الخصائص - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٣٢

وهو ذكر الحيّات ؛ فهذان فعلوت.

وأما ترقؤة فبادى أمرها أنها فائتة ؛ لكونها فعلؤة. ورويناها عن قطرب ، وذكر أنها لغة لبعض عكل. ووجه القول عليها ـ عندى ـ أن تكون ممّا همز من غير المهموز ، بمنزلة استلأمت الحجر ، واستنشأت الرائحة ـ وقد ذكرنا ذلك فى بابه ـ وأصلها ترقوة ، ثم همزت على ما قلنا.

وأما سمرطول (١) فأظنه تحريف سمرطول بمنزلة عضرفوط (٢) ، ولم نسمعه فى نثر. قال :

* على سمرطول نياف شعشع (٣) *

وإذا استكرهوا فى الشعر لإقامة الوزن خلّطوا فيه ؛ قال :

* بسبحل الدّفّين عيسجور (٤) *

أراد سبحلا ، فغيّر كما ترى. وله نظائر قد ذكرت فى باب التحريف.

وقرعبلانة كأنها قرعبل ، ولا اعتداد بالألف والنون وما بعدهما. ويدلّك على إقلالهم الحفل بهما ادّغامهم الإمدّان (٥) ؛ كما يدغم أفعل من المضاعف ؛ نحو أردّ وأشدّ ؛ ولو كانت الألف والنون معتدّة لخرج بهما المثال عن وزن الفعل فوجب إظهاره ؛ كما يظهر ما (خرج عن مثاله ؛ نحو حضض (٦) ، وسرر ، وسرر (٧). وعلى أن هذه اللفظة) لم تسمع إلا من كتاب العين. وهى ـ فيما ذكر ـ دويبّة. وفيه

__________________

(١) يقال : رجل سمرطل وسمرطول : طويل مضطرب. اللسان (سمرطل).

(٢) العضرفوط : دويبّة بيضاء ناعمة. ويقال : ذكر العظاء. واحدها العظاية قال ابن سيده : العظاية على خلقة سامّ أبرص أعيظم منها شيئا. وانظر اللسان (عضرفط) ، (عظى).

(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (سمرطل) ، وتاج العروس (سمرطل). جمل نياف : طويل السّنام. والشعشع : الطويل العنق.

(٤) الرجز للزفيان فى ديوانه ص ٩٤ ، ولسان العرب (ضخم) ، وللعجاج فى ملحق ديوانه ٢ / ٢٩٤ ، ولسان العرب (سبحل) ، وتاج العروس (سبحل).

(٥) المدّان والإمدّان : الماء الملح. اللسان (مدد).

(٦) الخضض والحضض : دواء يتخذ من أبوال الإبل ، وفيه لغات أخر ، والحضض : داء ، وقيل عصارة الصبر. والحضض : صمغ. وانظر اللسان (حضض).

(٧) هو ما على الكمأة من القشور والتراب والطين.

٤٢١

وجه آخر. وهو أن الألف والنون قد عاقبتا تاء التأنيث وجرتا مجراها. وذلك فى (حذفهم لهما) عند إرادة الجمع كما تحذف ؛ ألا تراهم قالوا فى استخلاص الواحد من الجمع بالهاء. وذلك شعير وشعيرة ، وتمر وتمرة ، وبطّ وبطّة ، وسفرجل وسفرجلة. فكذلك انتزعوا الواحد من الجمع بالألف والنون أيضا. وذلك قولهم : إنس ، فإذا أرادوا الواحد قالوا : إنسان ، وظرب ، فإذا أرادوا الواحد قالوا : ظربان ؛ قال :

* قبّحتم يا ظربا مجحّره*

وكذلك أيضا حذفوا الألف والنون لياءى الإضافة ؛ كما حذفت التاء لهما ؛ قالوا فى خراسان : خراسىّ ؛ كما يقولون فى خراشة (١) : خراشى. وكسّروا أيضا الكلمة على حذفهما ، كما يكسرونها على حذف التاء. وذلك قولهم : كروان وكروان (وشقذان (٢) وشقذان) كما قالوا : برق (٣) وبرقان ، وخرب (٤) وخربان. فنظير هذا قولهم : نعمة وأنعم ، وشدّة وأشدّ ، عند سيبويه. فهذا نظير ذئب وأذؤب ، وقطع وأقطع ، وضرس وأضرس ؛ قال:

* وقرعن نابك قرعة بالأضرس*

وقالوا أيضا : رجل كذبذب وكذبذبان ، حتى كأنهما مثال واحد ؛ كما أن دما ودمة وكوكبا وكوكبة مثال واحد. ومثله الشعشع والشعشعان ، والهزنبر والهزنبران (٥) و (الفرعل والفرعلان) (٦).

فلما تراسلت الألف والنون ، والتاء فى هذه المواضع وغيرها جرتا مجرى المتعاقبتين ، فإذا التقتا فى مثال واحد ترافعتا أحكامهما ، على ما (قدمناه فى) ترافع الأحكام. فكذلك قرعبلانة ، لمّا اجتمعت عليه التاء مع الألف والنون ترافعتا

__________________

(١) خراشة من أسماء العرب ، وأبو خراشة خفاف بن ندبة.

(٢) الشقذان : الذئب والصقر والحرباء.

(٣) هو الحمل ، وهو الصغير من أولاد الضأن.

(٤) هو ذكر الحبارى.

(٥) هو السيئ الخلق.

(٦) الفرعل والفرعلان ولد الضبع.

٤٢٢

أحكامهما ؛ فكأن لا تاء هناك ولا ألف ولا نونا ؛ فبقى الاسم على هذا كأنه قرعبل. وذلك ما أردنا بيانه. فاعرفه.

