تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٩

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٩

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

الله بن الزّبير : طلّق عبد الرّحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبيّة فبتّها ، ثم مات ، وهي في عدّتها ، فورّثها عثمان. قال ابن الزّبير : وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة.

ومن شعر عمر بن أبي ربيعة (١) :

ألا يا لقومي قد سبتني تماضر

جهارا وهل يسبيك إلّا المجاهر

أرتك ذراعي بكرة بحرية

من الأدم لم تقطع مطاها العوابر

فبلغ الشعر تماضر ، فتعلّقت بثوبه ، وهو يطوف بالبيت ، فقالت : سبيتني ، واجتمع الناس عليها ، فقال : إنّي والله ما سبيتها ولا أعرفها ولا رأيتها قطّ قبل ساعتي هذه. قالت : صدق عدوّ الله ، اشهدوا على كذبه ، فإنه قال لي كذا وكذا.

ولمّا طلّق عبد الرّحمن بن عوف امرأته الكلبيّة تماضر حمّمها جارية سوداء ـ يقول : متّعها إيّاها (٢).

أسماء النساء على حرف الثاء المثلثة

٩٣١٩ ـ الثّريّا بنت عبد الله بن الحارث ويقال : بنت عليّ بن عبد الله

ابن الحارث ، ويقال : بنت عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن الحارث

ابن أميّة الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشميّة المكيّة

وفدت على الوليد بن عبد الملك ـ بعد موت سهيل بن عبد الرّحمن (٣) زوجها ـ في دين عليها ، وهي التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة في شعره.

تزوّج سهيل بن عبد الرّحمن بن عوف الثّريّا بنت عبد الله بن الحارث ، فحملت إليه من مكّة إلى الشام (٤) ، فقال عمر بن أبي ربيعة (٥) :

__________________

(١) لم أعثر على البيتين في ديوانه (ط. بيروت : صادر).

(٢) الإصابة ٤ / ٢٥٥.

(٣) اختلفوا في اسم زوجها ، قيل : سهيل بن عبد العزيز بن مروان ، وقيل : سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، أبو الأبيض. راجع وفيات الأعيان ٣ / ٤٣٧ وخزانة الأدب ١ / ٢٣٨ وصوّب أنه سهيل بن عبد الرحمن ، والأغاني ١ / ٢٣٣ قال : والصواب قول من قال : سهيل بن عبد العزيز.

(٤) كذا بالأصل ، وهو قول من قال إنه سهيل بن عبد الرحمن ، وذهب الأصبهاني في الأغاني إلى أنها حملت إليه بمصر ، وهذا ما جعله يرجح أن زوجها هو سهيل بن عبد العزيز بن مروان ، لأن سهيل بن عبد الرحمن لم يكن له منزل بمصر. وانظر وفيات الأعيان ٣ / ٤٣٧.

(٥) البيتان في الأغاني ١ / ٢٣٤ ووفيات الأعيان ٣ / ٤٣٧ والشعر والشعراء ص ٣٥٢ وديوانه ص ٤٦٣ (ط. بيروت : صادر).

٨١

أيّها المنكح الثّريّا سهيلا (١)

عمرك الله كيف يجتمعان (٢)

هي شاميّة إذا ما استقلّت

وسهيل إذا استقلّ (٣) يماني

فلمّا (٤) وفدت على الوليد ، دخل عليها الوليد وهي عند أمّ البنين بنت عبد العزيز ، فقال : من هذه يا بنت عبد العزيز؟ قالت : هذه الثريا بنت عبد الله ، جاءتك في دين ركبها ، فأقبل الوليد على الثريا فقال : هل تروين من شعر عمر شيئا؟ فقالت : نعم ، أما إنّه رحمه‌الله كان عفيف الشعر أروي قوله (٥) :

ما على الرّسم المعرّس (٦) لو ب

يّن رجع التسليم (٧) أو لو أجابا

فإلى قصر ذي العشيرة (٨) فالمأ

لف (٩) أمسى من الأنيس جوابا (١٠)

ربّما قد أرى به حيّ صدق

طاهر (١١) العيش نعمة وشبابا

وحسانا مثل المها خفرات

حافظات عند الهوى الأحبابا (١٢)

لا يكثّرن في الحديث فلا يت

بعن ينعقن بالبهام (١٣) الظّرابا (١٤)

فلما خلا الوليد مع أمّ البنين قال لها : لله درّ الثريّا! أما تدرين ما أرادت بإنشادها الذي أنشدتني من قول ابن أبي ربيعة؟ قالت : لا ، قال : لما عرّضت لها به عرّضت لي بأنّ أمّي أعرابيّة (١٥).

__________________

(١) الثريا نجم معروف يطلع من جهة الشام ، وسهيل : كوكب يطلع من جهة اليمن.

(٢) في المصادر : يلتقيان.

(٣) استقل : رفع.

(٤) الخبر والشعر في الأغاني ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٥) الأبيات في ديوان عمر بن أبي ربيعة ص ٤٢ (ط. صادر : بيروت).

(٦) في الديوان والأغاني : البليين.

(٧) في الأغاني : السلام.

(٨) ذو العشيرة موضع بالصمان معروف ، وذو العشيرة من ناحية ينبع بين مكة والمدينة.

(٩) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي الديوان : الطائف ، وفي الأغاني : الصائف.

(١٠) في الديوان والأغاني : «يبابا».

(١١) الأغاني : «ظاهري العيش» وفي الديوان : «كاملي العيش».

(١٢) روايته في الديوان والأغاني :

وحسانا جواريا خفرات

حافظات عند الهوى الأحسابا

(١٣) البهام : جمع بهمة ، وهي الصغار من أولاد الغنم.

(١٤) في مختصر ابن منظور : «الضراب» والمثبت عن الديوان ، والظراب : واحدها ظرب ، وهي الروابي الصغار.

(١٥) الأعراب هم سكان البادية ، والأعرابي هو غير العربي،وقد كان العربي يغضب إذا نودي بالأعرابي لأنه يعتبر مناداته بها إهانة له. وكانت أم الوليد هي ولادة بنت العباس بن جزيّ بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسية.

٨٢

قال إسحاق الموصلي :

بلغني أن الثريّا كانت من أكمل النساء ، وأحسنهم خلقا ، فكانت تأخذ جرّة من ماء فتفرغها على رأسها فلا تصيب باطن فخذها قطرة من عظم كفلها.

قال أبو سفيان بن العلاء :

بصرت الثريا بعمر بن أبي ربيعة وهو يطوف حول البيت فتنكّرت وفي كفّها خلوق فرجمته ، فأثّر الخلوق في ثوبه ، فجعل الناس يقولون : يا أبا الخطّاب ، ما هذا زيّ المحرم. فأنشأ يقول (١) :

أدخل الله ربّ موسى وعيسى

جنّة الخلد من ملاني خلوقا

مسحت كفّها بجيب قميصي

حين طفنا (٢) بالبيت مسحا رفيقا

فقال له عبد الله بن عمر : مثل هذا القول تقول في مثل هذا الموضع!؟ فقال له : يا أبا عبد الرّحمن قد سمعت مني ما سمعت ، فو ربّ هذه البنيّة (٣) ما حللت إزاري على حرام قطّ.

