تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

وفي التّقييد بالصّلاح دلالة على أنّ مجرّد الأنساب لا ينفع.

وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أسامة ، عن هشام ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق قال : حدّثني الثّقة من أصحاب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّهم سمعوا أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول في خطبة له : اللهمّ ، وإنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز (٢) كلّه ولا تنقطع موادّه (٣) ، وأنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور ، كيلا تبطل حجّتك ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم ، بل أين هم وكم [هم] (٤)؟

أولئك الأقلّون عددا والأعظمون عند الله ـ جلّ ذكره ـ قدرا (٥) ، المتّبعون لقادة الدّين الأئمّة الهادين ، الّذين يتأدّبون بآدابهم وينهجون نهجهم ، فعند ذلك يهجم بهم العلم (٦) على حقيقة الإيمان ، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم ، ويستلينون (٧) من حديثهم ما استوعر (٨) على غيرهم ، ويأنسون بما استوحش منه (٩) المكذّبون وأباه المسرفون.

أولئك أتباع العلماء ، صحبوا أهل الدّنيا بطاعة الله ـ تبارك وتعالى ـ وأوليائه (١٠) ، ودانوا بالتّقيّة على دينهم والخوف من عدوّهم ، فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلى ، فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحقّ ، وسيحقّ الله الحقّ بكلماته ويمحق الباطل ، ها ها ، طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم ، ويا شوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم ، وسيجمعنا الله وإيّاهم في جنّات عدن (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ).

وفي تفسير العيّاشيّ (١١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن الرّجل المؤمن له

__________________

(١) الكافي ١ / ٣٣٥ ، ح ٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يأزر. ويأرز : يتقبض.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : مراده.

(٤) يوجد في نور الثقلين ٢ / ١٠٥ ، ح ٤٩٨ مع المعقوفتين.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : قدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : المعلم.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : ويستنبئون.

(٨) استوعر أي : استصعب.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : استوحشوا منهم.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : لأوليائه.

(١١) عنه المجمع ٥ / ٢١٠.

٤٤١

امرأة مؤمنة يدخلان الجنّة ، يتزوّج أحدهما الآخر؟

فقال : إنّ الله حكم عدل ، إذا كان أفضل منها خيّره ، فإن اختارها كانت من أزواجه. وإن كانت هي خيرا منه خيّرها ، فإن اختارته كان زوجا لها.

وفي كتاب الخصال (١) : عن موسى بن إبراهيم [عن الحسن] (٢) ، عن أبيه رفعه (٣) بإسناده رفعه إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّ أمّ سلمة قالت له : بأبي أنت وأمّي ، المرأة يكون لها زوجان فيموتان فيدخلان الجنّة ، لأيّهما تكون؟

فقال : يا أمّ سلمة ، تخيّر أحسنهما خلقا وخيرهما لأهله. يا أمّ سلمة ، إنّ حسن الخلق ذهب بخير الدّنيا والآخرة.

(وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) (٢٣) : من أبواب المنازل.

قيل (٤) : أو من أبواب الفتوح (٥) والتّحف قائلين : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) : بشارة بدوام السّلامة.

(بِما صَبَرْتُمْ) : متعلّق «بعليكم» ، أو بمحذوف ، أي : هذا بما صبرتم.

قيل (٦) : لا «بسلام» فإنّ الخبر فاصل (٧). والباء للسّببيّة ، أو للبدليّة.

(فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٤) :

__________________

(١) الخصال ١ / ٤٢ ، ح ٣٤.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥١٩.

(٥) الأظهر : «الفتوخ» بدل «الفتوح». والفتوخ ، جمع الفتخ أو الفتخة.

والفتخ : كلّ خلخال لا يصلصل. والفتخة : حلقة من ذهب أو فضّة لا فصّ لها تلبس في البنصر ، كالخاتم.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥١٩.

(٧) قوله : «لا بسلام ، فإنّ الخبر فاصل» ، أي :لا يتعلّق «بما صبرتم» ب «سلام» لوجود الفاصل بينهما وهو «عليكم». وهذا خلاف ما قاله صاحب الكشّاف ، فإنّه قال : يجوز أن يتعلّق «بما صبرتم» ب «سلام» ، أي : يسلّم عليكم ويكر مكم بصبركم. وما قاله المصنّف هو المشهور بين النّحاة ، لأن المصدر في حكم «أن مع الفعل» والفصل بين بعض الصّلة وبعضها لا يجوز. وقال الرّضيّ : أنا لا أرى منعا من ذلك ، وليس كلّ ما أوّل شيء بكلمة حكم ما أوّل به ، فلا منع من تأويله بالحرف المصدريّ من جهة المعنى مع أنّه لا يلزمه أحكامه. وكلام صاحب الكشّاف يؤيّد ما ذكره الرّضيّ.

٤٤٢

وقرئ (١) : «فنعم» بفتح النّون ، والأصل «نعم» فسكّن العين بنقل كسرتها إلى الفاء وبغيره.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي عن ، حمّاد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت في الأئمة ـ عليهم السّلام ـ وشيعتهم الّذين صبروا.

وحدثني (٣) أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نحن صبر [نا] (٤) وشيعتنا أصبر منّا ، لأنّا صبرنا بعلم وصبروا على ما لا يعلمون.

