طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]

طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]


المحقق: عبدالغفور عبدالحقّ الحسين البلوشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٨

كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة أرخى يديه ، فلقد جاء حجر منجنيق فذهب طائفة من ثوبه فلم ينفتل.

حدثنا حاجب ، قال : ثنا أحمد الدورقي ، قال : ثنا جرير عن منصور ، عن مجاهد ، قال :

كان ابن الزبير إذا صلى كأنه عمود منصوب ، يعني من الخشوع ، قال : وحدث أن أبا بكر كان كذلك.

__________________

ـ وأحمد الدورقي : هو ابن إبراهيم بن كثير النكري ـ بضم النون ـ البغدادي ، ثقة ، حافظ ، مات ٢٤٦ وانظر «تاريخ بغداد» ٤ / ٦ و «التقريب» ص ١١.

وذكر الخطيب أنه إنما نسب إلى الدورقي لأنهم كانوا في ذلك الزمان يسمّون المتنسك دورقيا وكان أبوه ناسكا ، وقيل إنما نسب إليه للبسهم القلانس الطوال الدورقية مع التصرف.

بهز بن أسد أبو الأسود العمي ، الحافظ المتقن الإمام الحجة ، ثقة ثبت ، مات بعد المائتين. انظر «تذكرة الحفاظ» ١ / ٣٤١ ، و «الكاشف» ١ / ١٦٤ «والتقريب» ص ٤٨.

ويزيد بن إبراهيم التستري أبو سعيد ثقة ثبت ، توفي سنة ١٦٢ ه‍ انظر المصادر السابقة ١ / ٢٠٠ و «الكاشف» ٣ / ٢٧٤ و ٣٨١ وعمرو بن دينار هو أبو محمد المكي الأثرم ثقة ثبت من رجال الجماعة مات سنة ١٢٦ ه‍ انظر «التهذيب» ٨ / ٢٩.

مرتبة الإسناد والخبر وتخريجه : رجاله كلهم ثقات ، والخبر صحيح فقد رواه أبو نعيم في «الحلية» ١ / ٣٣٥ ، وأورد ابن كثير أيضا آخر القصة أنّ المنجنيق ، يقع هاهنا. وها هنا ، قال سفيان : ـ وهو الراوي كأنه لا يبالي به ولا يعده شيئا. انظر «البداية» ٨ / ٣٣٤ وكذا ذكر الذهبي من طريق عمرو بن دينار وابن المنكدر. انظر «سير النبلاء» ٣ / ٢٤٨.

تراجم الرواة :

حاجب وأحمد تقدما في السند قبله.

وجرير هو ابن عبد الحميد القاضي الضبي ، ترجم له المؤلف كما سيأتي برقم ت ٦١ وهو ثقة صحيح الكتاب.

ومنصور هو ابن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عثاب ـ بمثلثة ثقيلة ـ ثم الموحدة ، الكوفي ، ثقة ثبت من رجال الجماعة ، مات سنة ١٣٢ ه‍ ، انظر «التقريب» ص ٣٤٨ ، و «التهذيب» ١٠ / ٣١٢.

ومجاهد : هو ابن جبر ـ بفتح الجيم وسكون الموحدة ـ أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ، ثقة إمام في التفسير وفي العلم ، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومئة. انظر المصدرين السابقين ١٠ / ٤٢ و «التقريب» ٣٢٨. ـ

٢٠١

وحدثنا أبو العباس الجمال ، قال : ثنا أبو صالح الطائي ، قال : ثنا هشيم قال : أنا مغيرة ، عن قطن بن عبد الله ، قال : رأيت ابن الزبير وهو يواصل من الجمعة إلى الجمعة ، فلما كان عند إفطاره من الليلة المقبلة من ليلة الجمعة يدعو بقدح يقال له : الغمر (١) ، ثم يدعو بكعب (١) من سمن ، ثم يأمر بلبن فيحلب عليه ، ويدعو بشيء من صبر فيذره عليه ثم يشربه ، فأما اللبن فيقيمه (٢) ، وأما السمن فيقطع عنه العطش ، وأما الصبر فيفتق أمعاءه.

__________________

ـ مرتبة الإسناد والخبر وتخريجه :

رجاله كلهم ثقات ، والخبر صحيح فقد أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ١ / ٣٣٥ ، وأورده الذهبي في «سير النبلاء» ٣ / ٢٤٧ ، وابن كثير في «البداية» ٨ / ٣٣٣ بمعناه ، وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» وقال : أخرجه أبو نعيم بسند صحيح. انظر ٢ / ٣١٠.

(١) في أ ـ ه (القمر وبكعب) وهو الصواب ، وفي الأصل هكذا (بلعب) مهمل. انظر شرح الكلمة.

(١) في أ ـ ه (القمر وبكعب) وهو الصواب ، وفي الأصل هكذا (بلعب) مهمل. انظر شرح الكلمة.

(٢) في «البداية» ٨ / ٣٣٤ : فيعصمه.

تراجم الرواة :

أبو العباس الجمال ـ بفتح الجيم والميم المشددة ـ هذه النسبة إلى حفظ الجمال وإكرائها للناس في الطرق ـ هو أحمد بن محمد بن عبد الله توفي في طريق الحج سنة ٣٠١ ه‍ ، أحد العلماء والفقهاء مفت يرجع إلى العلم بالشروط.

انظر «أخبار أصبهان» ١ / ١٢٥ «والطبقات» ٣٠ / ٣ للمؤلف من أ ـ ه و «اللباب» ١ / ٢٩٠.

أبو صالح الطائي لم أعرفه.

هشيم : هو ابن بشير بن القاسم أبو معاوية بن أبي حازم الواسطي ، ثقة ثبت من رجال الجماعة ، إلا أنه كثير التدليس والإرسال الخفي ، ـ وزالت شبهة التدليس بتصريحه ـ انظر «التهذيب» ١١ / ٥٩ ، و «التقريب» ص ٣٦٥.

والمغيرة : هو ابن مقسم ـ بكسر الميم ـ الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى ، ثقة متقن إلا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم ، مات سنة ١٣٦ ه‍ على الصحيح. انظر المصدرين السابقين ١٠ / ٢٦٩ و «التقريب» ص ٣٤٥.

قطن بن عبد الله ترجم له البخاري في «التاريخ الكبير» ٧ / ١٨٩ ، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٧ / ١٣٧ فقالا : روى عن ابن الزبير وروى عنه مغيرة بن مقسم وسكتا عنه. ـ

٢٠٢

(٣ ٣ / ١ ع (١) سلمان الفارسي (*)):

ومما زين الله به أصبهان وأهلها ، أن جعل سلمان الفارسي منها ، ورزقه صحبة نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى قال فيه : ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «سلمان منّا أهل البيت (٢)».

__________________

ـ مرتبة الإسناد والخبر وتخريجه :

في إسناده من لم أعرفه ، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في «المصنف» ٣ / ٨٤ ، والبخاري في «التاريخ» ٧ / ١٨٩ ، وأورده ابن كثير في «البداية» ٨ / ٣٣٤ ، بإسناد زبير بن بكار نحوه ، وأبو نعيم في «الحلية» ١ / ٣٣٥ ، والذهبي في «سير النبلاء» ٣ / ٢٤٧ فقط طرفه الأول.

قوله الغمر : وهو القدح الصغير ... لعله تسمى به لصغره. والله أعلم. انظر «لسان العرب» ٥ / ٣١.

والكعب : الكتلة من السمن ، الصبة منه ، انظر المصدر السابق ١ / ٧١٩.

