تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ يعفور كلّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [فقال :] (١) بأبي أنت وأمّي ، إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه ، أنّه كان مع نوح في السّفينة. فنظر إليه يوما نوح ـ عليه السّلام ـ ومسح يده على وجهه ، ثمّ قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيّد النّبيّين وخاتمهم. والحمد لله الّذي جعلني ذلك الحمار.

وفي أصول الكافي (٢) : وروي أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وذكر نحوه.

(زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) : ذكرا وأنثى. هذا على قراءة حفص. والباقون أضافوا على معنى : احمل اثنين من كلّ زوجين ، أي : من كلّ صنف ذكر ، وكلّ صنف أنثى.

وفي روضة الكافي (٣) : محمّد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل الجعفيّ وعبد الكريم بن عمر وعبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا حمل نوح في السّفينة الأزواج الثّمانية الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) (... وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) (٤)] (٥) ، فكان من الضّأن اثنين ، زوج داجنة يربيّها النّاس والزّوج الآخر الضّأن الّتي تكون في الجبال الوحشيّة ، أحلّ لهم صيدها. ومن المعز اثنين ، زوج داجنة يربّيها النّاس والزّوج الآخر الظّباء (٦) الّتي تكون في المفاوز. ومن الإبل اثنين ، البخاتيّ والعراب. ومن البقر اثنين ، زوج داجنة للنّاس والزّوج الآخر البقر الوحشيّة. وكلّ طير طيّب وحشي [أ] (٧) وانسي ، ثمّ غرقت الأرض.

وفي مجمع البيان (٨) : وروى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أراد الله هلاك قوم نوح ، عقّم أرحام النّساء أربعين سنة فلم يلد لهم مولود. فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السّفينة. أمره الله أن ينادي بالسّريانيّة أن يجتمع إليه جميع الحيوانات ، فلم يبق حيوان إلّا حضر. فأدخل من

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ١ / ٢٣٧ ، ذيل ح ٩.

(٣) الكافي ٨ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، ح ٤٢٧.

(٤) الانعام / ١٤٣.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : الظبي.

(٧) من المصدر. وفيه : أ[و].

(٨) المجمع ٣ / ١٦٠.

١٦١

كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين ، ما خلا الفأر والسّنّور. وأنّهم لمّا شكوا من سرقين الدّوابّ والقذر ، دعا بالخنزير ، فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج فأر فتناسل. فلمّا كثروا شكوا إليه منها ، فدعا بالأسد ، فمسح جبينه فعطس (١) فسقط من أنفه زوج سنّور.

وفي حديث آخر (٢) : أنّهم شكوا العذرة ، فأمر الله الفيل ، فعطس فسقط الخنزير.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّ نوحا حمل الكلب في السّفينة ، ولم يحمل ولد الزّنا.

عن عبيد الله (٤) الحلبيّ (٥) ، عنه ـ عليه السّلام ـ قال : ينبغي لولد الزّنا أن لا تجوز له شهادة ، ولا يؤمّ بالنّاس. لم يحمله نوح في السّفينة ، وقد حمل فيها الكلب والخنزير.

وفي كتاب علل الشّرائع (٦) : عن الرّضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ـ عليهم السّلام ـ أنّه سئل : ما بال الماعز معرقبة (٧) الذّنب باذلة (٨) الحياء والعورة؟

فقال : لأنّ الماعز عصت نوحا لمّا أدخلها السّفينة ، فدفعها فكسر ذنبها. والنّعجة مستورة الحياء والعورة ، لأنّ النّعجة بادرت بالدّخول إلى السّفينة ، فمسح نوح يده على حيائها (٩) وذنبها فاستوت الألية.

وفي عيون الأخبار (١٠) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وما (١١) سأله : ما بال المعز (١٢) معرقبة (١٣) الذّنب بادية الحياء والعورة؟

فقال : لأنّ المعز (١٤) عصت نوحا ـ عليه السّلام ـ لمّا أدخلها السّفينة (١٥) ، فدفعها فكسر

__________________

(١) ليس في ب.

(٢) المجمع ٣ / ١٦٠.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٤٨ ، ح ٢٧.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٨.

(٥) بعض نسخ المصدر : عبد الله الحلبيّ.

(٦) العلل / ٤٩٤ ـ ٤٩٥ ، ح ١.

(٧) المصدر : مفرقعة. وهي ملويّة من فرقع فلانا : إذا لوى رقبته فسمع لها صوت ومعرقبة : مقطوعة.

(٨) المصدر : بادية.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : حيالها.

(١٠) العيون ١ / ٢٤٦. (١١) ليس في المصدر. (١٢) المصدر : الماعز.

(١٣) بعض نسخ المصدر : مرفوعة.

(١٤) المصدر : الماعز.

١٦٢

ذنبها. والنّعجة مستورة الحياء والعورة ، لأنّ النّعجة بادرت بالدّخول إلى السّفينة ، فمسح يده على حيائها (١) وذنبها فاستوت الألية (٢).

وفي كتاب الخصال (٣) : عن الرّضا (٤) ـ عليه السّلام ـ : اتّخذ نوح في الفلك تسعين بيتا للبهائم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عنه ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله أمر نوحا أن حمل في السّفينة من كلّ زوجين اثنين ، فحمل الفحل والعجوة (٦) فكانا زوجا.

(وَأَهْلَكَ) : عطف على «زوجين» ، أو «اثنين». والمراد : امرأته وبنوه ونساؤهم.

(إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) : بأنّه من المغرقين. يريد : ابنه كنعان وأمّه واعلة ، فإنّهما كانا كافرين.

(وَمَنْ آمَنَ) : والمؤمنين من غيرهم.

(وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤٠).

قيل (٧) : كانوا تسعة وسبعين ، زوجته المسلمة وبنوه الثّلاثة : سام وحام ويافث [ونساؤهم] (٨). واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم.

وروى الشّيخ أبو جعفر في كتاب النّبوّة (٩) ، بإسناده : عن حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من (١٠) آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر.

وفي كتاب معاني الأخبار (١١) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثني محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن موسى بن عمر ، عن جعفر بن محمّد بن يحيى ، عن

__________________

(١٥) ليس في أ ، ب.

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : حيالها.

(٢) المصدر : فاستترت بالألية.

(٣) الخصال / ٥٩٨ ببعض التصرّف.

(٤) المصدر : عليّ.

(٥) لم نعثر عليه في تفسير العياشي ولكن رواه عنه تفسير نور الثقلين ٢ / ٣٥٦ ، ح ٨٤ عن الصادق ـ عليه السّلام ـ وتفسير الصافي ٢ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : فحمل العجل والعجرة.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٨.

(٨) من المصدر.

(٩) عنه المجمع ٣ / ١٦٠.

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) المعاني / ١٥١ ، ح ١.

١٦٣

غالب ، عن أبي خالد ، عن حمران ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ، وذكر حديثا طويلا. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السّفينة ، أمره الله ـ تعالى ـ أن ينادي بالسّريانيّة : لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلّا حضر. فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين في السّفينة. وكان الّذين آمنوا به من جميع الدّنيا ثمانون رجلا. فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (الآية). وكان نجر السّفينة في مسجد الكوفة. فلمّا كان اليوم الّذي أراد الله إهلاكهم ، كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الّذي يعرف : بفار التّنّور ، في مسجد الكوفة. وكان نوح اتّخذ لكلّ ضرب من أجناس الحيوانات (٢) موضعا في السّفينة ، وجمع لهم فيها ما يحتاجون إليه من الغذاء. فصاحت امرأته لمّا فار التّنّور ، فجاء نوح إلى التّنّور فوضع عليها طينا وختمه حتّى أدخل جميع الحيوان السّفينة. ثمّ جاء إلى التّنور ، ففضّ الخاتم ورفع الطّين. وانكسفت الشّمس ، وجاء من السّماء ماء منهمر [صبّ بلا قطر ، وتفجرت الأرض عيونا. وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ]) (٣) (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ).

وفي رواية أبي الجارود (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : ليس كلّ من في الأرض من بني آدم (٥) من ولد نوح. قال الله في كتابه : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ـ إلى قوله ـ وَمَنْ آمَنَ). وقال : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) (٦).

(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) ، أي : صيروا فيها راكبين ، كما يركب الدّوابّ في البرّ.

(بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) : متّصل «باركبوا» حال من الواو ، أي : اركبوا فيها مسمّين الله ـ تعالى ـ. أو قائلين : بسم الله وقت إجرائها وإرسائها. أو مكانهما ، على أنّ المجرى والمرسى للوقت والمكان. أو للمصدر والمضاف محذوف ، كقولهم : أتيك خفوق النّجم. وانتصابهما بما قدّرناه حالا.

ويجوز رفعهما «ببسم الله» على أنّ المراد بهما المصدر. أو جملة من مبتدأ وخبر ، أي :

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٢) المصدر : الحيوان.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير القمّي ٢ / ٢٢٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : من نبيّ.

(٦) الاسراء / ٣.

١٦٤

إجراؤها بسم الله. على أنّ «بسم الله» خبره ، أو صلته والخبر محذوف. وهي إمّا جملة مقتضية لا تعلّق لها بما قبلها ، أو حال مقدّرة من الواو أو الهاء.

وقرأ (١) حمزة والكسائيّ وعاصم برواية حفص : «مجراها» بالفتح ، من جرى.

وقرئ : «مرساها» أيضا ، من رسا. وكلاهما يحتمل الثّلاثة. و «مجريها ومرسيها» بلفظ الفاعل ، صفتين لله ـ تعالى ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. وذكر حديثا طويلا. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها).

يقول : «مجريها» ، أي : مسيرها. «ومرسيها» ، أي : موقعها (٣).

(إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٤١) ، أي : لو لا مغفرته لفرطاتكم ورحمته إيّاكم ، لما نجّاكم.

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ) : متّصل بمحذوف دلّ عليه «اركبوا» ، أي : فركبوا مسمّين ، وهي تجري وهم فيها.

(فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) : في موج من الطّوفان ، وهي ما يرتفع من الماء عند اضطرابه. كلّ موجة فيها ، كجبل في تراكمها وارتفاعها.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٤) ، بإسناده إلى أبان بن تغلب : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يذكر فيه القائم ـ عليه السّلام ـ. وفيه : فإذا نشر راية رسول الله ، تنحطّ (٥) إليه ثلاثة عشر ألف ملك ينصرون (٦) القائم ـ عليه السّلام ـ. وهم الّذين كانوا مع نوح ـ عليه السّلام ـ في السّفينة.

وفي الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أسباط. ومحمّد بن أحمد ، عن موسى بن القاسم البجليّ (٨) ، عن عليّ بن أسباط قال : قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٢٧.

(٣) المصدر : موقفها.

(٤) كمال الدين / ٦٧٢ ، ضمن ح ٢٢.

