طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]

طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]


المحقق: عبدالغفور عبدالحقّ الحسين البلوشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٨

الفصل الأوّل

وفيه مبحثان

المبحث الأول

في أسماء أصفهان قديما وحديثا وضبطها

كانت هذه البقعة التي سميت أصبهان فيما بعد ـ تسمى إيرانشهر (١) ، وبعد أن عمرت سميت «جيّ» وهي بالفتح ثم التشديد ـ فكانت المدينة تعرف بها (٢).

وجيّ معناه الطاهر ، وكانت تسمى بالعجمية في القديم كابا أو كي (٣).

وقيل : إن جيّ نسبة إلى ملوك الجيان ... وهي جي أفرام بن آزاد ، وكانوا يعتقدونه رسولا ، وجي معناه الطاهر ـ كما تقدم ـ (٤).

ثم تغير بمرور الزمان ـ فصار الفرس يطلقون عليها «أسپهان» وأسپاهان ، وبعد أن فتحها المسلمون العرب واستولوا عليها وغلب التعريب على ألسنة الناس فعربوها ، فقالوا : أصبهان ، أصفاهان ، أصفهان (٥) ، كما جاء في كتب

__________________

(١) انظر «أخبار أصبهان» ١ / ٣٥.

(٢) انظر «تقويم البلدان» لأبي الفداء ١ / ١١ ، «ونصف جهان في تعريف أصفهان» لمحمد مهدي ص ١٤٤ ، والضبط من «معجم البلدان» ٢ / ٢٠٢.

(٣) انظر كتاب «أصفهان» ص ٦٠ للدكتور لطف الله ، «وتاريخ أصفهان» ص ٣ لميرزا حسن جابري.

(٤) انظر المصدر السابق لميرزا حسن جابري ، و «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٣٤ لعلي كلباسي.

(٥) انظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص ٢٣٨ ، و «نصف جهان» ص ١٦٢ لمحمد مهدي.

٢١

التاريخ ، وقالوا : لاسمها القديم ـ كي أو كابا ـ ، جيّ ، وقيل : أول ما بني في البقعة المذكورة سارويه (١).

ضبطها :

وأصفهان : بكسر الهمزة ـ قلت : وبهاء وبالفاء ينطقها أهلها اليوم ـ وفتحها وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة ، ويقال : بالفاء وفتح الهاء وبعد الالف نون (٢).

أما وجه تسميتها بهذا الاسم ففيه أقوال :

ذكر المؤلف في مقدمة «الطبقات» (٣) ، وأبو نعيم في مقدمة كتابه.

أ ـ أخبار أصبهان (٤) سبب تسميتها بهذا الاسم فقالا :

«عن وهب بن منبه أنه قال : لما تأبى نمرود وجحد قدرة الرب تعالى بعث إلى أهل النواحي يحشرهم لمحاربة رب العزة ، فتفرقوا وصاروا في جبال أصبهان ، وقالوا : كلا لا نجحد قدرة الرب رب السماء فأنبت الله في تربتها الزعفران وفي جبالها الشهد ، فبها سمي أصبهان(٤).

ب ـ قيل : إن أصبهان مأخوذ من أصت بهان ، أي : سمنت المليحة سميت بها لحسن هوائها وعذوبة مائها وكثرة فواكهها فخففت ، وقال صاحب «القاموس» : والصواب أنها أعجمية (٥).

ج ـ قيل : إنما سمّي بهذا الاسم لأنها تسمى بالعجمية «سپاهان» وسپاه : العسكر ، وهان : الجمع ، وكانت جموع عساكر الأكاسرة تجتمع إذا

__________________

(١) انظر المصدر السابق لمحمد مهدي / ١٣٩ ، ١٤٤ وقد ذكر أن طهورث هو الذي بناها.

(٢) السمعاني : في «الأنساب» ١ / ٢٧٤ ، وياقوت بن عبد الله الحموي في «معجم البلدان» ١ / ٢٠٦ ، وابن خلكان في «وفيات الأعيان» ١ / ٩٢ ، والقمي في «الكنى والألقاب» ١ / ١٣٣.

(٣) انظر ق ٢ من «الطبقات».

(٤) انظر ١ / ٣٩ وكذا ذكر هذا الوجه فيروز آبادي في «القاموس» ٢ / ٢٩٤.

(٤) انظر ١ / ٣٩ وكذا ذكر هذا الوجه فيروز آبادي في «القاموس» ٢ / ٢٩٤.

(٥) انظر المصدر السابق للفيروز آبادي.

٢٢

وقعت لهم واقعة في هذا الموضع ، مثل عسكر فارس وكرمان ... فعرب فقيل : أصبهان (١).

قال ياقوت الحموي :

لهم في تسميتها بهذا الاسم خلاف.

قال أصحاب السير :

د ـ سميت بأصبهان بن فلوج بن لنطي بن يونان بن يافث.

ه ـ وقال ابن الكلبي : سميت بأصبهان بن فوج بن سام بن نوح عليه‌السلام.

