منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٤٨٠

نعم في حديث ضعيف له شواهد وطرق تقوية» ـ انتهى.

قال ابن حجر (١) : «وبيان ذلك : أن أيام بني أمية الشامخة اثنان وتسعون سنة ، منها تسع سنين الأمر فيها لعبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنه أكثر ، وصفت لهم ثلاثة وثمانون سنة وهي ألف شهر» ـ انتهى.

وفي بلغة الظرفاء : «أن خلافتهم إحدى وتسعون سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام ، منها فتنة ابن الزبير تسع سنين واثنان وعشرون يوما. ثم تفرقت بنو أمية في البلاد هربا» ـ انتهى ـ.

__________________

(١) ابن حجر المكي الهيثمي المكي.

٨١
٨٢

مكة في خلافة بني العباس في

العراق

١٣٢ ـ ٦٥٦ ه

٨٣
٨٤

[في قيام بني العباس بدعوتهم]

وسبب قيام بني العباس : أن الشيعة (١) ـ خذلهم الله تعالى ـ كانت تعتقد إمامة محمد بن الحنفية (٢) رضي‌الله‌عنه بعد أخيه الحسن. ونقلوها بعده إلى ولده أبي هاشم (٣). (فلما أحتضر أبو هاشم أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام) (٤).

فلما حبسه (٥) مروان بن محمد السابق ذكره ، وعرف أنه مقتول ، أوصى إلى السفاح.

وكان أبو هاشم لما أوصى إلى إبراهيم (٦) ، قام أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم بالدعوة الهاشمية (٧) ، وقدم على إبراهيم بمن معه ، وعمره ثمانية عشر سنة. وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم غير معين. ثم أظهر الدعوة لإبراهيم. وقبض مروان على إبراهيم وقتله ،

__________________

(١) الشيعة الكيسانية الذين ادعوا إمامة محمد بن الحنفية. انظر عنهم : الإسلام في مواجهة الحركات الفكرية للمحقق ١٩٤ ـ ١٩٩.

(٢) محمد بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهما. انظر عنه : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٤ / ١١٠ ـ ١٢٩.

(٣) وعن أبي هاشم ـ عبد الله بن محمد بن الحنفية انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٩.

(٤) ما بين قوسين أخطأ فيه السنجاري. فأبو هاشم أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس. ولعله سقط : «فلما حضر إلي محمد بن علي العباس أوصى الى ولده ...».

(٥) أي إبراهيم الإمام.

(٦) وهو خطأ أيضا فالوصية كانت لوالد إبراهيم الامام محمد بن علي.

(٧) وحول المبالغة في دور أبي مسلم في الدعوة ومناقشتها ، انظر : دور الشيبانيين في الدعوة الإسلامية في القرن الثاني الهجري ـ رسالة دكتوراه غير مطبوعة ، بجامعة أم القرى ـ قسم التاريخ ، وفاروق عمر ـ طبيعة الدعوة العباسية.

٨٥

وكان قد أوصى إلى السفاح ، وهرب السفاح فتوارى بالكوفة حتى أتته جيوش أبي مسلم من خراسان في واقعات كثيرة (١) ، فبايعوه سنة مائة واثنتين وثلاثين بالكوفة.

فجهز (٢) عمّه عبد الله بن علي لمحاربة مروان بن محمد بن الحكم ، فالتقيا بقرب الموصل ، فانكسر مروان ، وهرب إلى فلسطين ، فأتبعه وقتله ببوصير كما تقدم ـ هذا ملخص خبرهم ـ انتهى.

[خلافة أبي العباس السفاح]

فولي الخلافة أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأمه ريطة من بني الحارث بن كعب بن هلال.

وكان بنو أمية منعوهم من زواج الحارثيات ، لأنه قيل لهم : «أن زوال دولتهم على يد ابن حارثية» ، إلى أن كان زمن عمر بن عبد العزيز الأموي ، فاستأذنه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، فقال له : «تزوج من شئت». فتزوج ريطة ، فأتت له بعبد الله.

