منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٤٨٠

وكان ابتداء هدمه يوم السبت النصف من جمادى الآخرة ، من السنة المذكورة (١) ـ قاله الأزرقي (٢) ، وقيل سنة خمس وستين ـ يعني من البعثة (٣) ـ والله أعلم.

ثم إنه جعل أعمدة من الخشب ، وستر عليها الستور ، ليطوف الناس من ورائها ويصلون إليها ، حتى ارتفع البناء.

وبناها على قواعد إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وجعل لها بابا ملصقا بالأرض (بمصراعين ، وكان قبله مصراع واحد ، طوله أحد عشر ذراعا من الأرض) (٤) إلى أعلاه اليوم ، وفتح لها بابا غريبا ، وأدخل ما أخرجته (٥) قريش.

فلما كمل طولها ثمانية عشر ذراعا ، كما كانت زمن قريش ، رآها عريضة بلا (٦) طول ، فزاد في طولها (تسعة أذرع) (٧) ، فصارت سبعة وعشرين ذراعا. وجعل فيها ثلاث دعائم في صف واحد ، وكان فيها زمن قريش ست دعائم في صفين.

فائدة :

قال النووي في شرح مسلم (٨) : «ولا تغير الكعبة (عن بنائها) (٩)

__________________

(١) أي سنة ٦٤ ه‍.

(٢) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٤٤.

(٣) الصحيح : الهجرة النبوية.

(٤) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٥) سقطت من (ج).

(٦) في (ب) ، (ج) «محتاجة إلى».

(٧) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٨) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨ / ٢٥٢.

(٩) في (ب) «على بناها». وفي (د) «هذا البناء».

٢١

[ونقل القاضي أبو الطيب عن الشافعي أنه قال : «أحب أن تترك الكعبة على بنائها](١) ، ولا تهدم ، لئلا تذهب حرمتها».

ولما فرغ من بنائها ، خلّقها بالطيب ظاهرا وباطنا (بالمسك والعنبر المضروبين) (٢) ، (وكان يجمرها كل يوم برطل من العود ، وفي يوم الجمعة برطلين.

وفضلت حجارة ففرشها في المطاف ، ووسع المسجد بدور اشتراها ، وأدخلها فيها ، على ما ذكره الأزرقي (٣).

وذكر الأزرقي (٤) : «أنه سقف المسجد» ، ولم يذكر هل أتمه أم لا (٥).

وذكر الأزرقي (٦) أيضا قال : «حدثني جدي أن الحجر الأسود ، تشظى من الحريق الواقع زمن قريش ، فشدّه ابن الزبير رضي‌الله‌عنه بالفضة».

وقال المسبّحي (٧) : «أول من حلّى الكعبة عبد الله بن الزبير ،

__________________

(١) في (د). بناها والتصويب لا تساق المعنى نحويا.

(٢) ما بين قوسين في (ب) ، (ج) «من مسك وعنبر مضروبين».

(٣) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٧٩.

(٤) أخبار مكة ١ / ١٤٤.

(٥) أضاف ناسخ (ج) في المتن ما نصه : «قال كاتبه أبو الفيض والاسعاد : وحد بناء ابن الزبير الآن كما أخبرني الثقة هو الأشجار الستة في صحن المسجد ، يعلق عليها القناديل ـ والله أعلم».

(٦) أخبار مكة ١ / ١٥١.

(٧) المسبحي / عز الملك الملقب بالمختار محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي الأمير. كان رافضيا منجما رديء الاعتقاد. له كتاب في أخبار مصر ، وتوفي سنة ٤٢٠ ه‍. انظر : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٤ / ٣٧٧ ـ ٣٨٠ ، الصفدي ـ الوافي ٤ / ٧ ، ابن العماد ـ شذرات الذهب ٣ / ٢١٦ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦١ ـ ٣٦٢.

٢٢

جعل على الكعبة وأساطينها صفائح الذهب ، وجعل مفتاحها (١) من الذهب)».

وكان يجمرها كل يوم برطل من العود الهندي ، وفي يوم الجمعة برطلين ـ كذا عن الفاكهي (٢) ـ /.

فائدة :

اختلف أهل العلم ، هل رفع ابن الزبير الحجر الأسود عن محله لما هدم الكعبة؟!.

قال الشيخ محمد حجازي الشعراوي (٣) نقلا عن مشايخه ، مثل الشيخ علي المقدسي (٤) وآخرين : «أنه لم يرفعه ، وقال : ما كنت لأرفع حجرا وضعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

ووافقه على ذلك مفتي السادة الحنفية بمصر الشيخ عبد الله النحراوي.

والذي في الأزرقي (٥) ، وغيره من التواريخ (٦) ، وفي شرح السيرة

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «مفاتيحها».

