منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٤٨٠

[أبو الفتوح بين الولاء للعبيديين والعباسيين]

قال الفاسي (١) : «وفي زمن الحاكم كسيت الكعبة الديباج الأبيض والأحمر الخراساني» (٢).

وكتب إليه القادر (٣) في سنة ثلاثمائة وست (٤) وثمانين (يرغبه في الطاعة ، ويمنيه البقاء على الامارة ، فأنفذ أبو الفتوح الكتاب إلى العزيز صاحب مصر ، فبعث اليه العزيز) (٥) بالأموال (٦) والخلع ، فقسمها في قومه.

وفي سنة ثلاثمائة وتسعين ، استولى أبو الفتوح على المدينة (٧) ، وأخذها من بني مهنا (٨) الحسينيين.

ولم يزل إلى سنة أربعمائة واثنين ، وفيها أظهر الحاكم العبيدي ـ قبحه الله ـ سب أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ، والبراءة منهما.

فأنفت نفس أبي الفتوح ، وخرج من طاعته (بسبب ذلك.

__________________

(١) في شفاء الغرام ١ / ١٩٨. والذي جاء عند الفاسي : «ومن ذلك الديباج الأبيض في زمن الحاكم العبيدي ، وفي زمن حفيده المستنصر العبيدي». العقد الثمين ١ / ٥١. وانظر : ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٦٨.

(٢) تبع هذا اضطراب كثير في (أ). وذكر الدهلوي ناسخ (ج) بياض صحيح. والصفحة في (ب) غير مقروءة. وسقط كبير في (د).

(٣) في النسخ «الحاكم». وهذا خطأ. والصحيح القادر بالله الخليفة العباسي.

(٤) سقطت من (د).

(٥) ما بين قوسين سقط من (د).

(٦) وهذا يدل على تذبذب ولاء أبي الفتوح بين العباسيين والعبيديين.

(٧) انظر : الجزيري ـ درر الفرائد ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٢٦.

(٨) بنو مهنا الحسينيون : من الحسينيين أمراء المدينة.

٢٢١

ذكر ذلك المؤرخ ابن خلدون (١).

وهذا مخالف لما سبق من ذكر مغاضبته للحاكم ـ والله أعلم ـ.

ولم يزل) (٢) أبو الفتوح والي مكة حتى مات سنة أربعمائة وثلاثين ، ومدة امارته (٣) ثلاث وأربعون سنة (٤).

[ولاية شكر بن أبي الفتوح ٤٣٣ ـ ٤٥٣ ه‍]

ثم ولي مكة بعد أبي الفتوح ابنه شكر الملقب بتاج المعالي (٥) /.

(قال في العمدة (٦) : «واسمه محمد ، ويكنى أبا عبد الله ، ويلقب تاج المعالي) (٧) ، وكان جوادا مقداما عظيم القدر».

قال الميركي في التحفة السنية : «وفد عليه ـ يعني الشريف شكر ـ بعض العرب ، وكانت تحت العربي فرس مشهورة عجيبة الخلقة (٨) ، فأعجبت الشريف ، لكن لم يسعه طلبها من ذلك العربي ، لكونه نزل ضيفا عنده (٩).

فلما رجع ذلك العربي عند أهله ، أرسل إليه بعض قواده بمائة

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ـ العبر ٤ / ١٠١ ـ ١٠٥.

(٢) ما بين قوسين سقط من (د).

(٣) في (ب) «فمدة». وفي (ج) «ومدته».

(٤) انظر : ابن الأثير ـ الكامل ٨ / ١٨ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٩٥.

(٥) في (ب) «المعاني».

(٦) العمدة للشهاب بن عتبة. كما ذكر السنجاري في هذا الكتاب. وهو شهاب الدين أحمد بن علي بن الحسين بن مهنا بن عتبة الحسيني.

(٧) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٨) في (ب) ، (د) «الخلق».

(٩) في (ب) ، (د) «عليه». وذكر ناسخ (ج) «في نسخة أخرى عليه».

٢٢٢

دينار أحمر ، وقال له : انزل عليه في بعض الطريق ، واشتر منه الفرس (١) لك لا لي ، ولا تذكرني له.

فأدرك القائد العربي في بعض المنازل ليلا ، فنزل عليه. فلما عرفه أكرمه ، وفرح به ، وأتاه بعد ساعة بلحم. فأكلا ونام.

فلما أصبح ذكر له ما جاء له من جهة الفرس ، وأنه يريد شراءها منه ، فأتاه العربي بجلدها وأكرعتها وقال :

إنك لما نزلت علينا البارحة ، كرهنا أن لا نذبح لك ، فما وجدنا غير الفرس ، فذبحناها ، وكانت ضيافتك من لحمها.

فشكر له القائد ذلك ، وأسلمه المائة دينار. ورجع إلى الشريف شكر ، وأخبره بالخبر ، فقال له :

أحسنت ، ولو رجعت بالدراهم ألحقتك بالفرس ، وأما الآن فأنت حر لوجه الله تعالى» ـ انتهى ـ.