والصبر : بفتح الصاد وكسر الموحدة ككتف : عصارة شجر مر ، الدواء المر. انظر «القاموس

(١) العنوان مع الرموز والأرقام من عندي ، لذا جعلته بين الحاجزين.

(*) له ترجمة في المصادر الآتية ، وانظر مصادر قصة إسلامه وستأتي قريبا ، في «سيرة ابن إسحاق» ، ١ / ٦٦ ، «وسيرة ابن هشام» ، ١ / ١٩٨ ، وفي «الطبقات» لابن سعد ٤ / ٧٥ ـ ٩٣ ، و «مروج الذهب» ١ / ٣٢٠ للمسعودي ، «والثقات» ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٧ لابن حبان ، وفي «أخبار أصبهان» ١ / ٤٩ ـ ٥٠ ، وفي «الحلية» ١ / ١٨٥ ـ ٢٠٨ ، وفي «دلائل النبوة» ١ / ٨٧ ، الثلاثة لأبي نعيم ، وفي «الاستيعاب» ٢ / ٥٦ ـ ٦١ بهامش «الإصابة» ، وفي «تاريخ بغداد» ١ / ١٦٣ للخطيب ، «محاسن أصبهان» للمافروخي ، و «تهذيب تاريخ ابن عساكر» ٦ / ١٨٨ ، وفي «أسد الغابة» ٢ / ٣٢٨ لابن الأثير ، وفي «صفة الصفوة» ١ / ٢١٠ ، وفي «تهذيب الأسماء واللغات» ١ / ٢٢٦ للنووي ، والذهبي في «سير النبلاء» ١ / ٣٦٢ ـ ٤٠٥ ، وفي «فوات الوفيات» ١ / ٢١٠ للكتبي ، وفي «الإصابة» ٢ / ٦٢ ـ ٦٣ ، وفي «التهذيب» ٤ / ١٣٨.

المحيط» ٢ / ٣٣٤.

(٢) سيأتي تخريجه في السند التالي.

٢٠٣

(٥) حدثنا بذلك أبو يعلى ، قال : ثنا الحسن بن عمر بن شقيق قال : ثنا جعفر بن سليمان ، عن النضر بن حميد ، عن سعد الإسكاف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «سلمان منّا أهل البيت».

__________________

ـ تراجم الرواة :

أبو يعلى هو أحمد بن علي بن المثنى الموصلي الحافظ الثقة محدث الجزيرة التميمي صاحب «المسند الكبير» ، ولد سنة ٢١٠ ، وتوفي سنة ٣٠٥ ، انظر «تذكرة الحفاظ» ٢ / ٧٠٧ ، والحسن بن عمر بن شقيق الجرمي التاجر بالري ، وثق توفي سنة ٢٣٢ ، وقال ابن حجر : صدوق.

انظر «التهذيب» : ٢ / ٣٠٨ ، و «التقريب» ص ٧١ ، «وتاريخ بغداد» ٧ / ٣٥٥.

جعفر بن سليمان هو الضبعي ـ بضم الضاد المعجمة ، وفتح الموحدة ـ أبو سليمان البصري ، صدوق زاهد ، لكنه كان يتشيع ، مات سنة ثمان وسبعين ومئة. انظر «الميزان» ١ / ٤٠٨ ، «والتقريب» ص ٥٦.

والنضر بن حميد هو أبو الجارود الكندي ، قال أبو حاتم : متروك الحديث. وقال البخاري : منكر الحديث. انظر «الجرح والتعديل» ٨ / ٤٧٠ ، «والميزان» ٤ / ٢٥٦.

وسعد الإسكاف هو ابن طريف الحنظلي الكوفي ، قال ابن معين : «لا يحل لأحد أن يروي عنه» قلت : هو مجمع على ضعفه ، واتهمه ابن حبان ، انظر «الميزان» ٢ / ١٢٢ «والمغني في الضعفاء» ١ / ٢٥٥ ، ومحمد بن علي هو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ، ثقة فاضل ، مات سنة بضع عشرة ومئة. انظر «التقريب» ص ٣١١ وأبوه هو علي بن الحسين ، وكان ثقة مأمونا عاليا رفيعا من تابعي أهل المدينة. انظر «التهذيب» ٧ / ٣٠٤.

وجده هو الحسين بن علي صحابي جليل ، سبط رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو سيد شباب أهل الجنة ، قتل ـ رضي‌الله‌عنه ـ يوم عاشوراء سنة ٦١ ه‍. انظر «الإصابة» ١ / ٣٣٢.

مرتبة الإسناد والحديث وتخريجه :

في إسناده متروك وهو النضر ، ومجمع على ضعفه بل اتهمه بعضهم وهو الإسكاف ، فهو ضعيف جدا بهذا السند ، أخرجه أبو يعلى والبزار في مسنديهما كما في «إتحاف المهرة» ٥٤ / ٣ ـ وضعف البوصيري إسناده لضعف سعد الإسكاف ، وهو في «المطالب العالية» ٤ / ٨٣ وضعف المحقق سنده أيضا بالإسكاف وغيره ـ وهو كما قال ، وعزاه إلى أبي يعلى فقط. وله شاهد من حديث عمرو بن عوف ، أخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٨٣ والحاكم في «المستدرك» ٣ / ٥٩٨ وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» ١ / ٥٤ وابن الجوزي في «صفة الصفوة» ١ / ٥٣٥ كلهم من طريق كثير بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده بلفظ ـ وهو لابن سعد ـ «أن رسول الله ـ صلى ـ

٢٠٤

(٦) وهو ما حدثنا محمد بن العباس بن أيوب ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، ثنا محمد بن خالد بن عثمة ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «سلمان منّا أهل البيت وإنّ الجنة تشتاق إلى أربعة» (١).

__________________

ـ الله عليه وسلم ـ خط الخندق ـ إلى قوله ـ فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا ، فقال المهاجرون : سلمان منا ، وقالت الأنصار : لا بل سلمان منا ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «سلمان منا أهل البيت» ومن الطريق المذكور أخرجه المؤلف بعد هذا الحديث.

قلت : سنده أيضا ضعيف ، فيه كثير بن عبد الله ، وسيأتي الكلام عليه بعد هذا الحديث في رجال ح ٦ ، وسكت عليه الحاكم بعد إخراجه الحديث ، وقال الذهبي : سنده ضعيف. قلت : مع هذا التصريح بضعفه قال محقق «صفة الصفوة» رواس قلعة جي : أنه صحيح أخرجه الطبراني والحاكم ، عن عمرو بن عوف فهو تساهل منه.

وقد جاء من قول علي ، أخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٨٦ ، وأبو نعيم في «الحلية» ١ / ١٨٧ ، وابن عبد البر في «الاستيعاب» ٢ / ٥٩ بهامش «الإصابة» كلهم من طريق ابن جريج عن زاذان الكندي ، عن علي من قوله ، ورجال ابن سعد ثقات سوى زاذان ، وهو صدوق يرسل وفيه شيعية : وكذا ابن جريج مدلس وقد عنعن.

(١) زاد أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (علي وسلمان وعمار والمقداد). انظر ١ / ٤٩.

تراجم الرواة :

محمد بن العباس ، وترجم له المؤلف في «الطبقات» ٢٢٢ / ٣ وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» ٢ / ٢٢٤ وهو أبو جعفر الأخرم مولى لقريش ، كان من الحفاظ مقدما فيهم شديدا على أهل الزيغ والبدعة ، وقطع عن التحديث بعد اختلاطه ٢٩٦ ه‍ وتوفي سنة ٣٠١ ه‍.