و ـ قال ابن دريد : أصبهان اسم مركب لأنّ الأصب «البلد» بلسان الفرس ، وهان اسم الفارس ، فكأنه يقال : بلاد الفرسان.

قال عبد الله المستجير بعفوه : «المعروف أن الأصب بلغة الفرس هو الفرس ، وهان كأنه دليل الجمع» ، فمعناه الفرسان فيعنون بكلمة الأصبهاني : «الفارس» (٢).

ز ـ قال حمزة بن الحسن الأصبهاني : أصبهان اسم مشتق من الجندية ، وذلك أن لفظ أصبهان إذا رد إلى اسمه بالفارسية كان أسپاهان ، وهي جمع أسپاه ، وأسپاه اسم للجند والكلب ، وكذلك سك اسم للجند والكلب لأن أفعالهما الحراسة ، فالكلب يسمى في لغة سك وفي لغة أسپاه وتخفف ويقال : أسپه ، فعلى هذا جمعوا هذين الاسمين وسموا بهما بلدين كانا معدن الجند الأساورة فقالوا : لأصبهان (أسپاهان) ولسجستان ، سكان أو سكستان (٣).

__________________

(١) السمعاني : في «الأنساب» ١ / ٢٨٤ ، وابن خلكان ، «وفيات الأعيان» ١ / ٩٢ ، وعباس القمى في «الكنى والألقاب» ١ / ١٣٣.

(٢) انظر «معجم البلدان» ١ / ٢٠٧.

(٣) انظر المصدر السابق.

٢٣

ط ـ وذكر ابن حمزة في اشتقاق أصبهان حديثا يلهج به عوام الناس وهوامهم ، قال : أصله «أسپاه آن» ، أي : هم جند الله (١).

ي ـ والأقرب في وجه تسميتها ما ذكر محمد مهدي وغيره ـ فقال :

إن ملك فريدون بعد أن غلب على خصمه الضحاك بمساعدة كاوه الحداد وأهل أصبهان ، أعجب الملك شجاعتهم وجرأتهم ، فأخذ في مدحهم وبالغ وأطنب في تعريفهم بخصوص كاوه الحداد وأهل أصبهان حتى قال في أثناء كلامه : هذا البلد «أسپاهان» (٢) ، أي : محل السپاه ويقصد به أن أهله كلهم من أهل الحرب الشجعان الأبطال ، فلما جرى هذا الكلام على لسان الملك في مقام المدح والإطراء ، كرّروه على ألسنتهم وافتخروا به حتى انتشر واشتهر واستقر ، فأصبح علما عليها ونسي اسمها القديم «جيّ» أو «إيرانشهر» أو «سارويه» ـ وحل محله هذا الاسم (٣).

__________________

(١) انظر «معجم البلدان» ١ / ٢٠٧.

(٢) يزاد الألف والنون في اللغة الفارسية في آخر الكلمة لمعنى المكان والزمان ، نحو «كيلان» ، أي : مكان طائفة كيل. «بهاران» وقت الربيع ولإفادة معنى النسبة ، ولكن كان هذا الاستعمال في القديم ـ انظر «نصف جهان في تعريف أصبهان» ص ١٦١.

(٣) انظر المصدر السابق.

٢٤

المبحث الثاني

في موقع أصبهان ومساحتها وإنشائها

وتاريخ فتحها ومكانتها

أما موقع أصبهان :

فلا تسأل عن حسن موقعها جغرافيا وطبيعيّا ، فإنها تقع في وسط إيران ، وتميل إلى غربها أكثر ، وهي في جنوب العاصمة ـ طهران ـ وتبعد عنها ٤١٤ كيلا أو ٤٢٠ ، فما ذكره فريد وجدي (١) أنها تبعد بنحو (٣٣٥) كيلا ليس بصحيح ، والدقيق ما ذكرته (٢).

ومما يزيد في حسنها ، أن عرضها شمالي ، وطولها شرقي ، ودرجتها من خط الاستواء ٣٢ و ٣٨ دقيقة (٣).

وقد فاقت بجودة تربتها واستعدادها للزراعة وعذوبة مائها وطيب هوائها على أكثر المدن الإيرانية ، ومما زاد في حسن موقعها وجمالها أنها تقع على ضفة النهر المشهور بزاينده رود ـ يقال له : زرندرود وزرين زود (٤) أيضا ، وهو يجري اليوم داخلها ، ومن هنا كان كثير من الملوك والأمراء يؤثرون أصبهان على غيرها من المدن عاصمة للبلاد.

فقد سجل المؤلف هذا في مقدمة «الطبقات» ، فقال : «وكانت ملوك الفرس لا تؤثر على أصبهان شيئا من بلدان مملكتها ، لطيب هوائها ، ونمير

__________________

(١) انظر «دائرة معارف القرن العشرين» ١ / ٣٨٤.

(٢) انظر كتاب «أصفهان» آخره حيث ذكر مسافة أصفهان مع أهم المدن الإيرانية ، و «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٧.

(٣) محمد مهدي في «نصف جهان في تعريف أصفهان» ص ٦.

