طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]

طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بن حيّان [ أبي الشيخ الأنصاري ]


المحقق: عبدالغفور عبدالحقّ الحسين البلوشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٨

الباب الثّاني

٦١
٦٢

الفصل الأوّل

في ترجمة المؤلف

٢٧٤ ـ ٣٦٩ ه‍ ـ ٨٨٧ ـ ٩٧٩ م

اسمه ونسبه (*)

هو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري الحياني أبو محمد

__________________

(*) ترجم له المصادر الأتية :

أبو نعيم : في «أخبار أصبهان» ٢ / ٩٠ ، الخطيب البغدادي في «الكفاية» ص ٣١٣ ، السمعاني في «في «الأنساب» ٤ / ٣٢٢ ، وابن الأثير في «اللباب» ١ / ٣٣١ ، ياقوت الحموي في «معجم البلدان» ١ / ٥٤٧ ، طبع أوربا ، وشمس الدين محمد بن عبدالهادي في «مختصر طبقات علماء الحديث» ٣٢٥ ـ ٣٢٤ / ٢ ، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» ٣ / ٩٤٥ ـ ٩٤٧ ، وفي «سير أعلام النبلاء» ٢١٦ ـ ٢١٥ / ١٠ ، وفي «العبر» ٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، وفي كتاب «دول الإسلام» ١ / ٢٢٨ بإيجاز ، وفي «المشتبه» ١ / ١٢٩ أيضا بإيجاز ، وابن شاكر الكتبي في «عيون التواريخ» ٢ / ١٨٦ ، والجزري في «غاية النهاية» ١ / ٤٤٧ ، وابن حجر في وتبصير المنتبه» ١ / ٢٩٠ ، وابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» ٤ / ١٣٧ ، والزبيدي شارح «القاموس» في تاج العروس» ٩ / ١٨٨ ، في مادة حسين ، والعراقي في «شرح ألفيته» ٣ / ١٢٠ ، والسيوطي في «طبقات الحفاظ» ص ٣٢٩ ، وبهامش «شرح ألفيته العراقي ، والتبصرة والتذكرة» ٣ / ١٢٠ ، والداودي في «طيقات المفسرين» ١ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، حاجي خليفة في «كشف الظنون» ٢ / ١٤٠٦ ـ ١٤٠٧ ، وابن العماد في «شذرات الذهب» ٣ / ٩٦ ، والكتاني في «الرسالة المستطرفة» ص ٣٨ ، وعمر رضا كحاله في «معجم المؤلفين» ٦ / ١١٤ ، والبغدادي في «هدية العارفين «١ / ٤٤٧ ، والزرگلي في «الأعلام» ٤ / ٢٦٤ ، ويوسف العش في «فهرس المخطوطات الظاهرية ص ١٦٥ ، وسيد في «فهرس المخطوطات المصورة» ٢ / ٦٧ و ١٠١ ، وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي ١ / ٣٤٧ ، وفؤاد سزكين في «تاريخ التراث العربي» ١ / ٤٩٦.

٦٣

الوزان ، المعروف بأبي الشيخ الحافظ (١).

الحيّاني نسبة إلى جده (٢).

وأبو الشيخ لقب له ، فقال ابن الصلاح في النوع الثالث الذين لقبوا بالكنى ، ولهم غير ذلك كنى وأسماء : مثاله أبو الشيخ الأصبهاني ، كنيته أبو محمد ، وأبو الشيخ لقب (٣).

وقال العراقي في ألفيته :

ثم كنى الألقاب والتعدد

نحو أبي الشيخ أبي محمد

فقال السخاوي : فهو لقب للحافظ الشهير عبد الله بن محمد بن جعفر الأصبهاني(٤).

أما وجه تلقيبه بهذا اللقب ، فلم تذكره المصادر ، فلعله لشهرته أو لكبر سنه فإنه عاش ٩٥ ، وقيل : ٩٦ سنة ، والله أعلم.

__________________

(١) انظر «أخبار أصبهان» لأبي نعيم ٢ / ٩٠ ، و «الأنسبا» للسمعاني ٢ / ٣٢٢ ، و «تذكرة الحفاظ» ٣ / ٩٤٥ ، «وسير النبلاء» ١٦ / ٢٧٦ ، و «تاج العروس» ٩ / ١٨٨ ، وفي «هدية العارفين» ١ / ٤٤٧ زيادة الوزان بعد كنيته.

(٢) الحياني : بفتح الحاء المهملة ، وتشديد الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ، وفي آخرها النون ، نسبة إلى جده حيان المذكور.

السمعاني المصدر السابق ، والذهبي : «المشتبه» ١ / ١٢٩ ، و «تبصير المنتبه» ١ / ٢٩٠ لابن حجر.

(٣) انظر : «مقدمة ابن الصلاح مع محاسن الاصطلاح» ص ٥١٢.

(٤) انظر : «ألفية العراقي مع التبصرة والتذكرة» ٣ / ١١٥.

انظر «فتح المغيث» ٣ / ٢٠٣.