(٢) لم أجد ذلك في القسم المطبوع من كتابه أخبار مكة.

(٣) الشيخ محمد حجازي الشعراوي : لعله محمد حجازي بن محمد بن عبد الله ، الواعظ الفقيه المصري ، أصله من قلقشنده ، ونشأ وتوفي بالقاهرة. وكانت وفاته سنة ١٠٣٥ ه‍. من مصنفاته : شرح الجامع الصغير للسيوطي ، وسواء الصراط في أشراط الساعة وغيرهما. الزركلي ـ الاعلام ٦ / ٧٩ ،

(٤) الشيخ علي المقدسي : هو علي بن محمد بن علي بن غانم المقدسي الحنفي. ولد ونشأ في القاهرة. ومات فيها سنة ١٠٠٤ ه‍. انظر : البدر الطالع للشوكاني ١ / ٤٩١ ، الزركلي ـ الاعلام ٥ / ١٢.

(٥) أخبار مكة ١ / ١٤٣ ، ١٥٣.

(٦) مثل تاريخ ابن جرير الطبري ٦ / ٥٢٠.

٢٣

للسهيلي (١) وغيره (من كتب السيرة) (٢) : أنه رفعه من محله ووضعه في صندوق ، وجعله في دار الندوة. ولما ارتفع البنيان (٣) أمر بوضعه ، فنقر حجرين من المدماك ، الذي فوقه والذي تحته بقدر (٤) الحجر الأسود ، وطابق (٥) بينهما.

قال شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن علان (٦) : «ولم نر لما هدم محل الحجر هذا التطبيق ، ولعله أزيل لما أخرجه القرمطي (٧) ، فأعيد على الوجه الذي رأيناه تحته حجر وفوقه حجر» ـ انتهى كلامه مع اختصار.

فائدة :

اختلف فيمن وضع الحجر الأسود في محله في بناء ابن الزبير على القول برفعه. فقيل : «هو بيده» ـ ذكره الأزرقي (٨). وقيل : («ابنه عباد» ـ وهذا خبر رواه الأزرقي (٩)) (١٠) ، وقيل : «ان عبد الله بن

__________________

(١) الروض الأنف (طبع باكستان) ١ / ١٣٢.

(٢) ما بين قوسين سقط من (ب).

(٣) في (ج) «البناء».

(٤) في (د) «بمقدار».

(٥) بالأصل وطوبق والتصويب لإتساق المعنى نحويا.

(٦) محمد بن علان الصديقي البكري الشافعي. توفي سنة ١٠٥٧ ه‍. مكي ، محدث ، ومفسر ، من تصانيفه : الطيف الطائف بتاريخ وج الطائف ، وله ثلاثة تواريخ في بناء الكعبة ، وغيرها. أنظر : المحبي ـ خلاصة الأثر ٤ / ١٨٤ ـ ١٨٩ ، كحالة ـ معجم المؤلفين ١١ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٧) في (ب) «القرطبي». وذلك سنة ٣١٧ ه‍.

(٨) أخبار مكة ١ / ١٤٤.

(٩) أخبار مكة ١ / ١٤٤.

(١٠) ما بين قوسين سقط من (ج).

٢٤

الزبير أمر عبادا ، وجبير بن شيبة ، أن يضعا الحجر في ثوب ويخرجا به (١) ، وهو يصلي بالناس فيضعاه في محله ، ففعلا ذلك خوف التشاجر ، ووضعه في محله عباد بن عبد الله بن الزبير ، وأعانه جبير». وقيل : «حمزة بن عبد الله بن الزبير بأمر أبيه» ـ قال السهيلي (٢). وقيل : «الحجبة ومعهم حمزة».

فتحصل في واضعه في محله أربعة أقوال ـ كذا قاله الفاسي (٣).

وفرغ من عمارتها السابع والعشرين من رجب من السنة المذكورة (٤).

وخرج ليلة السابع والعشرين إلى التنعيم ، ومعه أهل مكة بعد أن قال : «من كانت لي عليه طاعة ، فليعتمر من التنعيم شكرا لله سبحانه وتعالى ، ومن قدر أن ينحر بدنة فليفعل ، ومن لم يقدر على بدنة فشاة ، ومن لم يقدر فليتصدق بقدر طوله (٥)».

ثم خرج ماشيا حافيا ، ومعه رجال من قريش مشاة حفاة ، فأحرم (من التنعيم) (٦) من أكمة أمام مسجد عائشة رضي‌الله‌عنها ، وعاد محرما. وجعل طريقه على ثنية الحجون ، فدخل من أعلى مكة.

وطاف بالبيت ، واستلم الأركان الأربعة ، وقال : «إنما ترك استلام الركنين ـ يعني الغربي والشامي ـ لأن البيت لم يكن تاما على

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «ويخرجاه».

