تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

والمرأة الضّعيفة والمستضعف المهين ، وأنا الحكم العدل ، سبقت رحمتي غضبي لا أعذّب الصّغار بذنوب الكبار من قومك. وهم ، يا يونس ، عبادي وخلقي وبريّتي في بلادي وفي عيلتي أحبّ أن أتأنّاهم (١) وأرفق بهم وأنتظر توبتهم. وإنّما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا (٢) عليهم ، تعطف عليهم بسجال الرّحمة (٣) الماسّة منهم ، وتأنّاهم برأفة النّبوّة. وتصبر معهم بأحلام الرّسالة ، وتكون لهم ، كهيئة الطّبيب المداوي العالم بمداواة الدّواء. فخرقت (٤) بهم ، ولم تستعمل قلوبهم بالرّفق ، ولم تسسهم بسياسة المرسلين. ثمّ سألتني ، مع سوء نظرك ، العذاب لهم عند قلّة الصّبر منك. وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة ، وأشدّ تأنّيا في الصّبر عندي ، وأبلغ في العذر فغضبت له حين غضب لي ، وأجبته حين دعاني.

فقال يونس : يا ربّ ، إنّما غضبت عليهم فيك ، وإنّما دعوت عليهم حين عصوك. فو عزّتك ، لا أتعطّف عليهم برأفة أبدا ، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إيّاي وجحدهم نبوّتي ، فأنزل عليهم عذابك فإنّهم لا يؤمنون أبدا.

فقال الله : يا يونس ، إنّهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي ، يعمرون بلادي ، ويلدون عبادي. ومحبّتي أن أتأنّاهم للّذي سبق من علمي فيهم وفيك ، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك. وأنت المرسل ، وأنا الرّبّ الحكيم. وعلمي فيهم ، يا يونس ، باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه ، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له. يا يونس ، قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم. وما ذلك ، يا يونس ، بأوفر لحظّك عندي ، ولا أحمد (٥) لشأنك. وسيأتيهم عذابي في شوّال ، يوم الأربعاء ، وسط الشّهر ، بعد طلوع الشّمس ، فأعلمهم ذلك.

قال : فسرّ ذلك يونس ولو يسؤه ، ولم يدر ما عاقبته. فانطلق يونس إلى تنوخا العابد ، فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم.

وقال له : انطلق حتّى أعلمهم بما أوحى الله إليّ من نزول العذاب.

فقال : تنوخا : فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتّى يعذّبهم الله.

__________________

(١) من التأنّي ، أي : الرفق والمداراة.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : حفيظا.

(٣) المصدر : لسخاء الرحمة.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فخرجت.

(٥) المصدر : أجمل.

١٠١

فقال له يونس : بل نلقي روبيل فنشاوره ، فإنّه رجل عالم حكيم من أهل بيت النّبوّة.

فانطلقا إلى روبيل ، فأخبره يونس بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في شوّال يوم الأربعاء في وسط الشّهر بعد طلوع الشّمس.

فقال له : ما ترى؟ انطلق بنا حتّى أعلمهم ذلك.

فقال له روبيل : ارجع إلى ربّك رجعة نبيّ حكيم ورسول كريم ، واسأله أن يصرف عنهم العذاب. فإنّه غنيّ عن عذابهم ، وهو يحبّ الرّفق بعباده ، وما ذلك بأضر لك عنده ولا أسوء لمنزلتك لديه. ولعلّ قومك بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما ، فصابرهم وتأنّاهم.

فقال له تنوخا : ويحك ، يا روبيل ، ما أشرت على يونس وأمرته به بعد كفرهم بالله وجحدهم لنبيّه (١) وتكذيبهم إيّاه وإخراجهم إيّاه من مساكنه وما همّوا به من رجمه.

فقال روبيل لتنوخا : اسكت ، فإنّك رجل عابد لا علم لك.

ثمّ أقبل على يونس ، فقال : أرأيت ، يا يونس ، إذا أنزل الله العذاب على قومك فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقي بعضا.

فقال له يونس : بل يهلكهم جميعا ، وكذلك سألته. ما دخلتني لهم رحمة (٢) تعطّف ، فأراجع (٣) الله فيهم وأسأله أن يصرف عنهم.

فقال له روبيل : أتدري ، يا يونس ، لعلّ الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسّوا به أن يتوبوا إليه أو يستغفروه. فيرحمهم فإنّه أرحم الرّاحمين ، ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله ـ تعالى ـ أنّه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء ، فتكون بذلك عندهم كذّابا.

