منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٤٨٠

أيها الأمير ، إني كنت مدحتك ببيتين ، فلما رأيت اتساع الشعراء في مدحك ، استصغرت نفسي ، واستقللت ما قلته». فقال له : «وما قلت؟!» (١). فأنشده (٢) :

تعرضت (٣) لي بالجود حتى (٤) نعشتني

وأعطيتني (٥) حتى حسبتك (٦) تلعب

فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى

حليف الندى ما للندى عنك مهرب (٧)

فقال [له](٨) : ما حاجتك؟!. قال : عليّ دين. فأمر بقضائه ، وأعطاه مثله.

ومدحه بعضهم بقوله (٩) :

هذا الذي كنت له أرتجي

لدفع ما أخشى من الدهر

ما قال لا قط ولو قالها

صام لها البيض من الشهر

فوصله بعشرة الآف درهم.

__________________

(١) في (د) «وما هما؟!».

(٢) والبيتان في : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٢ / ٢٢٧ ، الذهبي ـ سير ٥ / ٤٢٨ ، تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٧٨.

(٣) في (د) «تعرضتني». وفي ابن خلكان : «تبرعت».

(٤) في (ب) «وحتى».

(٥) ذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «وأحظيتني».

(٦) في سير أعلام النبلاء «ظننتك» ٥ / ٤٢٨.

(٧) في سير أعلام النبلاء ، وابن خلكان ، وتهذيب تاريخ دمشق «مذهب».

(٨) زيادة من (ب) ، (د).

(٩) في نسخة (ب) اضطراب في ترتيب شطرات البيتين.

٤١

ودخل عليه أعرابي فأنشده :

قل للبرية إذ تولى خالد (١)

إن المكارم وافقت أشكالها

والناس إن حضرت منية خالد

كالنبل تنزع ريشها ونبالها

فقال له خالد : حكمك يا أعرابي!!. فقال : عشرة الآف درهم. فاستقلّها خالد ، فقال : أعطوه إياها يدخلها في حرّ أمه ـ غضبا من ضعف همته في الطلب ـ. فقال الأعرابي : وعشرة آلاف أخرى أدخلها في استها. فضحك وقال : أعطوه عشرة آلاف أخرى.

وكانت وفاته بالحيرة (٢) في المحرم سنة مائة وست وعشرين ، وقيل في ذي القعدة سنة مائة وخمس وعشرين في أيام الوليد بن يزيد. فإن هشام بن عبد الملك عزله ، وولى العراق يوسف بن عمر (٣) ، فدخلها ، وأخذ خالدا وعماله ، وصادره وعذبه ، ثم قتله.

قيل : انه وضع قدميه في خشبة ، وعصرها حتى انقصفت ، ثم رفعت إلى ساقيه ، ثم إلى وركيه (٤) ، ثم إلى صلبه. فلما انقصفت صلبه مات (٥) ، وهو في ذلك كله لا يتأوه.

__________________

(١) في (ج) ، (د) «خالدا».

(٢) الحيرة : مدينة قرب الكوفة مسكن ملوك العرب المناذرة في الجاهلية. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٣٢٨ ـ ٣٣١.

(٣) يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي. أمير العراقين وخراسان لهشام بن عبد الملك. قتل سنة ١٢٧ ه‍. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٤٢ ـ ٤٤٤.

(٤) هكذا في (د) كما عند ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٢ / ٢٢٩. وفي باقي النسخ «ركبتيه».

(٥) سقطت من (د).

٤٢

وبقية ترجمته مذكورة في تاريخ ابن خلكان (١).

وكان متهما بالنصرانية. وروى خالد هذا عن أبيه. وروى أبو داود ، قال ابن معين (٢) : «رجل سوء يقع في علي بن أبي طالب». وقال [أبو داود](٣) : «إنه أضعف صاع العراق ، فجعله ستة عشر رطلا».

وذكر له صاحب الأغاني ترجمة قبيحة (٤).

[منع اختلاط الرجال بالنساء أثناء الطواف]

قال القاضي ابن جار الله (٥) : «كان الرجال والنساء يطوفون معا ، حتى كان زمن خالد بن عبد الله هذا ، فبلغه / قول بعض الشعراء :

يا حبذا الموسم من موعد (٦)

وحبذا الكعبة من مشهد

وحبذا اللائي (٧) يزاحمننا

عند استلام الحجر الأسود

فقال : «أما أنهن لا يزاحمنك بعد هذا».

فأجلس عند كل ركن حرسا ، بأيديهم السياط ، يمنعون النساء من الإختلاط بالرجال.