قال الزّبير بن بكّار :

لما صرمت (٤) الثريا عمر بن أبي ربيعة اشتدّ وجده بها ، دعا غلاما له ، ثم كتب معه في قرطاس (٥) :

من رسولي إلى الثّريا فإني (٦)

ضقت ذرعا بهجرها واجتنابي (٧)

وهي مكنونة (٨) تحيّر منها

في أديم الخدّين ماء الشباب

__________________

(١) البيتان من أربعة في ديوانه ص ٢٨٩ (ط. صادر) وذكر قصتهما أن نعم استقبلت عمر بن أبي ربيعة في المسجد الحرام وفي يدها خلوق فمسحت به ثوبه ومضت وهي تضحك ، فقال عمر ، الأبيات.

(٢) في الديوان :

مسحته من كفها بقميصي

حين طافت ...

(٣) يعني الكعبة.

(٤) صرمه يصرمه صرما : قطعه بائنا ، يكون في الحبل والعذق. وصرم فلان صرما : قطع كلامه. والصرم بالضم : الهجران والقطعة والمصارمة : المهاجرة ، (تاج العروس : صرم ، طبعة دار الفكر).

(٥) الأبيات في الأغاني ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ والديوان ص ٦٣ ـ ٦٤.

(٦) الديوان : بأني.

(٧) الديوان والأغاني : والكتاب.

(٨) في مختصر ابن منظور : مكفوفة ، والمثب عن الديوان والأغاني.

٨٣

ذكّرتني من بهجة الشمس لمّا

طلعت بين دجنة وسحاب

دمية عند راهب قسّيس (١)

صوّروها في مذبح المحراب

فارجحنّت في حسن خلق عميم

تتهادى في مشيها كالحباب (٢)

ثم قالوا : تحبها؟ قلت : بهرا

عدد الرمل (٣) والحصى والتراب

سلبتني محاجر الماء عقلي

فسلوها بما يحلّ اغتصابي (٤)

ثم قال للغلام : انطلق بهذا الكتاب إلى ابن أبي عتيق (٥) بالمدينة ؛ فلمّا قرأ ابن أبي عتيق الكتاب قال : أنا والله رسوله إليها ، فسار من فوره لا يعلم به أهله حتى قدم مكة ، فأتى منزل عمر ، فوجده غائبا ، فنزل عن دابّته وركب دابّة لعمر ، وقال لغلامه : دلّني على منزل الثّريا ؛ فمضى معه ، فلما انتهى إلى منزلها وجدها قد خرجت إلى البادية على رأس أميال من مكة ، فخرج نحوها ، فلمّا دنا من الحيّ صهل البرذون ، فعرفت الثريّا صوته ، فقالت لجواريها : هذا برذون الحبيب ، ثم دعت براحلة ، فرحّلتها وركبتها وخرجت تلقاه ، فإذا هي بابن [أبي](٦) عتيق ، فقالت : مرحبا ، قد آن لك أن نراك يا عم ما جاء بك؟ قال : أنت والعاشق جئتما بي ، فقالت : أما والله لو بغيرك تحمل ما أجبناه وليس لك مدفع ، امرر بنا نحوه. قال : فأقبل نحو منزل عمر ، وقد كان بعض غلمانه صار إليه فأعلمه أن رجلا قد صار إليهم من صفته كذا وكذا ، قال : ويحك هو ابن أبي عتيق اسبقني إليه فقل له : هذا مولاي يأتيك الساعة. ثم انصرف مسرعا فصار إلى منزله فسأل عن ابن أبي عتيق فأخبر أنه قد توجه إلى الثريا ، فلم يلبث إلّا يسيرا حتى وافاه ابن أبي عتيق ، فخرج إليه فقبّل يديه ورجليه ، ثم قال : انزل جعلني الله فداك ، فقال ابن أبي عتيق : مكة عليّ حرام إن أقمت بها ساعتي هذه ، ثم دعا بدابته فتحوّل عنها ، وشخص إلى المدينة راجعا.

__________________

(١) الديوان : «ذي اجتهاد» مكان : قسيس.

(٢) الحباب : الحية.

(٣) الديوان : «النجم» وفي الأغاني : القطر.

(٤) روايته في الديوان :

غصبتني مجاجة المسك نفسي

فسلوها : ما ذا أحل اغتصابي؟

في الأغاني : عقلي بدلا من نفسي.

(٥) هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر.

(٦) زيادة لازمة.

٨٤

أسماء النساء على حرف الجيم

٩٣٢٠ ـ جويرية بنت أبي سفيان صخر بن حرب (١)

أخت أم حبيبة ويزيد ومعاوية بني أبي سفيان

أسلمت بعد الفتح وبايعت سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهدت اليرموك ، وسكنت دمشق ، وأمهم جميعا هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.

دخلت جويرية بنت أبي سفيان على أخيها معاوية (٢) تشكو إليه الأرق. فقال : ولم ذاك يا أخته؟ قالت : أم والله إنه لمن غير ألم ، وما هو إلّا تفكر فيك وفي علي بن أبي طالب ، وتفضيل الناس عليا عليك ، وأنت ابن صخر بن حرب بن أمية ، وكان أمية من قريش لنابها (٣) الذي تقضى عنده آرابها ، وأنت ابن صخر بن حرب بن أمية ، القائل الفاعل. ابن ماء المزن الحلاحل (٤) ، وأنت بعد ذلك كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذو صهره من أمته ونجيبه من عترته.

فقال لها معاوية : فعلى عليّ تعوّلين (٥) بالشرف! وهو ابن عبد المطلب ، المطعم في الكرب ، الفرّاج للكرب ، مع ما كان له من الفواضل والسوابق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أما إني سأريك التي حاولت وحاولت ، حتى تعلمي فضل رأيي وحلمي ، فادخلي القبة ، وأرخي عليك السّجف (٦).

ثم قال لآذنه : انظر من بالباب. فإذا هو بأربعة من بني تميم ، الأحنف بن قيس (٧) ، وزيد بن جلبة (٨) ، وجارية بن قدامة (٩) ، وسماك بن مخرمة ، فقال : ائذن للأحنف بن قيس

__________________

(١) ترجمتها في الإصابة ٤ / ٢٦٦ وطبقات ابن سعد ٨ / ٢٣٩ ونسب قريش للمصعب ص ١٢٥.

(٢) الخبر في أخبار الوافدين من الرجال على معاوية ، ص ١٩ وما بعدها ولم يذكر اسم جويرية ، قال : أخت معاوية.