[ولاة مكة وأخبارها أيام السفاح]

فولي مكة في أيامه (٣) :

داود بن علي بن عبد الله بن العباس عم السفاح (٤) ، وذلك سنة

__________________

(١) انظر هذه الملاحم عند : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٣٠٠ ـ ٣٣٢.

(٢) أي السفاح.

(٣) أي أيام السفاح ١٣٢ ـ ١٣٦ ه‍.

(٤) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٦ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٣٦٣ ، ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ٨ / ١٤٩.

٨٦

مائة واثنتين وثلاثين ، وأضيف له إلى ولاية مكة المدينة واليمن واليمامة (١).

قال في الوافي (٢) : «وكان من جبابرة الأمراء ، له هيبة ورواء وأدب وفصاحة. اتفق أنه سمع سالم بن حفص (٣) يقول وهو يطوف : لبيك مهلك بني أمية. فأجازه داود بألف دينار.

واتفق أنه لما ظهر أبو العباس السفاح بالكوفة ، صعد المنبر يخطب فحصر ، فوثب داود بن علي هذا بين يدي المنبر ، وخطب الناس ، وذكر خروجهم ، ومنّى الناس ووعدهم العدل ، فتفرقوا عن خطبته.

وحج بالناس سنة مائة واثنتين (٤) وثلاثين ، وهي أول حجة حجها ولد العباس.

ومات داود سنة مائة وثلاثة وثلاثين ، فأدرك من دولتهم ثمانية أشهر ، وقيل تسعة أشهر.

وروى له الترمذي ، وحدث عن أبيه وجده ، وروى عنه الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وشريك وابن أبي ليلى ، وابن جريج ، وغيرهم (٥).

__________________

(١) انظر : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٤١٢ ، ٤١٣ ، ٤١٤.

(٢) الصفدي ـ الوافي بالوفيات ١٣ / ٤٧٨.

(٣) عند الصفدي «حفصة» ١٣ / ٤٧٨ ، وانظر : ابن سعد ـ الطبقات ٦ / ٣٣٦ ، ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ٥ / ٢٠٨.

(٤) في (د) «وثلاثة». وهو خطأ. انظر في ذلك : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٤١٠.

(٥) انظر بعض هذه الأحاديث في : ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ٨ / ١٤٩ ـ ١٥١.

٨٧

وقيل أنه كان قدريا. وسئل عنه ابن معين فقال : أرجو أن لا يكذب ، إنما يحدث بحديث واحد» ـ [انتهى ملخصا](١).

ولإبراهيم بن علي بن هرمة (٢) فيه مدايح كثيرة منها قوله (٣) : /

يا أيها الشاعر (٤) المكارم بالمد

ح رجالا ككنه (٥) ما فعلوا

حسبك من قولك الخلاف (كما

نحا) (٦) خلافا ببوله الجمل

الآن فانطق بما تريد فقد

أبدت نهاجا (٧) وجوهها السبل

وقل لداود (٨) منك ممدحة

لها زهاء وخلفها نفل

أروع لا يخلف العداة ولا

يمنع منه سؤاله العلل

لكنه سابغ عطيته

يدرك منه السؤال ما سألوا (٩)

لا عاجز عازب مروئته

ولا ضعيف في رأيه زلل

يحمده الجار والمعصب (١٠) والأر

حام شتى (١١) بحسن ما يصل

يسوء (١٢) بالفعل ظنّ صاحبه

ويفتل الريث عرفة العجل

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (د). والملخص من الوافي بالوفيات للصفدي.

(٢) إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر العامري الشاعر ـ سبق التعريف به.

(٣) والقصيدة عند الزبير بن بكار ، وابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٣٠٧.

(٤) في (د) «الرحل».

(٥) في (ب) ، (ج) «لكنه».

(٦) ما بين قوسين في (ب) ، (ج) «كأنما».

(٧) النهاج : الوضوح. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣٨٣.

(٨) في (ج) «له أود». وهو خطأ.

