طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]

طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]


المحقق: عبدالغفور عبدالحقّ الحسين البلوشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٨

١
٢

٣

٤

شكر وتقدير

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد ...

فإنني أشكر الله تعالى قبل كل شيء الذي بفضله وعونه تتم الصالحات ، وتحل المشكلات ، وتزول العقبات ، والذي امتن عليّ بإنجاز هذه الرسالة ، وهي تحقيق ودراسة الجزء الأول والثاني من «طبقات المحدثين بأصبهان» ، والواردين عليها ، لأبي الشيخ الأنصاري ، على أحسن وجه وأتمه ، الذي أرجو أن يقبله مني ، ويجعله خالصا لوجهه الكريم.

ثم أتوجه بخالص شكري لأولئك الذين ساهموا معي في إنجاز هذه الرسالة ، وذلك لما ثبت عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما رواه أبو هريرة ، وأبو سعيد ، وغيرهما ـ رضي‌الله‌عنهم ـ عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «من لا يشكر الناس لا يشكر الله». وفي رواية بلفظ : «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» (١).

__________________

(١) أخرجه أبو داود في «سننه» ٤ / ٣٠٤ الأدب ، والترمذي في «سننه» ٣ / ٢٢٨ البر والصلة كلاهما عن أبي هريرة مرفوعا ، وقال الترمذي : «حديث صحيح» ، وكذا أخرجه الترمذي عن أبي سعيد وقال : حسن ، وفي الباب عن الأشعث بن قيس ، والنعمان بن بشير ، وكذا أخرجه أحمد في «مسنده» ٢ / ٢٥٨ و ٢٩٥ و ٣٠٣ و ٣٨٨ و ٤٦١ و ٤٩٢ من حديث أبي هريرة.

٥

فمن هنا أرى من الواجب علي أن أخص بخالص شكري ، وغاية تقديري فضيلة المشرف على الرسالة / الدكتور محمود أحمد ميره ـ حفظه الله تعالى ـ الذي فتح لي مجال الاستفادة ليلا ونهارا في بيته وخارجه بدون تحديد بزمن ، ولا يدخر جهدا ، فكان يرافقني بإرشاداته القيمة ، ودلالاته السديدة على المصادر ، وتوجيهاته الرشيدة في إصلاح العبارات وتحسينها ، وكان يجهد نفسه معي في تصحيح النصوص ، وحل المشاكل التي كانت تواجهني ، ووجدته مخلصا في هذا كله.

فجزاه الله تعالى مني أحسن الجزاء ، وشكر له سعيه ، كما أتقدم بخالص شكري لأستاذي الدكتور أكرم ضياء العمري ، حفظه الله تعالى ، حيث يعود إليه الفضل في اختياري هذا الموضوع ، وسأوضح ذلك فيما سيأتي في سبب اختيار هذا الموضوع.

ولأستاذي فضيلة الشيخ حماد الأنصاري ، حيث أفادني فيما كنت أسأله ، ولجميع أصدقائي وزملائي الذين شاركوني ، أو قدموا لي أية مساعدة في إنجاز هذه الرسالة ، وأخص منهم الصديق الفاضل رضا زنكنه الأصفهاني ، الذي وفر لي بعض المراجع من أصفهان ، وأرسلها لي بالبريد واستزارني في أصفهان ، فزرته في العام الذي مضى (١٤٠٠ ه‍) ، فاستقبلني أحسن استقبال ، وأكرم وأحسن ضيافتي ، وقدم لي كل ما أحتاجه من مساعدة وعون ، وكان يتجول معي بسيارته إلى جميع الأماكن التاريخية والآثار القديمة ، فجزاه الله خير الجزاء ، وعظم له أجره.

كما أنني لا أنسى جهود القائمين على الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وعلى رأسهم الدكتور عبد الله بن عبد الله بن زايد ، حفظه الله تعالى.

وإنني إذ أسجّل شكري الجزيل لهؤلاء ، فإنني أسأل الله تعالى أن يكتب لهم المثوبة من عنده ، ويجزل لهم الأجر ، وأن يجعل هذه الخدمة المتواضعة خالصة له ، ونافعة لعامة المسلمين ، وهو ولي ذلك والقادر عليه.

٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

بقلم : الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد ...