٦٤

ولادته ونشأته :

ولد أبو الشيخ الحافظ قبل بداية الربع الأخير من القرن الثالث الهجري سنة ٢٧٤ ه‍ (١) في أزهى عصور السنة وأسعدها ، وفيه ازدهر الحديث وعلومه ، وبلغ الذروة ، وبدأت الحركة العلمية الواسعة في تدوين الحديث وعلومه حفظا له ودفاعا عنه ، حتى تميز الصحيح منه عن غيره ، وبذلك حق هذا القرن بأن يسمى القرن الذهبي لخدمة السّنّة وتدوينها ، ففتح أبو الشيخ عينيه في الجزء الأخير من هذا القرن في بيئة علمية مليئة بالمحدثين وآثارهم ، ألا وهي مدينة أصفهان ، وليست هي وحدها ، بل كانت ـ مدن المشرق خاصة ـ معظمها من المراكز الرئيسية لرواية الحديث ، ولا سيما منطقة خراسان الواسعة التي كانت تشمل على : بست ، وهرات ، ونسا ، وبلخ ، وبخارى ، وسمرقند ، ومرو ، وجرجان ، ونيسابور ، وأضف إلى ذلك : الرّيّ ، وطوس ، وغيرها ، فكانت هذه المدن دار الآثار ، وكان لأهلها اليد الطولى في تدوين الحديث وعلومه ، بل فاقوا وسبقوا غيرهم في جميع العالم الإسلامي بلا استثناء في القرن المذكور.

فلو استعرضنا المدونات في الحديث وعلومه ، لرأينا أن معظم كتب السنة وكتب الرجال يعود الفضل في تأليفها إلى علماء هذه المناطق.

فصحيحا البخاري ومسلم ـ وهما أصح الكتب بعد كتاب الله ـ والسنن الأربعة ، وصحيحا ابن خزيمة وابن حبان ، ومعاجم الطبراني وغير ذلك من الكتب من آثار أولئك الجهابذة العلماء ، وفي هذا دليل واضح على سعة ثقافتهم العلمية التي انتشرت وعمّت في تلك البلاد ، ولم يتوقف نشاطها العلمي ، بل اقتفى الخلف آثار السلف في القرن الذي يليه ، وذلك لأنّ الجو كان معدّا ومهيّئا لتلقي العلوم ، وبالأخصّ سماع الحديث. فمنهم أبو الشيخ الذي سيتبع هذه الآثار ، وفي هذا الجو العلمي يولد أبو الشيخ ، فيولد ويستقبل عصر العلم وقرن تدوين الحديث الذهبي ، الذي يسهل له طلب العلم ، ويشوقه ويساعده فيما

__________________

(١) انظر «مختصر طبقات علماء الحديث» لابن عبد الهادي ٣٢٤ / ٢ ، و «تذكرة الحفاظ» ٣ / ٩٤٥ ، «وسير النبلاء» ٢١٥ / ١٠ ، و «طبقات المفسرين» للداودي ١ / ٢٤٠.

٦٥

بعد ، وبالإضافة إلى ذلك ، هناك بواعث أخرى لإقباله على طلب العلوم والحديث بالأخص ، وهو أنه يتربى في بيت علم وبيئة علمية عريقة ، فوالده عالم محدث ، وكان عنده كتب الحسين بن حفص ، و «مسند يونس بن حبيب» ، وعنده الحديث ـ عن أحمد بن يونس ، وأحمد بن عاصم ، وعامة الأصبهانيين (١) ، فهذا كله يدفعه لعنايته بالحديث.

وكذا جده من قبل أمه ، محمود بن الفرج ، وخاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن الفرج ، من العلماء المحدثين ، وأبو عبد الرحمن من المكثرين رويا عن الأصبهانيين وغيرهم(٢).

فمن الطبيعي إذا ـ بعد أن ينشأ في أسرة علمية ـ أن يعتنقه الشوق والرغبة ، ويرافقه الجد في طلب العلم ، وهو صغير جدا ، فيذكر لنا الذهبي أنه «طلب الحديث من الصغر ، واعتنى به الجد ، فسمع من جده محمود بن الفرج الزاهد» (٣).

وسمع إسحاق بن إسماعيل الرملي في سنة ٢٨٤ ه‍ ، أي حين لم يتجاوز سنه عشر سنوات (٤).

وليس هذا أول سماعه في هذه السنة ، بل سمع قبله من إبراهيم بن سعدان ، وأبي بكر بن أبي عاصم وآخرين في طبقتهما (٥).

فلا شك أن الفضل في نبوغه هذا يعود إلى والده أيضا ، حيث كان يعتني به كثيرا ، ويهتم في إحضاره مجالس العلماء المحدثين ، فكان كثيرا يختلف مع والده في مجالسهم حرصا منهم على حصول الحديث ، كما يذكر لنا هو بنفسه في ترجمة حاتم بن عبد الله النمري ، أنه لم يسمع منه ، ولكن لقي شيخا يقال

__________________

(١) انظر «طبقات المحدثين» ٢٩٩ / ٣ للمؤلف ، «وأخبار أصبهان» ٢ / ٢٧١ لأبي نعيم.

(٢) انظر نفس المصدرين السابقين ٢١١ / ٣ ، ٢ / ٧٤.

(٣) انظر «سير النبلاء» ٢١٥ / ١٠ ، و «النجوم الزاهرة» ٤ / ١٣٦ لابن تغري بردي.

(٤) انظر «سير النبلاء» ٢١٥ / ١٠.

(٥) انظر «العبر في خبر من غبر» ٢ / ٣٥١ للذهبي ، و «شذرات الذهب» ٣ / ٦٩ لابن العماد.

٦٦

له موسى بن خازم ، وكان عنده جزء عنه ، فصرت إليه غير مرة مع والدي ، فلم يخرج إلينا كتابه (١).