__________________

(١) وفيات الأعيان ٢ / ٢٢٦ ـ ٢٣١.

(٢) وروي ذلك عن عبد الله بن أحمد عن ابن معين. انظر : سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٢٩.

(٣) ما بين حاصرتين من (ب) ، (د).

(٤) انظر : الأغاني ٢٢ / ١٤ ـ ٢١. وأبو الفرج كعادته يبالغ في أشياء لا تصح.

(٥) ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٨١. وانظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ١٩.

(٦) في (ب) ، (ج) «عيد».

(٧) في (ج) «اللواتي».

٤٣

قلت : ومثل هذا ما حكاه الزمخشري في ربيعه (١) قال :

«بلغ خالد بن عبد الله القسري قول رجل من موالي الأنصار :

ليتني في المؤذنين نهاري

إنهم يبصرون ما (٢) في السطوح

فيشيرون أو يشير (٣) إليهم

بالهوى كل ذات دلّ مليح

فأمر خالد بهدم المناير».

وفيه قال الفرزدق (٤) :

ألا قبّح الرحمن ظهر مطيّة

أتت تتهادى (٥) من دمشق بخالد

وكيف يؤم الناس من كان أمّه

تدين بأنّ الله ليس بواحد

بنى بيعة فيها الصليب لأمّه

ويهدم من كفر (٦) منار المساجد (٧)

ـ من أبيات طويلة ـ.

قلت :

__________________

(١) الزمخشري ـ ربيع الأبرار ١ / ٣٢٨.

(٢) في ربيع الأبرار «من» ١ / ٣٢٨.

(٣) في (ج) «يشار».

(٤) انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٢٧. ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٢ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، أبو الفرج الأصفهاني ـ الأغاني ٢٢ / ٥.

(٥) في (د) «تهادى». وعند ابن خلكان : «أتتنا تهادى» ٢ / ٢٢٨.

(٦) عند ابن خلكان والذهبي «بغض».

(٧) في (أ) «مساجد». والاثبات من بقية النسخ.

٤٤

وبوّب البخاري (١) لطواف النساء مع الرجال ، فراجعه. [وفيه : «كانت عائشة رضي‌الله‌عنها تطوف حجرة من الرجال ، لا تخالطهم](٢) ، فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين (الحجر الأسود) (٣). قالت : عنك ، وأبت ... إلى آخره».

ثم ولي مكة نافع بن علقمة الكناني (٤) ، ثم يحيى بن الحكم بن العاص (٥).

[عمارة المسجد الحرام زمن عبد الملك]

وفي سنة خمس وسبعين حج عبد الملك بن مروان (٦) ، فعمر المسجد ، ولم يزد فيه شيئا ، بل رفع جدرانه ، وسقفه بالساج ، وأمر أن يجعل في رأس كل اسطوانة خمسون مثقالا من الذهب.

قال الفاسي (٧) : «أول من عمل الذهب على باب الكعبة عبد الملك».

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ١٩٨.

(٢) ما بين حاصرتين من (د). ومن صحيح البخاري.

(٣) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (د).

(٤) ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٢٩٣ ـ نافع بن علقمة بن صفوان الكناني.

(٥) ذكر ابن جرير الطبري ولايته سنة ٧٥ ه‍ ـ تاريخ ٧ / ٩٠. وذكره الفاسي باسم «يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية بن جمع القرشي» ـ العقد الثمين ٧ / ٤٣٤.

(٦) انظر : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٩٦.

(٧) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٨٥ ، وفيه اضطراب. في حين ذكر الأزرقي : «أنه الوليد بن عبد الملك». أخبار مكة ١ / ١٤٦. وانظر أيضا في ذلك : شفاء الغرام ١ / ١٨٥ ـ ١٨٨.

٤٥

قال الأزرقي (١) : «وفي سنة ثمانين (٢) ، وقع سيل الجحاف».

قال الفاسي (٣) : «وفي السنة المذكورة (٤) ، بينما الناس نازلون بوادي مكة ، وقد ضربوا الخيام ، أتاهم يوم التروية قبل صلاة الصبح سيل ذهب بهم وبمتاعهم ، ودخل المسجد الحرام ، وأحاط بالكعبة ، وهدم الدور والشوارع ، وقتل الهدم ناسا كثيرة ، ورقي الناس الجبال واعتصموا بها.

فكتب بذلك إلى عبد الملك بن مروان ، فأرسل بمال عظيم إلى والي مكة ـ قيل عبد الله بن سفيان ، وقيل الحارث بن خالد / ـ وأمره أن يجعل للبيوت ظفاير ويجدر (٥) ردم بني جمح ، الذي ردمه عمر رضي‌الله‌عنه».