(٥) المصدر : انحط.

(٦) المصدر : «وثلاثة عشر ملكا كلهم ينتظر» بدل «ينصرون».

(٧) الكافي ٣ / ٤٧١ ، صدر ح ٥.

(٨) ب : العجلي.

١٦٥

جعلت فداك ، ما ترى آخذ برّا أو بحرا ، فإنّ طريقنا مخوف شديد الخطر؟

فقال : اخرج برّا ، ولا عليك أن تأتي في (١) مسجد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتصلّي ركعتين في غير وقت فريضة. ثمّ تستخير الله مائة مرّة ومرّة. ثمّ تنظر ، فإن عزم الله عليك (٢) على البحر ، فقل الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَقالَ ارْكَبُوا ـ إلى قوله ـ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن أبيه ، عن عليّ بن أسباط ، عن أبي الحسن ، الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : إن ركبت البحر ، فإذا صرت في السّفينة ، فقل : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا (٤) ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي يوسف ، يعقوب بن عبد الله من ولد أبي فاطمة ، عن إسماعيل بن زيد ، مولى عبد الله بن يحيى الكاهليّ ، عن أبي عبد الله ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يذكر فيه مسجد الكوفة. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : ومنه سارت سفينة نوح.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ هلاك قوم نوح ـ وذكر حديثا طويلا ـ.

وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : فبقي الماء يصبّ (٦) من السّماء أربعين صباحا ومن الأرض العيون ، حتّى ارتفعت السّفينة ، فمسحت السّماء.

وفي روضة الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن داود بن يزيد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ارتفع الماء على كلّ جبل وعلى كلّ سهل خمسة عشر ذراعا.

وفي عيون الأخبار (٨) ، بإسناده إلى الحسين بن خالد الصيرفيّ : عن أبي الحسن ، الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ نوحا ـ عليه السّلام ـ لمّا ركب السّفينة ، أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : يا نوح ، إن خفت الغرق ، فهلّلني ألفا. ثمّ اسألني النّجاة أنجك من الغرق

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : لك.

(٣) الكافي ٥ / ٢٥٦ ، ضمن ح ٣.

(٤) الكافي ٣ / ٤٩٢ ، ضمن ح ٢.

(٥) تفسير القميّ ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ و ٣٢٨.

(٦) المصدر : ينصبّ.

(٧) الكافي ٨ / ٢٨٤ ، ح ٤٢٨.

(٨) العيون ٢ / ٥٥ ، ضمن ح ٢٠٦.

١٦٦

ومن آمن معك.

قال : فلمّا استوى نوح ومن معه في السّفينة ورفع القلس و (١) عصفت الرّيح عليهم فلم يأمن نوح ـ عليه السّلام ـ [الغرق] (٢) وأعجلته الرّيح فلم يدرك له أن يهلّل الله ألف مرّة. فقال بالسّريانيّة : هيلوليا ، ألفا ألفا. يا ماريا يا ماريا ، أتقن (٣).

قال : فاستوى القلس واستقرّت (٤) السّفينة.

فقال نوح ـ عليه السّلام ـ : إنّ كلاما نجّاني الله به من الغرق ، لحقيق أن لا يفارقني.

قال : فنقش في خاتمه : لا إله إلّا الله ، ألف مرّة. يا ربّ ، أصلحني.

وفي كتاب الخصال (٥) : عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن ، موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ نوحا ـ عليه السّلام ـ لمّا ركب في (٦) السّفينة ، أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه. وذكر ، نحو ما في عيون الأخبار.

وفي كتاب الاحتجاج (٧) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : وعن معمّر بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ نوحا لمّا ركب السّفينة وخاف من الغرق ، قال : اللهمّ ، إنّي أسألك بمحمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني [من الغرق] (٨). فنجّاه الله ـ عزّ وجلّ ـ. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشّرائع (٩) ، بإسناده إلى سهل بن زياد الآدميّ قال : حدّثني عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : سمعت عليّ بن محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ يقول : عاش نوح ـ عليه السّلام ـ ألفين وخمسمائة سنة. وكان يوما في السّفينة نائما ، فهبّت الرّيح فكشفت عن عورته. فضحك حام ويافث ، فزجرهما سام ـ عليه السّلام ـ ونهاهما عن

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : «القلص» بدل «القلس و». والقلس : حبل للسفينة ضخم من ليف. وقيل : من غيره.

(٢) من المصدر.

(٣) بعض نسخ المصدر : أيقن.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : القلص واستمرّت.

(٥) الخصال / ٣٣٥ ، ضمن ح ٣٦.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) الاحتجاج ١ / ٥٥.

(٨) من المصدر.

(٩) العلل / ٣٢.

١٦٧

الضّحك. وكان كلّما غطى (١) سام شيئا تكشفه الرّيح ، كشفه حام ويافث. فانتبه نوح فرآهم وهم يضحكون.

فقال : ما هذا؟

فأخبره سام بما كان.

فرفع نوح ـ عليه السّلام ـ يده إلى السّماء يدعو ويقول : اللهمّ ، غيّر ما في (٢) صلب حام حتّى لا يولد له ولد (٣) إلّا السّودان. اللهم ، غيّر ما في (٤) صلب يافث.

فغير الله ما في (٥) صلبيهما. فجميع السّودان حيث كانوا من حام ، وجميع التّرك والسّقالب (٦) ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث حيث كانوا ، وجميع البيض سواهم من سام.