الفضل بن موسى لعله البصري أو السيناني إذا كان هو فهو ثقة كما في «الجرح» ٧ / ٦٨ ، «والتقريب» ص ٢٧٦ ، ولكنّه بعيد أن يكون هو أي السيناني لأنه توفي سنة ١٩٢ ه‍ ، ومحمد الذي روى عنه توفي ٣٠١ ه‍ وترجم للبصري الخطيب في «تاريخ بغداد» ١٢ / ٣٦٦.

ومحمد بن خالد بن عثمة ـ بمثلثة ساكنة قبلها فتحة ـ وعثمة اسم أمه ـ وهو صدوق يخطىء من العاشرة. انظر «التهذيب» ٩ / ١٤٢ «والتقريب» ص ٢٩٥.

وكثير بن عبد الله هو المزني المدني : ضعيف ، منهم من اتهمه من السابعة. انظر المصدرين السابقين ٨ / ٤٢٢ و ٢٨٥.

وعبد الله بن عمرو أبوه ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال ابن حجر : مقبول من الثالثة. انظر المصدرين السابقين ٥ / ٣٣٩ و ١٨٣.

وعمرو بن عوف بن زيد أبو عبد الله المزني صحابي مات في ولاية معاوية. انظر «التقريب» ص ١٦١. ـ

٢٠٥

(٧) حدثنا بذلك أبو القاسم الرازي ، قال : ثنا أبو زرعة ، قال : ثنا أبو نعيم ، ثنا الحسن بن صالح ، عن أبي ربيعة البصري ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

__________________

ـ مرتبة الإسناد والحديث وتخريجه :

في إسناده كثير ، وهو ضعيف وعبد الله بن عمرو مقبول كما تقدم ، فهو ضعيف بهذا السياق والسند ، وقد أخرجه أبو يعلى كما تقدم في حديث ٥ وسنده ضعيف جدا ، ولكن عنده أنّ الجنة تشتاق إلى ثلاثة ، لم يذكر المقداد ، ولطرفي الحديث شواهد وتقدم طرفه الأول في ح ٥ قريبا ، وقد خرجته وأما الطرف الثاني ، فقد أخرجه الترمذي في «سننه» ٥ / ٣٣٢ ، مناقب سلمان ، وابن حبان في «المجروحين» ١ / ١٢١ ، والطبراني كما في «المجمع» ٩ / ٣٤٤ ، والمؤلف أيضا في الحديث بعده ، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» ١ / ٤٩ ، وابن الجوزي في «العلل» ١ / ٢٨٣ ، والذهبي في «النبلاء» ١ / ٢٥٥ ، وفي «الميزان» ١ / ٢٥٠ ، كلهم من طريق أبي ربيعة الإيادي ، عن الحسن بن صالح ، عن أنس مرفوعا بلفظ : «إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وسلمان وعمار». وعند البعض «ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين» ولم يذكر الذهبي في «النبلاء» سلمان بل ذكر المقداد بدله.

وقال ابن الجوزي : هذا حديث لا يصح ، وأبو ربيعة اسمه زيد بن عوف ، ولقبه فهد ، قال ابن المديني : ذاهب الحديث ، وقال الفلاس : ومسلم بن الحجاج : متروك. انتهى.

قلت : قد وهم ابن الجوزي في الإيادي ليس هو ذاك المتروك إنما هو أبو ربيعة عمر بن ربيعة ، وقد وثقه ابن معين ، وحسن الترمذي حديثه ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث.

انظر «التهذيب» ١٢ / ٩٤ ، «والجرح» ٣ / ١٠٩. فقوله : هذا حديث لا يصح ، لا يصح ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أبي ربيعة وقد حسن الترمذي حديثه.

وأخرجه أبو نعيم في المصدر السابق بطريق آخر ، عن سلمة الأبرش ، عن عمران الطائي ، عن أنس مرفوعا مثله ، وكذا في «الحلية» ١ / ١٩٠ به ، وأخرجه المؤلف بطريق آخر عن قنبر عن علي مرفوعا ، وجعل الرابع أبا ذر بدل عمار كما سيأتي في ت ٧٢ ح ٨٤ ، ومن هذا الطريق أبو نعيم في «أخبار أصبهان» ٢ / ٣٢٨ ولكن سنده ضعيف جدا فيه نهشل وهو ساقط. انظر رجال ح ٨٤.

الخلاصة : إن الطرف الأول ضعيف وطرفه الثاني يحسن بطرقه. والله أعلم ...

تراجم الرواة :

أبو القاسم الرازي : هو عبد الله بن محمد بن عبد الكريم من أهل الري ، كان ثقة كثير الحديث صاحب أصول ، وأكثر عنه أهل أصبهان. وتوفي بها سنة ٣٢٠ ه‍. انظر «الأنساب» للسمعاني ٦ / ٣٦. ـ

٢٠٦

وسئل علي عن سلمان فقال : أوتي العلم الأول والآخر (١).

أخبرناه إسحاق بن جميل ، قال : أنا أحمد بن منيع ، قال : ثنا أبو أحمد ، عن مسعر ، عن عمرو بن مسرة ، عن أبي البختري ، قال : سئل علي عن سلمان.

__________________

ـ وأبو زرعة : هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي الإمام حافظ العصر من جهابذة النقاد ، وكان من أفراد الدهر حفظا وذكاء ودينا وإخلاصا وعلما وعملا توفي سنة ٢٦٤ ه‍. انظر «مقدمة الجرح والتعديل» ١ / ٣٢٨ وبعدها ، و «تذكرة الحفاظ» ٢ / ٥٥٧.

وأبو نعيم : هو الفضل بن دكين الملائي تقدم في ت ١ ، وهو ثقة.

والحسن بن صالح بن حي الثوري ثقة فقيه عابد رمي بالتشيع مات سنة ١٩٩ ه‍ ، وكان مولده سنة مئة ، انظر «التهذيب» ٢ / ٢٨٥ ، و «التقريب» ص ٢٠.

وأبو ربيعة البصري : هو عمر بن ربيعة الإيادي ، وثقه ابن معين وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، وقال ابن حجر : مقبول من السادسة ، انظر «الجرح والتعديل» ٣ / ١٠٩ ، والمصدرين السابقين ١٢ / ٩٤ ، «والتقريب» ص ٤٠٥.

والحسن : هو ابن أبي الحسن يسار البصري ، ثقة فقيه فاضل مشهور ، ولكنه كان يرسل كثيرا ويدلس ، وقال الذهبي : الإمام شيخ الإسلام وهو مدلس فلا يحتج بقوله عن من لم يدركه ، ولكنه حافظ علامة من بحور العلم فقيه النفس كبير الشأن.

انظر «تذكرة الحفاظ» ١ / ٧١ ، «والتهذيب» ٢ / ٢٦٣.

وأنس بن مالك : هو ابن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عشر سنين صحابي مشهور مات سنة ٩٢ ه‍ ، وقيل : ٩٣ ه‍ ، وقد جاوز المئة. انظر «التقريب» ص ٣٩.

مرتبة الإسناد : رجاله ثقات غير أن الحسن البصري مدلس ، وقد عنعن وأبو ربيعة وثقه ابن معين وحسن الترمذي حديثه ، وقال ابن حجر : مقبول كما تقدم.

(١) سيأتي تخريجه قريبا.

