منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٤٨٠

خيمة بين الجبلين ، وفرق عسكره لمنع الأعراب ، إلى أن صعد الناس عرفة.

وفي آخر النهار ، دخل الحاج العراقي ومعه خلق كثير ، وعسكر عظيم بالأعلام الخراسانية ، ولم ير للعراق حج أعظم من ذلك فيما أخبر به كبار مكة.

وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذي الحجة من هذه السنة وقعت جفلة بين أهل مكة والأتراك (١) ، وقتل فيها جماعة ، وانتهب كثير من التجار.

وفيها (٢) كان يخطب للخليفة العباسي (٣) ثم مكثر صاحب مكة ثم لصلاح الدين يوسف (٤) بن أيوب صاحب مصر».

[ولاية الملك العزيز سيف الدين طغتكين بن أيوب]

قال : وممّن ولي مكة الملك العزيز سيف الدين طغتكين بن أيوب (٥) (صاحب اليمن) (٦) أخو السلطان صلاح الدين يوسف بن

__________________

(١) ويقصد بهم الأتراك العراقيين. انظر : الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٥ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٥١.

(٢) أي سنة ٥٧٩ ه‍. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٦٩ ، العقد الثمين ٧ / ٢٧٧ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٥ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٥١ ، ابن جبير ـ الرحلة ٧٣.

(٣) الخليفة العباسي الناصر لدين الله.

(٤) سقطت من (ب) ، (د).

(٥) طغتكين بن أيوب : أخو صلاح الدين ـ سيف الإسلام ـ ولي اليمن لصلاح الدين سنة ٥٧٩ ه‍ الة وفاته سنة ٥٩٣ ه‍. قتله أمراؤه الأكراد. انظر : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٢ / ٥٢٣ ، ابن تغري بردي ـ النجوم الزاهرة ٦ / ١٤١ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٣ / ١٥ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٢١ / ٣٣٣ ، ابن الديبع ـ بغية المستفيد ٧٤ ـ ٧٥. وسيف الإسلام طغتكين ، حارب الزيدية في اليمن ونصر أهل السنة وأنشأ بزبيد مدرسة لأهل السنة. ولما توفي سنة ٥٩٣ ه‍ ، وخلفه ابنه المعز الذي ادعى أنه أموي ورام الخلافة وتلقب بالهادي فقتله أمراؤه الأكراد وملكوا أخاه الناصر أيوب بن طغتكين سنة ٥٩٨ ه‍. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٢١ / ٣٣٣ ، ابن الديبع ـ بغية المستفيد ٧٦.

(٦) ما بين قوسين سقط من (د).

٢٦١

أيوب صاحب مصر (١). وذلك سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لأنه قدم في هذه السنة. ومنع الأذان بحي على خير العمل (٢). وقتل جماعة من العبيد المفسدين ، وهرب منه أمير مكة مكثر أو أخوه داود إلى [القلعة ـ أي](٣) قلعته بأبي قبيس. وضرب الدنانير والدراهم بمكة (٤) باسم السلطان صلاح الدين صاحب مصر) (٥).

وفي رحلة ابن جبير (٦) : «أنه رأى بالمسجد الحرام طاشتكين ومكثر إلى جانبه» ـ إلى آخر ما ذكره. وفيه نفي الشك السابق.

وقال صاحب الوقائع (٧) : «أن مكثرا أخذ معه مفتاح الكعبة لما صعد قلعته بأبي قبيس ، فأرسل طغتكين (٨) إلى شيخ السدنة ، وقال له :

خذ المفتاح وهاته ، وإلا أخذناه منك ، فإن الله أمرنا بأمور فتركناها (٩) ، ونهانا عن أمور فارتكبناها ، وان كان المفتاح لكم نأخذه

__________________

(١) سقطت من (ب).

(٢) انظر : أبو شامة ـ الروضتين ٢ / ٧٤ ، اتحاف الورى ٢ / ٥٥٣.

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من (ج).

(٤) سقطت من (ج) ، (د).

(٥) كل ما بين قوسين سقط من (د).

(٦) الرحلة ص ١١٠ ، ١١٩. وكانت رحلة سنة ٥٧٩ ه‍.

(٧) وانظر : اتحاف الورى ٢ / ٥٥٣ ـ ٥٥٤ ، غاية المرام ١ / ٥٤٩.

(٨) في (ب) «طاتكين».

(٩) سقطت من (ب) ، (د).

٢٦٢

منكم ، ونستغفر الله تعالى. فبعث إليه شيخ السدنة بالمفتاح».

وفي أيام مكثر أو أخيه (١) سنة خمسمائة وخمس وسبعين ولي الخلافة الناصر العباسي بعد موت أبيه (٢).

قال القطب (٣) : «وطالت مدة الناصر ، وكان له إحسان إلى أهل الحرمين ، وكانت الكعبة تكسى بالديباج الأبيض في زمن المأمون إلى أيام الناصر هذا ، فكساها الديباج الأخضر ، ثم كساها الأسود. واستمر ذلك / إلى وقتنا هذا.