(٩) ورد البيت في (ب) ، (ج) بعد البيتين التاليين له في (أ) ، (د).

(١٠) في (ب) ، (ج) «والعصيب».

(١١) في غاية المرام لابن فهد «تثني» ١ / ٣٠٧.

(١٢) في غاية المرام «يسبق».

٨٨

حلّ من المجد والمكارم في (١)

خير محلّ يحلّه رجل

ومن مدايحه فيه قوله :

روحي (٢) غنيا فما انفك ذامرة (٣)

أخشى عليه أمورا ذات عقالي (٤)

إما هلكت ولم تنظر إلى نسب

كما يعطل بعد الحلية الحالي

فقد فتحت لك الأبواب مغلقة

فادخل على كل ذي تاجين مفضال

وآت الملوك تعش في غمر بحرهم

وادفع رجاءك عن عمّ وعن خال

والّق (٥) الرجال بما لاقوك من كتب

ضرّا بضرّ وإبهالا بإبهال (٦)

داود داود لا تفلت حبائله

واشدد يديك بباق الودّ وصّال (٧)

فما نسيت فداك الناس كلهم

وما أثمر من أهل ومن مال

يوم الرويثة (٨) والأعداء قد حضروا (٩)

إذّ (١٠) جئت أمشي على خوف وأهوال

والناس يرمون عن شرر (١١) بأعينهم

كالصقر أصبح فوق المرقب العالي

لا يرفعون إليه الطرف خشيته

لا خوف فحش (١٢) ولكن خوف إجلال

وأبطل (١٣) داود في أيامه الفسقية التي بناها خالد بن عبد الله القسري

__________________

(١) في (ج) الشطر : «خير من جدد المكارم في».

(٢) في (ج) «بروحي».

(٣) في (د) «بأمره».

(٤) في (ب) ، (ج) «إعقال».

(٥) في (أ) ، (ب) «لق». وفي (د) «وألف». والاثبات من (ج).

(٦) في (د) «باهبال».

(٧) في (د) «والصالي».

(٨) الرويثة : مكان بين مكة والمدينة. ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ١٠٥.

(٩) في (ج) «حصروا».

(١٠) في (د) «إذا».

(١١) في (أ) «شزر». والاثبات من بقية النسخ.

(١٢) في (ب) «الحشر».

(١٣) بالأصل وأبطل والتصويب من اتحاف الورى ٢ / ١٦٩.

٨٩

بين زمزم والمقام (١).

وفي سنة مائة وثلاثة وثلاثين قتل داود المذكور كلّ من بمكة والمدينة من بني أمية (٢).

ثم مات هو بالمدينة في ربيع الأول من السنة المذكورة.

فولي مكة زياد بن عبيد الله بن المدان (٣) الحارثي خال السفاح ، وأضيف إليه الطائف والمدينة واليمامة. ودامت ولايته إلى سنة مائة وست وثلاثين.

وفي هذه السنة (٤) حج بالناس أبو جعفر المنصور ، قبل أن يستخلف ، وحج معه أبو مسلم الخراساني مقيم الدعوة لبني العباس ، وصنع أبو جعفر في الطريق من الخيرات ما لا يوصف. قيل : أنه نادى في الناس : «من أوقد نارا غيرنا فقد برئت منه الذمة». فكان يطعم الناس في جميع الطريق الغداء والعشاء ، إلى أن دخل مكة.

فلما وصل الحرم ، أحرم ومشى ، ودخل مكة ماشيا ، تعظيما للحرم ، وأوقف في المسعى بين الصفا والمروة خمسمائة وصيف

__________________

(١) انظر : ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١٦٩ ، وما سبق من هذا الكتاب.

(٢) انظر : ابن الأثير ـ الكامل ٤ / ٣٤٠ ، الفاسي ـ العقد الثمين ٢ / ٣٥٠ ، شفاء الغرام ٢ / ١٧٦.