فان كتاب (طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها) لأبي الشيخ الأنصاري المتوفى عام ٣٦٩ ه‍ ، هو أقدم ما وصل إلينا من تواريخ أصبهان وقد سلك فيه مؤلفه مسلك المحدثين فسرد الروايات والأحاديث بالاسانيد ، ورتب التراجم على الطبقات ، وقد استعمل الطبقة للدلالة على الجيل ، وهو يلتقي في هذا الاستعمال مع معاصره ابن حبان البستي (ت ٣٥٤ ه‍) في كتابيه «الثقات» و «مشاهير علماء الامصار» ولو قسمنا الفترة الزمنية التي تناول أبو الشيخ الانصاري تراجم علمائها على عدد الطبقات في كتابه وهي إحدى عشرة طبقة لتبين أن الطبقة عنده تساوي ثلاثين عاما تقريبا ، ولكن الطبقات تتداخل في العادة لأنها تقوم على اللقيا بين المحدثين ، وهؤلاء فيهم أصحاب الاسانيد العالية ، وهم يحوزونها إما بسبب طول أعمارهم أو مبادرتهم الطلب المبكر ، بحيث يلحق المتأخر بالمتقدم في الأخذ عن نفس الشيوخ. والحق أن أخذ المؤلف بهذا النظام هو أقوى مبرر لنشر كتابه بعد أن استوعبه أبو نعيم الاصبهاني ـ أو كاد ـ في مؤلفه (ذكر أخبار أصبهان) ـ وهو مطبوع ـ إضافة إلى خدمة الدكتور عبد الغفور

٧

البلوشي لكتاب أبي الشيخ من حيث التعريف برجال الاسانيد وتخريج الاحاديث والحكم عليها ، وهو جهد لازم لنيل مرتبة الماجستير في تخصص «السنة النبوية» وإن كان ليس بلازم لتحقيق الكتاب تحقيقا علميا في نظر عامة المحققين الذين يرون في ذلك إثقالا للحواشي ولا مفر من قيام طلبة الدراسات العليا من تحويل رسائلهم من تحقيق الكتب إلى دراسة أحاديث كتاب مخصوص دفعا للاعتراض المذكور.

وإضافة لذلك فقد قدم الشيخ عبد الغفور دراسة مستفيضة للمؤلف وبيئته العلمية ، حيث لم يسبق إلى دراسته من قبل الباحثين المحدثين. وقد تمكن من تجلية جوانب ثقافته والتعريف بمؤلفاته ومصادر معلوماته ، وإن كانت دراسة موارد كتابه لا زالت بحاجة إلى تجلية وتفصيل.

وتجدر الاشارة هنا إلى أن أبا الشيخ استفاد من مؤلفات مفقودة وأحيانا تعتبر اقتباساته عنها هي كل ما بقي منها في مكتبتنا التراثية الهائلة ، ولعل هذا الوصف ينطبق خاصة على كتاب (تاريخ أصبهان) لمحمد بن يحيى بن منده (ت ٣١٠ ه‍) وهو أقدم مؤلف في تاريخ أصبهان وقد فقد ـ للأسف ـ ، وتوضح اقتباسات أبي الشيخ الكثيرة من هذا التاريخ أنه من تواريخ المحدثين.

إن تجلية مثل هذه المعلومات الدقيقة الغامضة تخدم دراساتنا التراثية وتضيف جديدا إلى «علمنا».

لقد هيأ أبو الشيخ الأنصاري ببناء كتابه على نظام الطبقات الفرصة أمامنا للتعرف على تطور الحركة الفكرية في مدينة أصبهان خلال القرون الأربعة الاولى من تاريخ الاسلام حيث يمكن معرفة أعداد العلماء في كل قرن من هذه القرون ، مما يوضح ازدهار الحركة الفكرية ونشاط الرواية في أصبهان في القرن الثالث الهجري ثم تعاظم الازدهار والنشاط في القرن الرابع الهجري حيث يسجل أبو الشيخ الانصاري تضاعف أعداد المحدثين خلاله. وهذا يتفق مع وقت ازدهار الحركة الفكرية في العالم الاسلامي عامّة.

٨

وقد خالفني المحقق في اعتبار تقسيم الكتاب إلى احدى عشرة طبقة ، ولا زلت أعتقد بأن أبا الشيخ لم يقم بالتقسيم إلى احدى عشرة طبقة ما دام قد خلط تراجم الطبقتين العاشرة والحادية عشر ولم يفصلهما ـ كما صرح ـ ، وربما وقفت أمامه عقبات فنية في عصر شيوخه وشيوخهم أو أصابه الارهاق فأبقاهم طبقة واحدة.