وفي سنة خمسمائة وتسع وسبعين أعيدت الخطبة للعباسيين بالحرمين (٤) وقطعت خطبة العبيديين.

قال العلامة الشيخ أبو بكر بن ظهيرة (٥) في كتابه شفاء الغليل : «وفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة مات في جوف الكعبة من الزحام أربعة وثمانون (٦) نفرا».

__________________

(١) في (د) «وأخيه».

(٢) انظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٩ / ١٤٨.

(٣) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٩٩ ، العقد الثمين ١ / ٥٨.

(٤) هذا وهم من السنجاري. فخطبة العبيديين قطعت قبل هذا التاريخ. فكان في هذا العام يخطب للناصر العباسي ثم لمكثر ثم للسلطان صلاح الدين. انظر : الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٥ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٦٩ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٥١.

(٥) أبو بكر بن علي بن ظهيرة القرشي المخزومي المكي / فخر الدين. توفي سنة ٨٨٩ ه‍. وكتابه : شفاء الغليل ودواء العليل في حج بيت الرب العظيم الجليل ـ منسك (مخطوط). انظر : محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون بمكة ص ١٦٢.

(٦) في ابن فهد ـ اتحاف الورى «أربعة وثلاثون» ٢ / ٥٥٤. وانظر : الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٥ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٦٩ ، العقد الثمين ١ / ١٨٩.

٢٦٣

وفي سنة خمسمائة وثلاث وثمانين كانت الفتنة يوم عرفة بين العراقيين والشاميين (١). ومنشأوها أن أمير العراق المقام من جانب الخليفة (٢) منع أمير الشام (٣) المقام من جانب السلطان صلاح الدين من (٤) ضرب الكوسات (٥) ، وعن رفع علم السلطان صلاح الدين. فلم يمتنع أمير الشام عن ذلك. ووقع القتال بينهم بسبب ذلك من وقت النفرة ، وضرب أمير الشام بسهم مات منه يوم النحر. ـ ذكره المحب الطبري في تاريخه (٦) ـ.

قال الفاسي (٧) : «وفي سنة خمسمائة وخمس وثمانين : أخذ

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٩ / ١٨٨ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٦ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٧٠ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٥٥.

(٢) وهو مجير الدين طاشتكين. ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٥٥.

(٣) وهو الأمير شمس الدين محمد عبد الملك بن محمد المعروف بابن المقدم ، ممن شهد استعادة فتح بيت المقدس سنة ٥٨٣ ه‍. ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٩ / ١٨٨.

(٤) سقطت من (ب).

(٥) الكوسات : جمع كوسة. وهي صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير ، يدق بأحدهما على الآخر بإيقاع مخصوص. كانت تضرب للكبار في بعض أوقات الصلوات حسب مقامهم. كما كانت تضرب في الحروب تشجيعا للجند ، وظهرت بشكل كبير أثناء حرب المسلمين للافرنج زمن الزنكيين وصلاح الدين. انظر : ابن الجوزي ـ المنتظم ٩ / ٦ ، القلقشندي ـ صبح الأعشى ٤ / ٩ ، ٤٣.

(٦) المحب الطبري ـ محب الدين أحمد بن عبد الله بن محمد. توفي سنة ٦٩٤ ه‍.

(٧) العقد الثمين ٤ / ٣٥٦ ، وفي ابن كثير ـ البداية والنهاية سنة ٥٨٧ ه‍ ١٢ / ٣٤٦. وفي ابن فهد ـ اتحاف الورى سنة ٥٨٦ ه‍ أو التي بعدها ٢ / ٥٥٩. وانظر : الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٦ ، ٢٦٧.

٢٦٤

داود بن عيسى [بن فليتة](١) طوق الحجر الأسود. وكان من فضة وزنه ثلاثة آلاف وسبعة وتسعون درهما ـ على ما قيل» ـ انتهى ـ.

زاد في الوقائع (٢) قال : «فلما قدم الحاج عزل (٣) داود ، وولي مكثر (٤) أخوه. وهرب داود إلى وادي نخلة (٥) ، ومات هناك».

قال (٦) : «وفي سنة خمسمائة واثنتين وتسعين عند خروج الحاج ، وقعت بمكة ريح سوداء وعمّت الدنيا ، ووقع على الناس رمل أحمر ، وسقطت أحجار من الركن اليماني من الكعبة الشريفة» ـ انتهى ـ.

وذكر أبو شامة في ذيل الروضتين (٧) : «في سنة خمسمائة واثنتين وتسعين فيها وقع من الركن اليماني (٨) قطعة ، وتحرك البيت الشريف مرارا ، وهذا شيء لم يعهد».

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ب) ، (د).

(٢) وانظر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٣٧ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ٣٤٦.

(٣) عزله السلطان صلاح الدين على ما ذكره ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ٣٤٦.

(٤) ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٣٧.

(٥) ووادي نخلة المقصود هنا : ما أسماه ياقوت نخلة الشامية : واديان لهذيل على ليلتين من مكة ، يجتمعان ببطن مر وسبوحة على طريق اليمن. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٢٧٧.

