أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]
المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤
الحسن ، نا أبو بكر محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي ، نا محمّد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، نا المعافى بن عمران ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أهل البدع شرّ الخلق والخليفة» [١٣٧٥٧].
ولدت عائشة في سنة سبع ـ أو سنة ثمان ـ وخمسمائة ، وتوفيت ليلة الخميس ودفنت يوم الخميس الثالث عشر من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة بمقبرة الباب الصغير.
٩٣٨٢ ـ عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمية (١)
تزوجها عبد الملك بن مروان فولدت له بكار بن عبد الملك. [وحكت عن زوجها عبد الملك](٢).
حكى عنها ابن أخيها أبو بكر بن عيسى بن موسى بن طلحة.
قرأت في كتاب عن عبد الصّمد بن عبد الله بن عبد الصّمد بن أبي يزيد الدمشقي ، نا معاوية بن صالح الأشعري ، حدّثني عبد الرّحمن بن شريك ، نا أبو بكر بن عيسى بن موسى ابن طلحة قالت : سمعت عائشة بنت موسى وكانت تحت عبد الملك بن مروان قالت : قال لي عبد الملك : يا عائشة لو لا أنّ مروان قتل طلحة (٣) ما تركت على ظهرها طلحيا إلّا قتلته.
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير قال (٤) : وولد موسى بن طلحة : عيسى ، ومحمّدا ، قتله شبيب الخارجي ، وعائشة تزوجها عبد الملك بن مروان ، فولدت له بكارا ، قتله عبد الله ابن علي (٥) ، وأمّهم أم حكيم بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق.
قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن فهم ، نا ابن (٦) سعد قال (٧) : فولد موسى بن طلحة : إبراهيم
__________________
(١) أخبارها في نسب قريش ص ١٦٤ و ٢٨٦ وطبقات ابن سعد ٥ / ١٦٢ و ٢٢٤.
(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن «ز».
(٣) وكان مروان بن الحكم رمى طلحة بن عبيد الله وأصابه. وذلك في وقعة الجمل.
(٤) الخبر في نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٢٨٦.
(٥) وذلك في يوم نهر أبي فطرس ، راجع جمهرة ابن حزم ص ٨٩.
(٦) بالأصل : أبو ، تصحيف.
(٧) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ١٦٢.
ابن موسى ، وعائشة تزوجها عبد الملك بن مروان ، فولدت له بكارا ، ثم خلف عليها علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، وقريبة بنت موسى ، وأمّهم أم حكيم بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق (١).
[عبدة](٢)
٩٣٨٣ ـ عبدة بنت أحمد بن عطية العنسية
أخت أبي سليمان الداراني من النسوة المتعبدات ، لها ذكر.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ (٣) ، نا أحمد بن إسحاق ، نا إبراهيم بن محمّد بن الحارث ، نا أحمد بن أبي الحواري ، قال : سمعت أبا سليمان يقول : إنّي لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به [وقد](٤) أصابني مرض لم أعرف له سببا ، قال : فدخلت عليّ أختي ، فقلت لها : دعوت الله أن يسلط علي المرض؟ قالت : نعم ، قال : لو لم أجد إلّا أن أعترض على الحمار لم أدع الحج ، قال أحمد : فخرج إلى الحجّ.
أخبرنا أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصّمد بن علي بن الحسين ، أنا المبارك بن عبد الجبار بن أحمد ، أنا أبو طاهر محمّد بن علي بن محمّد بن يوسف بن العلّاف الواعظ ، أنا أبي أبو الحسن علي بن محمّد ، أنا أبو علي محمّد بن أحمد بن الحسن بن الصوّاف ، أنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ، نا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان يقول :
إني لأعرف الذنب الذي به أمرض ، فمرضت مرضة فلم أعرف لها سببا ، وكانت لأبي سليمان أختان إحداهما عبدة ، والأخرى أمينة ، فقال لي سليمان : إن عمتي (٥) أزهد من أبي ، يعني عبدة ، قال أبو سليمان فقلت لأختي : سألت الله أن يسلّط عليّ الحمّى؟ قالت : نعم ، قال : لو صار أن أعترض على حمار لم أدع الحج ، قال : فخرجت فما زلت عليلا.
__________________
(١) الخبر السابق سقط من «ز».
(٢) زيادة عن «ز».
(٣) الخبر في حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ ٩ / ٢٦٧.
(٤) زيادة عن حلية الأولياء.
(٥) بالأصل و «ز» : «ابنة عمي» خطأ ، والصواب ما أثبت ، باعتبار السياق ، لأن «عبدة» هي عمة سليمان بن أبي سليمان الداراني.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنا علي بن محمّد بن محمّد ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، نا سلمة بن شبيب ، نا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان الداراني يقول : وصفت لأختي عبدة قنطرة من قناطر جهنم ، فأقامت يوما وليلة في صبيحة واحدة ما سكتت ، ثم انقطع عنها بعد فكلما (١) ذكرت لها صاحت صيحة واحدة ثم سكتت ، قلت من أي شيء كان صياحها؟ قال : مثلت نفسها على القنطرة وهي تكفأ بها.
٩٣٨٤ ـ عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية
ابن أبي سفيان بن حرب بن أميّة بن عبد شمس (٢)
زوج هشام بن عبد الملك ، كانت دارها بدمشق بشام الجامع بغرب.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء ، وأبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنا ، قالوا : أنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنا أبو طاهر الذهبي ، نا أبو سليمان ، نا الزبير قال (٣) : في تسمية ولد عبد الله بن يزيد بن معاوية : وعبدة بنت عبد الله تزوجها هشام بن عبد الملك ، فولدت له ، وأمّها أم موسى بنت عمرو بن سعيد بن العاص ، وعبدة بنت عبد الله هي المذبوحة ، ذبحت أيام عبد الله بن علي بن العباس ، ولها يقول عمرو بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص حين أخذت أمها أم موسى بنت عمرو بن سعيد درع عبدة بنت عبد الله :
يا عبد لا تأسي عليّ بعدها |
|
فالبعد خير لك من قربها |
لا بارك الرحمن في عمتي |
|
ما أبعد الإيمان من قلبها |
أخبرنا أبو العزّ بن كادش مناولة وإذنا ، وقرأ عليّ إسناده ، أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى القاضي (٤) ، نا أبو بكر وهو ابن الأنباري ، حدّثني أبي ، نا الحسن بن عبد الرّحمن الربعي ، حدّثني عياش بن عبد الواحد ، حدّثني ابن عياش ، حدّثني أبي قال :
كانت عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية عند هشام بن عبد الملك ، وكانت من أجمل النساء ، فدخل عليها يوما وعليها ثياب سود رقاق من هذه التي يلبسها النصارى يوم
__________________
(١) بالأصل و «ز» : «فكل ما».