كذلك يجدر التنبيه إلى أن نسخة الظاهرية التي اعتمد عليها المحقق الفاضل يرجع تاريخها إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري وكان الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي (ت ٦٤٨ ه‍) قد تملك حق روايتها بالسماع وأثبت تاريخ سماعه عليها سنة ٦٣٥ ه‍ ، وهذه النسخة نقلت من نسخة أقدم عليها تملك وسماع يوسف بن خليل نفسه بتاريخ ٥٩٢ ه‍.

وقد اشتهر الحافظ يوسف بن خليل بكثرة سماعاته للكتب واحتفاظه بنسخها الدقيقة كما تدل سماعاته وتملكاته المدونة على العديد من نسخ المخطوطات في دار الكتب الظاهرية. ويبدو أن الدراسات المتعلقة بالمخطوطات لا زالت لا تحظى بالعناية الكافية من المحققين رغم أهمية ذلك في توثيق النسخ ، ولا شك أن التقدم العلمي للعالم العربي الاسلامي كفيل في المستقبل بمعالجة هذه الثغرة بإيجاد المعامل والمتخصصين اللازمين لمعالجة أنواع الورق والحبر والخطوط وتحديد تواريخها.

إن حركة النشر لكتب التراث نشيطة هذه الايام ولكن تقف أمامها عقبات أبرزها عدم الالتزام بقواعد النشر العلمية ، وضعف الارشاد الاكاديمي في الاعم الاغلب ، وتراجع الذوق اللغوي بتراجع تعليم اللغة العربية من حيث المستوى والنوع رغم اتساعه أفقيا. وأخيرا عدم الانتقاء للنصوص الاكثر أهمية وإعطائها الأولوية في النشر.

إن النشر العلمي الجيد وحده هو الذي يخدم واقعنا الثقافي عندما تبنى دراساتنا التراثية على نصوص موثقة توثيقا علميا ينأى عن خطأ الفهم وانحراف

٩

المعنى ، وإن دراسة التراث والاستقاء منه لتصور الماضي ودفع عجلة الحاضر تتوقف على سلامة حركة التحقيق ومن هنا لا بد أن تسعى جامعاتنا ومؤسساتنا الاكاديمية الأخرى إلى معالجة النقص والقصور في هذا الجانب الهام.

وفي الختام أدعو الله تعالى للدكتور الفاضل عبد الغفور البلوشي بالتوفيق لمزيد من الاعمال الصالحة في نشر النصوص النافعة من تراث الاسلام بعد أن قوي عوده وأفاد من تجاربه الاولى في الدراسات العليا والله يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل.

المدينة المنورة في ١٣ / ٧ / ١٤٠٥ ه‍.

١٠

المقدمة

الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستهديه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، وصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

فأود أن ألمّح إلى دوافع اختياري للتخصص في السنة. لما كانت السنة وعلومها من أجل العلوم وأشرفها بعد كتاب الله تعالى ، وبما أن رحى الشريعة الإسلامية تدور على قاعدتين أساسيتين ، هما : كتاب الله ، وسنة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولم يستغن الكتاب عن السنة فهي لازمة له ، ومفسرة لمجمله ، ومبينة لمشكله ومعانيه ، ومقيدة لمطلقه.

فمن هنا دفعني الشوق والرغبة لاختيار شعبة السنة ، وإن كانت صلتي ودراستي في الفقه أكثر.

وثانيا : رغبة شديدة مني للإسهام في إحياء تراث علماء السلف من أهل السنة بإيران ، الذين لم يدخروا جهدا في خدمة السنة المشرفة رجالها ومتونها ، وقد امّحت معظم آثارهم ، ولم تجد لهم خلفا يعتنون بآثارهم ، فيا حبذا لو قام رجال اعتنوا بإحياء خدمة السلف للعناية بالسنة مرة أخرى ، فأسأل الله تعالى أن يهيء رجالا لهذا ، وهو عليه هين ، فرغبتي في هذا الشأن كانت تتطلب مني الخوض في هذا الموضوع بعد التمكن منه ليسهل السير عليه.

١١

وثالثا : رجاء أن أحظى حينما أختار هذا القسم ، بما ورد من الفضل والشرف لأصحاب الحديث ؛ وذلك لأنهم محظوظون بتكثير الصلاة والسلام على صاحب الرسالة والسنة ، محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ القائل : «من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشرا» (١).

فيجري ذلك على لسانهم ويكرره قلمهم.