(٣) الناب : سيد القوم وكبيرهم ، جمع أنياب (تاج العروس : نيب).

(٤) الحلاحل : السيد الشجاع (القاموس).

(٥) عول عليه : أدلّ (القاموس).

(٦) السجف : جمع السّجاف ، وهو الستر. والسّجف : الستران المقرونان بينهما فرجة. أو كل باب ستر بسترين مقرونين (تاج العروس : سجف).

(٧) هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين ، أبو بحر البصري ترجمته في تهذيب الكمال ١ / ٤٧٨ واسمه الضحاك ، تقدمت ترجمته في تاريخ مدينة دمشق طبعة دار الفكر ٢٤ / ٢٩٨ رقم ٢٩٢١.

(٨) تقدمت ترجمته في تاريخ مدينة دمشق طبعة دار الفكر ١٩ / ٣٤١ رقم ٢٣٢٢.

(٩) هو أبو أيوب جارية بن قدامة بن زهير ، ترجمته في تهذيب الكمال ٣ / ٣١٤.

٨٥

فدخل وقضى سلامه فقال : أيّها يا حنيف بني قيس! قال : مهلا يا أمير المؤمنين ، بل الأحنف بن قيس (١). قال : أأنت المطلع غدرا ، النار في عطفيه شزرا ، تحمل قومك على مدلهمات الفتن ، وتذكرهم بقديمات الإحن ، مع قتلك أمير المؤمنين عثمان ، وخذلانك أم المؤمنين عائشة ، وورودك عليّ بالخيل يوم صفّين (٢)! فقال : والله يا أمير المؤمنين ، إنّ منه ما أعرف ، ومنه ما أنكر ، فأما قولك قتل أمير المؤمنين ، فأنتم معشر قريش نحرتم ودجه (٣) ، وسقيتم الأرض دمه. وأما قولك خذلاني أم المؤمنين عائشة ، فإني نظرت في كتاب الله فلم أر لها عليّ حقا إلّا أن تقر في بيتها وتستتر بسترها. فلما برزت عطّلت ما كان لها عليّ من حق. وأما قولك ورودي عليك بالخيل يوم صفّين ، حين أردت أن تقطع أعناقهم عطشا وتقتلهم غرثا. وأيم الله لو أحد الأعجمين غلب كانوا أنكى شوكة وأشد كلبا. قال : اخرج عني.

ثم قال (٤) : ائذنوا لزيد بن جلبة. فدخل وقضى سلامه. فقال له : إيها يا زييد بني جليبة! قال : مهلا يا أمير المؤمنين ، بل زيد بن جلبة يا أمير المؤمنين. إنا فررنا قريشا كلها ، فوجدناك آمنها عهدا ، وأوفاها عقدا ، فإن تف فأهل الوفاء أنت ، وإن تغدر فإنا خلّفنا خلفنا خيلا جيادا ، وأذرعة شدادا ، وأسنّة حدادا ، وإن شئت لتصفينّ روعة صدورها بفضل رأيك وحلمك. قال : إذا نفعل. قال : إذا نقبل. قال : اخرج عني.

ثم قال : ائذن لجارية بن قدامة (٥). فدخل وقضى سلامه. فقال له : إيها يا جويرية بني قدامة! قال : مهلا يا أمير المؤمنين ، بل جارية بن قدامة يا أمير المؤمنين. إنا كنا نصّار حرب يوم الفجار ، حين حزتم الغبار ، وهمّت قريش بالفرار. فقال له : مه ، لا أرضى (٦) لك ، أنت الذي قريت أهل الشام ظباة السيوف وأطراف الرماح ، قال : إي والله يا أمير المؤمنين إني لأنا هو ، ولو كنت بالمكان الذي كان فيه أهل الشام لقريتك بمثل ما قريتهم به ، قال : فحاجتك يا

__________________

(١) أخبار الوافدين على معاوية من الرجال ص ٣٢.

(٢) العبارة في أخبار الوافدين : أنت المطلع علينا بالغدر ، والناظر في عطفيه شذرا ، أنت الذي مرضت نفسك بالغرور ، وقدمت على مفظعات الأمور ، مع إعانتك علي بن أبي طالب ، وجلادك إياي ، إجلابك على الخيل والرجل يوم صفّين ، وتحملك على أهل الشام بقوائم السيوف وطول الرماح؟.

(٣) في أخبار الوافدين : «وجررتم أفلاذه» بدلا من : «نحرتم ودجه».

(٤) انظر ترجمة زيد بن جلبة في تاريخ مدينة دمشق ١٩ / ٣٤٢ وأخبار الوافدين على معاوية ص ٤١.

(٥) أخبار الوافدين على معاوية ص ٣٥ في رواية ، وص ٤١ من رواية الحافظ ابن عساكر. والخبر في العقد الفريد ٤ / ١٠٩.

(٦) في أخبار الوافدين : الأرض لك.

٨٦

أبا فندش (١)؟ قال : أما إنها إليك غير طويلة ، تقرّ الناس في بيوتهم فلا توفدهم إليك ، إنما يوفد إليك الأغنياء وتذرون الفقراء.

قال : ائذن لسماك بن مخرمة (٢). فدخل وقضى سلامه. فقال : إيها يا سميك بني مخرمة! قال : مهلا يا أمير المؤمنين ، بل سماك بن مخرمة ، والله يا أمير المؤمنين ما أحببناك منذ أبغضناك ، ولا أبغضنا عليا منذ أحببناه ، وإن السيوف التي ضربناك بها لعلى عواتقنا ، وإن القلوب التي قاتلناك بها لبين جوانحنا ، ولن قدّمت إلينا شبرا من غدر ، لنقدّمن إليك باعا من ختر (٣) ، قال : اخرج عني.

ثم قال لأخته : الذي عانيت من قبيلة واحدة (٤) ، فما ذا رأيت؟! قالت : والله يا أمير المؤمنين لقد ضاق بي مجلسي حتى أردت أن أكلمهم لما كلموك به. قال : إذا والله كانوا إليك أسرع ، وعليك أجرأ ، هم العرب لا تفرّوها.

٩٣٢١ ـ جرباء بنت عقيل بن علّفة بن الحارث بن معاوية بن ضباب

ابن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان ، المرية (٥)

شاعرة ، تزوجها يحيى بن الحكم بن أبي العاص (٦) زوجه إياه أبوه ، ثم طلّقها فأقبل إليها عقيل ومعه ابناه العملّس وحزام (٧) ، فحملها ، فقال في ذلك عقيل (٨) :

قضت وطرا من دير يحيى (٩) وطالما

على عجل ناطحنه بالجماجم

فأصبحن (١٠) بالموماة ينقلن فتية

نشاوى من الإدلاج (١١) ميل العمائم

__________________

(١) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي أخبار الوافدين : «قندس».

(٢) أخبار الوافدين على معاوية ص ٤٢.