تراجم الرواة :

إسحاق بن جميل ترجم له أبو الشيخ في «الطبقات» فقال : هو إسحاق بن إبراهيم بن جميل أبو يعقوب ، شيخ صدوق صاحب أصول من المعمرين ، كان قد قارب المئة ، عنده ، «المسند» عن أحمد بن منيع ، كثير الغرائب ، مات سنة ٣١٠ ه‍ انظر ٢٥٧ / ٣ من أ ـ ه. ـ

٢٠٧

(٨) حدثنا محمد بن عبد الله بن رسته ، قال : ثنا أبو أيوب سليمان ،

__________________

ـ أحمد بن منيع : هو ابن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي نزيل بغداد ، ثقة حافظ مات سنة ٢٤٤ ه‍ وله أربع وثمانون سنة ، انظر «التهذيب» ١ / ٨٤ ، و «التقريب» ١١٧.

أبو أحمد : هو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي ، مولاهم أبو أحمد الزبيري الكوفي ، روى عن مسعر وعنه أحمد بن منيع ، ثقة ثبت إلا أنه قد يخطىء في حديث الثوري ، مات سنة ثلاث ومئتين. انظر المصدرين السابقين ٩ / ٢٥٤ و ٣٠٤.

مسعر : هو ابن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه ابن ظهير الهلالي العامري الرواسبي أبو سلمة الكوفي ، ثقة ثبت فاضل مات سنة ١٥٥ ه‍ ، انظر المصدرين السابقين ١٠ / ١١٣ و ٣٣٤.

عمرو بن مرة بن عبد الله الجملي المرادي أبو عبد الله الكوفي الأعمى ثقة عابد ، كان لا يدلس ورمي بالإرجاء ، مات ١١٨ ه‍. المصدرين السابقين ٨ / ١٠٢ و ٢٦٢.

أبو البختري ـ بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ساكنة ـ : وهو سعيد بن فيروز الطائي ـ مولاهم الكوفي ، ثقة ثبت ، فيه تشيع قليل ، كثير الإرسال ، مات سنة ٨٣ ه‍ انظر «التقريب» ص ١٢٥.

علي بن أبي طالب تقدم في المقدمة عند فتوح أصبهان.

مرتبة الإسناد : رجاله ثقات سوى إسحاق ، وهو شيخ صدوق صاحب أصول.

حكم الأثر وتخريجه : حسن بهذا الإسناد وقد أخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٨٥ بسندين أحدهما من طريق أبي البختري به ، وزاد في آخره : لا يدرك ما عنده ، والثاني من طريق زاذان قال : سئل علي عن سلمان ... وفيه «من لكم بمثل لقمان الحكيم ... وقرأ الكتاب الأول وقرأ الكتاب الآخر وكان بحرا لا ينز».

وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» ١ / ١٨٧ عن زاذان كما تقدم ومن طريق مسعر ، عن عمرو بن مرة به ، وكذا في «أخبار أصبهان» ١ / ٥٤ بلفظ تابع العلم الأول والعلم الآخر لا يدري ما عنده.

وقد أخرج الترمذي في «سننه» ٥ / ٣٣٦ ، المناقب وابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٨٥ ، وأحمد في «مسنده» ، ٥ / ٢٤٣ بأسانيد هم عن يزيد بن عميرة ـ وكان تلميذا لمعاذ بن جبل ـ عن معاذ ـ ما يدل على تبحره في العلم ـ وفيه أن معاذا أمر تلميذه ـ المذكور ـ أن يطلب العلم من أربعة : أحدهم سلمان الفارسي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.

تراجم الرواة : محمد بن عبد الله بن رستة بن الحسن ، ترجم له المؤلف فقال : أبو عبد الله الضبي المديني آمن الناس توفي سنة ٣٠١ ه‍ انظر «الطبقات» ـ للمؤلف ٢٢٥ / ٣ ، «وأخبار أصبهان» ٢ / ٢٢٥. ـ

٢٠٨

قال : ثنا ابن وهب ، قال : ثنا معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن يزيد بن عميرة الكلبي ، عن معاذ بن جبل ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «سلمان عاشر عشرة في الجنّة».

(٩) حدثنا محمد بن العباس ، قال : ثنا أحمد بن عبد الجبار ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا من أهل فارس ، من أهل أصبهان ، من قرية يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان أرضه ، وكان يحبني حبا شديدا لم يحبه شيئا (١) من ماله ولا ولده ، فما زال به حبه إيايّ حتى أجلسني في البيت ، كما تجلس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت (٢) قطن النار الذي يوقدها ، لا يتركها ساعة ، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئا ، إلا ما أنا فيه حتى بنى أبي بنيانا له ، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل ، فدعاني أبي فقال : أي بني إنه قد شغلني ما نرى من بنياني عن ضيعتي هذه ، ولا بدّ لي من إطلاعها فانطلق إليها فمرهم بكذا وكذا ، ولا تحبس عليّ (٣) ، فإنك إن احتسبت علي شغلتني عن كل شيء ، فخرجت أريد

__________________

(١) في الأصل (شيء) والتصويب من أ ـ ه.

(٢) هكذا في النسختين ، وجاء عند ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٧٥ ، قاطن النار التي نوقدها لا نتركها تخبو ، وورد الإثنان في المراجع ، ومعناه كنت خادمها الذي يخدمها ويمنعها من أن تخبو لتعظيمهم إياها.

(٣) في أ ـ ه : لا تحتبس ، والصواب ما في الأصل ، وهكذا عند ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٧٦.

أبو أيوب : هو سليمان بن داود بن بشر المنقري الشاذكوني البصري الحافظ ، فيه نظر. وسيأتي بترجمة رقم ١٢٥.

وابن وهب : هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه ثقة حافظ مات سنة سبع وتسعين ومئة ، انظر «التهذيب» ٦ / ٧١ ، «والتقريب» ص ١٩٣.

معاوية بن صالح : هو ابن حدير ـ بالمهملة مصغرا ـ الحضرمي أبو عمرو وقيل أبو عبد الرحمن ، صدوق له أوهام ، مات سنة ١٥٨ ه‍ ، وقيل بعد السبعين والمئة. انظر «التهذيب» ـ

٢٠٩

__________________

ـ ١٠ / ٢٠٩ «والتقريب» ٣٤١ وربيعة بن يزيد : هو أبو شعيب الإيادي القصير الدمشقي ، ثقة عابد مات سنة إحدى أو ثلاث وعشرين ومئة. انظر المصدرين السابقين ٣ / ٢٦٤ وص ١٠٢.

أبو إدريس الخولاني : هو عائذ بن عبد الله العوذي ـ وعائذ بتحتانية ومعجمة ـ ولد في حياة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوم حنين ، تابعي مخضرم ثقة ، مات سنة ثمانين. انظر «التاريخ الكبير» ٩ / ٨٧ ـ للبخاري ، و «التهذيب» ٥ / ٨٥ ، «والتقريب» ص ١٦٢.

ويزيد بن عميرة ـ بفتح العين ـ الحمصي الزبيدي أو الكندي ، وقيل غير ذلك ، ثقة من الثانية نزل الكوفة ، «التهذيب» ١١ / ٣٥١ ، «والتقريب» ص ٣٨٤

ومعاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي : أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، وشهد بدرا وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨ ه‍ ، انظر «التقريب» ص ٣٤٠.

مرتبة الإسناد : في إسناده ضعيف ، بل متهم عند البعض ، ومعاوية صدوق له أوهام ، فهو ضعيف جدا إن لم يكن موضوعا ، ولم أجده بهذا اللفظ في المصادر التي وقفت عليها ، والذي وجدته أخرجه أحمد في «مسنده» ٥ / ٢٤٣ والترمذي في «سننه» ٥ / ٣٣٦ بسندهما ، عن يزيد بن عميرة ، عن معاذ ، قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «إنه ـ أي عبد الله بن السلام ـ عاشر عشرة في الجنة».