(٢) نسب قريش للمصعب ص ١٣٢ وجمهرة ابن حزم ص ٩٢ و ١١٢ وأنساب الأشراف ٨ / ٣٦٨ (طبعة دار الفكر).
(٣) انظر نسب قريش للمصعب ص ١٣٢.
(٤) رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح ٣ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧.
عيدهم ، فملأته سرورا حين نظر إليها ، ثم تأمّلها فقطب ففطنت (١) ، فقالت : ما لك يا أمير المؤمنين؟ أكرهت هذه ، ألبس غيرها؟ قال : لا ، ولكن رأيت هذه الشامة التي على كشحك من فوق الثياب ، وبك تذبح النساء ـ وكان بها شامة في ذلك الموضع ـ أما إنهم سينزلونك (٢) عن بغلة شهباء وردة ـ يعني بني العباس ـ ثم يذبحونك ذبحا.
قوله بك تذبح (٣) النساء ، يعني إذا كانت دولة لأهلك ذبحوا بك من نساء القوم الذين ذبحوك ، فأخذها عبد الله بن علي بن العباس ، فكان معها من الجوهر ما لا يدرى ما هو ، ومعها درع يواقيت وجوهر منسوج بالذهب ، فأخذ ما كان معها ، وخلّى سبيلها ، فقالت في الظلمة : أي دابة تحتي؟ قيل لها دهماء كظلمة الليل ، فقالت : نجوت ، قال : فأقبلوا على عبد الله بن علي ، فقالوا : ما صنعت أدنى ما يكون يبعث أبو جعفر إليها ، فيخبره بما أخذت منها ، فيأخذه منك ، اقتلها. فبعث في إثرها ، وأضاء الصبح ، فإذا تحتها بغلة شهباء وردة (٤) ، فلحقها الرسول فقالت : مه ، قال : أمرنا بقتلك ، قالت : هذا أهون عليّ ، فنزلت فشدّت درعها من تحت قدميها وكميها على أطراف أصابعها وخمارها فما رئي من جسدها شيء ، والذي لحقها مولى لآل العباس.
قال ابن عائشة : فرأيت من يدخل دورنا يطلب اليواقيت للمهدي ليتم به تلك الدرع التي أخذت منها ، وإنما كانت [بدنا](٥) يغطي (٦) المرأة إذا قعدت.
قال الحسن بن عبد الرّحمن : فلما دخل البصرة الزّنج فيما أخبرني مشايخنا ـ لا يختلفون ـ دخلوا دار جعفر بن سليمان بن (٧) عبد الله بن العباس فجاءوا إلى بنته آمنة وهي عجوز كبيرة قد بلغت تسعين سنة ، فلما رأتهم قالت لهم : اذهبوا بي إليه ، فإنه ابن خال جدتي أم الحسن (٨) بنت جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي. قالوا : بك أمرنا ، فقتلوها (٩).
__________________
(١) سقطت من الجليس الصالح.
(٢) بالأصل : «سينزل بك» والمثبت عن «ز» ، والجليس الصالح.
(٣) الحرف الأول بدون إعجام بالأصل و «ز» ، أعجمت الكلمة عن مختصر ابن منظور.
(٤) من قوله : ذبحا ... إلى هنا سقط من الجليس الصالح.
(٥) سقطت من الأصل و «ز» ، والمطبوعة وزيدت عن الجليس الصالح.
(٦) بالأصل و «ز» : تعطي ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٧) في الجليس الصالح : سليمان بن علي بن عبد الله.
(٨) كذا بالأصل و «ز» والمطبوعة ، وفي الجليس الصالح : أم الحسين.
(٩) في الجليس الصالح : بل أمرنا بقتلك ، فقتلوها.
قرأت بخط أبي بكر أحمد بن محمّد بن أحمد بن شرام (١) ، أنا أبو القاسم عبد الرّحمن ابن إسحاق الزجاجي النحوي ، قال : أنا الأخفش ، أنا ثعلب ، نا أحمد بن إبراهيم قال :
كانت عبدة بنت عبد الله الأسوار بن يزيد بن معاوية عند يزيد بن عبد الملك ثم خلف عليها هشام ، وكانت من أحب الناس إليه ، وكانت حولاء جميلة ، فقبض عليها عبد الله بن علي بحمص ودفعها إلى الكاملي (٢) ، وقال له : اذهب بها فاذبحها ، فلمّا ضرب بيده إليها أنشأت تقول متمثّلة بشعر خال الفرزدق :
إذا جرّ الزمان على أناس |
|
كلاكله أناخ بآخرينا |
فقل للشامتين بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |
فقال لها : يا خبيثة أتدرين لم أقتلك؟ قالت : لا ، قال : إنّما أقتلك بامرأة زيد بن علي ، فذهب بها الكاملي (٣) فذبحها بخربة بحمص ، فيقال : إنّ السفياني يخرج ثائرا بها.
قال أبو القاسم هكذا أنشدنا هذين البيتين في هذا الخبر ، وأنشدنا أبو بكر بن السراج قال : أنشدني المبرّد عن المازني عن الجرمي (٤) :
فإن نغلب فغلّابون قدما |
|
وإن نغلب فغير مغلّبينا (٥) |
وما إن طبنا جبن ولكن |
|
منايانا ودولة آخرينا |
فقل للشامتين بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |
[عتبة](٦)
٩٣٨٥ ـ عتبة المدنية
قرأت في كتاب أبي الفرج الأصبهاني ، حدّثني الحسن (٧) بن علي الخفاف ، حدّثني
__________________
(١) بدون إعجام بالأصل و «ز» ، أعجمت قياسا إلى سند سابق.
(٢) بالأصل : الكاثلي ، وفي «ز» : الكابلي ، والمثبت عن المطبوعة.
(٣) بالأصل و «ز» : الكابلي.
(٤) البيتان الأول والثاني من أبيات في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٨ ونسبها إلى فروة بن مسيك. والأبيات أيضا في خزانة الأدب ٤ / ١١٥ نسبت أيضا لفروة بن مسيك المرادي.
(٥) غير مغلبينا ، المغلب المغلوب مرارا.