(٦) أي في الوقائع. وانظر : أبو شامة ـ الذيل على الروضتين ص ٨. ابن تغري بردي ـ النجوم الزاهرة ٦ / ١٣٩ ، ابن العماد ـ شذرات الذهب ٤ / ٣٠٨ ، السيوطي ـ تاريخ الخلفاء ٤٥٤ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٦٢.

(٧) أبو شامة ـ ذيل الروضتين ص ٨.

(٨) سقطت من (ب).

٢٦٥

[انقراض دولة بني فليتة الهواشم ، وولاية قتادة بن إدريس الحسني ٥٩٨ ـ ٦١٧ ه‍]

وأما ما كان من مكثر بن عيسى ، فإنه في سنة خمسمائة وسبع وتسعين ، أو خمسمائة وثماني وتسعين (١) ، [وقيل خمسمائة وتسع وتسعين](٢) انتزع مكة منه الشريف قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن الحسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد الثائر ـ سمي بذلك لأنه خرج بالمدينة عن طاعة المقتدر ، ويقال له الحرابي لشجاعته ، ويقال لأبنائه السليمانيون ـ ابن موسى الثاني (٣) بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط [بن](٤) ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ـ الحسني (٥) الينبعي.

وبه (٦) انقرضت دولة بني فليتة (٧).

وعبد الله بن موسى الجون المذكور كان له من الولد ثلاثة :

سليمان (٨) ، وزيد ، وأحمد.

__________________

(١) انظر : ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٦٦ ـ ٥٦٧ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٥١ ، الذهبي ـ العبر ٤ / ٣٠١. وجدير بالذكر أن النسخة (أ) تتصف في هذه الصفحات بالطمس والاضطراب كبير.

(٢) ما بين حاصرتين من (د).

(٣) سقطت من (ب).

(٤) من (د).

(٥) في (ب) ، (د) «الحسيني». وهو خطأ.

(٦) أي مكثر بن عيسى بن فليتة.

(٧) أي الهواشم. الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١٤.

(٨) ذكر ناسخ (ج) «ظاهره موسى».

٢٦٦

فأما زيد فذريته بالصفراء (١) وما والاها. وأما أحمد فولده بالدهناء (٢) وما والاها. وأما سليمان (٣) فمن ولده مطاعن جد قتادة المذكور صاحب هذه الترجمة.

فإنه ولد لمطاعن إدريس وثعلب ـ فالثعلبية شعب بالحجاز (٤) ـ.

وكان لإدريس ولدان : قتادة صاحب الترجمة. وصرحة. فأما صرحة فولده بينبع (٥). وأما قتادة هذا فكان يكنى بأبي عزيز. وله من الولد علي وحسن.

فمن ولد حسن : إدريس ، وأحمد ، ومحمد ، وجازان وفيهم إمارة ينبع.

وأما أبو عزيز (٦) فولده بنو أبي نميّ أمراء مكة.

وكان بنو الحسن كلهم بالعلقمية (٧) من وادي ينبع في عصر الهواشم. فلما ترجل (٨) قتادة المذكور ترأس في قومه وتقوى ، وأخذ

__________________

(١) الصفراء من ناحية المدينة ، واد كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج. فوق ينبع مما يلي المدينة. ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٤١٢.

(٢) الدهناء : ذات الرمال الحمراء. والمقصود بها هنا على الطريق بين مكة والبصرة. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٤٩٣.

(٣) في (ج) «موسى». وسقطت من (ب). ومطموس في (أ). والاثبات من (د).

(٤) من منازل طريق مكة من الكوفة. انظر : معجم البلدان ٢ / ٧٨.

(٥) ينبع على يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة الى البحر. ذات عيون وخصب. بين مكة والمدينة. معجم البلدان ٥ / ٤٥٠.

(٦) المقصود به علي بن أبي عزيز قتادة.

(٧) العلقمية من وادي ينبع من أرض تهامة كثيرة العيون.

(٨) في (ب) ، (ج) «ترحل». والاثبات من (د). وترجل أي وصل سن الرجال.

٢٦٧

الصفراء. ثم إنه دخل مكة بغتة يوم السابع والعشرين من شهر رجب الأصم من السنة المذكورة (١).

وكانت ملوك مكة تخرج في مثل هذا اليوم إلى التنعيم ، وتعتمر مع غالب (أهل مكة وأعيانها) (٢) اتباعا لعبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما في اعتماره في مثل (هذا اليوم أو الليلة) (٣) كما تقدم ذكره (٤).

فدخل الشريف قتادة / من أعلى مكة. فرجع الشريف مكثر وأخوه فحاربهم وكان الظفر له عليهم ، فهربوا إلى وادي نخلة.

ـ كذا قال الفاسي في بعض تواريخه (٥) ـ.

وفي غيره من التواريخ (٦).

وهم آخر الهواشم. وقتل في هذه الوقعة محمد بن مكثر.

وذكر شيخ مشايخنا شهاب الدين أحمد بن الفضل باكثير المكي (٧) في كتابه وسيلة المآل (٨) : «ان الشريف قتادة ، أرسل ابنه

__________________

(١) أي سنة ٥٩٧ ه‍ أو ٥٩٨ ه‍ أو ٥٩٩ ه‍. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١٥.