وفي سنة أربعمائة وثلاث وثلاثين (٢) انكسر الركن اليماني قدر اصبع ، وغفل الناس عن سدها ، وصارت (٣) القطعة عند قوم من أهل مكة من الحسنيين فحصل بمكة وباء عظيم وموت ، لا يقيم المريض أكثر من ثلاث ويموت. ومات من أهل الدار التي فيها (٤) القطعة من الركن نحوا من اثني عشر (٥) رجلا. فرأى بعض الصالحين من

__________________

(١) في (د) «الفلوس». وهو خطأ.

(٢) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٣٠٠ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٦٠ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٢٥٤.

(٣) في (ب) ، (ج) «وسارت».

(٤) في (ب) «فيه».

(٥) في شفاء الغرام ١ / ٣٠٠ ، واتحاف الورى ٢ / ٤٦٠ : «ثمانية عشر انسانا».

٢٢٣

المجاورين في المنام من يقول له : «ردّوا ما فقد من البيت [فإنه](١) يرفع عنكم الوباء»؟!.

فأخبر بذلك ، وردت القطعة ، فارتفع الوباء. ـ ذكره شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن علان الصديقي المكي / في تاريخه (٢).

واستمر الشريف شكر إلى أن توفي سنة أربعمائة وثلاث وخمسين.

قاله ابن الأثير (٣). وكانت وفاته في شهر رمضان المبارك.

وكان له شعر حسن ، فمن شعره قوله (٤) :

قوّض خيامك من أرض تهان (٥) بها

وجانب الذّلّ إنّ الذلّ يجتنب

وارحل إذا كان في الأوطان منقصة

فالمندل الرّطب في أوطانه (٦) حطب

ـ انتهى كلامه (٧) ـ.

__________________

(١) من (د).

(٢) الشيخ محمد بن علان الصديقي المكي ـ محمد بن علي بن محمد علان الصديقي. توفي سنة ١٠٥٧ ه‍. وله مؤلفات عدة.

(٣) الكامل في التاريخ ٨ / ٩٢. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١٠.

(٤) البيتان من نظم الحافظ الأمير أبي نصر علي بن هبة الله بن ماكولا. قتل قبل سنة ٤٩٠ ه‍. انظر : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٣ / ٣٠٦ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ١٢٤ ، الذهبي ـ سير ١٨ / ٥٧٧ ، ابن الأثير ـ الكامل ٨ / ٩٢ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٤٩٩.

(٥) عند ابن الأثير : «عن أرض تضام بها». وفي سير أعلام النبلاء : «عن دار أهنت بها».

(٦) في (ج) «اوطا».

(٧) أي كلام ابن الأثير في الكامل في التاريخ ٨ / ٩٢.

٢٢٤

ويقال إنه ملك مكة ثلاثا وعشرين سنة.

وذكر الميركي (١) ، عن ابن خلدون (٢) : «أن شكر المذكور ، حارب أهل المدينة ، وجمع بين الحرمين ولم يعقب. وإنما صار أمر مكة بعده إلى عبد له ـ كذا قال ابن حزم (٣) ـ.

وقال صاحب المرآة (٤) عن محمد الصولي (٥) : «أنه أخر بنتا ، وتزوج بها محمد بن جعفر أول أمراء الهواشم» الآتي ذكره.

[إنقراض دولة السليمانيين سنة ٤٥٤ ه‍]

وذكر العلامة جار الله (٦) بن فهد ما نصه : «وانقرضت دولة الهواشم (٧) بمكة في سنة أربعمائة وأربع وخمسين».

__________________

(١) الميركي في التحفة السنية.

(٢) تاريخ ابن خلدون ـ العبر ٣ / ٢٤٦.

(٣) جمهرة أنساب العرب ص ٤٧. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٠٧ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٠٠.

(٤) صاحب المرآة ، أي مرآة الزمان في تاريخ الأعيان. هو سبط بن الجوزي ـ طبع حيدر أباد. والعبارة في غاية المرام : «صاحب المرآة عن أحمد الصابي «١ / ٤٩٩.

(٥) محمد الصولي ـ محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس الصولي الكاتب الأديب. توفي سنة ٣٣٥ ه‍. ومن أشهر كتبه كتاب الوزراء. انظر : ياقوت ـ معجم الأدباء ٦ / ١٦٧٧ ـ ١٦٧٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ٤٥١. والأصح أنه المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابي. توفي سنة ٤١٦ ه‍. معجم الأدباء ٥ / ٢٢٧٨. وكلاهما وهم فهما قبل عهد شكر بكثير. والصحيح ما جاء في غاية المرام عن أحمد الصابي.

(٦) النجم بن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٦٧ ، أو العز بن فهد ـ غاية المرام ١ / ٤٩٧. فكلاهما يقال له جار الله ابن فهد.

(٧) الصحيح : «السليمانيين» حيث أعقبتهم دولة الهواشم كما ذكر ابنا فهد في المصدرين السابقين.

٢٢٥

قال ابن حزم (١) : وذلك لأن شكر لم يعقب ، وسار بقية السليمانيين إلى بدر» ـ انتهى ـ.

[بنو أبي الطيب الحسنيون]

ثم ولي مكة بنو أبي الطيب (٢) الحسنيون ، وهم الذين يقال لهم السليمانيون من جماعة شكر.

ولم يذكر الفاسي (٣) عدتهم ولا مدتهم. وكذلك ابن خلدون لم يذكر ابن أبي الطيب ، بل ذكر بعد موت شكر أول الهواشم محمد بن جعفر ... ابن الحسن (٤) بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ـ الآتي ذكره.