وقال الترمذي : حسن غريب ، وفي الباب عن سعد فجعل ابن سلام عاشر عشرة. والله أعلم ...

تراجم الرواة :

محمد بن العباس الأصبهاني ، تقدم في ح ٦ وكان فقيها حافظا.

وأحمد بن عبد الجبار : هو أبو عمر التميمي الكوفي ، روى عن يونس بن بكير وغيره ضعيف ، مات سنة ٢٥٢ ه‍ ، وله ٩٥ سنة انظر «التهذيب» ١ / ٥١ ، «والتقريب» ١٤.

ويونس بن بكير بن واصل الشيباني : أبو بكر الكوفي الحافظ ، صدوق يخطىء ، مات سنة ١٩٩ ه‍ ، انظر المصدرين السابقين ١١ / ٤٣٤.

محمد بن إسحاق بن يسار : أبو بكر المطلبي ويقال أبو بكر مولاهم المدني ، نزيل العراق إمام المغازي ، صدوق يدلس ، ورمي بالتشيع والقدر ، مات سنة ١٥٠ ه‍ ، انظر «التهذيب» ٩ / ٣٨ ، «والتقريب» ص ٢٩٠.

عاصم بن عمر بن قتادة الأوسي الأنصاري : أبو عمر المدني ، ثقة عالم بالمغازي ، مات بعد العشرين ومئة ، انظر «التقريب» ص ١٥٩.

محمود بن لبيد بن عقبة الأوسي الأنصاري : الأشهلي أبو نعيم المدني صحابي صغير وجل ، روايته عن الصحابة مات سنة ٩٧ ه‍ وله ٩٩ سنة ، انظر المصدر السابق ص ٣٣٠ ، و «التهذيب» ١٠ / ٦٥ ، سيأتي في آخر القصة. حكم الحديث وتخريجه.

٢١٠

ضيعته فمررت بكنيسة (١) النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها فقلت ما هذا؟ فقالوا : هؤلاء النصارى يصلون ، فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم (٢) ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ، فبعث أبي في طلبي من كل وجه ، حتى جئته حين أمسيت ، ولم أذهب إلى ضيعته ، فقال لي أبي : يا بني ، أين كنت؟ ألم أكن قلت لك؟ فقلت : يا أبتاه مررت بأناس يقال لهم النصارى فأعجبني كلامهم ودعاؤهم ، فجلست أنظر إليهم كيف يفعلون فقال : أي بنيّ دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت : لا والله ما هو بخير من دينهم ، هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له ، ونحن إنما نعبد نارا نوقدها بأيدينا ، إذا تركناها ماتت ، فخافني فجعل في رجليّ حديدا وحبسني في بيت عنده ، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم : أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ قالوا : بالشام. قلت : فإذا قدم عليكم من هناك ناس ، فآذوني به قالوا : نفعل فقدم عليهم ناس من تجارهم ، فبعثوا إلي أنه قدم علينا تجار من تجارنا ، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج ، فآذنوني به قالوا : نفعل. فلما قضوا حوائجهم وأرادوا الرحيل ، بعثوا إلي بذلك ، فطرحت الحديد الذي في رجليّ ، ولحقت بهم ، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل من (٣) هذا الدين؟ ، قالوا : الأسقف (٤) صاحب الكنيسة. فجئته فقلت : إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك ، وأعبد الله معك فيها ، وأتعلم منك الخير ، قال : فكن معي ، فكنت معه ، وكان رجل سوء (٥) ، كان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوها إليه اكتنزها ، ولم يعطها المساكين ، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله ، فلم ينشب أن مات ، فلما جاؤوا ليدفنوه قلت لهم : إن هذا

__________________

(١) هي متعبد النصارى (كالمسجد للمسلمين) كما في القاموس ٢ / ٢٤٧ ، والكنيسة متعبد اليهود أو النصارى أو الكفار ، وفي مختار الصحاح ص ٥٨٠ ، الكنيسة للنصارى.

(٢) في أ ـ ه : من أحوالهم وعند ابن سعد في نفس المصدر من صلاتهم.

(٣) في أ ـ ه بزيادة (أهل) ولكنه زاده بين القوسين مما يدل على أنه ليس في الأصل. والأنسب «في».

(٤) الأسقف وجمعه أساقفة وأساقف : وهو رئيس للنصارى في الدين أو الملك المتخاشع في مشيته أو العالم ... انظر «القاموس» ٣ / ١٥٣ أو «مختار الصحاح» ص ٣٠٥.

(٥) وزاد ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٧٦ (في دينه).

٢١١

رجل سوء ، كان يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين ، قالوا : وما علامة ذلك؟ قلت : أنا أخرج لكم كنزه قالوا : فهاته ، فأخرجت لهم سبع قلال (١) مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوا ذلك ، قالوا : والله لا يدفن أبدا ، فصلبوه على خشبة ، ورموه بالحجارة ، وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه ، فلا والله يا ابن عباس : ما رأيت رجلا قط يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ، أشد اجتهادا ولا أزهد في الدنيا ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه ، ما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبّه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة فقلت : يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله ، وإني والله ما أحببت شيئا قطّ حبّك فإلى من تأمرني ، إلى من توصيني قال : إني والله ما أعلمه إلا رجل (٢) بالموصل (٣) ، فأته فإنك تجده على مثل حالي ، فلما مات وغيب لحقت بالموصل ، فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدنيا ، فقلت له : يا فلان إن فلانا أوصاني أن آتيك فأكون معك قال : فأقم أي بني ، فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه ، حتى حضرته الوفاة فقلت له : إن فلانا قد أوصاني إليك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من؟ قال : والله ما أعلمه أي بني إلا رجلا بنصيبين (٤) ، هو على مثل ما نحن عليه فالحق به ، فلما دفناه لحقت بالآخر ، فقلت له : إن فلانا أوصاني إليك قال : فأقم يا بني فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى ، وقد كان فلان أوصاني إلى فلان ، وأوصى فلان إلى فلان ، وأوصاني فلان إليك ، فإلى من؟ قال : والله أي بني ما أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجلا

__________________

(١) جمع القلة وهي إناء للعرب كالجرة الكبيرة ، وقد يجمع على قلل. انظر «مختار الصحاح» ص ٥٤٩.

(٢) هكذا في النسختين ، الظاهر : رجلا كما سيأتي في الصفحة التي تليها.

(٣) مر تحديده في مقدمة الكتاب وهو بفتح الميم وكسر الصاد.

(٤) بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح ، وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام (بينها وبين الموصل ستة أيام) بقرب سبخار ، كثيرة المياه والأشجار والبساتين.

انظر «معجم البلدان» ٥ / ٢٨٨ ، «وآثار البلاد» للقزويني ص ٤٦٧.

