الخصائص - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٣٢

باب فى سقطات العلماء

حكى عن الأصمعىّ أنه صحّف قول الحطيئة :

وغررتنى وزعمت أ

نّك لابن فى الصيف تامر

فأنشده :

*... لا تني بالضيف تامر*

أى تأمر بإنزاله وإكرامه. وتبعد هذه الحكاية (فى نفسى) لفضل الأصمعىّ وعلوّه ؛ غير أنى رأيت أصحابنا على القديم يسندونها إليه ، ويحملونها عليه.

وحكى أن الفرّاء (صحّف (١) فقال) الجرّ : أصل الجبل ، يريد الجراصل : الجبل.

وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد ، عن أبى عبد الله محمد بن العباس اليزيدىّ ، عن الخليل بن أسد النوشجانى ، عن التوّزيّ ، قال قلت لأبى زيد الأنصارىّ : أنتم تنشدون قول الأعشى :

* بساباط حتى مات وهو محزرق (٢) *

وأبو عمرو الشيبانىّ ينشدها : محرزق ، فقال : إنها نبطيّة وأم أبى عمرو نبطيّة ، فهو أعلم بها منّا.

وذهب أبو عبيدة فى قولهم : لى عن هذا الأمر مندوحة ، أى متّسع إلى أنه من

__________________

(١) فى القاموس (جرر) «والجرّ : أصل الجبل ، أو هو تصحيف للفرّاء ، والصواب : الجراصل ـ كعلابط ـ : الجبلش وقال شارحه : «والعجب من المصنف حيث لم يذكر الجراصل فى كتابه هذا ، بل ولا تعرض له أحد من أئمة الغريب. فإذا لا تصحيف كما لا يخفى».

(٢) عجز البيت من الطويل ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٦٩ ، ولسان العرب (حزرق) ، وكتاب العين ٣ / ٣٢٣ ، وتاج العروس (حرزق) ، (حزرق) ، (هرزق) ، وفيه (مهزرق) مكان (محزوق) ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٥ / ٣٠٢ ، والمخصص ١٢ / ٩٣. وصدر البيت :

* فذاك وما أنجى من الموت ربه*

وأبو عمرو الشيبانى ينشده محرزق ، بتقديم الراء على الزّاى ، فقال : إنها نبطيّة. يقول : حبس كرى النعمان بن المنذر بساباط المدائن حتى مات وهو مضيق عليه.

٤٨١

قولهم : انداح بطنه أى اتّسع. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وذلك أن انداح : انفعل ، وتركيبه من دوح ، ومندوحة : مفعولة ، وهى من تركيب (ن د ح) والنّدح : جانب الجبل وطرفه ، وهو إلى السعة ، وجمعه أنداح. أفلا ترى إلى هذين الأصلين : تباينا ، وتباعدا ، فكيف يجوز أن يشتقّ أحدهما من صاحبه على بعد بينهما ، وتعادى وضعهما.

وذهب ابن الأعرابىّ فى قولهم : يوم أرونان إلى أنه من الرّنّة. وذلك أنها تكون مع البلاء والشدّة. وقال أبو علىّ ـ رحمه‌الله ـ : ليس هذا من غلط أهل الصناعة ؛ لأنه ليس فى الكلام أفوعال ، وأصحابنا يذهبون إلى أنه أفعلان ، من الرونة ، وهى الشدّة فى الأمر.

وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى فى قولهم : أسكفّة الباب إلى أنها من قولهم : استكفّ أى اجتمع. وهذا أمر ظاهر الشناعة. وذلك أن أسكفّة : أفعلّة ، والسين فيها فاء ، وتركيبه من (س ك ف ؛ وأما استكفّ فسينه زائدة ؛ لأنه استفعل ، وتركيبه من) ك ف ف. فأين هذان الأصلان حتى يجمعا ويدانى من شملهما. ولو كانت أسكفّة من استكفّ لكانت أسفعلة ، وهذا مثال لم يطرق فكرا ، ولا شاعر ـ فيما علمناه ـ قلبا. وكذلك لو كانت مندوحة من انداح بطنه ـ كما ذهب إليه أبو عبيدة ـ لكانت منفعلة. وهذا أيضا فى البعد والفحش كأسفعلة.

ومع هذا فقد وقع الإجماع على أن السين لا تزاد إلا فى استفعل ، وما تصرّف منه. وأسكفة ليس من الفعل فى قبيل ولا دبير.

وذهب أحمد أيضا فى تنّور إلى أنه تفعول من النار ـ ونعوذ بالله من عدم التوفيق. هذا على سداد هذا الرجل وتميّزه من أكثر أصحابه ـ ولو كان تفعولا من النار لوجب أن يقال فيه : تنوور ؛ كما أنك لو بنيته من القول لكان : تقوولا ، ومن العود : تعوودا. وهذا فى نهاية الوضوح. وإنما تنّور : فعّول من لفظ (ت ن ر).

وهو أصل لم يستعمل إلا فى هذا الحرف ، وبالزيادة كما ترى. ومثله مما لم يستعمل إلا بالزيادة كثير. منه حوشب وكوكب (وشعلّع) (وهزنبران) ودودرّى (ومنجنون) وهو واسع جدّا. ويجوز فى التنّور أن يكون فنعولا من (ت ن ر) ؛ فقد حكى أبو زيد فى زرنوق : زرنوقا.

٤٨٢

ويقال : إن التنّور لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم. فإن كان كذلك فهو طريف ، إلا أنه على كل حال فعّول أو فعنول ؛ لأنه جنس ، ولو كان أعجميّا لا غير لجاز تمثيله (لكونه جنسا ولاحقا) بالعربىّ ، فكيف وهو أيضا عربىّ ؛ لكونه فى لغة العرب غير منقول إليها ، وإنما هو وفاق وقع ، ولو كان منقولا (إلى اللغة العربية من غيرها) لوجب أن يكون أيضا وفاقا بين جميع اللغات غيرها.

ومعلوم سعة اللغات (غير العربية) ، فإن جاز أن يكون مشتركا فى جميع ما عدا العربية ، جاز أن يكون وفاقا وقع فيها. ويبعد فى نفسى أن يكون فى الأصل للغة واحدة ، ثم نقل إلى جميع اللغات ؛ لأنا لا نعرف له فى ذلك نظيرا. وقد يجوز أيضا أن يكون وفاقا وقع بين لغتين أو ثلاث أو نحو ذلك ، ثمّ انتشر بالنقل فى جميعها. وما أقرب هذا فى نفسى! لأنا لا نعرف شيئا من الكلام وقع الاتفاق عليه فى كل لغة ، وعند كل أمّة : هذا كله إن كان فى جميع اللغات هكذا. وإن لم يكن كذلك كان الخطب فيه أيسر.