وقال نوح ـ عليه السّلام ـ لحام ويافث : جعل الله ذرّيّتكما خولا (٧) لذرّيّة سام إلى يوم القيامة ، لأنّه برّني وعققتماني. فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذرّيّتكما ظاهرة ، وسمة البرّ بي في ذريّة سام ظاهرة ما بقيت الدّنيا.

(وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) : كنعان.

وقرئ (٨) : «ابناه» على النّدبة ، ولكونها حكاية سوّغ حذف الحرف.

وفي تفسير العيّاشيّ (٩) : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ).

قال : إنّما في لغة طيء ابنه (١٠) بنصب الألف ، يعني : ابن امرأته.

عن موسى (١١) ، عن العلاء بن سيابة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ).

قال : ليس بابنه ، إنّما هو ابن امرأته. وهو لغة طيئ ، يقولون لابن امرأته : ابنه.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : وكلّما كان غطى.

(٢) المصدر : «ماء» بدل «ما في».

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : «ماء» بدل «ما في».

(٥) المصدر : «ماء» بدل «ما في».

(٦) المصدر : السقالبة.

(٧) الخول ـ جمع الخولي ـ : بالعبيد والإماء.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٩.

(٩) تفسير العياشي ٢ / ١٤٨ ، ح ٣٠.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : ابنيه.

(١١) تفسير العياشي ٢ / ١٤٨ ، ح ٣١.

١٦٨

وفي مجمع البيان (١) : وروي عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وأبي جعفر ، محمّد بن عليّ ، وأبي عبد الله ، جعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام ـ : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ). بفتح الهاء ، على أنّ أصلها : ابنها ، حذفت الألف.

وروي (٢) ـ أيضا ـ : ابنها. والضّمير على التّقديرين (٣) لامرأته.

(وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) : عزل فيه نفسه عن أبيه ، أو عن دينه. مفعل ، للمكان. من عزله عنه : إذا أبعده.

(يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) ، أي : في السّفينة.

والجمهور كسروا (٤) الياء ، ليدلّ على ياء الإضافة المحذوفة ، في جميع القرآن. غير ابن كثير فإنّه وقف عليها في لقمان في الموضع الأوّل باتّفاق الرّواة ، وفي الثّالث في رواية قنبل وعاصم ، فإنّه فتح هاهنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الإضافة ، واختلفت الرّواية عنه في سائر المواضع. وقد أدغم الباء في الميم أبو عمرو والكسائيّ وحفص ، لتقاربهما.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول نوح ـ عليه السّلام ـ : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا).

قال : ليس بابنه.

قال : قلت : إنّ نوحا قال : (يا بُنَيَ).

قال : فإنّ نوحا قال ذلك ، وهو لا يعلم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : نظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم ، فقال له : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ) (الآية).

(وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) (٤٢) : في الدّين والانعزال.

(قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) : أن يغرقني.

وفي كتاب علل الشّرائع (٧) ، بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة : عن أبي نعيم ، عن أبي

__________________

(١) المجمع ٣ / ١٦٠.

(٢) تفسير الصافي ٣ / ٤٤٨.

(٣) ليس في المصدر : على التقديرين.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٩.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٤٩ ، ح ٣٢.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٢٧.

(٧) العلل / ٣١ ، ح ١.

١٦٩

عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ النّجف كان جبلا. وهو الّذي قال ابن نوح : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ). ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : يا جبل ، أيعتصم بك منّي. فتقطّع قطعا [قطعا] (١) إلى بلاد الشّام ، وصار رملا رقيقا ، وصار بعد ذلك بحرا. وكان يسمّى ذلك البحر : بحر «ني». ثمّ جفّ بعد ذلك ، فقيل : ني جفّ (٢) فسمّي بنيجفّ. ثمّ صار النّاس بعد ذلك يسمّونه بنجف ، لأنّه كان أخفّ على ألسنتهم.

وفي من لا يحضره الفقيه (٣) : روى صفوان بن مهران الجمّال ، عن الصّادق ، جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ قال : سار وأنا معه في القادسيّة ، حتّى أشرف على النّجف.

فقال : هو الجبل الّذي اعتصم به ابن جدّي نوح ، فقال : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ). فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : يا جبل ، أيعتصم بك أحد منّي. فغار (٤) في الأرض ، وتقطّع إلى الشّام.

(قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) : إلّا الرّاحم ، وهو الله ـ تعالى ـ. أو الإمكان من رحمهم الله ـ تعالى ـ وهم المؤمنون. ردّ بذلك أن يكون اليوم معتصم (٥) من جبل ونحوه يعصم اللّائذ به ، إلّا معتصم المؤمنين ، وهو السّفينة.

وقيل (٦) : «لا عاصم» ، يعني : لا ذا عصمة ، كقوله : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ).

وقيل (٧) : الاستثناء (٨) منقطع ، أي : لكن من رحمه الله يعصمه.

وقرئ : «إلّا من رحم» ، على البناء للمفعول.

(وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) : بين نوح وابنه. أو بين ابنه والجبل.

(فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (٤٣) : وصار من المهلكين بالماء.

(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) : نوديا بما ينادى به أولوا العلم وامرا بما يؤمرون به تمثيلا ، لكمال قدرته وانقيادهما لما يشاء تكوينه فيهما ، بالآمر المطاع

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : بنيجف.

(٣) الفقيه ٢ / ٣٥١ ، صدر ح ١٦١٢.

(٤) المصدر : «منّي أحد» بدل «أحد منّي فغار».

(٥) ب : المعتصم.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٩.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : الاستئناف.