٢١٢

بعمورية (١) من أرض الروم ، فإنه ستجده على ما كنا عليه فلما واريته خرجت ، حتى قدمت على صاحب عمورية فوجدته على مثل حالهم ، فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرا ثم حضرته الوفاة فقلت : يا فلان إن فلانا كان أوصاني إلى فلان فإلى من توصيني قال : يا بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم ، مهاجرته بين حرتين (٢) ، إلى أرض سبخة (٣) ، ذات نخل وإن فيه علامات لا تخفى ، بين كتفيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فلو استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل ، فإنه قد أظلك زمانه فلما واريناه أقمت حتى مرّ بي رجال من تجار العرب من كلب (٤) ، فقلت لهم تحملوني معكم حتى تقدموا بي أرض العرب وأعطيكم غنمي هذه وبقراتي هذه ، فأعطيتهم إياها وحملوني ، حتى إذا جاوزوا بي وادي القرى (٥) ظلموني فباعوني من رجل يهودي بوادي القرى ، فو الله لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي ، وما حقت مني (٦) حتى قدم رجل (٧) من بني قريظة من يهود وادي القرى فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده ، فخرج بي حتى قدم المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها ، فأقمت في رقي مع صاحبي ، فبعث الله رسوله بمكة لا يذكر لي من أمره شيء مع ما أنا فيه من الرق ، (حتى) (٨) قدم رسول الله

__________________

(١) بفتح أوله ، وتشديد ثانيه ، بلد من بلاد الروم ، وهي التي فتحها المعتصم في سنة ٢٢٣ ه‍. انظر «معجم البلدان» ٤ / ١٥٨ وسميت باسم امرأة اسمها عمورية بنت الروم بن اليغز بن سام بن نوح. المرجع المذكور.

(٢) الحرة : أرض ذات حجارة سود ، نخرات كأنها أحرقت بالنار ، والجمع : حرات وحرر. انظر «لسان العرب» ٤ / ١٧٩ لابن منظور الأفريقي.

(٣) السبخة : أرض ذات ملح ونزو وجمعها سباخ. انظر المرجع المذكور ٣ / ٢٤ ، قلت : المراد منها المدينة المنورة حيث وقعت هجرة الرسول إليها وهي المتصفة بما نعتها الراهب.

(٤) أي قبيلة كلب ، وينسب إلى كلب قبائل ، منها كلب اليمن وغير ذلك. انظر «اللباب» ٣ / ١٠٤.

(٥) وهو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى ، فتحها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سنة سبع عنوة ، ثم صولحوا على الجزية ، انظر «معجم البلدان» ٥ / ٣٤٥.

(٦) عند ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٧٨ (لي بدل مني).

(٧) هو عثمان بن الأشهل اليهودي القرضي ، سيأتي ذكره في رجال ح ١٣.

(٨) الزيادة من أ ـ ه.

٢١٣

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قباء (١) وأنا أعمل لصاحبي في نخل له ، فو الله إني لفيها إذ جاءني عم له (٢) ، فقال فلان : قاتل الله بني قيلة (٣) والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي ، فوالله ما هو إلا أن سمعتها وأخذتنى العرواء (٤) : يقول (٥) : الرعدة ، حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ، فنزلت (٦) أقول ما هذا الخبر؟ ما هو؟ فرفع مولاي يده فلطمني لطمة شديدة فيقول : (فقال) (٧) : ما لك ولهذا؟ أقبل قبل (٨) عملك فقلت : لا شيء إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه ، فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته فذهبت إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو بقباء فقلت : إنه بلغني أنك رجل صالح ، وأن معك أصحابك (٩) غرباء وقد كان عندي شيء (١٠) من الصدقة ،

__________________

(١) قباء : بالضم أصله اسم بئر عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار (وتقع جنوب المدينة على بعد ٣ كم يعني ميلين من المدينة المنورة على يسار القاصد لمكة).

انظر «معجم البلدان» ٤ / ٣٠١.

(٢) أي عم لصاحبه وسيده.

(٣) قيلة : هي بنت كاهل بن عذرة بن سعد .. انظر «سيرة ابن هشام» ١ / ٢٠١.

(٤) العرواء ، الرعدة ، مثل الغلواء ، وهي قرة الحمى ومسها في أول ما تأخذه بالرعدة. انظر «لسان

(٥) عند ابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٧٨ : فرجعت النخلة حتى ... الخ.

(٦) في المصدر السابق : فنزلت سريعا.

(٧) بين القوسين من الأصل غير موجود في أ ـ ه.

(٨) عند ابن سعد : (على) وهكذا في ن ـ أ ـ ه.

(٩) في ن ـ أ ـ ه ، أصحابا.

العرب» ٢٥ / ٤٥.

(١٠) وهكذا عند أحمد ولكن عند الترمذي في الشمائل ص ٣٧ جاء سلمان إلى النبي بمائدة عليها رطب ... الخ. ولا يعارضه ما ورد أن عليها تمر لأن رواية التمر ضعيفة ، هكذا ذكر الباجوري في شرحه على الشمائل ، ثم قال أيضا لا يعارضه ما رواه أحمد والبزار بسند جيد عن سلمان ، قال : فاحتطبت حطبا فبعته ... الخ. وما رواه الطبراني بسند جيد فاشتريت لحم جزور بدرهم ثم طبخته .. الخ لاحتمال تعدد الواقعة ـ أو أن المائدة كانت تشتمل على الرطب والتمر ـ واللحم وخصّ الرطب لكونه أعظم.

انظر «شرح الباجوري» على الشمائل ص ٣٥.

٢١٤

فرأيتكم أحقّ مني بهذه فكل منه فأمسك يده فقال لأصحابه : كلوا (١) كلوا ولم يأكله فقلت في نفسي : هذه خلة مما وصف صاحبي ، ثم رجعت فتحول رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى المدينة فجمعت شيئا كان عندي ثم جئته فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية وكرامة ليست بصدقة ، فأكل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يتتبع خياره (٢) ، وعلى شملتان (٣) لي وهو في أصحابه ، فاستدرت أنظر إلى الخاتم في ظهره ، فلما رآني أستدبرته (٤) عرف أني قد استثبت شيئا قد وصف لي فرفع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال : تحول يا سلمان هكذا ، فتحولت فجلست بين يديه (٥) ، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه فحدثته يا ابن عباس كما حدثتك فلما فرغت (٦) ، قلت : يا رسول الله قد كاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة (٧) أحييها له وأربعين أوقية فأعانني أصحاب رسول

__________________

(١) هكذا في الأصل وفي ن ـ أ ـ ه : كلوا مرة واحدة.

(٢) هكذا في النسختين (يتتبع خياره) وجاء عند ابن سعد ، فأكل وأكل أصحابه ، قال : قلت في نفسي : هذه أخرى ، قال : ثم رجعت فمكثت ما شاء الله ثم أتيته ، فوجدته في بقيع الغرقد وقد تبع جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان. مؤتزرا بواحدة مرتديا بالأخرى. انظر «الطبقات» ٤ / ٧٩ وكذا ورد عند أحمد في مسنده ٥ / ٤٤٣ وهكذا ذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة» ١ / ٥٣١ : أن عليه شملتان أي على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا على سلمان وورد في سيرة «ابن هشام» ١ / ٢٠٢ ، «وتاريخ بغداد» ١ / ١٦٩ كما هو هنا : أي على شملتان لي وهو في أصحابه ، وليس بينهما تعارض لأنه يمكن أن يكون على كل منهما شملتان أو يرجح ما ورد عند أحمد لأنه أصح ما ورد ـ والله أعلم.

(٣) الشملة : بفتح الشين المعجمة : كساء دون القطيفة يشتمل به كالمشملة. انظر «القاموس» ٣ / ٤١٤.

(٤) في أ ـ ه : «فاستدرت وورد أيضا أستدير به».

(٥) عند ابن سعد : بعد هذه الجملة فحدثته حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجبه ذلك ، فأحب أن يسمعه أصحابه ، ثم أسلمت وشغلني الرّق ، وما كنت فيه حتى فاتني بدر وأحد ، ثم قال لي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : كاتب ، فسألت صاحبي ذلك فلم أزل حتى كاتبني. انظر «الطبقات» لابن سعد ٤ / ٧٩.

(٦) في «صحيح البخاري» ٥ / ٣١٥ مع الفتح أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال لسلمان : كاتب ـ فأخبره بأنه قد كاتبت».