وقال السيد الميركي (٥) : «بنو أبي الطيب السليمانيون هم أصحاب الطبقة الثانية من بني حسن ولاة مكة منهم : محمد بن أبي الفاتك (٦) بن عبد الرحمن بن جعفر.

وهم قبائل أصحاب نجدة وخيل وعبيد.

وكان لعبد الرحمن المذكور أحد وعشرين ابنا ، منهم : أبو الطيب داود بن عبد الرحمن ، وبه عرف البيت ـ يقال لهم بنو آل أبي الطيب ـ وهم كثيرون ، وقد انقسموا بطونا وأفخاذا. فمنهم : (بنو وهاس ، وبنو علي ، وبنو مكثر ، وبنو سماح ، وبنو سماة ، وبنو عصام ، وبنو

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب ٤٧.

(٢) في (ج) «أبي طالب». وذكر الناسخ : «في نسخة أخرى أبي الطيب».

(٣) أنظر : ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ١٨٩.

(٤) في (د) «الحسين».

(٥) في التحفة السنية.

(٦) في (د) «الفالك». وهو خطأ.

٢٢٦

قاسم) (١) ، وبنو يحيى. وهم كلهم أولاد أبي الطيب (٢) إلا مكثر وسماح (٣) ، فإنهما من أولاد أولاده.

فأعقب وهاس (٤) ستة رجال : محمد ، وحازم ، ومختار ، ومكثر ، وصالح ، وحمزة. وسيأتي ذكره (٥) ان شاء الله تعالى.

[ولاية علي بن محمد الصليحي ٤٥٥ ـ ٤٥٦ ه‍ وقيام دولة الهواشم ٤٥٦ ه‍]

ثم ملك مكة المشرفة علي بن محمد الصليحي (٦) القائم باليمن.

وذلك في ذي الحجة. فإنه دخل مكة سادس ذي الحجة سنة أربعمائة وخمس وخمسين ، واستعمل العدل والإحسان لأهل مكة. فرخصت الأسعار ، واستراح معه الناس ، وكثر له الدعاء ، وكسى الكعبة أثوابا بيضاء. ورد ما أخذه بنو أبي الطيب / من حليتها لما ملكوا مكة.

فإنه لما انقرضت (٧) دولة السليمانيين (٨) في سنة

__________________

(١) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٢) في (ب) «طالب».

(٣) في (ب) ، (ج) «وشماخ». والاثبات من (د).

(٤) في (ب) «وإياس». وهو خطأ.

(٥) في هذا الكتاب.

(٦) علي بن محمد بن علي الصليحي ، مهر في أساليب الباطنية ودعا للمستنصر العبيدي. فاستولى على اليمن سنة ٤٥٥ ه‍. قتل سنة ٤٧٠ ه‍ ، قتله سعيد بن نجاح بثأر أبيه. انظر : ابن الجوزي ـ المنتظم ٥ / ١٦٥ ، ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٣ / ٤١١ ـ ٤١٥ ، ابن خلدون ـ تاريخ ٤ / ٢١٤ ـ ٢١٨ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١٨ ، ٣٥٩ ـ ٣٦٢ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١٠ ، العقد الثمين ٦ / ٢٣٨ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٦٨. ابن الديبع ـ عبد الرحمن بن علي بن محمد. توفي سنة ٩٤٤ ه‍. بغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد ص ٤٦ ـ ٤٧ وما بعد.

(٧) في (ب) ، (ج) «انقضت».

(٨) ذكر ناسخ (ج): «في نسخة أخرى

٢٢٧

أربعمائة (١) وثلاث وخمسين ، ولي (٢) بعدهم عبد لهم ، فغضب (٣) عليه بنو أبي الطيب الحسنيون ، وعروا البيت ، وأخذوا الميزاب ، وحملوا ذلك إلى اليمن. فابتاعه الصليحي ، ورده لما وصل مكة في السنة المذكورة إلى البيت ، واستمر بها إلى يوم عاشوراء ، وقيل إلى ربيع الأول سنة أربعمائة وست وخمسين. وعاد إلى اليمن.

[الحرة زوجة الصليحي]

قال في الوقائع (٤) : «كانت له زوجة حرة (٥) ، مدبرة مستولية عليه ، وعلى أهل اليمن ، واسمها الكاملة ، فخطب لها بعده على المنبر. فكان يقال : اللهم أدم أيام الحرة الكاملة السيدة كافلة المؤمنين. وكانت لها صدقات كثيرة وكرم فائض» ـ انتهى ـ.

[عودة الصليحي إلى اليمن وولاية جعفر بن أبي هاشم سنة ٤٥٦ ه‍]

قال : وسبب عوده إلى اليمن ، قيام الأشراف الحسنيين عليه ، فإنهم قالوا له : اخرج إلى بلدك ، واجعل لك بمكة نائبا من (٦) شئت.

__________________

الموسويين».

(١) في (أ) ، (لب) ، (ج) «خمسمائة». وهو خطأ. والاثبات من (د).

(٢) في (ج) «ومن».

(٣) في (ج) «فغضبوا».

(٤) الوقائع الحكمية للسيد البهنسي. وانظر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٠١.