قال الفاسي (٦) : «وما عرفت لعبد الله بن سفيان (٧) هذا نسبا ، لأني لم أر له ذكرا في [غير](٨) تاريخ الأزرقي».

__________________

(١) أخبار مكة ١ / ٣٩٥.

(٢) في النسخة (أ) «ست وثمانين». وهو خطأ. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٢٢١ سنة ٨٠ ه‍.

(٣) شفاء الغرام ٢ / ٤١٦ ، العقد الثمين ١ / ٢٠٥.

(٤) أي سنة ٨٠ ه‍.

(٥) في (د) «ويجدد».

(٦) العقد الثمين ١ / ١٦٣ ، وقد سقطت الفقرة من (د).

(٧) مع أنه ـ أي الفاسي ـ ذكره في العقد الثمين ١ / ١٦٣ : «عبد الله بن سفيان المخزومي».

(٨) زيادة من المحقق ضرورية. انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ١٦٩ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١٦٩ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٢١٢.

٤٦

قال الفاسي (١) : «وسيل الجحاف كان زمن الحج ، وصل خبره لعبد الملك ، وما وصل أمره ببناء الظفاير إلا في سنة إحدى وثمانين».

وممن ولي بمكة لعبد الملك : عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص (٢) الأموي.

قال الزبير بن بكار (٣) : وفيه يقول أبو صخر الهذلي (٤) :

يا أم حسّان إنّي والسّرى تعب

جبت البلاد بلا سمت ولا هاد

إلّا قلائص لم تطرح أزمّتها

حتى ونيت (٥) وملّ العقبة الحادي

والموسمون (٦) إلى عبد العزيز بها

معا وشتّى ومن شفع وإفراد

__________________

(١) شفاء الغرام ٢ / ٤١٧.

(٢) في النسخ «العاص». انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٥ / ٤٥٠ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٤٣٠ ، وذكر الفاسي أن ولايته لسليمان ثم لعمر بن عبد العزيز من ٩٦ ـ ١٠١ ه‍. وفي زمن يزيد بن عبد الملك من ١٠١ ه‍ إلى ١٠٢ ه‍. العقد الثمين ٥ / ٤٥٠. وانظر : الطبري ـ تاريخ حوادث سنة ٩٦ ه‍ وما بعد ٧ / ٤٢٤ ، ٧ / ٤٣١ ، ٤٤٨ ، ٤٥٧ ، ٤٩٣ ، ٥٢٢.

(٣) انظر : الزبيري ـ نسب قريش تحقيق بروفنسال ص ١٩١ ، والقصيدة كاملة في ديوان الهذليين.

(٤) أبو صخر عبد الله بن سلم السهمي الهذلي. انظر عنه : الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٢٤ / ١١٠ ـ ١٣٤.

(٥) بياض في (د).

(٦) في (ب) ، (د) «والمرسمون».

٤٧

عوامدا لندى العيص قاربة (١)

ورد الفتى ضلات (٢) بعد أوراد

كأنّ من حلّ في أغياض دوحته

إذا لولج في أغياض آساد

قال : ومات عبد العزيز بالرصافة (٣)».

وهشام بن إسماعيل المخزومي (٤) في قول ، وأبان بن عثمان (٥) رضي‌الله‌عنهما في قول أيضا.

[في الحنين إلى مكة]

قال في المسامرة للشيخ محيي الدين (٦) الأكبر ـ رحمه‌الله ـ بسنده إلى القاضي محمد بن عبد الرحمن بن هشام ، قال : «غزوت في خلافة ابن مروان ، فقفلنا من بلاد الروم ، فأصابنا مطر ، فآوينا إلى قصر نستكن به من المطر. فلما أمسينا خرجت جارية مولدة من القصر ،

__________________

(١) في النسخ الثلاث الأولى الشطر : «عوامه الندى العيص قاربة». والاثبات من (د) ، وفيها «الفيض» بدلا من «العيص».

(٢) بياض في (د).

(٣) أي رصافة الشام ـ والتي بناها هشام غربي الرقة ـ انظر عنها : ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٤٧.

(٤) الفاسي ـ العقد الثمين ٧ / ٣٦٨.

(٥) أبان بن عثمان رضي‌الله‌عنهما : كان من فقهاء المدينة العشر ، ووليها سبع سنين. انظر : ابن سعد ـ الطبقات ٥ / ١٥٢ ، سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٥١ ـ ٣٥٣ ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات ـ ابن حجر ـ تهذيب التهذيب ٦ / ٣٤٣ ، وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ١٧٢.