(٢) الروض الأنف (طبع باكستان) ١ / ١٣٢.

(٣) في كتابه : شفاء الغرام ١ / ١٦٠.

(٤) أي سنة ٦٤ ه‍ أو ٦٥ ه‍. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٥٩ ، ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٤ / ٢٠٧.

(٥) أي بقدر وسعه وطاقته.

(٦) سقطت من (ب).

٢٥

قواعد إبراهيم عليه‌السلام».

ونحر في تلك / العمرة مائة بدنة ، ولم يبق من أشراف مكة وذوي الاستطالة إلا أهدى هديا.

وصارت هذه العمرة كالسنّة عند أهل مكة يواظبون عليها (١).

[خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية ووفاته]

وأما يزيد بن سيدنا معاوية ، فإنه عهد إلى ولده معاوية بن يزيد ، فمات بعد أربعين يوما (٢) ، ولم يباشر شيئا ، وله يقول عبد الله بن همام السلولي (٣) :

تلقّفها يزيد عن أبيه

فخذها يا معاوي عن يزيدا

فإن دنياكم بكم اطمأنت

فأولوا أهلها خلقا سديدا

قال صاحب الوقائع (٤) :

«وفي سنة أربع وستين ، اجتمع بعرفة ما لم يقع قبل ذلك ، كان بمكة محمد بن الحنفية ، وعبد الله بن الزبير الخليفة بمكة ، وحج

__________________

(١) انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٤٥.

(٢) انظر : ابن قتيبة ـ المعارف ١٥٤ ، ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٢٥٥ ، القضاعي ـ تاريخ ٣٣٤.

(٣) عبد الله بن همام السلولي من بني مرة من قيس عيلان ، وكان ممن حرض يزيد على البيعة لابنه معاوية. انظر : ابن قتيبة ـ الشعر والشعراء ٢ / ٦٥١ ـ ٦٥٢ ، ابن سلام الجمحي ـ طبقات فحول الشعراء ٢ / ٦٢٥ ـ ٦٣٧.

(٤) الوقائع الحكمية للسيد البهنسي. وورد الخبر كما هو سنة ٦٦ ه‍ في الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢١٥ ، وانظر : الجزيري ـ درر الفرائد ص ١٩٨. في حين ذكر ابن جرير الطبري : «حج بالناس هذه السنة عبد الله بن الزبير» ـ تاريخ ٦ / ٥٢١ ، ٦٤٨.

٢٦

بالناس من عمال بني أمية أمير بلواء وعسكر ، وحج في هذا العام شخص من الخوارج يسمى ابن عامر (١) ، فكان بمكة (٢) أربعة ألوية : لواء ابن الزبير بأهل مكة ، ولواء ابن الحنفية ومن انضم (٣) اليه من شيعته ، ولواء ابن عامر ومن انضم (٤) إليه من الخوارج ، ولواء أهل الشام مع عامل (٥) بني أمية» ـ انتهى.

[تغلب مروان بن الحكم]

فتغلب مروان بن الحكم ، بعد موت يزيد بن معاوية على الشام ومصر وما والاهما ، إلى أن توفي سنة خمس وستين (٦).

[تغلب عبد الملك بن مروان ومقتل ابن الزبير رضي‌الله‌عنه]

وعهد إلى ابنه عبد الملك بن مروان ، فولى الحجاج بن يوسف مكة ، وجهزه لقتال ابن الزبير ، وأمره أن يعيد الكعبة على ما كانت عليه زمن [قريش](٧) ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فخرج من الشام في جمادى الأولى (٨) ، ونزل الطائف ، فكان الحرب بينهم في عرفة لكونه في الحلّ. فبعث إليه ابن الزبير بعثا من

__________________

(١) ابن عامر : يقصد به نجدة بن عامر زعيم خارجي. انظر : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ص ٢٦٣.

(٢) في (د) «بعرفة».

(٣) في (ب) ، (د) «التئم».

(٤) في (ب) ، (د) «التئم».

(٥) في (د) «عمال».

(٦) انظر : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ص ٢٦١ ، ٢٦٢.

(٧) من (ج).

(٨) سنة ٧٢ ه‍. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٦١.

٢٧

مكة ، فانهزمت خيل ابن الزبير. فأقاموا على ذلك مدة.

ثم بعث الحجاج يستأذن عبد الملك في دخول الحرم. فلما أذن له عبد الملك [في دخول الحرم](١) ، عزم فدخل مكة ، وشرع في محاصرته في أول ذي الحجة الحرام سنة اثنتين وسبعين.