وروينا (هذه المواضع) عن أحمد بن يحيى.

وروينا عنه أيضا أنه قال : التواطخ (١) من الطيخ ، وهو الفساد. وهذا ـ على إفحاشه ـ مما يجمل الظن به ؛ لأنه من الوضوح بحيث لا يذهب على أصغر صغير من أهل هذا العلم. وإذا كان كذلك وجب أن يحسّن الظنّ به ، ويقال إنه (أراد به) : كأنه مقلوب منه. هذا أوجه عندى من أن يحمل عليه هذا الفحش والتفاوت كله.

ومن هذا ما يحكى عن خلف أنه قال : أخذت على المفضّل الضبىّ فى مجلس واحد ثلاث سقطات : أنشد لامرئ القيس :

نمسّ بأعراف الجياد أكفّنا

إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب (٢)

__________________

(١) يقال : تواطخ القوم الشىء : تداولوه بينهم. القاموس.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٥١ ، ولسان العرب (ضهب) ، (مثث) ، ومقاييس اللغة ٣ / ٣٧٤ ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ٣٢٥ ، وكتاب العين ٦ / ٢٢٥ ، ٨ / ٢١٧ ، وجمهرة اللغة ص ١٤٠ ، ٣٥٦ ، وتاج العروس (ضهب) ، (مثث) ، (مشش) ، (عرف) ، وبلا نسبة فى مجمل اللغة ٣ / ٢٩٢ ، ويروى : غث بدلا من غس. المضهب : الذى لم يكمل نضجه.

٤٨٣

فقلت له : عافاك الله! إنما هو نمشّ : أى نمسح ، ومنه سمّى منديل الغمر مشوشا ، وأنشد للمخبّل السعدىّ :

وإذا ألمّ خيالها طرقت

عينى فماء شئونها سجم (١)

فقلت : عافاك الله! إنما هو طرفت ، وأنشد للأعشى :

ساعة أكبر النهار كما ش

دّ محيل لبونه اعتاما (٢)

فقلت : عافاك الله! إنما هو مخيل بالخاء المعجمة (وهو الذى) رأى خال السحابة ، فأشفق منها على بهمه فشدّها.

وأمّا ما تعقب به أبو العبّاس محمد بن يزيد كتاب سيبويه فى المواضع التى سمّاها مسائل الغلط ، فقلّما يلزم صاحب الكتاب منه إلا الشىء النّزر. وهو أيضا ـ مع قلّته ـ من كلام غير أبى العباس. وحدّثنا أبو على عن أبى بكر عن أبى العباس أنه قال : إن هذا كتاب كنا عملناه فى أوان الشبيبة والحداثة ، واعتذر أبو العباس منه.

وأمّا كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل ، فضلا (عن نفسه) ولا محالة أن (هذا تخليط لحق) هذا الكتاب من قبل غيره رحمه‌الله. وإن كان للخليل فيه عمل فإنما هو أنه أومأ إلى عمل هذا الكتاب إيماء ، ولم يله بنفسه ، ولا قرّره ، ولا حرّره. ويدلّ على أنه قد كان نحا نحوه أنى أجد فيه معانى غامضة ، ونزوات للفكر لطيفة ، وصنعة فى بعض الأحوال مستحكمة. وذاكرت به يوما أبا علىّ ـ رحمه‌الله ـ فرأيته منكرا له. فقلت : إن تصنيفه منساق متوجّه ، وليس فيه التعسّف الذى فى كتاب الجمهرة ، فقال : الآن إذا صنّف إنسان لغة بالتركيّة تصنيفا جيدا أيؤخذ به فى

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للمخبل السعدى فى ديوانه ص ٣١٢ ، ولسان العرب (سجر) ، وتاج العروس (سجر). ويروى : طرفت بدلا من طرقت ، شئونها بدلا من : سئونها.

(٢) البيت من الخفيف ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٩٩ ، ولسان العرب (كبر) ، وتهذيب اللغة ١٠ / ٢١٦ ، وتاج العروس (كبر). أكبر النهار أى حين ارتفع. يقول : قتلناهم أول النهار فى ساعة قدر ما يشدّ المحيل أخلاف إبله لئلا يرضعها الفصلان. والإعتام : الإبطاء.

٤٨٤

العربيّة! أو كلاما هذا نحوه.

وأمّا كتاب الجمهرة ففيه أيضا من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه ؛ لبعده عن معرفة هذا الأمر. ولمّا كتبته وقّعت فى متونه وحواشيه جميعا من التنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته. ثم إنه لمّا طال علىّ أومأت إلى بعضه ، وأضربت البتّة عن بعضه. وكان أبو على يقول : لمّا هممت بقراءة رسالة هذا الكتاب على محمد بن الحسن قال لى : يا أبا علىّ : لا تقرأ هذا الموضع علىّ ، فأنت أعلم به منّى. وكان قد ثبت فى نفس أبى علىّ على أبى العباس فى تعاطيه الرد على سيبويه ما كان لا يكاد يملك معه نفسه. ومعذورا كان (عندى فى ذلك) لأنه أمر وضع من أبى العباس ، وقدح فيه ، وغضّ كل الغضّ منه.

وذكر النضر عند الأصمعىّ فقال : قد كان يجيئنى ، وكان إذا أراد أن يقول : ألف قال : إلف.

ومن ذلك اختلاف الكسائىّ وأبى محمد اليزيدىّ عند أبى عبيد الله فى الشراء أممدود هو أم مقصور. فمدّه اليزيدىّ وقصره الكسائىّ فتراضيا ببعض (فصحاء العرب و) كانوا بالباب ، فمدّوه على قول اليزيدىّ. وعلى كل حال فهو يمدّ ويقصر. وقولهم : أشرية دليل المدّ (كسقاء) وأسقية.

ومن ذلك ما رواه الأعمش فى حديث عبد الله بن مسعود : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة (١). وكان أبو عمرو بن العلاء قاعدا عنده بالكوفة فقال (الأعمش : يتخوّلنا ، وقال أبو عمرو يتخوننا) فقال الأعمش : وما يدريك؟ فقال أبو عمرو : إن شئت أن أعلمك أن الله ـ عزوجل ـ لم يعلمك (حرفا من العربية) أعلمتك. فسأل عنه الأعمش فأخبر بمكانه من العلم. فكان بعد ذلك يدنيه ، ويسأله عن الشىء إذا أشكل عليه. هذا ما فى هذه الحكاية. وعلى ذلك فيتخوّلنا صحيحة. وأصحابنا يثبتونها. ومنها ـ عندى ـ قول البرجمىّ :

__________________

(١) أخرجه البخارى فى «العلم» ، (ح ٦٨) ، وفى غير موضع ، ومسلم فى «صفات المنافقين» وغيرهما.