(٦) ابن العربي الصوفي ـ سبق ذكره. ولم أجد هذا النص في المطبوع.

٤٨

وذكرت مكة ، وأنشأت تقول (١) :

من كان ذا شجن بالشام يحبسه

فإن في غيره أمسى لي الشجن

فإن (٢) ذا القصر حقا ما به وطني

لكن بمكة أمسى الأهل والوطن

من ذا يسائل عنا أين منزلنا

فالأقحوانة منا منزل قمن

إذ ملبس (٣) العيش صفو ما يكدره

طعن (٤) الوشاة ولا ينبو به الزمن /

قال : فلما أصبحنا ، لقيت صاحب القصر ، وذكرت له (٥) شأن الجارية ، فقال : هذه مولدة مكة ، فو الله ما ترى ما نحن فيه ، ولا عيشنا شيئا. فقلت : تبيعها؟. فقال : روحي إذا.

قولها : فالاقحوانة .... إلى آخره : الأقحوانة (٦) منزل عند البلاط بمكة ، كان مجلسا يجلس فيه من خرج من مكة ، يتحدثون فيه بالعشي ، ويلبسون الثياب الموردة المطيبة ، فكان مجلسهم يقال له

__________________

(١) الأبيات للحارث بن خالد أمير مكة. انظر : الزبيري ـ نسب قريش ٣١٣ ، ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٢٣٤ ، الأصفهاني ـ الأغاني ٣ / ٣٢٥.

(٢) في النسخ الثلاث الأولى «فكان». والاثبات من (د) ومن المصادر مثل ياقوت ١ / ٣٤.

(٣) بياض في (د).

(٤) في (أ) «ظعن. والاثبات من بقية النسخ.

(٥) سقطت من (ب) ، (ج).

(٦) الأقحوانة : موضع قرب مكة. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٢٣٤.

٤٩

الأقحوانة لذلك» ـ انتهى ـ.

[وفاة عبد الملك بن مروان]

ولما توفي عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين في شوال وله ستون سنة ، وولايته المجمع عليها بعد ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأشهر (١).

وقد عدّه ابن زياد (٢) في الفقهاء ، في طبقة ابن المسيب (٣) ، رحمه‌الله تعالى.

[مكة في خلافة الوليد بن عبد الملك]

فولي الخلافة ابنه الوليد بن عبد الملك.

فولي مكة عمر بن عبد العزيز ثالث العمرين ، ابن مروان بن الحكم القرشي الأموي ، وذلك سنة ست وثمانين (٤). واستمر إلى سنة ثلاث وتسعين. وقيل عزل سنة تسع وثمانين ، وقيل إحدى وتسعين. قاله ابن كثير (٥).

__________________

(١) انظر : الطبري ـ تاريخ ٧ / ٣١٧ ، وانظر : القضاعي ـ تاريخ ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) هكذا في النسخ والصحيح أبو الزناد ـ عبد الله بن ذكوان القرشي المدني. توفي سنة ١٣٠ ه‍. انظر عنه : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٤٥ ـ ٤٥١. وقال أبو الزناد : فقهاء المدينة سعيد بن المسيب وعبد الله وعروة وقبيصة بن ذؤيب. انظر : البسوي ـ المعرفة والتاريخ ١ / ٥٣٦ ، الذهبي ـ سير ٤ / ٢٤٨.

(٣) سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي عالم أهل المدينة. انظر : ابن سعد ـ الطبقات ٥ / ١١٩ ، ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ١ / ١٠٢ ، الذهبي ـ سير ٤ / ٢١٧ ـ ٢٤٦.

(٤) ذكر الطبري وخليفة ولايته المدينة سنة ٨٧ ه‍. تاريخ خليفة ٣٠١ ، تاريخ الطبري ٧ / ٣٢٧.

(٥) البداية والنهاية ٩ / ١٩٤. وانظر : الطبري ـ تاريخ ٨ / ٧١.

٥٠

فولي مكة خالد بن عبد الله القسري السابق ذكره.

[عمارة المسجد الحرام زمن الوليد]

وأرسل الوليد في عمارة المسجد ، وأمر بنقض جميع عمل عبد الملك ، وهو أول من نقل الأساطين الرخام ، ورخّم باطن الكعبة بالرخام الملون ، وجعل على رؤوس الأساطين صفائح الذهب ، وأدار (١) المسجد بالرخام ، وجعل له سرادقات.

