فقالت الملائكة : شهدنا على أن لا يقولوا (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (١).

إنّ (٢) ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق.

وعلى هذا الخبر ، المراد بالعرش : العلم ، كما سبق ـ أيضا ـ في الأخبار الاخر.

ومعنى (كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) : أنّ علمه التّفصيليّ الّذي هو عين الموجودات كان منحصرا في الماء. فلا يلزم إمكان الخلاء ، ولا مح (٣) آخر.

وفي أصول الكافي (٤) : محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن داود الرّقّيّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ).

فقال : ما يقولون؟

__________________

(١) الأعراف / ١٧٣.

(٢) المصدر : «يا داود» بدل «إنّ».

(٣) كذا في النسخ. ويمكن أن يكون «محلّ».

(٤) الكافي ١ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، صدر ح ٧.

١٢٧

قلت : يقولون : إنّ العرش كان على الماء ، والرّب فوقه.

فقال : كذبوا. من زعم هذا ، فقد صيّر الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين (١) ولزمه أنّ الشّيء الّذي يحمله أقوى منه.

قلت : بيّن لي ، جعلت فداك.

فقال : إنّ الله حمّل دينه وعلمه على (٢) الماء قبل أن يكون سماء أو أرض أو جن أو إنس أو شمس أو قمر.

محمّد بن يحيى (٣) ، عن عبد الله بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن سدير الصّيرفيّ قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٤).

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله. فابتدع السّموات والأرضين ، ولم يكن قبلهنّ سموات ولا أرضون. أما تسمع لقوله ـ تعالى ـ : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن عمران العجليّ قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أيّ شيء كان موضع البيت حيث كان الماء في قول الله ـ تعالى ـ : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)؟

قال : كان مهاة بيضاء ، يعني : درّة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : حدّثني أبي ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : خرج هشام بن عبد الملك حاجّا ومعه الأبرش الكلبيّ ، فلقيا أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في المسجد الحرام.

فقال هشام للأبرش : تعرف هذا؟

قال : لا.

قال : هذا الّذي تزعم الشّيعة أنّه وصيّ إمام لكثرة (٧) علمه.

__________________

(١) المصدر : المخلوق.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الكافي ١ / ٢٥٦ ، صدر ح ٢.

(٤) الأنعام / ١٠١.

(٥) الكافي ٤ / ١٨٨ ، ح ١.

(٦) تفسير القمّي ٢ / ٦٩ ـ ٧٠.

١٢٨

فقال الأبرش : لأسألنّه عن مسألة (١) لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ.

فقال هشام : وددت أنّك فعلت ذلك.

فلقي الأبرش أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ. فقال : يا أبا عبد الله ، أخبرني عن قول الله : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (٢). فبما كان رتقهما ، وبما كان فتقهما؟

فقال أبو عبد الله : يا أبرش ، هو كما وصف نفسه (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) والماء على الهواء ، والهواء لا يحدّ ولم يكن يومئذ خلق غيرهما ، والماء عذب فرات. فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربت الماء حتّى صار موجا ، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ، ثمّ جعله جبلا من زبد ، ثمّ دحى الأرض من تحته فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) (٣) ، ثمّ مكث الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ ما شاء. فلمّا أراد أن يخلق السّماء ، أمر الرّياح ، فضربت البحور حتّى أزبدت بها. فخرج من ذلك الموج والزّبد من وسطه دخان ساطع من غير نار ، فخلق منه السّماء وجعل فيها البروج والنّجوم ومنازل الشّمس والقمر وأجراها في الفلك. وكانت السّماء خضراء على لون الماء الأخضر ، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وستقف عليه بتمامه عند قوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (الآية) إن شاء الله.

حدّثني أبي (٤) ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن الطّفيل (٥) ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال : وقد أرسل إليه ابن عبّاس يسأل عن مسائل : وأمّا ما سأل عنه من العرش ممّ خلقه الله؟ فإنّ الله خلقه أرباعا لم يخلق قبله إلّا ثلاثة أشياء : الهواء والقلم والنّور. ثمّ خلقه الله ألوانا مختلفة (٦). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

حدّثني أبي (٧) ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن النّعمان الأحول ، عن سلام

__________________

(٧) المصدر : «نبيّ من كثرة» بدل «وصيّ الامام لكثرة».