فقال له تنوخا : ويحك ، يا روبيل ، لقد قلت عظيما. يخبرك النّبيّ المرسل أنّ الله أوحى إليه أنّ العذاب ينزل عليهم ، فتردّ قول الله وتشكّ فيه وفي قول رسوله. اذهب ، فقد حبط عملك.

فقال روبيل لتنوخا : لقد فسد (٤) رأيك.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لنبيهم.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : رحمته.

(٣) المصدر : فارجع.

(٤) المصدر : فشل.

١٠٢

ثمّ أقبل على يونس ، فقال : أنزل الوحي والأمر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم ، وقوله الحقّ. أرأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلّهم وخربت قريتهم ، أليس يمحو الله اسمك من النّبوّة وتبطل رسالتك وتكون ، كبعض ضعفاء النّاس ويهلك على يديك مائة ألف [أو يزيدون] (١) من النّاس.

فأبى يونس أن يقبل وصيّته فانطلق ومعه تنوخا (٢) إلى قومه ، فأخبرهم أنّ الله أوحى إليه أنّه منزل العذاب عليهم يوم الأربعاء في شوّال في وسط الشّهر بعد طلوع الشّمس. فردّوا عليه قوله وكذّبوه ، وأخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا. فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية وتنحيّا عنهم غير بعيد وأقاما ينتظران العذاب.

وأقام روبيل مع قومه في قريتهم. حتّى إذا دخل عليهم شوّال ، صرخ (٣) روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم : أنا روبيل الشّفيق عليكم الرّحيم بكم إلى ربّه ، قد أنكرتم (٤) عذاب الله. هذا شوّال قد دخل عليكم ، وقد أخبركم يونس ، نبيّكم ورسول ربّكم ، أنّ الله أوحى إليه أنّ العذاب عليكم في شوّال في وسط الشّهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشّمس. ولن يخلف الله وعده رسله ، فانظروا ما ذا أنتم صانعون؟

فأفزعهم كلامه ، فوقع في قلوبهم تحقّق نزول العذاب. فأجفلوا (٥) نحو روبيل ، وقالوا له : ما ذا أنت مشير به علينا ، يا روبيل؟ فإنك رجل عالم حكيم ، لم نزل نعرفك بالرّأفة (٦) علينا والرّحمة لنا ، وقد بلغنا ما أشرت به على يونس ، فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك.

فقال لهم روبيل : فإنّي أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشّهر ، أن تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأودية ، وتقفوا النّساء في سفح الجبل ، ويكون هذا كلّه قبل طلوع الشّمس. فعجّوا عجيج الكبير منكم والصّغير بالصّراخ والبكاء والتّضرّع إلى الله والتّوبة إليه والاستغفار له ، وارفعوا رؤوسكم إلى السّماء وقولوا : ربّنا ، ظلمنا وكذّبنا نبيّك وتبنا إليك

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : تنوخا من القرية وتنحيّا عنهم غير بعيد ورجع يونس إلى قومه.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : خرج.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : أنكر بكم.

(٥) فأجفلوا ، أي : أسرعوا نحوه بالذهاب.

(٦) بعض نسخ المصدر : بالرقّة.

١٠٣

من ذنوبنا. وإن لا تغفر لنا وترحمنا ، لنكوننّ من الخاسرين المعذّبين. فاقبل توبتنا وارحمنا ، يا أرحم الرّاحمين. ثمّ لا تملّوا من البكاء والصّراخ والتّضرّع إلى الله والتّوبة إليه حتّى توارى الشّمس بالحجاب ، أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك.

فأجمع رأي القوم على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل. فلمّا كان يوم الأربعاء الّذي توقّعوا فيه العذاب ، تنحّى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا نزل. فلمّا طلع الفجر يوم الأربعاء ، فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به. فلمّا بزغت الشّمس ، أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف [وهدير] (١). فلمّا رأوها عجّوا جميعا بالصّراخ والبكاء والتّضرّع إلى الله وتابوا إليه واستغفروه ، وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمّهاتها ، وعجّت سخال البهائم تطلب الثّدي ، وعجّت (٢) الأنعام تطلب الرعاء. فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان صيحتهم (٣) وصراخهم ، ويدعون الله عليهم بتغليظ العذاب عليهم. وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجّتهم (٤) ويرى ما نزل ، وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم.

فلمّا أن زالت الشّمس وفتحت أبواب السّماء وسكن غضب الرّبّ ـ تعالى ـ رحمهم الرّحمن ، فاستجاب دعاءهم وقبل توبتهم وأقالهم عثرتهم.