حدّثني أبي (٥) ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن إسحاق ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، يصف فيه حال المؤمن إذا دخل الجنان والغرف ، وفيه : ثمّ يبعث الله له ألف ملك يهنّئونه بالجنّة ويزوّجونه بالحوراء (٦) ، فينتهون إلى أوّل باب من جنانه ، فيقولون للملك الموكّل بأبواب الجنان : استأذن لنا على وليّ الله ، فإن الله قد بعثنا مهنّئين.

فيقول الملك الموكّل (٧) : قفوا حتّى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم.

قال : فيدخل الملك (٨) إلى الحاجب ، وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان ، حتّى ينتهي إلى أوّل باب.

فيقول للحاجب : إنّ على باب العرصة (٩) ألف ملك أرسلهم ربّ العالمين ، جاؤوا يهنّئون وليّ الله ، وقد سألوا أن استأذن لهم عليه.

فيقول له الحاجب : إنّه ليعظم عليّ أن استأذن لأحد على وليّ الله وهو مع زوجته.

قال : وبين الحاجب وبين وليّ الله جنّتان ، فيدخل الحاجب على القيّم.

فيقول له : إنّ على باب العرصة (١٠) ألف ملك أرسلهم ربّ العالمين يهنّئون وليّ الله ، فاستأذن [لهم] (١١).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥١٩.

(٢ و ٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨.

(٦) المصدر : زيادة «قال».

(٧) ليس في المصدر.

(٨) ليس في أ.

(٩) المصدر : الغرفة.

(١٠) المصدر : الغرفة.

(١١) من المصدر.

٤٤٣

فيقوم القيّم إلى الخدّام ، فيقول لهم : إنّ رسل الجبّار على باب العرصة ، وهم ألف ملك ، أرسلهم يهنّئون وليّ الله فأعلموه (١) مكانهم.

قال : فيعلمونه الخدّام مكانهم.

قال : فيؤذن لهم ، فيدخلون على وليّ الله وهو في الغرفة ولها ألف باب ، وعلى كلّ باب من أبوابها ملك موكّل به. فإذا أذن للملائكة بالدّخول على وليّ الله [وهو في الغرفة] (٢) فتح كلّ ملك بابه الّذي قد وكل به ، فيدخل كلّ ملك من باب من أبواب الغرفة فيبلغونه رسالة الجبّار ، وذلك قول الله ـ تعالى ـ : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) ، يعني : من أبواب الغرفة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).

وفي روضة الكافي (٣) ، مثله سندا ومتنا.

وفي الصّحيفة السّجّاديّة (٤) ، في دعائه ـ عليه السّلام ـ في الصّلاة على حملة العرش قال ـ عليه السّلام ـ بعد أن عدّ أصنافا من الملائكة : والّذين يقولون : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولّاد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : ثمّ قال : إنّ طائفة من الملائكة عابوا ولد آدم في اللّذّات والشّهوات ، أعني لكم : الحلال ليس الحرام. قال : فأنف الله للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة لهم. قال : فألقى الله في همم (٦) أولئك الملائكة اللّذّات والشّهوات كي لا يعيبوا المؤمنين ، فلمّا أحسّوا ذلك [من هممهم] (٧) عجّوا إلى الله من ذلك فقالوا : ربّنا ، عفوك عفوك ، ردّنا إلى ما خلقتنا له واخترتنا عليه فإنّا نخاف أن نصير في أمر مريج (٨). قال : فنزع الله ذلك [من هممهم] (٩). قال : فإذا كان يوم القيامة ، وصار أهل الجنّة في الجنّة ، استأذن أولئك الملائكة على أهل الجنّة فيؤذن لهم ، فيدخلون عليهم [فيسلّمون عليهم] (١٠) ويقولون لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [في الدنيا عن اللذات

__________________

(١) المصدر : فأعلمهم.

(٢) يوجد في ب ، ر.

(٣) الكافي ٨ / ٩٥ ـ ٩٨ ، ح ٦٩.

(٤) الصحيفة السجادية الدعاء الثالث / ٣٦.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢١١.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : همّة.

(٧) من المصدر.

(٨) أمر مريج : مختلط أو ملتبس.

(٩ و ١٠) من المصدر.

٤٤٤

والشهوات الحلال.

عن محمد بن الهيثم (١) ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) على الفقر في الدنيا] (٢) (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) قال : يعني : الشّهداء.

وفي كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستي (٣) ، بإسناده إلى أبي ذرّ ـ رضي الله عنه ـ : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : وما نال الفوز في القيامة إلّا الصّابرون ، إنّ الله يقول : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) قال : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).

(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) :

قيل (٤) : يعني : مقابلي الأوّلين.

(مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) : من بعد ما أوثقوه به من الإقرار والقبول.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : يعني : في أمير المؤمنين. وهو الّذي أخذ الله عليهم في الذّرّ ، وأخذ عليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بغدير خمّ.

(وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) : من الرّحم وغيرها.

(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) : بالظّلم وتهييج الفتن.

(أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٢٥) : عذاب جهنّم. أو سوء عاقبة الدّنيا ، لأنّه في مقابلة (عُقْبَى الدَّارِ).

وفي أصول الكافي (٦) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد [وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا] (٧) ، عن عمرو (٨) بن عثمان ، عن محمّد بن عذافر ، عن بعض أصحابهما (٩) ، عن محمّد بن مسلم وأبي حمزة ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال : قال عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ : يا بنيّ إيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه ، فإنّي (١٠) وجدته ملعونا في

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢١١ ، ح ٤٣.