وحج بالناس تلك السنة ، ووقف بعرفة وعليه درع ومغفر ، وتقدم بالناس ولم يطف. ونصب المنجنيق على أبي قبيس ، ورمى به على الكعبة ، ورمى أصحاب ابن الزبير بالنار ، حتى احترقت أستار الكعبة. فجاءت سحابة ، فأمطرت ولم تتجاوز الطواف ، وأطفأت تلك النار.

وأرسل الله صاعقة على (٢) المنجنيق. قال عكرمة (٣) : «وأحسب أنها أحرقت (تحت المنجنيق) (٤) أربعة رجال». فلم يعتبر الحجاج بل قال لأصحابه : «لا يهولنكم ذلك ، فإنها أرض صواعق». فأرسل الله تعالى عليهم صاعقة أخرى أحرقت المنجنيق ، ومعه أربعين رجلا.

قال في الوقائع (٥) :

«كان بمكة ابن عمر رضي‌الله‌عنهما ، فبعث إلى الحجاج ، وقال له : اتق الله ، واكفف هذه الحجارة عن الناس ، فإنك في شهر حرام في بلاد حرام ، وقد آذيت المحرمين والوافدين (٦). فكفّ الرمي.

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (د). وانظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٦١ ـ ٦٢.

(٢) في (د) «فأحرقت».

(٣) عكرمة مولى ابن عباس.

(٤) ما بين قوسين في (د) «تحته».

(٥) الوقائع الحكيمة في الوقائع المكية. وانظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٦) في (د) «والوالدين». وهو خطأ.

٢٨

فلما انقضت أيام الطواف ، نادى منادي الحجاج في الناس بالانصراف إلى بلدانكم ، فإنا معاودون (١) الحرب».

قيل : ولم يحج عبد الله بن الزبير في هذه السنة.

واستمر الحرب إلى سنة ثلاث وسبعين ، وكثر الغلاء ، وعدمت الأشياء ، ووقعت شدة عظيمة ، بحيث إن عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما ذبح فرسه ، وقسمها على من معه من الجماعة ، بعد أن فرّ غالبهم من الجوع. وبيع المدّ الذرة بعشرين درهما ، والدجاجة بعشرة دراهم (٢).

وكان الحجاج يركب فرسه ، وعليه سلاحه ، يحث العسكر على القتال بين الصفا والمروة. وكلّ من أقبل فارّا ، حمل عليه بالسيف ، فيرجع خوفا من القتل إلى القتل. وألزم كل طائفة منهم بابا من أبواب المسجد.

ولم يزل حتى قتل عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما ، وصلبه منكسا بالحجون. وبعث برأسه لعبد الملك بن مروان ، فطاف به في مصر وغيرها ، وذلك يوم الثلاثاء لتسع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة (٣) ، وعمره رضي‌الله‌عنه ثلاث وسبعون سنة. وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي وكان شريفا في قومه. وقتل معه أيضا عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي (٤) ،

__________________

(١) في (د) «معاودين».

(٢) وحول غلاء الأسعار في مكة ، انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٢٦.

(٣) ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٧٤.

(٤) انظر : الاصابة في تمييز الصحابة ٢ / ٣٧١ ، ٤٢٢.

٢٩

وعبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي (١) ممن أسلم يوم الحديبية (٢).

وقال العلامة الفاسي (٣) :

«وكان في اليوم الذي قتل فيه رضي‌الله‌عنه ، حمل على أهل الشام ، حين دخلوا المسجد حتى أبلغهم الحجون ، ولم يقدروا عليه ، حتى أدهش بآجّرة (٤) رمي بها في وجهه فأدما. فعند ذلك تعاونوا عليه ، وقتلوه رضي‌الله‌عنه. وخانه أصحابه ومالوا إلى الحجاج ، وأخذوا لأنفسهم الأمان ، وكان ممن فعل ذلك ابناه حمزة وخبيب».

وكان الحجاج قد كتب إلى عبد الملك يستمده كما تقدم ، فأرسل إليه طارقا مولى عثمان (٥) ، فقدم في ذي الحجة ومعه خمسة الآف. وكان مع الحجاج ألفان ، وقيل ثلاثة الآف (٦) /.

[إعادة الكعبة إلى ما كانت عليه قبل بناء ابن الزبير]

ولما تم للحجاج مراده ، (هدم الجانب الشامي ، وأخرج) (٧) من الكعبة قدر ستة أذرع ، وبنى الجدار على أساس قريش ، ورفع الباب.

__________________

(١) انظر : الاصابة ٢ / ٤١٠ ، الاستيعاب ٢ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥.

(٢) انظر ما نقله السنجاري في مرآة الجنان وعبرة اليقظان لليافعي ١ / ١٨٢.

(٣) في شفاء الغرام ٢ / ٢٦٥. والخبر كله عند ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٧٨ ـ ٧٩.