وأوحى إلى إسرافيل : أن اهبط إلى قوم يونس. فإنّهم قد عجّوا إليّ بالبكاء والتّضرّع وتابوا إليّ واستغفروني ، فرحمتهم وتبت عليهم. وأنا الله التّوّاب الرّحيم ، أسرع إلى قبول توبة عبدي التّائب من الذنب (٥). وقد كان عبدي ، يونس ، ورسولي سألني نزول العذاب على قومه ، وقد أنزلته عليهم. وأنا الله أحقّ من وفى بعهده وقد أنزلته عليهم ، ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي.

فقال إسرافيل : يا ربّ ، إنّ عذابك قد بلغ أكتافهم ، وكاد أن يهلكهم ، وما أراه إلّا وقد نزل بساحتهم ، فإلى أين أصرفه؟

فقال الله : كلّا ، إنّي قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ولا ينزلوه عليهم حتّى يأتيهم

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : وسعت.

(٣) بعض نسخ المصدر : ضجيجهم.

(٤) المصدر : عجيجهم.

(٥) المصدر : الذّنوب.

١٠٤

أمري فيهم وعزيمتي. فاهبط ، يا إسرافيل ، عليهم واصرفه عنهم. واصرف به إلى الجبال وبناحية مفاوض (١) العيون ومجاري السّيول في الجبال العاتية العادية المستطيلة على الجبال ، فأذلّها به وليّنها حتّى تصير ملتئمة (٢) حديدا جامدا.

فهبط إسرافيل عليهم ، فنشر أجنحته ، فاستاق بها ذلك العذاب حتّى ضرب بها تلك الجبال الّتي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : وهي الجبل الّتي بناحية الموصل اليوم ، فصارت حديدا إلى يوم القيامة.

فلمّا رأى قوم يونس أنّ العذاب قد صرف عنهم ، هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وحمدوا الله على ما صرف عنهم. وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس ، في موضعهما الّذي كانا فيه ، لا يشكّان أنّ العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا لمّا خفيت أصواتهم عنهما. فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس ، مع طلوع الشّمس ، ينظران إلى ما صار إليه القوم.

فلمّا دنوا واستقبلهم (٣) الحطّابون والحمّارة والرّعاة بأعناقهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنّين ، قال يونس لتنوخا : يا تنوخا ، كذّبني الوحي وكذبت وعدي لقومي. لا وعزّة ربّي ، لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني (٤) الوحي.

فانطلق يونس هاربا على وجهه ، مغاضبا لربّه ناحية بحر أيلة ، مستنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه ، فيقول له : يا كذّاب. فلذلك قال الله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) (الآية).

ورجع تنوخا إلى القرية فتلقى روبيل ، فقال له : يا تنوخا ، أيّ الرّأيين كان أصوب وأحقّ [أن يتّبع] (٥) أرأيي أو رأيك؟

فقال تنوخا : بل رأيك كان أصوب ، ولقد كنت أشرت برأي العلماء والحكماء.

وقال له تنوخا : أما إنّي لم أزل أرى أنّي أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي ، حتّى استبان فضلك بفضل علمك. وما أعطاك الله ، ربّك من الحكمة مع التّقوى أفضل

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : وناحية مفاض.

(٢) المصدر : مليّنة.

(٣) المصدر : فلمّا دنوا من القوم واستقبلتهم.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأكذبني.

(٥) من المصدر.

١٠٥

من الزّهد والعبادة بلا علم.

فاصطحبا ، فلم يزالا مقيمين مع قومهما. ومضى يونس على وجهه مغاضبا لربّه ، فكان من قصّته ما أخبر الله به في كتابه. فآمنوا فمتّعناهم إلى حين.

قال أبو عبيدة : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : كم كان غاب يونس عن قومه حتّى رجع إليه بالنّبوّة والرّسالة ، فآمنوا به وصدّقوه؟

قال : أربعة أسابيع : سبعا منها في ذهابه إلى البحر ، [وسبعا في بطن الحوت ، وسبعا تحت الشّجرة بالعراء] (١) ، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه. فقلت له : وما هذه الأسابيع ، شهور أو أيّام أو ساعات؟

فقال : يا أبا عبيدة ، إنّ العذاب أتاهم يوم الأربعاء في النّصف من شوّال وصرف عنهم من يومهم ذلك. فانطلق يونس مغاضبا ، فمضى يوم الخميس سبعة أيّام في مسيره إلى البحر وسبعة أيّام في بطن الحوت وسبعة أيّام تحت الشّجرة بالعراء وسبعة أيّام في رجوعه إلى قومه. فكان ذهابه ورجوعه ثمانية وعشرون يوما. ثمّ أتاهم ، فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه. فلذلك قال : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ).

عن أبي بصير (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أظلّ قوم يونس العذاب ، دعوا الله فصرفه عنهم.