(٤) انظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص ٢٤١.

٢٥

مائها ، ونسيم تربتها» (١).

وذكر في كتاب «جغرافيا إيران» (٢) : «أن أصبهان كانت عاصمة إيران في عهد آل بويه والسلاجقة والصفويين (٣)».

وذكر فريد وجدي «أنها كانت ـ أي : هذه المدينة قديما ـ عاصمة البلاد الفارسية» (٤) ويقول لسترنج : «إن في الطرف الجنوبي الشرقي من أقليم الجبال ليس ببعيد عن شفير المفازة الكبرى مدينة أصفهان ... وكانت منذ أقدم الأزمنة موضعا جليل القدر لعظم خيراتها ووفرة مياهها الآتية من زاينده رود ، وتقوم اليوم أصبهان وأرباضها على ضفاف هذا النهر»(٥).

وكانت أصبهان وما زالت يضرب المثل بطيب مائها وصفاء هوائها ، وتبارى الكتاب والشعراء في إبراز ذلك (٦).

أما حدود أصبهان ومساحتها مع توابعها قديما وحديثا ، فيقول أبو القاسم ابن خرداذبه : «وكور أصفهان ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا ، وهي سبعة عشر رستاقا ، في كل رستاق ثلاث مئة وخمس وستون قرية قديمة سوى المحدثة ، وخراجها سبعة آلاف ألف درهم ...» (٧).

وكذا ذكر المؤلف وأبو نعيم في مقدمتي كتابيهما مساحتها القديمة ، وكانت رقعتها وسيعة جدا.

قال ميرزا حسن الأنصاري : إن أصبهان كانت رقعتها وسيعة ، حتى كان

__________________

(١) انظر «الطبقات» ١١ / ١.

(٢) هذا الكتاب كان مقررا في السنة الثانية من الثانوية الحكومية في إيران.

(٣) انظر ص ٨٥ من المصدر السابق.

(٤) انظر «دائرة المعارف للقرن العشرين» ١ / ٣٨٤.

(٥) انظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص ٢٣٨.

(٦) انظر الفصل الثاني ، «أهمية أصفهان ومميزاتها».

(٧) «انظر «المسالك والممالك» ٢٠ ـ ٢١ لابن حرداذبه عبيد الله بن عبد الله ، وذكر اليعقوبي خراجها عشرة آلاف ألف درهم. أنظر «البلدان» لليعقوبي ص ٢٧٥.

٢٦

جوشقان ونطنز وكاسان وكمره ومحلات ودليجان إلى حدود قم من جهة الشمال ، وكان من الجنوب إلى ايزدخواست بفارس ، وشرقا إلى يزد وابرقو ، وغربا إلى قرب سيلا خور وخوانسار وكلبايكان (١).

أما حدود أصفهان ومساحتها اليوم ، فهو كالتالي :

يحيط بها من الشمال أردستان ونواحي كاشان وكلبايكان ، ومن الجنوب شهرضا ومدينة آبازه وبهبهان ، ومن الشرق مدينة يزد ونائين ، ومن الغرب نواحي بختياري وحدود منطقة خوزستان (٢).

وقد تقدم قول ابن خرداذبه في مساحتها : بأنها ثمانون فرسخا في مثلها وهكذا ذكر ياقوت الحموي. غير أنه قال : وهي ستة عشر رستاقا ، وكل رستاق ثلاث مئة وستون قرية قديمة سوى المحدثة (٣) ...

وذكر الدكتور لطف الله أن طولها من زرد كوه ـ الجبل الأصفر ـ في أرض بختياري التي فيها مفيض نهر زاينده رود إلى بحيرة كاوخواني حوالي ٣٠٠ كيلا ، وعرضها من جبال قهرود التي في حدها الشمالي إلى قرية أمين آباد التي هي حدها الجنوبي الواقعة في أرض فارس أربعون ومئتا كيل ، فتكون مساحتها مع جهار محل وبختياري ٣ ، ٤٠ ، ١٩٧ كيلا مربعا (٤).

فلا شك أن أصفهان ثالثة مدن إيران بعد العاصمة وتبريز.

وإليك الخرائط التالية : إحداها توضح حدود أصفهان ، والثانية تبين المدن والقرى التابعة لها ، والثالثة تبين المسافة بينها وبين أهم المدن الإيرانية (٥).

__________________

(١) انظر «تاريخ أصفهان» ـ ورى ـ ص ٢٠.

(٢) انظر «كتاب أصفهان» ص ١ ـ ٣ للدكتور لطف الله هنرفر ، «وجغرافيا إيران» / ٨٦ المقرر للسنة الثانية في الثانوية الحكومية.

(٣) انظر «معجم البلدان» ١ / ٢٠٧.

(٤) انظر المصدر السابق للدكتور لطف الله.

(٥) الأولى مأخوذة من كتاب «جغرافيا إيران» ، والثانية والثالثة من كتاب «أصفهان» للدكتور لطف الله.