(٢) من المصدر.

(٣) نور الثقلين ٢ / ٥٠١ ، ح ١١٤.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥١٩.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٦٣.

(٦) الكافي ٢ / ٦٤١ ، ح ٧.

(٧) من المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وجامع الرواة ١ / ٦٢٤. وفي النسخ : عمر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : أصحابه.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأنّه.

٤٤٥

كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ في ثلاثة (١) مواضع ، قال : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) (الآية).

وفي عيون الأخبار (٢) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل في تعداد الكبائر وبيانها عن كتاب الله ، وفيه : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ونقض العهد وقطيعة الرّحم ، لأن الله ـ تعالى ـ يقول : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).

(اللهُ) : وحده ، لا يشاركه في البسط والقبض غيره.

(يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) : يوسعه ويضيّقه.

(وَفَرِحُوا) ، أي : القاطعون.

وقيل (٣) : أهل مكّة.

(بِالْحَياةِ الدُّنْيا) : بما بسط لهم في الدّنيا.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) : في جنب الآخرة.

(إِلَّا مَتاعٌ) (٢٦) : إلّا متعة لا تدوم ، كعجالة الرّاكب وزاد الرّاعي.

والمعنى : أنّهم اشتروا بما نالوا من الدّنيا ، ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة ، واغترّوا بما هو في جنبه نزر قليل النّفع سريع الزّوال.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) : باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات.

(وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧)) : أقبل إلى الحقّ ورجع عن العناد.

وهو جواب يجري مجرى التّعجّب من قولهم ، كأنّه قال : قل لهم : ما أعظم عنادكم ، إنّ الله يضلّ من يشاء ممّن كان على صفتكم ، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كلّ آية ، ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات.

(الَّذِينَ آمَنُوا) : بدل من «من». أو خبر مبتدأ محذوف.

(وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) : أنسا به ، واعتمادا عليه ، ورجاء منه. أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته. أو بذكر دلائله الدالّة على وجوده ووحدانيّته. أو بكلامه ، يعني : القرآن ، الّذي هو أقوى المعجزات.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن خالد بن نجيح ، عن جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ [في

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ثلاث.

(٢) العيون ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، ح ٣٣.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥١٩.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢١١ ، ح ٤٤.

٤٤٦

قوله : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)] (١) قال : بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ تطمئنّ [القلوب] (٢) ، وهو ذكر الله وحجابه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : «الّذين آمنوا» الشّيعة ، و «ذكر الله» أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

وحال الخبرين واحد لا اختلاف بينهما ، لأنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ والأئمة ـ عليهم السّلام ـ واحد في كونهم ذكر الله.

(أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)) : تسكن إليه.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : مبتدأ خبره (طُوبى لَهُمْ). وهو فعلى ، من الطّيب ، قلبت ياؤه واوا لضمّه ما قبلها ، مصدر لطاب ، كبشرى وزلفى.

ويجوز فيه الرّفع والنّصب (٤) ، كقولك : طيبا لك ، وطيب لك. ولذلك قرئ.

(وَحُسْنُ مَآبٍ) (٢٩) : بالرّفع والنّصب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، وفيه يقول ـ صلّى الله عليه وآله ـ : دخلت الجنّة وإذا أنا بشجرة (٦) ، لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة عام (٧) ، وليس في الجنّة منزل إلّا وفيها فرع (٨) منها ، فقلت : ما هذه ، يا جبرئيل؟

فقال : هذه شجرة طوبى ، قال الله ـ تعالى ـ : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ).

حدّثني أبي (٩) ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «طوبى» شجرة في الجنّة في دار أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ. وليس أحد من شيعة إلّا وفي داره غصن من أغصانها وورق من أوراقها ، تستظلّ (١٠) تحتها أمّة من

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥.

(٤) الرفع بأنّه مبتدأ و «لهم» خبره ، أو خبر و «لهم» صلة. والنصب بأنّه مفعول فعل مقدر ، وهو «طابوا».

(٥) تفسير القمّي ٢ / ١٠ ـ ١١.

(٦) المصدر : «شجرة» بدل «أنا بشجرة».

(٧) المصدر : تسعمائة سنة.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : شجر.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥.

(١٠) المصدر : يستضلّ.

٤٤٧

الأمم.

وعنه (١) [قال] (٢) : كان ـ صلّى الله عليه وآله ـ يكثر تقبيل فاطمة ـ عليها السّلام ـ فأنكرت ذلك عائشة.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عائشة ، إنّي لمّا اسري بي إلى السّماء دخلت الجنّة ، فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها ، فأكلته فحول الله ذلك ماء في ظهري. فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة ، فحملت بفاطمة ، [وكلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتها] (٣) ، وما قبّلتها قطّ إلّا وجدت رائحة شجرة طوبى منها ، [فهي حوراء أنسيّة] (٤).

وأمّا ما رواه (٥) الشّيخ أبو جعفر الطوسيّ ـ رضي الله عنه ـ ، عن رجاله ، عن الفضل بن شاذان وكتبه في كتابه «مسائل البلدان» يرفعه إلى سلمان الفارسيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : دخلت على فاطمة ـ عليها السّلام ـ والحسن والحسين ـ عليهما السّلام ـ يلعبان بين يديها ففرحت بهما فرحا شديدا ، فلم ألبث حتّى دخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حبّا.