(٥) الحرة الصليحية : أسماء بنت شهاب الصليحية زوجة علي بن محمد الصليحي. من شهيرات النساء. خطب لها مع زوجها على منابر اليمن. وهي حماة أروى بنت أحمد الملكة المعروفة بالحرة الصليحية. توفيت سنة ٤٧٩ ه‍ ، انظر : ابن الديبع ـ بغية المستفيد ص ٤٨ ـ ٤٩ ، الزركلي ـ الاعلام ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٦) في (أ) ، (ب) ، (ج) «إن». والاثبات من (د).

٢٢٨

فخرج ، وجعل على مكة محمد بن جعفر بن أبي هاشم (١).

واستخدم [له](٢) عسكرا ، وأعطاه مالا وسلاحا وخمسين فارسا.

وكان الداعي له على الخروج من مكة أن بني أبي الطيب ، كانوا قد اتسعوا من مكة لما قصدها الصليحي ، فجمعوا جموعا ، وأرسلوا له يطلبون الخروج من مكة ، وأن يولي عليهم واحدا منهم.

وكان قد وقع في جماعته الوباء. ومات منهم نحوا من سبع مائة رجل. فخرج منها على الصورة المذكورة.

قلت : وكان الصليحي المذكور من أهل الفضل والعلم ، أورد له ابن خلكان (٣) من الشعر قوله (٤) :

أنكحت بيض الهند سمر رماحهم

فرؤوسهم عوض النّثار نثار (٥)

وكذا العلا لا يستباح نكاحها

إلا بحيث تطلّق الأعمار

وأورد العماد (٦) في الخريدة قوله :

وألذّ من قرع المثاني عندنا (٧)

في الحرب ألجم يا غلام وأسرج

__________________

(١) هو أبو هاشم محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبي هاشم محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الحسني. انظر نسبه كاملا ص ٢٣٠ ؛ ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤١٩ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٠٩ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١.

(٢) زيادة من (د).

(٣) وفيات الأعيان ٣ / ٤١٥. وانظر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٠٨ ، والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٦٠.

(٤) والبيتان أيضا ذكرهما ابن الديبع في بغية المستفيد ص ٤٦.

(٥) في (ب) «ثار». وهو خطأ.

(٦) العماد الكاتب أحمد بن محمد. الخريدة ٣ / ٢٥٥. وانظر : ابن خلكان ٣ / ٤١٥ ، الفاسي ـ العقد الثمين ٦ / ٢٤٧ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥٠٨.

(٧) عند ابن خلكان ، وغاية المرام «عنده».

٢٢٩

خيل بأقصى حضر موت أشدّها

وزئيرها (١) بين العراق ومنبج (٢)

[ولاية محمد بن جعفر أول الهواشم ٤٥٦ ـ ٤٨٧ ه‍]

قال الفاسي (٣) : «ومحمد بن جعفر هذا أحد ملوك مكة المعروفين بالهواشم. وهو أبو هاشم محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبي هاشم محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن عبد الله ابن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

ودامت ولايته ثلاثين سنة».

وقال في الوقائع (٤) : «وفي سنة أربعمائة وسبع وخمسين حجّ أبو الغنايم (٥) نقيب الأشراف ، فأمر أمير مكة محمد بن جعفر بالدعاء في الخطبة للعباسيين (٦). فدعا للعباسي (٧) ولم يدع لصاحب مصر (٨).

وفي سنة أربعمائة وثمان وخمسين قطع صاحب مصر الميرة عن

__________________

(١) عند ابن خلكان ، وغاية المرام ، والعقد الثمين «وزئيرها».

(٢) منبج : من أشهر مدن العواصم الشامية. شمال حلب. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٣) شفاء الغرام ٢ / ٣١١ ، العقد الثمين ١ / ٤٣٩.

(٤) الوقائع الحكمية. وانظر : ابن خلدون ـ تاريخ ٤ / ١٠٣ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٧٠.

(٥) أبو الغنايم : محمد بن علي بن حسن الدجاجي البغدادي محتسب بغداد المعمر. مات سنة ٤٦٣ ه‍. انظر : الخطيب البغدادي ـ تاريخ ٣ / ١٠٨ ، الصفدي ـ الوافي ٤ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ، الذهبي ـ سير ١٨ / ٢٦٢ ـ ٢٦٤.

(٦) في (ج) «للفاطميين». وهو خطأ.

(٧) وهو الخليفة القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر أحمد (٤٢٢ ـ ٤٦٨ ه‍). انظر : ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ٩٢ ، الجزيري ـ درر الفرائد ٢٥٥.

(٨) وكان المستنصر العبيدي ابن الحاكم (٤٣٧ ـ ٤٨٧ ه‍).

٢٣٠

مكة (١) ، فقطع صاحب مكة الدعاء للعباسي ، ودعا لصاحب مصر.

(وفي سنة أربعمائة واثنتين وستين ، قطع محمد صاحب مكة الدعاء لصاحب مصر) (٢) ، وأخذ قناديل الكعبة ، وصفائح الذهب الذي على الباب ، وخطب لبني العباس (٣) ، وترك الأذان بحيّ على خير العمل ، وقد كان (٤) أيام الفاطميين ألزموهم بذلك.

فلما بلغ العباسيين (٥) ذلك بعثوا له بثلاثين ألف دينار.