(٦) زيادة عن «ز».
(٧) بالأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن «ز».
الفضل بن محمّد اليزيدي ، حدّثني إسحاق الموصلي ، عن الزبيري (١) ، عن محمّد بن يحيى ، [عن أبيه](٢) عن جده قال :
كانت بالمدينة جارية جميلة يقال لها عتبة ، وكان لها في الغناء ذكر كبير ، فلما ولي الوليد بن يزيد الخلافة أمر بأن تخرج إليه ، فأخرجت ، فلمّا قدمت عليه دعا بها ، وجمع ندماءه والمغنّين (٣) فلما رأت كثرة من حضر ممن يغني قالت : يا أمير المؤمنين قد دعوت بي ، فاسمع ما عندي ، فإن أعجبك فاصرف هؤلاء واستمتع بما سمعت مني ، وإن لم يعجبك فاصرفني وأقبل عليهم. فقال لها : هاتي ، فقد أنصفت (٤) في القول ، فغنّت :
يقولون من طول اعتلالك بالقذى (٥) |
|
أجدك ما تلقى لعينيك شافيا |
بلى ، إن بالجزع الذي ينبت الغضى |
|
لعينيّ لو لاقيته لمداويا |
وأقبلن (٦) من أقصى الخيام يعدنني |
|
بقية ما أبقين نصلا يمانيا (٧) |
يعدن مريضا هن هيّجن داءه |
|
ألا إنما بعض العوائد دائيا |
تجمعن شتى من ثلاث وأربع |
|
وواحدة حتى كملن ثمانيا |
فقال لها : أحسنت. والله ما نريد مزيدا عليك ، وأمر بالمغنين فانصرفوا يومئذ ، واقتصر عليها.
[عثامة](٨)
٩٣٨٦ ـ عثامة بنت بلال بن أبي الدرداء
امرأة متعبدة.
ذكر أبو العباس أحمد بن محمّد بن مسروق الطوسي ، نا محمّد بن الحسين أبو شيخ
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وفي المطبوعة : الزبيدي.
(٢) سقطت اللفظتان من الأصل واستدركتا عن «ز».
(٣) بالأصل : والمغنيين ، والمثبت عن «ز».
(٤) كذا بالأصل و «ز» ، والمختصر لابن منظور ، وفي المطبوعة : أصبت.
(٥) في «ز» : بالعدا.
(٦) الأبيات الثلاثة التالية لسحيم عبد بني الحسحاس ، وهي من قصيدة له في ديوانه ص ٢٣.
(٧) عجزه في ديوان سحيم : نواهد لم يعرفن خلقا سوائيا.
(٨) زيادة عن «ز».
الترجماني (١) ، حدّثني الحسن بن عبد العزيز بن الوزير الجذامي ، حدّثني عبد الله بن يوسف الدمشقي :
أن عثامة بنت بلال بن أبي الدرداء كفّ بصرها ، وكانت متعبدة ، فدخل عليها ابنها يوما وقد صلى فقالت : أصليتم أي بني؟ قال : نعم ، فقالت :
عثام ما لك لاهيه |
|
حلّت بدارك داهيه |
أبكي الصلاة لوقتها |
|
إن كنت يوما باكيه |
وابكى القرآن إذا تلي |
|
قد كنت يوما تاليه |
تتلينه بتفكر |
|
ودموع عينك جاريه |
لهفي عليك صبابة |
|
ما عشت طول حياتيه |
٩٣٨٧ ـ عريب المأمونية (٢)
قيل أنها ابنة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي لما انتهت دولة البرامكة سرقت وهي صغيرة ، وبيعت ، واشتراها الأمين ثم اشتراها المأمون ، وكانت شاعرة مجيدة ، ومغنية محسنة ، وقدمت دمشق مع المأمون وقد ذكرنا ما يدل على قدومها في ترجمة إبراهيم بن يحيى بن المبارك.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن علي ، أنا محمّد بن أحمد بن عبد العزيز ، أنا أحمد بن محمّد بن الصلت ، نا علي بن الحسين بن محمّد الأصبهاني ، حدّثني محمّد بن يزيد ، ويحيى بن علي قالا : نا حماد بن إسحاق قال : قال أبي :
ما رأيت امرأة قط أحسن وجها ، وأدبا ، وغناء ، وضربا (٣) ، وشعرا ، ولعبا بالشطرنج ، والنّرد من عريب وما تشاء أن تجد خصلة حسنة طريفة بارعة في امرأة إلّا وجدتها فيها.
قال : ونا الأصبهاني (٤) [حدّثني جحظة ، حدّثني علي بن يحيى المنجم قال : خرجت
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وعلى هامش «ز» : البرجلانية.
(٢) انظر ترجمتها وأخبارها في الأغاني ٢١ / ٥٨ وتبصير المنتبه ص ٩٤٣ أشعار أولاد الخلفاء ص ٩٨ والإماء الشواعر ص ٩٩ ونهاية الإرب ٥ / ٩٥ ـ ١١٢. وعريب ، ضبطت بالضم في تبصير المنتبه وفيه : وبالضم عريب مغنية المتوكل ، لها أخبار. وعريب ضبطت بالقلم بفتحة فوق العين في الأغاني والإماء الشواعر.
(٣) كذا بالأصل و «ز» ، والمطبوعة ، وفي مختصر ابن منظور : وصوتا.
(٤) الخبر في الأغاني ٢١ / ٧٨ باختلاف الرواية والإماء الشواعر ص ٩٩ ـ ١٠٠.
يوما من حضرة المعتمد](١) فصرت إلى عريب فلما قربت من دارها أصابني مطر بلّ ثيابي إلى أن وصلت إلى دارها ، فلما وصلت إليها أمرت بأخذ ثيابي عني وأتتني بخلعة فلبستها ، وأحضرنا الطعام فأكلنا ، ودعت بالنبيذ ، وأخرجت جواريها ، ثم سألتني عن خبر الخليفة في أمس ذلك اليوم ، وشربه وأيش كان صوته ، وعلى من كان؟ فأخبرتها أن بنانا غناه :
وذي كلف بكى جزعا |
|
وسفر القوم منطلق |
به قلق يململه |
|
وكان وما به قلق |
جوارحه (٢) على خطر |
|
بنار الشوق تحترق |
جفون حشوها الأرق |
|
تجافى ثم تنطبق (٣) |
فأمرت صاحبا لها بالمصير إلى بنان وإحضاره ، فمضى إليه وجاء بنان معه ، وقدّم إليه الطعام ، فأكل وشرب ، وأتي بعود ، فاقترحت عليه الصوت فغنّاه ، فأخذت دواة ودرجا (٤) وكتبت (٥) :
أجاب الوابل الغدق |
|
وصاح النرجس الغرق |
فهات الكأس مترعة |
|
كان حبابها حرق |
زاد غيره (٦) :
يكاد لنور بهجته |
|
حواشي الكأس تحترق |
وقال :
فقد غنى بنان لنا : |
|
«جفون حشوها الأرق» |
قال علي بن يحيى : فعدل بنان بلحن الصوت إلى شعرها ، وغنانا فيه ، فشربنا عليه بقية يومنا حتى سكرنا.