فقال : يا سلمان ، ليلة اسري بي إلى السّماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنانه ، فبينما أنا أدور في قصورها وبساتينها ومقاصيرها إذ شممت رائحة طيّبة ، فأعجبتني تلك الرّائحة.

فقلت : يا حبيبي : ما هذه الرّائحة الّتي غلبت على روائح الجنّة كلّها؟

فقال : يا محمّد ، تفاحة خلقها الله ـ تبارك وتعالى ـ بيده منذ ثلاثمائة ألف عام ، ما ندري ما يريد بها.

فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التّفاحة.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥.

(٢) من المصدر.

(٣ و ٤) ليس في المصدر.

(٥) تأويل الآيات ١ / ٢٣٦ ، ح ١٦.

٤٤٨

[فقالوا : يا محمّد ، ربّنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة] (١).

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فأخذت تلك التّفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل. فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التّفاحة ، فجمع الله ماءها في ظهري ، فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء التّفاحة.

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ [إليّ] (٢) أن قد ولد لك حوراء أنسيّة ، فزوّج النّور من النّور ، فاطمة من عليّ ، فإنّي قد زوّجتها في السّماء وجعلت خمس الأرض مهرها ، وستخرج فيما بينهما ذرّيّة طيّبة وهما سراجا الجنّة ، الحسن والحسين ، ويخرج من صلب الحسين أئمّة يقتلون ويخذلون ، فالويل لقاتلهم وخاذلهم».

فلا ينافي الخبر الّذي قدّمناه ، لأنّه ليس في ذلك الخبر أنّ تلك التّفاحة من أيّ شجرة ، ويحمل على أنّها من شجرة طوبى ليوافق الخبر الأوّل ، وليس في الخبر الأوّل أنّه ـ عليه السّلام ـ أين أكلها ، ويحمل على أنّه أكلها حين هبط ليتوافق الخبران.

وفي أصول الكافي (٣) : عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فإنّ لأهل الدّين علامات يعرفون بها ، صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وصلة الأرحام ، ورحمة الضعفاء ، وقلّة المراقبة للنّساء ، أو قال قلّة الموافاة (٤) للنّساء ، وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الخلق ، واتّباع العلم وما يقرّب إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ زلفى (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ).

و «طوبى» شجرة في الجنّة ، أصلها في دار النّبيّ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وليس مؤمن إلّا وفي داره غصن منها ، لا يخطر على قلبه شهوة [شيء] (٥) إلّا أتاه به ذلك. ولو أنّ راكبا مجدّا سار في ظلّها مائة عام ما خرج منه ، ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى يسقط [هرما] (٦) ، ألا ففي هذا فارغبوا. إنّ المؤمن من نفسه في شغل والنّاس منه في راحة ، إذا جنّ عليه اللّيل افترش وجهه وسجد لله ـ عزّ وجلّ ـ بمكارم بدنه ، يناجي الّذي خلقه في فكاك رقبته ، ألا فهكذا كونوا.

وفي عيون الأخبار (٧) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : ولقد حدّثني

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) الكافي ٢ / ٢٣٩ ، ح ٣٠.

(٤) المصدر : المؤاتاة.

(٥ و ٦) من المصدر.

٤٤٩

أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في «أ ـ ب ـ ت ـ ث» قال : «الألف» آلاء الله.

إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : و «الطّاء» طوبى للمؤمنين وحسن مآب.

وبإسناده (١) إلى الرّضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ ، أنت المظلوم بعدي ، وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنّة أصلها في دارك وأغصانها في دور (٢) شيعتك ومحبيك. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن محمّد بن سالم ، رفعه إلى أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : تعلّموا تفسير أبجد.

... إلى أن قال ـ صلوات الله عليه ـ : وأمّا «حطّي» فالحاء ، حطوط للخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملائكة إلى مطلع الفجر. وأمّا الطّاء ف (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) وهي شجرة غرسها الله ـ تبارك وتعالى ـ بيده ونفخ فيها من روحه ، وأنّ أغصانها لترى من وراء سور الجنّة ، تنبت بالحلي والحلل ، والثّمار متدلّية على أفواههم.

عن أبي سعيد الخدريّ (٤) قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من رزقه الله حبّ الأئمّة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدّنيا والآخرة ، فلا يشكّنّ أحد أنّه في الجنّة ، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين (٥) خصلة : عشرة منها في الدّنيا وعشرة منها في الآخرة ، فأمّا الّتي في الدّنيا فالزّهد والحرص على العلم.

... إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ بعد تعدادها : فطوبى لهم (٦) لمحبّي أهل بيتي.

وفي احتجاج (٧) عليّ ـ عليه السّلام ـ يوم الشّورى على النّاس قال : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ ، إنّ الله خصّك بأمر وأعطاكه ، ليس من الأعمال شيء أحبّ إليه ولا أفضل منه عنده الزّهد في الدّنيا ، فليس

__________________

(٧) نور الثقلين ٢ / ٥٠٤ ، ح ١٢٥.

(١) العيون ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، ح ٦٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : دار.

(٣) الخصال ١ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ ، ح ٣٠.

(٤) الخصال ١ / ٥١٥ ، ح ١.

(٥) المصدر : عشرون.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) الخصال ٢ / ٥٥٦ ، ح ٣١.

٤٥٠

تنال منها شيئا ولا تناله منك ، وهو زينة الأبرار عند الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة ، فطوبى لمن أحبّك وصدّق عليك ، وويل لمن أبغضك وكذّب عليك [غيري] (١).