(٢) ما بين قوسين في (ب) ، (د) «أعيان مكة».

(٣) ما بين قوسين في (ب) ، (د) «هذه الليلة».

(٤) في هذا الكتاب ، بعد أن أتم ابن الزبير بناء الكعبة.

(٥) العقد الثمين ٧ / ٤٠.

(٦) مثل : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٥٢ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٥٦٦ ـ ٥٦٧.

(٧) أحمد بن الفضل بن محمد باكثير الحضرمي المكي أبو العباس. توفي سنة ١٠٤٧ ه‍.

(٨) كتابه : حسن المآل في مناقب الآل ـ ويسمى وسيلة المآل في عد مناقب الآل. محفوظ بالخزانة العامة بالرباط برقم ٦٠٦ كتاني / الحبيب الهيلة ـ التاريخ

٢٦٨

حنظلة إلى مكة فأخرج (١) منها مكثر بن عيسى ، وذلك سنة خمسمائة وتسع وتسعين.

ثم في سنة ستمائة توفي مكثر. فثار ابنه محمد بن مكثر ، وجمع جموعا ، وقصد حنظلة ، فكان الظفر لحنظلة.

فلما تمكن (من مكة) (٢) جاء أبوه قتادة سنة ستمائة وواحد» ـ انتهى ـ.

وفي العقد الفريد لابن عبد ربه (٣) : أن الشريف قتادة أول ما ملك وادي ينبع ، ثم استوطن هو وأهله نهر العلقمية بينبع ، وترأس على قومه ، ثم جمعهم ، وأركبهم الخيول ، وجند الجنود. ثم ملك وادي الصفراء وأعمالها ، وأخرج منها آل يحيى. ثم طمع في ملك مكة ، وأخذها من مكثر بن عيسى» ـ وأطال في ترجمته ـ.

[حرب قتادة مع الحسينيين في المدينة]

قال ابن الفضل (٤) : «ووقعت الحرب بين الشريف قتادة وصاحب

__________________

والمؤرخون ٣١٠. وانظر الخبر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٥٢.

(١) في (د) «فأكثر».

(٢) سقطت من (ب) ، (ج) ، (د).

(٣) هكذا في (أ) ، (ب) ، (ج). وفي (د) لابن عبد البر. وهو خطأ واضح. فصاحب العقد الفريد ابن عبد ربه توفي سنة ٣٢٨ ه‍. وهناك العقد الفريد في تحقيق التوحيد لمحمد علي بن محمد علان البكري الصديقي الشافعي المكي. توفي سنة ١٠٥٧ ه‍. وهو مخطوط. فلا ندري ان كان أخذ السنجاري من هذا أو من العقد الثمين للفاسي. وهو الأصح. والخبر موجود عند ابن فهد في غاية المرام ١ / ٥٥١.

(٤) أي أحمد بن الفضل باكثير المكي في كتابه وسيلة المآل. وانظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٩ / ٦٩ ، الفاسي ـ العقد الثمين ٧ / ٤٢ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٥٣.

٢٦٩

المدينة الشريفة الشريف سالم بن قاسم الحسيني (١) ، وفي ذلك يقول الشريف قتادة من أبيات :

مصارع آل المصطفى عدن مثل ما

بدأن ولكن صرن بين الأقارب (٢)

قال : وهو (أول من ملك) (٣) من هذا (٤) الفخذ الشريف».

قال أبو شامة في ذيل الروضتين (٥) في أخبار سنة ستمائة وتسع : «قتل الشريف قتادة صاحب مكة إمام السادة الحنفية ، وإمام السادة الشافعية ، ونهب اليمنيين».

[فتنة سنة ٦٠٨ ه‍]

(قال الفاسي (٦) : «وفي سنة ستمائة وثمان كان بمنى ومكة فتنة عظيمة ، قتل فيها الحجاج العراقيون ، ونهبوا نهبا ذريعا».

__________________

(١) من آل مهنا حكام المدينة الحسينيين. وكان عز الدين أبو الفليتة قاسم بن المهنا أمير المدينة أثيرا لدى صلاح الدين الأيوبي حضر مشاهده وفتوحه. وكان يكرمه ويرجع الى قوله. انظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٩ / ١٩٥ ، جميل المصري ـ شخصية صلاح الدين الإسلامية للمحقق ص ١٠٨.

(٢) البيت في (أ) ، (ب) :

مصارع آل المصطفى عدت مثل ما

بدأت ولكن صرت بين الأقارب

(٣) في (ج) «ممن ولي».

(٤) في (ج) «هذه».

(٥) أبو شامة ـ الذيل على الروضتين ص (٧٧). وانظر : ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ٩ ، الفاسي ـ العقد الثمين ٧ / ٤٧. وفي هذه المصادر «سنة ستمائة وست». لا «تسع». كما نقل السنجاري.

(٦) شفاء الغرام ٢ / ٣٧٠. وكان حج الفاسي في هذا العام وكتبت له النجاة.