فهذه القصة تعطينا نموذجا عن شدة حرصهما في طلب الحديث.

وهكذا ذكر في ترجمة الحسن بن محمد بن بوية : سمعته يحدث ، وكان صديق والدي ، وكنا نختلف إليه الكثير (٢).

وكذا قال في ترجمة محمد بن يوسف بن معدان الثقفي الذي توفي سنة ٢٨٦ ه‍ : زرته مع والدي مرارا كثيرة (٣).

ومثل هذا كثير في كتابه «الطبقات» ، وما ذكرته للنموذج فقط.

وكذا كان ممن شجع أبا الشيخ لأخذ الحديث ، هو أن رئيس أصفهان محمد بن عبد الله بن الحسن الهمداني في وقته ، كان من المحدثين ، يعتني بالحديث ، فيثق به أبو الشيخ ، ويحدث عنه (٤).

وكذا كان لعامل أصفهان أبي علي أحمد بن محمد بن رستم سهم في تشجيع المحدثين ، فيكرمهم ويحسن إليهم ، كما فعل مع الطبراني عند قدمته الثانية ٣١٠ ه‍ بأصفهان ، فسهل له البقاء بها ، بتعيين معونة معلومة من دار الخراج ، فكان يقبضه إلى حين وفاته بها(٥).

رحلاته :

كان أبو الشيخ يتلقى العلوم ـ وبالأخص الحديث ـ من مشايخ بلده والقادمين إليه ـ وهم كثيرون ـ لما كان لأصبهان من مكانة علمية مرموقة ، بحيث

__________________

(١) انظر «طبقات المحدثين» للمؤلف ت رقم ١٤٣.

(٢) انظر نفس المصدر للمؤلف ت ٢٢٠.

(٣) انظر نفس المصدر السابق ٢٢٠ / ٣ من أه.

(٤) انظر «سير النبلاء» ٢١٥ / ١٠.

(٥) المصدر السابق ٣٤٧ / ١٠.

٦٧

صارت مقصد القاصي والداني ، ولا سيما بعد ما استوطنها عدد من كبار الحفاظ المحدثين(١).

حتى أثرت رحلة بعض الحفاظ إليها ، وصيرتها دار هجرة ، كما ذكر لنا أبو النعمان عارم ، بعد ما أخبر بعودة أبي حفص الفلاسي من أصبهان ، فقال : «وقدم أبو حفص من أصبهان ، وحمل خمسة آلاف درهم ، فقال : هاجر أبو داود ـ الطيالسي ـ إلى أصبهان ، وصيرها دار هجرة» (٢).

وقال السخاوي : «كانت أصفهان تضاهي بغداد في العلو والكثرة» (٣).

فصارت حقا دار هجرة للعلماء ، ومحط نشاطهم ، حتى أقبل بعض الرؤساء والعمال يتنشطون ، إما في تلقي الحديث أو إكرام المحدثين.

فهذا رئيس أصفهان ، محمد بن عبد الله بن الحسن بن حفص الهمداني من المحدثين الذين اطمأنّ إليهم أبو الشيخ ، فتلقى منهم الحديث ، وروى عنهم (٤).

وهذا عامل أصفهان ، أبو علي أحمد بن محمد بن رستم ، شغفه حب العلماء ، فيستقبل الطبراني عند قدومه المرة الثانية سنة ٣١٠ ه‍ ويسهل له البقاء بأصبهان ، فيكرمه بتعيين معونة معلومة يقبضها من دار الخراج ، وتستمر حتى حين وفاته بها (٥).

وهذا الذي ذكرناه من نشاط التحديث والرواية بأصبهان ، قرب له الحصول ، فهو يبذل جهده في طلب الحديث من علماء بلده أولا ، وهذا هو

__________________

(١) مثل أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي ، والطبراني ، وغيرهما. انظر ما تقدم من تفصيل في مبحث مكانة أصفهان العلمية.

(٢) انظر «طبقات المؤلف أبي الشيخ» ١١٠ ، ١١٩ / ٢.

(٣) انظر «الإعلان بالتوبيخ» ص ١٤٣.

(٤) انظر «سير النبلاء» ٢١٥ / ١٠ للذهبي.

(٥) الذهبي : «سير النبلاء» ٣٤٧ / ١٠.

٦٨

دأب المحدثين السلف ، فيرون من الضروري أن يتلقى الطالب أولا من علماء بلده ، لقربهم ومعرفته بهم (١).

ولذا ، اعتبر صالح بن أحمد التميمي الحافظ ـ صاحب «طبقات الهمذانيين» ـ التعرف على شيوخ البلدة ومروياتهم ، من أول ما تجب معرفته على طالب الحديث في ذلك البلد (٢).

فاستجاب محدثنا لهذا ، فأكب على سماع الحديث والتلقي من مشايخ بلده وعمره لم يتجاوز عشر سنوات ، واستمر على هذا إلى أن قضى عمره ستا وعشرين سنة في بلده ، وهو يتجول مع والده ويختلف معه في طلب الحديث ، حتى رأى أنه حصّل أكثر ما في بلده ، وقد حان وقت رحلته ، فيبدأ رحلته في ازدياد العلم ، والتعرف على علماء غير بلده ، وذلك في حدود الثلاث مئة عندما يكون عمره ٢٦ سنة ، فيرحل إلى البلاد المشهورة بالعلماء المعنية بهذا الشأن : قريبها وبعيدها ، نحو : الريّ ، والأهواز ، والعراق ، والبصرة ، والموصل ، وواسط ، وبغداد ، وحران ، وبلاد الحجاز (٣).