(٣) في (ب) «زياد بن عبد الله بن المروان». والاثبات من (أ) ، (د) والمصادر. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٣٦٤ ، ٣٧٠ ، ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٤١٢ ، ٤١٣ ، المسعودي ـ مروج الذهب ٤ / ٤٠١ ، الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ٤٥٤ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧٧.

(٤) أي سنة ١٣٦ ه‍. وانظر حج أبي جعفر في هذه السنة عند : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٥ / ٣٤٥ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٢٠٩.

٩٠

يسقون الناس السكر والأشربة. وكانت حجة مباركة. ـ رحمه‌الله تعالى.

فولي مكة العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب في السنة المذكورة (١).

وذكر ابن الأثير (٢) : «أن ولايته دامت إلى أن مات السفاح».

وممّن ولي مكة للسفاح عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي. قاله ابن حزم في الجمهرة (٣) ، وذلك غير ملائم لما ذكره ابن الأثير (٤) ـ والله أعلم.

[وفاة السفاح]

واستمر السفاح إلى أن مات بالجدري في ذي الحجة سنة مائة وست وثلاثين عن إحدى وثلاثين ، وقيل ثلاث وثلاثين سنة. وولادته سنة خمس ومائة. ومدة ولايته خمس سنين إلا شهرا (٥).

[ولاة مكة وأخبارها في خلافة أبي جعفر المنصور]

فولي الخلافة أبو جعفر المنصور أخو عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس.

__________________

(١) أي سنة ١٣٦ ه‍. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٣٧٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٤ / ٣٤٨ ، وانظر : شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢٧٧ ، ومعظم السطر سقط من (د).

(٣) ابن حزم ـ جمهرة نسب قريش ص ١٥٢ ، وانظر : الزبيري ـ مصعب ـ تحقيق بروفنسال ـ نسب قريش ص ٣٦٤ ، والفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٧.

(٤) ومخالف لما ذكره خليفة بن خياط ـ تاريخ خليفة ص ٤١٢.

(٥) انظر : القضاعي ـ تاريخ ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٠ / ٥٨ ـ ٦١.

٩١

فولي مكة في أيامه جماعة :

أولهم : العباس بن عبد الله بن معبد السابق ذكره. [وذلك سنة مائة وسبع وثلاثين ، فمات بعد انقضاء الموسم.

[توسعة المسجد الحرام]

فولي مكة زياد بن عبيد الله الحارثي السابق ذكره](١) ، ودامت ولايته إلى سنة مائة وأربعين. وفي أيامه سنة مائة وثمان وثلاثين ، وقيل مائة وتسعة وثلاثين (٢) ، أمر المنصور بالزيادة في المسجد ، فزيد في شقه الشامي مما يلي دار الندوة ، ومن أسفله إلى أن تنتهي إلى باب بني سهم. وكان القائم بذلك زياد المذكور.

وزين المسجد بالذهب وأنواع النقوش ، ورخم الحجر ـ بكسر الحاء ـ. وهو أول من رخّمه. وبنى منارة بني سهم. وتمت / عمارته سنة مائة وأربعين.

قلت : وفي اتحاف الكرام (٣) للفاسي : «أن زيادة المنصور كانت سنة مائة وسبع وثلاثين ، وتمامها سنة أربعين» ـ والله أعلم (٤).

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ب) ، (د). ولعله في أحد حواشي (أ) المطموسة. وانظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٥ / ٩٢ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧٧.

(٢) انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤٠٩ ، القضاعي ٣٩٧ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٣٤٥ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١٧٣ ـ ١٧٦.

(٣) ذكر ناسخ (ج) الدهلوي «لعله تحفة الكرام». وانظر : شفاء الغرام ١ / ٣٤٥ ، الاعلام بأعلام بيت الله الحرام ٨٩ ، ٩٠ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١٧٦.

(٤) أضاف ناسخ (ج) ما نصه : «قال كاتبه أبو الفيض والإسعاد ، وحد زيادته في شقه الشامي مما يلي دار الندوة ، هو والرواقان أو الثلاثة الأروقة الشامية ، وزيادته من أسفله الى أن تنتهي إلى باب بني سهم أي باب العمرة هو ثلاثة أروقة لا غير ـ كما أخبرني الثقة بذلك ـ والله أعلم».