قال : ونا الأصبهاني ، قال (٧) : حدّثني هاشم بن محمّد الخزاعي ، قال : حدّثني ميمون
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن «ز».
(٢) كذا بالأصل و «ز» ، والإماء الشواعر ، وفي الأغاني : جوانحه.
(٣) في الأغاني والإماء الشواعر جعل صدره عجزه وعجزه صدره.
(٤) الدرج : الورق الذي يكتب فيه.
(٥) البيتان في الأغاني والإماء الشواعر.
(٦) البيت التالي ليس في الأغاني ولا في الإماء الشواعر.
(٧) الخبر في الأغاني ٢١ / ٨٦ والإماء الشواعر ص ١٠٢.
ابن هارون ، قال : كتبت عريب إلى محمّد بن حامد الذي كانت تحبه تستزيره ، فكتب إليها : إني أخاف على نفسي من المأمون ، فكتبت إليه :
إذا كنت تحذر ما نحذر |
|
وتعلم أنك لا تجسر |
فما لي أقيم على صبوتي |
|
ويوم لقائك لا يقدر |
قال : فكتب إليها محمّد بن حامد يعاتبها على شيء بلغه عنها ، فاعتذرت إليه ، فلم يقبل عذرها فكتبت إليه :
تبينت عذري فما تعذر |
|
وأبليت جسمي وما تشعر |
ألفت السرور وخلّيتني |
|
ودمعي من العين ما يفتر |
فقبل عذرها ، وصار إليها.
قال : ونا الأصبهاني قال (١) : وحدّثت عن بعض جواري المتوكل أنّها دخلت يوما على عريب فقالت لها : تعالي ويحك قبلي هذا الموضع مني ، فإنك ستجدين ريح الجنّة منه ، وأومأت إلى سالفتها (٢) قال : ففعلت وقالت لها : ما السبب في هذا ، فقالت : قبّلني [الساعة](٣) صالح المنذري في ذلك الموضع.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنا أبو القاسم النسيب وأبو الوحش المقرئ ، عن رشأ بن نظيف ، أخبرني أبو الفتح إبراهيم بن علي بن الحسين ، نا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثني عبيد الله بن محمّد الموصلي قال : حدّثني قطبة بن سعيد الكاتب قال :
كان المعتصم يطرق عريب كثيرا فشغل أياما عنها ، وكانت تتعشق فتى ، فأحضرته ذات يوم وقعدت تسقيه وتشرب معه وتغنيه ، إذ أقبل أمير المؤمنين المعتصم ، فأدخلته بعض المجالس ، ووافى المعتصم فرأى من الآلة والزي ما أنكره ، وقال لها : ما هذا؟ قالت : جفاني أمير المؤمنين هذه الأيام ، واشتدّ شوقي إليه ، وعيل صبري ، فتمثّلت مجلس أمير المؤمنين إذا طرقني ، وأحضرت من الآلة ما كنت أحضره إذا زارني ، وأكرمني ، ونصبت له شرابه بين يديه كما كنت أفعل ، وجعلت شرابي بين يدي كما كنت أصنع ، ثم غنيت لأمير المؤمنين صوته ،
__________________
(١) الخبر في الإماء الشواعر ص ١٠٢.
(٢) السالفة : ناحية مقدم العنق من لدن معلق القرط إلى نقرة الترقوة.
(٣) سقطت من الأصل ، واستدركت للإيضاح عن «ز» ، والإماء الشواعر.
وشربت كأسه ، وغنيت صوتي ، وشربت كأسي ، فهذه حالي إلى أن دخل سيدي أمير المؤمنين فصح فالي ، فقعد المعتصم ، وشرب ، وفرح ، وسكر ؛ فلما انصرف أخرجت الفتى فما زالا في أمرهما إلى الصبح.
أخبرنا أبو بكر بن المزرفي (١) ، أنا أبو منصور بن عبد العزيز ، أنا أحمد بن محمّد بن الصلت ، أنا أبو الفرج الأصبهاني (٢) ، أخبرني جعفر بن قدامة ، حدّثني عبد الله بن المعتز قال :
رفعت إليّ رقاع لعريب ، مكاتبات منثورة ومنظومة فقرأت رقعة منها إلى المأمون وقد خرج إلى فم الصلح (٣) لزفاف بوران :
انعم تخطتك صروف الردى |
|
بقرب بوران مدى الدهر |
درة خدر لم يزل نجمها |
|
بنجم مأمون العلى يجري |
حتى استقر الملك في حجرها |
|
بورك في ذلك من حجر |
يا سيدي لا تنس عهدي فما |
|
أطلب شيئا غير ما تدري |
قال عبد الله : فذكرت ذلك لعجوز من جواري بوران فعرفت القصة.
وحدّثتني أن المأمون قرأ الرقعة على بوران وقال : أفهمت معنى الزانية؟ قالت : نعم ، فبالله يا سيدي إلّا سررتني بالكتاب بحملها (٤) إليك ، فحملت إليه (٥).
ومن شعرها في المتوكل قولها :
بجعفر زادنا (٦) الرحمن إيمانا |
|
جزاه ذو العرش بالإحسان إحسانا |
وزاد في عمره طولا ومدّ له |
|
فيه وأعلى له في الأرض سلطانا |
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله إذنا ومناولة ، وقرأ عليّ إسناده ، أنا محمّد بن
__________________
(١) بالأصل : المرزقي ، وفي «ز» : المزر؟؟؟ قي ، تصحيف.
(٢) الخبر والشعر في الإماء الشواعر ص ١٠٧.
(٣) فم الصلح مدينة على شرقي دجلة ، فوق واسط ، بينها وبين جبّل ، وبها بنى المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل (انظر معجم البلدان).
(٤) الحرف الأول لم يعجم بالأصل ، وفي «ز» : «يحملها» والمثبت عن الإماء الشواعر.