(٤) في (ج) «بآجروة». كما عند ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٧٩ ، والفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٦٥.

(٥) طارق بن عمرو مولى عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٦٢ ، ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٤ / ١٤٨. ولي المدينة لعبد الملك خمسة أشهر ـ ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٨٠.

(٦) النسخة (أ) هنا بخط الحضراوي.

(٧) ما بين قوسين بياض في (د).

٣٠

وسد الباب الغربي ، وكبس أرضها بالحجارة التي بقيت (١).

واستمر إلى سنة خمس وسبعين (٢).

فائدة :

قال ابن زياد النووي في كتابه : «تحذير الإسلام عن تغيير بناء البيت الحرام» ، نقلا عن فتاوى الطنبداوي الصديقي عن النووي ، قال في شرح مسلم (٣) :

«قال العلماء ، ولا يغير هذا البناء» ـ قال الطنبداوي : «قوله : قال (٤) العلماء لا يغير ـ صريح في منع الزيادة في السمك والطول والعرض» ـ انتهى.

قلت : والأمر كذلك.

فائدة [في إطافة الناس حول الكعبة للصلاة]

رأيت في بعض الأوليات (٥) : أن الحجاج أول من أطاف الناس حول الكعبة للصلاة ، وكانوا يصلون صفوفا. قال طاووس (٦) : «كأنا (٧) كنّا عن هذا عميا (٨)» ـ انتهى ـ.

__________________

(١) في (ب) ، (د) «فضلت».

(٢) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٤٥ ، اليافعي ـ مرآة الجنان ١ / ١٨٢.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨ / ٢٥٢.

(٤) في (ج) ، (د) «نقلا عن».

(٥) الأوليات كثيرة ، منها للعسكري ، والطبراني ، والسيوطي.

(٦) طاووس بن كيسان أبو عبد الرحمن الفارسي اليمني الفقيه العالم. توفي سنة ١٠٦ ه‍. انظر عنه : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٨ ـ ٤٩.

(٧) سقطت من (د).

(٨) في (ج) «عمياء».

٣١

قلت : قول طاووس هذا من باب الإيهام ، لا يدرك (١) أمدح هو أم ذم.

قلت (٢) : وفي منسك العلامة الحسن بن محمد بن عبسون السنجاري الحنفي : أن أول من أدار الصفوف حول الكعبة خالد بن عبد الله القسري ، لما وليها لعبد الملك ، لما ضاق المسجد بالمصلين ، فقيل له : انقطعت الصلاة (٣) الغير مكتوبة. قال (٤) : نأمرهم أن يطوفوا بين كل ترويحتين سبعا. فقيل له : قد يكون في جانب المسجد من لا يعلم بانقضاء طوف الطائفين فيتهيأ للصلاة. فأمر عبيد الكعبة أن يكبروا حول الكعبة [يقولوا](٥) : الحمد لله ، والله أكبر. فإذا بلغوا (٦) الركن الأسود في الطواف السادس ، سكتوا بين الركنين حتى يتهيأ الناس للصلاة. فإذا انتهى السبع قام مسمع فنادى : الصلاة ، يرحمكم الله» ـ انتهى ملخصا (٧).

وهذا يقتضي أن خالد بن عبد الله القسري إنما فعل ذلك في شهر رمضان في صلاة التراويح ، وهذا لا ينافي ما تقدم / عن الحجاج. ويؤيد هذا ما قاله شيخ مشايخنا عبد الرؤوف المكي (٨) في كتابه : «

__________________

(١) في (ج) «يدري».

(٢) في (ب) «قال». وفي (د) «ورأيت».

(٣) في (د) «اتقطع الصلاة».

(٤) في النسخ «فإن» باستثناء (د).

(٥) رغم اضطراب نسخة (د) في هذا الخبر فإن فيها ما يفيد ، وهذه إضافة منها أي من (د).

(٦) في النسخ «بلغ». والاثبات من (د) فقط.

(٧) وتلخيصه مضطرب كما لاحظنا.

(٨) عبد الرؤوف المكي. الواعظ المكي.

٣٢

شرح مختصر الإيضاح» ، ونص ما ذكره :

«ويصح بل يندب استدارة المأمومين حول الكعبة ، لأن خالد بن عبد الله القسري والي مكة في خلافة عبد الملك فعل ذلك ، ولم ينكر عليه مع حضور العلماء كعطاء وعمرو بن دينار (١) ونظرائهما».

ونقل عن الزركشي (٢) : أن أول من فعله عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما.

ويمكن الجمع بين الكلامين بأن ابن الزبير فعله أولا ، ثم خالد بعد قتله.