٩٢

[عمارة الحجر]

وحج المنصور عام أربعين ومائة (١).

قال الإمام علي بن عبد القادر الطبري في تاريخه (٢) : «أن المنصور قال لزياد المذكور : إني رأيت حجارة الحجر بادية ، فلا أصبحت حتى يستر (ذلك أي) (٣) جدار الحجر ـ بالرخام. فدعا زياد بالعمال ، فعملوه على السراج ، قبل أن يصبح الصباح ، وكان مبنيا بالحجارة غير الرخام» ـ انتهى ـ.

ثم ان المنصور عزل زيادا ، وولى مكة الهيثم بن معاوية العتكي (٤) الخراساني ، سنة مائة وإحدى وأربعين ، واستمر إلى سنة مائة وثلاث وأربعين (٥).

فولي مكة السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب.

قال الزبير بن بكار (٦) : وفي السري بن عبد الله يقول إبراهيم بن

__________________

(١) أحرم المنصور من الحيرة ، ثم رجع بعد ما قضى حجه إلى المدينة ، فتوجه منها الى بيت المقدس». انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤١٣ ، القضاعي ـ تاريخ ٣٩٨.

(٢) علي بن عبد القادر الطبري ـ تاريخه الأرج المسكي في التاريخ المكي. والخبر عند الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٣٤٥ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٣١٣.

(٣) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (د).

(٤) ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤٢١ ، ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٤ / ٣٦٨ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٧ ، العقد الثمين ٧ / ٣٨٢.

(٥) انظر : ابن الأثير ـ الكامل ٤ / ٣٦٩.

(٦) في نسب قريش. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٧ ، العقد الثمين ٤ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٣٢٠.

٩٣

علي بن هرمة :

فأنت من هاشم في بيت مكرمة

تنمى إلى كل ضخم المجد صنديد

ومن بني الخزرج الأخيار والدة

بين العتيكين والبهلول مسعود

قوم هم أيدوا الإسلام إذّ صبروا (١)

بالسيف والله ذو نصرة (٢) وتأييد

ذاك السّريّ الذي لو لا تدفقه

بالعرف بدنا (٣) حليف المجد والجود

قال : وكان كريما جوادا ممدّحا (٤). وفيه يقول نوح بن جرير :

لقد صدق الذي سماك لما

تباشرت النساء بك السريا

(وقال آخر) (٥) :

يا أيها الناس قد برزت وطوّفت (٦)

وأعملت في البلاد المطيّا

لم أجد كالسريّ كهل قريش

حين لا ينفع الحياء الحييّا (٧)

وفيه يقول أبو الشدايد الفزاري (٨) :

سريّ لقاك مليك (٩) القدر

الأجر ذخرا وهو خير ذخر

عافية (١٠) الدنيا ويوم الحشر

وشر ما تدري وما لا تدري

__________________

(١) في (د) «ضربوا».

(٢) في (ب) ، (د) «نصر».

(٣) في (ب) «يدنا».

(٤) في (ب) ، (ج) ، (د) «ممدوحا».

(٥) ما بين قوسين سقط من (ب). وسقوطه أولى. فالأبيات متتالية لنفس الشاعر.

(٦) في (ب) ، (د) «وطفت». وسقط البيت كله من (ج).

(٧) في (ب) ، (ج) «المحيا».

(٨) أبو الشدايد الفزاري ـ انظر عنه : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤٧٦.

(٩) في (ج) «وقاك مليك». وفي (ب) «لقاك عليك».

(١٠) في (د) «عاقبة».

٩٤

ما بك عن مكرمة من قصر

بل أنت بعد الله معطي الوفر

ومطعم البرّ وكاسي الظهر

ولا يدا (١) أعطيتها بصفر /

واستمر إلى سنة مائة وخمس وأربعين (٢). وفيها ظهر بالمدينة محمد ابن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن (٣) السبط بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، فبايعه الأئمة من أهل عصره ، كمالك وأبي حنيفة رحمهما‌الله ومن في طبقتهما.