قلت : كيف ذلك؟

قال : كان في العلم أنّه يصرفه عنهم.

عن الثّماليّ (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ يونس لمّا آذاه قومه ، دعا الله عليهم. فأصبحوا أوّل يوم ووجوههم صفر (٤) ، وأصبحوا اليوم الثّاني ووجوههم سود.

قال : وكان الله واعدهم أن يأتيهم العذاب ، حتّى نالوه برماحهم (٥). ففرّقوا بين النّساء وأولادهنّ والبقر وأولادها ، ولبسوا المسوح والصّوف ، ووضعوا الحبال في أعناقهم والرّماد على رؤوسهم ، وضجّوا ضجّة واحدة إلى ربّهم ، وقالوا : آمنا بإله يونس.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٣٦ ، ح ٤٥.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ٤٦.

(٤) المصدر : صفرة.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : برياحهم.

١٠٦

قال : فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال أمد (١).

قال : وأصبح يونس وهو يظنّ أنّهم هلكوا ، فوجدهم في عافية.

عن معمّر (٢) قال : قال أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : إنّ يونس لمّا أمره الله [بما أمره] (٣) فأعلم قومه فأظلّهم العذاب ، فرقوا بينهم وبين أولادهم وبين البهائم وأولادها ، ثمّ عجّوا وضجّوا فكشف (٤) الله عنهم العذاب. وهذان الحديثان طويلان أخذت منهما موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى عليّ بن سالم : عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لأيّ علّة صرف الله العذاب عن قوم يونس وقد أظلّهم ، ولم يفعل كذلك بغيرهم من الأمم؟

قال : لأنّه كان في علم الله أنّه سيصرفه عنهم لتوبتهم. وإنّما ترك إخبار يونس بذلك ، لأنّه ـ عزّ وجلّ ـ أراد أن يفرّغه لعبادته في بطن الحوت فيستوجب بذلك ثوابه وكرامته.

وبإسناده (٦) إلى سماعة ، أنّه سمعه ـ عليه السّلام ـ وهو يقول : ما ردّ الله العذاب عن قوم قد أظلّهم إلّا قوم يونس.

فقلت : أكان قد أظلّهم؟

فقال : نعم ، حتّى نالوه بأكفّهم.

قلت : فكيف كان ذلك؟

قال : كان في العلم المثبت عند الله ـ عزّ وجلّ ـ الّذي لم يطّلع عليه أحد أنّه سيصرفه عنهم.

وفي الكافي (٧) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه : إنّ جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس ، ولم يسمعه يونس.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعد. قال الحمويّ : آمد : أعظم ديار بكر.

(٢) نفس المصدر والمجلد / ١٣٧ ، ح ٤٧.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : فكفّ.

(٥) العلل / ٧٧ ، ح ١.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٢.

(٧) نور الثقلين ٢ / ٣٣٠ ، ح ١٤٢ ، وتفسير الصافي ٢ / ٤٢٧ عنه.

١٠٧

وفي تهذيب الأحكام (١) : عليّ بن الحسين (٢) ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن كثير النّوا ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال ، وقد ذكر يوم عاشوراء : وهذا اليوم الّذي تاب الله فيه على قوم يونس ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما ردّ الله ـ عزّ وجلّ ـ العذاب إلّا عن قوم يونس. وكان يونس يدعوهم إلى الإسلام ، فيأبوا ذلك ، فهمّ أن يدعو عليهم. وكان فيهم رجلان ، عابد وعالم. وكان اسم أحدهما مليخا (٤) ، والآخر اسمه روبيل. وكان العابد يشير على يونس بالدّعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ويقول : لا تدع (٥) عليهم ، فإنّ الله يستجيب لك ولا يحبّ هلاك عباده.

فقبل قول العابد ، ولم يقبل قول العالم ، فدعا عليهم.

فأوحى الله إليه : يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا ، وفي شهر كذا وكذا ، وفي يوم كذا وكذا.

فلمّا قرب الوقت ، خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيهم. فلمّا كان ذلك اليوم ، نزل العذاب.

فقال العالم لهم : يا قوم ، افزعوا إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ فلعلّه يرحمكم فيردّ العذاب عنكم.

فقالوا : كيف نصنع؟

قال : اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة ، وفرّقوا بين النّساء والأولاد وبين الإبل وأولادها وبين البقر وأولادها وبين الغنم وأولادها ، ثمّ ابكوا وادعوا.

فذهبوا وفعلوا ذلك وضجّوا وبكوا ، فرحمهم الله وصرف عنهم العذاب. وفرّق العذاب على الجبال ، وقد كان نزل وقرب منهم. فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله ، فرأى الزّارعين يزرعون في أرضهم.