والحاصل أنه أجمع عليه. وسبب فعله إما ضيق ما وراء الإمام (٣) ، أو حيازة فضيلة التوجه للجمع (٤) بلا حائل ، ويجوز التقدم على الإمام في غير جهته ، لكن يكره خروجا من خلاف من أبطلها ، لما جزم به في شرح المنهاج». انتهى.

فتحصل لنا في أنّ أول من فعل ذلك أقوال : الحجاج ، وخالد ، وابن الزبير ، والله أعلم.

__________________

(١) ذكر الحضراوي ناسخ هذه الصفحات في (أ) «بياض في الأصل». وعطاء بن يسار ـ المحدث الثقة. توفي سنة ١٠٣ ه‍. انظر : الذهبي ـ سير ٤ / ٤٤٨. وعمرو بن دينار أبو محمد الجمحي مولاهم ، شيخ الحرم في زمانه ومفتي مكة. انظر : الذهبي ـ سير ٤ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

(٢) محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي الشافعي. توفي سنة ٧٩٤ ه‍. ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ٦ / ٣٣٥.

(٣) في (د) «مكة».

(٤) في (د) «للجميع».

٣٣

لطيفة [في سبب ولاية الحجاج للعراق]

قال ابن نباتة (١) في شرح رسالة ابن زيدون الهزلية :

«القول الثاني في سبب ولاية الحجاج للعراق (٢) : أنه وفد على عبد الملك بن مروان ، يعني بعد فراغه من قتال ابن الزبير ، ومعه إبراهيم ابن طلحة بن عبد الله التيمي (٣) ، وكان من رجال قريش علما وعملا وزهدا ، وكان الحجاج مسخرا له ، لا يترك له من إجلاله شيئا.

فلما قدم على عبد الملك ، أذن للحجاج ، فلما دخل وسلم لم يبدأه بشيء إلا أن قال : يا أمير المؤمنين ، قدمت عليك برجل من أهل الحجاز ، ليس له نظير في كمال المروءة والديانة وحسن المذهب والطاعة ، مع القرابة ووجوب الحق.

قال : من هو؟!. قال : إبراهيم بن طلحة التيمي ، فليفعل به أمير المؤمنين ما يفعله بأمثاله.

فقال عبد الملك : لقد أذكرتنا واجبا ، ورحما قريبة.

ثم أذن له. فلما دخل قربه وأدناه وقال له : إن أبا محمد ذكّرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل وحسن المذهب ، فلا تدع شيئا من حوائجك إلا ذكرته.

فقال إبراهيم : إن أولى الأمور أن تفتح به الحوائج ما كان لله فيه

__________________

(١) ابن نباتة : محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري ، شاعر عصره. توفي سنة ٧٦٨ ه‍. الدرر الكامنة ٤ / ٢١٦ ، الزركلي ـ الاعلام ٧ / ٣٨. وانظر : سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ....

(٢) في النسخة (د) اضطراب كبير في هذا الخبر وتصحيف وسقط. آثرت عدم الإشارة لكثرته.

(٣) في الأصول «التميمي». وهو خطأ ، فهو من «تيم قريش».

٣٤

رضى ، ولحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه أداء ، ولجماعة المسلمين نصيحة.

قال عبد الملك : وما هو؟!.

قال : لا يمكن القول إلا وأنا خال ، فاخلني.

قال : أو دون أبي محمد؟!.

قال : نعم.

فأشار عبد الملك إلى الحجاج ، وإلى من كان حاضرا. فخرج.

وقال : قل.

قال : يا أمير المؤمنين ، إنك عهدت إلى الحجاج مع تغطرسه وتعجرفه ، وبعده عن الحق ، وركونه إلى الباطل ، فوليته الحرمين ، وبهما من أولاد المهاجرين والأنصار من قد علمت ، يسومهم الخسف ، ويقودهم بالحتف ، ويطأهم بطغام أهل الشام ، ورعاع لا روية لهم في إقامة حق ، ولا في إزاحة (١) باطل ، ثم تظن أن ذلك ينجيك من عذاب الله؟!. فكيف بك إذا جاءك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم غدا للخصومة بين يدي الله تعالى؟!. أما والله إنك لن تنجو هنالك إلا بحجة تضمن لك النجاة ، فابق لنفسك أو دع!!.

وكان عبد الملك متكئا ، فاستوى جالسا ، وقال : كذبت ، ومننت فيما جئت به. ولقد ظن بك الحجاج ظنا لم نجده (٢) فيك ، فأنت المائن الحاسد!!.

قال : فقمت والله ما أبصر شيئا. فلما جاوزت الستر لحقني

__________________

(١) في (د) «إزالة».

(٢) في (ب) «يجده».