قال ابن فهد (٢) :

«أرسل الوليد إلى عامله على مكة خالد بن عبد الله القسري بستة وثلاثين ألف دينار ، فضرب بها على باب الكعبة صفائح الذهب وعلى الميزاب وعلى الأساطين».

وهو أول من ذهّب البيت. قاله الأزرقي (٣).

قلت : تقدم عن المسبحي (٤) أن أول من حلّى الكعبة بالذهب عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما. وتقدم قبله أن أوّل ذهب حلّيت به الكعبة ما صنعه فيها عبد المطلب بن هاشم (٥) بذهب الغزالين ، اللذين وجدهما في بئر زمزم. فتأمل ذلك.

وبنى خالد فسقية (٦) بين زمزم والمقام ، وأجرى فيها ماء عذبا وذلك

__________________

(١) في (د) «وأزر». وهذا أدق.

(٢) النجم عمر بن فهد. توفي سنة ٨٨٥ ه‍ ـ اتحاف الورى في أخبار أم القرى ٢ / ١١٩.

(٣) أخبار مكة ١ / ١٤٦.

(٤) في هذا الكتاب.

(٥) سبق ذكره في هذا الكتاب.

(٦) الفسقية : حوض من الرخام مستدير غالبا تمج فيه المياه نافورة. المعجم الوسيط.

٥١

سنة (مائة واثنين وثلاثين) (١).

قال السهيلي (٢) : «وكان يعلن بسبّ علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه [على المنبر](٣) ، ويذم زمزم ويسميها أم جعلان ، ولا يشرب منها (٤). وحفر بئرا خارج مكة باسم الوليد ، وأمر الناس بالتبرك بشرب مائها».

لطيفة :

ذكر الثعالبي (٥) : أن خالد القسري هذا انهزم في بعض الوقائع ، فلما نجا وأمن قال لأصحابه : «اطعموني ماء». فقال فيه بعض الشعراء (٦) :

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ. والغريب كيف وقع النساخ في هذا الخطأ مع وضوحه. والصحيح أن ذلك سنة ٨٩ ه‍. كما ذكر الطبري ـ تاريخ ٧ / ٣٤٠. وذكر السهيلي والأزرقي والفاسي أنه في زمن الوليد بن عبد الملك أو سليمان بن عبد الملك. انظر : الأزرقي ٢ / ١٠٧ ، الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ٢٧٥ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١٢٣. وقد بقيت حتى داود بن علي العباسي سنة ١٣٢ ه‍ فهدمها وكسرها. ولذا ففي الأصل سقط وقع فيه النساخ.

(٢) في الروض الأنف (طبع باكستان) ١ / ١٠٠.

(٣) ما بين حاصرتين من (د).

(٤) وقد ذكر الذهبي رحمه‌الله ذلك. فقال بعد أن ذكر كلام ابن جرير الطبري : «ما أعتقد أن هذا وقع» ـ سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٢٩. وانظر ما ذكره الطبري ـ تاريخ ٧ / ٣٤٠.

(٥) في كتابه سر الأدب ، وكتب الأدب تتبع الغرائب. وانظر : الجاحظ ـ البيان والتبيين ١ / ١٢٢ ، الحيوان ٢ / ٦٧ ، ٦ / ٢٥١ ، الزمخشري ـ ربيع الأبرار ١ / ٦١٩.

(٦) والشاعر هو يحيى بن نوفل. هجا خالد بن عبد الله القسري وخاصة عند ما خرج عليه المغيرة بن سعيد العجلي سنة ١١٩ ه‍ وهو أمير العراقين. انظر تفصيل ذلك : الطبري ـ تاريخ ٧ / ٦٥٦ ـ ٦٥٧.

٥٢

بلّ السراويل من خوف ومن دهش (١)

واستطعم الماء لّما جدّ (٢) في الهرب /

فلما بلغ ذلك الحجاج بن يوسف قال : ما أيسر ما تعلّق فيه ، أليس الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العظيم : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي)(٣).

قلت : كذا أورده الثعالبي في كتاب سرّ الأدب. وفي شرح البخاري للعيني : الإطعام عامّ يتناول الأكل والشرب ، والذوق. قال الشاعر :

وإن شئت حرمت (٤) النساء سواكم

وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

والنّقاخ ـ بضم (٥) النون وفتح القاف وبعدها خاء معجمة ـ هو الماء العذب». قلت : إلّا أن ما ردّ به الحجاج غير سديد (٦).

واستمر خالد إلى أن توفي الوليد سنة ست وتسعين.

__________________

(١) في ربيع الأبرار ١ / ٦١٩ «جزع».

(٢) في ربيع الأبرار «جدّ».