٢٧٠

وقال الفاكهي (١) : «وفيها حج من العراق علاء الدين محمد بن ياقوت (٢) (نيابة عن أبيه ، ومعه ابن أبي فراس (٣) يفقهه ويدبره) (٤).

وحج من الشام الصمصام إسماعيل (٥) [أخو سياروخ (٦) النجمي ، على حج دمشق ، وعلى حج القدس الشجاع علي بن سلار](٧) ـ وكان في الحج الشامي ربيعة خاتون أخت الملك العادل (٨).

فلما كان يوم النحر بمنى (٩) بعد رمي الجمرة (١٠) ، وقع بمكة ومنى فتنة عظيمة (١١).

__________________

(١) وهذا وهم. والأصح الفاسي. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٧١ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ١٠ ـ ١٣ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٦ ، وأبو شامة ـ الذيل على الروضتين ٧٨ ، ٧٩.

(٢) محمد بن ياقوت : ولد الأمير مجاهد الدين ياقوت كان الخليفة ولاه خوزستان وجعله أمير الحاج ، وجعل معه من يدير الحاج لأنه كان صبيا. ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ حوادث سنة ٦٠٧ ه‍ ٩ / ٣٠٥ ، وسنة ٦٠٨ ه‍.

(٣) ابن أبي فراس الحلي الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٨.

(٤) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (د).

(٥) انظر : ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ١٠.

(٦) في الذيل على الروضتين ص ٧٨ ، وانظر : ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ١٠ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٦ «سياروج». والنجمي نسبة الى نجم الدين أيوب والد صلاح الدين الأيوبي.

(٧) ما بين حاصرتين بياض في (ب). واثباته من (ج) فقط.

(٨) الملك العادل أبو بكر محمد بن نجم الدين أيوب أخو صلاح الدين ، ملك مصر والشام واليمن وغيرها. توفي سنة ٦١٥ ه‍. انظر : الصفدي ـ الوافي بالوفيات ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٣٨ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٢٢ / ١١٥ ـ ١٢٠.

(٩) سقطت من (ب) ، (د).

(١٠) في (ج) «جمرة العقبة».

(١١) تبعها في (ب) ، (ج) «ومعظمها» ولا معنى لها.

٢٧١

وسبب ذلك أن بعض [العراقيين](١) ـ قال الفاكهي (٢) : «وهو رجل يسمى الحشيشي (٣) قتل / شريفا بمنى يقال له هارون ، يشبه الشريف قتادة صاحب مكة عند جمرة العقبة. فقال الشريف قتادة : ما كان المراد إلا أنا.

فمال هو وجماعته على حجاج العراقيين بمنى يقتلونهم وينهبونهم. وقتلوا جماعة من الأعيان. وقتل الحشيشي أيضا. وأسرفوا في نهب (٤) الحاج.

وبات الحاج العراقي في أسوأ حال من القتل والنهب وشدة الخوف ، ولم يسلم منهم إلا القليل. ولحق من سلم بحجاج الشام (٥).

وجاء (٦) محمد بن ياقوت ، فدخل مخيم ربيعة خاتون مستجيرا بها.

ثم رحلوا إلى الزاهر ، ومنعوا من مكة.

فأرسلت ربيعة خاتون إلى الشريف قتادة تقول له : لقد قتلت القاتل ، فلا تجعل هذا الفعل وسيلة إلى نهب الأموال ، وأنت تعلم من نحن ـ وما أشبهه من هذا الكلام ـ.

__________________

(١) من (ج).

(٢) وهو خطأ أيضا. وأظنه يعني الفاسي في شفاء الغرام ٢ / ٣٧١ ـ ٣٧٣ ، والعقد الثمين ٤ / ٤٧ ـ ٤٩.

(٣) في (ج) «الحشيش». وذكر ابن الأثير «أنه رجل باطني». الكامل ٩ / ٣٠٥. والحشيشي من ينتسب الى الباطنية. وفي شفاء الغرام ٢ / ٣٧٢ «الخشيش» بمعنى الدخيل. والأول أصح بدليل ما ورد في شفاء الغرام المحقق : «وثب الإسماعيلية على رجل ..».

(٤) سقطت من (ج).

(٥) في (ج) «بالحج الشامي».

(٦) بياض في (أ).

٢٧٢

وآخر الأمر أنه صالحهم على أن يدخلوا مكة على ثلاثين ألف دينار. ولو لا ذب أمير الشاميين عن العراقيين وتخويفه للشريف قتادة بالخليفة وبالملك العادل صاحب مصر ، لعظم الخطب (١) على العراقيين.

ولم ينتطح فيها عنزان (٢) ، فإن الشريف قتادة أرسل ابنه راجحا إلى الخليفة يعتذر اليه. فقبل عذره. ويقال : أنه أخذ من المال والمتاع وغيره ما قيمته ألف ألف دينار» ـ انتهى ـ.