قالوا : اللهمّ ، لا.

[وفي هذا الاحتجاج (٢) أيضا] (٣) [قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٤) كما قال لي : إنّ طوبى شجرة في الجنّة ، أصلها في دار عليّ ، ليس من مؤمن إلّا في داره غصن من أغصانها غيري؟

قالوا : اللهمّ ، لا.

عن أبي أمامة (٥) قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : طوبى لمن رآني ثمّ آمن بي ، وطوبى [ثمّ طوبى] (٦) ، يقولها سبع مرّات ، لمن (٧) لم يرني وآمن بي.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٨) ، بإسناده إلى مروان بن مسلم : عن أبي بصير قال : قال الصّادق ، جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية.

قيل له : جعلت فداك ، وما طوبى؟

قال : شجرة في الجنّة في دار عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن من أغصانها ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ).

وبإسناده (٩) إلى أبي حمزة : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه ، ويتولّى أولياءه ، ويعادي أعداءه ، ذلك من رفقائي وذو [ي] (١٠) مودّتي وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة.

وفي تفسير العيّاشيّ (١١) : عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، محمّد بن

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الخصال ٢ / ٥٥٨ ، ح ٣١.

(٣) من نور الثقلين ٢ / ٥٠٥ ، ح ١٢٩.

(٤) من المصدر.

(٥) الخصال ٢ / ٣٤٢ ، ح ٦.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : إن.

(٨) كمال الدين ٢ / ٣٥٨ ، ح ٥٥.

(٩) كمال الدين ١ / ٢٨٦ ، ح ٢.

(١٠) من المصدر.

٤٥١

عليّ ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال : بينما رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جالس ذات يوم إذ دخلت [عليه] (١) أم أيمن ، في ملحفتها (٢) شيء.

فقال لها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أمّ أيمن ، أيّ شيء في ملحفتك؟

فقالت : يا رسول الله ، فلانة بنت فلانة أملكوها (٣) فنثروا عليها فأخذت [من نثارها شيئا. ثمّ إنّ أمّ أيمن بكت.

فقال لها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما يبكيك؟

فقالت : فاطمة] (٤) زوّجتها فلم ينثر عليها [شيئا] (٥).

فقال لها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا تبكين ، فو الّذي بعثني بالحقّ نبيا (٦) بشيرا ونذيرا ، لقد شهد إملاك فاطمة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في ألوف من الملائكة ، ولقد أمر الله طوبى فنثرت عليهم من حللها وسندسها وإستبرقها ودرّها وزمرّدها وياقوتها وعطرها ، فأخذوا منه حتّى ما دروا ما يضعون به ، ولقد نحل الله طوبى في مهر (٧) فاطمة فهي في دار عليّ بن أبي طالب.

عن أبي حمزة (٨) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : طوبى هي شجرة تخرج من جنّة عدن ، غرسها ربّنا بيده.

عن أبي عبد الله (٩) ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ المؤمن إذا لقي أخاه وتصافحا (١٠) ، لم تزل الذّنوب تتحاتّ (١١) عنهما ما داما متصافحين ، كتحاطّ الورق عن الشّجر ، فإذا افترقا ، قال ملكاهما : جزاكما الله خيرا عن أنفسكما فإن التزم كلّ واحد منهما صاحبه ، ناداهما مناد : طوبى لكما وحسن مآب. و «طوبى» شجرة في الجنّة أصلها في دار أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وفرعها في منازل أهل الجنّة. فإذا افترقا ، ناداهما ملكان كريمان : أبشرا ، يا وليّي الله ، بكرامة الله والجنّة من ورائكما.

__________________

(١١) تفسير العياشي ٢ / ٢١١ ـ ٢١٢ ، ح ٤٥.

(١) من المصدر.

(٢) الملحفة : الملاءة التي تلتحف بها المرأة.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ملكوها.

(٤) ليس في أ ، ب ، ر.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : لمهر.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ٢١٢ ، ٤٧.

(٩) تفسير العياشي ٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣ ، ح ٤٩.

(١٠) المصدر : فصافحا.

(١١) تحاتّ الورق عن الشجر : تناثر.

٤٥٢

وفي كتاب ثواب الأعمال (١) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من أطعم ثلاثة نفر من المؤمنين ، أطعمه الله من ثلاث جنات : ملكوت [السماء] (٢) الفردوس ، وجنّة عدن ، وطوبى هي شجرة من جنّة عدن غرسها ربّنا بيده.

وفي مجمع البيان (٣) : وروى الحاكم ، أبو القاسم الحسكانيّ ، بإسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال : سئل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن طوبى.

[قال : شجرة أصلها في داري ، وفرعها على أهل الجنّة.

ثمّ سئل عنها مرّة أخرى ، فقال :] (٤) في دار عليّ.

فقيل له في ذلك ، فقال : إنّ داري ودار عليّ في الجنّة بمكان واحد.

(كَذلِكَ) : مثل ذلك ، يعني : إرسال الرّسل قبلك.

(أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها) : تقدّمتها (٥).

(أُمَمٌ) : أرسلوا إليهم ، فليس ببدع إرسالك إليها.

(لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : لتقرأ عليهم الكتاب الّذي أوحينا إليك.

(وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) : وحالهم أنّهم يكفرون بالبليغ الرّحمة ، الّذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كلّ شيء رحمته ، فلم يشكروا نعمته ، وخصوصا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القرآن الّذي هو مناط المنافع الدّينيّة والدّنيويّة عليهم.