__________________

(١) التهذيب ٤ / ٣٠٠ ، ح ٩٠٨. لخّص المؤلف الخبر.

(٢) المصدر : علي بن الحسن.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣١٧ ـ ٣١٨.

(٤) مرّ في الحديث السابق : أنّ اسمه «تنوخا».

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تدعوا.

١٠٨

قال لهم : ما فعل قوم يونس؟

فقالوا له ، ولم يعرفوه : إنّ يونس دعا عليهم ، فاستجاب الله ـ عزّ وجلّ ـ له ونزل العذاب عليهم. فاجتمعوا وبكوا ودعوا ، فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرّق العذاب على الجبال. فهم إذن يطلبون يونس ، ليؤمنوا به.

فغضب يونس ومرّ على وجهه مغاضبا لله ، كما حكى الله ـ تعالى ـ. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي رواية أبي الجارود (١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيّام ، ونادى في الظّلمات ، ظلمة بطن الحوت وظلمة اللّيل وظلمة البحر : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فاستجاب الله له ، فأخرجه الحوت إلى السّاحل ، ثمّ قذفه فألقاه بالسّاحل. وأنبت الله عليه شجرة من يقطين : وهو القرع. فكان يمصّه ويستظلّ به وبورقه. وكان تساقط شعره ورقّ جلده. وكان يونس يسبّح الله ويذكره باللّيل والنّهار.

فلمّا أن قوي واشتدّ ، بعث الله دودة فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثمّ يبست. فشقّ ذلك على يونس ، فظلّ حزينا.

فأوحى الله إليه : ما لك حزينا ، يا يونس؟

قال : يا ربّ ، هذه الشّجرة الّتي كانت تنفعني فسلّطت عليها دودة فيبست.

قال : يا يونس ، أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعن (٢) بها إن يبست حين استغنيت عنها ، ولم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة ألف أردت أن ينزل عليهم العذاب. إنّ أهل نينوى آمنوا واتّقوا ، فارجع إليهم.

فانطلق يونس إلى قومه. فلمّا دنا يونس من نينوى ، استحيى أن يدخل.

فقال لراع لقيه : ائت أهل نينوى وقل لهم : إنّ هذا يونس قد جاء.

قال له الرّاعي : أتكذب ، أما تستحيي ويونس قد غرق في البحر وذهب؟

قال له يونس : اللهم ، إنّ هذه الشّاة تشهد لك أنّي يونس.

فنطقت الشّاة بأنّه يونس. فلمّا أتى الرّاعي قومه وأخبرهم ، أخذوه وهمّوا بضربه.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم تعبأ.

١٠٩

فقال : إنّ لي بيّنة بما أقول.

قالوا : من يشهد لك؟

قال : هذه الشّاة تشهد.

فشهدت بأنّه صادق ، وأنّ يونس قد ردّه الله إليهم. فخرجوا يطلبونه ، فجاءوا به وآمنوا وحسن إيمانهم. فمتّعهم الله إلى حين : وهو الموت ، وأجارهم من ذلك العذاب.

وعن عليّ (١) ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول في آخره : وأنبت الله عليه شجرة من يقطين : وهي الدّبا ، فأظلّته من الشّمس فسكن (٢). ثمّ أمر الشّجرة ، فتنحّت عنه ووقع الشّمس عليه ، فجزع.

فأوحى الله إليه : يا يونس ، لم لم ترحم مائة ألف أو يزيدون ، وأنت تجزع من ألم ساعة؟

فقال : ربّ ، عفوك عفوك.

فردّ الله عليه بدنه ، ورجع إلى قومه وآمنوا به. وهو قوله : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ).

وفي روضة الكافي (٣) : عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ لله ـ عزّ وجلّ ـ رياح رحمة ورياح عذاب. فإن شاء أن يجعل الرّياح من العذاب رحمة ، فعل.

قال : ولن يجعل الرّحمة من الرّيح عذابا.

قال : وذلك أنّه لم يرحم قوما قطّ أطاعوه فكانت طاعتهم إياه وبالا عليهم ، إلّا بعد تحولّهم عن طاعته. قال : وكذلك فعل بقوم يونس لمّا آمنوا ، رحمهم الله بعد ما كان قدّر عليهم العذاب وقضاه. ثمّ تداركهم برحمته ، فجعل العذاب المقدّر عليهم رحمة ، فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم. وذلك لما آمنوا به وتضرّعوا إليه.

وفي من لا يحضره الفقيه (٤) : وفي العلل الّتي ذكرها الفضل بن شاذان ـ رحمه الله ـ عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : إنّما جعل للكسوف صلاة ، لأنّه من آيات الله ـ عزّ وجلّ ـ

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٩.