(٣) الختر : أقبح الغدر.

(٤) في أخبار الوافدين : الذي عاينت من قبله واحدة.

(٥) انظر أخبارها ضمن أخبار أبيها عقيل بن علفة في الأغاني ١٢ / ٢٥٤ وما بعدها.

(٦) الذي في الأغاني ١٢ / ٢٥٤ أنها تزوجت يزيد بن عبد الملك ، وكانت قبله عند مطيع بن قطعة بن الحارث بن معاوية. أما يحيى بن الحكم بن أبي فقد تزوج ابنته أم عمرو.

(٧) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي الأغاني : جثامة.

(٨) الخبر والشعر في الأغاني ١٢ / ٢٥٤ وفيه أن عقيل بن علفة وابناه علفة وجثامة ، وابنته الجرباء خرجوا حتى أتوا بنتا ناكحا في بني مروان بالشام.

(٩) الأغاني : دير سعد.

(١٠) البيت في الأغاني مع آخر ونسبهما لعلفة.

(١١) الإدلاج : السير من أول الليل.

٨٧

ثم قال : أجز يا حزام ، فأرتج عليه ، فقالت الجرباء :

كأنّ الكرى يسقيهم صرخدية (١)

عقارا تمشّت في القرى والتوائم (٢)

فقال عقيل : شربتها وربّ الكعبة ، وشدّ عليها بالسيف ، فطرح حزام نفسه عليها ، فضربها ، فأصاب حزاما. وقيل : إنّ الذي حال بينه وبينها عملّس.

أسماء النساء على حرف الحاء

٩٣٢٢ ـ حبابة (٣) بالتخفيف ، وهو لقب

واسمها العالية ، وتكنى أم داود مولاة يزيد بن عبد الملك ، شبّب بها وضاح اليمن (٤) بالحجاز ، قبل أن تصير إلى يزيد ، وهي من مولّدات المدينة.

كانت لرجل يعرف بابن مينا ، ويقال : لآل لاحق المكيين (٥) ، أخذت الغناء عن ابن سريج ومعبد وغيرهما ، وكانت أحسن أهل عصرها وجها وغناء ، وأحلاهم منظرا وشمائل وأشكلهم (٦).

قال أبو الحسن الدارقطني :

حبابة قينة ، كانت لسليمان بن عبد الملك بن مروان.

قالوا : ووهم في ذلك ، وإنما كانت ليزيد بن عبد الملك ، وهي التي ردّته بعد النسك

__________________

(١) الصرخدية نسبة إلى صرخد ، وهي بلد من أعمال دمشق تنسب إليها الخمر الجيدة كما في معجم البلدان.

(٢) روايته في الأغاني :

كأن الكرى سقّاهم صرخدية

عقارا تمشى في المطا والقوائم

والعقار : الخمر. والقرى : الظهر.

(٣) أخبارها في الأغاني ١٥ / ١٢٢ وما بعدها ، ومواضع أخرى منها راجع الفهارس العامة. ومروج الذهب الجزء الثالث (الفهارس).

(٤) وضاح اليمن لقب غلب على عبد الرحمن ابن إسماعيل بن عبد كلال بن داذ بن أبي جمد انظر أخباره في الأغاني ٦ / ٢٠٩ ومما قاله فيها :

هيفاء إن هي أقبلت

لاحت كطالعة الشروق

من قصيدة في الأغاني ٦ / ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٥) وقيل لرجل يعرف بابن رمانة.

(٦) الأشكل : ما فيه حمرة وبياض مختلط ، أو ما فيه بياض يضرب إلى الحمرة والكدرة. والشكل : غنج المرأة ودلها وغزلها ، فهي شكلة (القاموس).

٨٨

إلى الفتك ، وكانت شاعرة متأدبة ، ولها فيه مرتبة ، ولها مع الأحوص أخبار.

قال ابن ماكولا (١) :

حبابة بفتح الحاء المهملة وتخفيف الباء التي تليها المعجمة بواحدة (٢).

حدث سلام الجمحي قال : بلغني أن مسلمة بن عبد الملك قال ليزيد بن عبد الملك (٣) :

يا أمير المؤمنين : ببابك وفود الناس ، ويقف ببابك أشراف العرب ، فلا تجلس لهم ، وأنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز ، وقد أقبلت على هؤلاء الإماء؟!.

قال : إنّي لأرجو ألا تعاتبني على هذا بعد اليوم.

فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه ، وجاءت حبابة جاريته فلم يكلمها ، فقالت : ما دهاك؟ فأخبرها بما قال مسلمة ، وقال : تنحّي عني حتى أفرغ للناس ، قالت : فأمتعني منك يوما واحدا ، ثم اصنع ما بدا لك ، قال : نعم ، فقالت لمعبد (٤) : كيف الحيلة؟ قال : يقول الأحوص أبياتا ، وتغنّي فيها! قالت : نعم ، فقال الأحوص (٥) :

ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا

فقد غلب (٦) المحزون أن يتجلّدا

إذا كنت عزهاة (٧) عن اللهو والصّبا

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

فما العيش إلّا ما تحبّ (٨) وتشتهي

وإن لام فيه ذو الشنان (٩) وفنّدا

فغنى به معبد ، وقال : مررت البارحة بدير نصارى ، وهم يقرءون بصوت شج فحاكيته في هذا الصوت ، فلما غنّته حبابة قال : فعل الله بمسلمة ، صدقت ، والله لا أطعتهم أبدا.

__________________

(١) الاكمال لابن ماكولا ٢ / ٣٧٢.

(٢) وذكر ابن ماكولا : حبابة قينة كانت ليزيد بن عبد الملك ، وينسب إليها شعر.

(٣) الخبر والشعر في الأغاني ١٥ / ١٢٨ ـ ١٢٠ باختلاف الرواية ، ومروج الذهب ٣ / ٢٤٠ والعقد الفريد ٦ / ٧٠.

(٤) من المغنين المشهورين ، وهو أستاذ حبابة في الغناء ، تقدمت ترجمته في تاريخ مدينة دمشق ٥٩ / ٣٢٨ رقم ٧٥٤٥ طبعة دار الفكر.

(٥) هو الشاعر المشهور الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.

(٦) في العقد الفريد : منع.

(٧) عزهاة : هو الرجل الذي لا يقرب النساء ويعرض عنهن زهوا وكبرا وأنفة ، وصدره في الأغاني ومروج الذهب والعقد الفريد : إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى.

(٨) في المصادر : تلذ.

(٩) الشنان والشنآن : العداوة والبغض.

٨٩

وقيل :

إن يزيد قال لجاريته حبابة وكان عاشقا لها شديد الوجد بها ، فقال لها يوما : إني قد وليت فلانا الخادم ما حوته يدي شهرا لأخلو أنا وأنت فلا يشغلنا أحد.