٢٧

٢٨

٢٩

أصفهان ـ بندر عباس

أصفهان ـ شيراز

أصفهان ـ بوشهر

أصفهان ـ اهواز

أصفهان ـ يزد

أصفهان ـ كرمان

أصفهان ـ زاهدان

أصفهان ـ قم

أصفهان ـ تهران (از راه قم)

أصفهان ـ نهران (از راه ساوه)

أصفهان ـ خرم آباد

أصفهان ـ كرمانشاه

أصفهان ـ كوهرنك

أصفهان ـ سد شاه عباس كبير

أصفهان ـ سد شاه اسمعيل

أصفهان ـ كارخانه ذوب آهن

طول راههاي آسفالته

طول راههاي شنى

طول راههاي خاكي

١١٤٩ كيلومتر

٢٩٥ كيلومتر

٧٨٥ كيلومتر

٨٣١ كيلومتر

٣٢٩ كيلومتر

٧١٤ كيلومتر

١٢٧٥ كيلومتر

٢٤٠ كيلومتر

٢٢٢ كيلومتر

٢٣٩ كيلومتر

٢١٧ كيلومتر

٥٨٨ كيلومتر

٢١٢ كيلومتر

١١٠ كيلومتر

١١٤ كيلومتر

٢٣ كيلومتر

١٠٠٠ كيلومتر

١٢٠٠ كيلومتر

٧٥٠ كيلومتر

هذه القائمة تبين مساحة اصفهان مع أهم المدن الإيرانية

بالكيلومتر

٣٠

أما تاريخ إنشاء أصبهان ، فقد ذكر المؤلف في مقدمة «الطبقات» (١) ، وكذا أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (٢) وغيرهما ، أن أول من بنى مدينة أصبهان الإسكندر الرومي (٣) ، واستتمّها كسرى أنوشروان ، وذلك بعد أن طلب الخبراء والحكماء من دولة الروم العارفين بطبيعة الأرض وخصائصها ، ليختاروا له أرضا معتدلة في هوائها ، وصالحة في تربتها ، وجيدة في عذوبة مائها ، فجالوا البلاد ونفضوا أرضها وتربتها وفحصوها ، فما وجدوا أرضا جامعة لهذه الأوصاف إلا أرض أصبهان ، فهي من المدن القديمة المهمة ، وقد أطال المؤلف في تعريفها ، وذكر خصائصها ، وسيأتي ذلك ، كما تناول تاريخ فتحها الإسلامي ومن اشترك فيه من الصحابة ، مع بيان القول : هل كان فتحها صلحا أو عنوة ، وذكر الراجح منهما في نظره.

والذي يهمني ذكره ، هو ما قيل في تاريخ فتحها في الإسلام من الأقوال ، والمعتمد منها عند أهل التاريخ ، وذكر من تولى قيادة فتح أصبهان ، هل هم أهل الكوفة كما يدعون أم أهل البصرة حسب دعواهم؟ ومن القائد للجيش من الصحابة لفتحها؟.

فإنه قيل : عبد الله بن عبد الله الأنصاري ، وقيل : أبو موسى الأشعري ، وقيل : النعمان بن مقرن ، وقيل : غير ذلك ، وسنذكر الراجح منها ، فأقول وبالله التوفيق :

لا خلاف في أن أصفهان فتحت بعد وقعة نهاوند ، ولكن اختلفت الأقوال في تحديد السنة التي فتحت فيها نهاوند (٤) ، وأرجح الأقوال :

__________________

(١) انظر ق ٦ من الاصل.

(٢) ١ / ١٥.

(٣) قد اختلفت التواريخ في أول بانيها ، وذكرت الراجح منها ، وانظر التفصيل إن شئت في المصدر السابق لأبي نعيم ، «ومحاسن أصفهان» ص ١٦ المترجم إلى الفارسية ، و «تاريخ أصفهان» ص ٣. لميرزا حسن ، و «نصف جهان في تعريف أصبهان» ص ١٣٩ وما بعدها ، و «أصفهان» ص ٥٩ وما بعدها للدكتور لطف الله هنرفر.

(٤) انظر للتفصيل واستعراض الأقوال ما ذكره البلاذري في «فتوح البلدان» ص ٣٠٠ فما بعدها ، ـ

٣١

أنها فتحت سنة إحدى وعشرين للهجرة ، وتلاها في نفس السنة على الراجح فتح أصبهان ، وذلك لأن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه استشار الهرمزان لفتح أصبهان وفارس وأذربيجان قبل أن يسير الجيش إلى نهاوند فقال لهرمزان : ما ترى؟ أبدأ بفارس أم بأذربيجان أم بأصبهان ، فقال ، إن فارس وأذربيجان الجناحان وأصبهان الرأس ، فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الآخر : فإن قطعت الرأس وقع الجناحان ، فابدأ بالرأس ، فدخل عمر المسجد والنعمان بن مقرن يصلي ، فقعد إلى جنبه ، فلما قضى صلاته قال : إني أريد أن أستعملك ، قال : أما جابيا فلا ، ولكن غازيا ، قال : فأنت غاز ... الخ (١). فيبدو أن عمر ولاه أولا قيادة جيش نهاوند وبعدها قيادة جيش أصبهان أيضا ، ولكن قدر الله أن يستشهد النعمان في وقعة نهاوند ، فلما بلغ عمر الخبر بشهادته ، كتب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان الأنصاري ـ وكان بطلا شجاعا من وجوه الأنصار ـ : أن سر إلى أصبهان ، فخرج من نهاوند فيمن كان معه ، ومن انصرف معه من جند النعمان نحو جند قد اجتمع له من أهل أصبهان (٢) ...