أما سبب اختيار تحقيق هذا الكتاب ـ «طبقات المحدثين بأصبهان» لأبي الشيخ الأصفهاني الأنصاري ـ بالذات فلأمور :

أولا : يعود الفضل في ذلك إلى فضيلة أستاذي الدكتور أكرم ضياء العمري ـ حفظه الله تعالى ـ الذي أرشدني إلى هذا الكتاب ، ودلّني على أهميته ، وذلك في خلال محاضرة من محاضراته التي كان يلقيها علينا في الفصل حينما كان يذكر لنا أهمية الطبقات ، إذا به يتحدث عن أهمية هذا الكتاب ـ أعني : «طبقات المحدثين» لأبي الشيخ ـ ويشجعنا بأن مثل هذا الكتاب يجب أن يحقق وينشر ، كي لا تضيع جهود علمائنا السلف.

فسرعان ما وقع توجيهه هذا في قلبي ، فقررت أن أقوم بهذا العمل ولم يثن عزمي هذا كبر حجم الكتاب ، وصفوته الخوض فيه ، مع أنه تراجع عليه قسم من زملائي الذين تشوقوا لتحقيقه.

وكان لتشجيع فضيلة أستاذنا الدكتور أكرم ضياء العمري ـ حفظه الله ـ أثر كبير في إقدامي ، ومتابعة سيري ، فجزاه الله عني كل خير.

وإخراج هذا الكتاب المهم لأحد علماء السلف بأصفهان ، هو إحياء لتراث

__________________

(١) رواه مسلم في «صحيحه» ١ / ٣٠٦ الصلاة باب فضل الصلاة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حديث ٤٠٨ ، وأبو داود في «سننه» ٢ / ١٨٤ الوتر ، والنسائي في الافتتاح باب فضل الصلاة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حديث ١٢٩٧ ، والترمذي في «سننه» أيضا ، في الصلاة باب فضل الصلاة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حديث ٤٨٥ ، وقال : حسن صحيح ، واللفظ لمسلم.

١٢

هؤلاء العلماء العظماء ، وكون المؤلف من إيران ، جعل لي الأفضلية في هذا المقام ، لأنه من بلدي ، وقديما قالوا : أهل مكة أدرى بشعابها.

فمن هنا ، عزمت على تحقيق هذا الكتاب العظيم المهم ، على ضوء ما أشار إليه فضيلة الأستاذ الدكتور أكرم ، حفظه الله.

وكان هذا كله قبل تعيين مشرف على الرسالة ، ثم أسند الإشراف إلى فضيلة الأستاذ الدكتور محمود أحمد ميره ـ حفظه الله تعالى ـ فاتصلت به ، وعرضت عليه خطتي السابقة ، فلم يقتنع بها ـ لأني لم أضع في الخطة تخريج الأحاديث والآثار ـ قائلا : كيف يصلح لطالب متخصص في الحديث أن يمر على الأحاديث وأسانيدها بدون دراسة وبحث ، فكنت أعرض عليه كبر حجم الكتاب وضيق المجال ، وأن مثل هذا العمل لكتاب كبير نحو هذا يتطلب سنوات عديدة ، فلم يزل يشجعني حتى اقتنعت وغيرت خطة العمل إلى ما هو أحسن وأتم كما ستقرؤه في منهج التحقيق فيما بعد ، فاستمريت على هذا المنهج حتى قضيت سنتين ولم أنجز منه إلا ثلثه تقريبا فقط ، فبدا لي أن العمل على هذه الطريقة لتحقيق جميع هذا الكتاب يستغرق ست سنوات تقريبا ، فاستشرت فضيلة المشرف ـ حفظه الله تعالى ـ في ذلك ، وعرضت عليه حذف الجزء الثالث منه ، فوافقني على ذلك بل قال لي : لو حذفت أكثر لكان أحسن ـ جزاه الله خيرا ، فتقدمت إلى رئاسة القسم بحذف الجزء الثالث من الرسالة فقط ، فتمت الموافقة على ذلك ، وصار بذلك القسم المحقق من الكتاب لرسالة الماجستير هو الجزء الأول والثاني من «طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها» ، لأبي الشيخ الأنصاري الأصفهاني ، فما في تحقيقه من حسن وجمال ، فيعود الفضل في ذلك إلى الله تعالى أوّلا بحسن توفيقه ، ثم إلى المشرف على الرسالة الدكتور محمود ميره حفظه الله تعالى ثانيا ، وما فيه من الهفوات والأخطاء فمني ومن الشيطان.

فكان هذا هو السبب الأول لاختياري هذا الكتاب.