(٥) بدل : «فحملت إليه» في الإماء الشواعر : فإنني والله أسرّ بذلك وأشكره من تفضلك فضحك ، وأمر بالكتاب بحملها.
(٦) في الإماء الشواعر : زادني.
الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (١) ، نا محمّد بن يحيى الصولي ، نا أبو العيناء ، نا أحمد بن جعفر بن حامد ، قال : لما توفي عمي محمّد بن حامد وهو الذي كانت عريب تحبّه صار أبي (٢) إلى منزله لينظر إلى تركته ، فأخرج إليه سفط مختوم ، فإذا فيه رقاع عريب ، فجعل يتصفحها ويضحك ، فأخذت منها رقعة فإذا فيها شعر لها :
ويلي عليك ومنكا |
|
أوقعت في القلب (٣) شكا |
زعمت أنّي خئون |
|
جورا عليّ وإفكا |
ولم يكن ذاك مني |
|
إلّا مجونا وفتكا |
إن كان ما قلت حقّا |
|
أو كنت حاولت تركا |
فأبدل الله قلبي |
|
بفتكة الحبّ نسكا |
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين ، أنا محمّد بن محمّد بن عبد العزيز ، أنا أبو الحسن ابن الصلت ، أنا أبو الفرج علي بن الحسين ، حدّثني عرفة وكيل بدعة (٤) قال (٥) : دخلت عريب إلى المتوكل ، وقد نهض من علة أصابته وعاد إلى عاداته ، واصطبح ، فغنت :
شكرا لأنعم من عافاك من سقم |
|
كنت المعافى من الآلام والسقم (٦) |
عادت بنورك (٧) للأيام بهجتها |
|
واهتز بيت (٨) رياض الجود والكرم |
ما قام للدين (٩) بعد المصطفى ملك |
|
أعفّ منك ولا أرعى على الذمم |
فعمّر الله فينا جعفرا ونفى |
|
بنور سنته عنّا دجى الظّلم |
فطرب وشرب عليه رطلا ، وأجلسها إلى جنبه ، ولم تزل تغنيه إياه ، ويشرب عليه حتى سكر.
__________________
(١) الخبر والشعر في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٥٣ والأغاني ٢١ / ٦٩.
(٢) في الأغاني : جدي.
(٣) في الأغاني : في الحق.
(٤) بدعة جارية عريب ، مغنية أديبة شاعرة ، انظر أخبارها في الإماء الشواعر ص ١٣٩.
(٥) الخبر والشعر في الإماء الشواعر ص ١٠٢ ـ ١٠٣.
(٦) في الإماء الشواعر : دمت المعافى من الأيام والسقم.
(٧) في الإماء الشواعر : ببرئك.
(٨) في الإماء الشواعر : نبت.
(٩) في الإماء الشواعر : ما قام بالجود.
قال (١) : ودخلت إليه قبل نهوضه من العلة والحمى تعتاده ، فقال لها : أنت مشغولة عني [بالقصف](٢) ، وأنا عليل ، فقالت هذا الشعر :
أتوني وقالوا : بالخليفة علة |
|
فقلت : ونار الشوق تقدح في صدري |
ألا ليت بي حمى الخليفة جعفر |
|
فكانت لي (٣) الحمى وكان له أجري |
كفى حزنا أن قيل حم ، فلم أمت |
|
من الحزن ، إني بعد هذا لذو صبر |
جعلت فداء للخليفة جعفر |
|
وذاك قليل للخليفة من شكر |
فلمّا عوفي قالت :
حمدنا الذي عافى الخليفة جعفرا |
|
على رغم أشياخ الضّلالة والكفر |
وما كان إلّا مثل بدر أصابه |
|
كسوف قليل ، ثم أجلى (٤) عن البدر |
سلامته للدين عزّ وقوّة |
|
وعلّته للدين قاصمة الظهر |
مرضت فأمرضت البرية كلها |
|
وأظلمت الأبصار من شدّة الذعر |
فلمّا استبان الناس منك إفاقة |
|
أقاموا وكانوا كالقيام على الجمر |
سلامة دنيانا سلامة جعفر |
|
فدام معافى سالما آخر الدهر |
إمام (٥) يعمّ الناس بالعدل والتّقى |
|
قريبا من التقوى بعيدا من الوزر |
وفي غير هذه الرواية :
حمدنا الذي عافاك يا خير من مشى |
|
بأنفسنا الشكوى وكان لك الأجر |
أتوني فقالوا [لي](٦) بجعفر علة |
|
فقلت لهم : يا ربما يكسف البدر |
وغنت في الأبيات الأول نشيدا ، وفي الثانية بسيطة وهزجا.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين المقرئ ، أنا محمّد بن محمّد بن أحمد ، أنا أحمد ابن محمّد بن الصلت ، أنا أبو الفرج قال (٧) :
__________________
(١) الخبر والشعر في الإماء الشواعر ص ١٠٣.
(٢) استدركت عن هامش الأصل وهامش «ز».
(٣) في الإماء الشواعر : بي.
(٤) في الإماء الشواعر : ثم جلّى.
(٥) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الإماء الشواعر : أقام.
(٦) سقطت من الأصل ، وأضيفت للإيضاح عن «ز» ، والإماء الشواعر.
(٧) الخبر والشعر في الإماء الشواعر ص ١٠٤.
نسخت من كتاب جعفر بن قدامة ، حدّثني أبو عبد الله أحمد بن حمدون قال : وصف للمتوكل [موضع](١) شبداز (٢) بقرميسين فأمر أن يبنى له قصر ، ويجعل في صدره ثلاثة آزاج (٣) معقودة ، ويصور فيها تلك الصورة ، ويجمع له حذاق الصّنّاع ، ويجعل فيه من المجالس ، والحجر ما يصلح ، ففعل ذلك ، فلمّا فرغ منه ، أمر بأن يفرش له الأزج المصور ففرش ، وجلس فيه [يشرب](٤) ، فغنت فيه عريب شعرا قالته فيه ، وهو :
بالسعد واليمن فانزل قصر شبداز |
|
ملّيته في سعادات وإعزاز |
واشكر لمن بك تمت فيك نعمته |
|
بناؤه تمّ في يسر وإنجاز |
لو رام هذا لأعيا دون مبلغه |
|
دارا عجزا وسابورا وبرواز (٥) |
بجعفر وضحت سبل الهدى وبه |
|
راش البرية ربي بعد إعواز |
قال : ونا أبو الفرج (٦) ، حدّثني عمي ، حدّثني أحمد بن المرزبان قال : غضبت قبيحة على عريب ثم رضيت عنها ، فقالت فيها هذا الشعر ، وغنت فيه :
سبحان من أعطى عريب الذي |
|
رجته في المولاة والمولى |
أعطاك في المعتز أمنية |
|
والسّول في سيّدة الدنيا |
وردّ حسن الرأي فيها لها |
|
فطيّب الله لها المحيا |
وذكر ابن المعتز (٧) : أن بعض جواريهم حدثته أن عريب (٨) كانت تعشق صالحا المنذري (٩) وتزوّجته سرا ، فوجه به المتوكل في حاجة له إلى مكان بعيد ، فقالت فيه شعرا وصاغت لحنه في خفيف الثقيل وهو :
أما الحبيب فقد مضى |
|
بالرغم مني لا الرضا |
__________________
(١) زيادة عن الإماء الشواعر.