وقيل (٦) : نزلت في مشركي مكة حين قيل لهم : اسجدوا للرّحمن ، فقالوا : وما الرّحمن (٧)؟

(قُلْ هُوَ رَبِّي) ، أي : الرّحمن خالقي ، ومتولّي أمري.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : لا مستحقّ للعبادة سواه.

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) : في نصرتي عليكم.

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٩١.

(٢) ليس في أ ، ب ، ر.

(٣) ثواب الأعمال / ١٦٥ ، ح ١.

(٤) من المصدر.

(٥) أ ، ب : تقدّمها.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٠.

(٧) فالمعنى : يكفرون بإطلاق هذا الاسم عليه ـ تعالى ـ ، أي : ينكرون إطلاقه عليه.

٤٥٣

(وَإِلَيْهِ مَتابِ) (٣٠) : مرجعي ومرجعكم ، فيثبّتني على مجاهدتي ومصابرتي ويعاقبكم على مخالفتي.

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) : شرط حذف جوابه ، والمراد منه تعظيم شأن القرآن أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم ، أي : ولو أنّ كتابا زعزعت به الجبال عن مقارّها.

(أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) : تصدّعت من خشية الله عند قراءته. أو شققت ، فجعلت أنهارا وعيونا.

(أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) : فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن ، لأنّه الغاية في الإعجاز والنّهاية في التّذكير والإنذار ، أو لما آمنوا به ، كقوله : «ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة» [الآية] (١).

وقيل (٢) : إنّ قريشا قالوا : يا محمّد ، إن سرّك أن نتّبعك فسيّر بقرآنك الجبال عن مكّة حتّى تتّسع لنا ، فنتّخذ فيها بساتين وقطائع. أو سخّر لنا به الرّيح ، لنركبها ونتّجر إلى الشّام. أو ابعث لنا قصيّ بن كلاب وغيره من آبائنا ، ليكلّمونا فيك. فنزلت. وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسّير.

وقيل (٣) : الجواب مقدّم ، وهو قوله : «وهم يكفرون بالرّحمن» وما بينهما اعتراض. وتذكير «كلّم» خاصّة (٤) لاشتمال الموتى على المذكّر الحقيقيّ.

وفي أصول الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر [أ] (٦) وغيره ، عن محمّد بن حمّاد ، عن أخيه ، أحمد بن حمّاد ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأوّل ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، أخبرني عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورث النّبيّين كلّهم؟

قال : نعم.

قلت : من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه؟

قال : ما بعث الله نبيّا إلّا ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أعلم منه.

__________________

(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٢٠.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٠.

(٤) أي : تذكيره دون «قطّعت» و «سيّرت».

(٥) الكافي ١ / ٢٢٦ ، ح ٧.

(٦) من المصدر.

٤٥٤

قال : قلت : إنّ عيسى ابن مريم ـ عليه السّلام ـ كان يحيي الموتى بإذن الله.

قال : صدقت.

وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطّير ، وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقدر على هذه المنازل؟

قال : فقال : إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره : (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) حين فقده وغضب عليه ، فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ). وإنّما غضب ، لأنّه كان يدلّه على الماء. فهذا وهو طائر قد اعطي ما لم يعط سليمان ، وقد كانت الرّيح والنّمل والإنس والجنّ والشّياطين [و] (١) المردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطّير يعرفه ، وإنّ الله يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) (الآية) وقد ورثنا نحن هذا القرآن [الذي] (٢) فيه ما تسيّر به الجبال ، وتقطّع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء. وإنّ في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن الله به ، مع ما قد يأذن الله ، ممّا كتبه الماضون (٣) جعله الله لنا في أم الكتاب. إنّ الله يقول : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). ثمّ قال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) فنحن الّذين اصطفانا الله ـ عزّ وجلّ ـ وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كلّ شيء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : لو كان شيء من القرآن كذلك ، لكان هذا.

(بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) : بل لله القدرة على كلّ شيء.

وهو إضراب عمّا تضمّنته «لو» من معنى النّفي (٥) ، أي : بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات ، لكنّ الإرادة لم تتعلّق بذلك لعلمه بأنّه لا تلين له شكيمتهم.

__________________

(١) يوجد في المصدر مع المعقوفتين.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : المأمنون.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥.

(٥) قوله : «وهو إضراب عمّا تضمّنته لو من معنى النّفي» إذ يفهم منها أنّه لم يوجد قرآن كذلك فكأنّه قيل : لم يوجد قرآن سيّرت به الجبال ... الخ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) بمعنى الإضراب عن المقدّر المذكور ، لكن لا يخفى أنّ الملائم للإضراب أن يكون الجواب المقدّر : لما آمنوا ، حتّى يكون المعنى : ولو وجد قرآن بالوصف المذكور لما آمنوا ، أي : ليس القرآن المذكور موجبا لإيمانهم (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) فإيمانهم منوط بإرادته.

٤٥٥

قيل (١) : ويؤيّد ذلك قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) : عن إيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم.

وقيل (٢) : أي : أفلم يعلم. وهو لغة قوم من النّخع.

وقيل (٣) : إنّما استعمل اليأس بمعنى : العلم ، لأنّه مسبّب عن العلم ، فإنّ الميئوس عنه لا يكون إلّا معلوما (٤).