(٢) المصدر : فشكر.

(٣) الكافي ٨ / ٩٢ ، ح ٦٤.

(٤) الفقيه ١ / ٣٤٢ ، ح ١٥١٣.

١١٠

لا يدرى ألرحمة ظهرت أم لعذاب. فأحبّ النّبيّ أن تفزع أمّته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ، ليصرف عنهم شرّها ويقيهم (١) مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس حين تضرّعوا إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) : إيمان كلّ من في الأرض مشيئة حتم.

(لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ) : بحيث لا يشذّ منهم أحد.

(جَمِيعاً) : مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه. ولكن ـ حينئذ ـ يفوتهم استحقاق الثّواب ، وينافي فائدة التّكليف.

(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٩٩).

وترتيب الإكراه على المشيئة «بالفاء» وإيلاؤها حرف الاستفهام ، للإنكار.

وتقديم الضّمير على الفعل ، للدّلالة على أنّ شأن النّبيّ ـ أيضا ـ التّبليغ لا الإكراه للجمع على الإيمان ، فإنّه لا يمكنه.

وفي كتاب التّوحيد (٢) : أبي قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : اجعلوا أمركم لله ، ولا تجعلوه للنّاس. فإنّه ما كان لله ، فهو لله ـ عزّ وجلّ ـ. وما كان للنّاس ، فلا يصعد إلى الله. لا تخاصموا النّاس لدينكم ، فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ). وقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). ذروا النّاس ، فإنّ النّاس أخذوا عن النّاس ، وأنّكم أخذتم عن رسول الله. وأنّي سمعت أبي يقول : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطّير إلى وكره.

(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : إلّا بإرادته وألطافه وتوفيقه. فلا تجهد نفسك في هداها ، فإنّه إلى الله.

(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) : العذاب. أو الخذلان ، فإنّه سببه.

وقرئ (٣) ، بالزّاء.

وقرأ (٤) ابو بكر : «ونجعل» بالنّون.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ويقيها.

(٢) التوحيد / ٤١٤ ، ح ١٣.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٨.

١١١

(عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (١٠٠) : لا يستعملون عقولهم بالنّظر في الحجج والآيات. أو لا يعقلون دلائله وأحكامه لما على قلوبهم من الطّبع.

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ما جاء عن الرّضا من الأخبار في التّوحيد : حدّثنا [تميم بن] (٢) عبد الله بن تميم القرشي قال : حدّثنا أبي ، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ ، عن أبي الصّلت ، عبد السّلام بن صالح الهروي قال : سأل المأمون أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ جلّ ثناؤه ـ : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ـ إلى قوله ـ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : حدّثني أبي ، موسى بن جعفر ، عن أبيه ، جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، الحسين بن عليّ ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال : إنّ المسلمين قالوا لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لو أكرهت ، يا رسول الله ، من قدرت عليه من النّاس على الإسلام لكثر عددنا وقوّتنا على عدوّنا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما كنت لألقى الله ـ تعالى ـ ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا وما أنا من المتكلّفين.

فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ عليه : يا محمّد (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدّنيا ، كما يؤمنون (٣) عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة. ولو فعلت ذلك بهم ، لم يستحقّوا منّي ثوابا ولا مدحا. ولكنّي أريد منكم أن تؤمنوا مختارين غير مضطرّين ، لتستحقوا منّي الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنّة الخلد. (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).

وأمّا قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى : أنّها ما كانت لتؤمن إلّا بإذن الله. و «إذنه» أمره لها بالإيمان ما كانت مكلّفة متعبّدة ، وإلجاؤه إيّاها إلى الإيمان عند زوال [التكليف] (٤) التّعبّد عنها.

فقال المأمون : فرّجت عنّي ، [يا أبا الحسن] (٥) فرّج الله عنك.

__________________

(١) العيون ١ / ١١٠ ، ح ٣٣.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : يؤمن.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر.

١١٢

(قُلِ انْظُرُوا) : أي : تفكّروا.

(ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : من عجائب صنعه ، ليدلّكم على وحدته وكمال قدرته.

و «ما ذا» إن جعلت استفهاميّة علّقت «انظروا» عن العمل.

(وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠١) : في علم الله وحكمه.

و «ما» نافية. أو استفهاميّة في موضع النّصب.

وفي أصول الكافي (١) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله ، عن أحمد بن هلال ، عن أميّة بن عليّ ، عن داود الرّقيّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ).

قال : «الآيات» هم الأئمّة. و «النّذر» هم الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ.