وأما عقربّان (مشدد الباء) فلك فيه أمران : إن شئت قلت : إنه لا اعتداد بالألف والنون فيه ـ على ما مضى ـ فيبقى حينئذ كأنه عقربّ ، بمنزلة قسقبّ وقسحبّ (١) وطرطبّ (٢). وإن شئت ذهبت مذهبا أصنع من هذا. وذلك أنه قد جرت الألف والنون من حيث ذكرنا فى كثير من كلامهم مجرى ما ليس موجودا على ما بينا ، وإذا كان كذلك كانت الباء لذلك كأنها حرف الإعراب ، وحرف الإعراب قد يلحقه التثقيل فى الوقف ؛ نحو هذا خالدّ ، وهو يجعل. ثم إنه قد يطلق ويقرّ) تثقيله عليه ؛ نحو الأضخمّا (٣) ، وعيهلّ (٤). لكأن عقربّانا لذلك عقرب ، ثم لحقها التثقيل لتصوّر معنى الوقف عليها عند اعتقاد حذف الألف والنون من بعدها ، فصارت كأنها عقربّ ، ثم لحقتها الألف والنون فبقى على تثقيله ، كما بقى (الأضخما) عند إطلاقه على تثقيله إذا أجرى الوصل مجرى الوقف ، فقيل : عقربّان ؛ على ما شرحنا وأوضحنا ، فتأمله ولا (يجف عليك) ولا تنب عنه ؛ فإن له نظيرا ، بل نظراء ؛ ألا تراهم قالوا فى الواحد : سيد (٥) ، فإذا أرادوا الواحدة قالوا سيدانة ، فألحقوا علم التأنيث بعد الألف والنون ، وإنما يجب أن يلحق بعد حرف إعراب المذكّر ؛ كذئب وذئبة ، وثعلب وثعلبة ؛ وقد ترى إلى قلة اعتدادهم بالألف والنون فى سيدانة ، حتى كأنهم قالوا : سيدة. وهذا تناه فى إضعاف حكم الألف والنون. وقد قالوا : (الفرعل والفرعلان) والشعشع

__________________

(١) قسقبّ وقسحبّ : الضخم. اللسان (قسقب) ، (قسحب).

(٢) طرطبّ : هو الثدى المسترخى الطويل.

(٣) قول الشاعر :

* ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا*

اللسان (فوه).

(٤) قول الراجز :

* ببازل وجناء أو عيهلّ*

اللسان (فوه).

(٥) هو الذئب.

٤٢٣

والشعشعان (والصحصح والصحصحان) (١) بمعنى واحد ، فكأنّ اللفظ لم يتغيّر.

ومثل التثقيل فى الحشو لنيّة الوقف ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر :

* غضّ نجارى طيّب عنصرى (٢) *

فثقّل الراء من عنصرى ، وإن كانت الكلمة مضافة إلى مضمر. وهذا يحظر عليك الوقوف على الراء ، كما يثقلها فى عنصر نفسه.

ومثله أيضا قول الآخر :

* يا ليتها قد خرجت من فمّه (٣) *

فثقّل آخر الكلمة وهى مضافة إلى مضمر ، فكذلك حديث عقربّان. فاعرفه ؛ فإنه غامض.

وأمّا مألك فإنه أراد : مألكة فحذف الهاء ضرورة ؛ كما حذفها الآخر من قوله :

إنا بنو عمكم لا أن نباعلكم

ولا نصالحكم إلا على ناح (٤)

أراد : ناحية. وكذلك قول الآخر :

* ليوم روع أو فعال مكرم (٥) *

أراد : مكرمة ، وقول الآخر :

بثين الزمى لا إنّ لا إن لزمته

على كثرة الواشين أىّ معون (٦)

__________________

(١) الصحصح والصحصحان : ما استوى من الأرض.

(٢) النّجار : الأصل.

(٣) وأسطمّة الشىء : معظمه. وبعده فى اللسان (فوه) :

* حتى يعود الملك فى أسطمّه*

(٤) نباعلكم : نتزوج منكم وتتزوجوا منا. على ناح : أى ناحية.

(٥) الرجز لأبى الأخزر فى شرح شواهد الشافية ص ٦٨ ، ولسان العرب (كرم) ، (يوم) ، وتاج العروس (كرم) ، (يوم) ، وبلا نسبة فى ديوان الأدب ١ / ٨٢ ، ٢٨٧ ، ٣ / ٣٥١ ، وأدب الكاتب ص ٥٨٨ ، وإصلاح المنطق ص ٢٢٣ ، وجمهرة اللغة ص ٩٩٤ ، والمخصص ١٢ / ١٥٢ ، ١٤ / ١٩٥ ، ولسان العرب (ألك) ، (عون) ، والممتع فى التصريف ١ / ٧٩ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٠٢ ، ١٠ / ٢٣٨ ، وتاج العروس (ألك) ، (عون).

(٦) البيت من البسيط ، وهو لجميل بثينة فى ديوانه ص ٢٠٨ ، وأدب الكاتب ص ٥٨٨ ، وشرح ـ ـ

٤٢٤

أراد : أىّ معونة ، فحذف التاء. وقد كثر حذفها فى غير هذا.

وأما أصرى (١) فإن أبا العباس استدركها. (وقال) (٢) : وقد جاءت أيضا إصبع.

وحدّثنا أبو علىّ ، قال : قال إبراهيم الحربىّ : فى إصبع وأنملة جميع ما يقول الناس. ووجدت بخطّ أبى علىّ : قال الفرّاء : لا يلتفت إلى ما رواه البصريون من قولهم : إصبع ؛ فإنا بحثنا عنها فلم نجدها. وقد حكيت أيضا : زئبر وضئبل وخرفع ؛ وجميع ذلك شاذّ لا يلتفت إلى مثله ؛ لضعفه فى القياس ، وقلّته فى الاستعمال. ووجه ضعف قياسه خروجك من كسر إلى ضمّ بناء لازما وليس بينهما إلا الساكن. ونحو منه ما رويناه عن قطرب من (قول بعضهم) فى الأمر : اقتل ، اعبد. ونحو منه فى الشذوذ عن الاستعمال قول بعضهم : إزلزل ، وهى كلمة تقال عند الزلزلة. وينبغى أن تكون من معناها ، وقريبة من لفظها ، ولا تكون من حروف الزلزلة. وإنما حكمنا بذلك لأنها لو كانت منها لكانت إفعلل ؛ فهو مع أنه مثال فائب فيه بليّة من جهة أخرى. وذلك أن ذوات الأربعة لا تدركها الزيادة من أولها ، إلا فى الأسماء الجارية على أفعالها ؛ نحو مدحرج ، وليس إزلزل من ذلك.

فيجب أن تكون من لفظ الأزل (ومعناه). ومثاله فعلعل ؛ نحو كذبذب فيما مضى.

وأما مدّ المقصور ، وقصر الممدود ، والإشباع والتحريف ، فلا تعتدّ أصولا ، ولا تثبت بها مثل ، موافقة ولا مخالفة.

وقال (٣) : الفعلال لا يأتى إلا مضاعفا ؛ نحو القلقال والزلزال. وحكى الفرّاء :

__________________

شواهد الشافية ص ٦٧ ، ولسان العرب (ألك) ، (كرم) ، (عون) ، (أيا) ، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص ٢٢٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٦٨ ، والمحتسب ١ / ١٤٤ ؛ والممتع فى التصريف ١ / ٧٩ ، والمنصف ١ / ٣٠٨.