(١) المصدر : مسائل.

(٢) الأنبياء / ٣٠.

(٣) آل عمران / ٩٦.

(٤) تفسير القمّي ٢ / ٢٣ ـ ٢٤.

(٥) المصدر : أبي الطفيل.

(٦) المصدر : ثمّ خلقه من ألوان أنوار مختلفة.

(٧) تفسير القمّي ٢ / ٢٥٢ والحديث عن علي بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ.

١٢٩

بن المستنير (١) ، عن ثوير (٢) بن أبي فاختة ، وذكر حديثا طويلا ستقف عليه إذا لزم إن شاء الله ـ تعالى ـ. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) ، يعني : بأرض لم تكسب عليها الذّنوب ، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات ، كما دحاها أوّل مرّة. ويعيد عرشه على الماء ، كما كان أوّل مرّة ، مستقلّا بعظمته وقدرته.

(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) : متعلّق ب «خلق» ، أي : خلق ذلك ، كخلق من خلق ، ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون. فإنّ جملة ذلك أسباب وموادّ لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ، ودلائل وأمارات تستدلّون بها وتستنبطون منها.

وإنّما جاز تعليق فعل البلوى ، لما فيه من معنى العلم من حيث أنّه طريق إليه ، كالنّظر والاستماع.

وإنّما ذكر صيغة التّفضيل والاختبار الشّامل ، لفرق المكلّفين باعتبار الحسن والقبح ، للتّحريض على أحاسن المحاسن والتّحضيض على التّرقّي دائما من مراتب العمل والعلم. فإنّ المراد بالعمل ما يعمّ عمل القلب والجوارح.

وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه] (٤) عن القاسم بن محمّد ، عن المنقريّ ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

قال : ليس معنى : أكثركم (٥) عملا ، ولكن أصوبكم عملا. وإنّما الإصابة خشية الله والنّيّة الصّادقة. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وروى العامّة (٦) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أيّكم أحسن عقلا (٧) ، وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله.

__________________

(١) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٣٧٠. وفي النسخ : سالم بن المستنير.

(٢) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ١٤١. وفي النسخ : ثور.

(٣) الكافي ٢ / ١٦ ، صدر ح ٤.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : «يعني : أكثر» بدل «معنى : أكثركم».

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.

(٧) ب : عملا.

١٣٠

وفي نهج البلاغة (١) : قال ـ عليه السّلام ـ : ألا إنّ الله قد كشف الخلق كشفة ، لا أنّه جهل ما أخفوه من [مصون] (٢) أسرارهم و (٣) مكنون ضمائرهم «ولكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا». فيكون الثّواب جزاء ، والعقاب بواء (٤).

وفي كتاب الاحتجاج (٥) للطّبرسيّ : عن [الحسن بن] (٦) عليّ بن محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ أنّ أبا الحسن ، موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ قال : إنّ الله خلق الخلق فعلم ما هم إليه صائرون ، فأمرهم (٧) ونهاهم. فما أمرهم به من شيء ، فقد جعل لهم السّبيل إلى الأخذ به. وما نهاهم عنه من شيء ، فقد جعل لهم السّبيل إلى تركه. ولا يكونون آخذين ولا تاريكن إلّا بأذنه. [وما جبر الله أحدا من خلقه على معصية (٨) ، بل اختبرهم بالبلوى ، كما قال : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

قوله ـ عليه السّلام ـ : ولا يكونون آخذين ولا تاركين ، إلّا بإذنه] (٩) أي : إلّا (١٠) بتخليته (١١).

(وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) ، أي : ما البعث ، أو القول به ، أو القرآن المتضمّن لذكره إلّا ، كالسّحر في الخديعة والبطلان.

وقرأ (١٢) حمزة والكسائيّ : «إلّا ساحر». على أنّ الإشارة إلى القائل.

وقرئ (١٣) : «أنّكم» بالفتح. على تضمّن «قلت» معنى : ذكرت. أو «أنّ» بمعنى : علّ ، أي : ولئن قلت علّكم مبعوثون ، بمعنى : توقعوا بعثكم ولا تبتّوا بإنكاره ، لعدّوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره.

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) : الموعود.

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، ضمن خطبة ١٤٤.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «في» بدل «و».

(٤) البواء : المكافاة.