قال الذهبي : «ورحل في حدود الثلاث مئة ، وروى عن أبي خليفة الجمحيّ وأمثاله بالموصل وحران والحجاز والعراق» (٤).

وقال الذهبي أيضا ، وهو يعد جملة من شيوخه الذين سمع منهم في جولاته ورحلاته : «وسمع في ارتحاله من خلق كثير ... إلى أن قال في الآخر : وأمم سواهم (٥)».

وهذا العدد الكبير من مشايخه مما يكبر شأنه ، وقد ذكر المؤلف نفسه ما

__________________

(١) انظر «تاريخ بغداد» ١ / ٢١٤.

(٢) اكرم ضياء العمري : «موارد الخطيب» ص ٢٦٠ ، نقلا عن المصدر السابق للخطيب.

(٣) انظر مبحث شيوخه.

(٤) انظر : «العبر في خبر من غبر» ٢ / ٣٥١ ، و «شذرات الذهب» ٣ / ٦٩ ، لابن العماد الحنبلي.

(٥) انظر «سير النبلاء» ٢١٥ / ١٠ ، وسيأتي ذكرهم بالتفصيل في مبحث شيوخه.

٦٩

استفاد في بعض رحلاته ، فقال : «رأيت هذا الحديث في فوائد أبي بكر البرديجي ببغداد»(١).

وقد كان بعض علماء بغداد يستفيدون منه ، فيسألونه عن أشخاص من المحدثين لا علم لهم بهم ، كما ذكر أبو الشيخ نفسه ، وأبو نعيم نقلا عنه ، فقال : سألني عنه ـ أي عن محمد بن العباس بن أيوب الاخرم ـ ببغداد هشيم الدوري ، وقاسم المطرز ، والبرديجي(٢).

وذكر أبو نعيم أيضا في ترجمة محمد بن الحسن بن علي بن معاذ ، أنه كان جارنا ، صحب أبا محمد بن حيان أبا الشيخ ، وخرج معه إلى الريّ (٣).

وذكر الذهبي عن أبي بكر بن علي أنه قال : «كان ابن المقرىء ـ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني ـ يقول : كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ بالمدينة المنورة ، فضاق بنا الوقت ، فواصلنا ذلك اليوم ، فلما كان وقت العشاء ، حضرت القبر ، وشكوت إلى الله الجوع ، فقال لي الطبراني : اجلس. إما أن يكون الرزق أو الموت ، فقمت أنا وأبو الشيخ ، فحضر الباب علوي ، ففتحنا له ، فإذا معه غلامان بقفتين فيهما شيء كثير ، وقال : شكوتموني إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رأيته في النوم ، فأمرني بحمل شيء إليكم» (٤).

فهذه القصة تخبرنا عن رحلته إلى الحجاز ، ويمكننا أيضا أن نستنبط منها أن أبا الشيخ كان يرافق في رحلاته كبار الحفاظ المحدثين مما يساعدوه في مذاكرة الحديث (٥).

__________________

(١) انظر : «طبقات المحدثين» للمؤلف ١٨٢ / ٣ من أ. ه ...

(٢) انظر «طبقات المحدثين» للمؤلف ٢٢٢ / ٣ ، و «أخبار أصفهان» لأبي نعيم ص ٢ / ٢٢٤.

(٣) انظر المصدر السابق لأبي نعيم ٢ / ٢٩٣.

(٤) «تذكرة الحفاظ» ٣ / ٩٧٣ ببعض التصرف.

(٥) كالطبراني الذي سمع منه أربعين ألف حديث ، وابن المقري الذي سمع من نحو خمسين مدينة ، وكان من أقرانه. أنظر مبحث ثقافته الآتي بعد قليل.

٧٠

ثقافته ونبوغه :

كان أبو الشيخ عالما ، حافظا ، وسيع العلم ، غزير الحفظ ، ذا ثقافة واسعة ، وشهد على ذلك كبار العلماء الحفاظ ، وهو صاحب المصنفات الكثيرة السائرة ، فقال ابن عبد الهادي : «حافظ أصبهان ، ومسند زمانه الإمام صاحب المصنفات ... كتب العالي والنازل ، وكان واسع العلم» (١).

وقال الذهبي : «كان مع سعة علمه وغزارة حفظه ، أحد الأعلام ، لقي الكبار»(٢). وكذا وصفه السيوطي (٣).

فقد ساعده في نبوغه وثقافته : أولا : اعتناء والده به كما ذكرت ، وثانيا : كثرة العلماء في بلده ، واستمرار العلماء القادمين إليه ، وثالثا : رحلته إلى البلدان المشهورة العلمية ، فلو نظرنا إلى كثرة شيوخه الذين أحصاهم في معجمه وطبقاته ، لرأينا فيهم المحدثين ، والقراء ، والمفسرين ، والفقهاء ، والمؤرخين ، وإن كان معظمهم من المحدثين ، ومنهم المشاهير والحفاظ (٤).