٤٨٥

يساقط عنه روقه ضارياتها

سقاط حديد القين أخول أخولا (١)

أى شيئا بعد شيء. وهذا هو معنى قوله : يتخوّلنا بالموعظة ؛ مخافة السآمة ؛ أى يفرّقها ولا يتابعها.

ومن ذلك اجتماع الكميت مع نصيب ، وقد استنشده نصيب من شعره ، فأنشده الكميت :

* هل أنت عن طلب الأيفاع منقلب*

حتى إذا بلغ إلى قوله :

أم هل ظعائن بالعلياء نافعة

وإن تكامل فيها الدّلّ والشنب

عقد نصيب بيده واحدا ، فقال الكميت : ما هذا؟ فقال أحصى خطأك. تباعدت فى قولك : الدلّ والشنب ؛ ألا قلت كما قال ذو الرمّة :

لمياء فى شفتيها حوّة لعس

وفى اللثاث وفى أنيابها شنب (٢)

ثم أنشده :

* أبت هذه النفس إلا ادّكارا (٣) *

حتى إذا بلغ إلى قوله :

كأن الغطامط من غليها

أراجيز أسلم تهجو غفارا (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لضابئ بن الحارث فى الدرر ٤ / ٣٤ ، والشعر والشعراء ٢١ / ٣٥٩ ، ولسان العرب (سقط) ، (خول) ، والمحتسب ٢ / ٤١ ، ونوادر أبى زيد ص ١٤٥ ، وتاج العروس (خول) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٦٢١ ، وشرح شذور الذهب ص ٩٨ ، والمحتسب ١ / ٨٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٩. الرّوق : القرن من كل ذى قرن ، والجمع أرواق.

(٢) البيت من البسيط ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ٣٢ ، والدرر ٦ / ٥٦ ، ولسان العرب (شنب) ، (لعس) ، (حوا) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٠٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٦ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى.

(٣) عجز البيت من المتقارب ، وهو للكميت فى ديوانه ١ / ١٩٥.

(٤) البيت من المتقارب وهو للكميت فى ديوانه ، ولسان العرب (غطمط) ، وتاج العروس (غطط). الغطامط : صوت غليان موج البحر. وفى رواية اللسان (غطمط). «غليها».

٤٨٦

قال نصيب : ما هجت أسلم غفارا قطّ. فوجم الكميت.

وسئل الكسائىّ فى مجلس يونس عن أولق : ما مثاله من الفعل؟ فقال : أفعل.

فقال له يونس : استحييت لك يا شيخ! والظاهر عندنا من أمر أولق أنه فوعل من قولهم : ألق الرجل ، فهو مألوق ؛ أنشد أبو زيد :

تراقب عيناها القطيع كأنما

يخالطها من مسّه مسّ أولق (١)

وقد يجوز أن يكون : أفعل من ولق يلق إذا خفّ وأسرع ؛ قال :

* جاءت به عنس من الشأم تلق*

أى تخفّ وتسرع. وهم يصفون الناقة ـ لسرعتها ـ بالحدّة والجنون ؛ قال القطامىّ :

يتبعن سامية العينين تحسبها

مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل

والأولق : الحنون. ويجوز أيضا أن يكون فوعلا من ولق هذه. وأصلها ـ على هذا ـ وولق. فلمّا التقت الواوان فى أوّل الكلمة همزوا الأولى منهما ، على العبرة فى ذلك.

وسئل الكسائىّ أيضا فى مجلس يونس عن قولهم : لأضربنّ أيّهم يقوم ، لم لا يقال : لأضربن أيهم. فقال : أىّ هكذا خلقت.

ومن ذلك إنشاد الأصمعىّ لشعبة بن الحجّاج قول فروة بن مسيك المرادىّ :

فما جبنوا أنى أشدّ عليهم

ولكن رأوا نارا تحسّ وتسفع (٢)

فقال شعبة : ما هكذا أنشدنا سماك بن حرب. إنما أنشدنا : (تحشّ) بالشين معجمة. قال الأصمعىّ : فقلت : تحسّ : تقتل ، من قول الله تعالى : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) [آل عمران : ١٥٢] أى تقتلونهم ، وتحشّ : توقد. فقال لى شعبة : لو

__________________

(١) البيت من الطويل وهو بلا نسبة فى لسان العرب (ولق) ، وجمهرة اللغة ص ١٠٩. القطيع : السّوط يقطع من جلد سير ويعمل منه ؛ أو المقطوع من الشجر اللسان (قطع).

(٢) البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٥٧ ، ولسان العرب (سدر) ، (حسس) ، وكتاب الجيم ١ / ٢٠٤ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٤٠٦ ، وتاج العروس (سدر) ، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة ٢ / ١١ ، ومجمل اللغة ٢ / ١١ ، ١٢ ، ١٣.

٤٨٧

فرغت للزمتك.

وأنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس الرقيّات :

ن الحوادث بالمدينة قد

أوجعننى وقرعن مروتيه (١)

فانتهره أبو عمرو ، فقال : ما لنا ولهذا الشعر الرخو! إن هذه الهاء لم توجد فى شيء من الكلام إلا أرخته. فقال له المدينىّ : قاتلك الله! ما أجهلك بكلام العرب! قال الله ـ عزوجل ـ فى كتابه : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) [الحاقة : ٢٨ ، ٢٩] وقال : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٢٥ ، ٢٦] فانكسر أبو عمرو انكسارا شديدا. قال أبو هفّان : وأنشد هذا الشعر عبد الملك بن مروان ، فقال : أحسنت يا بن قيس ، لو لا أنك خنّثت قافيته. فقال يا أمير المؤمنين ما عدوت قول الله ـ عزوجل ـ فى كتابه : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) فقال له عبد الملك : أنت فى هذه أشعر منك فى شعرك.

قال أبو حاتم : قلت للأصمعىّ : أتجيز : إنك لتبرق لى وترعد؟ فقال : لا ، إنما هو تبرق وترعد. فقلت له : فقد قال الكميت :

أبرق وأرعد يا يزي

د فما وعيدك لى بضائر (٢)

فقال : هذا جرمقانىّ من أهل الموصل ، ولا آخذ بلغته. فسألت عنها أبا زيد الأنصارىّ ، فأجازها. فنحن كذلك إذ وقف علينا أعرابىّ محرم ، فأخذنا نسأله.