فقالت : إن كنت وليته فقد عزلته أنا ، فغضب لذلك وخرج من المجلس الذي كان فيه.

فلما أضحى النهار ولم يرها ضاق صدره ، وقلّ صبره ، فدعا بعض خدمه وقال : اذهب فانظر ما الذي تصنع حبابة؟ فمضى الخادم ثم رجع فقال : رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقي مرتدية برداء أصفر ، وهي تلعب بلعبها.

فقال : احتل في أن تجيز (١) علي ، فذهب الخادم فلاعبها ، ثم استل لعبة من لعبها وعدا بين يديها فتبعته تعدو وراءه ، فمرت على يزيد ، فلما بصر بها ، قام إليها فاعتنقها وقال لها : فإني قد وليته ، قال : فولي الخادم وعزل وهو لا يدري.

ثم إنه خلا معها أياما وتشاغل عن النظر في أمور الناس ، فدخل عليه مسلمة وعذله على ذلك ، فأخذت العود وغنته :

ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا

قال أبو إسحاق : غنت جارية بين يدي يزيد بن عبد الملك (٢) :

وإنّي لأهواها وأهوى لقاءها

كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا

فراسلتها سلامة (٣) فغنت (٤) :

علاقة حبّ كان (٥) في سنن الصبا

فأبلى وما يزداد إلّا تجلّدا

فغنت حبابة (٦) :

كريم قريش حين ينسب والذي

أقر له بالفضل كهلا وأمردا

__________________

(١) أي تمر عليّ.

(٢) من أبيات غنتها سلّامة للأحوص ، في الأغاني ١٥ / ١٣٤.

(٣) انظر أخبارها في مروج الذهب ٣ / ٢٣٩.

(٤) البيت للأحوص ، الأغاني ١٥ / ١٣٤.

(٥) الأغاني : لجّ.

(٦) البيت للأحوص ، الأغاني ١٥ / ١٣٤ وروايته فيها :

كريم قريش حين ينسب والذي

أقرت له بالملك كهلا وأمردا

٩٠

فأرسلتها سلامة فغنت :

تردّى بمجد من أبيه وجدّه (١)

وقد أورثا بنيان مجد مشيّدا

فطرب يزيد ، وشق حلة كانت عليه حتى سقطت في الأرض ، ثم قال : أحسنتما أفتأذنان لي أن أطير؟ قالت له حبابة : على من تدع الأمة؟ قال : عليك.

قال يزيد بن عبد الملك لحبابة ذات يوم (٢) :

أتعرفين أحدا هو أطرب مني؟ قالت : نعم مولاي الذي باعني ، فأمر بإشخاصه ، فأشخص إليه مقيدا ، فأدخل وحبابة وسلامة تغنيان ، فغنته سلّامة لحن الغريض (٣) :

تشطّ غدا دار جيراننا (٤)

فطرب وتحرك في قيوده.

ثم غنته حبابة لحن ابن سريج (٥) المجرد في هذا الشعر ، فوثب وجعل يحجل (٦) في قيده ، ويقول : هذا وأبيكما ما لا تعذلاني به ، حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فأحرقت ، وجعل يصيح : الحريق يا أولاد الزنا ، فضحك يزيد وقال : هذا والله أطرب الناس حقا ، ووصله وسرّحه إلى بلده.

قال أبو أويس (٧) : قال يزيد بن عبد الملك :

ما تقرّ عيني بما ولّيت من أمر الدنيا حتى أشتري سلّامة جارية مصعب بن زهير الزهري وحبابة جارية لا حق ، فأرسل فاشتريتا له ، فلما اجتمعتا عنده قال : أنا الآن كما قيل (٨) :

__________________

(١) الأغاني : وأمه.

(٢) الخبر والشعر في الأغاني ١ / ٣١٦ في أخبار ابن سريج.

(٣) الغريض لقب ، واسمه عبد الملك ، وكنيته أبو يزيد ، من مولدي البربر ، انظر أخباره في الأغاني ٢ / ٣٥٩.

(٤) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، وهو في ديوانه ص ٩٥ (ط. صادر) وتمامه فيه :

تشط غدا دار جيراننا

وللدار بعد غد أبعد.

(٥) هو عبيد بن سريج أبو يحيى ، ترجمته وأخباره في الأغاني ١ / ٢٤٨.

(٦) حجل حجلا وحجلانا رفع رجلا وتريث في مشيه على رجله الأخرى.

(٧) الخبر والشعر في الأغاني ١٥ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٨) البيت لمعقر بن حمار البارقي يصف امرأة كانت لا تستقر على زوج ، كلما تزوجت رجلا لم ترض به ولم تأنس به فاستبدلته بآخر ، إلى أن تزوجت رجلا أرضاها ، ونسب أيضا إلى عبد ربه السلمي ، ونسب إلى سليم بن ثمامة الحنفي. والبيت في الأغاني ١٥ / ١٢٣ والعقد الفريد ٦ / ١٦٢ وتاج العروس : عصو ، طبعة دار الفكر.

٩١

فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

وعن الزّبير بن بكار قال : قال يزيد بن عبد الملك (١) :

زعموا أنه لا يصفو لأحد عيش يوما واحدا ، فإنّي أريد ألا تخبروني غدا بشيء ، فإني أريد أن أتخلّى نظري ولذتي ، فلعلها تدوم لي ، فلما كان من غد جلس مع حبابة فأكلا وشربا وطربا ، وكان بين يدي حبابة رمان ، فأكلت منه فشرقت بحبة فماتت ، فمكث ثلاثا لا يدفنها ، ثم غسلت بعد ثلاث وأخرجت ، فمرّ يزيد في جنازتها.

وقيل :

إن يزيد بن عبد الملك نزل مكانا بالأردن يقال له ، بيت رأس (٢) ومعه حبابة ، فتوفيت ، فمكث ثلاثا لا يدفنها حتى أنتنت يشمها ويرشفها ، فكلمه قراباته في ذلك ، وعابوا عليه ما يصنع ، وقالوا : قد صارت جيفة بين يديك ، حتى أذن لهم في غسلها ودفنها ، فحملوها في نطع ، وخرج معهم حتى أجنّها (٣) في حفرتها (٤) ، فلما فرغوا قال : إنا والله كما قال كثير بن أبي جمعة (٥) :

فإن تسل عنك النفس (٦) أو تدع الصّبا

فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد

وكلّ حبيب زارني (٧) فهو قائل

من اجلك : هذا هالك (٨) اليوم أو غد

فما مكث بعدها إلّا خمس عشرة حتى دفن.

دخل يزيد بن عبد الملك يوما بعد موت حبابة إلى خزانتها ومقاصيرها ، فطاف فيها ومعه جارية من جواريها ، فتمثلت الجارية :

__________________

(١) الخبر في الأغاني ١٥ / ١٤٣ باختلاف الرواية.