فكان يتثقف على أيدي هؤلاء المشاهير وغيرهم من المفسرين والمؤرخين من مشايخه ، مع عناية واهتمام كامل من والده ، حتى نبغ هذا النبوغ في التفسير والحديث والتاريخ ، ومصنفاته السائرة في مختلف الفنون تحدد لنا مدى ثقافته وعلومه ، وما نبغ فيه ، كما تبيّن تقدّمه وتمكّنه في التفسير والحديث والتاريخ.

وإليكم مجملا عن ثقافته في العلوم المختلفة ، فأبدأ بثقافته في التفسير ثم الحديث وعلومه ، والفقه ، ثم التاريخ.

فأقول :

أبو الشيخ والتفسير :

وقد نبغ أبو الشيخ وبرز في خدمة القرآن ، كخدمته للسنة والتاريخ ، فها

__________________

(١) انظر «مختصر طبقات علماء الحديث» ٣٢٤ / ٢.

(٢) انظر «تذكرة الحفاظ» ٣ / ٩٤٥.

(٣) انظر «طبقات الحفاظ» ص ٣٢٩.

(٤) انظر مبحث شيوخه.

٧١

هو لم ينس قسم التفسير في كتابه «الطبقات» المختصة بالرجال ، حيث أدخل فيه قسما من الآيات وتفسيرها (١).

وأكبر شاهد على ذلك : اهتمامه البالغ في التفسير ، حتى بلغ إلى حد استطاع أن يقوم بتفسير القرآن في مصنف خاص ، فبذلك استحق أن يترجم له الداودي في «طبقات المفسرين» (٢).

وكتابه «التفسير» دليل واضح على سعة علمه في التفسير ، فهذا الكتاب وإن كان مفقودا إلّا أن النقول عنه في متون الكتب موجودة (٣) ، وبالأخص «الدر المنثور» ، حيث لا تخلو صفحة منه في الغالب من النقول عن أبي الشيخ ، وهو ينهج نهج المحدثين في عزو الأقوال والآثار ، ويسوقها بالسند.

أبو الشيخ وعلم القراءات :

فقد عني أبو الشيخ بعلم القراءات والتجويد ، حتى صار عالما فيه وراويا له ، فمن هنا أدخله الجزري في «طبقات القراء» ، فقال :

«إنه روى القراءة عن أبي حامد أحمد بن محمد بن الصباح الخزاعي ، وروى القراءة عنه أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني» (٤).

قلت : وبالإضافة إلى ذلك ، فقد تتلمذ على شيوخ آخرين من القراء الكبار ، فمنهم محمد بن عبد الله بن مصعب الخطيب ، وصفه المؤلف بقوله : «كان من القراء الكبار ، يؤم في مسجد الجامع ـ أي بأصبهان ، حسن الصوت بالقرآن» (٥). وهو من شيوخه.

كما تتلمذ عليه عدد من كبار العلماء القراء (٦).

__________________

(١) انظر فهرس الآيات المفسرة.

(٢) انظر ١ / ٢٤٠.

(٣) ونقل عن تفسيره ابن حجر في «الإصابة» أيضا ١ / ١٣٩.

(٤) انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» ١ / ٤٤٧.

(٥) انظر «طبقات المحدثين» للمؤلف ٢١٨ / ٣.

(٦) انظر مبحث شيوخه وتلاميذه.

٧٢

أبو الشيخ والحديث :

تقدم أن عرفنا في نشأة أبي الشيخ أنه أخذه الشوق والجد لسماع الحديث وهو صغير لم يتجاوز عمره عشر سنوات ، وبدأ رحلته مبكرا في طلب الحديث ، وكان عمره إذ ذاك ٢٦ سنة ، وكتب العالي والنازل ، وصنف المصنفات العديدة في الحديث والرجال ، وبرز ونبغ ولقي الكبار من المحدثين وغيرهم من العلماء.

فكتابه «السنن» ، من أكبر مؤلفاته في الحديث ، قال الذهبي عنه : وكتابه «السنن» في عدة مجلدات. وكتاب «الثواب للأعمال الزكية» في خمس مجلدات (١) ، وكذا كتاب «خطب النبي» ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وكتاب «الأدب» ، «وكتاب أخلاق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وآدابه». وغير ذلك من مؤلفاته في الرجال ، نحو كتابنا هذا ، و «معجم الشيوخ وروايات الأقران بعضهم عن بعض» (٢) ، وبالإضافة إلى ذلك ، فقد سمع عن بعض مشايخه وأكثر في الأخذ ، كما ذكر الذهبي قول سليمان بن إبراهيم الحافظ أنه قال :

قال أبو أحمد العسال ـ محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي ـ : «إذا سمعت من الطبراني عشرين ألف حديث ، وسمع منه أبو إسحاق بن حمزة ثلاثين ألفا وسمع منه أبو الشيخ أربعين ألفا كملنا» (٣) ، قال الذهبي : «هؤلاء كانوا شيوخ أصبهان مع الطبراني».

ومما يدل على سعة علم أبي الشيخ في الحديث ، هو أنه يحكم كثيرا على الحديث بأنه لا يروى إلا بهذا الإسناد ، أو يذكر الراوي ، ويقول : له حديث لم يحدث به غيره (٤) ، فمثل هذا الحكم لا يمكن أن يصدر إلا من عالم محدث حافظ ، وسيع العلم بطرق الأحاديث ورواتها.

__________________

(١) انظر «سير النبلاء» ١٢٥ / ١٠.

(٢) انظر مبحث آثار المؤلف.

(٣) انظر «سير النبلاء» ٣٤٧ / ١٠.