فقال (أبو زيد) : لستم تحسنون أن تسألوه. ثم قال له : كيف تقول : إنك لتبرق لى

__________________

(١) البيت من قصيدة فى ديوانه يقولها فى رثاء من مات من أهله فى وقعة الحرّة. وقبله :

ذهب الصبا وتركت غيتيه

ورأى الغوانى شيب لمتيه

وهجرتنى وهجرتهن وقد

غنيت كرائمها يطفن بيه

إذ لمتى سوداء ليس بها

وضح ولم أفجع بإخوتيه

الحاملين لواء قومهم

والذائدين وراء عورتيه (نجار).

(٢) البيت من مجزوء الكامل ، وهو للكميت فى ديوانه ١ / ٢٢٥ ، ولسان العرب (رعد) ، (برق) ، وتهذيب اللغة ٢ / ٢٠٨ ، ٩ / ١٣١ ، وجمهرة اللغة ص ٦٣٢ ، وكتاب العين ٢ / ٣٤ ، ٥ / ١٥٦ ، وديوان الأدب ٢ / ٣١٦ ، وتاج العروس (رعد) ، والاشتقاق ص ٤٤٧ ، وأمالى القالى ١ / ٩٦ ، وسمط اللآلى ص ٣٠٠ ، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة ١ / ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢ / ٤١١ ، والمخصص ١٤ / ٢٢٨ ، وديوانه ١ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

٤٨٨

وترعد؟. فقال له الأعرابىّ : أفى الجخيف تعنى؟ أى التهدد. فقال : نعم. فقال الأعرابىّ : إنك لتبرق لى وترعد. فعدت إلى الأصمعىّ ، فأخبرته ، فأنشدنى :

إذا جاوزت من ذات عرق ثنيّة

فقل لأبى قابوس : ما شئت فارعد (١)

ثم قال لى : هكذا كلام العرب.

وقال أبو حاتم أيضا : قرأت على الأصمعىّ زجر العجّاج ، حتى وصلت إلى قوله :

* جأبا ترى بليته مسحّجا*

فقال : ... تليله (فقلت : بليته. فقال : تليله) مسحّجا ، فقلت له : أخبرنى به من سمعه من فلق فى رؤبة ، أعنى أبا زيد الأنصارىّ ، فقال : هذا لا يكون (فقلت : جعل (مسحّجا) مصدرا أى تسحيجا. فقال : هذا لا يكون). فقلت : قال جرير :

* ألم تعلم مسرحى القوافى (٢) *

أى تسريحى ، فكأنه توقّف. فقلت : قد قال الله ـ تعالى ـ : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) [سبأ : ١٩] ، فأمسك.

ومن ذلك إنكار أبى حاتم على عمارة بن عقيل جمعه الريح على أرياح. قال : فقلت (له فيه) : إنما هى أرواح. فقال : قد قال ـ عزوجل ـ : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢] وإنما الأرواح جمع روح. فعلمت بذلك أنه (ممن لا) يجب أن يؤخذ عنه.

وقال أبو حاتم : كان الأصمعىّ ينكر زوجة ؛ ويقول : إنما هى زوج. ويحتجّ

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للمتلمس الضبعىّ فى ملحق ديوانه ص ٢٨٠ ، وسمط اللآلى ص ٣٠١ ، وفصل المقال ص ٤٤٩ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٣٢٢ ، والمخصص ١٤ / ٢٢٨ ، والاشتقاق ص ٤٤٧ ، وأمالى القالى ١ / ٩٦ ، والمزهر ٢ / ٣٤٠.

(٢) عجز بيت من الوافر ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (صرف) ، وتهذيب اللغة ١٢ / ١٦٣ ، ونسبه محقق تهذيب اللغة لجرير ، وصدره :

* قصائد غير مصرفة القوافى*

٤٨٩

بقول الله ـ تعالى ـ : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧] قال : فأنشدته قول ذى الرمّة :

أذو زوجة فى المصر أم ذو خصومة

أراك لها بالبصرة العام ثاويا (١)

فقال : ذو الرمّة طالما أكل المالح والبقل فى حوانيت البقّالين. قال : وقد قرأنا عليه (من قبل) لأفصح الناس فلم ينكره :

فبكى بناتى شجوهنّ وزوجتى

والطامعون إلىّ ثم تصدّعوا (٢)

وقال آخر :

من منزلى قد أخرجتنى زوجتى

تهرّ فى وجهى هرير الكلبة (٣)

وقد كان يعاب ذو الرمّة بقوله :

حتى إذا دوّمت فى الأرض راجعه

كبر ، ولو شاء نجّى نفسه الهرب (٤)

فقيل : إنما يقال : دوّى فى الأرض ، ودوّم فى السماء.

وعيب أيضا فى قوله :

* والجيد من أدمانة عنود*

فقيل : إنما يقال : أدماء وآدم. والأدمان جمع ؛ كأحمر وحمران ، وأنت لا تقول : حمرانة ولا صفرانة. وكان أبو علىّ يقول : بنى من هذا الأصل فعلانة ؛ كخمصانة.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١٣١١ ـ ١٣١٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٣٩ ، ولسان العرب (دهن) ، والمزهر فى علوم اللغة وأنواعها ٢ / ٣٧٦ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٩٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ٤٢.

(٢) البيت من الكامل ، وهو لعبدة بن الطبيب فى ديوانه ص ٥٠ ، وشرح اختيارات المفضل ص ٧٠١ ، ونوادر أبى زيد ص ٢٣ ، ولأبى ذؤيب فى المقاصد النحوية ٢ / ٤٧٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١١٦ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٥ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٠ ، وروى الظاعنون مكان الطامعون.

(٣) الرجز بلا نسبة فى المخصص ١٧ / ٢٤.

(٤) البيت من البسيط ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١٠٢ ، وجمهرة اللغة ص ٦٨٤ ، ولسان العرب (دوم) ، (دوا).