٣٥

لاحق ، فقال للحاجب : امنع هذا من الخروج ، وأذن لأبي محمد (١). فدخل ، فلبث مليا ، ولا أشك أنهما في أمري ، ثم خرج الإذن لي ، فدخلت. فلما كشف الستر ، فإذا أنا بالحجاج خارج ، فاعتنقني وقبل ما بين عينيّ ، وأثنى عليّ وقال : إذا جزى الله المتواخيين بفضل تواصلهما ، فجزاك الله أفضل الجزاء. أما والله ، لئن بقيت لأرفعنّك ، وأرفعنّ ناظريك ، ولأتبعنّ الرجال غبار قدميك.

قال : فقلت في نفسي : إنه ليسخر بي.

فلما وصلت إلى عبد الملك ، أدنى مجلسي كما فعل في الأولى. ثم قال : يا أبا طلحة ، هل أعلمت الحجاج بما جرى؟ أو شارك أحد في نصحك ،.

فقلت : لا والله ، ولا أعلم أحدا أظهر يدا عندي من الحجاج ، ولو كنت محابيا (٢) أحدا بديني لكان هو. ولكني آثرت الله عزوجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين.

فقال : قد علمت صدق مقالتك ، ولو آثرت الدنيا لكان لك في الحجاج أمل. وقد عزلته عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما. وإني أخبرته أنك أنت الذي استترلتني له عنهما استصغارا للولاية ، ووليته / العراق ، لما هنالك من الأمور التي لا يدحضها إلّا أمثاله ، وإنما قلت له ذلك ليؤدي ما يلزمه من ذمامك ، فاخرج معه ، فإنك غير ذامّ لصحبته (مع يدك عنده) (٣)» ـ انتهى.

__________________

(١) أي الحجاج بن يوسف الثقفي ، كما في (أ) بخط الحضراوي. والاثبات من (ب) ، (د).

(٢) في (ب) «حاييت». وبياض في (د).

(٣) ما بين قوسين سقط من (ب).

٣٦

وهكذا فلتكن الملوك مع العلماء!!.

[ولاة مكة لعبد الملك بعد الحجاج]

ثم ولي مكة بعد الحجاج لعبد الملك جماعة :

ابنه مسلمة بن (عبد الملك (١) ، ثم عزله.

وولىّ الحارث بن خالد بن العاص المخزومي ، ونقلت من العقد الثمين (٢) : «أن) (٣) الحارث بن خالد ، وفد على عبد الملك بن مروان ، فلم يصله ، فرجع من (٤) عنده ، وأنشأ يقول (٥) :

صحبتك إذ عيني عليها غشاوة (٦)

فلما انجلت قطعت نفسي ألومها

حبست عليك النفس حتى كأنها (٧)

بكفيك يجري بؤسها ونعيمها

فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان ، فأرسل في طلبه. فلما وقف بين يديه قال له : لقد (علمت ورأيت) (٨) عليك غضاضة في وقوفك

__________________

(١) الفاسي ـ العقد الثمين ٧ / ١٩٤ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١١٨ ، ابن قتيبة ـ الإمامة والسياسة ـ منسوب ـ ٢ / ٥١.

(٢) الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ٨.

(٣) ما بين قوسين سقط من (د).

(٤) سقطت من (ب).

(٥) وانظر الأبيات : الأصفهاني ـ الأغاني ٣ / ٣١٧. والديوان المجموع للحارث ابن خالد.

(٦) الشطر في (د): «صحبتك إذ كانت بعيني غشاوة».

(٧) الشطر في (ب) ، وفي هامش (ج): «حبست عليك علا لنفسي حتى كأنها».

(٨) ما بين قوسين في (ب) «رأيت».

٣٧

ببابي؟!.

قال : لا ، ولكن اشتقت إلى أهلي ، ووجدت فضل قول فقلته ، وعليّ دين لزمني.

فقال له عبد الملك : كم هو دينك (١)؟!. قال : ثلاثون ألفا.

قال : قضاء دينك أحبّ إليك ، أم ولاية مكة؟!.

قال : بل ولاية مكة. فولاه إياها».

وحكي (٢) أنه حجت عائشة بنت طلحة (٣) في زمن الحارث بن خالد هذا ، وكان يهواها. فأرسلت إليه : أن أخّر الصلاة حتى أفرغ من الطواف. فأخّرها حتى ضجّ الناس ، فما قام إلى الصلاة حتى فرغت. فقام فصلّى بالناس. فأنكر أهل الموسم ذلك من فعله.

وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان ، (فغضب عليه ، فقال : ما أهون غضب ابن مروان عليّ) (٤) إذ رضيت عائشة ، والله لو لم تفرغ إلى الليل لأخّرت الصلاة إلى أن تفرغ.

فلما أن قضت حجها ، بعث إليها : يا ابنة عمي ، ألمّي بنا ، أو عدينا مجلسا نتحدث فيه. فبعثت إليه : غدا إن شاء الله تعالى. ثم رحلت من ليلتها.