وفي غيره : أن أمير العراق وهو علاء الدين محمد بن ياقوت ، لما حرق وطاقه (٣) وأعلامه ، ونهبت (٤) العرب أثاثه ، لجأ إلى مخيم أخت الملك العادل ، صاحب الشام ومصر ، ربيعة خاتون ، وهي زوجة مظفر الدين بن زين الدين (٥) صاحب إربل (٦) ، وكانت حجت في تلك السنة.

فاستجار بها ، وكانت نازلة بالزاهر ، ومعها إسماعيل الصمصام أخو سياروخ النجمي (٧) ، وكان (٨) أميرا على الحاج الشامي.

فأرسلت إلى الشريف قتادة ، وتلطفت به ، ولم تزل به إلى أن أمر

__________________

(١) سقط من (ب) ، وفي (ج) «الأمر».

(٢) انظر : أبو شامة ـ ذيل الروضتين ٧٨ ، ٧٩ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٣ / ٦٢ ، اليافعي ـ مرآة الجنان ٤ / ١٥ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٧٢ ، ابن العماد ـ شذرات الذهب ٥ / ٣٢.

(٣) الوطاق : الخيمة.

(٤) في (ج) «ونهب».

(٥) مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كوجك علي. انظر عنه وعن متناقضاته : معجم البلدان ١ / ١٣٨.

(٦) إربل : مدينة شهيرة ذات قلاع حصينة من أعمال الموصل. ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ١٣٨.

(٧) في (أ) ، (د) «الني». وفي (ب) «البحر». وهو خطأ.

(٨) بياض في (ب) ، (د).

٢٧٣

بكف العربان ، وأمر الحاج بدخول / مكة.

فدخل الأصحاء (١) الأقوياء ، وطافوا. ومعظم الناس حول خيمة ربيعة خاتون ما بين طعين وقتيل ومسلوب ، فرحلوا من الزاهر إلى المدينة ، ومنها إلى بغداد.

وذكر ابن محفوظ (٢) : «أن في سنة ستمائة وثمان (٣) أو سبعة (٤) ، كانت بمنى وقعة».

ولم أر من ذكر ذلك غيره (٥).

وذكر الإمام علي الطبري في تاريخه (٦) : «أنها كانت سنة ستمائة

__________________

(١) في (ج) «الأصحاب». وهو خطأ.

(٢) ذكر الفاسي : «على ما وجدت بخط ابن محفوظ في أخبار سنة سبع وستمائة ..» وساق الخبر. شفاء الغرام ٢ / ٣٧٠. وابن محفوظ هو محمد بن محفوظ ابن محمد بن غالي الجني الشبيكي المكي. توفي سنة ٧٧٠ ه‍ تقريبا ، ترجم له الفاسي ، وله كتاب في تاريخ مكة لا يدرى عنه شيئا إلا ما نقله عنه الفاسي والسنجاري والنجم عمر بن فهد والجزيري. انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٢ / ٣٤٨ ، ابن فهد ، اتحاف الورى ٣ / ٣١١ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٥٧٨ ، محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ٧٢.

(٣) في (ج) «وثمان وسبعين».

(٤) في (أ) «وسبعة». وعلى الإجمال مضطربة.

(٥) إذا كانت في عام ٦٠٧ ه‍ أو سنة ٦٠٨ ه‍. فقد وقعت فيها فتنة. كما سبق أن ذكر سنة ٦٠٨ ه‍. وفي عام ٦٠٧ ه‍ كانت بمنى وقعة بين الحاج العراقي وأهل مكة قتل فيها عبد للشريف يسمى بلالا. وعرفت السنة عند العرب بسنة بلال. الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٧٠ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٢٦٩ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ١٠.

(٦) وما ذكر هنا خلط بين فتنة ٦٠٧ ه‍ ، وسنة ٦٠٨ ه‍. فكلام أبي شامة يقتضي أن العراقيين لما دخلوا للالتجاء بالحجاج الشاميين كان الشاميون بالزاهر. وكلام ابن الأثير يقتضي أن ذلك وقع والشاميون بمنى ثم رحلوا جميعا الى الزاهر. انظر : ابن

٢٧٤

وثمانية ، ونهب فيها حج العراق».

[حرب ثقيف سنة ٦١٣ ه‍]

ثم ان الشريف قتادة خرج لحرب ثقيف (١) [سنة ستمائة وثلاث عشرة](٢) فتحصنوا منه ، وعجز منهم ، فأمنهم.

فلما أقبلوا عليه قتل منهم جملة. واستولى على الطائف ، واستخلف على بلادهم نوابا ، وقواهم بعبيده ورجله.

فلما طال بهم التعب ، غدروا بأصحابه. وذلك [أنهم](٣) لما أيسوا من النجدة ، دفنوا سيوفهم في نادي النائب المذكور ، وأوهموا أنهم أتاهم كتاب يرون قراءته واختلوا بأصحاب قتادة ، وقتلوهم.

وذلك سنة ستمائة وثلاث (٤) عشرة.

وذكر الميورقي (٥) : «أن في هذه الواقعة فقد كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كتبه لأهل الطائف (٦) ، لما نهب جيش قتادة البلاد».

__________________

فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٦٢.