٤٩٠

وهذا ونحوه مما يعتدّ فى أغلاط العرب ؛ إلا أنه لمّا كان من أغلاط هذه الطائفة القريبة العهد ، جاز أن نذكره فى سقطات العلماء. ويحكى أن أبا عمرو رأى ذا الرمّة فى دكّان طحّان بالبصرة يكتب ، قال : فقلت : ما هذا يا ذا الرمة! فقال : اكتم علىّ يا أبا عمرو. ولمّا قال أيضا :

كأنّما عينها منها وقد ضمرت

وضمّها السير فى بعض الأضا ميم (١)

فقيل له : من أين عرفت الميم؟ فقال : والله ما أعرفها ؛ إلا أنى رأيت معلما خرج إلى البادية فكتب حرفا ، فسألته عنه ، فقال : هذا الميم ؛ فشبّهت به عين الناقة. وقد أنشدوا :

* كما بيّنت كاف تلوح وميمها (٢) *

وقد قال أبو النجم :

أقبلت من عند زياد كالخرف

تخطّ رجلاى بخط مختلف

تكتّبان فى الطريق لام الف (٣)

وحكى أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدىّ عن أحمد بن يحيى عن سلمة قال : حضر الأصمعىّ وأبو عمرو الشيبانىّ عند أبى السمراء ، فأنشده الأصمعىّ :

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ٤٢٥ ، ولسان العرب (موم) ، وتاج العروس (موم) ، وروى كأنه مكان كأنما.

(٢) عجز بيت من الطويل ، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص ٢٥٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٨ ، والكتاب ٣ / ٢٦٠ ، ولسان العرب (كوف) ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ٢ / ٧٨٢ ، وشرح المفصل ٦ / ٢٩ ، والمقتضب ١ / ٢٣٧ ، ٤ / ٤٠. وصدره :

* أهاجتك آيات أبان قديمها*

(٣) الرجز لأبى النجم فى خزانة الأدب ١ / ٩٩ ، ولسان العرب (كتب) ، (خطط) ، (خرف) ، والدرر ٥ / ١١٣ ، وسر صناعة الإعراب ص ٦٥١ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٥٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٩٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٧٠ ، وتاج العروس (كتب) ، (خطط) ، (خرف) ، (تلل) ، وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٢٣ ، والكتاب ٣ / ٢٦٦ ، والمقتضب ١ / ٢٣٧ ، ٣ / ٣٥٧ ، والمخصص ١٣ / ٤ ، ١٤ / ٩٥ ، ١٧ / ٥٣ ، ٥٤.

٤٩١

بضرب كآذان الفراء فضوله

وطعن كتشهاق العفا همّ بالنهق (١)

ثم ضرب بيده إلى فرو كان بقربه ، يوهم أن الشاعر أراد : فروا. فقال أبو عمرو : أراد الفرو. فقال الأصمعىّ : هكذا روايتكم!

ويحكى عن رؤبة فى توجّهه إلى قتيبة بن مسلم أنه قال : جاءنى رجلان ، فجلسا إلىّ وأنا أنشد شيئا من شعرى ، فهمسا بينهما ، فتفقت عليهما ، فهمدا. ثم سألت عنهما ، فقيل لى : الطرمّاح والكميت. فرأيتهما ظريفين ، فأنست بهما. ثم كانا يأتيانى ، فيأخذان الشىء بعد الشىء من شعرى ، فيودعانه أشعارهما.

وقد كان قدماء أصحابنا يتعقّبون رؤبة وأباه ، ويقولون : تهضّما اللغة ، وولداها ، وتصرّفا فيها ، غير تصرّف الأقحاح فيها. وذلك لإيغالهما فى الرجز ، وهو مما يضطرّ إلى كثير من التفريع والتوليد ؛ لقصره ، ومسابقة قوافيه.

وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد بإسناده عن الأصمعىّ قال : قال لى الخليل : جاءنا رجل فأنشدنا :

* ترافع العزّ بنا فارفنععا*

فقلنا : هذا لا يكون. فقال : كيف جاز للعجّاج أن يقول :

* تقاعس العزّ بنا فاقعنسسا (٢) *

فهذا ونحوه يدلّك على منافرة القوم لهما ، وتعقّبهم إياهما ، وقد ذكرنا هذه

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لأبى الطمحان حنظلة بن شرقى فى لسان العرب (شهق) ، (سكن) ، (عفا) ، وتاج العروس (نهق) ، (سكن) ، (عفا) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (فرأ) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٢٣ ، وديوان الأدب ٤ / ٢٢ ، والمخصص ٨ / ٤٤ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٥٩ ، وتاج العروس (فرأ) ، (شهق) ، وروى الشطر الأول برواية أخرى :

* بضرب يزيل الهام عن سكناته*

العفا : ولد حمار الوحش. والفراء : جمع الفرأ ، وهو حمار الوحش. وانظر اللسان (عفا) ، (فرأ).

(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ٢١٠ ـ ٢١١ ، ولسان العرب (قعس) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ٢٩٧ ، وتاج العروس (قعس) ، وأساس البلاغة (قيس) ؛ ولرؤبة فى ديوان الأدب ٢ / ٤٦٥ ، ولسان العرب (قيس) ، وليس فى ديوانه ، ولجرير فى تاج العروس (قيس) ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى ديوان الأدب ٣ / ٤٥٧ ، وكتاب العين ١ / ١٣٠ ، ٢ / ٣٤٩.

٤٩٢

الحكاية فيما مضى من هذا الكتاب ؛ وقلنا فى معناها : ما وجب هناك.

وحكى الأصمعىّ قال : دخلت على حماد بن سلمة وأنا حدث ، فقال لى : كيف تنشد قول الحطيئة : (أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ما ذا. فقلت) :

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا (١)

فقال : يا بنىّ ؛ أحسنوا البنا. يقال : بنى ، يبنى ، بناء فى العمران ، وبنا يبنو بنا ، فى الشرف. هكذا هذه الحكاية ، رويناها عن بعض أصحابنا. وأمّا الجماعة فعندها أن الواحد من ذلك : بنية وبنية ؛ فالجمع على ذلك : البنى ، والبنى.

وأخبرنا أبو بكر محمد بن علىّ بن القاسم الذهبىّ بإسناده عن أبى عثمان أنه كان عند أبى عبيدة ، فجاءه رجل ، فسأله ، فقال له : كيف تأمر من قولنا : عنيت بحاجتك؟ فقال له أبو عبيدة : اعن بحاجتى. فأومأت إلى الرجل : أى ليس كذلك. فلمّا خلونا قلت له : إنما يقال : لتعن بحاجتى. قال : فقال لى أبو عبيدة : لا تدخل إلىّ. فقلت : لم؟ فقال : لأنك كنت مع رجل خوزىّ (٢) ، سرق منى عاما أوّل قطيفة لى. فقلت : لا والله ما الأمر كذلك : ولكنك سمعتنى أقول ما سمعت ، أو كلاما هذا معناه.