١٧٠

الّذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر إلى امتثال أمره ، مهابة من عظمته وخشية من أليم عقابه.

و «البلع» النّشف. و «الإقلاع» الإمساك.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن إبراهيم بن أبي العلاء ، عن غير واحد ، عن أحدهما قال : لمّا قال الله : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) ، قال الأرض : إنّما أمرت أن أبلع مائي أنا فقط ، ولم أؤمر أن أبلع ماء السّماء.

قال : فبلعت الأرض ماءها ، وبقي ماء السّماء فصير بحرا [حول السّماء] (٢) وحول الدّنيا.

عن عبد الرّحمن بن الحجّاج (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ).

قال : نزلت بلغة الهند ، اشربي.

وفي رواية عبّاد (٤) ، عنه ـ عليه السّلام ـ : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) حبشيّة.

وفي عيون الأخبار (٥) ، بإسناده إلى عبد الله (٦) قال : قلت له : يا ابن رسول الله ، لأيّ علّة أغرق الله ـ تعالى ـ الدّنيا كلّها في زمن نوح ، وفيهم الأطفال وفيهم من لا ذنب له؟

فقال : ما كان فيهم الأطفال ، لأنّ الله أعقم أصلاب قومه (٧) وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم. وما كان الله ـ تعالى ـ ليهلك بعذابه من لا ذنب له. وأمّا الباقون من قوم نوح ـ عليه السّلام ـ فاغرقوا لتكذيبهم لنبيّ الله نوح ـ عليه السّلام ـ. وسائرهم أغرق برضاهم بتكذيب المكذّبين. ومن غاب عن (٨) أمر فرضي به ، كان كمن شهده وأتاه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، [عن أبي بصير] (١٠) عن أبي

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٤٩ ، ح ٣٣.

(٢) من المصدر. ويوجد المعقوفتان فيه أيضا.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٤٩ ، ح ٣٤.

(٤) نفس المصدر والموضع ويوجد الرواية فيه بين المعقوفتين.

(٥) العيون ٢ / ٧٥ ، ح ٢.

(٦) المصدر : «عبد السّلام بن صالح الهروي عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ» بدل «عبد الله».

(٧) المصدر : قوم نوح.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : غلب في.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(١٠) من المصدر.

١٧١

عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ إهلاك قوم نوح ، أعقم أرحام النّساء أربعين سنة فلم يولد (١) فيهم مولود.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَغِيضَ الْماءُ) : نقص.

(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) : وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين.

(وَاسْتَوَتْ) : واستقرّت السّفينة.

(عَلَى الْجُودِيِ) : جبل بالموصل.

وقيل (٢) : بالشّام.

وقيل (٣) : بآمد (٤).

(وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٤) : هلاكا لهم.

يقال : بعد ، بعدا وبعدا : إذا بعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عودة. ثمّ استعير للهلاك ، وخصّ بدعاء السّوء.

والآية في غاية الفصاحة ، لفخامة لفظها وحسن نظمها ، والدّلالة على كنه الحال مع الإيجاز الخالي عن الإخلال.

وفي إيراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل ، وأنّه متعيّن في نفسه مستغن عن ذكره إذ لا يذهب الوهم إلى غيره. للعلم بإنّ مثل هذه الأفعال لا يقدر عليه سوى الواحد القهّار.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في حديث : ودارت السّفينة ، وضربتها الأمواج حتّى وافت مكّة وطافت بالبيت. وغرق جميع الدّنيا ، إلّا موضع البيت. وإنّما سمّي البيت العتيق ، لأنّه أعتق من الغرق. فبقي الماء ينصبّ من السّماء أربعين صباحا ومن الأرض العيون ، حتّى ارتفعت السّفينة فمسحت السّماء.

قال : فرفع نوح يده ، فقال : يا رهمان اتقن. وفي (٦) تفسيرها : يا ربّ أحسن. فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ الأرض أن تبلع ماءها ، [وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) ، أي : أمسكي. (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ)

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : فلم يلد.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٩.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بآمل.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٢٨.

(٦) المصدر : «اخفرس» بدل «اتقن. وفي».

١٧٢

فبلعت الأرض ماءها] (١) فأراد ماء السّماء أن يدخل في الأرض ، فامتنعت الأرض [من] (٢) قبولها ، وقالت : إنّما أمرني الله أن أبلع مائي ، فبقي ماء السماء على وجه الأرض ، واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل ، جبل عظيم ، فبعث الله ـ عزّ وجلّ ـ جبريل ، فساق الماء إلى البحار حول الدنيا.

وفي تفسير العيّاشي (٣) عن أبي بصير ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قال : يا [أبا] (٤) محمّد ، إنّ الله أوحى الى الجبال أنّي مهرق سفينة نوح على جبل منكنّ في الطوفان. فتطاولت ، وشمخت ، وتواضع جبل عندكم بالموصل يقال له : الجوديّ.

فمرّت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلّها حتّى أشرفت (٥) الى الجوديّ ، فوقفت (٦). فقال نوح : بارات قني ، بارات قني (٧).

قال : قلت : جعلت فداك أيّ شيء هذا الكلام.

فقال : اللهمّ أصلح ، اللهم أصلح.

عن أبي بصير (٨) عن أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ قال : كان نوح في السّفينة ، فلبث فيها ما شاء الله. وكانت مأمورة ، فخلّى سبيلها نوح. فأوحى الله إلى الجبال : إنّي واضع سفينة عبدي نوح على جبل منكنّ. فتطاولت الجبال وشمخت غير الجوديّ ، وهو جبل بالموصل. فضرب جؤجؤ (٩) السّفينة الجبل ، فقال نوح عند ذلك : ربّ اتقن. وهو بالعربيّة : ربّ أصلح.