وفي روضة الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما تُغْنِي ـ إلى قوله ـ لا يُؤْمِنُونَ).

قال : لمّا اسري برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، أتاه جبرئيل بالبراق. فركبها فأتى بيت المقدس ، فلقي من لقي من إخوانه من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ. ثمّ رجع فحدّث أصحابه : إنّي أتيت بيت المقدس ورجعت من اللّيلة ، وقد جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها. وآية ذلك أنّي مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان ، وقد أضلّوا جملا لهم أحمر ، وقد همّ القوم في طلبه.

فقال بعضهم لبعض : إنّما جاء الشّام وهو راكب سريع ، ولكنّكم قد أتيتم الشّام وعرفتموها ، فسلوه عن أسواقها وأبوابها وتجّارها.

فقالوا : يا رسول الله ، كيف الشّام وكيف أسواقها؟

قال : وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا سئل عن الشّيء لا يعرفه ، شقّ عليه حتّى يرى ذلك في وجهه.

قال : فبينما هو كذلك إذ أتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا رسول الله ، هذه

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٠٧ ، ح ١.

(٢) نفس المصدر ٨ / ٣٤٦ ، ح ٥٥٥.

١١٣

الشّام قد رفعت لك.

فالتفت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإذا هو بالشّام بأبوابها وأسواقها وتجّارها.

قال : أين السّائل عن الشّام؟

فقالوا له : فلان وفلان.

فأجابهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في كلّ ما سألوه عنه ، فلم يؤمن منهم إلّا قليل. وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ).

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله ورسوله ، آمنا بالله ورسوله.

(فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) ، مثل وقائعهم ، ونزول بأس الله بهم إذ لا يستحقّون غيره. من قولهم : أيّام العرب لوقائعها.

(قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (١٠٢) : لذلك. أو فانتظروا هلاكي إنّي معكم من المنتظرين هلاككم.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن محمّد بن الفضل (٢) ، عن أبي الحسن ، الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن شيء في الفرج.

فقال : أو ليس تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟ إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).

(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) : عطف على محذوف دلّ عليه (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا) ، كأنّه قيل : نهلك الأمم ثمّ ننجّي رسلنا ومن آمن بهم. على حكاية الحال الماضية.

(كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٣) : كذلك الإنجاء. أو إنجاء كذلك ننجّي محمّدا وصحبه حين نهلك المشركين.

و (حَقًّا عَلَيْنا) قيل : اعتراض. ونصبه بفعل مقدّر ، أي : حقّ ذلك علينا حقّا.

وقيل (٣) : بدل من «كذلك».

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٣٨ ، ح ٥٠.

(٢) المصدر : محمد بن الفضيل.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٩.

١١٤

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن مصقلة الطحّال ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنّه من أهل الجنّة؟ إنّ الله يقول : (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ).

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) قيل (٢) : خطاب لأهل مكّة.

(إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) : وصحّته.

(فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) : فهذا خلاصة ديني اعتقادا وعملا. فاعرضوها على العقل الصّرف وانظروا فيها بعين الإنصاف ، لتعلموا صحّتها. وهو أنّي لا أعبد ما تخلقونه وتعبدونه ، ولكن أعبد خالقكم الّذي هو يوجدكم ويتوفّاكم.

وإنّما خصّ التّوفّي بالذّكر ، للتّهديد.

(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٤) : بما دلّ عليه العقل ونطق به الوحي.

وحذف الجار من «أن» يجوز أن يكون من المطّرد مع «أن». وأن يكون من غيره ، كقوله :

أمرتك بالخير فافعل ما أمرت به

(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) : عطف على «أن أكون» ، غير أنّ صلة «أن» محكيّة بصيغة الأمر. ولا فرق بينهما في الغرض ، لأنّ المقصود وصلها بما يتضمّن معنى المصدر لتدلّ معه عليه. وصيغ الأفعال كلّها كذلك ، سواء الخبر منها والطّلب.

والمعنى : وأمرت بالاستقامة في الدّين والاشتداد فيها بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح ، أو في الصّلاة باستقبال القبلة.

(حَنِيفاً) : حال من «الدّين» أو «الوجه».

(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٠٥) (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) : بنفسه إن دعوته أو خذلته.

(فَإِنْ فَعَلْتَ) : فإن دعوته.

(فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٠٦) : جزاء للشّرط ، وجواب لسؤال مقدّر عن تبعة

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٣٨ ، ح ٥١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٩.

١١٥

الدّعاء.

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) : وإن يصبك به.

(فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) : إلّا الله.

(وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ) : فلا دافع.

(لِفَضْلِهِ) : الّذي أرادك به.