(١) الفاسي ـ العقد الثمين ٧ / ٤٥ ـ ٤٧ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ٢٢ ـ ٢٣ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٢) ما بين حاصرتين من (ب) ، (ج).

(٣) من (د).

(٤) في النسخ «وعشرة». والاثبات من المصادر ومن صدر هذا الخبر.

(٥) الميورقي ـ في كتابه : بهجة المهج في بعض فضائل الطائف وو ج ص ٣٨.

(٦) ونص هذا الكتاب كما جاء في السيرة : «بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد النبي رسول الله الى المؤمنين : ان عضاة وج وصيده لا يعضد ، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه. فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به الى النبي محمد وان هذا أمر النبي محمد رسول الله ـ وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم». ابن هشام

٢٧٥

فائدة :

قال القاضي محمد بن جار الله (١) : «من الحوادث بعد الست مائة بدعتين أحدثهما بعض الفجرة :

إحداهما : العروة الوثقى ، وذلك أنهم عمدوا إلى موضع عال في جوف الكعبة ، مقابل للباب ، وأوقعوا في عقول الضعفاء أنّ من ناله فقد استمسك بالعروة الوثقى. وكان الجهال يقاسون في ذلك عناء ، حتى يركب بعضهم بعضا (٢) ، وحتى تركب المرأة على الرجل ، والرجل على المرأة.

والثانية : أنهم نظروا إلى مسمار في وسط أرض الكعبة ، سموه أرض الدنيا ، وحملوا العامة على أن يكشف أحدهم بطنه ، ويضع سرته فوق ذلك المسمار ـ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

واستمر ذلك إلى سبعمائة وواحد ، كما سيأتي في تاريخ ابطالهما (٣).

[العلاقات بين قتادة والخليفة الناصر]

رجع :

قال السيد الميركي (٤) في التحفة السنية : «أن الناصر العباسي

__________________

السيرة ٢ / ٥٤٣.

(١) ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٦٦ ـ ٦٧ عن منسك ابن الصلاح. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٠٧.

(٢) ذكر ناسخ (ج) في نسخة أخرى «على بعض».

(٣) في (أ) ، (ج) «ابطالها». والاثبات من (ب) ، (د).

(٤) السيد الميركي صاحب التحفة السنية.

٢٧٦

طلب الشريف قتادة. فسار متوجها إليه إلى أن وصل النجف (١) ، وبلغ الخليفة وصوله ، فأخرج للقائه / العلماء والأعيان وكبراء الدولة. وكان مما أخرجوه معهم أسدا في سلسلة. فلما رآه الشريف قتادة ، تطيّر فقال : مالي ولأرض (٢) تذل فيها الأسود؟! والله لا دخلتها!!. ورجع من النجف ، ولم يدخل العراق.

فلما بلغ الناصر ذلك ، كتب إليه يعاتبه ، فكتب إليه الشريف قتادة الجواب ، ومن جملته قوله (٣) :

بلادي وإن جارت (٤) عليّ عزيزة

ولو أنني (٥) أعرى بها وأجوع

ولي كفّ ضرغام إذا ما بسطتها

بها أشتري يوم الوغا وأبيع

معودة لثم الملوك لظهرها

وفي بطنها للمجدبين ربيع

أأتركها تحت الرهان وأبتغي

بها بدلا إني إذا لرقيع

وما أنا إلا المسك في أرض غيركم

أضوع ، وأما عندكم فأضيع

ـ انتهى كلامه».

قلت : وقد أغار الشريف في هذا المعنى على قول شاعر قديم ذكره

__________________

(١) النجف : بظهر الكوفة. بقربها قبر علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. انظر :

ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٢٧١.

(٢) في (ب) «والأرض».

(٣) والأبيات لغير قتادة كما ذكر ابن الجوزي في كتاب الأذكياء ص ٦٥. وانظر الأبيات مع بعض اختلاف الألفاظ : اتحاف الورى ٣ / ٥١٥ ، غاية المرام ١ / ٥٦٤.

(٤) في اتحاف الورى «هانت».

(٥) في (د) «أني».

٢٧٧

ذكره ابن الجوزي في كتاب الأذكياء (١) ولفظه :

«كان لأحمد بن الخصيب (٢) وكيل في ضياعه ، (فأتت إليه منه جناية) (٣) ، فعزم على القبض عليه ، فهرب ، فكتب إليه ابن الخصيب يؤنسه ، ويحلف له على بطلان ما اتصل به عنه ، ويؤمنه (٤) بالعود ، فكتب إليه :

إني (٥) لك عبد سامع ومطيع

وإني لما تهوى إليك سريع

ولكن لي كف أعيش بفضلها

فما أشتري إلّا بها وأبيع

أأجعلها تحت الرجاء ثم أبتغي

بها بدلا إنّي إذا لرقيع (٦)

وقد ذكر هذه الواقعة العلامة عبد القادر الطبري في نشأة السلافة (٧) بما نصه : «وأرسل إليه ـ يعني الخليفة العباسي ، إلى الشريف قتادة ـ سنة ستمائة وتسع مع الركب العراقي (بمال وكسوة البيت) (٨)

__________________

(١) ابن الجوزي ـ كتاب الأذكياء ص ٦٥.