(٢) بالأصل و «ز» : سبذاز. وفي الإماء الشواعر : «شيداز» جميعه تصحيف ، والمثبت عن معجم البلدان : شبداز ، ويقال : شبديز ، موضعان أحدهما قصر عظيم من أبنية المتوكل بسر من رأى. والآخر منزل بين حلوان وقرميسين.
(٣) الآزاج جمع أزج ، وهو بناء مستطيل مقوس السقف.
(٤) سقطت من الأصل ، واستدركت عن «ز» ، والإماء الشواعر.
(٥) كذا عجزه بالأصل ، وفي الإماء الشواعر : دارا وقصّر عنه ملك برواز.
(٦) الخبر والشعر في الإماء الشواعر ص ١٠١.
(٧) الخبر والشعر في الأغاني ٢١ / ٧١ ـ ٧٢ والإماء الشواعر ص ١٠١.
(٨) بالأصل و «ز» : «عربيا» والمثبت عن الأغاني والإماء الشواعر.
(٩) تحرف بالأصل و «ز» إلى : المذري ، والتصويب عن الأغاني والإماء الشواعر.
أخطأت في تركي لمن |
|
لم ألق منه عوضا |
لبعده عن ناظري |
|
صرت بعيشي عرضا (١) |
وغنته يوما بين يدي المتوكل ، فاستعاده مرارا ، وجواريه يتغامزن ويضحكن. ففطنت وأصغت إليهن سرا من المتوكل ، وقالت : يا سحاقات هذا خير من عملكن.
قال : ونا أبو الفرج (٢) : حدّثني ابن حمدون قال :
مرضت قبيحة ، فقال المتوكل لعريب : قولي في علة قبيحة شيئا وغنّي فيه ، وليكن قولك الشعر على لسان يذكر (٣) قلقي بها ، فقالت :
بثت (٤) قبيحة في قلبي لها حرقا |
|
وبدلت مقلتي من نومها أرقا |
ما ذاك إلّا لشكواها فقد عطفت |
|
قلبي على كل شاك بعدها شفقا |
كأنها زهرة بيضاء قد ذبلت |
|
أو نرجس مسّ مسكا طيبا عبقا |
وغنت فيه لحنا من خفيف الرمل ، فاستحسنه المتوكل ، وأمرها أن تدخل إلى قبيحة فتنشدها الشعر ، وتغنيها به ، ففعلت ، فقالت لها قبيحة : فأجيبيه عني (٥) ، فقالت :
يا سيدي أنت حقّا سمتني الأرقا |
|
وأنت علمت قلبي الوجد والحرقا |
لولاك لم أتألم علة أبدا |
|
لكن على كبدي أسرفت فاحترقا |
إذا شكوت إليه الوجد كذبني |
|
وإن شكا قال قلبي ـ خيفة ـ صدقا ـ |
وخرجت إليه ، وأنشدته الشعر ، وغنت [فيه] وفي الشعر الأول لحنا واحدا.
قال أبو الفرج (٦) : ولها في المستعين :
بوجه المستعين يزيد حسنا |
|
بنا (٧) قد جلّ عن كنه الصفات |
وأم المستعين (٨) لها أياد |
|
سوابق في الندى متتابعات |
__________________
(١) سقط البيت الثالث من الأغاني.
(٢) الخبر والشعر في الإماء الشواعر ص ١٠٤ ـ ١٠٥.
(٣) الحرف الأول بدون إعجام بالأصل ، وفي «ز» : تذكر. وفي الإماء : تذكرين.
(٤) بالأصل : ثبت ، وفي الإماء : شبت ، والمثبت عن «ز».
(٥) بالأصل و «ز» : «يا حبيبة غني» والتصويب عن الإماء الشواعر.
(٦) الشعر في الإماء الشواعر ص ١٠٨.
(٧) بالأصل : «زيد حسنا ثنا» وفي «ز» : «نريد حسنا ثناء» والمثبت عن الإماء الشواعر.
(٨) أم المستعين : صقلبية ، واسمها مخارق ، وكان لها نفوذ كبير في عهد المستعين ، وكانت مسرفة وكان بذخها وبساطها معروفا.
على البركات حلت خير دار |
|
وأيمن طائر وعلى الثبات |
أقامت في مجالس مونقات |
|
شوامخ بالسعود متوجات |
بناء مشرف يزداد حسنا |
|
بأحمد (١) ذي العلى والمكرمات |
ولها فيه :
أيها الطارقون في الأسحار |
|
أصبحونا فالعيش في الابتكار |
لا تخافوا صرف الزمان علينا |
|
ما لصرف الزمان والأحرار |
إنما المستعين بالله جار |
|
وهو بالله في أعز الجوار |
ملك في جبينه كسنا البر |
|
ق ، ونور يعلو على الأنوار |
حل بستان شاهك طائر الس |
|
عد بوجه الإمام ذي الابصار |
جدد الله فيه كل نعيم |
|
في معين بربوة وقرار |
وبه (٢) النرجس المضاعف يدعو |
|
نا خلال الأشجار والأنهار |
أنزلوا عندنا سرور مقيم |
|
وحديث يطيب للسمار |
وبه زهرة البنفسج تهت |
|
ز مع الورد في عراض لبهار |
ونبات الأترج قد قابل التف |
|
اح ، صلى صغاره للكبار (٣) |
وأغاني عريب إذ تنثر الد |
|
رّ إذا ما شدت على الأوتار |
وترى الأرض وجهها مشرق يض |
|
حك بين النوار في الأشجار |
وبها الصيد من حبارى ودرا |
|
ج وغرّ (٤) يصاد بالأطيار |
ومتى شئت صدت فيها غزالا |
|
وتصيد الحيتان في جوف دار |
وترى الضب فيه والنون والملاح |
|
والحاديين خلف القطار (٥) |
مجمع العير والسفين إليه |
|
فرضة البر ، فرضة للبحار (٦) |
__________________
(١) تعني المستعين ، واسمه أحمد بن المعتصم ، وكان قد استخلف بعد المنتصر في سنة ٢٤٨ ه وقتل سنة ٢٥٢ ه.