فما قيل : إن النعمان تولى قيادة جيش أصبهان وقتل بها ، ليس بصحيح ، فقد رده البلاذري وابن كثير (٣) ، بل قد ذكر معظم كتب التاريخ استشهاده في نهاوند وهو الصحيح.

__________________

ـ وخليفة في «تاريخه» / ١٤٧ ، ١٦١ ، وابن جرير في «تاريخه» ٤ / ٢٤٧ ، وابن الأثير في «الكامل» ٣ / ٢ ، وابن كثير في «البداية» ٧ / ١٢.

وأبعد الأقوال ما ذكره خليفة من أن فتح نهاوند كان في سنة ٢١ ه‍ وأصبهان في سنة تسع وعشرين وهذا مغاير لكل من ذكر تاريخ فتح أصبهان ، ويمكن حمل كلامه على فتح أصفهان ثانية بعد أن نقض أهلها العهد ـ والله أعلم ـ وانظر «دائرة المعارف» لوجدي ٢ / ٢٥٨.

(١) انظر تمام القصة في «تاريخ الطبري» ٤ / ٢٤٨ «وتاريخ خليفة» ص ١٤٧ وصرح الطبري أنه وجهه إلى أصبهان.

(٢) كذا ذكر المؤلف في مقدمة «الطبقات» ، والطبري في المصدر السابق ، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» ١ / ٢٤.

(٣) انظر «فتوح البلدان» ص ٣١٠ «والبداية والنهاية» ٧ / ١١٢.

٣٢

من الذي فتح أصبهان :

لما لفتح أصبهان من أهمية ، ادّعى فتحها كل من البصريين والكوفيين ، وذهب كل منهم إلى تأييد دعواه بنقول (١).

ويمكن الجمع بين الأقوال إجمالا بأن البصريين والكوفيين كانوا يشكلون مادة الجيش الأساسية وعدته ، لذلك ادّعى الفتح كل منهم.

والثابت من الروايات ، أن الذي باشر فتح أصبهان : عبد الله بن عبد الله ابن عتبان الأنصاري ، وقد كان أمير الجيش ، وعبد الله بن ورقاء الرياحي الذي كان على مقدمة الجيش ، وعبد الله بن ورقاء الأسدي الذي كان على مجنبة الجيش كما هو مصرح في كتاب عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلى عبد الله بن عبد الله الأنصاري (٢).

وكان عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ قد أمدّ عبد الله بن عبد الله بأبي موسى الأشعري من البصرة ، فقدم عليه أبو موسى من الأهواز ، وكان قد فتح قم وقاشان ، وقد صالح الفاذوسفان ـ الحاكم ـ عبد الله ، فدخل أبو موسى وعبد الله المدينة ـ جيّ ـ (٣). وتولى بعد ذلك بعض السرايا فتح بعض المدن والقرى التابعة لأصبهان. فمن هنا نستطيع أن نقول :

إن الذين تولوا فتح أصبهان وشاركوا فيها هم عدد من الصحابة من جيش البصرة والكوفة ، فكانوا إمّا أمراء لجيش أو لمقدمته أو لمجنبته ، أو أمراء سراياه. وأحب أن أسوق ما ذكره المؤلف في مقدمة «الطبقات» (٤) ، وأبو نعيم

__________________

(١) ذكر هذا الخلاف والنقول أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان ١ / ٢٧ ، فقال : و «أهل الكوفة وأهل البصرة مختلفون في فتحها ، فادّعى الكوفيون فتحها بجند الكوفة ، وادّعى البصريون فتحها بجند البصرة ، وروى كل واحد رواية يصحح بها دعواه ، ثم ساق أدلة الطرفين ، فراجعه إن شئت وانظر «دائرة المعارف الإسلامية» ٢ / ٢٥٨.

(٢) انظر «تاريخ الطبري» ٤ / ٢٤٨ ، «وأخبار أصبهان» ١ / ٢٤ ـ ٢٥.

(٣) انظر المصدرين السابقين وانظر «فتوح البلدان» ص ٣٠٩.

(٤) اترك فراغ.

٣٣

في «أخبار أصبهان» (١) ، وهو يوضح ما ذكرناه ، فقالا ، نقلا عن المدائني : «إنه ذكر أن أبا مسلم (٢) قال لأبي بكر الهذلي : خبرني عن الذي فتح بلدنا أصبهان ، فقد اختلف علينا في ذلك ، فقال أبو بكر الهذلي :

تولى فتح بلدكم العبادلة : عبد الله بن عبد الله بن عتبان الأنصاري ، وعبد الله بن ورقاء بن الحارث الأسدي ، وعبد الله بن ورقاء الرياحي ، وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن عامر بن كريز القرشي ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي (٣) ، وكل هؤلاء قد حضروا فتحها وفتح أطرافها ، ومنهم من كان أمير الجيش ، ومنهم من كان رئيس سرية أو صاحب مقدمة».