[محمد بن جعفر وحمزة بن وهاس]

فقصده بنو سليمان الحسنيون ، وهم أولاد سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد الثاير بن موسى الثاني ، ويقال له الحرابي (٦) / لشجاعته.

ويقال لبنيه الحرابيون ، ومعهم حمزة بن وهاس (٧). فلاقاهم محمد بن جعفر المذكور ، وحاربهم فغلبوه ، وفر إلى ينبع.

فولي مكة حمزة بن وهاس.

فجمع محمد بن جعفر جموعا ، وقصد حمزة بن وهاس. وكانت بينهم حروب. ولم يزل حتى أخذ مكة من حمزة بن وهاس.

__________________

(١) انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٤٤١ ، وشفاء الغرام ٢ / ٣٦٢ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٧٠.

(٢) ما بين قوسين سقط من (د).

(٣) الخليفة القائم بأمر الله. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٦٢ ، ابن كثير ـ البداية ١٢ / ٣٩.

(٤) سقطت من (ب). وفي (د) «كانوا».

(٥) في (ج) ، (د) «العباسيون».

(٦) سقطت من (ب).

(٧) وانظر ذلك في : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١١.

٢٣١

[عليّ بن عيسى بن حمزة بن وهاس]

وأعقب حمزة أربعة رجال : عمارة (١) ، ومحمد ، ويحيى ، وعيسى. [فقتل](٢) يحيى عيسى على ولاية المخلاف باليمن. فهرب عليّ بن عيسى المقتول ـ بضم العين وفتح اللام ـ الى مكة ، وأقام بها.

قلت : وكان (٣) عالما فاضلا. وفي زمنه جاور بمكة جار الله الزمخشري (٤) ، وصنف الكشاف لعلي بن عيسى بن حمزة بن وهاس.

وللزمخشري [فيهم](٥) قصائد طنانة ، من ذلك قوله :

خليليّ من أعلا تهامة أنجدا

أخا كان غوريّ الهوى ثم أنجدا

أخالكما ان تسعدا (٦) ببكاكما

أخا لكما صبّا تفوزا وتسعدا

أخا زفرة كادت سوير (٧) ضلوعه

إذا استو كفت عينيه أطلال ثمهدا (٨)

إذا وعدت أخلاف مزن مخيلة

مخالفها لسقيا فأخلفن (٩) موعدا

أتتها مآقيه (١٠) وهنّ صوادق

بأوبل من وطف الغوادي وأجودا (١١)

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «امارة».

(٢) بياض في (أ). والاثبات من بقية النسخ.

(٣) ويعني السنجاري «علي بن حمزة بن وهاس».

(٤) محمود الزمخشري المعتزلي ، صاحب الكشاف وربيع الأبرار وأساس البلاغة ، وغيرها. انظر : مقدمة كتابه ـ ربيع الأبرار ١ / ٥ ـ ٢٨.

(٥) من (د).

(٦) في (ج) «تستعدا».

(٧) في (ج) «سوى». وغير واضحة في بقية النسخ. والاثبات من (ب).

(٨) في (أ) ، (ب) ، (ج) «همدا». والاثبات من (د).

(٩) في (ج) «فاخلف».

(١٠) في (د) «أماقية».

(١١) في (ب) ، (ج) «وأوجدوا».

٢٣٢

تأزّر مما أنبتت (١) عبراته

محلّ برقاء (٢) السماوة وارتدى

ولن تهمد (٣) النار التي يوم ثهمد

ألجّت (٤) على الأحشاء من حب منهدا (٥)

ثنت بشتيت أطلعت وموردا

غرامي شتيت والعذار موردا

ولم تر عينيّ مثلها خوط بانة

به يفتن الرائي إذا ما تأوّدا (٦)

وتحمل (٧) رمانا ووردا ونرجسا

وروض أقاح بات يصقله النّدا

ولا كابن وهاس فتى ضمّ برده

حساما وضرغاما وأخضر (٨) مزبدا

فتى هو حاو للمعاني (٩) بأسرها

وقد جلبت (١٠) منه المعالي بأوحدا

علا حسنيات (١١) سنيات أنبتت (١٢)

له بيت مجد في السناء (١٣) مشيّدا

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «أثبتت».

(٢) في (أ) ، (د) «ببرقاء». وفي (ب) ، (ج) «ترقاه». وذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «برقاء». وهو ما أثبتناه.

(٣) في (ج) «تخمد».

(٤) في (ج) ، (د) «ألحت».

(٥) في (ج) «مهددا».

(٦) في (د) «تراؤوا».

(٧) في (أ) «ويحمل». والاثبات من بقية النسخ.

(٨) والأخضر هنا : تعني أنه من خالص العرب. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٤ / ٢٤٥.

(٩) في (أ) بخط الحضراوي «هال بالمعالي». وفي (د) «حال بالمعالي». وفي (ب) ، (ج) «حاو للمعالي».

(١٠) في (أ) ، (ب) ، (ج) «حليت». وذكر ناسخ (ج) في نسخة إخرى «جلبت». وهو ما أثبتناه من (د).

(١١) في (ب) «حسينا».

(١٢) في (ج) «أثبتت».

(١٣) في (ب) ، (ج) ، (د) «السماء».