(٥) الاحتجاج ٢ / ١٥٨.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : ممّا أمرهم.

(٨) المصدر : معصيته.

(٩) ليس في ب.

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) بتخليته وعلمه.

(١٢ و ١٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.

١٣١

(إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) : إلى جماعة من الأوقات قليلة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : يعني به : الوقت.

(لَيَقُولُنَ) : استهزاء.

(ما يَحْبِسُهُ) : ما يمنعه من الوقوع.

(أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ).

قيل (٢) : كيوم بدر.

(لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) : ليس العذاب مدفوعا عنهم.

و «يوم» منصوب بخبر ليس مقدّما عليه. وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها.

(وَحاقَ بِهِمْ) : وأحاط بهم. وضع الماضي موضع المستقبل ، تحقيقا ومبالغة في التّهديد.

(ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٨) ، أي : العذاب الّذي كانوا به يستعجلون. فوضع «يستهزئون» موضع «يستعجلون» ، لأنّ استعجالهم كان استهزاء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، يعني : إن متّعناهم في هذه الدّنيا إلى خروج القائم ـ عليه السّلام ـ فنردّهم ونعذّبهم. (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) ، أي : ليقولون لا يقوم القائم ولا يخرج على حدّ الاستهزاء.

أخبرنا أحمد بن إدريس (٤) قال : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف عن (٥) حسّان ، عن هشام بن عمّار ، عن أبيه ، وكان من أصحاب عليّ ـ عليه السّلام ـ. [عن علي ـ عليه السّلام ـ] (٦) في قوله : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ).

[قال :] (٧) الأمة المعدودة أصحاب القائم ـ صلوات الله عليه ـ الثّلاثمائة والبضعة عشر.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٢٣. والظاهر أنّه توضيح من نفس علي بن إبراهيم.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٢٢.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٢٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بن.

(٦) من المصدر.

(٧) من المصدر.

١٣٢

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن الحسين ، عن الخرّاز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ). [قال : هو القائم وأصحابه.

عن أبان بن مسافر (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : في قول الله (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)] (٣) ، يعني : عدّة ، كعدّة بدر. (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ). قال : العذاب.

عن عبد الأعلى الحلبيّ (٤) قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : أصحاب القائم الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا ، هم والله الأمّة المعدودة ، الّتي قال الله في كتابه. وتلا هذه الآية.

قال : يجتمعون ، والله (٥) ، في ساعة واحدة قزعا (٦) ، كقزع الخريف.

وفي روضة الكافي (٧) ، وفي مجمع البيان : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي خالد ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) (٨).

قال : «الخيرات» الولاية.

وقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) ، يعني : أصحاب القائم الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا.

قال : وهم ، والله ، الأمّة المعدودة.

قال : يجتمعون ، والله ، في ساعة واحدة قزعا ، كقزع الخريف.

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) : ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذّتها.

(ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) : ثمّ سلبنا تلك النّعمة منه.

(إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) : قطوع رجاءه من فضل الله ، لقلّة صبره وعدم ثقته بالله.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٤١ ، ح ٩.

(٢) نفس المصدر والمجلّد / ١٤٠ ، ح ٧.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ ، ب ، ر.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٤٠ ، ح ٨.

(٥) المصدر : «له» بدل «والله».

(٦) القزع ـ محرّكة ـ : قطع من السحاب متفرقة صغار.

(٧) الكافي ٨ / ٣١٣ ، ح ٤٨٧ ، والمجمع ٣ / ١٤٤ ولا يوجد فيه الّا ذيل الحديث مرسلا.

(٨) البقرة / ١٤٨.

١٣٣

(كَفُورٌ) (٩) : مبالغ في كفران ما سلف له من النّعمة.

(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) : كصحّة بعد سقم ، وغنى بعد عدم.

وفي اختلاف الفعلين في الإسناد نكتة لا تخفى.

(لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) ، أي : المصائب الّتي ساءتني.

(إِنَّهُ لَفَرِحٌ) : بطر بالنّعم ، مغترّ بها.

(فَخُورٌ) (١٠) : على النّاس ، مشغول عن الشّكر والقيام بحقّها.