(٤) انظر ت ١٩ ح ٣٤ وت ٢٤ ح ٣٧ ، ت ٢٣ ، ت ١٢ ح ٢٧ من «طبقات المؤلف» ، وغير ذلك كثير ، وسيأتي بتفصيل أكثر عند مبحث منهج المؤلف في كتابه «الطبقات».

٧٣

أبو الشيخ والمصطلح :

وكان أبو الشيخ ممن له رأي في المصطلح ، ويعتمد عليه فيها ، وينقل في كتب القواعد الحديثية رأيه ، بل كتابه «الأقران ورواية بعضهم عن بعض» الأكابر عن الأصاغر وبالعكس ، وكتاب «العوالي» ، وكتابه «الناسخ والمنسوخ من الحديث» ، وكتابه «الإجازة» (١) من باب المصطلح أيضا. كل هذه الكتب خير دليل على كونه عالما بالقواعد وحافظا لها.

فمن هنا نرى الخطيب ينقل مسلكه في الإجازة نقلا عن شيخه أبي نعيم الحافظ ، وتلميذ أبي الشيخ ، فقال : «قال أبو نعيم : ما أدركت أحدا من شيوخنا إلا وهو يرى الإجازة ويستعملها ، سوى أبي الشيخ ، فإنه لا يعدها شيئا» (٢).

وكذا نقل عنه ابن الصلاح مسلكه في الإجازة ، فقال : «قال بإبطالها جماعة من الشافعية ومن الحنفية .. ، وممن أبطلها من أهل الحديث الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي ، وأبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني الملقب بأبي الشيخ ، والسجزي» (٣).

وكذا قال العراقي في ألفيته (٤) :

مذهب القاضي الحسين منعا

وصاحب الحاوي به قد قطعا

وعن أبي الشيخ مع الحربي

إبطالها كذاك للسجزي

هكذا نقلت عنه المصادر رأيه في الإجازة ، وقد روى في طبقاته بالإجازة (٥) ، ولعل ذلك كان في بدء طلبه. والله أعلم.

__________________

(١) انظر قائمة مؤلفاته وآثاره.

(٢) انظر «الكفاية في علم الرواية» : ص ٣١٣ للخطيب.

(٣) انظر «مقدمة ابن الصلاح مع محاسن الاصطلاح» ص ٢٦٣.

(٤) انظر «ألفيته مع شرحه التبصرة والتذكرة» ٢ / ٦٠.

(٥) انظر ت ١٣ ح ٣٠ ، فقال : فيما كتب إلي محمد بن عبدان إجازة. وكذا ذكر في ت ١٦ ح ٣٢ ومواضع.

٧٤

أبو الشيخ وعلو الإسناد :

لا شك أن لعلو السند أهمية كبيرة ، حتى كان أحد أسباب رحلة المحدثين سماع الحديث عاليا.

يذكر أستاذنا الدكتور أكرم ضياء العمري أن «في جيل التابعين يبرز عامل جديد يحفز طلاب الحديث إلى الرحلة ، ذلك هو طلب الإسناد العالي ، فهو أخصر طرق الحديث المتصلة» (١) ، وقد ضرب أمثلة لرحلات عدد من المحدثين في هذا الشأن (٢).

والذي نحن بصدده هو علو إسناد المؤلف ، وليس هذا من خصائص المؤلف فقط ، بل هو ميزة معظم محدثي ذاك الزمان ، وبالأخص أهل أصبهان ، لأن أعمار أهلها تطول. ولنستمع إلى ما ذكره ياقوت ، فقال : «قد خرج من أصبهان العلماء والأئمة في كل فن ما لم يخرج من مدينة من المدن ، وعلى الخصوص علو الإسناد ، فإنّ أعمار أهلها تطول» (٣).

بل وقد اشتهر وبلغ أبو نعيم التلميذ البارز للمؤلف والمكثر عنه إلى حد في علو الإسناد ، وصفه المحدثون ـ فيما ذكره حمزة بن العباس العلوي ـ بأن أصحاب الحديث كانوا يقولون : «بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير ، لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ، ولا أحفظ منه» (٤).

فأبو الشيخ كذلك ، يحظى بعلو الإسناد ، ذلك لأنه بكّر في سماع الحديث ، فلقي الكبار ، وعاش ٩٦ سنة ، فتهيأ له من ذلك كتابة العالي والنازل ، واللقيا ، كما ذكر ابن عبد الهادي والذهبي أنه «كتب العالي والنازل ، ولقي الكبار» (٥).

__________________

(١) انظر «بحوث في تاريخ السنة المشرفة» ص ٢١٠.

(٢) انظر نفس المصدر ٢١١ ـ ٢١٢.

(٣) انظر «معجم البلدان» ١ / ٢٠٦ ـ ٢١٠.

(٤) انظر «طبقات الشافعية الكبرى» ٤ / ٢١ ، و «تذكرة الحفاظ» ٣ / ١٠٩٤.

(٥) انظر «مختصر طبقات علماء الحديث» ٣٢٤ / ٢ ، و «تذكرة الحفاظ» ٣ / ٩٤٥.

٧٥

فبذلك يوجد في كتابه «الطبقات» (١) الرباعيات ، مما يدل على غاية العلو بالنسبة إليه.

هذا بالإضافة إلى تأليف خاصّ باسم «عوالي أبي الشيخ» الذي يدل على علو إسناده ، وهو دليل واضح على ما ذكرناه (٢).