(٢) بيت رأس اسم لقريتين في كل واحدة منهما كروم كثيرة ، ينسب إليها الخمر ، إحداهما كورة بالأردن ، والأخرى بنواحي حلب (انظر معجم البلدان).

(٣) أجنها : واراها.

(٤) الخبر في مروج الذهب ٣ / ٢٤٢ والأغاني ١٥ / ١٤٣ ـ ١٤٤ باختلاف الرواية فيهما.

(٥) البيتان في الأغاني ، والأول في مروج الذهب ٣ / ٢٤٢ ، وهما في ديوانه من قصيدة طويلة ص ٨٨ (ط. دار الكتاب العربي).

(٦) الأغاني : فإن يسل عنك القلب.

(٧) الديوان والأغاني : وكل خليل راءني.

(٨) الديوان والأغاني : هذا هامة.

٩٢

كفى حزنا بالواله الصّبّ أن يرى

منازل من يهوى معطّلة قفرا (١)

فصاح صيحة وخرّ مغشيّا عليه ، فلم يفق إلى أن مضى من الليل هويّ (٢) فلم يزل بقية ليلة باكيا ومن غده ، فلما كان اليوم الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها ، جاءوا إليه فوجدوه ميتا.

توفيت حبابة في رجب سنة خمس ومائة ، ولم يلبث بعدها يزيد إلّا أربعين يوما حتى هلك (٣).

٩٣٢٣ ـ حبة بنت الفضل

من النسوة الفصيحات ، قدمت دمشق مستأمنة لزوجها عبد الله بن فضالة.

قال عبيد الله بن عبد الله بن فضالة الزهراني :

نادى منادي الحجاج بن يوسف يوم رستقباذ (٤) ، أمن الناس كلهم إلّا أربعة : عبد الله ابن الجارود (٥) ، وعبد الله بن فضالة ، وعكرمة بن ربعي ، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان (٦).

قال : فأتي برأس عبد الله بن الجارود فلم يصدق فرحا به ، وقال : عمموه لي أعرفه ، فإني لم أره قط إلّا معتما ، فعمّم له ، فعرفه.

وأما عبيد الله بن زياد فإنه انطلق إلى عمان ، فأصابه الفالج بها فمات.

وأما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد (٧) ، فعطف عليهم فقتل منهم نيفا وعشرين رجلا ثم قتلوه.

وأما عبد الله بن فضالة فإنه أتى خراسان ، فلم يزل بها حتى ولي المهلب خراسان ،

__________________

(١) البيت في الأغاني ١٥ / ١٤٥ ومروج الذهب ٣ / ٢٤٢.

(٢) الهوي من الليل : ساعة منه.

(٣) مات يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان سنة ١٠٥ بأربد من أرض البلقاء من أعمال دمشق كما في مروج الذهب ٣ / ٢٣٩.

(٤) في مختصر ابن منظور : «رسقياداذ» والمثبت عن تاريخ الطبري ؛ قال ياقوت : رستقباذ من أرض دستوا ، زاد الطبري : من كور الأهواز. انظر عن هذا اليوم تاريخ الطبري ٣ / ٥٥١ حوادث سنة ٧٥.

(٥) انظر أخباره في تاريخ الطبري ٦ / ٢١٠ والكامل لابن الأثير (حوادث سنة ٧٥) وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٦١ ـ ٨٠) ص ٣٢٤.

(٦) انظر أخباره في تاريخ الطبري ٣ / ٤٢٦ ، ٥١٨ ، ٥٢١ و ٥٢٢.

(٧) المربد : بالكسر ثم السكون وفتح الباء الموحدة ، هو موضع سوق الإبل بالبصرة (معجم البلدان).

٩٣

وأمر بأخذه حيث أصابه ، وقيل له : أكنّ ذلك ولا تبده فيحذر ، ويحترز ، واحرص على أسره دون قتله ، فبعث المهلب ابنه حبيبا أمامه ، وسار من سوق الأهواز إلى مرو على بغلة شهباء في سبع عشرة ليلة ، فأخذه غارا (١) بمرو وهو لا يشعر.

ثم كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك ، فجاء المغيرة بن المهلب إلى منزل حبة بنت الفضل امرأة عبد الله بن فضالة ، وهي ابنة عم عبد الله ، فأرسل إليها أن حبيبا قد أخذ عبد الله ، وقد كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك ، فإن كان عندك خير فشأنك ، وعولي على المال ما بدا لك ، فأرسلت إليه : لا ، ولا كرامة ، تقتلونه وآخذ منكم المال؟! هذا ما لا يكون.

فتحولت إلى منزل أخيها لأمها خولي بن مالك الراسبي ، وأرسلت إلى بني سعد ، فاشتري لها باب عظيم ، فألقته على الخندق ليلا ، ثم جازت عليه فغشي عليها ، فلما أفاقت قالت : إني لم أكن أتعب ، فمتى أصابني هذا فشدّوني وثاقا ثم سيروا بي ، فخرجت مع خادمها وغلامها ودليلها ، لا يعلم بها أحد حتى دخلت دمشق على عبد الملك بن مروان ، فأتت أم أيوب بنت عمر (٢) بن عثمان بن عفان ، وكانت أمها زينب بنت كعب بن حلحلة الخزاعي.

قالت : يا أم أيوب قصدتك لأمر بهظني (٣) وغمّ كظّني (٤) ، وأعلمتها الخبر ، وقصت عليها القصة ، فقالت أم أيوب : قد كنت أسمع أمير المؤمنين يكثر ذكر صاحبك ، ويهظر التلظي عليه ، قالت : وأين رحلتي إليك؟ قالت : سأدخلك مدخلا وأجلسك مجلسا إن شفعت ففيه ، وإن رددت فلا تنصبي ، فلا شفاعة لك بعده ، فأجلستها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه لدخول عبد الملك ليلا مغترا.

فلما دنا أخذت بجانب ثوبه ، ثم قالت : هذا مكان العائذ بك يا أمير المؤمنين. ففزع عبد الملك وأنكر الكلام.

فقالت أم أيوب : ما يفزعك يا أمير المؤمنين من كرامة ساقها الله إليك؟.

فقال : عذت معاذا ، فمن أنت؟.

__________________

(١) أي غافلا.

(٢) في مختصر ابن منظور : «عمرو» والمثبت يوافق ما جاء في نسب قريش للمصعب ص ١٢٠.

(٣) بهظني : أثقلني وأعجزني عنه.

(٤) كظه الأمر : بهظه وكربه وجهده حتى يعجز عنه.

٩٤

قالت : تؤمّن ، يا أمير المؤمنين ، من جئتك فيه. من كان من خلق الله ، ممن تعرف أو لا تعرف ، ممن عظم ذنبه لديك أو صغر شاميا أو عراقيا أو غير ذلك. من الآفاق؟.

قال : نعم هو آمن.