وروى كثير (١٠) النّوا (١١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : سمع نوح صرير السّفينة على الجوديّ ، فخاف عليها. فأخرج رأسه من كوّة كانت فيها ، فرفع يده وأشار بإصبعه ويقول : رهمان (١٢) اتقن. تأويلها : ربّ أحسن.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ ، ب.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٥٠ ، ح ٣٧.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : انتهت.

(٦) المصدر : فوقعت.

(٧) هكذا في بعض نسخ المصدر ، كما أشار إليه في هامشه وفيه : يا راتقي ، يا راتقي.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٨.

(٩) جؤجؤ : صدر.

(١٠) تفسير العياشي ٢ / ١٥١ ، ح ٣٩.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : النوى.

(١٢) بعض نسخ المصدر : ربعمان.

١٧٣

وفي تهذيب الأحكام (١) ، بإسناده إلى المفضّل بن عمر : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أوحى إلى نوح ـ عليه السّلام ـ وهو في السّفينة أن يطوف بالبيت أسبوعا. فطاف بالبيت ، كما أوحى الله إليه. ثمّ نزل في الماء إلى ركبتيه ، فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم ـ عليه السّلام ـ. فحمله في جوف السّفينة حتّى طاف ما شاء الله أن يطوف. ثمّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ، ففيها قال الله ـ تعالى ـ للأرض : (ابْلَعِي ماءَكِ). فبلعت ماءها من مسجد الكوفة ، كما بدأ الماء منه ، وتفرّق الجمع الّذي كان مع نوح ـ عليه السّلام ـ في السّفينة.

وفي مجمع البيان (٢) : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ). قيل : إنّها لم تبتلع ماء السّماء لقوله : (ابْلَعِي ماءَكِ). وأنّ ماء السّماء صار بحارا وأنهارا. وهو المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام ـ.

وفي أصول الكافي (٣) : أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحكم رفعه ، إلى (٤) أبي بصير قال : دخلت على أبي الحسن ، موسى ـ عليه السّلام ـ في السّنة الّتي قبض فيها أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

فقلت : جعلت فداك ، ما لك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة؟

فقال : يا [أبا] (٥) محمّد ، إنّ نوحا ـ عليه السّلام ـ كان في السّفينة ، وكان فيها ما شاء الله ، وكانت السّفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النّساء ، وخلّى سبيلها نوح ـ عليه السّلام ـ. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى الجبال : إنّي واضع سفينة نوح [عبدي] (٦) على جبل منكنّ. فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي ، وهو جبل عندكم. فضربت السّفينة بجؤجؤها الجبل.

قال : فقال نوح عند ذلك : يا بار (٧) اتقن. وهو بالسّريانيّة : ربّ أصلح.

قال : فظننت أنّ أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عرّض بنفسه.

وفي روضة الكافي (٨) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام

__________________

(١) التهذيب ٦ / ٢٣ ، ضمن ح ٥١.

(٢) المجمع ٣ / ١٦٥.

(٣) الكافي ٢ / ١٢٤ ، ح ١٢.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : عن.

(٥) من المصدر.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : يا ماري.

(٨) الكافي ٨ / ٢٨١ ، ضمن ح ٤٢٢ وهو عن أبي

١٧٤

الخراسانيّ ، عن المفضّل بن عمر قال : قلت له : كم لبث نوح في السّفينة حتّى نضب [الماء] (١) وخرجوا منها؟

فقال : لبثوا فيها سبعة أيّام ولياليها. فطافت بالبيت أسبوعا ، ثمّ استوت على الجوديّ ، وهو فرات الكوفة.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح الثّوريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ سفينة نوح سعت بين الصّفا والمروة ، وطافت بالبيت سبعة أشواط ، ثمّ استوت على الجوديّ.

وفي الكافي (٣) : محمّد بن يحيى ، عن بعض أصحابه ، عن الوشّاء ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : قال لي أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : إنّ سفينة نوح كانت مأمورة وطافت بالبيت [أسبوعا ، ثمّ استوت على الجوديّ] (٤) حيث غرقت الأرض ، ثمّ أتت منى في أيّامها ، ثمّ رجعت السّفينة وكانت مأمورة وطافت بالبيت طواف النّساء.

وفي تهذيب الأحكام (٥) : عليّ بن الحسن ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن كثير النّوا (٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لزقت السّفينة يوم عاشوراء على الجوديّ ، فأمر نوح ـ عليه السّلام ـ من معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم [عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ] (٨) قال : لمّا ركب نوح ـ عليه السّلام ـ في السّفينة ، (قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

وفي مجمع البيان (٩) : ويروى أنّ كفّار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن ، فعكفوا [على لباب البرّ ولحوم الضّأن وسلاف (١٠) الخمر أربعين يوما لتصفوا أذهانهم. فلمّا

__________________

عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٨ / ٢٨٣ ، ذيل ح ٤٢٦ بتصرّف في صدر المنقول هنا.

(٣) الكافي ٤ / ٢١٢ ، ح ١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) التهذيب ٤ / ٣٠٠ ، صدر ح ٩٠٨.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : النوى.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ١٥١ ، ح ٤٠.

(٨) من المصدر.

(٩) المجمع ٣ / ١٦٥.

(١٠) السلاف : ما تحلب وسال قبل العصر وهو أفضل الخمر.