(٣) سورة البقرة ـ الآية ٢٤٩. والذي تجدر ملاحظته إذا كانت الحادثة سنة ١١٩ ه‍ فأين الحجاج منها المتوفى سنة ٩٦ ه‍؟!.

(٤) في لسان العرب لابن منظور «أحرمت» ٣ / ٦٥.

(٥) في (د) «بفتح». وهو خطأ. وانظر معنى النقاخ : لسان العرب ٣ / ٦٤ ـ ٦٥ «الماء البارد العذب الصافي الخالص .... الذي ينقخ العطش أي يكسره ببرده».

(٦) ذلك لأن تفسير «يطعمه» في الآية : «يذقه». انظر : لسان العرب ٢ / ٣٦٦.

٥٣

وذكر الزبير بن بكار في كتاب أخبار قريش (١) : أن الوليد بن عبد الملك ولى هشام بن معاوية بن هشام بن عقبة بن أبي معيط الطائف.

لطيفة [في تولية الأمويين للولاة]

قال الزبير بن بكار : «وحدثني عبد الرحيم بن جعفر قال : كانت بنو أمية إذا حمدوا نشأة الفتى فيهم ، ولوه الطائف ، فإن حمدوا ولايته ولوه مكة ، فإن حمدوا ولايته قالوا : أدخلوه الكير ينصع طيبه ، وينفي خبثه ، فولوه المدينة».

[مكة في خلافة سليمان بن عبد الملك]

فولي الخلافة سليمان بن عبد الملك بعد الوليد ، وحج بالناس سنة ست وتسعين (٢) فولى مكة خالدا (٣) المذكور.

قال العلامة جلال الدين السيوطي في كتابه الأوليات :

«كان موضع مجلس سيدنا عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما في زاوية زمزم ، على يسار من دخلها ، وكان أول من عمل على مجلسه القبة سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، وعلى مكة يومئذ خالد بن عبد الله القسري عن سليمان بن عبد الملك. ثم عملها أبو جعفر المنصور

__________________

(١) في أخبار قريش.

(٢) حج بالناس سنة ٩٦ ه‍ أمير المدينة : أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري في حين كان أمير مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد ـ الطبري ـ تاريخ ٧ / ٤٢٤. أما في سنة ٩٧ ه‍ فقد حج سليمان بالناس وعزل طلحة بن داود الحضرمي عن مكة بعد عمل ستة أشهر. وولى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد. الطبري ـ تاريخ ٧ / ٤٣١.

(٣) أي خالد بن عبد الله القسري.

٥٤

في خلافته ، وعمل على زمزم شباكا» ـ انتهى كلامه.

حكى الفاسي (١) : «أن خالدا أخاف عبد الله بن شيبة الحجبي ، فهرب منه إلى سليمان بن عبد الملك مستجيرا به منه. فكتب إليه سليمان ابن عبد الملك كتابا يأمره فيه أن لا يهيجه. فجاء عبد الله بن شيبة بن عثمان بالكتاب ، فلما أعطاه لخالد أخذه (٢) ووضعه ولم يقرأه ، وأمر بعبد الله بن شيبة فجلد. ثم فتح الكتاب وقرأه ، وقال : لو قرأته قبل أن أجلدك [ما جلدتك](٣).

فرجع عبد الله إلى سليمان ، فأخبره بذلك. فأمر سليمان بالكتابة في خالد ، وأن تقطع يده. فكلمه فيه يزيد بن المهلب (٤) وشفع فيه. فكتب له أن يقيده ، فأقيد منه عبد الله».

قال الفاسي (٥) : «ولعل هذا الفعل كان سبب عزله ، فإنه عزله /. وولى مكة طلحة بن داود الحضرمي (٦) ، وعزل سنة سبع وتسعين فكان عمله عليها ستة أشهر (٧).

فولي مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد المقدم ذكره.

__________________

(١) في شفاء الغرام ٢ / ٢٧١ ، والعقد الثمين ٤ / ٢٧٩ ، وانظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٣٨ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ١٢٦.

(٢) سقطت من (ب) ، (ج).

(٣) ما بين حاصرتين سقطت من (أ).

(٤) يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. انظر عنه بالتفصيل : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٤ / ٥٠٣ ـ ٥٠٦.

(٥) شفاء الغرام ٢ / ٢٧١. وانظر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٢٠٢.

(٦) انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٥ / ٦٨ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧١.

(٧) ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٤٣١.

٥٥

وذلك سنة ثمان وتسعين (١).

وتوفي سليمان بن عبد الملك في صفر سنة تسع وتسعين عن خمس وأربعين سنة. وخلافته أقل من ثلاث سنين.