قالت : بأمان الله ثم بأمانك يا أمير المؤمنين؟.

قال : نعم ، فمن هو أيتها المرأة؟.

قالت : عبد الله بن فضالة ، قال : أرسلي ثوبي أنبئك عنه.

قالت : أغدرا يا بني مروان؟.

قال : لا ، أرسلي ثوبي أحدثك ببلائي عنده وهو آمن لك ولمعاذك.

قالت : فحدّثني يا أمير المؤمنين ببلائك عنده.

قال : ألم تعلمي أني وليته السوس (١) وجنديسابور (٢) وأقطعته كذا ووهبت له كذا ونوهت بذكره ورفعت من قدره؟.

قالت : بلى والله يا أمير المؤمنين ، أفلا أحدثك ببلائه عندك؟.

قال : بلى.

قالت : أتعلم أن داره هدمت ثلاث مرار بسببك لا يستر من السماء بشيء؟.

قال : نعم.

قالت : أفتعلم يا أمير المؤمنين أنك كتبت إلى وجوه أهل البصرة وأشرافها ، وكتبت إليه ، فلم يكن منهم أحد أجابك ولا أطاعك غيره؟.

قال : نعم.

قالت : أفتعلم أنه كان قبل زلته سيفا لك على أعدائك وسلما وبساطا لأوليائك؟.

قال : نعم حسبك. قد أجبت وأبلغت.

قالت : أفيذهب يوم من أيامه بصالح أيامه وطاعته وحسن بلائه؟.

__________________

(١) السوس : بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه‌السلام ، معجم البلدان.

(٢) جنديسابور : بضم أوله وتسكين ثانيه وفتح الدال : مدينة بخوزستان (معجم البلدان).

٩٥

قال : لا ، هو آمن.

قالت : يا أمير المؤمنين إنها الدماء ، وإنه الحجاج وإن رآه قتله.

قال : كلا.

قالت : فالكتاب يا أمير المؤمنين مع البريد.

قال : فكتب لها كتابا مؤكدا : إياك وإياه ، وأحسن جائزته ورفده وخلّ سبيله ، ثم وجه به مع البريد ، ثم أقبل عليها فقال : ما أنت منه؟ قالت : امرأته ، وابنة عمه.

قال : فضحك وقال : أين نشأت؟ قالت : في حجر أبيه.

قال : فو الله لأنت أعرب وأفصح لسانا ، فهل معه غيرك؟ قالت : نعم ، ابنة عبيد بن كلاب وكذا كذا جارية.

قال : فأنا أوليك طلاقها وعتق جواريه قالت : بل تهنئه نساءه كما هنأته (١) دمه.

فأقبل على أم أيوب فقال : يا أم أيوب ، لا نساء إلّا بنات العم ، ثم قال : أقيمي عند أم أيوب حتى يأتيك الكتاب بمحبتك إن شاء الله.

وقدم الكتاب ، وقد قدم به على الحجاج من خراسان ، فأقامه للناس في سراويل ، وقد كان نزع ثيابه قبل ذلك وعرضه على الناس في الحديد ليعرفوه.

فلما أمسى دعا به الحجاج ، فقال له عبد الله : أتأذن في الكلام؟ قال : لا كلام سائر اليوم.

قال : فكساه وحمله وأجازه وخلّى سبيله ، فانصرف إلى أهله فسألهم عن حبة ، فأخبر بأمرها ، وقيل : ما ندري أين توجهت ، ثم بلغه ما صنعت ، فكتب إليها : إنك قد صنعت بنا ما لم تصنعه أنثى فأعلميني بمقدمك أتلقاك ويتلقاك الناس معي ، فلم تعلمه حتى قدمت ليلا وهو عند ابنة عبيد بن كلاب ، فقالت : لا والله لا يؤذن (٢) بي الليلة ، فلما أصبح أخبر بمكانها فأتاها.

٩٣٢٤ ـ حسينة ماشطة عبد الملك بن مروان

قال ابن شهاب :

__________________

(١) هنأه يهنؤه ويهنئه : أطعمه وأعطاه (القاموس).

(٢) أي لا يعلم بقدومها.

٩٦

حججت مع سليمان بن عبد الملك ، فلما كان يوم النحر أراد أن يفيض (١) ، فأرسل إلى عمر بن عبد العزيز وإلى سالم بن عبد الله وإلى أبي بكر بن حزم ، وهو أمير على المدينة يومئذ ، فقال : إنّي أريد أن أفيض فأخبروني ما بلغكم عن الطيب اليوم؟ أتطيّب الآن قبل أن أفيض؟.

فقال سالم : أخبرني أبي عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال في خطبته يوم عرفة :

إذا رميتم الجمرة غدا ، إن شاء الله ، بسبع حصيات ، وذبح من كان عنده ذبح أو نحر ، فقد حلّ له ما حرم عليه إلّا الطّيب والنساء حتى يطوف بالبيت.

قال أبو بكر بن حزم : أخبرتني عمرة بنت عبد الرّحمن بن سعد بن زرارة ، خالتي ، أن عائشة قالت :

طيّبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة لحرمه قبل أن يحرم ، وطيبته بمنى قبل أن يفيض يوم النحر.

فقال سليمان بن عبد الملك حين رأى اختلافهم : ادعوا لي حسينة مرجّلة (٢) عبد الملك ابن مروان ، فسألها : ما صنع عبد الملك هذا اليوم؟ قالت : لم يمس طيبا. فقال : يا غلام أرسل حرسنا مع سالم يقلبه إلى منزله ، وأبى أن يمس الطيب.

وقيل :

إن اسمها سلافة. وقيل : إن اسمها حبيبة.

وزاد في ترجمة سلافة :

وروي حديث عائشة عن القاسم ، قال القاسم : فعجبت أني أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويسأل سلافة.

٩٣٢٥ ـ حميدة بنت عمر بن عبد الرّحمن بن عوف

ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة الزهرية

ذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه (٣) قال :

__________________

(١) فاض الناس من عرفات : دفعوا ، أو رجعوا أو أسرعوا منها إلى مكان آخر ، وكل دفعة : إفاضة (القاموس).

(٢) رجل رجلا ورجلته ترجيلا : سرحته ومشطته (تاج العروس : رجل).

(٣) الخبر رواه أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ١ / ٣٠.

٩٧

خرجت امرأة من بني زهرة في حي (١) ، فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشام فأعجبته ، فسأل [عنها](٢) فنسبت له ، فخطبها إلى أهلها فزوجوه [إياها] بكره منها ، فخرج بها إلى الشام ، فخرجت مخرجا فسمعت متمثلا يقول (٣) :

ألا ليت شعري هل تغير بعدنا

جبوب (٤) المصلّى أم كعهدي القرائن

وهل آدر (٥) حول البلاط عوامر

من الحيّ أم هل بالمدينة ساكن

إذ برقت نحو الحجاز سحابة

دعا الشوق مني برقها المتيامن

فلم أتركنها (٦) رغبة عن بلادها

ولكنه ما قدّر الله كائن

قال : فتنفست فوقعت ميتة.