١٧٥

أخذوا فيما أرادوا ، سمعوا] (١) هذه الآية. فقال بعضهم لبعض : هذا كلام لا يشبه كلام المخلوقين (٢). وتركوا ما أخذوا فيه ، وافترقوا.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ نوحا لمّا كان أيّام الطّوفان ، دعا مياه الأرض فأجابته ٢ إلّا الماء المرّ و [ماء] (٤) الكبريت.

(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) : وأراد نداءه ، بدليل عطف قوله : (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) : فإنّه النّداء.

(وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) ، أي : كلّ وعد تعده حقّ ، لا يتطرّق إليه الخلف. وقد وعدت أن تنجّي أهلي ، فما حاله أو فما له لم ينج؟

ويجوز أن يكون هذا النّداء قبل غرقه.

(وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) (٤٥) : لأنّك أعلمهم وأعدلهم ، أو لأنّك أكثر حكمة من ذوي الحكم. على أنّ الحاكم من الحكمة ، كالدّارع من الدّرع.

(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) : لقطع الولاية بين المؤمن والكافر. وأشار إليه بقوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) : فإنّه تعليل لنفي كونه من أهله. وأصله : أنّه ذو عمل فاسد. فجعل ذاته ذات العمل ، للمبالغة ، كقول الخنساء تصف ناقة :

ترتاع ما رتعت (٥) حتّى إذا ادّكرت

فإنّما هي إقبال وإدبار

ثمّ بدّل الفاسد بغير الصّالح ، تصريحا بالمناقضة بين وصفيهما ، وانتفاء ما أوجب النّجاة لمن نجا من أهله.

وقرأ (٦) الكسائيّ ويعقوب : «إنّه عمل» ، أي : عمل عملا غير صالح.

وفي كتاب الاحتجاج (٧) للطّبرسيّ : روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عن الحسين بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال

__________________

(١) ليس في ب.

(٢) المصدر : هذا كلام لا يشبهه شيء من الكلام ولا يشبه كلام المخلوقين.

(٣) الخصال / ٥٢ ، ح ٦٧.

(٤) من المصدر. ويوجد المعقوفتان فيه أيضا.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٠ : «ترتع ما غفلت» بدل «ترتاع ما رتعت».

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٠.

(٧) الاحتجاج ١ / ٣١٤.

١٧٦

لأمير المؤمنين فهذا نوح ـ عليه السّلام ـ صبر في ذات الله ـ عزّ وجلّ ـ وأعذر قومه إذ كذّب.

قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ صبر في ذات الله ، فأعذر (١) قومه إذ كذّب وشرّد وحصب بالحصا ، وعلاه أبو لهب بسلا (٢) ناقة [وشاة] (٣). فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى جابيل ملك الجبال : أن شقّ الجبال وانته إلى أمر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فأتاه فقال له : إنّي أمرت لك بالطّاعة ، فإن أمرت أن أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها.

قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّما بعثت رحمة ، ربّ اهد (٤) أمّتي فإنّهم لا يعلمون.

ويحك يا يهوديّ ، إنّ نوحا لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقّة القرابة (٥) وأظهر عليهم شفقة ، فقال (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).

فقال الله ـ تبارك وتعالى اسمه ـ : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ).

أراد ـ جلّ ذكره ـ أن يسلّيه بذلك. ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا غلبت عليه (٦) من قومه المعاندة ، شهر عليهم سيف النّقمة ولم تدركه فيهم رقّة القرابة ولم ينظر إليهم بعين رحمة (٧).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وعن أمير المؤمنين (٨) ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ مجيبا لبعض الزّنادقة ـ وقد قال : وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بتكذيبه نوحا لمّا قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) بقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ـ : وأمّا هفوات الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ وما بيّنه الله في كتابه [ووقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم مما اجترمه الأنبياء ، ممن شهد الكتاب بظلمهم] (٩) ، فإنّ ذلك من أدلّ الدّلائل على حكمة الله الباهرة وقدرته القاهرة (١٠)

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : إذ أعذر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : سبل. والسّلى : غشاء رقيق يحيط بالجنين ، ويخرج معه من بطن أمّه.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ربّي على» بدل «ربّ اهد».

(٥) المصدر : القربة.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : «علنت» بدل «غلبت عليه».

(٧) كذا في المصدر وفي ب : مقامه. وفي سائر النسخ : مقه.

(٨) الاحتجاج ١ / ٣٦٥ و ٣٧٠.

(٩) من المصدر.

١٧٧

وعزته الظّاهرة. لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ تكبر في صدور أممهم (١) وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها ، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم ، فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي تفرّد به ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي مجمع البيان (٢) : وروى عليّ بن مهزيار ، عن الحسن (٣) بن عليّ الوشّاء ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ قال لنوح ـ عليه السّلام ـ : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ). لأنّه كان مخالفا له ، وجعل من اتّبعه من أهله.

وفي كتاب الغيبة (٤) لشيخ الطّائفة ، بإسناده إلى إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمّد بن عثمان العمريّ ـ رحمه الله ـ أن يوصل لي كتابا ، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ.

فورد التّوقيع بخطّ مولانا صاحب الدّار ـ عليه السّلام ـ : أمّا ما سألت عنه ، أرشدك الله وثبّتك الله (٥) من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا ، فاعلم أنّه ليس بين الله ـ عزّ وجلّ ـ وبين أحد قرابة. ومن أنكرني ، فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح.