ولعلّه ذكر الإرادة مع الخير والمسّ مع الضّرّ ، مع تلازم الأمرين ، للتّنبيه على أنّ الخير مراد بالذّات وأنّ الضّرّ إنّما مسّهم لا بالقصد الأوّل.

ووضع الفضل موضع الضّمير ، للدّلالة على أنّه متفضّل بما يريد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه. ولم يستثن ، لأنّ مراد الله لا يمكن ردّه.

(يُصِيبُ بِهِ) : بالخير.

(مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٠٧) : فتعرّضوا لرحمة بالطّاعة ، ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) : رسوله أو القرآن ، ولم يبق لكم عذر.

(فَمَنِ اهْتَدى) : بالإيمان والمتابعة.

(فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) : لانّ نفعه لها.

(وَمَنْ ضَلَ) : بالكفر بهما.

(فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) : لأنّ وبال الضّلال عليها.

(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٨) : بحفيظ موكول إليّ أمركم ، وإنّما أنا بشير ونذير.

(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) : بالامتثال والتّبليغ.

(وَاصْبِرْ) : على دعوتهم وتحمّل أذيّتهم.

(حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) : بالنّصرة ، أو بالأمر بالقتال.

(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (١٠٩) : إذ لا يمكن الخطأ في حكمه ، لاطّلاعه على السّرائر اطّلاعه على الظّواهر.

١١٦

تفسير سورة هود

١١٧
١١٨

سورة هود

مكّيّة. وهي مائة وثلاث وعشرون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (١) ، بإسناده إلى أبي محمّد ، الحسن بن عليّ (٢) ـ عليهما السّلام ـ قال : من قرأ سورة هود في كلّ جمعة ، بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة في زمرة النّبيّين ، ولم يعرف له خطيئة عملها يوم القيامة.

وفي مجمع البيان (٣) : أبيّ بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قرأها ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بنوح ـ عليه السّلام ـ وكذّب به ، وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى. وكان يوم القيامة من السّعداء.

وروى الثّعلبيّ (٤) ، بإسناده : عن أبي إسحاق ، عن أبي جحيفة قال : قيل : يا رسول الله ، قد أسرع إليك الشّيب.

قال : شيّبتني هود وأخواتها.

وفي كتاب الخصال (٥) : عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، أسرع إليك الشّيب.

قال : شيّبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعمّ يتساءلون.

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٣٣.

(٢) المصدر : أبي جعفر محمد بن علي.

(٣ و ٤) المجمع ٣ / ١٤٠.

(٥) الخصال / ١٩٩ ، ح ١٠.

١١٩

(الر كِتابٌ) : مبتدأ وخبر. أو «كتاب» خبر مبتدأ محذوف. وسبق تأويل «الر» في أوّل سورة يونس.

(أُحْكِمَتْ آياتُهُ) : نظّمت نظما محكما ، لا يعتريه إخلال من جهة اللّفظ والمعنى.

قيل (١) : أو منعت من الفساد والنّسخ ، فإنّ المراد آيات السّورة وليس فيها منسوخ.

أو أحكمت بالحجج والدّلائل. أو جعلت حكيمة ، منقول (٢) من حكم بالضّمّ : إذا صار حكيما. لأنّها مشتملة على أمّهات الحكم النّظريّة والعمليّة.

(ثُمَّ فُصِّلَتْ) : بالفوائد ، من العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار. أو بجعلها سورا. أو بالإنزال نجما نجما. أو فصّل فيها ولخّص ما يحتاج إليه.

وقرئ (٣) : «ثمّ فصلت» ، أي : فرقت بين الحقّ والباطل. و (أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) على البناء للمتكلّم. و «ثمّ» للتّفاوت في الحكم أو للتّراخي في الأخبار.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : هو القرآن.

(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١) : صفة أخرى للكتاب. أو خبر بعد خبر. أو صلة ل «أحكمت» أو «فصّلت». وهو تقرير لإحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغي ، باعتبار ما ظهر أمره وما خفي.

(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) : لأن لا تعبدوا.

وقيل (٥) : «أن» مفسّرة ، لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول.

وقيل (٦) : يجوز أن يكون كلاما مبتدأ ، للإغراء على التّوحيد. أو الأمر بالتّبرؤ من عبادة الغير ، كأنّه قيل : ترك عبادة غير الله ، بمعنى : ألزموه (٧) ، أو اتركوها (٨) تركا.

(إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ) : من الله.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٠.

(٢) كذا في المصدر ، وفي أ ، ب ، ر : مفعولة. وفي سائر النسخ : منقولة.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٠.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٠.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) ب : الزموها.

(٨) أ ، ب ، ر : تركوها.

١٢٠