وسبب قيامه : أنه ورد مع المنصور أبي جعفر لما حج سنة أربعين ، وتخلف عنه هو وأخوه إبراهيم بالمدينة ، فأهمه شأنهما ، فقبض على أبيهما عبد الله المحض بن الحسن المثنى في بضع عشر من أهل البيت رضي‌الله‌عنهم ، وسجنهم [في بيت](٤) وطينه عليهم حتى ماتوا جميعا.

فلما بلغ محمد بن عبد الله ، ثار بالمدينة ، وخطب الناس وبايعوه.

فوجه إلى مكة من قبله محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر (٥) بن أبي طالب ، ومعه القاسم بن اسحاق واليا على اليمن ـ يعني ابن اسحاق ـ (٦). فخرج إليهم (٧) السري بن عبد الله بن الحارث

__________________

(١) في (أ) ، (ب) «يد». والاثبات من (ج) ، (د).

(٢) الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٧.

(٣) انظر عنه : الصفدي ـ الوافي بالوفيات ٣ / ٢٩٧ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٦ / ٢١٠ ـ ٢١٨ ، ابن العماد ـ شذرات الذهب ١ / ٢١٣.

(٤) ما بين حاصرتين سقط من (ج). وغير مقروء في (أ) ، (ب). والاثبات من (د). وانظر في ذلك : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤٦٠ ـ ٤٦١.

(٥) ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤٧٥ ، ٤٩٠.

(٦) القاسم بن اسحاق. ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤٧٥.

(٧) في (د) «إليها».

٩٥

ابن العباس بن عبد المطلب أمير مكة. فالتقيا بشعب أذاخر (١) فهزماه.

ودخل محمد بن الحسن مكة ، وأقام بها يسيرا ، فأتاه كتاب من محمد بن عبد الله يأمره بالرجوع إلى المدينة بمن (٢) معه ، ويخبره بمسير عيسى بن موسى (٣) لمحاربته. فسار إليه من مكة هو والقاسم بن إسحاق ، فبلغه بنواحي قديد قتل محمد بن عبد الله النفس الزكية بن الحسن ـ كذا نقله ابن الأثير (٤) ـ.

قال الزبير بن بكار (٥) : «كان قتله في النصف من شهر رمضان سنة مائة وخمس وأربعين ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة. لأن المنصور لما أعيا فيه (٦) جهز إليه ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد ابن علي ابن عبد الله بن العباس. وقال : لا أبالي أيهما قتل صاحبه. لأن عيسى ولي العهد من بعد المنصور على ما رتبه السفاح.

فسار عيسى إلى المدينة في أربعة آلاف ، وكتب إلى الأشراف فاستمال أكثرهم. فتحصن محمد وخندق على المدينة. فخادعه عيسى ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، ونادى بالأمان وناشده بالله ودعاه إلى الوفاق. فلما خرج تجاذبه أصحاب عيسى ، فقاتل أشد قتال ، ثم تكاثروا عليه ، فقتلوه ـ كما ذكرنا ـ في التاريخ

__________________

(١) أذاخر : شعب أذاخر بأعلى مكة ـ ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ١٢٧.

(٢) في (د) «فيمن».

(٣) عيسى بن موسى ومعه حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي. انظر : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٤٢١. وعن عيسى انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٧ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، ابن العماد ـ شذرات الذهب ١ / ٢٦٦.

(٤) الكامل في التاريخ ٥ / ٢. وانظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٤٩٠ ـ ٤٩٢.

(٥) انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨.

(٦) سقطت من (ج).

٩٦

السابق (١). وقيل (٢) لأثنتي عشرة من رمضان وله اثنان وخمسون سنة. وبعث برأسه إلى المنصور.

ومدته شهران واثنا عشر يوما. وقبره بالبقيع مشهور (٣) ـ هذا ملخص قصته ـ.