(١) يقال : هو منّى صرّى وأصرّى ، وصرّى وأصرّى ، وصرّى وصرّى ، أى عزيمة وجد. اللسان (صرر).

(٢) وهذا الكلام لا يتصل بما قبله ، فإنه فى إصبع ، وكأن فى العبارة سقطا. والأظهر أن يضبط «أصبع» بفتح الهمزة وكسر الباء فيكون من باب أصرّى إذا أصله : أصررى قبل الإدغام. وهذا بخلاف «أصبع» الآتى ، فإنه بكسر الهمزة وضم الباء. (نجار).

(٣) أى سيبويه.

٤٢٥

ناقة بها خزعال ، أى داء. وقال أوس :

ولنعم مأوى المستضيف إذا دعا

والخيل خارجة من القسطال (١)

وقد يمكن أن يكون أراد : القسطل ، فاحتاج ، فأشبع الفتحة ؛ على قوله :

* ينباع من ذفرى ... (٢) *

وقد جاء فى شعر ابن ذريح سراوع اسم مكان ؛ قال :

* عفا سرف من أهله فسراوع (٣) *

وقالوا : جلس الأربعاوى (٤).

وجاء الفرنوس فى أسماء الأسد.

والحبليل (٥) : دويبّة يموت فإذا أصابه المطر عاش. وقالوا : رجل ويلمّه ، وو يلمّ للداهية. وهذا خارج على الحكاية ، أى يقال له من دهائه : ويلمّه ، ثم ألحقت الهاء للمبالغة ، كداهية ومنكرة. وقد رووا قوله :

* وجلنداء فى عمان مقيما (٦) *

وإنما هو : جلندى مقصورا.

وكذلك ما أنشده من قول رؤبة :

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ١٠٨ ، ولسان العرب (قسطل) ، والممتع فى التصريف ١ / ١٥١ ، وتاج العروس (قسطل). القسطال : الغبار.

(٢) البيت من الكامل ، وهو لبشر بن أبى خازم فى ديوانه ص ١٧٩ ، ولسان العرب (كدم) ، وتاج العروس (كدم).

(٣) سراوع : موضع (عن الفارسىّ) : وقال غيره : إنما هو سراوع ، بالفتح ، ولم يحك سيبويه فعاول ؛ ويروى : فشراوع ، وهى رواية العامّة. اللسان (سرع).

(٤) أى جلس متربعا.

(٥) فى اللسان بفتح الباء ، وفى القاموس بسكونها.

(٦) صدر بيت من الخفيف ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٣٦٥ ، وجمهرة اللغة ص ٣٥٤ ، وتاج العروس (جلد) ، وصدره بلا نسبة فى لسان العرب (جلد). وعجزه :

* ثم قيسا فى حضرموت المنيف*

٤٢٦

* ما بال عينى كالشعيب العيّن (١) *

حملوه على فيعل ممّا اعتلّت عينه. وهو شاذّ. وأوفق من هذا ـ عندى ـ أن يكون : فوعلا أو فعولا حتى لا يرتكب شذوذه. وكأن الذى سوّغهم هذا ظاهر الأمر ، وأنه أيضا قد روى (العيّن) بكسر العين. وكذلك طيلسان مع الألف والنون : فيعل فى الصحيح ؛ على أن الأصمعىّ قد أنكر كسر اللام. وذهب أحمد ابن يحيى وابن دريد فى يستعور (٢) إلى أنه يفتعول. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وكذلك ذهب ابن الأعرابىّ فى يوم أرونان (٣) إلى أنه أفوعال من الرنّة ؛ وهذا كيستعور فى الفساد. ونحوه فى الفساد قول أحمد بن يحيى فى أسكفّة : إنها من استكفّ ، وقوله فى تواطخ القوم : إنه من الطيخ ، وهو الفساد. وقد قال أميّة :

إن الأنام رعايا الله كلّهم

هو السليطيط فوق الأرض مستطر (٤)

ويروى السلطليط ، وكلاهما شاذّ.

وأما صعفوق فقيل : إنه أعجمىّ. وهم خول (٥) باليمامة ، قال العجّاج :

* من آل صعفوق وأتباع أخر*

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ١٦٠ ، ولسان العرب (جون) ، (عين) ، وأدب الكاتب ص ٥٩٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٢٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٦١ ، وجمهرة اللغة ص ٩٥٦ ، وأساس البلاغة (رقن) ، وتهذيب اللغة ٩ / ٩٥ ، وتاج العروس (جون) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (رقم) ، (رقن) ، (عين) ، والإنصاف ٢ / ٨٠١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٥٠ ، ٢ / ١٧٦ ، والكتاب ٤ / ٣٦٦ ، والمنصف ٢ / ١٦ ، وجمهرة اللغة ص ٣٤٣ ، ٧٩٣ ، وكتاب العين ٥ / ١٤٣ ، ومقاييس اللغة ٣ / ١٩٢ ، ٤ / ٢٠١ ، ومجمل اللغة ٣ / ٤٣١ ، والمخصص ١٣ / ٥ ، وتهذيب اللغة ٩ / ١٤٣ ، وتاج العروس (عين).

(٢) هو اسم موضع. والمؤلف يريد أن «يستعور» فعللول ، ويذكر أن غلط ثعلب وابن دريد لا يصدر من أهل صناعة التصريف. (نجار).

(٣) يقال : يوم أرونان : أى شديد ، الرّون : الشدة ، والرّونة : الشدة. اللسان (رون).

(٤) البيت من البسيط ، وهو لأمية بن أبى الصلت فى ديوانه ص ٣٣ ، ولسان العرب (سلط) ، وتاج العروس (سلط).

(٥) الخول : حشم الرجل وأتباعه ، ويقع على العبد والأمة ، والواحد خائل. اللسان (خول).

٤٢٧

وقد جاء فى شعر أميّة بن أبى عائذ :

مطاريح بالوعث مرّ الحشو

ر هاجرن رمّاحة زيزفونا (١)

يعنى قوسا. وهى فى ظاهر الأمر : فيفعول من الزفن ؛ لأنه ضرب من الحركة مع صوت. وقد يجوز أن يكون (زيزفون) رباعيا قريبا من لفظ الزفن. ومثله من الرباعىّ ديدبون.

وأما الماطرون (٢) فذهب أبو الحسن إلى أنه رباعيّ. واستدلّ على ذلك بكسر النون مع الواو ، ولو كانت زائدة لتعذّر ذلك فيها.