(٧) في الأصل نخل والتصحيح من «سيرة ابن هشام» ١ / ٢٠٢.

٢١٥

الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالنخل ثلاثين ودية (١) ، وعشرين ودية ، وعشر ، كل رجل منهم على قدر ما عنده ، فقال لي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقر (٢) لها ، فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي ، فقرها فأعانني أصحابي يقول : ففقرت لها حيث توضع حتى فرغنا منها ، ثم جئت إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : فقلت : يا رسول الله قد فرغنا (منها) (٣) ، فخرج معي حتى جاءها فكنّا نحمل إليه الودي فيضعه بيده ويسوي عليه ، فوالله الذي بعثه بالحق ، ما ماتت منه ودية (٤) واحدة وبقيت على الدراهم ، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أين الفارسي المسلم المكاتب؟ فدعيت له فقال : خذ هذه يا سلمان فأدّها عنك (٥) ، فقلت : يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي؟.

__________________

(١) الودية واحدة الودي وهي صغار الفسيل والفسيل النخلة الصغيرة. انظر «القاموس» ٤ / ٢٩ و ٣٩٩.

(٢) في المصدر السابق ١ / ٢٠٢ ، فقر ففقرت لها والفقر : الحفر انظر «القاموس» ٢ / ١١٥.

(٣) ما بين القوسين من الأصل.

(٤) جاء عند الترمذي في الشمائل ، وسيأتي في مصادر تخريجه أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ غرس الكل إلا نخلة واحدة غرسها عمر ، فحملت جميع النخلة إلا هذه فنزعها الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وغرسها فحملت ... الخ ولم يذكر غرس النخلة إلا في رواية الترمذي حسب اطلاعي ـ والله أعلم.

(٥) في الأصل (عليك) والتصويب من أ ـ ه ومن «الطبقات» ٤ / ٨٠ لابن سعد.

مرتبة الإسناد : سنده ضعيف ، فيه أحمد بن عبد الجبار التميمي الكوفي وهو ضعيف كما تقدم في التراجم فالحديث ضعيف بهذا السند ، ويكون حسنا بأسانيد أخرى كما سيأتي قريبا.

تخريجه :

فقد أخرجه ابن إسحاق في «سيرته» ١ / ٦٦ ، عن عاصم بن عمر به ومن طريقة ابن هشام في «سيرته» ١ / ١٩٨ ـ ٢٠٤ ، وابن سعد في «الطبقات» ٤ / ٧٥ ـ ٩٣ ، وأحمد في «مسنده» ٥ / ٤٣٨ والبخاري جزءا معلقا في «صحيحه» ٥ / ٣١٥ ، والترمذي في «الشمائل» ص ٣٤ ـ ٣٧ مع «شرح الباجوري» جزءا منها والبزار كما في «المجمع» ٩ / ٣٣٤ و ٣٣٧ ، وقال الهيثمي ـ

٢١٦

فقال : «إنّ الله سيؤديها عنك» فو الذي نفس سلمان بيده لقد وزنت لهم منها أربعين أوقية ، فأديت إليهم وعتق سلمان ، وكان الرق قد حبسني حتى فاتني مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بدر وأحد ثم عتقت فشهدت الخندق ثم لم يفتني معه مشهد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

__________________

ـ رجاله رجال الصحيح. وابن حبان في «الثقات» ١ / ٢٤٩ والطبراني كما في «المجمع» ٩ / ٣٣٧ ـ ٣٤٠.

وقال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني في الكبير بأسانيد واسناد الرواية الأولى عند أحمد والطبراني رجالهما رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع ـ فزالت عنه شبهة التدليس ، ورجال الرواية الثانية أنفرد بها أحمد ورجالها رجال الصحيح غير عمرو بن أبي قرة الكندي وهو ثقة.

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» ٣ / ٥٩٩ ـ ٦٠٢ بطريقين من غير طريق محمد بن إسحاق قال في الأول : هذا حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله مجمع على ضعفه.

وقال في الثاني : صحيح الإسناد ، وتعقبه الذهبي بأن فيه ابن عبد القدوس وهو ساقط.

وأبو نعيم في «الحلية» ١ / ١٨٥ ـ ٢٠٨ ، وفي «أخبار أصبهان» ١ / ٤٩ ـ ٥١ باختصار ، وفي «دلائل النبوة» ١ / ٨٧.

والخطيب في «تاريخ بغداد» ١ / ١٦٥ ، وما بعدها مطولا ومختصرا بأسانيد كلاهما من طريق ابن إسحاق بعضها ضعيفة فيه أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، وهو ضعيف وبعضها حسنة.

وأورده ابن سيد الناس بسند ابن إسحاق في «عيون الأثر» ١ / ٦٠ ، وبعدها والذهبي بسنده بطرق عن محمد بن إسحاق بإسناده مثله في «سير النبلاء» ١ / ٣٦٢.

قلت : إسناد ابن إسحاق وابن سعد وأحمد والبزار والطبراني وطريق للخطيب حسن.

وقال ابن حجر : «ورويت قصة سلمان من طرق كثيرة من أصحها ما أخرجه أحمد من حديث نفسه وأخرجها الحاكم من وجه آخر عنه أيضا ـ قلت : وهو ضعيف كما تقدم ـ. وأخرجه من حديث بريدة وعلّق البخاري طرفا منها ـ قلت : في (٥ / ٣١٥) باب شراء المملوك من الحربى ـ وفي سياق قصته في إسلامه إختلاف يتعسر الجمع فيه». انظر «الإصابة» ٢ / ٦٢.

قلت : يرجح سياق محمد بن إسحاق في إسلامه الذي رواه من طريقه ابن سعد وأحمد وغيرهما ، وهو أصح ما ورد في قصة إسلامه. والله أعلم. ـ

٢١٧

(١٠) حدثنا القاسم بن فورك ، قال : ثنا عبد الله بن أبي زياد ، قال : ثنا سيار بن حاتم العنزي (١) ، قال : ثنا موسى بن سعيد الراسبي ، قال : ثنا أبو معاذ ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن سلمان الفارسي ، قال : إني كنت ممن ولد برامهرمز (٢) وبها نشأت ، وأما أبي فمن أهل أصبهان ، وكانت أمي لها غنى وعيش ، فأسلمتني أمي إلى الكتّاب ، فكنت أنطلق مع غلمان من قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من كتّاب الفارسية ، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ، ولا

__________________

ـ تراجم الرواة :

القاسم بن فورك : هو ابن سليمان أبو محمد الكنيزكي ، شيخ ثقة. توفي سنة ٣٠١ ه‍ ، انظر «الطبقات» ٢٤٥ / ٣ من أ ـ ه ، «وأخبار أصبهان» ٢ / ١٦١.

عبد الله : هو ابن الحكم بن أبي زياد سليمان القطواني ـ بفتح القاف والطاء المهملة ـ أبو عبد الرحمن الكوفي الدهقان ، ذكره ابن حبان في «الثقات» ، وقال ابن حجر : صدوق. مات سنة خمس وخمسين ومائتين. انظر «التهذيب» ٥ / ١٩٠ ، و «التقريب» ص ١٧١.

وسيار بن حاتم العنزي بفتح المهملة والنون ـ أبو سلمة البصري ، صدوق له أوهام. مات سنة مائتين أو قبلها ، انظر المصدرين السابقين ٤ / ٢٩٠ وص ١٤٢.