أبو الشيخ والنقد (٣) :

لم يكن أبو الشيخ راويا بحتا ومحدثا يسند الحديث ويطلقه ، بل كان ناقدا بصيرا في الرجال. وعلل الحديث ، ولا يتمكن في هذا الفن إلا الأذكياء الحفاظ المهرة بطرق الحديث وأحوال الرجال ، وكان أبو الشيخ منهم ، واستطاع أن يدخل في هذا الميدان بجدارة ، ويحكم على الحديث ، ويبين العلل فيه ، وينقد الرجال. وكتابه «الطبقات» المختص بالرجال ، برزت فيه هذه الجوانب بوضوح تام ، وأذكر نموذجا لبعض أقواله في نقد الرّجال وعلل الحديث من كتابه «الطبقات».

حسب ما ذكرت أن أبا الشيخ واحد من النقاد الذين يؤخذ بقولهم ، ويوثق بهم ، فلقد انتشرت أقواله في كتب نقد الرجال (٤).

وها أنا أذكر نموذجا من أقواله من كتابه «الطبقات» (٥) في التوثيق والتضعيف أولا ، ونقد الحديث ثانيا.

__________________

(١) انظر ت ١١ ح ٢٥ ، ح ٢٦ ، ت ٣٢ ح ٤٥ وكذا ح ٤٨ ، ٤٩ حيث رواها بأربع وسائط.

(٢) انظر قائمة مؤلفاته.

(٣) احب أن أذكر طبقته في النقد حسب ما ذكره السخاوي ، وقد جعل النقاد ست طبقات ، وذكر أبا الشيخ في الطبقة السادسه ، وبدأ هذه الطبقة بعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وختمها بالدارقطني ، وقال : وبه ختم معرفة العلل ، وأبو الشيخ هو الشخص العاشر من النقاد في هذه الطبقة. أنظر «الإعلان بالتوبيخ» ص ١٦٥ ، وكذا ذكره السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» ١ / ٣١٧.

(٤) انظر مبحث استفادة العلماء من كتابه «الطبقات».

(٥) وسيأتي التفصيل عند بيان منهج المؤلف إن شاء الله.

٧٦

أقواله في التوثيق والتجريح :

ألفاظه في التوثيق :

«كان ثبتا متقنا صدوقا». قاله في العباس بن حمدان الحنفي ٢٤٥ / ٣.

«كان ثبتا متقنا». قاله في علي بن رستم بن علي ٢٤٣ / ٢.

«شيخ ثقة صدوق». قاله في عامر بن عقبة بن خالد ٢٤٢ / ٣.

«كان ثقة صدوقا». قاله في عبد الله بن سندة بن الوليد ٢٣٨ / ٢.

«شيخ ثقة». قاله في القاسم بن فورك ٢٤٥ / ٣ وفي آخرين كثيرين.

«ثقة مأمون صاحب أصول». قاله في الفضل بن العباس بن مهران ٢٤١ / ٣.

«كان شيخا ثقة صاحب كتاب». قاله في مسلم بن عصام بن مسلم ٢٣٤ / ٣.

«كان صحيح الحديث ، صاحب معرفة» «كان حسن الحديث كثير الحديث» قاله في علي بن الحسن بن مسلم ٢٤١ / ٣.

«صحيح الكتب والسماع». قاله في عبد الرحمن بن الحسن بن موسى ٢٤٠ / ٣.

«كان مقبول القول». قاله في عبد الرحمن بن محمد بن سالم ٢٣٩ / ٢.

«شيخ جليل ، كثير الحديث» قاله في عبد الله بن أحمد بن أسيد ٢٣٧ / ٣.

«كان مقبول القول ، له محل كبير» ـ قاله في عبد الله بن محمد بن الحسن ٢٣٦ / ٣.

«من عباد الله الصالحين». قاله في عبد الله بن عبد السلام أبي أحمد ٢٣٥ / ٣.

٧٧

«من الحفاظ الكبار متقدما في الحفظ» قاله في محمد بن العباس الأخرم ٢٢٢ / ٣.

وكذا يقول : «كان خيرا فاضلا أو كان إمام أهل زمانه ، أو صدوق ، أحد الواعين» (١).

ألفاظه في الجرح :

«ضعيف ، كانوا يضعفونه ، منكر الحديث ، كان يرمى بالإرجاء ، ولم يكن بالقوي في حديثه» قاله في محمد بن أحمد بن يزيد الزهري ٢٤١ / ٣.

«ليس بالقوي ، وغرائب حديثه تكثر ، وله مناكير عن الثقات ، متروك الحديث ، وكان يحدث بالبواطل متروك الحديث» (٢).

أما نموذج النقد في الحديث فهو كالآتي :

فقد ذكر في ت ٨٣ حديث «لا يغرنكم من سحوركم ...» بسنده : عن غياث ، عن عبيد الله بن عمر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .. فقال : هكذا رواه ، وهو عند الناس ، عن عبيد الله ، عن نافع (بدل ابن دينار) ، عن ابن عمرو ، عن القاسم ، عن عائشة (٣).

وقد يصرح بالخطأ ويعقبه بالصواب ، كما فعل في حديث رواه عبد الوهاب بن المندلث ، أن هذا خطأ ، والصواب ما حدثنا محمد بن عبد الله بن رسته ، فساقه به (٤).