وفي لفظ الإذاقة والمسّ تنبيه على أنّ ما يجده الإنسان في الدّنيا من النّعم والمحن ، كالأنموذج لما يجده في الآخرة ، وأنّه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء. لأنّ الذّوق إدراك الطّعم ، والمسّ مبتدأ الوصول.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : إذا أغنى الله العبد ثمّ افتقر ، أصابه الأياس والجزع والهلع. وإذا كشف الله عنه ذلك ، فرح.

(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) : على الضّرّاء ، إيمانا بالله واستسلاما لقضائه.

(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : شكرا لآلائه ، سابقها ولاحقها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : صبروا في الشّدّة ، وعملوا الصّالحات في الرّخاء.

(أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) : لذنوبهم.

(وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١١) : أقلّه الجنّة.

والاستثناء من الإنسان ، لأنّ المراد به : الجنس. فإذا كان محلّى بالّلام ، أفاد الاستغراق. ومن حمله على الكافر ، لسبق ذكرهم ، جعل الاستثناء منقطعا.

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) : تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك ، وهو ما يخالف رأي المشركين ، مخافة ردّهم واستهزائهم. ولا يلزم من توقّع الشّيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه ، لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرّسل عن الخيانة في الوحي والثّقة في التّبليغ هاهنا.

(وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) : وعارض لك أحيانا ضيق صدرك ، بأن تتلوه عليهم مخافة.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٢٣.

(٢) نفس المصدر والمصدر.

١٣٤

(أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) : ينفقه في الاستتباع ، كالملوك.

(أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) : يصدّقه.

وقيل (١) : الضّمير في «به» مبهم ، يفسّره «أن يقولوا».

(إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) : ليس عليك إلّا الإنذار بما أوحي إليك ، ولا عليك ردّوا أو اقترحوا. فما بالك يضيق به صدرك.

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٢) : فتوكّل عليه ، فإنّه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم.

وفي روضة الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد [عن محمّد] (٣) بن خالد والحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن ابن مسكان ، عن عمّار بن سويد (٤) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول في هذه الآية : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا نزل قديد (٥) ، قال لعليّ ـ عليه السّلام ـ : [يا علي] (٦) إنّي سألت ربّي أن يوالي بيني وبينك ، ففعل. وسألت ربّي أن يؤاخي بيني وبينك ، ففعل. وسألت ربّي أن يجعلك وصيّي ، ففعل.

فقال رجلان من قريش : والله ، لصاع من تمر في شنّ بال (٧) أحب إلينا ممّا سأل محمّد ربّه. فهلّا سأل ربّه ملكا يعضده على عدوّه ، أو كنزا يستغني به عن فاقته. والله ، ما دعاه إلى حقّ ولا باطل إلّا أجابه إليه.

فأنزل الله إليه : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ) (الآية).

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن جابر بن أرقم ، عن أخيه ، زيد بن أرقم قال : إنّ جبرئيل ، الرّوح الأمين نزل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ عشيّة عرفة. فضاق بذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، مخافة تكذيب أهل الإفك والنّفاق. فدعا قوما أنا فيهم ، فاستشارهم في ذلك ليقوم به في الموسم ، فلم ندر

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٣.

(٢) الكافي ٨ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، ح ٥٧٢.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٦١٢. وفي النسخ : عمارة بن سويد.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : غديرا.

(٦) من المصدر.

(٧) شنّ بال : قربة بالية.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ١٤١ ، ح ١٠.

١٣٥

ما نقول له. وبكى ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له جبرئيل : [ما لك] (١) يا محمّد ، أجزعت من أمر الله؟

فقال كلّا ، يا جبرئيل ، ولكن قد علم ربّي ما لقيت من قريش إذ لم يقرّوا لي بالرّسالة حتّى أمرني بجهادهم وأهبط إليّ جنودا من السّماء فنصروني. فكيف يقرّون لعليّ من بعدي؟

فانصرف عنه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ. فنزل عليه (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ) (الآية).

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) «أم» منقطعة. و «الهاء» لما يوحى.

(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) : في البيان وحسن النّظم.

تحدّاهم أوّلا بعشر سور ، ثمّ لمّا عجزوا عنها سهّل الأمر عليهم وتحدّاهم بسورة.

وتوحيد المثل ، باعتبار كلّ واحدة.