__________________

(١) أنظر ١ / ٢٤.

(٢) هو الخراساني.

(٣) وقد وضحت الراجح في قيادة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي جيش أصبهان في تعليقي على ترجمة رقم ٨ ، راجعه هناك إن شئت.

٣٤

الفصل الثّاني

في أهمّيّة أصفهان

ومميّزاتها وبعض نشاطات أهلها ومذهبهم

مميزّاتها

تقدم معنا الكلام في وصف موقعها ، وتاريخ فتحها وتبيين بعض أهميتها ، وأحب الآن أن أستعرض بعض مميزاتها ، فهي تمتاز من الناحية الطبيعية في عذوبة مائها ونقاء هوائها واعتداله ، يقول محمد مهدي : «أما هواء أصفهان فمعتدل في الصيف والشتاء ، وكامل في الرقة والصفاء» (١).

وكذا وصفها الدكتور لطف الله والدكتور علي كلباسي (٢).

وهي تمتاز باحتوائها على آثار عادية قديمة وفريدة ، قلّ أن تساويها أو تدانيها بلد من بلدان العالم.

يقول الباحث أندره مالرو الكاتب الفرنسي ، وكذا هنرشناس الفرنسي أيضا : «إن أصفهان لا يدانيها بلد في العالم إلا فلورانسا وپكن» (٣).

__________________

(١) انظر «نصف جهان في تعريف أصفهان» ص ٨٨ باللغة الفارسية ، والمأخوذ مترجم عنه.

(٢) انظر «كتاب أصفهان» ص ١٨١ للدكتور لطف الله ، و «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٨ للدكتور كلباسي.

(٣) انظر المصدر السابق للدكتور لطف الله. وفلورنسا مدينة في إيطاليا. أنظر «الموسوعة العربية الميسرة» / ١٣١٣. ويكن : معروفة وهي عاصمة الصين الشعبية الآن.

راجع لمعرفة الآثار التاريخية القديمة بأصبهان كتابي الدكتور لطف الله هنرفر كنجييه «آثار ـ

٣٥

ويختص أهلها بالإبداع لبعض الصناعات اليدوية المحلية الدقيقة ، منها تطعيم الأواني المعدنية بالنقوش الفنية المذهبة الجميلة (١) ، والنسيج الممتاز ، وصنع الأكواز في غاية الدقة والرقة ، وغير ذلك من الصناعات اليدوية ، وشهد لهم بذلك كثيرون ، ومنهم القزويني ، حيث قال : «ولصناعها يد باسطة في تدقيق الصناعات ، لا ترى خطوطا كخطوط أهل أصفهان ، ولا تزويقا كتزويقهم ، وهكذا صنّاعهم في كل فن ، فاقوا جميع الصنّاع ، حتى إن نساجها ينسج خمارا من القطن أربعة أذرع وزنها أربعة مثاقيل ، والفخاري يعمل كوزا وزنه أربعة مثاقيل يسع ثمانية أرطال ماء ، وقس على هذا جميع صناعاتهم» (٢).

وكذا يقول القزويني : «كل شيء استقصى صناع أصفهان في تحسينه ، فأعجزوا عنها صناع جميع البلدان» (٢).

وأهميتها من حيث موقعها ، أنها تقع على الطريق التجارية الممتدة إلى أهم المدن الإيرانية ، وبالأخص العاصمة طهران ، مشهد وأهواز وخرمشهر وعبادان وشيراز ، وكرمان ، وبهذا أصبحت مركزا تجاريا في إقليم الجبال هامّا (٣).

يقول لسترنج : «وكانت أصفهان مركزا تجاريّا في إقليم الجبال ، يرتفع منها العتابي ـ نوع من الثياب ـ وسائر ثياب القطن ويجود ، تجلب منها إلى سائر النواحي ... وهي أخصب مدن الجبال وأوسعها عرضة وأكثرها ماء وتجارة» (٤).

__________________

ـ تاريخي أصفهان» ، وهو أكبر وأوسع كتاب في هذا الموضوع في أكثر من ألف صفحة ، «وكتاب أصفهان» ص ١٥٨ ـ ١٧٠ ، وقد صور معظم الآثار في كتابه الأول.

(١) وقد رأيتها في سفري إلى أصفهان في بيت صديق لي تعرفت عليه بالمدينة وهو يعرف هذا الصنع ، وأراني بعض ما صنعه.

(٢) انظر «آثار البلاد» ص ٢٩٦ وانظر لمعرفة الصناعات مفصلا كتاب «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٩٨ ـ ١٣٠ و «أصفهان» ص ١٨٢ ـ ١٩٥ ، «ونصف جهان في تعريف أصفهان» ص ١٢٣ وما بعدها.