ومثله الماجشون ، وهى ثياب مصبّغة ؛ قال :

طال ليلى وبتّ كالمحزون

واعترتنى الهموم بالماطرون (٣)

وقال أميّة الهذلىّ أيضا :

ويخفى بفيحاء مغبرّة

تخال القتام به الماجشونا (٤)

وينبغى أن يكون السقلاطون (٥) على هذا خماسيا ؛ لرفع النون وجرّها مع

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو لأمية بن أبى عائذ فى شرح أشعار الهذليين ص ٥١٩ ، ولسان العرب (حشر) ، (زفن) ، وتاج العروس (حشر) ، (زقن) ، وكتاب الجيم ٢ / ٥٨ ، وأساس البلاغة (طرح).«مطاريح» من وصف الإبل ، أى تطرح أيديها فى السير. وهو مفعول «ترامت» قبله. والحشور :جمع الحشر ـ بفتح الحاء وسكون الشين ـ وهو السهم المحدّد اللطيف. والرّماحة الزيزفون :القوس السريعة. يذكر أن الإبل تطرح أيديها فتمرّ الأيدى كمرّ السهام زايلت قوسا مصوّتة سريعة. والبيت من قصيدة يمدح فيها عبد العزيز بن مروان. (نجار).

(٢) هو موضع بالشام قرب دمشق.

(٣) البيت من الخفيف ، وهو لأبى دهبل الجمحى فى ديوانه ص ٦٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، ولسان العرب (خصر) ، (سنن) ، ومعجم ما استعجم ص ٤٠٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٤١ ، ولعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص ٥٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٥٣ ، وجواهر الأدب ص ١٥٨ ، وشرح التصريح ١ / ٧٦ ، والممتع فى التصريف ١ / ١٥٧.

(٤) البيت من المتقارب ، وهو لأمية بن أبى عائذ فى شرح أشعار الهذليين ص ٥١٩ ، وتاج العروس (مجش). القتام : الغبار. الماجشون : ثياب مصبغة. انظر تاج العروس (مجن).

(٥) هو ضرب من الثياب

٤٢٨

الواو. وكذلك أيضا نون أطرنون ؛ قال :

وإن يكن أطربون الروم قطّعها

فإنّ فيها بحمد الله منتفعا (١)

والكلمة بها خماسيّة كعضرفوط.

وضهيد : اسم موضع. ومثله عتيد. وكلاهما مصنوع.

وقيل : الخرنباش : نبت طيّب الريح ؛ قال :

أتتنا رياح الغور من نحو أرضها

بريح خرنباش الصرائم والحقل (٢)

وقد يمكن أن يكون فى الأصل خرنبش ، ثم أشبعت فتحته فصار : خرنباش.

وحكى أبو عبيدة القهوباة (٣). وقد قال سيبويه : ليس فى الكلام فعولى. وقد يمكن أن يحتجّ له ، فيقال : قد يأتى مع الهاء ما لو لا هى لما أتى ؛ نحو ترقوة وحذرية.

وأنشد ابن الأعرابىّ :

إن تك ذا بزّ فإنّ بزّى

سابغة فوق وأى إوزّ (٤)

قال أبو علىّ : لا يكون إوزّ من لفظ الوزّ ؛ لأنه قد قال : ليس فى الكلام إفعل صفة. وقد يمكن ـ عندى ـ أن يكون وصف به لتضمّنه معنى الشدّة ؛ كقوله :

* لرحت وأنت غربال الإهاب (٥) *

__________________

(١) الأطربون : الرئيس والسيد عند الروم.

(٢) البيت من الطويل ، الممتع فى التصريف ١ / ١٥٩. وفى التاج (خربش) أن أبا حنيفة أنشده. وفيه «المقل» فى مكان «الحقل».

(٣) هى ضرب من نصال السهام.

(٤) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أوز) ، (وزز) ، ويروى : «كنت» مكان «تك». البزّ : السلاح. والسابغة : الدرع. والوأى : الفرس السريع. والإوزّ : القصير الغليظ.

(٥) عجز البيت من الوافر ، وهو لمنذر بن حسان فى المقاصد النحوية ٣ / ١٤٠ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤١١ ، وديوان المعانى ٢ / ٢٤٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٦٢ ، والدرر ٥ / ٢٩١ ، ولسان العرب (عنكب) ، (قيد) ، (غربل) ، والممتع فى التصريف ، وصدره :

* فلو لا الله والمهر المفدّى*

٤٢٩

وقد مضى ذكره. ويجوز أيضا أن يكون كقولك : مررت بقائم رجل.

وقال أبو زيد : الزونّك : اللحيم القصير الحيّاك فى مشيه (١). زاك يزوك زوكانا.

فهذا يدلّ على أنه فعنّل.

وقيل : الضفنّط من الضفاطة ، وهو الرجل الضخم الرخو البطن.

وأما زونزك فإنه فونعل (فيجب أن يكونا من أصلين). وأما زوزّى (٢) فإنه من مضاعف الواو. وهو فعلّل كعدبّس.

وحكى أبو زيد زرنوق (٣) بفتح الزاى ؛ فهذا فعنول. وهو غريب. وجميع هذا شاذّ. وقد تقدّم فى أوّل الباب وصف حاله ، ووضوح العذر فى الإخلال به.

(وقالوا : تعفرت الرجل. فهذا تفعلت. وقالوا : يرنّأ لحيته إذا صبغها باليرنّاء. (وهو الحنّاء) وهذا يفعل. فى الماضى. وما أغربه وأظرفه).

* * *

__________________

(١) الحياك : المتبختر.

(٢) زوزّى : المتكايس المتحذلق. القاموس (زوز).

(٣) زرنوق : هما زرنوقان : حائطان ؛ وفى المحكم : منارتان تبنيان على رأس البئر من جانبيها ، فتوضع عليهما النعامة ، وهى خشبة تعرّض عليهما ، ثم تعلّق فيها البكرة ، فيستقى بها. اللسان (زرنق).

٤٣٠

باب فى الجوار

وذلك فى كلامهم على ضربين : أحدهما تجاور الألفاظ ، والآخر تجاور الأحوال.

فأمّا تجاور الألفاظ فعلى ضربين : أحدهما فى المتّصل ، والآخر فى المنفصل.

فأما المتّصل ، فمنه مجاورة العين للام بحملها على حكمها. وذلك قولهم فى صوّم : صيّم ؛ ألا تراه قال : إنهم شبّهوا باب صوّم بباب عصىّ ، فقلبه بعضهم.