(٢) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الإماء الشواعر : وبدا النرجس.
(٣) في الإماء الشواعر : بالكبار.
(٤) الحبارى : طائر طويل العنق ، رمادي اللون على شكل الأوزة ، في منقاره طول. والغرّ طير سود بيض الرءوس من طيور الماء.
(٥) النون : الحوت. والقطار : الإبل يسير بعضها خلف بعض.
(٦) الفرضة : محط السفن. وجاءت بالأصل في الموضعين : «فرصة» والمثبت عن «ز» ، والإماء الشواعر.
حكمة تعجر الشياطين عنها |
|
واختراق الزلال جوف المجاري |
ما رأينا كسيد جمع الفض |
|
ل بحسن التدبير والاختيار |
فإذا عاش للامام (١) وصيف |
|
وبغا فالملك ثبت القرار (٢) |
فهما جنّة الإمام وسيفا |
|
ه ، وأنصاره على الكفار |
والموالي فإنهم عصمة المل |
|
ك وخير الكفاة والأنصار (٣) |
دام هذا وزاد فيه بمولا |
|
نا على رغم أنفس الأشرار |
ولها فيه بسيط وهزج مطلق.
ومن شعرها في المستعين أيضا قولها (٤) :
بارتياح الخليفة المستعين |
|
جمع الله كل دنيا ودين (٥) |
وبعدل الخليفة المستعين |
|
استجارت من البكاء جفوني |
وقولها (٦) :
بالمستعين إمام (٧) أمة أحمد |
|
عم الأنام (٨) سوابغ النعماء |
الله منّ على الأنام بملكه |
|
لولاه كانوا في دجى عشواء |
يا خير من قصدت له آمالنا |
|
لسداد ثغر أو لبذل عطاء |
أعطاك في العباس رب محمّد |
|
ما يأمل الخلفاء في الخلفاء (٩) |
ووقاك فيه والرعية كلها |
|
ما يحذر الآباء في الأبناء |
وأراكه من فوق منبر أحمد |
|
يتلو عليه مواعظ الخلفاء |
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الإماء الشواعر : للانام.
(٢) وصيف وبغا من قادة الأتراك ، وكان نفوذها واسعا في زمان المستعين ، وما أعقبه.
(٣) البيت السابق سقط من الإماء الشواعر.
(٤) البيتان في الإماء الشواعر ص ١١٠.
(٥) عجزه بالأصل و «ز» ، هو عجز البيت التالي ، قدمنا هذا العجز إلى هنا وأخرنا العجز التالي ، وفاقا لما في الإماء الشواعر.
(٦) الأبيات في الإماء الشواعر ص ١١٠.
(٧) في الإماء الشواعر : أقام.
(٨) في الإماء الشواعر : تمم الإله.
(٩) في الإماء الشواعر : الأمراء.
ولها فيه (١) :
بالمستعين أنارت الدنيا |
|
وصفا لأهل الطاعة المحيا |
ملك إذا عدّت محاسنه |
|
لم يستطع أحد لها إحصا |
أبقاه في عز وعافية |
|
رب العلى ما شاء أن يبقى |
ولها فيه (٢) :
بالمستعين الإمام أحمد قا |
|
م العدل فينا ، فالخير منتشر |
بدا لنا يوم عقد بيعته |
|
يشرق نورا كأنّه القمر |
والحمد لله لا شريك له |
|
قد رزق الناس أحسن الخبر |
ولها فيه (٣) :
بوجهك أستجير من الزمان |
|
ويطلق كل مكروب وعاني (٤) |
أشعت العدل والإحسان حتى |
|
غدوت من المآثم في أمان |
فنسأل ربنا عونا بشكر |
|
فقد أعطاك مفروج الأمان |
إذا سلم الإمام فكلّ نفس |
|
فداء المستعين من الزمان |
قال : وأنا أبو الفرج ، قال (٥) : أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان ، أنشدني محمّد بن الفضل النيسابوري لعريب ترثي العباس بن الفضل (٦) :
يا من بمصرعه زها الدهر |
|
قد كان منك تضاءل الدهر |
زعموا : قتلت وعندهم عذر |
|
كلا ، وربك ما لهم عذر |
بلغني أن مولد عريب سنة إحدى وثمانين ومائة ، وتوفيت سنة سبع وسبعين ومائتين ، ولها ست وتسعون سنة ، وماتت بسر من رأى.
__________________
(١) الأبيات في الإماء الشواعر ص ١١٠.
(٢) الأبيات في الإماء الشواعر ص ١١٠.
(٣) الأبيات في الإماء الشواعر ص ١١١.
(٤) العاني : الأسير.
(٥) الخبر والشعر في الإماء الشواعر ص ١٠١.
(٦) كذا بالأصل و «ز» والمطبوعة ، وفي الإماء الشواعر : العباس بن المأمون.
٩٣٨٨ ـ عزّة بنت حميل بن حفص (١) ، ويقال : بنت حميد (٢) بن وقاص
ابن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار ، ويقال : عزّة بنت عبد الله
إحدى بني حاجب بن عبد الله بن غفار ، أم عمرو الضّمريّة ، صاحبة كثيّر.
وفدت على عبد الملك.
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنا ، قالا : أنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، عن أبي الحسن الدارقطني.
وقرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنا أبو الحسن الدارقطني قال : عزّة صاحبة كثيّر. قال ابن الكلبي : هي عزّة بنت حميل (٣) بن حفص من بني (٤) حاجب بن غفار.
قرأت على أبي محمّد السلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا ، قال (٥) : وأما حميل بضم الحاء المهملة وفتح الميم : عزّة صاحبة كثيّر ، قال ابن الكلبي : هي عزّة بنت حميل بن حفص من بني حاجب بن غفار.
وقال (٦) : وأما عزّة بالزاي ، فهي عزّة بنت حميل بن وقاص بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار ، صاحبة كثيّر الشاعر.