وكان قرّب ابن عمه عمر بن عبد العزيز ، وجعله وزيره ومشيره ، وعهد إليه بالخلافة بعده (٢) ـ رحمه‌الله ـ.

وذكر بعضهم (٣) أن سليمان بن عبد الملك أراد أن يعيد الكعبة على ما كانت عليه زمن ابن الزبير رضي‌الله‌عنه ، فمنعه من ذلك كونها فعل الحجاج إنما كان بأمر أبيه ـ والله أعلم.

[مكة في خلافة عمر بن عبد العزيز]

فولي الخلافة عمر بن عبد العزيز [بعهد من سليمان بن عبد الملك.

فولي مكة عبد العزيز](٤) السابق ذكره آنفا.

قال ابن أبي داود (٥) : «قدمت مكة سنة مائة ، وعليها عبد العزيز ابن عبد الله بن خالد بن أسيد ، فقدم عليه كتاب من عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة ، ويأمر بتسوية بيوت منى. فكان الناس

__________________

(١) ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٤٣١ ، ٤٤٨.

(٢) سمي مفتاح الخير (أي سليمان). قال ابن قتيبة : «فافتتح بخير ، وختم بخير ، لأنه رد المظالم ، ورد المسيرين ، وأخرج المسجنين ، الذين كانوا بالبصرة ، واستخلف عمر بن عبد العزيز». ابن قتيبة ـ المعارف ١٥٧ ـ ١٥٨. وانظر : ابن جرير ـ تاريخ الطبري ٧ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ، القضاعي ـ تاريخ ٣٥٨.

(٣) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٢٢٠ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٦٢.

(٤) ما بين حاصرتين من (د). ولعله في أحد حواشي (أ) المطموسة.

(٥) انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ١٦٣ ، وفيه ابن أبي رواد عن أبيه ، وكذلك في شفاء الغرام ٢ / ٢٧٢.

٥٦

يدسون إليهم الكراء ويسكنون» ـ انتهى ـ.

ثم ولي مكة محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر (١) الصديق رضي‌الله‌عنه.

ثم عروة بن عياض بن عدي بن الحباب (٢) بن نوفل بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب.

ثم عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب (٣).

ثم عثمان بن عبيد الله (بن عبد الله) (٤) بن سراقة العدوي (٥).

وذكر ابن جرير (٦) : «أن عبد العزيز بن خالد هو الذي ولي مكة لعمر بن عبد العزيز مدة خلافته جميعها».

وجمع الفاسي (٧) فقال : «ولعل المذكورين من الولاة ولوا مكة لعمر بن عبد العزيز في زمن ولايته مكة (٨) عن الوليد بن عبد الملك ، في المدة التي كانت فيها ولايته على المدينة. فإن مكة كانت في ولايته أيضا ـ والله أعلم».

__________________

(١) انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٢ / ٣٥ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(٢) الفاسي ـ العقد الثمين ٦ / ٨٠ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧٣.

(٣) العقد الثمين ٥ / ٢٣٥ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧٣ ، وانظر : ابن حجر ـ تهذيب التهذيب ٥ / ٣٦٣.

(٤) ما بين قوسين سقط من (د) ، كما سقط من شفاء الغرام.

(٥) العقد الثمين ٦ / ٢٦ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧٣.

(٦) الطبري ـ تاريخ ٧ / ٤٥٧ ، ٤٦٧؟ ٤٩٣.

(٧) شفاء الغرام ٢ / ٢٧٣ ، وانظر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٨) سقطت من (ب) ، (ج).

٥٧

واستمر عمر بن عبد العزيز إلى أن توفي بدير سمعان (١) ـ بكسر السين ـ من أعمال حمص (٢) ، لعشر بقين من رجب سنة إحدى ومائة (٣) مسموما من بني أمية.

وكانت خلافته سنتان وستة أشهر وأيام. وله من العمر تسع وثلاثون سنة.

ومحاسنه كثيرة ، ومنها :

ـ أنه ترك لعن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وكانت / بنو أمية تفعله قبله ، وجعل عوض ذلك قراءة الآية : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ)(٤) ـ الآية.

ـ وقيل : قوله جل ذكره : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٥) ـ الآية. وقيل : بل جعلهما جميعا ، بدلا مما كانت تفعله بنو أمية. واستمر ذلك في الخطباء إلى عصرنا هذا. ـ ذكره المسعودي في مروج الذهب (٦).

__________________

(١) دير سمعان : دير بنواحي دمشق فيه قبر عمر بن عبد العزيز. ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٥١٧ ، ٣ / ٢٥٠.