وحدّثنا أبو بكر محمد بن علىّ المراغىّ قال : حضر الفرّاء أبا عمر الجرمىّ ، فأكثر سؤاله إياه. قال : فقيل لأبى عمر : قد أطال سؤالك ؛ أفلا تسأله! فقال له أبو عمر : يا أبا زكرياء ، ما الأصل فى قم؟ فقال : أقوم. قال : فصنعوا ما ذا؟ قال : استثقلوا الضمة على الواو ، فأسكنوها ، ونقلوها إلى القاف. فقال له أبو عمر : (هذا خطأ) : الواو إذا سكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح ، ولم تستثقل الحركات فيها. ويدلّ على صحّة قول أبى عمر إسكانهم إياها وهى مفتوحة فى نحو يخاف وينام ؛ ألا ترى أن أصلهما : يخوف ، وينوم. وإنما إعلال المضارع هنا محمول على

__________________

(١) البيت من الطويل وهو للحطيئة فى ديوانه ص ٤١ ، ولسان العرب (عقد) ، (بنى) ، والمخصص ٢ / ١٦٤ ، ٥ / ١٢٢ ، ١٥ / ١٣٩ ، وتهذيب اللغة ١ / ١٩٧ ، ١٥ / ٤٩٢ ، وتاج العروس (بنى).

(٢) نسبة إلى سكان جبل الخوز من أرض فارس.

٤٩٣

إعلال الماضى. وهذا مشروح فى موضعه.

ومن ذلك حكاية أبى عمر مع الأصمعىّ وقد سمعه يقول. أنا أعلم الناس بالنحو ، فقال له الأصمعىّ : (يا أبا عمر) كيف تنشد (قول الشاعر) :

قد كن يخبأن الوجوه تستّرا

فالآن حين بدأن للنظّار (١)

بدأن أو بدين؟ فقال أبو عمر : بدأن. فقال الأصمعىّ : يا أبا عمر ، أنت أعلم الناس بالنحو! ـ يمازحه ـ إنما هو بدون ، أى ظهرن. فيقال : إن أبا عمر تغفّل الأصمعىّ ، فجاءه يوما وهو فى مجلسه ، فقال له أبو عمر : كيف تحقر مختارا؟

فقال الأصمعىّ : مخيتير. فقال له أبو عمر : أخطأت ؛ إنما هو مخيّر أو مخير ؛ تحذف التاء ؛ لأنها زائدة.

حدّثنى أبو علىّ قال : اجتمعت مع أبى بكر بن الخيّاط عند أبى العبّاس المعمرىّ بنهر معقل ، فى حديث حدّثنيه طويل. فسألته عن العامل فى (إذا) من قوله ـ سبحانه ـ : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [سبأ : ٧] قال : فسلك فيها مسلك الكوفيين. فكلّمته إلى أن أمسك. وسألته عن غيرها ، وعن غيرها ؛ وافترقنا. فلمّا كان الغد اجتمعت معه عند أبى العباس ، وقد أحضر جماعة من أصحابه ، فسألونى ، فلم أر فيهم طائلا. فلمّا انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم : كيف تبنى من سفرجل مثل عنكبوت؟ فقال : سفرروت.

فلما سمعت ذلك قمت فى المسجد قائما ، وصفّقت بين الجماعة : سفرروت! سفرروت! فالتفت إليهم أبو بكر ، فقال : لا أحسن الله جزاءكم ولا أكثر فى الناس مثلكم! وافترقنا ، فكان آخر العهد به.

قال أبو حاتم : قرأ الأخفش ـ يعنى أبا الحسن ـ : «وقولوا للناس حسنى» [البقرة : ٨٣] فقلت : هذا لا يجوز ؛ لأن (حسنى) مثل فعلى ، وهذا لا يجوز إلا بالألف واللام. قال : فسكت. قال أبو الفتح : هذا عندى غير لازم لأبى الحسن ؛ لأن (حسنى) هنا غير صفة ؛ وإنما هو مصدر بمنزلة الحسن ؛ كقراءة غيره : (وَقُولُوا

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١٠١٩ ، ١٢٥٧ ، وروى : بدون مكان بدأن.

٤٩٤

لِلنَّاسِ حُسْناً) ومثله فى الفعل والفعلى : الذكر والذكرى ، وكلاهما مصدر. ومن الأوّل البؤس والبؤسى ، والنعم والنعمى. ولذلك نظائر.

وروينا ـ فيما أظنّ ـ عن محمد بن سلّام الجمحىّ قال : قال لى يونس بن حبيب : كان عيسى بن عمر يتحدّث فى مجلس فيه أبو عمرو بن العلاء. فقال عيسى فى حديثه : ضربه فحشّت يده. فقال أبو عمرو : ما تقول يا أبا عمر! فقال عيسى : فحشّت (١) يده. فقال أبو عمرو : فحشّت يده. قال يونس : التى ردّه عنها جيّدة. يقال : حشّت يده ـ بالضمّ ـ وحشّت يده ـ بالفتح ـ وأحشّت. وقال يونس : وكانا إذا اجتمعا فى مجلس لم يتكلّم أبو عمرو مع عيسى ؛ لحسن إنشاده وفصاحته.

الزيادىّ عن الأصمعىّ قال : حضر الفرزدق مجلس ابن أبى إسحاق ، فقال له : كيف تنشد هذا البيت :

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما تفعل الخمر (٢)

فقال الفرزدق : كذا أنشد. فقال ابن أبى إسحاق : ما كان عليك لو قلت : فعولين! فقال الفرزدق : لو شئت أن تسبّح لسبّحت. ونهض فلم يعرف أحد فى المجلس ما أراد بقوله : لو شئت أن تسبّح لسبّحت ، أى لو نصب لأخبر أن الله خلقهما وأمرهما أن تفعلا ذلك ، وإنما أراد : أنهما تفعلان بالألباب ما تفعل الخمر (قال أبو الفتح : كان هنا تامّة غير محتاجة إلى الخبر ، فكأنه قال : وعينان قال الله :

احدثا فحدثتا ، أو اخرجا إلى الوجود فخرجتا).

وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال : سأل رجل سيبويه عن قول الشاعر :

* يا صاح يا ذا الضامر العنس (٣) *

__________________

(١) حشت يده : يبست.

(٢) قبله :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشى لا هراء ولا نزر

(٣) صدر بيت من الكامل ، وهو لخالد بن مهاجر فى الأغانى ١٠ / ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١٣٦ ، ١٦ / ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ولخزز بن لوذان فى خزانة الأدب ٢ / ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، والكتاب

٤٩٥

فرفع سيبويه (الضامر) فقال له الرجل : إن فيها :

* والرحل (ذى الأقتاد) والحلس (١) *

فقال سيبويه : من هذا هربت. وصعد فى الدّرجة. قال أبو الفتح : هذا عندنا محمول على معناه دون لفظه. وإنما أراد : يا ذا العنس الضامر ، والرحل (ذى الأقتاد) فحمله على معناه ، (دون لفظه).