قرأت بخط رشأ ، وأنبأنا أبو القاسم النسيب ، وأبو الوحش المقرئ ، عن رشأ بن نظيف ، أخبرني أبو القاسم إبراهيم بن علي بن الحسين بن سيبخت ، أنا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثني عون (٧) بن محمّد ، نا أبي ، نا الهيثم بن عدي قال (٨) :
__________________
(١) انظر ترجمتها وأخبارها في : وفيات الأعيان ٤ / ١٠٦ ومصارع العشاق (الفهارس) والعقد الفريد (الفهارس) والأغاني (الفهارس) والشعر والشعراء ١ / ٥١٠.
(٢) في وفيات الأعيان : جميل. وفي الاكمال لابن ماكولا : حميل.
(٣) بالأصل جميل ، والمثبت عن «ز».
(٤) بالأصل و «ز» : بنات.
(٥) الاكمال لابن ماكولا ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨ في باب حميل.
(٦) الاكمال ٦ / ٢٠٤ في باب عزة.
(٧) بالأصل و «ز» : «عمر» تصحيف ، والمثبت عن أسانيد مماثلة.
(٨) الخبر والشعر في الأغاني ٩ / ٢٧.
دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان فخاطبته وخاطبها ثم قال لها : [هل تروين](١) من شعر كثيّر فيك؟ قالت : أيّ ذلك؟ قال : أنشديني قوله (٢) :
وقد زعموا (٣) أني تغيرت بعدها |
|
ومن ذا الذي يا عزّ لا يتغيّر |
تغير جسمي والخليقة كالذي (٤) |
|
عهدت ولم يخبر بسرّك مخبر |
فاستحيت ، وقالت : أما هذا يا أمير المؤمنين فلا أحفظه ، ولكن أروي له (٥) :
كأني أنادي صخرة حين أعرضت |
|
من الصم لما أعرضت وتولّت (٦) |
صفوحا فما تلقاك إلا ملولة (٧) |
|
فمن ملّ منها ذلك الوصل ملت |
أنبأنا أبو الحسن علي بن محمّد ، ثم أخبرني أبو المعمر المبارك بن أحمد عنه.
وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو علي بن المسلمة ، وأبو الحسن بن العلاف.
قالا : أنا أبو القاسم بن بشران ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن جعفر ، نا علي بن الأعرابي ، نا علي بن عمروس قال :
دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان وهو لا يعرفها ترفع مظلمة لها ، فلمّا سمع كلامها تعجّب منه ، فقال له بعض جلسائه : هذه عزّة كثيّر ، فقال عبد الملك : إن أردت أن أردّ عليك مظلمك فأنشديني ما قال فيك كثيّر ، فاستحيت وقالت : والله ما أعرف كثيّرا لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال فيّ (٨) :
قضى كل ذي دين علمت غريمه (٩) |
|
وعزّة ممطول معنى غريمها |
فقال عبد الملك : ليس عن هذا أسألك ، ولكن أنشديني من قوله :
__________________
(١) بالأصل و «ز» : «تروي» المثبت «هل تروين» عن الأغاني.
(٢) البيتان في ديوان كثير ص ١٠٠ (ط. بيروت).
(٣) في الديوان والأغاني : زعمت.
(٤) في الأغاني : كالتي.
(٥) البيتان في ديوان كثير ص ٥٥ من قصيدة يمدح عزة.
(٦) عجزه في الديوان : من الصم لو تمشي بها العصم زلت.
(٧) صدره في الديوان : صفوح فما تلقاك إلا بخيلة.
(٨) البيت في ديوان كثير من قصيدة طويلة ص ٢٠٧.
(٩) في الديوان : فوفى غريمها.
وقد زعمت أنّي تغيرت بعدها |
|
ومن ذا الذي يا عزّ لا يتغير |
تغيّر جسمي والخليفة كالذي |
|
عهدت ولم يخبر بسرّك مخبر |
قالت : قد سمعت هذا ، ولكني سمعت الناس يحكون أنه قال فيّ :
كأني أنادي صخرة حين أعرضت |
|
من الصم لو تمشي بها العصم زلّت |
صفوح فما تلقاك إلّا بخيلة |
|
فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت |
فقضى حاجتها وردّ مظلمتها ، وقال : أدخلوها على الجواري يأخذن من أدبها.
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنا ، قالا : أنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، عن أبي الحسن الدارقطني.
وقرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنا الدارقطني.
نا الحسين بن إسماعيل ، نا عبد الله بن شبيب ، نا الزبير (١) ، حدّثني يعقوب بن حكيم السلمي ، عن قسيمة (٢) بنت عياض الأسلمية ، عن بنّة (٣) وهي أم البنين ابنة عياض بن الحسن (٤) الأسلمية (٥) ، قالت :
سارت علينا عزّة في جماعة من قومها ، فنزلت على يبر ابن يربوع الجهنية (٦) ، فسمعنا بها ، فاجتمعت جماعة من نساء الحاضر أنا فيهن ، فجئناها ، فرأينا امرأة حميراء (٧) حلوة لطيفة ، فتضاءلنا لها (٨) ، ومعنا نسوة كلهن لهن الفضل عليها في الجمال والخلق إلى أن تحدّثت عزّة ، فإذا هي أبدع الخلق وأحلاه حديثا ، فما فارقناها إلّا ولها الفضل في أعيننا ، وما نرى أن امرأة تفوقها حسنا وجمالا وحلاوة.
أنبأنا أبو القاسم يحيى بن ثابت بن بندار بن إبراهيم ، أنا أبي أبو المعالي ، أنا أبو
__________________
(١) الخبر في الأغاني ٩ / ٢٨ في أخبار كثير عزة.
(٢) بالأصل و «ز» : قسمة ، والمثبت عن الأغاني.
(٣) بنة ضبط عن تبصير المنتبه ١ / ٥٩.
(٤) كذا بالأصل و «ز» ، وفي المطبوعة : الحسين.
(٥) الذي في الأغاني : عن قسيمة بنت عياض بن سعيد الأسلمية وكنيتها أم البنين. قالت : وثمة سقط في السند فيها.
(٦) في الأغاني : بين يدي يربوع وجهينة.
(٧) بالأصل والمطبوعة : حمراء ، والمثبت عن «ز» ، وهو يوافق عبارة الأغاني. قوله حميراء : أي بيضاء ، وكانت العرب تقول للبيضاء والأبيض ، الأحمر والحمراء.
(٨) بالأصل و «ز» : «فتضالها».