٢٣٣

نجيب نمته من ذؤابة هاشم

نصابا كفاه (١) بالنبوة محتدا

ومن يك ابنا للرسول وصهره (٢)

وزهرائه (٣) لم يأل فخرا وسؤددا

وختمها بقوله :

ومن لم يف مجدي نفسه ونصابه (٤)

وذاك ابن وهاس فقد بلغ المدى

[كسوة الكعبة]

قال الفاسي (٥) : «وفي سنة أربعمائة وست وستين ، كسيت الكعبة الديباج الأصفر [من](٦) فوق الديباج (٧) الأبيض [الذي](٨) كساها إياه أبو نصر الاستراباذي».

[فتنة عام سنة ٤٦٨ ه‍]

وفي سنة أربع مائة وثمان (٩) وستين وقعت فتنة بين أمير الحج

__________________

(١) في (أ) ، (ب) ، (ج) «لواه». والاثبات من (د).

(٢) في (ب) «وصفوة». وفي (أ) ، (ج) ، (د) «وصنوه». والاثبات من المحقق أكثر أدبا. حيث يعني هنا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

(٣) في (ج) «وزهراؤه». أي فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) البيت مضطرب كثيرا في النسخ فاخترت منها ما يؤدي المعنى. وقد علق ناسخ (ج) بقوله : كذا وجدناها ، وتأملناها غاية التأمل ، فلم يكن غير هذا ، فليراجع ديوانه وليصحح منه». انتهى.

(٥) شفاء الغرام ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩ ، وانظر : ابن تغري بردي ـ النجوم الزاهرة ٥ / ٩٥ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٧٦.

(٦) زيادة من (ب) ، (د).

(٧) سقطت من (ب) ، (د).

(٨) زيادة ضرورية من المحقق. يقتضيها تأدية المعنى كما هو في المصادر.

(٩) في (ب) «وثمانين». وهو خطأ.

٢٣٤

العراقي وعبيد مكة ، كان الظفر فيها للأمير (١).

[منبر المقتدي الخليفة العباسي سنة ٤٧٠ ه‍]

قال في الوقائع (٢) : «وفي سنة أربعمائة وسبعين في أيام الحج ، وصل منبر للخطيب من بغداد ، منقوش عليه بالذهب : «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، الإمام المقتدي (٣) بالله ، أمير المؤمنين.

فكسر أهل مصر المنبر ، وأحرقوه. ولم يتكلم أمير مكة وهو محمد ابن جعفر بشيء من ذلك. وكان هو وصل (٤) بسيفه» ـ انتهى ـ.

__________________

(١) وكان أمير الحج العراقي أبو منصور خطلغ بن كنتكين المعروف بالطويل. وهو أول تركي تأمر على الحاج. انظر : ابن تغري بردي ـ النجوم الزاهرة ٥ / ١٥٣ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ١١٣ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٧٨. واسم أمير الحاج في الفاسي ـ شفاء الغرام «خيلع التركي» ٢ / ٣٦٣. مع الاختلاف في ايراد الاسم نتيجة التحريف والتصحيف. وقد ترجم له ابن كثير باسم الأمير جنفل فتلغ أمير الحاج. كان مقطعا للكوفة ، وله وقعات مع العرب أعربت عن شجاعته. وأرعبت قلوبهم ... وقد كان حسن السيرة محافظا على الصلوات ، كثير التلاوة ، وله آثار حسنة بطريق مكة في اصلاح المصانع والأماكن التي يحتاج إليها الحجاج وغيرهم. وله مدرسة على الحنفية بمشهد يونس بالكوفة. وبنى مسجدا بالجانب الغربي من بغداد على دجلة. توفي في جمادى الأولى من سنة ٤٧٩ ه‍. ولما بلغ نظام الملك وفاته ، قال : مات ألف رجل!!. ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ١٣٢.

(٢) وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٦٣ ، وذكر ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ١١٧ ـ ١١٨ أن ابن الجوزي ذكر : «أن الوزير ابن جهير كان قد عمل منبرا هائلا لتقام عليه الخطبة بمكة. فحين وصل اليها إذا الخطبة قد أعيدت للمصريين. فكسر ذلك المنبر وأحرق». انظر : المنتظم ٨ / ٣١١ ـ ٣١٢ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٧٩.

(٣) في الأصول «المقتدر». وهو خطأ. والاثبات من المصادر السابقة.

(٤) في (ج) «وحل».

٢٣٥

[فتنة بين أهل السنة والرافضة سنة ٤٧٢ ه‍]

وفي سنة أربعمائة واثنتين وسبعين : وقعت بين أهل السنة والرافضة منازعة ، فشكت الرافضة ـ لعنهم الله (١) ـ إلى أمير مكة محمد بن جعفر العلوي. فأخذ فقيه الحرم [هياج بن](٢) عبد الله بن الحسين الشامي الحطيني ، وجماعة من أهل العلم (٣) ، فضربهم ضربا شديدا ، فمات اثنان في الحال تحت الضرب ، وبعضهم حمل ، وجلس أياما ومات ـ انتهى ـ.

واستمر محمد بن جعفر بعد أخذه مكة من ابن وهاس إلى سنة (أربعمائة وأربع وثمانين) (٤).

وهو أول من قطع خطبة (٥) المصريين ، وخطب لبني العباس. ونلل بذلك مالا عظيما من آل أرسلان السلجوقي (٦).