ولما تزوجها مصعب بن الزبير (٥) ، قال الحارث لما رحل بها :

__________________

(١) سقطت من (ج) ، (د).

(٢) انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ٩.

(٣) عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية ـ توفيت بالمدينة حوالي سنة ١١٠ ه‍. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٤) ما بين قوسين سقط من (د).

(٥) مصعب بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي ـ أمير العراقين. الفاسي. انظر : سير أعلام النبلاء ٤ / ١٤٠ ـ ١٤٥.

٣٨

ظعن الأمير بأجمل الخلق

وغدا بليل مطلع الشرق /

في البيت ذو الحسب الرفيع ومن

أهل التقى والبرّ والصدق

فظللت كالمجنون ليلته

هذا الجنون وليس بالعشق

أترجّة علق العبير (١) بها

علق الدهان بباطن الحقّ

وفي اتحاف الكرام (٢) للفاسي : ما يقتضي أن ولاية الحارث قبل مسلمة. فإنه نقل عن ابن قتيبة (٣) أن مسلمة بن عبد الملك كان واليا على مكة ، فبينما هو يخطب على المنبر ، إذ أقبل خالد بن عبد الله القسري واليا على مكة ، فدخل المسجد.

فلما قضى مسلمة الخطبة صعد خالد المنبر. فلما ارتقى في الثالثة تحت مسلمة أخرج طومارا ففضه ، ثم قرأه على الناس وفيه :

«بسم الله الرحمن الرحيم : من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى أهل مكة ، أما بعد : فإني وليت عليكم خالد بن عبد الله القسري ، فاسمعوا وأطيعوا ، ولا يجعلن امرؤ على نفسه سبيلا ، فإنما هو القتل لا غيره ، وقد برئت الذمة من رجل آوى سعيد بن جبير (٤). [والسلام».

ثم ذكر المصنف تحريضه على ابن جبير](٥) ، [فأتي به إلى خالد

__________________

(١) في (د) «العز». والأترجّة : فاكهة معروفة شبه بها الشاعر عائشة. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٢١٨.

(٢) ذكر الدهلوي ناسخ (ج) «لعله تحفة الكرام». وانظر : شفاء الغرام ٢ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩.

(٣) أبو محمد عبد الله بن مسلم. والامامة والسياسة منسوب إليه. وانظر الخبر في : الامامة والسياسة ٢ / ٤٢ ـ ٤٣.

(٤) سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي ـ المقريء المفسر ، قتله الحجاج بواسط سنة ٩٥ ه‍. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٢١ ـ ٣٤٢.

(٥) ما بين حاصرتين زيادة من النسخة (د).

٣٩

](١) ، وشدّه وثاقا ، وبعث به إلى الحجاج ، وأنه قيل له في ذلك ، فقال :

«لو كنت أعلم إن نقضت البيت حجرا حجرا يرضي عبد الملك ابن مروان لفعلته».

وأنت ترى أن عزل مسلمة إنما كان بخالد القسري لا بالحارث ابن خالد بن العاص ـ فتأمل.

فولي مكة خالد بن عبد الله هذا : وهو ابن عبد الله بن يزيد بن أسد ابن كرز (٢) البجلي القسري ، نسبة إلى قسر بن عبقر ـ بطن من بجيلة ـ ، وكانت سنة تسع وثمانين (٣) من الهجرة.

وكان من الخطباء المشهورين بالفصاحة والبلاغة. وكانت أمه نصرانية ، ولجده يزيد صحبة (٤) مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكان جوادا كثير العطاء :

يحكى أنه دخل عليه شاعر يوم جلوسه للشعراء ، فلما رأى اتساع الشعراء في مدحه له ، استصغر نفسه واستقلّ ما قاله ، فلم يتكلم. فلما انتهى المجلس قال [له](٥) خالد : «ما حاجتك يا هذا؟!». قال : «

__________________

(١) ما بين حاصرتين من الإمامة والسياسة ٢ / ٤٢.

(٢) في (د) «كوز». وأنظر ترجمة خالد كاملة عند الذهبي ـ سير ٤ / ٤٢٥ ـ ٤٣٢ ، ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٢ / ٢٢٦ ـ ٢٣١.

(٣) وهذا في خلافة الوليد ، فينقض ما قاله الفاسي عن الإمامة والسياسة. انظر : خليفة بن خياط ـ تاريخ خليفة ٣٠٢ ، الذهبي ـ سير ٥ / ٤٢٦ ، الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ٧٦ ، المنتقى في أخبار مكة ص ٣٦.

(٤) الذهبي ـ سير ٥ / ٤٢٥.

(٥) زيادة من (د).

٤٠