ومثله قولهم فى جوّع : جيّع ؛ قال :

* بادرت طبختها لرهط جيّع (١) *

وأنشدوا :

لو لا الإله ما سكن خضّما

ولا ظللنا بالمشاء قيّما (٢)

وعليه ما أنشده محمد بن حبيب من قوله :

بريذينة بلّ البراذين ثفرها

وقد شربت من آخر الصيف أيّلا (٣)

__________________

(١) عجز بيت من الكامل ، وهو للحادرة فى ديوانه ص ٥٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٨٧٠ ، ولسان العرب (جوع) ، والممتع فى التصريف ٢ / ٤٩٧ ، والمنصف ٢ / ٣ ، وصدره :

* ومعرض تغلى المراجل تحته*

(٢) الرجز بلا نسبة فى شرح المفصل ١ / ٣٠ ، ٦٠ ، وتهذيب اللغة ٧ / ١١٩ ، وديوان الأدب ١ / ٨٤ ، وتاج العروس (خضم) ، ولسان العرب (خضم). خضّم : اسم ماء ، زاد الأزهرى : لبنى تميم. المشاء : تناسل المال وكثرته.

(٣) البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدى فى ديوانه ص ١٢٤ ، والحيوان ٢ / ٢٨٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٣٩ ، وسمط اللآلى ص ٢٨٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤١٨ ، ولسان العرب (أول) ، وتاج العروس (أول) ، وبلا نسبة فى المنصف ٢ / ٤. ويروى «الليل» مكان «الصيف». أى النابغة الجعدىّ. والبيت من كلمة له فى هجاء ليلى الأخيلية. وبريذينة تصغير برذونة ، والبراذين من الخيل : ما كان من غير نتاج العراب. والثفر : الفرج. يشبهها ببرذونة نزا عليها البراذين ، وكانت مغتلمة ، فإن شرب الأيّل يهيج الشهوة ويزيد الغلمة. وانظر اللسان (أوّل) ، والخزانة (٣ / ٣١).

٤٣١

أجازوا فيه أن يكون أراد : جمع لبن آئل أى خاثر ، من قولهم : آل اللبن يئول إذا خثر ؛ فقلبت العين حملا على قلب اللام كما تقدّم.

ومن الجوار فى المتصل قول جرير :

* لحبّ المؤقدان إلىّ مؤسى*

وقد ذكرنا أنه تصوّر الضمة ، ـ لمجاورتها الواو ـ ، أنها كأنها فيها ، فهمزها ؛ كما تهمز فى أدؤر ، والنئور ، ونحو ذلك.

وعليه أيضا أجازوا النقل لحركة الإعراب إلى ما قبلها فى الوقف ؛ نحو هذا بكر ، ومررت ببكر ؛ ألا تراها لمّا جاورت اللام بكونها فى العين ، صارت لذلك كأنها فى اللام لم تفارقها.

وكذلك أيضا قولهم : شابّة ودابّة ؛ صار فضل الاعتماد بالمدّ فى الألف كأنه تحريك للحرف الأوّل المدغم ، حتى كأنه لذلك لم يجمع بين ساكنين. فهذا نحو من الحكم على جوار الحركة للحرف.

ومن جوار المتّصل استقباح الخليل نحو العقق ، مع الحمق ، مع المخترق.

وذلك لأن هذه الحركات قبل الروىّ المقيّد لمّا جاورته ، وكان الروىّ فى أكثر الأمر وغالب العرف مطلقا لا مقيّدا ، صارت الحركة قبله كأنها فيه ، فكاد يلحق ذلك بقبح الإقواء. وقد تقدّم ذكر نحو هذا. وله نظائر.

وأما الجوار فى المنفصل فنحو ما ذهبت الكافّة إليه فى قولهم : هذا جحر ضبّ خرب ، وقول الحطيئة :

فإيّاكم وحيّة بطن واد

هموز الناب ليس لكم بسىّ (١)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للحطيئة فى ديوانه ص ١٣٩ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٨٦ ، ٩٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٣٠ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٥ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٥٥ ، ولسان العرب (سوا) ، وبلا نسبة فى الصاحبى فى فقه اللغة ص ١٣٨ ، والمنصف ٢ / ٢. وقبله :

فأبلغ عامرا عنى رسولا

رسالة ناصح بكم حفىّ

يريد : قبيلة عامر بن صعصعة. ورسولا : أى رسالة. والحفىّ : المشفق اللطيف. وقوله : فإياكم ـ

٤٣٢

فيمن جرّ (هموز الناب) وقول الآخر :

* كأن نسج العنكبوت المرمل (١) *

(وإنما صوابه المرملا) وأما قوله :

* كبير أناس فى بجاد مزمّل (٢) *

فقد يكون أيضا على هذا النحو من الجوار. فأمّا عندنا نحن فإنه أراد : مزمّل فيه ، فحذف حرف الجرّ ، فارتفع الضمير ، فاستتر فى اسم المفعول. وقد ذكرنا هذا أيضا.

وتجد فى تجاور المنفصلين ما هو لاحق بقبيل المنفصل الذى أجرى مجرى المتّصل فى نحو قولهم : ها الله ذا ، أجروه فى الادغام مجرى دابّة (وشابة) ومنه قراءة بعضهم : (فَلا تَتَناجَوْا) [المجادلة : ٩] و (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها) [الأعراف : ٣٨] (بإثبات الألف فى ذا ولا). ومنه ما رأيته أنا فى إنشاد أبى زيد :

من أىّ يومىّ من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر(٣)

أعنى فتح راء يقدر. وقد ذكرته. فهذا طريق تجاور الألفاظ وهو باب.

__________________

وحية ... يعنى نفسه ، والهموز من الهمز وهو الغمز والضغط. وقوله : ليس لكم بسىّ ، فالسىّ : المثل ، أى لا تستوون معه ، بل هو أشرف منكم. يقول : إنه يحمى ناحيته ويتقى كما تتقى الحية الحامية لبطن واديها. وانظر الخزانة ٢ / ٣٢١. (نجار).

(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (رمل) ، وتاج العروس (رمل). المرمل : المنسوج.

(٢) عجز البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٢٥ ، وتذكرة النحاة ص ٣٠٨ ، ٣٤٦ ، وخزانة الأدب ٥ / ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ، ٩ / ٣٧ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٨٣ ، ولسان العرب (عقق) ، (زمل) ، (خزم) ، (ابن) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥١٥ ، وتاج العروس (خزم) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٠ ، والمحتسب ٢ / ١٣٥.