__________________

(١) وتعبير السنجاري يؤكد وجهة نظره تجاه الرافضة ، وتمسكه بأهل السنة والجماعة.

(٢) ما بين حاصرتين من اتحاف الورى ١ / ٤٨٠.

(٣) مثل : أبي محمد الأنماطي وأبي الفضل بن قوام. اتحاف الورى ١ / ٤٨٠.

(٤) ما بين قوسين سقط من (د). وانظر الخبر في ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥١٣.

(٥) في (ج) «الخطبة من». وفي (ب) «من مصر من بني العباس». وهو خطأ. وكان قطع الخطبة للمصريين سنة ٤٦٢ ه‍ أو ٤٦٣ ه‍. انظر : ابن فهد ـ اتحاف الورى ١ / ٤٧٢ ، ٤٧٣.

(٦) ألب أرسلان أشهر سلاطين السلاجقة ، وبطل معركة ملاذكرد سنة ٤٦٣ ه‍. والتي قررت مصير آسيا الصغرى ، فأصبحت من دار الإسلام. كما أعاد السلاجقة هيبة المذهب السني بعد سيطرة الرفض في ديار الإسلام وخاصة في العصر البويهي وسيطرة الديالمة على الخلفاء (٣٣٢ ـ ٤٤٨ ه‍). وتوفي السلطان ألب أرسلان قتلا سنة ٤٦٥ ه‍. انظر : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٥ / ٦٩ ـ ٧١ ،

٢٣٦

[حادثة التركماني]

فدخل مكة التركماني (١) ، فحاربه (٢) محمد بن جعفر ، فلم يقدر عليه ، ففرّ إلى جهة العراق ، فتبعهم بعض الجند ، فكرّ عليه محمد بن جعفر ، وضربه بالسيف ضربة قطع بها درعه وجسده والفرس ، حتى وصل السيف الأرض ، فبهت بقية الجند ، وانهزموا. فرجع / عليهم (٣) محمد المذكور ، وكان ذلك سبب الظفر ، فلحقه من معه ودخلوا مكة ، وهرب التركماني منها.

[تذبذب محمد بن جعفر بين الولاء للعباسيين والعبيديين]

قال الفاسي (٤) : «محمد بن جعفر هذا هو أول من أعاد الخطبة العباسية بمكة بعد انقطاعها نحوا من مائة سنة. وكان بعد ذلك يخطب حينا لبني العباس ، وحينا لملوك مصر ، ويقدم في ذلك من يعظم صلته».

وفي سنة أربعمائة وست وثمانين نهب محمد بن جعفر الحاج

__________________

الصفدي ـ الوافي ٢ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، الذهبي ـ سير ١٨ / ٤١٤ ـ ٤١٨ ، ابن العماد ـ شذرات الذهب ٣ / ٣١٨ ـ ٣١٩ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ١٠٦ ـ ١٠٧.

(١) وهم السنجاري فخلط بين الأحداث التي حدثت لمحمد بن جعفر سنة ٤٨٤ ه‍ بعد أن هرب من التركماني الى العراق ، وبين الأحداث سنة ٤٥٥ ه‍ بعد رحيل الصليحي ، عند ما قصده الحسنيون بنو سليمان مع حمزة بن وهاس ، فلم يكن لأبي هاشم بهم طاقة وخرج من مكة فتبعوه. فرجع وضرب واحدا منهم ضربة فقطع درعه وفرسه وجسده ، ووصل الى الأرض ، فدهشوا ورجعوا عنه ...». انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١١ ـ ٣١٢ ، العقد الثمين ١ / ٤٤٢ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٨٥ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥١٠ ، ٥١٤.

(٢) في (أ) ، (ب) ، (ج) «فحارب». والاثبات من (د).

(٣) في (أ) ، (ج) «عنهم». والاثبات من (ج) ، (د). مع ملاحظة أن ص (١٩٩) بخط الحضراوي.

(٤) في (أ) ، (ج) «الفاكهي». وهو خطأ. والاثبات من (ب) ، (د).

٢٣٧

العراقي (١).

وفي سنة أربعمائة وسبع وثمانين توفي المستنصر (٢) بالله العبيدي صاحب مصر ثامن عشر ذي الحجة ، فتولى مصر المستعلي بالله (٣) أبو القاسم أحمد ولد المستنصر (٤) بالله.

واستمر محمد بن جعفر إلى أن توفي سنة أربعمائة وثمان وثمانين (٥).

[ولاية القاسم بن محمد بن جعفر ٤٨٧ ـ ٥١٨ ه‍]

فولي مكة ابنه القاسم بن محمد بن جعفر ـ كذا قال الفاسي (٦) ـ.

وقال غيره : القاسم بن شميلة بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن أبي هاشم محمد بن الحسين بن محمد الثائر ـ وهذا البطن يقال لهم الهواشم.

__________________

(١) ولذلك بالغ ابن الأثير في ذمه. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١٢ ، الذهبي ـ العبر ٢ / ٣٥١ ، دول الإسلام ٢ / ١٥ ، ابن الأثير ـ الكامل ٨ / ١٦٨ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ، ابن فهد ـ غاية المرم ١ / ٥١٤.

(٢) في النسخ «المتنصر». وهو خطأ. انظر مثلا : ابن الأثير ـ الكامل ٨ / ١٧٢.