(٢) انظر «آثار البلاد» ص ٢٩٦ وانظر لمعرفة الصناعات مفصلا كتاب «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٩٨ ـ ١٣٠ و «أصفهان» ص ١٨٢ ـ ١٩٥ ، «ونصف جهان في تعريف أصفهان» ص ١٢٣ وما بعدها.

(٣) انظر كتاب «اقتصاد شهر أصفهان» ص ١٨٢ ذكر الأشياء الواردة بأصفهان والصادرة عنها عن طريق العاصمة إلى الخارج.

(٤) انظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص ٢٣٨ ، وذكر جميع هذه المميزات الدكتور لطف الله في كتابه «أصفهان» ص ١٨١ ، وانظر «نصف جهان» أيضا / ١٢٤ ـ ١٢٦.

٣٦

أهميّة أصفهان

إليكم بعض النقول المبينة أهمية أصفهان على وجه عام :

قال ياقوت الحموي : «أصبهان مدينة عظيمة مشهورة ، من أعلام المدن وأعيانها ، ويسرفون في وصف عظمها ، حتى يتجاوزوا حد الاقتصاد إلى غاية الإسراف» (١).

وقال القزويني : «أصبهان مدينة عظيمة ، من أعلى المدن ومشاهيرها ، جامعة لأشتات الأوصاف الحميدة ، من طيب التربة ، وصحة الهواء ، وعذوبة الماء ، وصفاء الجو ، وصحة الأبدان ، وحسن صورة أهلها ، وحذقهم في العلوم والصناعات ، قال الشاعر :

لست آسى من أصفهان على شيء

سوى مائها الرحيق الزلال

ونسيم الصبا ومنخرق الري

ح وجو صاف على كل حال (٢)

وقد أطال المافروخي في وصف أصبهان في كتابه «محاسن أصفهان» (٣) وذكر ابن بطوطة في رحلاته حين سافر إلى أصفهان سنة ٧٢٦ ه‍ فقال :

«أصبهان من كبار المدن وحسانها ، إلّا أنّها الآن قد خرب أكثرها بسبب الفتنة التي بين أهل السنة والروافض ... إلى أن وصف أهل أصفهان فقال : وأهلها حسان الصور ، وألوانهم بيض ظاهرة مشوبة بالحمرة ، والغالب عليهم الشجاعة والنجدة ، وفيهم كرم وتنافس عظيم فيما بينهم» (٤).

قال شواليه شاردن : «أحسب أن عظمة أصفهان في آسيا كعظمة لندن في أوربا» ، وقال أيضا : «إن عدد سكان أصبهان في عهد الشاه عباس الكبير كعدد

__________________

(١) انظر «معجم البلدان» ١ / ٢٠٦.

(٢) انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص ٢٩٦.

(٣) كما ذكر محمد مهدي في «نصف جهان» ص ٤.

(٤) انظر «رحلة ابن بطوطة» ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٣٧

سكان لندن» (١).

وقد بالغ بعض ، فقالوا : «أصفهان نصف جهان» (٢) ، أي : أصفهان نصف الدنيا ، وسمى بعض المؤلفين تأليفاتهم بهذا الاسم «نصف جهان» (٣).

أما عموم أهل أصفهان ، فهكذا يعتقدون ويزعمون أن بلدهم أحسن بلدان العالم من جميع النواحي (٤).

ويقول أوزن فلاند (٥) : «إن أصبهان من إحدى أكبر بلدان العالم بدون أي مبالغة ، ومساحتها تزيد على أربعين كيلا».

رغبة النّاس بالهجرة إلى أصفهان

نظرا لما تقدم من أهميتها ، وتبيين مميزاتها ، أصبحت أصفهان محطّ أنظار الناس ومثار إعجابهم ، فكثرت الرغبة في الانتقال إليها واستيطانها ، وقد شجع على هذا ، استتباب الأمن فيها بعد أن أخضعها المسلمون لسلطانهم ، فعلت بهذا منزلتها ، وزادت أهميتها ، واحتلت مكانا عليّا بين بقية المدن المجاورة لها ، وظهر هذا الأثر بكثرة فيمن خرّجت من العلماء الأئمة ، والصناع المهرة ، والتجار الحاذقين. قال ميرزا حسن الأنصاري : «نظرا لأهمية أصفهان ، هاجرت قبائل من العرب إليها من بني ثقيف وبني تميم وخزاعة وعبد القيس وبني ضبة» (٦).

__________________

(١) انظر «دانشمندان وبرزكان» «أصفهان» ص ٣٩ و «كتاب أصفهان» ص ٣.

(٢) انظر نفس المصدر السابق.

(٣) انظر قائمة المؤلفات في أصفهان.

(٤) انظر «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٣٩ علي كلباسي ، وقد لا حظت ذلك منهم عند سفري إليها.

(٥) هو السائح الفرنسي الذي زار أصفهان في سنة ١٢٥٥ ه‍ ـ ١٨٤٠ م. انظر «كتاب أصفهان» ص ٤.