وكذا صرح في حديث رواه عبيد الله عن عطاء ، فقال : والصواب عبد الملك ، عن عطاء (٥).

__________________

(١) انظر ترجمة محمد بن يعلى زنبور ، وترجمة رقم ١٣٦ ، وترجمة رقم ١٤٥ ، وترجمة رقم ٨١ ، وترجمة أحمد بن الخليل ٣٠٣ / ٣.

(٢) انظر ت ٣٥ ، ت ٢٠٤ من «الطبقات».

(٣) انظر ت ٨٣ عبد الرحمن بن عمر رسته.

(٤) انظر ت ٢٣٥ ومن المخطوط ١٥٣ / ٢.

(٥) انظر ت ١٥٣ / ٢.

٧٨

وكذا بين علة حديث رواه محمد بن أبان ، عن سفيان ، عن أبي نضرة ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد ، فقال : «هكذا رواه ، وهو عند الناس عن سفيان عن أبي هارون ، عن أبي سعيد ، يعني بدون واسطة أبي نضرة» (١).

وقد يبين غرابة الحديث من الراوي ، كما قال في حديث رواه حمزة الزيات : «هذا حديث غريب من حديث حمزة الزيات» (٢).

وقد يبين تفرد الراوي ومخالفته الناس عما رووه ، فذكر حديث «ولكن لحوقا بي» ، عن المترجم له من طريق إسماعيل ، عن الشعبي ، وقال : «وهو تفرد في روايته عن إسماعيل ، عن الشعبي» ، ورواه الناس عن مجالد عن الشعبي (٣).

وقد يبين تفرد الراوي برفع الحديث ، كما ذكر في حديث رواه محمد بن معاوية ، عن وبرة ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال :

«هكذا رواه ورفعه ، ورواه الناس عن عبد الله بن مسعود من قوله ـ يعني موقوفا»(٤).

وقد يسوق للحديث طريقين ، ويذكر بأن الطريق الأول خطأ ، والصواب ما حدثنا فلان ، فيسوقه بطريق الثاني الصحيح.

كما فعل في حديث ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، فقال في الأول : هو خطأ ، والصحيح ما حدثنا ... (٥).

وكذا صرح ببيان الخطأ والصواب بعد ما ساق حديثا من طريقين ، فقال : «هذا هو الصحيح ، وحديث عامر عن يعقوب القمي خطأ» (٦).

ومثل هذا كثير (٧) ، وفيما ذكرته كفاية للنموذج في نقده.

__________________

(١) انظر ت ٨٥ ح ١٠٤ من «الطبقات» ، وكذا انظر ت ١٠٢ حيث ذكر علة نحو المذكور.

(٢) انظر ت ١٠٠ ح ١٣٥.

(٣) انظر ت ١٤٠ ح ١٨٤.

(٤) انظر ت ١٤١.

(٥) انظر ت ٢٣٥.

(٦) انظر ت ٣٦.

(٧) انظر حديث ٥٢ ، ٥٣ وغير ذلك.

٧٩

أبو الشيخ والفقه :

فلا غرو أن يكون أبو الشيخ عالما بالأحكام ، وهو محدث كبير حافظ ، وكان يصنف في الأحكام كما قال تلميذه ابن مردويه :

«صنف ... الكتب الكثيرة في الأحكام» (١). قلت : فكتابه «الأموال» ، وكتابه «السبق والرمي» ، وكتاب «الضحايا والعقيقة» ، وكتاب «الفرائض والوصايا» ، وكتاب «القطع والسرقة» ، وكتاب «السواك» ، وكتاب «النكاح» ، وغيرها من مصنفاته ، تشهد على عنايته بالأحكام الفقهية ، وتبين مقدار نصيبه في الفقه» (٢).

وقال تلميذه البارز المكثر عنه أبو نعيم الحافظ : «أحد الثقات والأعلام ، صنف الأحكام ...» (٣).

أبو الشيخ والتاريخ :

لم يكن أبو الشيخ محدثا ومفسرا فقط ، بل أخذ حظه ونصيبه الوافر من علم التاريخ أيضا ، وليس ذلك إلا لغزارة حفظه واهتمامه بالعلوم المفيدة ، فكان يحفظ الوقائع والحوادث ، ويحفظ أحوال الرجال ، فأخذ يدونها ، واستمر في ذلك فترة طويلة ، يصنف ويؤلف ، كما قال ابن المديني : «مع ما ذكر من عبادته ، كان ما يكتبه كل يوم وينتخبه كاغدا ، لأنه كان يورق ويصنف» (٤).

وكان يبذل جهدا كبيرا في الإفادة عن الشيوخ وأحوالهم ، والتصنيف فيهم ، فقد عني بهذا الشأن عناية فائقة ، فقضى في ذلك ستين سنة ، كما يقول تلميذه البارز أبو نعيم عنه:

«كان أحد الأعلام ، صنف الأحكام ، والتفسير ، وكان يفيد عن الشيوخ

__________________

(١) انظر «مختصر طبقات علماء الحديث» ٣٢٤ / ٢ ، و «سير النبلاء» ١٦ / ٢٧٨.

(٢) انظر الآثار العلمية للمؤلف.

(٣) انظر «أخبار أصبهان» ٢ / ٩٠.

(٤) انظر «سير النبلاء» ١٦ / ٢٧٨ للذهبي ، وفيه كان يكتب كل يوم ....

٨٠