وأما السبب الثاني : فلما ذكرت من حرصي ورغبتي في إحياء تراث علماء السلف في إيران.

١٣

والسبب الثالث : تقديم دراسة وافية مستقلة عن محدث ومفسر ومؤرخ ، مثل أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر ، المتوفى سنة ٣٦٩ ه‍ ، الذي لم يحظ بترجمة عنه وافية ، ودراسة شافية ، فترجمت له ترجمة متسعة حسب الإمكان ، وأظهرت في ذلك جوانب شخصيته ، وأبرزت معالم نبوغه.

وأرجو أن أكون قد وفقت فيما تناولته ، وأظن أني قد قدمت جوانب لم أسبق إليها ، والفضل لله أوّلا وآخرا.

ورابعا : كنت راغبا في تحقيق كتاب يتضمن كمية من الأحاديث تتنوع في موضوعها لأستفيد أكثر ، وقد حقق الله رغبتي في الكتاب المذكور.

وخامسا : لما وجدت من أهمية هذا الكتاب ، ومكانة مؤلفه ، واتساع جوانب ثقافته ، وتخصصه ، فقوله في النقد حجة ، وكتابه مرجع لمن بعده (١).

والهدف من هذا كله هو إخراج هذا الكتاب محققا بصورة صحيحة ليتيسر نشره ، والانتفاع به بسهولة.

وقسمت عملي في خدمة هذا الكتاب إلى قسمين :

قسم يتعلق بخدمة نصوص متن الكتاب من تصحيح ، وتخريج ، وشرح لمشكلاته ، وتثبيت لفروقه ، واستدراك لفواته ، فيما أمكن ومطموسه كما نبهت في مواضع على كثير من الأوهام التي وقع فيها بعض المحدثين ، مما يتعلق بتصحيح حديث أو توثيق راو ضعيف مكان ثقة ، أو عكسه في أثناء تخريجي الأحاديث ، كما ستراه في أثناء التحقيق.

وقسم آخر يتعلق بمقدمة وافية للكتاب.

وكانت رغبتي في البداية أن أتناول فيها موضوعين : أحدهما : دراسة عن حياة المؤلف ، وثانيهما : دراسة عن كتب الطبقات ، وكتب الرجال المحلية ،

__________________

(١) انظر ما سيأتي من مبحث اقتباس العلماء ، وبيان أهمية الكتاب في الباب الثاني من مقدمتي.

١٤

باعتبار تاريخ تدوينها ، وأسس تنظيمها ، وفوائدها ، ولكني لما قرأت ما كتبه أستاذي الدكتور أكرم ضياء العمري ـ حفظه الله تعالى ـ في هذا الموضوع وتوسعه فيه ، فرأيت أنه قد خدم هذا البحث خدمة جيدة ، ووفّى الموضوع حقّه. ولا أرى بعدئذ كبير فائدة في إعادة ما سبقني إليه مع ضيق الوقت.

فاكتفيت بما كتبه فضيلة الدكتور ، وأود أن أحيل القارىء الكريم إلى ما كتبه في هذا الموضوع في كتبه الآتية :

«مقدمته على طبقات خليفة بن خياط» (١) ، و «موارد الخطيب في تاريخ بغداد» (٢) ، و «بحوث في تاريخ السنة المشرفة» (٣).

واخترت مكان هذا الموضوع دراسة مفصلة عن أصبهان تبين موقعها جغرافيا ، وحدودها ، ومساحتها ، وأهميتها ، ومكانتها الثقافية ، ومميزاتها ، ونشاطات أهلها ، والفتح الإسلامي لها ، مع محاولة جمع المؤلفات التي تتعلق بأصبهان وأهلها عبر القرون الإسلامية قديما وحديثا ومذهب أهلها عبر القرون.

وقد أثبت أن أصفهان كانت من القرون الأولى الإسلامية مهاجر العلماء لطلب الحديث ، ومحط رحالهم ، حتى كانت تضاهي بغداد في العلو والكثرة ، كما قال السخاوي(٤).

ولكن الآن مع الأسف عدم علم الأثر والحديث وخدامه ، فلم تعد تجد فيها أثرا لهم ، بل عمّ هذا كل المدن المشتهرة بخدمة السنة المطهرة في إيران ، وذلك من مطلع القرن التاسع.

فقد قال السخاوي : «وأمّا اليوم ، فقد كاد يعدم علم الأثر من العراق وفارس وأذربيجان ، بل لا يوجد بأرّان وجيلان وأرمينية والجبال وخراسان التي كانت دار

__________________

(١) انظر ص ٤١ وما بعدها من المقدمة.