وفي عيون الأخبار (٦) : حدّثنا أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : قال أبي ـ عليه السّلام ـ [قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ] (٧) : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال [لنوح] (٨) : «(يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ). لأنّه كان مخالفا له. وجعل من اتّبعه من أهله. [قال] (٩).

وسألني : كيف يقرءون (١٠) هذه الآية في ابن نوح؟

فقلت : يقرأها (١١) النّاس على وجهين : إنّه عمل غير صالح. وإنّه عمل غير صالح.

فقال : كذبوا ، هو ابنه ـ ولكن الله ـ عزّ وجلّ ـ نفاه عنه حين خالفه في دينه.

__________________

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : الطاهرة.

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : صدورهم.

(٢) المجمع ٣ / ١٦٧.

(٣) أ ، ب : الحسين.

(٤) الغيبة / ١٧٦.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) العيون ٢ / ٧٥ ـ ٧٦ ، ح ٣.

(٧ و ٨ و ٩) من المصدر.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : يفسّرون.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يفسّرونها.

١٧٨

وفي باب (١) ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون ، في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. يقول فيه الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أما علمتم أنّه وقعت الوراثة والطّهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟

قالوا : من أين ، يا أبا الحسن؟

فقال : من قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢). فصارت وراثة النّبوّة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين. أما علمتم أنّ نوحا حين سأل ربّه ـ عزّ وجلّ ـ : (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ). وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ وعده أن ينجّيه وأهله فقال ربّه ـ عزّ وجلّ ـ : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ، فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).

وفي باب (٣) قول الرّضا ـ عليه السّلام ـ لأخيه ، زيد بن موسى حين افتخر على من في مجلسه ، بإسناده إلى الحسن بن موسى [بن علي] (٤) الوشّاء البغداديّ قال : كنت بخراسان مع عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ، ويقول : نحن [ونحن] (٥). وأبو الحسن ـ عليه السّلام ـ مقبل على قوم يحدّثهم. فسمع مقالة زيد ، فالتفت إليه.

فقال : يا زيد ، أغرّك [قول] (٦) ناقلي الكوفة : إنّ فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّم الله ـ تعالى ـ ذرّيّتها على النّار؟ فو الله ، ما ذاك إلّا للحسن والحسين وولد بطنها خاصّة.

فأمّا أن يكون موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنت ، ثمّ تجيئان يوم القيامة سواء ، لأنت أعزّ على الله ـ عزّ وجلّ ـ منه. إنّ عليّ بن ـ عليهما السّلام ـ كان يقول : كان (٧) لمحسننا كفلان من الأجر ، ولمسيئنا ضعفان من العذاب.

قال الحسن الوشّاء : ثمّ التفت إليّ فقال لي : يا حسن ، كيف تقرءون هذه الآية (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ)؟

فقلت : من النّاس من يقرأ : إنّه عمل غير صالح. ومنهم من يقرأ : إنّه عمل غير

__________________

(١) العيون ١ / ٢٣٠.

(٢) الحديد / ٢٦.

(٣) العيون ٢ / ٢٣٢ ، ح ١.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) من المصدر.

(٧) ليس في المصدر.

١٧٩

صالح. فمن قرأ إنّه عمل غير صالح ، فقد نفاه عن أبيه.

فقال ـ عليه السّلام ـ : كلّا ، لقد كان ابنه. ولكن لمّا عصى الله ـ عزّ وجلّ ـ نفاه عن أبيه ، كذا من كان منّا لم يطع الله ـ عزّ وجلّ ـ فليس منّا. وأنت إذا أطعت الله ، فأنت منّا من (١) أهل البيت.

حدّثنا (٢) محمّد بن عليّ ماجيلويه ـ رحمه الله ـ ومحمّد بن موسى المتوكّل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ ـ رضي الله عنه (٣) ـ قالوا : حدّثنا عليّ بن إبراهيم قال : حدّثني ياسر ، أنّه خرج زيد بن موسى ، أخو أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ بالمدينة وأحرق وقتل.

وكان يسمّى : زيد النّار. فبعث إليه المأمون ، فأسر وحمل إلى المأمون.

فقال المأمون : اذهبوا به إلى أبي الحسن.

قال ياسر : فلمّا دخل إليه ، قال له أبو الحسن الرّضا : يا زيد ، أغرّك قول سفلة أهل الكوفة : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ـ تعالى ـ ذرّيّتها على النّار؟ ذلك للحسن والحسين ـ عليهما السّلام ـ خاصّة. إن كنت ترى أنّك تعصي الله ـ تعالى ـ وتدخل الجنّة ، وموسى بن جعفر أطاع الله ودخل الجنّة ، فأنت إذا أكرم على الله من موسى بن جعفر. والله ، ما ينال أحد ما عند الله إلّا بطاعته وزعمت أنّك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت.

فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك.

فقال له أبو الحسن : أنت أخي ما أطعت الله ـ عزّ وجلّ ـ. إنّ نوحا ـ عليه السّلام ـ قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ). فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ). فأخرجه الله ـ عزّ وجلّ ـ من أن يكون من أهله بمعصيته.

(فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك.

وإنّما سمّي نداءه : سؤالا ، لتضمّن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأن ولده ، أو استفسار المانع للإنجاز في حقّه.

وإنّما سمّاه : جهلا وزجر عنه بقوله : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٤٦). لأنّ استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دلّه على الحال وأغناه

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) العيون ٢ / ٢٣٤ ، ح ٤.

(٣) المصدر : عنهم.

١٨٠