(٣) الرجز للإمام على بن أبى طالب فى ديوانه ص ٧٩ ، وحماسة البحترى ص ٣٧ ، وللحارث بن منذر الجرمى فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٤ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٤ ، والجنى الدانى ص ٢٦٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٨ ، ولسان العرب (قدر) ، والمحتسب ٢ / ٣٦٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٧ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٢٢ ، ونوادر أبى زيد ص ١٣ ، ويروى «فى» مكان «من».

٤٣٣

وأما تجاور الأحوال (فهو غريب). وذلك أنهم لتجاوز الأزمنة ما يعمل فى بعضها ظرفا ما لم يقع فيه من الفعل ، وإنما وقع فيما يليه ؛ نحو قولهم : أحسنت إليه إذ أطاعنى ، وأنت لم تحسن إليه فى أوّل وقت الطاعة ، وإنما أحسنت إليه فى ثانى ذلك ؛ ألا ترى أن الإحسان مسبّب عن الطاعة ، وهى كالعلّة له ، ولا بدّ من تقدّم وقت السبب على وقت المسبّب ؛ كما لا بدّ من ذلك مع العلّة. لكنه لمّا تقارب الزمانان ، وتجاورت الحالان ، فى الطاعة والإحسان ، أو الطاعة واستحقاق الإحسان ، صارا كأنهما إنما وقعا فى زمان واحد. ودليل ذلك أن (لمّا) من قولك : لمّا أطاعنى أحسنت إليه ، إنما هى منصوبة بالإحسان ، وظرف له ؛ كقولك : أحسنت إليه وقت طاعته ، وأنت لم تحسن إليه لأوّل وقت الطاعة ، وإنما كان الإحسان فى ثانى ذلك أو ما يليه ، ومن شرط الفعل إذا نصب ظرفا أن يكون واقعا فيه أو فى بعضه ؛ كقولك : صمت يوما ، وسرت فرسخا ، وزرتك يوم الجمع ، وجلست عندك. فكل واحد من هذه الأفعال واقع فى الظرف الذى نصبه ، لا محالة ، ونحن نعلم أنه لم يحسن إليه إلا بعد أن أطاعه ؛ لكن لمّا كان الثانى مسببا عن الأوّل وتاليا له ، فاقتربت الحالان ، وتجاور الزمانان ، صار الإحسان كأنه إنما هو والطاعة فى زمان واحد ، فعمل الإحسان فى الزمان الذى يجاور وقته ؛ كما يعمل فى الزمان الواقع فيه هو نفسه. فاعرفه.

ومثله : لمّا شكرنى زرته ، ولمّا استكفانى كفيته ، وزرته إذ استزارنى ، وأثنيت عليه حين أعطانى ، وإذا أتيته رحب بى ، وكلما استنصرته نصرنى (أى كلّ وقت أستنصره فيه ينصرنى) ، وإنما ينصرك فيما بعد زمان الاستنصار. ويؤكّد عندك حال إتباع الثانى للأوّل وأنه ليس معه فى وقته ، دخول الفاء فى هذا النحو من الكلام ؛ كقولك : إذا سألته فإنه يعطينى ، وإذا لقيته فإنه يبشّ بى. فدخول الفاء هنا أوّل دليل على التعقيب ، وأن الفعلين لم يقعا معا فى زمان واحد. وقد ذكرنا هذا ليزداد القول به وضوحا ، وإن كان ما مضى كافيا.

ولمّا اطّرد هذا فى كلامهم ، وكثر على ألسنتهم وفى استعمالهم ، تجاوزوه واتّسعوا فيه إلى ما تناءت حالاه ، وتفاوت زماناه. وذلك كأن يقول رجل بمصر فى رجل آخر بخراسان : لمّا ساءت حاله حسّنتها ، ولمّا اختلّت معيشته عمرتها. ولعله

٤٣٤

أن يكون بين هاتين الحالين السنة والسنتان.

فإن قلت ، فلعل هذا مما اكتفى فيه بذكر السبب ـ وهو الاختلال ـ من ذكر المسبّب عنه ، وهو المعرفة بذلك ، فيصير كأنه قال : لما عرفت اختلال حاله عمرتها.

قيل : لو كان الأمر على ذلك لما عدوت ما كنا عليه ؛ ألا ترى أنه قد يعرف ذلك من حال صاحبه ، وهو معه فى بلد واحد (بل منزل واحد) فيكون بين المعرفة بذلك والتغيير له الشهر والشهران والأكثر. فكيف بمن بينه وبينه الشقّة الشاسعة ، المحتاجة إلى المدّة المتراخية. فإن قيل : فيكون الثانى من هذا كالأوّل أيضا فى الاكتفاء فيه بالمسبّب من السبب ، أى لمّا عرفت ذلك فكّرت فى إصلاحه ، فاكتفى بالمسبّب الذى هو العمارة من السبب الذى هو الفكر فيه ، قيل : هذا وإن كان مثله مما يجوز فإنه ترك للظاهر ، وإبعاد فى المتناول. ومع هذا فإنك كيف تصرّفت بك الحال إنما أوقعت الفكر فى عمارة حاله بعد أن عرفت ذلك منها. فوقعت العمارة إذا بعد وقت المعرفة. فإذا كان كذلك ركبت سمت الظاهر ، فغنيت به عن التطالّ والتطاول.

وعلى هذا يتوجّه عندى قول الله ـ سبحانه ـ : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف : ٣٩] وذلك أن تجعل (إذ) بدلا من قوله (اليوم) ، وإلا بقيت بلا ناصب. وجاز إبدال (إذا) ـ وهو ماض (فى الدنيا) ـ من قوله : (اليوم) وهو حينئذ حاضر فى الآخرة ، لمّا كان عدم الانتفاع بالاشتراك فى العذاب إنما هو مسبّب عن الظلم ، وكانت أيضا الآخرة تلى الدنيا بلا وقفة ولا فصل ، صار الوقتان على تباينهما (وتنائيهما) كالوقتين المقترنين ، الدانيين المتلاصقين ؛ نحو أحسنت إليه إذ شكرنى ، وأعطيته حين سألنى. وهذا أمر استقرّ بينى وبين أبى علىّ ـ رحمه‌الله ـ مع المباحثة. وقد يجوز أيضا أن تنصب (اليوم) بما دلّ عليه قوله تعالى : (مُشْتَرِكُونَ) فيصير معناه لا إعرابه : ولن ينفعكم إذ ظلمتم اشتراككم اليوم فى العذاب ، فينتزع من معنى (مشتركون) ما يعمل فى (اليوم) على حدّ قولنا فى قوله ـ سبحانه ـ (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] فى أحد الأقوال الثلاثة فيه ، وعلى قوله تعالى : (يَوْمَ (١) يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ

__________________

(١) وفى البحر لأبى حيان (٦ / ٤٩٢) : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) منصوب باذكر وهو أقرب ، أو ـ ـ

٤٣٥

لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [الفرقان : ٢٢] وإذا أنت فعلت هذا أيضا لم تخرج به من أن يكون (إذ ظلمتم) فى اللفظ معمولا لقوله (لن ينفعكم) لما ذكرنا من الجوار ، وتلوّ الآخرة الأولى بلا فصل.