(مُفْتَرَياتٍ) : مختلقات من عند أنفسكم ، إن صحّ أنّي اختلقته من عند نفسي. فإنّكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما أقدر عليه ، بل أنتم أقدر لتعلّمكم القصص والأشعار وتعوّدكم القريض والنّظم.

(وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) : إلى المعاونة على المعارضة.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٣) : أنّه مفترى.

(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) : بإتيان ما دعوتم إليه.

وجمع الضّمير إمّا لتعظيم الرّسول ، أو لأنّ المؤمنين ـ أيضا ـ كانوا يتحدّونهم. وكان أمر الرّسول متناولا لهم من حيث أنّه يجب اتّباعه عليهم في كلّ أمر إلّا ما خصّه الدّليل. وللتّنبيه على أنّ التّحدّي ممّا يوجب رسوخ إيمانهم وقوّة يقينهم ، فلا يغفلون عنه. ولذلك رتب عليه قوله : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) : ملتبسا بما لا يعلمه إلّا الله ولا يقدر عليه سواه.

(وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : واعلموا أن لا إله إلّا هو ، الله العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ، ولظهور عجز آلهتهم ، ولتنصيص هذا الكلام الثّابت صدقه بإعجازه عليه.

وفيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس الله ـ تعالى ـ آلهتهم.

__________________

(١) من المصدر.

١٣٦

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤) : ثابتون على الإسلام راسخون مخلصون فيه ، إذا تحقّق عندم إعجازه مطلقا.

ويجوز أن يكون الكلّ خطابا للمشركين.

والضّمير في «لم يستجيبوا» ل «من استطعتم» ، أي : فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم ، وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعارضة ، فاعلموا أنّه نظم لا يعلمه إلّا الله ، وأنّه منزل من عند الله ، وأنّ ما دعاكم إليه من التّوحيد حقّ ، فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجّة القاطعة؟

وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطّلب ، والتّنبيه على قيام الموجب وزوال العذر.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «فإن لم يستجيبوا لك» في ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لعليّ ولايته.

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) : بإحسانه وبرّه.

(نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) : نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدّنيا ، من الصّحّة والسعة والرّئاسة وسعة الرّزق وكثرة الأولاد.

وقرئ (٢) : «يوفّ» بالياء ، أي. : يوفّ الله. و «توفّ» بالتّاء ، على البناء للمفعول. و «نوف» بالتّخفيف والرّفع ، لأنّ الشّرط ماض ، كقوله :

وإن أتاه كريم (٣) يوم مسغبة

يقول لا غائب مالي ولا حرم

(وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) (١٥) : لا ينقصون شيئا من أجورهم.

والآية قيل (٤) : في أهل الرّياء.

وقيل (٥) : في المنافقين.

وقيل (٦) : في الكفرة وبرّهم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ ، يعني : فلان وفلان.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٤٢ ، ضمن ح ١١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٤.

(٣) المصدر ، ب : خليل.

(٤ و ٥ و ٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ١٤٢ ، ضمن ح ١١.

١٣٧

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) : مطلقا في مقابلة ما عملوا. لأنّهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة ، وبقيت لهم أوزار العزائم السّيّئة.

(وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) : لأنّه لم يبق لهم ثواب في الآخرة. أو لم يكن ، لأنّهم لم يريدوا به وجه الله. والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص.

ويجوز تعليق الظّرف ب «صنعوا». على أنّ الضّمير للدّنيا.

(وَباطِلٌ) : في نفسه.

(ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦) : لأنّه لم يعمل على ما ينبغي. وكأنّ كلّ واحدة من الجملتين علّة لما قبلها.

وقرئ (١) : «وباطلا» على أنّه مفعول «يعملون» ، و «ما» إبهاميّة. أو في معنى المصدر ، و «ما» موصولة على معنى : وبطل بطلانا ما كانوا يعملون. و «بطل» (٢) على الفعل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال (٤) : من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدّنيا ، أعطاه الله ثوابه في الدّنيا ، وكان له في الآخرة النّار.

وفي مجمع البيان (٥) : أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : بشّروا (٦) أمّتي بالثّناء والتّمكين في الأرض. فمن عمل منهم عملا للدّنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب.

وفي الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف.

فقال : أترى يخيب الله هذا الخلق كلّه؟

فقال أبي : ما وقف [بهذا الموقف] (٨) أحد إلّا غفر له ، مؤمنا كان أو كافرا. إلّا أنّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل : مؤمن غفر الله له.