(٢) أحمد بن الخصيب : أحمد بن الخصيب بن عبد الحميد الجرجاني ، أحد الكتاب الذين نكبهم الخليفة العباسي الواثق سنة ٢٢٩ ه‍. وزر للمنتصر ثم المستعين. ثم نفاه المستعين الى المغرب سنة ٢٤٨ ه‍. وتوفي سنة ٢٦٥ ه‍. انظر : الصفدي ـ الوافي ٦ / ٣٧٢ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٥٣ ، القضاعي ـ تاريخ ٤٥٨.

(٣) في (د) ما بين قوسين «فنمي إليه عن جناية».

(٤) في (د) «بأمره».

(٥) في (ب) «أنا».

(٦) في (ب) «الرقيع».

(٧) عبد القادر بن محمد بن يحيى الطبري. توفي سنة ١٠٣٣ ه‍ ـ نشأة السلافة بمنشآت الخلافة ـ مخطوط. وانظر : ابن فهد اتحاف الورى ٣ / ١٤ ـ ١٦ ، العقد الثمين ٧ / ٤٩ ـ ٥٣ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٢٧٠ ـ ٢٧٢ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٦٤ ـ ٥٦٦.

(٨) في (ج) «مالا وكسوة للبيت». وفي (ب) «مال وكسوة البيت».

٢٧٨

الشريف ، وخلعا فاخرة على جري العادة ، ولم يظهروا له العتب (١) عما جرى من فعله.

وجعل الأمير يستدرجه ويخدعه ، بأنه لم يصح عند الديوان العزيز إلا أن الشرفاء وأتباعهم نهبوا أطراف الحجاج ، وليس كمال الخدمة الإمامية إلا تقبيل العتبة ، ولا عز الدنيا والآخرة إلا نيل هذه المرتبة. فقال له الشريف قتادة (٢) : أنظر في ذلك.

ثم جمع بني عمه ، وعرفهم أن ذلك استدراجا لهم ، وقال : يا بني الزهراء ، عزكم إلى آخر الدهر مجاورة هذه البنية الطاهرة ، والاجتماع في بطحائها ، واعتمدوا بعد [هذا](٣) اليوم أن تعاملوا هؤلاء بالشر ، يرهبوكم من طريق الدنيا والآخرة ، ولا يرغبونكم بالأموال والعدد ، فإن الله قد (٤) عصمكم وعصم أرضكم بانقطاعها ، وأنها لا تبلغ إلا بشق الأنفس.

ثم غدا الشريف على الأمير ، وقال / له : اسمع الجواب ، وأنشده من شعره قوله من لفظه :

بلادي وإن جارت علي عزيزة .... الأبيات.

فقال الأمير : يا شريف ، أنت ابن بنت [سيدنا](٥) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والخليفة ابن عمك ، وأنا مملوك تركي ، لا أعلم من الأمور التي

__________________

(١) بالأصل التعب والتصويب من «ج».

(٢) سقطت من (ج).

(٣) زيادة من (ب) ، (ج).

(٤) سقطت من (ب) ، (ج).

(٥) من (ب).

٢٧٩

في الكتب مما (١) علمت ، ولكني قد رأيت أن هذا من شرف العرب الذين يسكنون البوادي ، وحاشا لله تعالى أن أحمل هذه الأبيات عنك إلى الديوان ، فأكون قد جنيت على بيت الله الحرام عزوجل ، وعلى بني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبني بنته رضي‌الله‌عنها. والله لو بلغ هذا إلى حيث أشرت ، لترك كل وجه ، وحول جميع الوجوه إليك ، حتى يفرغ منك .. ما لهذا ضرورة ، إن كان خطر ببالك أنهم استدرجوك ، فلا تسر إليهم وقل (لهم قولا) (٢) جميلا ، وإن كان فعلك ما علمت.

فأصغى إليه الشريف ، وشكر رأيه ، ثم قال له : ما الرأي عندك؟!.

قال : أن ترسل من أولادك من إن وقع عليه شيء (لا يهمك) (٣) ، ولا يقع إن شاء الله ما يهمك ، ومعاذ الله أن يجري إلا ما تحبه ، وسترى إن شاء الله من الخير ما لا يخفى عنك (٤).

ففعل ، وأرسل ابنه السيد راجح (٥) بن قتادة ، ومعه أشياخا من الشرفاء ، فدخلوا بغداد ، واجتمعوا بالخليفة الناصر ، وقابلهم بالإعزاز والإكرام ، وأنزلهم أشرف الأماكن ثم عادوا إلى مكة.

وكان الشريف قتادة يقول : لعن الله أول رأي عند الغضب ، ولا عدمنا ناصحا عاقلا يثبتنا عند ذلك».

ـ انتهى كلام الطبري ملخصا.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «كما».

(٢) ما بين قوسين سقط من (د).

(٣) ما بين قوسين سقط من (د).

(٤) في (ج) «عليك».

(٥) انظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٩ / ٣٠٦.

٢٨٠