(٣) في النسخ «المستعز». وهو خطأ. انظر مثلا : ابن الأثير ـ الكامل ٨ / ١٧٣.

(٤) في النسخ «المتنصر». وهو خطأ.

(٥) توفي سنة ٤٨٧ ه‍. انظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٨ / ١٧٣ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٨٧ ، الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٤٨٩ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٢ / ١٤٧. واتفق المؤرخون عللى ذمه فقال ابن الأثير : «ولم يكن له ما يمدح به». وقال الذهبي : «كان ظالما قليل الخير». دول الإسلام ٢ / ١٥.

(٦) الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣١٢ ، العقد الثمين ٧ / ٢٨.

٢٣٨

وفي أيامه :

سلك طريق العراق ، واتصل حجهم ، وكان يؤتى [له](١) بالخلع والأموال.

ولم يزل إلى أن هجم عليه الأصبهيذ بن سارتكين (٢) في أوائل السنة المذكورة (٣). فهرب القاسم بن محمد ، وأقام الاصبهيذ (٤) بمكة إلى شوال سنة خمسمائة وثمان (٥) ـ كذا قال الميركي.

فجمع القاسم جموعا ، وكبس الاصبهيذ بعسفان في شوال سنة أربعمائة وثمان وثمانين ـ هكذا قال الفاسي (٦). وهو مخالف لما نقله الميركي ـ والله أعلم.

[اضطراب السنجاري وخلطه بين أحداث القرن السادس الهجري والسابع]

وقيل في هذه السنة (٧) أخذ التتار بغداد ، وقتل الخليفة المستعصم

__________________

(١) زيادة من (د).

(٢) عند ابن الأثير «الأصبهذ بن ساوتكين». الكامل في التاريخ ٨ / ١٧٣.

(٣) أي سنة ٤٨٨ ه‍. انظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٨ / ١٧٣ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥١٧ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٨٧.

(٤) الأصبهيذ بن سارتكين ـ بعد انهزامه في مكة خرج الى الشام ثم الى بغداد. انظر : ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥١٩ ـ ٥٢٠.

(٥) بالخطوط ٥٠٨ والصواب ما أثبتناه من اتحاف الورى لابن فهد ٢ / ٤٨٧ وغاية المرام ١ / ٥١٧ ..

(٦) شفاء الغرام ٢ / ٣١٢. وانظر : ابن فهد ـ اتحاف الورى ٢ / ٤٨٧ ، ابن فهد ـ غاية المرام ١ / ٥١٧.

(٧) وهذا من العجيب الغريب عند السنجاري. والأغرب متابعة النساخ لذلك فقد أثبتته جميع النسخ. ويبدو أنه من خطأ النساخ فالنسخة الأصلية للسنجاري مسودة. والصفحات هذه بخط الحضراوي وليست بخط السنجاري. ويعني بهذه السنة ٥٠٨ ه‍

٢٣٩

العباسي ، وذلك يوم الأربعاء أربعة عشر صفر من السنة المذكورة.

وبقيت الدنيا بلا خليفة إلى سنة خمسمائة وتسع (١).

فلما كان في رجب من هذه السنة ، قدم مصر أبو القاسم أحمد ابن أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله ، وهو عم الخليفة المستعصم» ، وأخو المستنصر ، وكان معتقلا ببغداد ، ثم أطلق ، فكان مع جماعة الأعراب بالعراق ، فقصد الملك الظاهر (٢) حين بلغه تملكه بمصر ، فقدم عليه صحبة جماعة من أمراء الأعراب عشرة ، منهم : الأمير ناصر الدين أبو مهنا.

فكان دخوله إلى القاهرة في ثاني رجب. فخرج السلطان للقائه ـ إلى آخر ما ذكره في تاريخ مصر العلامة السيوطي (٣).

وأثبت نسبه على القاضي ، وأشهد على نفسه بثبوت نسبه. وكان أول من بايعه شيخ الإسلام ابن عبد السلام (٤) ثم السلطان الملك الظاهر ، ثم القاضي ، ثم الأمراء على مراتبهم.

وركب في موكبه السلطاني ، إلى أن نزل بالقلعة.

ثم ركب يوم الجمعة في الموكب الأعظم إلى الجامع ، فخطب بالناس خطبة ، وذكر فضل بني العباس. ثم نزل فصلى بالناس. وكان

__________________

في حين أخذ التتار لبغداد كان سنة ٦٥٦ ه‍. كما سيأتي أيضا عند السنجاري. وكان الأولى حذف هذه الصفحات ولكني آثرت اثباتها للأمانة العلمية ، واثبات النص كما ورد. فليتأمل القاريء!!.

(١) وهذا خطأ فاحش. والصحيح سنة ٦٥٩ ه‍.

(٢) ويعني به الظاهر بيبرس مؤسس الدولة الجركسية المملوكية في مصر.

(٣) السيوطي ـ تاريخ الخلفاء ٤٧٧ ـ ٤٧٨.

(٤) ابن عبد السلام : شيخ الإسلام أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام ابن أبي القاسم بن الحسن سلطان العلماء. توفي سنة ٦٦٠ ه‍. ابن العماد ـ شذرات الذهب ٥ / ٣٠١ ـ ٣٠٢.

٢٤٠