موسى بن سعيد الراسبي ـ بفتح الراء ، وسكون الألف ، وكسر السين المهملة ، وفي آخرها باء موحدة ـ نسبة إلى بني راسب ، وهي قبيلة نزلت البصرة كما في «اللباب» ٢ / ٦ ، لم أعرفه ، وأبو معاذ. لم يتبين لي. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني : قيل : اسمه عبد الله ، وقيل : إسماعيل. قال ابن سعد : كان ثقة فقيها كثير الحديث. قال الحافظ ابن حجر : ثقة مكثر ، مات سنة ٩٤ ه‍ ، بالمدينة في خلافة الوليد. انظر «الطبقات» لابن سعد ٥ / ١٥٧ ، «والتقريب» ص ٤٠٩.

(١) في أ ـ ه ، (العيري) ، وهو تصحيف ، والصواب ما أثبته من الأصل ومن «أخبار أصبهان» ١ / ٥٠ ، والعنزي بفتح وسكون النون ، وفي آخرها زاي. هذه النسبة إلى عنز بن وائل. انظر «اللباب» ٢ / ٣٦٢.

(٢) بفتح الراء والميم وضم الهاء والميم الثانية ، وهي مدينة في مقاطعة خوزستان ، تقع غربي أصبهان بإيران ، وهذه الرواية تجمع بين الروايات التي روت أنه قال : كنت رجلا من أهل جيّ ، أو كنت فارسيا من أهل أصبهان من قرية جيّ وبين قوله أنا من رامهرمز وهذه الرواية في «صحيح البخاري» ٥ / ١٧ ، وفي «تاريخ بغداد» ١ / ١٦٤ ، وكما هنا عند المؤلف جاء عند أبي نعيم في «أخبار أصبهان» ١ / ٥٠ ، فهي تجمع بين الأقوال ، والذي جاء عند ابن عبد البر في «الاستيعاب» ٢ / ٥٦ بهامش «الإصابة» أن سلمان كان أصله من فارس من رامهرمز من قرية يقال لها : جيّ ، ويقال : بل كان أصله من أصبهان ، «فيحمل على هذا ، ولكن في كلامه إيهام ، ـ

٢١٨

أطول ، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا ، فمررت ذات يوم وحدي ، فإذا أنا فيه برجل طويل عليه ثياب شعر ، نعلاه (١) من شعر ، فأشار إلي فدنوت منه ، فقال : يا غلام ؛ تعرف عيسى بن مريم؟ فقلت : لا ، ولا سمعت به ، فقال : أتدري من عيسى بن مريم؟ هو رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ آمن بعيسى. إنه رسول الله ، وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها. قلت : ما نعيم الآخرة؟ قال : نعيمها لا يفنى ، وهوانها لا يفنى ، فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه ، فعلقه فؤادي (٢) وفارقت أصحابي ، وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي وكانت أمي ترسلني إلى الكتّاب فأنقطع دونه ، وكان أول ما علمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن عيسى بن مريم رسول الله ، ومحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعده رسول الله ، والإيمان بالبعث بعد الموت فأعطيته ذلك ، وعلمني القيام في الصلاة ، وكان يقول : إذا قمت (٣) في الصلاة فاستقبلت القبلة فإن احتوشتك النار فلا تلتفت (٤) ، وإن دعتك أمك وأبوك في الصلاة الفريضة لا تلتفت ، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله ، فإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها ، فإنه لا يدعوك إلا بوحي من الله ، وأمرني بطول القنوت ، وزعم أنّ عيسى بن مريم قال : طول القنوت الأمان على الصراط ، وأمرني بطول السجود ، وزعم أن ثواب طول السجود الأمان من عذاب القبر ، وقال : لا تكونن مازحا ولا حادا (٥) تسلم عليك ملائكة الله أجمعين ، وقال : لا تعصين في

__________________

ـ حيث يدل على المغايرة بين جيّ وأصبهان ، مع أن جيّا كانت في القديم ـ هي أصبهان» ، فالتعبير الأولى فيه أن يقال : إن أصله من فارس من رامهرمز ، ويقال : من أصبهان من قرية جيّ. والله أعلم.

(١) في النسختين : نعليه ، والصواب نعلاه كما أثبته.

(٢) في أ ـ ه : (فرادي) ، والصواب ما أثبته من الأصل.

(٣) في النسختين (قمتم) ، والتصحيح من سياق العبارة.

(٤) أي أحاطت بك النار وأفزعتك ونفرتك ، انظر «القاموس» ٢ / ٢٧١.

(٥) أي شديد الغضب. قال في «لسان العرب» : والحدة ما يعتري الإنسان بالنزق والغضب. انظر ١ / ٥٨٤.

٢١٩

طبع (١) ولا عبث (حتى) (٢) لا تحجب عن الجنة طرفة عين ، ثم قال : إذا أدركت (٣) محمد بن عبد الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذي يخرج من جبال تهامة (٤) ، فآمن به واقرأ عليه‌السلام (٥) مني ، فإنه بلغني أن عيسى قال : من سلم على محمد بن عبد الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رآه أو لم يره كان له محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ شافعا ومصافحا ، فدخل حلاوة الإنجيل في صدري وجعلت أزداد قوة فأقام في مكانه (٦) حولها ، ثمّ قال : أي بني إنك قد أحببتني (٧) وأحببتك؟ وإنما قدمت بلادكم هذه أنه كان لي بها قريب فمات ، فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه (وأسلم (٨) عليه) بما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة ، قلت : فما حق القرابة في الإنجيل؟ قال : يقول الله : من وصل قرابته فقد وصلني ، ومن قطع قرابته فقد قطعني ، وإنه قد بدا (٩) لي الشخوص (١٠) من هذا المكان ، فإن كنت تريد أن تصحبني فأنا طوع يديك ، قال : قلت : عظمت حق القرابة ، وها هنا والدتي وقرابتي ، قال : إن كنت تريد أن تهاجر مهاجرة إبراهيم (١١) ، فذكر الحديث بطوله ...

__________________

(١) هكذا في النسختين ، وعند أبي نعيم ١ / ٥١ : طمع وعبث.

(٢) ما بين الحاجزين من «أخبار أصبهان» ١ / ٥١.

(٣) في أ ـ ه : إن ، والصواب ما في الأصل.

(٤) والتهامة : بالكسر ، وهي ما بين نجد والحجاز ، وبه سمي الحجاز حجازا لأنه حجز بينهما ، وإنما سميت لشدة حرّها وركود ريحها ، يقال : تهم الحر ، إذا اشتد. انظر «معجم البلدان» ٢ / ٦٣.

(٥) إلى هنا ذكره أبو نعيم ، وقال في الباقي ... وذكر إسلامه بطوله. انظر «أخبار أصبهان» ١ / ٥١.

(٦) في ن ـ أ ـ ه : مقامه.

(٧) في أ ـ ه : أجبتني وأجبتك.

(٨) بين القوسين من الأصل ليس في أ ـ ه.

(٩) في الأصل (إلى) وما أثبته من أ ـ ه ، وهو أنسب.

(١٠) الشخوص : هو الذهاب من بلد إلى بلد. انظر «مختار الصحاح» ص ٣٣٢ ، و «لسان العرب» ٧ / ٤٦.

(١١) هو خليل الله إبراهيم النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

مرتبة الإسناد :

في إسناده من لم أعرفه ، وسيار العنزي صدوق له أوهام ، وأخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» ١ / ٥١ من طريق المؤلف ، ومن طريق شيخه عبد الله بن يعقوب به ، ولكن ذكر لفظه إلى قوله : وأقرئه مني السلام ، ثم قال وذكر إسلامه بطوله. ـ

٢٢٠