(٦) انظر «تاريخ أصفهان» ص ١٣ ويعلل المؤلف ميرزا حسن وجود النواصب فيها ، للجوء بني ضبة بعد موقعة الجمل ، وكانوا قد اجتمعوا حول هودج عائشة ـ رضي‌الله‌عنها ـ إليها واستقرارهم فيها ، وانظر «البلدان» لليعقوبي ص ٤٧٤ المترجم إلى الفارسية.

٣٨

بل كان بعض التابعين يتمنى أن يكون من أهل أصفهان ، فهذا سعيد ابن المسيب التابعي الجليل يقول : «لو لم أكن رجلا من قريش لأحببت أن أكون من أهل فارس أو أصبهان» وفي رواية أخرى لأبي نعيم يقول : «لو تمنيت أن أكون من أهل بلد لتمنيت أن أكون من أهل أصبهان» (١).

ما ورد من الفضل لأهل هذه البلاد

فكيف لا يتمنى هو ولا يقبل أهل أصفهان على الدين والعلوم الإسلامية ، وقد صح عن الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما رواه عنه أبو هريرة رضي‌الله‌عنه أنه قال : «لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس ، أو قال : من أبناء فارس».

وفي رواية ثانية قال أبو هريرة : «كنا جلوسا عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذ نزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)(٢). قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا قال : وفينا سلمان الفارسي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : فوضع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يده على سلمان ، ثم قال : «لو كان الإيمان بالثّريا لناله رجال من هؤلاء» (٣) هذا لفظ مسلم. ولفظ الترمذي : «والذي نفسي بيده ، لو كان الإيمان بالثريا ، لتناوله رجال من هؤلاء» (٤).

وفي رواية لأحمد بلفظ : «لو كان العلم بالثريا لتناوله أناس من أبناء فارس» (٥).

__________________

(١) انظر مقدمة «الطبقات» لأبي الشيخ ص ٣ «وأخبار أصفهان» ١ / ٣٩ ، وإسناده حسن.

(٢) سورة الجمعة الآية : ٣.

(٣) انظر «صحيح مسلم» ١٦ / ١٠٠ ـ ١٠١ مع «شرح النووي».

(٤) انظر «سنن الترمذي» ٥ / ٦٠ ، ٨٦ ، ٣٨٢ ، وقد حسنه في موضع ، وضعفه في موضع آخر ، ورواية الترمذي وأحمد ـ مع ضعف أسانيدهما ـ تتقوى بمجموع الطرق وتتأيد برواية مسلم.

(٥) وانظر «مسند أحمد» ٢ / ٣٩٧ ، ٣٠٩ ، ٤٢٠ ، ٤٢٢ ، ٤٦٩ ، وفي سنده شهر بن حوشب ، وهو صدوق كثير الأوهام ، ويحسن بمجموع الطرق كما قلت سابقا.

٣٩

بدء التحديث بأصفهان

وبالإضافة إلى ذلك فقد حل بأصبهان عدد من الصحابة عند فتحها ، ومنهم الصحابي الجليل المحدث الكبير الذي طبقت شهرته الآفاق ، وهو يقف محدّثا بأصبهان (١) ، ويصلي بهم هناك صلاة الخوف ، وليس بهم كبير خوف ، ولكن ليعلمهم دينهم (٢) ، وليريهم كيف كان يصلي بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الخوف يخلف بعده بأصبهان السائب بن الأقرع (٣) ، وله صحبة ، وقيل : إنه توفي بها. ومن عقبه بأصبهان : المغيرة وعصام ومحمد بنو الفيض .. وتناسلوا بأصبهان (٤) ، فكان السائب يتولى أمور المسلمين بها ويؤمهم ويعلمهم أحكام دينهم ، وهكذا كان الصحابة يتولون الأمور بها واحدا بعد الآخر ، ويعلمون أهلها السنن والفرائض.

ذكر أبو نعيم : «أنه كان رجل بأصفهان من بني سليم من أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان في جملة الدهاقين يعلم أهلها الفرائض والسنن» (٥).

وهكذا كان خالد بن غلاب عاملا على أصبهان من قبل الخليفة عثمان رضي‌الله‌عنه (٦).

واستعمل علي بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ على أصبهان «مخنف بن سليم ، ثم عمرو بن سلمة ، ثم الحارث بن عبد الله بن عوف بن أصرم ، وكذا سيره معاوية إلى أصبهان»(٧).

__________________

(١) انظر ت ٤ وقد عنون المؤلف بقوله «ذكر ما حدث بأصبهان بعد افتتاحه».

(٢) انظر «أخبار أصبهان» ١ / ٥٨ ـ ٥٩.

(٣) انظر «أخبار أصبهان» ١ / ٢٥ ، ٢٦ ، ٧٥.

(٤) نفس المصدر ١ / ٧٥.

(٥) نفس المصدر ١ / ٧٥.

(٦ ، ٧) المصدر السابق ١ / ٧٢ ، ٧٣.

(٦ ، ٧) المصدر السابق ١ / ٧٢ ، ٧٣.

٤٠