وقال هارون بن سعيد العجلي (٤) يعيب عليه خروجه (٥) وكان شيعيا :

يا أيّهذا الذي كان ذا (٦) النسبة

منّا في الدين متّبعا

بينما أنت منتهى أمل الأم

ة إذ قيل صار مبتدعا

يا لهف نفسي على تفرّق ما قد

كان منها عليك مجتمعا

قال الفاسي (٧) : «وقال الزبير بن بكار : حدثني عبد الله بن اسحاق ابن القاسم قال : أخذ حسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وحمل إلى المنصور ، فحبسه حبسا طويلا ، فقال [حسن](٨) :

ارحم صغار بني يزيد إنهم

يتّموا لفقدي لا لفقد يزيد

وارحم كبيرا سنه (٩) متهدما

في السجن بين سلاسل وقيود

__________________

(١) أي في النصف من رمضان. ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨.

(٢) وقيل يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٥١٤.

(٣) ذكر ناسخ (ب) ، (ج) «والأشهر أنه عند ثنية الوداع ، وعليه قبة عظيمة».

(٤) هارون بن سعيد العجلي ، شاعر شيعي.

(٥) أضاف ناسخ (د) كلمة «المدينة». بدون معنى. ولعله قصد «بالمدينة».

(٦) في (د) الشطر : «با أيهذا الذي له كان ذو النسبة».

(٧) الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ١٨٤. وانظر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٣٢٢.

(٨) زيادة من (ب) ، (د).

(٩) في (ج) «كبير السن».

٩٧

فلئن أخذت بذنبنا وجزيتنا

لنقتلنّ به بكلّ (١) صعيد

أو عذت بالرحم القريبة بيننا

ما جدّنا من جدّكم ببعيد (٢)

وذكر الزبير بن بكار ما يقتضي أن الذي ولاه محمد بن عبد الله مكة الحسن بن معاوية / والد محمد والله أعلم بالصواب.

ثم عاد السريّ إلى ولاية مكة من قبل المنصور ، واستمر إلى سنة مائة وست وأربعين.

فولي مكة عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس (٣) ، عم المنصور والسفاح. وفيه يقول داود بن سلم (٤) يمدحه :

استهلي يا طيب (٥) من كل قطر

بالأمير الذي به تغبطينا

بالذي إن أمنت نوّمك الأم

ن ، وإن خفت (٦) نمت لا توقظينا

استمع مدحة قد (٧) أتتك ابتدارا

جمعت شدة وعنفا ولينا

نازعتني إليك لا مكرهات

مثل ما استكره السياق الحرونا (٨)

__________________

(١) في (ج) «كل».

(٢) في غاية المرام ١ / ٣٢٢ «جدكم من جدنا».

(٣) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٨ ، العقد الثمين ٥ / ٤٣٩ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٣٢٥.

(٤) هو داود بن سلم الأدلم ، مولى بني تيم بن مرة. شاعر من أهل المدينة. انظر : الصفدي ـ الوافي ٣ / ٤٦٧. وانظر الأبيات في : الفاسي ـ العقد الثمين ٥ / ٤٤١ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٣٢٧.

(٥) في (أ) ، (ج) ، (د) «بأطيب». والاثبات من (ب) والعقد الثمين.

(٦) سقطت من غاية المرام ١ / ٣٢٧.

(٧) سقطت من (ب) ، (ج). وفي غاية المرام «إليك».

(٨) الحرون : الدابة التي إذا استدر جريها وقفت ـ وفرس حرون ـ أي لا تنقاد. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ١٣ / ١١٠.

٩٨

لم يضرها البعيث (١) إذ غاب عنها

وثوى في ضريح رمس رهينا

لا ولا جرول (٢) ولا ابن ضرار (٣)

وهم عندنا (٤) اللذين اللذينا

واستمر إلى سنة مائة وتسع وأربعين ، وقيل إلى سنة مائة وخمس وأربعين ، وقيل أنه كان واليا (٥) على مكة سنة مائة وسبع وخمسين (٦).