(٢) انظر ص ٢٥٩ ـ ٣٠٥ ـ ٣٨٥ ـ ٣٩٥ عن الطبقات والرجال المحلية.

(٣) انظر ص ٧٢ ـ ٨١.

(٤) انظر «الإعلان بالتوبيخ» ص ١٤٣.

١٥

الآثار ، بل وأصفهان التي كانت تضاهي بغداد في العلو والكثرة ... (١)».

فهذا هو الذي دفعني ، ولفت نظري إلى هذا الموضوع ؛ لأثبت للقارىء الكريم مكانة هذه المدينة ، ونشاط أهلها في خدمة السنة في القرون الأولى ، وما هي عليه الآن.

وقد اشتملت المقدمة على موضوعين رئيسيين تخللها بعض الإشارات الهامة ، أحدهما : دراسة عن أصبهان : ـ مكانتها ، وأهميتها ، ومميزاتها ، وبعض نشاطات أهلها ، ومذهب أهلها ، وجعلته الباب الأول ، وفيه فصلان ، وفي الفصل الأول مبحثان.

وثانيهما : دراسة عن حياة المؤلف وكتابه «الطبقات» ، وجعلته الباب الثاني ، وفيه فصول ، وفي الفصول مباحث.

بعض المشاكل التي واجهتني أثناء التحقيق

قد واجهتني بعض المشاكل منها :

أن نسخة الكتاب كانت فريدة في أصلها ، ومهملة من النقط في غالب الحروف ، وزاد الصعوبة بأن النسخة الفرعية المنقولة عنها قد تصرف فيها ناسخها ، وبدا لي أنه لا صلة له بالعلم ، فنقط الحروف باجتهاده ، وحرف النصوص وصحفها ، وقد كلّفني هذا جهدا ومشقة في مراجعة الكتب المعنية لكل ما يتطلب ذلك ، لتصحيح النصوص وأسماء رواة الأسانيد وضبطها ، وكلّ ذلك لأقدم نصّا صحيحا بقدر الإمكان.

ومنها : فقد لقيت عناء شديدا في تراجم بعض رجال الأسانيد ، وذلك لأنّ كثيرا من رجال أسانيد المؤلف لم أجد لهم تراجم في رجال الستة ، وقد تعبت كثيرا في معرفة من كان يختصر المؤلف أسماءهم ، فيذكر اسم الراوي فقط ، أو كنيته ، وكان هذا يتطلب مني البحث عن اسمه أولا ، ثم عن ترجمته ثانيا ؛

__________________

(١) انظر نفس المصدر السابق.

١٦

لأتأكد منه وأجزم أنه المذكور الذي عناه المؤلف وترجمت له ، وقد لا يتبين لي تعيينه حتى أجزم به ، ففي مثل هذا الحال أترجم له بالاحتمال ، فأقول : لعلّه فلان أو فلان ، وقد لا أقف على ترجمته أحيانا بعد البحث والفحص.

ثالثا : وهو أهم مما مضى ـ ما لقيته وتحملته في تخريج الأحاديث ، وتتبع طرقها ، والبحث عن مظانها ، وذلك لأن المؤلف قد اهتم بإخراج حديث غريب أو أكثر من أحاديث المترجم له مما تفرد به ، ومثل هذه الأحاديث قلما توجد في الكتب المشهورة المعروفة المتداولة حتى يكون الوصول إليها سهلا باستعمال المعجم وغيره.

ورابعا : بما أن الأحاديث الواردة في الكتاب متنوعة الموضوع ، فقد وجدت صعوبة في تحديد موضوع بعضها ، فلم أصل إليها إلّا بعد جهد كبير ويأس أحيانا ، وبعضها لم يتيسر لي الوقوف عليها أصلا ، ومثل هذا قليل جدّا.

وخامسا : كثرة الأحاديث المسندة في الكتاب ، حيث بلغ عدد الأحاديث المخرجة اثنين وأربعين وأربع مئة حديث في القسم المحقق لرسالة الماجستير ، وإلّا عدد الأحاديث في كل الكتاب أكبر من هذا بكثير حيث يتجاوز الألف.

هذه بعض العقبات التي واجهتني خلال أعداد البحث ، وقد تغلبت على كثير منها بفضل الله تعالى ثم بمساعدة المشرف ، حفظه الله تعالى.

١٧
١٨

الباب الأوّل

١٩
٢٠