وفي مجمع البيان (٥) : قرأ عليّ وعليّ بن الحسين وجعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام ـ : «أفلم يتبيّن».

وقيل (٦) : تنسب هذه القراءة إلى جماعة من الصّحابة والتّابعين ، وهو تفسيره.

(أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) ، معناه : نف هدى بعض النّاس لعدم تعلّق المشيئة باهتدائهم.

وهو على الأول متعلّق بمحذوف ، تقديره : أفلم ييأس الّذين آمنوا عن إيمانهم علما منهم أن لو يشاء الله لهدى النّاس جميعا [، أو ب «آمنوا»] (٧).

(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا) : من الكفر وسوء الأعمال.

(قارِعَةٌ) : داهية تقرعهم وتقلعهم وتهدّمهم.

(أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) : فيفزعون منها ، ويتطاير إليهم شرورها.

وقيل (٨) : الآية في كفار مكّة لا يزالون مصابين بما صنعوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فإنّه كان ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا يزال يبعث السّرايا عليهم فتغير (٩) حواليهم وتختطف مواشيهم. وعلى هذا يجوز أن يكون تحلّ خطابا للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فإنّه حلّ بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية.

(حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) : القيامة. أو الموت. أو فتح مكّة.

(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣١) : لامتناع الكذب في كلامه.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٠.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٠.

(٤) لأن اليأس عن حصول الشيء لا يكون إلّا بعد العلم به ، لأنّ اليأس عنه هو اعتقاد عدم حصوله.

(٥) المجمع ٣ / ٢٩٢.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٠.

(٧) من أنوار التنزيل ١ / ٥٢٠.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٢١.

(٩) أغار عليهم : دفع عليهم الخيل وأوقع بهم.

٤٥٦

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) وهي النّقمة. (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) فتحلّ بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به ، والّذين حلّت بهم عصاة كفّار مثلهم ولا يتّعظ بعضهم ببعض ، ولن يزالوا كذلك (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) الّذي وعد المؤمنين من النّصر ويخزي الله الكافرين.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) : تسلية للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه.

و «الإملاء» أن يترك ملاوة (٢) من الزّمان في دعة وأمن.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : أي : طوّلت لهم الأمل ثمّ أهلكتهم.

(فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) (٣٢) ، أي : عقابي إيّاهم.

(أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) : رقيب عليها ، حافظ (بِما كَسَبَتْ) : من خير أو شرّ ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ولا يفوت عنده شيء من جزائهم.

والخبر محذوف ، تقديره : كمن ليس كذلك. أو لم يوحّدوه.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن محمّد ، مرسلا ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قال : اعلم علّمك ، الله الخير ، أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قديم.

... إلى أن قال : وهو قائم ، ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد (٥) ، كما قامت الأشياء ، ولكن قائم يخبر أنّه حافظ ، كقول الرّجل : القائم بأمر [نا] (٦) فلان. والله هو القائم (عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ). والقائم ـ أيضا ـ في كلام النّاس : الباقي ، والقائم ـ أيضا ـ يخبر [عن] (٧) الكفاية ، كقولك للرّجل : قم بأمر [بني] (٨) فلان ، أي أكفهم. والقائم منّا قائم على ساق ، فقد جمعنا الاسم ولم يجتمع المعنى.

وفي عيون الأخبار (٩) : حدّثنا عليّ بن أحمد بن [محمد بن] (١٠) الدّقّاق ـ رضي الله

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

(٢) قال في الصحاح : أقمت بهذه ملاوة وملاءة ، أي : حينا وبرهة.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦٦.

(٤) الكافي ١ / ١٢٠ ـ ١٢٢ ، ح ٢.

(٥) الكبد : المشقّة والعناء.

(٦) من المصدر.

(٧ و ٨) من المصدر.

(٩) العيون ١ / ١٢٠ ، ح ٥٠.

(١٠) من المصدر.

٤٥٧

عنه ـ قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيّ قال : حدّثنا عليّ بن محمّد المعروف بعلان (١) ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن خالد (٢) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : اعلم ، علّمك الله الخير. وذكر نحوه.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) : استئناف. أو عطف (٣) على «كسبت» إن جعلت «ما» مصدريّة ، أو «لم يوحّدوه» المقدّر [و «جعلوا» عطف عليه] (٤) ، ويكون الظّاهر فيه موضع المضمر للتّنبيه على أنّه المستحقّ للعبادة ، وقوله : (قُلْ سَمُّوهُمْ) تنبيه على أنّ هؤلاء الشّركاء لا يستحقّونها. والمعنى : صفوهم فانظروا ، هل لهم ما يستحقّون به العبادة ويستأهلون الشّركة؟

(أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) : بل أتنبّئونه.

وقرئ (٥) : «تنبئونه» بالتّخفيف.

(بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) : بشركاء يستحقّون العبادة لا يعلمهم. أو بصفات لهم يستحقّونها لأجلها لا يعلمها وهو العالم بكلّ شيء ، فإذا لم يعلمهم لم يكونوا شيئا يتعلّق به العلم ، والمراد : نفي أن يكونوا له شركاء.

(أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) : أمّ تسمّونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى ، كتسمية الزّنجيّ كافورا.

وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجاز (٦).

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بقلان.

(٢) كذا في المصدر. وجامع الرواة ١ / ٢٣٨. وفي النسخ : الحسن بن خالد.