(٢) حمص : مدينة مشهورة بين دمشق وحلب. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٥.

(٣) انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، القضاعي ـ تاريخ ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٥ / ١٢٠ ، ١٣٩.

(٤) سورة الحشر ـ الآية ١٠.

(٥) سورة النحل الآية ٩٠.

(٦) مروج الذهب ٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤ وهذا الخبر أكثر فيه المؤرخون ، وهو من الأكاذيب على بني أمية. لم يذكره ابن جرير الطبري ولا القضاعي. وذكره الذهبي عن لوط بن يحيى وهو من غلاة الشيعة. سير أعلام النبلاء ٥ / ١٤٧.

٥٨

وللشعراء فيه ـ رحمه‌الله مدائح ومراثي كثيرة. ولو لا خوف الإطالة لذكرت جملة منها (١).

[مكة في خلافة يزيد بن عبد الملك]

فولي الخلافة يزيد بن عبد الملك بعهد من أخيه سليمان (٢) ، وفي ذلك يقول الأحوص (٣) :

الآن استقر الملك في مستقره

وعاد لعرف حاله المتنكر

وعادت رؤوس المسلمين رؤوسهم

وردّ لهم ما أصبح الناس غيّروا

فولي مكة عبد العزيز السابق ذكره.

ثم عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس القرشي الفهري (٤) ، وكانت ولايته سنة مائة وثلاث.

ثم عبد الواحد بن عبد الله النصري (٥) ـ بالنون ـ من بني نصر بن

__________________

(١) انظر مثلا : أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ـ سيرة عمر بن عبد العزيز ٢٥٠ ـ ٢٥٣.

(٢) القضاعي ـ تاريخ ٣٦٥ ، السيوطي ـ تاريخ الخلفاء ٢٢٦ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٩ / ٢٥٩.

(٣) هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري. لقب بالأحوص لضعف في عينيه. شاعر حجازي منحرف ، فنفاه عمر بن عبد العزيز إلى اليمن من المدينة واستقدمه يزيد. انظر : الجمحي ـ طبقات فحول الشعراء ٢ / ٦٥٥ ـ ٦٦٨ ، ابن قتيبة ـ الشعر والشعراء ١ / ٥١٨ ، الأصفهاني ـ الأغاني ٤ / ٢٢٤ ـ ٢٦٨.

(٤) وكانت ولايته لمكة مع المدينة. الفاسي ـ العقد الثمين ٥ / ٣٥٩ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٧٣.

(٥) وليها مع المدينة والطائف. انظر : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٣٣٢ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٣ ، العقد الثمين ٥ / ٥٢٦ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٥٣٢

٥٩

معاوية. وذلك سنة مائة وأربع. وأضيفت إليه المدينة والطائف ـ قاله الفاسي (١) ـ.

[سيل المخبل]

وفي هذه السنة (٢) وقع سيل المخبل لأنه أصاب الناس بعده مثل الخبال لمرض حدث بهم عقبه في أجسامهم وألسنتهم. وكان سيلا عظيما دخل المسجد ، وذهب بالناس وأحاط بالكعبة.

وعقبه سيل آخر مثله في هذه السنة أيضا (٣).

واستمر يزيد إلى أن توفي أواخر شعبان سنة مائة وخمس. وقيل سبع ، عن أربع وثلاثين سنة ، ومدته أربع سنين وشهر (٤).

[مكة في خلافة هشام بن عبد الملك ١٠٥ ـ ١٢٥ ه‍]

فولي الخلافة هشام بن عبد الملك بعهد من أخيه.

فولي مكة في زمنه جماعة أولهم : عبد الواحد بن عبد الله

__________________

وفي بعض هذه المصادر «النضري». وهو خطأ.

(١) في شفاء الغرام والعقد الثمين.

(٢) أي في سنة ١٠٤ ه‍ حسب السياق. وهذا غير صحيح ، فهذا السيل وقع سنة ٨٤ ه‍ في خلافة عبد الملك بن مروان. فهو وهم من السنجاري. انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٣٩٧ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٤١٨.

(٣) وهذا أيضا وهم من السنجاري ، فالسيل المقصود حصل سنة ١٨٤ ه‍ في خلافة هارون الرشيد. انظر : الأزرقي ١ / ٣٩٧ ، الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٢٠٥ ، شفاء الغرام ٢ / ٤١٨.

(٤) انظر : ابن جرير ـ الطبري ـ تاريخ ٧ / ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ، القضاعي ـ تاريخ ٣٦٥.

٦٠