ـ إلى أن قال ـ : وكافر وقف هذا الموقف يريد (٩) زينة الحياة الدّنيا ، غفر الله ما

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٤.

(٢) أي : وقرئ : «وبطل».

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٢٤.

(٤) ب : قال الجعفي.

(٥) المجمع ٣ / ١٤٨.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : بشّر.

(٧) الكافي ٤ / ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، ح ١٠.

(٨) من المصدر.

١٣٨

تقدّم من ذنبه إن تاب من الشّرك فيما بقي من عمره. وإن لم يتب ، وفّاه أجره ولم يحرمه أجر هذا الموقف. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) : برهان من الله يدلّه على الحقّ والثّواب فيما يأتيه ويذره.

و «الهمزة» لإنكار أن يعقب ما هذا شأنه هؤلاء المقصّرين هممهم وأفكارهم على الدّنيا ، وأن يقارب بينهم في المنزلة. وهو الّذي أغنى عن ذكر الخبر ، وتقديره : أفمن كان على بيّنة ، كمن كان يريد الدّنيا.

(وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ) : من الله يشهد له.

(مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) ، يعني : التّوراة.

و (مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) جملة مبتدأة.

وقرئ : «كتاب» بالنّصب ، عطفا على الضّمير في «يتلوه» ، أي : يتلو القرآن شاهد من كان على بيّنة دالّة على أنّه حقّ ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ).

ويقرأ : «من قبل القرآن التّوراة».

(إِماماً) : كتابا مؤتمّا به في الدّين.

(وَرَحْمَةً) : على المنزّل عليهم ، لأنّه الوصلة إلى الفوز بخير الدّارين.

وفي أصول الكافي (١) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن أحمد بن عمر الحلّال قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ).

فقال : أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ الشّاهد على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على بيّنة من ربّه.

وفي مجمع البيان (٢) : عن الباقر والرّضا ـ عليهما السّلام ـ : أنّ الشّاهد منه عليّ بن

__________________

(٩) ليس في المصدر.

(١) الكافي ١ / ١٩٠ ، ح ٣.

(٢) المجمع ٣ / ١٥٠ ببعض التصرّف.

١٣٩

أبي طالب ، يشهد للنّبيّ وهو منه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عن [الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّما نزل ا فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى.

حدّثني] (٢) أبي (٣) ، عن يحيى بن أبي عمران (٤) ، عن يونس ، عن أبي بصير والفضيل ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّما أنزلت (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) ، يعني : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى أولئك يؤمنون به. فقدّموا وأخّروا في التّأليف.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن بريد بن معاوية العجليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : الّذي على بيّنة من ربّه رسول الله. والّذي تلاه من بعده الشّاهد منه أمير المؤمنين ، ثمّ أوصياؤه واحد بعد واحد.

عن جابر بن عبد الله بن يحيى (٦) قال : سمعت عليّا ـ عليه السّلام ـ وهو يقول : ما من رجل من قريش إلّا وقد نزل (٧) فيه آية أو آيتان من كتاب الله.

فقال له رجل من القوم : فما نزل فيك ، يا أمير المؤمنين؟

فقال : أما تقرأ الآية الّتي في هود (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ). محمّد على بيّنة من ربّه ، وأنا الشّاهد.

وفي بصائر الدّرجات (٨) : محمّد بن الحسين ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : والله ، ما نزلت آية في كتاب الله في ليل أو نهار إلّا وقد علمت أن فيمن أنزلت ولا ممّن على رأسه المواسي (٩) [من قريش] (١٠) إلّا وقد أنزلت فيه آية من كتاب الله ، تسوقه إلى الجنّة أو إلى

__________________

(١) لم نعثر عليه في تفسير القمّي ولم ينقل عنه في تفسير البرهان ولكن نقل عنه في تفسير الصافي ونور الثقلين.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ ، ب ، ر.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٢٤.

(٤) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٣٢٤. وفي النسخ : يحيى بن عمران.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٤٢ ، ح ١٢.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣.

(٧) المصدر : أنزلت.

(٨) بصائر الدرجات / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، ح ٢ بإسقاط صدره.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : انزل ولا مرّ على رأسه الموسى.

١٤٠