وكأنه إنما جاء هذا النحو فى الأزمنة دون الأمكنة ، من حيث كان كلّ جزء من الزمان لا يجتمع مع جزء آخر منه ، إنما يلى الثانى الأوّل خالفا له ، وعوضا منه.

ولهذا قيل ـ عندى ـ للدهر عوض ـ وقد ذكرت هذا فى كتابى فى التعاقب ـ فصار الوقتان كأنهما واحد ، وليس كذلك المكان ؛ لأن المكانين يوجدان فى الوقت الواحد (بل فى أوقات كثيرة غير منقضية. فلمّا كان المكانان بل الأمكنة كلها تجتمع فى الوقت الواحد) والأوقات كلها ، لم يقم بعضها مقام بعض ولم يجر مجراه.

فلهذا لا نقول : جلست فى البيت من خارج أسكفّته ، وإن كان ذلك موضعا يجاور البيت ويماسّه ؛ لأن البيت لا يعدم فيكون خارج بابه نائبا عنه ، وخالفا فى الوجود له ؛ كما يعدم الوقت فيعوّض منه ما بعده.

فإن قلت : فقد تقول : سرت من بغداد إلى البصرة نهر الدير ، قيل : ليس هذا من حديث الجوار فى شيء ، وإنما هو من باب بدل البعض ؛ لأنه بعض طريق البصرة ؛ يدلّ على ذلك أنك لا تقول : سرت من بغداد إلى البصرة (نهر الأمير ؛ لأنه أطول من طريق البصرة) زائد عليه ، والبدل لا يجوز إذا كان (الثانى أكثر من الأوّل ، كما يجوز إذا كان) الأوّل أكثر من الثانى ؛ ألا ترى أنهم لم يجيزوا أن يكون (ربع) من قوله :

اعتاد قلبك من سلمى عوائده

وهاج أهواءك المكنونة الطلل

ربع قواء أذاع المعصرات به

وكلّ حيران سار ماؤه خضل(١)

__________________

بفعل يدل عليه (لا بشرى) أى يمنعون البشرى ، ولا يعمل فيه (لا بشرى) لأنه مصدر ، ولأنه منفىّ بلا التى لنفى الجنس ؛ لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس.

(١) البيتان من البسيط فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٢٤ ، والكتاب ١ / ٢٨١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٠١ ، ولسان العرب (ذيع) ، وتاج العروس (ذيع). القواء : القفر.

٤٣٦

بدلا من (الطلل) ؛ من حيث كان الربع أكثر من الطلل. ولهذا ما حمله سيبويه على القطع والابتداء ، دون البدل والإتباع (هذا إن) أردت بالبصرة حقيقة نفس البلد. فإن أردت جهتها وصقعها جاز : انحدرت من بغداد إلى البصرة نهر الأمير.

وغرضنا فيما قدّمناه أن تريد (بالبصرة) نفس البلد البتّة.

وهذا التجاور الذى ذكرناه فى الأحوال والأحيان لم يعرض له أحد من أصحابنا. وإنما ذكروا تجاور الألفاظ فيما مضى. وقد مرّ بنا شيء من هذا النحو فى المكان ؛ قال :

* وهم إذا الخيل جالوا فى كواثبه (١)ا*

وإنما يجول الراكب فى صهوة الفرس لا فى كاثبته ، لكنهما لمّا تجاورا جربا مجرى الجزء الواحد.

* * *

__________________

(١) صدر البيت من البسيط ، وهو لزياد بن منقذ فى لسان العرب (قزم) ، وتاج العروس (قزم).

وعجزه :

* فوارس الخيل ، لا ميل ولا قزم*

الكواثب جمع الكاثبة. وهى من الفرس مجتمع كتفيه قدّام السّرج. اللسان (كثب).

٤٣٧

باب فى نقض الأصول وإنشاء أصول (غيرها منها)

رأيت أبا علىّ ـ رحمه‌الله ـ معتمدا هذا الفصل من العربيّة ، ملمّا به ، دائم التطرّق له ، والفزع فيما يحدث إليه. وسنذكر من أين أنس به ، حتى عوّل فى كثير من الأمر عليه.

وذلك كقولنا : بأبأت بالصبىّ بأبأة وبئباء إذا قلت له : بنبإ. وقد علمنا أن أصل هذا أن الباء حرف جرّ ، والهمزة فاء الفعل ، فوزن هذا على هذه المقدّمة : بفبفت بفبفة وبفبافا ؛ إلا أنا لا نقول مع هذا : إن هذه المثل على ما ترى ، لكن نقول : إنّ بأبأت الآن بمنزلة رأرأت عيناه ، وطأطأت رأسى ، ونحو ذلك ممّا ليس منتزعا ، ولا مركبا. فمثاله إذا : فعللت فعللة وفعلالا ، كدحرجت دحرجة ودحراجا.

ومن ذلك قولهم : الخازباز (١). فالألف عندنا فيهما أصل ، بمنزلة ألف كاف ودال. وذلك لأنها أسماء مبنية وبعيدة عن التصرّف والاشتقاق. فألقفاتها إذا أصول فيها ؛ كألفات ما ، ولا ، وإذا ، وألا ، وإلا ، وكلا ، وحتّى. ثم إنه قال :

* ورمت لهازمها من الخزباز (٢) *

فالخزباز الآن بمنزلة السربال والغربال ، وألفه محكوم عليها بالزيادة كألفهما ؛ ألا ترى الأصل كيف استحال زائدا ، كما استحالت (باء الجر الزائدة فى بأبى أنت فاء فى بأبأت بالصبىّ. وكذلك أيضا استحالت) ألف قاف (ودال ونحوهما) وأنت تعتقد (فيها كونها أصلا) غير منقلبة ، إلى اعتقادك فيها القلب ، لمّا اعتزمت فيها الاشتقاق. وذلك قولك : قوّفت قافا ، ودوّلت دالا. وسألنى أبو علىّ ـ رحمه‌الله

__________________

(١) الخازباز : داء يأخذ الإبل فى حلوقها. والخزباز لغة فيه. وانظر اللسان (خوز).