قال أيوب : فحدّثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج ، فقال : أتعرفها؟ قلت : لا ، قال : فهي والله عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرّحمن بن عوف ، وهذا الشعر لأبي قطيفة عمرو بن الوليد ، قاله لما سيّره ابن الزبير مع بني أمية إلى الشام.

٩٣٢٦ ـ حميدة بنت النعمان بن بشير أم محمد الأنصارية

سكنت دمشق. ويقال : حميدة بالضم.

قيل :

إنها التي تزوجها الحارث بن خالد المخزومي (٧) ، ويقال : خالد بن المهاجر بن خالد ابن الوليد فقالت في ذلك (٨) :

نكحت المدينيّ إذ جاءني

فيا لك من نكحة غاليه (٩)

__________________

(١) كذا بالأصل وبعض أصول الأغاني ، وفي الأغاني المطبوع : «خف» وهو أشبه ، يقال : خرج فلان في خف من أصحابه أي في جملة قليلة منهم.

(٢) زيادة عن الأغاني.

(٣) الأبيات في الأغاني ١ / ٣٠ وهي لأبي قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

(٤) الجبوب : الحجارة والأرض الصلبة ، انظر معجم البلدان.

(٥) في الأغاني : ادؤر ، بالهمز ، وكلاهما صحيح.

(٦) كذا في رواية الأغاني ، وفي رواية أخرى فيها ١ / ٣١ وما أحرجتنا.

(٧) هو الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، انظر أخباره في الأغاني ٩ / ٢٢٧.

(٨) الأبيات في الأغاني ٩ / ٢٢٧ و ٢٢٩.

(٩) في الأغاني : غاوية.

٩٨

كهول دمشق وفتيانها (١)

أحبّ إلينا من الجالية (٢)

وقيل : هذا الشعر لأختها عمرة.

قال محمّد بن سعد :

فولد النعمان بن بشير : الوليد ، ويحيى ، وبشيرا ، وأم محمّد ، وهي حميدة تزوجها روح بن زنباع الجذامي (٣) ، وعمرة تزوجها المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وهي التي قتلها مصعب بن الزّبير (٤).

أنشد سعيد بن عبد العزيز لحميدة بنت النعمان بن بشير تبكي أباها :

ليت ابن مزنة وابنه

كانا لحتفك واقيه

وبنو أمية كلّهم

لم تبق منهم باقيه

وأنشد أبو مسهر لها :

جاء البريد برأسه

يا للحلوم الغاويه

يستفتحون بقتله

دارت عليهم ثانيه

فلأبكينّ مسرّة

ولأبكينّ علانيه

ولأبكينك ما حيي

ت مع الكلاب لعاويه

قال أبو مسهر : في جوف الليل.

قال المدائني :

أشرفت امرأة روح بن زنباع تنظر إلى وفد من جذام قدموا عليها ، فزجرها روح ، فقالت : والله إني لأبغض الحلال من جذام فكيف تخافني على الحرام منهم؟! وكانت امرأته بنت النعمان بن بشير.

__________________

(١) كذا في رواية الأغاني ١٦ / ٥٣ وفي رواية أخرى فيها ٩ / ٢٢٧ وشبانها.

(٢) الجالية القوم الذين جلوا أو أجلوا عن بلادهم ، وقيل أنها عنت أهل الحجاز ، كان أهل الشام يسمونهم بذلك لأنهم كانوا يجلون عن بلادهم إلى الشام.

(٣) الذي في الأغاني ١٦ / ٥٣ أنها تزوجت روح بن زنباع بعد ما طلقها الحارث بن خالد المخزومي.

(٤) وكان مصعب بن الزبير ، وبعد قتله المختار قد أمر امرأتيه بنت سمرة بنت جندب ، وعمرة بنت النعمان أن يتبرءا من المختار ، فأما بنت سمرة فقد تبرأت منه ، أما عمرة فأبت ، فقتلها بأمر عبد الله بن الزبير. فقال عمر بن أبي ربيعة فيها :

قتلت حرة على غير جرم

إن لله درها من قتيل

٩٩

وقيل : إنها تزوجت روح بن زنباع فلم يؤدم (١) بينهما ، فقال لها روح في بعض ما يتنازعان فيه : اللهمّ إن بقيت بعدي فابتلها ببعل يلطم وجهها ، ويملأ قيئا حجرها.

فتزوجها بعده الفيض بن محمّد بن الحكم (٢) ، وكان شابا جميلا يصيب من الشراب ، فأحبته ، فلطمها يوما وقاء في حجرها ، فقالت : رحم الله أبا زرعة فقد أجيب فيّ ، وقالت للفيض (٣) :

سمّيت فيضا وما شيء تفيض به

إلّا بخزيك (٤) بين الباب والدار

فتلك دعوة روح الخير أعرفها

سقى الإله صداه الأوطف (٥) السّاري

وقالت (٦) :

ألا يا فيض كنت أراك فيضا

فلا فيضا وجدت (٧) ولا فراتا

وقالت (٨) :

وليس فيض بفيّاض العطاء لنا

لكنّ فيضا لنا بالقيء فيّاض

ليث اللّيوث علينا باسل شرس

وفي الحروب هيوب الصدر جيّاض (٩)

فولدت من الفيض ابنة ، فتزوجها الحجاج بن يوسف ، وكان عند الحجاج قبلها أم أبان بنت النعمان بن بشير فقالت حميدة (١٠) :

إذا تذكّرت نكاح الحجّاج

فاضت له العين بدم (١١) ثجّاج

لو كان نعمان قتيل الأعلاج

مستوي الشّخص صحيح الأوداج

__________________

(١) الأدمة : القرابة ، والوسيلة والخلطة والموافقة ، وأدم بينهم يأدم : لأم (القاموس).

(٢) سماه في الأغاني ١٦ / ٥٤ : الفيض بن أبي عقيل الثقفي. وفيها ٩ / ٢٣٢ الفيض بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل.

(٣) البيتان في الأغاني ٩ / ٢٣٢ و ١٦ / ٥٤.

(٤) في الأغاني ٩ / ٢٤٢ «سلاحك» و ١٦ / ٥٤ بسلحك.

(٥) الأوطف من السحاب : المسترخي الجوانب لكثرة مائه.

(٦) البيت في الأغاني ٩ / ٢٣٢.

(٧) في الأغاني : أصبت.

(٨) البيتان في الأغاني ٩ / ٢٣٢.

(٩) الجياض : الرواغ.

(١٠) الأبيات في الأغاني ٩ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ و ١٦ / ٥٤.

(١١) الأغاني ٩ / ٢٣٢ «بدم» وفي ١٦ / ٥٤ بماء.

١٠٠