فائدة :

كان عبد الصمد هذا من عجائب المخلوقات منها : أنه مات بأسنانه التي ولد بها ، ولم تتغير. وكانت قطعة واحدة من أسفل.

وله اتفاقات غريبة مذكورة في المطولات من التواريخ (٧).

[مقتل سديف بن ميمون بمكة]

ورأيت في الغرر للوطواط (٨) ما نصه : «ولما ظهر محمد بن

__________________

(١) البعيث الحنفي بن حريث بن جابر الدئلي الحنفي الشاعر المشهور. انظر : الآمدي ـ أبو القاسم الحسن بن بشر ، توفي سنة ٣٧٠ ه‍ ـ المؤتلف والمختلف ص ٧٢.

(٢) جرول : هو الحطيئة الشاعر المشهور.

(٣) ابن ضرار : لعله ضرار بن الخطاب الشاعر المشهور.

(٤) في (ب) ، (ج) «وهم عند». وفي غاية المرام «وهما عند».

(٥) سقطت من (ب) ، (د).

(٦) ذكر ابن جرير ولاية عبد الصمد مكة في حوادث سنة ١٤٦ ه‍ ، ١٤٧ ه‍ ، ١٤٨ ه‍. وذكر عزله سنة ١٤٩ ه‍. ثم ولايته سنة ١٥٠ ه‍. وبعدها تنقطع أخباره عند الطبري ليظهر واليا على المدينة سنة ١٥٨ ه‍. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٥٨٠ ، ٦٠٠ ، ٦٠١ ، ٦٠٢ ، ٦٠٦ ، ٦٩٥.

(٧) انظر : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٣ / ١٩٥.

(٨) الوطواط : محمد بن إبراهيم بن يحيى بن علي الأنصاري الكتبي جمال الدين. وكتابه الغرر هو «غرر الخصائص الواضحة». توفي بمصر سنة ٧١٨ ه‍. انظر : الدرر الكامنة ٣ / ٩٥ ، الزركلي ـ الاعلام ٥ / ٢٩٧.

٩٩

عبد الله بن الحسن بالمدينة في أيام المنصور ، دخل عليه سديف بن ميمون ، وأنشده أبياتا ، منها قوله يحرضه على اظهار الدعوة ويطعن في دولة بني العباس :

إنا لنأمل أن ترتد (١) ألفتنا

بعد التّباعد والشّحناء والإحن

وتنقضي دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن (٢)

فانهض ببيعتكم ننهض بدعوتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

فبلغت الأبيات المنصور ، فكتب إلى عبد الصمد ، وكان عامله بمكة ، يأمره بمعاقبة / سديف. فأخذه ، وقطع لسانه ويديه ورجليه ، فلم يمت ، فدفنه وهو حي (٣) «ـ انتهى.

وذكر بعضهم أنه نما إلى المنصور قول سديف (٤) :

أسرفت في قتل الرعية ظالما

فاكفف يديك أخا لها مديها

فلتأتينّك راية حسنيّة

جرارة يقتادها حسنيها (٥)

والعجب (٦) من سديف بن ميمون هذا ، فإنه كان أوّلا يهجو بني أمية ، ويبشّر ببني العباس ـ وأمر الله سبحانه غالب ـ.

ثم ولي مكة بعد عبد الصمد : محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد

__________________

(١) في (د) «ترد».

(٢) في (ج) «الوثن».

(٣) وهذا من التشنيع إن صح ، لا يليق حدوثه في دولة اسلامية ، وان كان سديف يستحق العقاب حسب ما تذكر عنه المصادر من حبه للتحريض ونقمته على بني أمية بشكل خاص.

(٤) انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ٥٢٠ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١٨٨.

(٥) المقصود : محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم الذي قام بحركته في الكوفة ، وقتل سنة ١٤٥ ه‍. انظر عنه : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٨ / ٥٤٢ ـ ٥٧١.

(٦) في (ج) ، (د) «والعجيب».

١٠٠