(٢) عجز البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٣١٥ ، وجمهرة اللغة ص ٢٨٩ ، وشرح المفصل ٤ / ١٢٢ ، والكتاب ٣ / ٣٠٠ ، ولسان العرب (درب) ، (خزبز) ، (خوز) ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٠٧. وصدر البيت :

* مثل الكلاب تهر عند درابها*

اللهازم جمع لهزمة ، وهى لحمة فى أصل الحنك. والبيت فى اللسان (خوز).

٤٣٨

ـ يوما عن إنشاد أبى زيد :

فخير نحن عند الناس منكم

إذا الداعى المثوّب قال يالا (١)

فقال : ما تقول فى هذه الألف من قوله : يالا ، يعنى الأولى ، فقلت : أصل ؛ لأنها كألف ما ، ولا ، ونحوهما. فقال : بل هى الآن محكوم عليها بالانقلاب ؛ كألف باب ودار. فسألته عن علّة ذلك ، فقال : لمّا خلطت بها لام الجرّ من بعدها ، وحسن قطعها ، والوقوف عليها ، والتعليق لها فى قوله : يا لا ، أشبهت (يال) هذه الكلمة الثلاثية التى عينها ألف ، فأوجب القياس أن يحكم عليها بأنها كباب ، وساق ، ونحو ذلك. فأنقت لذلك ، وذهب بى استحسانى إياه كل مذهب.

وهذا الحديث الذى نحن الآن عليه هو الذى سوّغ عندى أن يكتب نحو قوله :

* يال بكر أنشروا لى كليبا (٢) *

ونحو ذلك مفصولة اللام الجارّة عمّا جرّته. وذلك أنها حيزت إلى (يا) من قبلها ، حتى صارت (يال) كباب ودار ؛ وحكم على ألفها (من الانقلاب) بما يحكم به على العينات إذا كنّ ألفات. وبهذا أيضا نفسه يستدلّ على شدّة اتصال حروف الجرّ بما تدخل عليه من الأفعال لتقوّيه فتعدّيه ؛ نحو مررت بزيد ونظرت إلى جعفر ؛ ألا ترى أنّ لام الجرّ (فى نحو) بالزيد دخلت موصّلة ل (يا) إلى المنادى ؛ كما توصّل الباء الفعل فى نزلت بك وظفرت به. وقد تراها محوزة إلى (يا) حتى قال (يا لا) فعلّق حرف الجرّ ، ولو لم يكن لاحقا ب (يا) وكالمحتسب جزءا منها ،

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لزهير بن مسعود الضبى فى تخليص الشواهد ص ١٨٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٦ ، والدرر ٣ / ٤٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٩٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٠ ، ونوادر أبى زيد ص ٢١ ، ورصف المبانى ص ٢٩ ، ٢٣٧ ، ٣٥٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ١٠٢ ، ولسان العرب (يا) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢١٩ ، ٢ / ٤٤٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨١.

(٢) صدر البيت من المديد ، وهو للمهلهل بن ربيعة فى خزانة الأدب ٢ / ١٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٦٦ ، والكتاب ٢ / ٢١٥ ، واللامات ص ٨٧ ، ولسان العرب (لوم). وعجزه :

* يا لبكر أين أين الفرار*

يقال : أنشر الله الموتى ، فنشروا هم ، إذا حيوا وأنشرهم الله أى أحياهم. وانظر الكتاب ١ / ٣١٨.

٤٣٩

لما ساغ تعليقه دون مجروره ؛ نحو قوله : يال بكر ويال الرجال ويال الله و:

* يا لك من قبّرة بمعمر (١) *

ونحو ذلك. فاعرفه غرضا اعتنّ فيما كنا فيه فقلنا عليه. وإن فسح فى المدّة أنشأنا كتابا فى الهجاء ، وأودعناه ما هذه سبيله ، وهذا شرحه ، ممّا لم تجر عادة بإيداع مثله. و (من الله المعونة).

وممّا كنا عليه ما حكاه الأصمعىّ من أنهم إذا قيل لهم ، هلمّ إلى كذا ، فإذا أرادوا الامتناع منه قالوا : لا أهلمّ ، فجاءوا بوزن أهريق ، وإنما هاء هلمّ ها فى التنبيه فى نحو هذا وهذه ؛ ألا ترى إلى قول الخليل فيها : إن أصلها هالمّ بنا ، ثم حذفت الألف تخفيفا ؛ وهاء أهريق إنما هى بدل من همزة أرقت ، لمّا صارت إلى هرقت ، وليست من حديث التنبيه فى قبيل ولا دبير.

ومن ذلك قولهم فى التصويت : هاهيت وعاعيت وحاحيت ؛ فهذه الألف عندهم الآن فى موضع العين ومحكوم عليها بالانقلاب ، وعن الياء أيضا ، وإن كان أصلها ألفا أصلا فى قولهم : هاء وعاء وحاء. فهى هنا كألف قاف وكاف ودال (ولام) أصل غير زائدة ولا منقلبة ، وهى فى هاهيت وأختيها (عين منقلبة) عن ياء عندهم ؛ أفلا ترى إلى استحالة التقدير فيها ، وتلعّب الصنعة بها.

ونحو من ذلك قولهم : دعدعت بالغنم إذا قلت لها : داع داع ، وجهجهت بالإبل إذا قلت لها : جاه جاه ، فجرى دعدعت وجهجهت عندهم الآن مجرى

__________________

(١) الرجز لطرفة بن العبد فى ديوانه ص ٤٦ ، ولسان العرب (عمر) ، (قبر) ، (نقر) ، (جوا) ، وجمهرة اللغة ص ٧٩٥ ، والحيوان ٣ / ٦٦ ، ٥ / ٢٢٧ ، والشعر والشعراء ١ / ١٩٤ ، وتاج العروس (عمر) ، (نقر) ، (جوا) ، (الياء) ، وتهذيب اللغة ٢ / ٣٨٤ ، ١١ / ٢٢٨ ، ولكليب بن ربيعة فى لسان العرب (قبر) ، (يا) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ١٨٤ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٧٢ ، ورصف المبانى ص ٢٢١ ، والعقد الفريد ٣ / ١٢٧ ، ٤ / ٣٤ ، والمنصف ١ / ١٣٨ ، ٣ / ٢١ ، والمخصص ١٢ / ٣٩. القبّرة : ضرب من الطير ، واحدة القبّر. معمر : موضع وهو من أرجوزة تنسب إلى طرفة. قال ابن برىّ :

* يا لك من قبّرة بمعمر*

لكليب بن ربيعة التغلبى وليس لطرفة. وانظر اللسان (قبر).

٤٤٠