(٣) قيل : الاستئناف لا يكون بالواو ، فكيف جعل (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) استئنافا؟ قلنا : الاستئناف على نوعين : أحدهما المعتبر عند النحاة ما يكون مسبوقا بواو الاستئناف بأن يكون كلاما مستقلّا.

(٤) من المصدر. يعني : العطف يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون «جعلوا» عطفا على «كسبت» بأن يكون بمعنى : الكسب ، وجعل بمعنى : الجعل ، عطف المصدر على المصدر حقيقة ، أو يكون هاهنا جملة مقدّرة وهي «لم يوحّدوه» ويكون (جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) للتّنبيه على أنّ الألوهيّة موجب لاستحقاق العبادة و ـ أيضا ـ للنّداء على فساد مآلهم بأنّهم جعلوا الجماد شركاء للذّات المقدّسة الجامعة لجميع الكمالات.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٢١.

(٦) قوله : «وهذا احتجاج بليغ ... الخ» فقوله ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما)

٤٥٨

(بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) : تمويههم ، فتخيّلوا أباطيل ثمّ خالوها حقّا. أو كيدهم للإسلام بشركهم.

(وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) : سبيل الحقّ.

وقرأ (١) ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «وصدّوا» بالفتح ، أي : وصدّوا النّاس عن الإيمان.

وقرئ (٢) ، بالكسر ، و «صدّ» بالتّنوين.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) : يخذله.

(فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٣٣) : يوفّقه للهدى.

(لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : بالقتل والأسر ، وسائر ما يصيبهم من المصيبات.

(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) : لشدّته ودوامه.

(وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) : من عذابه. أو من رحمته.

(مِنْ واقٍ) (٣٤) : حافظ.

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) : صفتها الّتي هي مثل في الغرابة.

وهو مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه ، أي : فيما قصصنا عليكم مثل الجنّة.

وقيل (٣) : خبره (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [على طريقة قولك : صفة زيد أسمر (٤) ، أو على حذف موصوف ، أي : مثل الجنّة جنّة تجري من تحتها الأنهار ،] (٥) أو على

__________________

(كَسَبَتْ) حجّة على نفي الشّريك ، لأنّه ليس كذلك. وقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ سَمُّوهُمْ) احتجاج آخر ، إذ يدلّ على أن ليس للشركاء صفة يستحقّون بها العبادة والتّسمية بالإله. وقوله ـ تعالى ـ : (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) حجّة ثالثة على نفي الشّريك ، لأنّه ليس كذلك ، إذ لو كان لعلمه الله لأنّ علمه محيط بالأشياء. وقوله ـ تعالى ـ : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) حجّة رابعة ، إذ معناه : أنّ أخذهم الشّركاء ليس ممّا له حقيقة بل مجرّد أمر ظاهر خال عن المعنى. وإيراده هذه الحجج بهذه العبارات الوجيزة من أعجب الأساليب.

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٢١.

٤٥٩

زيادة المثل. وهو على قول سيبويه حال (١) من العائد المحذوف ، أو من الصّلة.

(أُكُلُها دائِمٌ) : لا ينقطع ثمرها.

(وَظِلُّها) ، أي : وظلّها كذلك لا ينسخ ، كما ينسخ في الدّنيا بالشّمس.

(تِلْكَ) : أي : الجنّة الموصوفة.

(عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) : مآلهم ومنتهى أمرهم.

(وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) (٣٥) : لا غير. وفي ترتيب النّظمين (٢) إطماع للمتّقين ، وإقناط للكافرين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : أي : عاقبة ثوابهم النّار.

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنّم ، وقد أطفئت سبعين مرّة بالماء ثمّ التهبت ، ولو لا ذلك ما استطاع [ادميّ] (٤) أن يطفئها ، وأنّها ليؤتى بها يوم القيامة حتّى توضع على النّار ، فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا جثا (٥) على ركبتيه فزعا من صرختها.

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) :

قيل (٦) : يعني : المسلمين من أهل الكتاب ، كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النّصاري ، وهم ثمانون رجلا : أربعون بنجران ، وثمانية باليمن ، واثنان وثلاثون بالحبشة.

__________________

(٤) فإن المراد منه : أنّ صفته هو الأسمر بعينه ، لا أنّ الأسمر صادق عليها ، كما يقال : إنّ زيدا أسمر. والمراد : أنّ حال الجنّة هو بعينه مفهوم تجري من تحتها الأنهار ، لا أنّ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) صادق على حال الجنّة.

(٥) ليس في ب.

(١) قوله : «وهو على قول سيبويه حال ... الخ» إذا كان (مَثَلُ الْجَنَّةِ) مبتدأ خبره محذوف ، ويكون (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) حالا من الضمير المحذوف العائد إلى الموصول ، أي : مثل الجنّة التي وعد بها المتّقون حال كونها تجري من تحتها الأنهار. والأولى أن يقال : إن الجملة استئناف ، فكأنّ سائلا قال : ما حال تلك الجنّة؟ فأجيب : تجري من تحتها الأنهار.

(٢) أي : في ذكر (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) بعد قوله ـ تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) الإطماع والإقناط المذكوران إذ يفهم من (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) مع المقابل الآخر أنّ الجنّة للذين اتّقوا دون الكافرين ، وأنّ النار عقبى لهم دون الذين اتّقوا.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦٦.

(٤) من المصدر.

(٥) جثا الرجل : جلس على ركبتيه.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٢.

٤٦٠