قال أبو العباس : حدّثنى أبو عثمان قال : جلست فى حلقة الفرّاء ، فسمعته يقول لأصحابه : لا يجوز حذف لام الأمر إلا فى شعر. وأنشد :

من كان لا يزعم أنى شاعر

فيدن منّى تنهه المزاجر (٢)

قال : فقلت له : لم جاز فى الشعر ولم يجز فى الكلام؟ فقال : لأن الشعر يضطرّ فيه الشاعر ، فيحذف. قال : فقلت : وما الذى اضطرّه هنا ، وهو يمكنه أن يقول : فليدن منّى؟ قال : فسأل عنىّ ، فقيل له : المازنىّ ، فأوسع لى. قال أبو الفتح : قد كان يمكن الفرّاء أن يقول له : إن العرب قد تلزم الضرورة فى الشعر فى حال السعة ؛ أنسا بها (واعتيادا لها) ، وإعدادا لها لذلك عند وقت الحاجة إليها ؛ ألا ترى إلى قوله :

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع

فرفع للضرورة ، ولو نصب لما كسر الوزن. وله نظائر. فكذلك قال : (فيدن منى) وهو قادر على أن يقول : (فليدن منى) ؛ لما ذكرت.

والمحفوظ فى هذا قول أبى عمرو لأبى خيرة وقد قال : استأصل الله عرقاتهم ـ

__________________

٢ / ١٩٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٠ ، وشرح قطر الندى ص ٢١١ ، وشرح المفصل ٢ / ٨ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٥١٣ ، والمقتضب ٢ / ٥٤ ، ٤ / ٢٢٣ ، والمقرب ١ / ١٧٩.

(١) عجز بيت من الكامل ، وهو لخالد بن مهاجر فى الأغانى ١٠ / ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١٣٦ ، ١٦ / ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ولخزز بن لواذان فى خزانة الأدب ٢ / ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، والكتاب ٢ / ١٩٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٠ ، وشرح قطر الندى ص ٢١١ ، وشرح المفصل ٢ / ٨ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٥١٣ ، والمقتضب ٢ / ٥٤ ، ٤ / ٢٢٣ ، والمقرب ١ / ١٧٩.

(٢) الرجز بلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٥٣٣ ، ورصف المبانى ص ٢٥٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٩٢ ، والشعر والشعراء ١ / ١٠٦ ، ولسان العرب (زجر) ، وتاج العروس (زجر).

٤٩٦

بنصب التاء ـ : هيهات ، أبا خيرة لان جلدك! ثم رواها أبو عمرو فيما بعد.

وأجاز أيضا أبو خيرة : حفرت إراتك ، جمع إرة. وعلى نحوه إنشاد الكوفيين :

* ألا يزجر الشيخ الغيور بناته*

وإنشادهم أيضا :

فلمّا جلاها بالإيام تحيّزت

ثباتا عليها ذلّها واكتئابها (١)

وأصحابنا لا يرون فتح هذه التاء فى موضع النصب. (وأما) عرقاتهم فواحدة ؛ كسعلاة. وكذلك إراة : علفة ، وأصلها : وئرة : فعلة ، فقلبت الفاء إلى موضع اللام ، فصار : (إروة ، ثم قلبت الواو ألفا فصار) إراة ؛ مثل الحادى ، وأصله : الواحد ، فقلبت الفاء إلى موضع اللام ، فصار وزنه على اللفظ : عالفا. ومثله قول القطامىّ :

* ولا تقضّى بواقى دينها الطادى (٢) *

أصله : الواطد ، ثم قلب إلى عالف. وأما ثباة ففعلة من الثبة ، وأما بناته ففعلة ؛ كقناة ؛ كما أن ثباة ، وسمعت لغاتهم إنما (هى واحدة) ؛ كرطبة.

هذا كله إن كان ما رووه ـ من فتح هذه التاء ـ صحيحا ومسموعا من فصيح يؤخذ بلغته ، ولم يجز أصحابنا فتح هذه التاء فى الجماعة ، إلا شيئا قاسه أبو عثمان ، فقال : أقول : لا مسلمات لك ـ بفتح التاء ـ ، قال : لأن الفتحة الآن

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى أدب الكاتب ص ٤٤١ ، وجمهرة اللغة ص ٢٤٨ ، ١٣٣٤ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٥٣ ، وشرح المفصل ٥ / ٨ ، ولسان العرب (أيم) ، (جلا) ، والمحتسب ١ / ١١٨ ، والمنصف ٣ / ٦٣ ، ورصف المبانى ص ١٦٥ ، وشرح المفصل ٥ / ٤ ، والمنصف ١ / ٢٦٢. الإيام : الدّخان ، وجمعه أيم. وآم الدّخان يئيم إياما : دخن. وآم الرجل إياما إذا دخن على النحل ليخرج من الخلية فيأخذ ما فيها من العسل. والبيت فى اللسان (أيم).

(٢) عجز بيت من البسيط ، وهو للقطامى فى ديوانه ص ٧٨ ، ولسان العرب (طود) ، (وطد) ، (طدى) ، ومقاييس اللغة ٦ / ١٢١ ، ومجمل اللغة ٤ / ٥٣٥ ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٣ ، وبلا نسبة فى المخصص ١٢ / ٧١ ، وتاج العروس (طدى) ، وكتاب العين ٧ / ٤٤٣. وصدره :

* ما اعتدا حبّ سليمى حين معتاد*

٤٩٧

ليست ل (مسلمات) وحدها ، وإنما هى لها ول (لا) قبلها. وإنما يمتنع من فتح هذه التاء ما دامت الحركة فى آخرها لها وحدها. فإذا كانت لها ولغيرها فقد زال طريق ذلك الحظر الذى كان عليها. وتقول على هذا : لا سمات بإبلك ـ بفتح التاء ـ على ما مضى. وغيره يقول : لا سمات بها ـ بكسر التاء ـ على كل حال. وفى هذا مسألة لأبى علىّ ـ رحمه‌الله ـ طويلة حسنة.

وقال الرياشىّ : سمعت أبا زيد يقول : قال المنتجع : أغمى على المريض ، وقال أبو خيرة : غمى عليه. فأرسلوا إلى أمّ أبى خيرة ، فقالت : غمى على المريض.

فقال لها المنتجع : أفسدك ابنك. وكان ورّاقا.

وقال أبو زيد : قال منتجع : كمء واحدة وكمأة للجميع. وقال أبو خيرة : كمأة واحدة ، وكمء للجميع ؛ مثل تمرة وتمر ؛ قال : فمرّ بهما رؤبة ، فسألوه ، فقال كما قال منتجع. وقال أبو زيد : قد يقال : كمأة وكمء ؛ كما قال أبو خيرة.

وأخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحجّاج عن أبى علىّ بشر بن موسى الأسدىّ عن الأصمعىّ ، قال : اختلف رجلان ، فقال أحدهما : الصقر ، وقال الآخر : السّقر. فتراضيا بأوّل وارد يرد عليهما ، فإذا رجل قد أقبل ، فسألاه ، فقال : ليس كما قلت أنت ، ولا (كما قلت أنت) ؛ إنما هو الزّقر.

وقال الرياشىّ : حدّثنى الأصمعىّ ، قال : ناظرنى المفضّل عند عيسى بن جعفر ، فأنشد بيت أوس :

وذات هدم عار نواشرها

تصمت بالماء توليا جذعا (١)

فقلت : هذا تصحيف ؛ لا يوصف التولب بالإجذاع ؛ وإنما هو : جدعا ، وهو السّيئ الغذاء. قال : فجعل المفضّل يشغّب ، فقلت له : تكلم كلام النمل وأصب.

__________________

(١) البيت من المنسرح ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٥٥ ، ولسان العرب (تلب) ، (جدع) ، (هدم) ، وتهذيب اللغة ١ / ٣٤٦ ، والمخصص ١٤ / ٦٤ ، وتاج العروس (تلب) ، (هدم) ، والمزهر ٢ / ٣٧٨ ، ولبشر بن أبى حازم فى ديوانه ص ١٢٧ ، ولأوس بن حجر أو لبشر بن أبى حازم فى تاج العروس (جدع) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١٣١٣ ، ومقاييس اللغة ١ / ٤٣٢ ، وديوان الأدب ٢ / ٣٥ ، والعقد الفريد ٢ / ٤٨٣. الهدم ؛ بالكسر : الثوب الخلق المرقّع.

٤٩٨

لو نفخت فى شبّور يهودىّ ما نفعك شيئا.

ومن ذلك إنكار الأصمعىّ على ابن الأعرابىّ ما كان رواه ابن الأعرابىّ لبعض ولد سعيد بن سلم بحضرة سعيد بن سلم لبعض بنى كلاب :

سمين الضواحى ، لم تؤرّقه ليلة

وأنعم أبكار الهموم وعونها (١)

فرفع ابن الأعرابىّ (ليلة) ، ونصبها الأصمعىّ ، وقال : إنما أراد : لم تؤرّقه أبكار الهموم وعونها ليلة ، وأنعم أى زاد على ذلك. فأحضر ابن الأعرابى ، وسئل عن ذلك ، فرفع (ليلة) فقال الأصمعىّ لسعيد : من لم يحسن هذا القدر فليس بموضع لتأديب ولدك ، فنحّاه سعيد ؛ فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابى على الأصمعى.

محمد بن يزيد قال : حدّثنى أبو محمد التوّزيّ عن أبى عمرو الشيبانى قال : كنا بالرقّة ، فأنشد الأصمعىّ :

عننا باطلا وظلما كما تع

نز عن حجرة الربيض الظباء (٢)

فقلت : يا سبحان الله! تعتر من العتيرة. فقال الأصمعىّ : تعنز أى تطعن بعنزة.

فقلت : لو نفخت فى شبّور اليهودىّ ، وصحت إلى التنادى ، ما كان إلا تعتر ، ولا ترويه بعد اليوم إلا تعتر. قال أبو العباس ، قال لى التوزيّ ؛ قال لى أبو عمرو : فقال : والله لا أعود بعده إلى تعنز.

وأنشد الأصمعىّ أبا توبة ميمون بن حفص مؤدّب عمرو بن سعيد بن سلم

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم) ، (ضحا) ، وتهذيب اللغة ٣ / ١١ ، ٥ / ١٥١ ، والمخصص ١ / ١٥٩ ، وتاج العروس (نعم). الضواحى : ما ظهر فيه وبدا. وانظر اللسان (ضحا).

(٢) البيت من الخفيف ، وهو للحارث بن حلزة فى ديوانه ص ٣٦ ، ولسان العرب (حجر) ، (عتر) ، (عنن) ، وجمهرة اللغة ص ١٥٨ ، ٣٩٢ ، وديوان الأدب ٢ / ١٥٦ ، وتهذيب اللغة ١ / ١٠٩ ، ٢ / ٢٦٣ ، ٤ / ١٣٤ ، ١٢ / ٢٦ ، وإنباه الرواة ١ / ٢٥٨ ، وجمهرة الأمثال ٢ / ١٥٣ ، والحيوان ١ / ١٨ ، ٥ / ٥١١ ، وشرح القصائد السبع ص ٤٨٤ ، وشرح القصائد العشر ص ٣٩٩ ، وشرح المعلقات السبع ص ٢٣٣ ، وشرح المعلقات العشر ص ١٢٤ ، والمعانى الكبير ٢ / ٦٨٣ ، وتاج العروس (عثر) ، (عنّ) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (ربض) ، والمخصص ١٣ / ٩٨. عنّ الشىء يعنّ ويعنّ عننا وعنونا : ظهر أمامك ، واعتنّ : اعترض. والاسم العنن والعنان : الاعتراض ، العتر : الذبح. والحجرة : الناحية ، والجمع حجر وحجرات. اللسان (حجر).

٤٩٩

بحضرة سعيد :

واحدة أعضلكم شأنها

فكيف لو قمت على أربع! (١)

قال : ونهض الأصمعىّ فدار على أربع ، يلبس بذلك على أبى توبة. فأجابه أبو توبة بما يشاكل فعل الأصمعىّ ، فضحك سعيد ، وقال (لأبى توبة) : ألم أنهك عن مجاراته فى المعانى ، هذه صناعته.

وروى أبو زيد : ما يعوز له شيء إلا أخذه ، فأنكرها الأصمعىّ ، وقال : إنما هو (يعور) ـ بالراء ـ وهو كما قال الأصمعىّ.

وقال الأثرم علىّ بن المغيرة : مثقل استعان بدفّيه ، ويعقوب بن السكّيت حاضر.

فقال يعقوب : هذا تصحيف ؛ إنما هو : مثقل استعان بذقنه. فقال الأثرم : إنه يريد الرئاسة بسرعة ، ودخل بيته. هذا فى حديث لهما.

وقال أبو الحسن لأبى حاتم : ما صنعت فى كتاب المذكّر والمؤنّث؟ قال : قلت : قد صنعت فيه شيئا. قال : فما تقول فى الفردوس؟ قال : ذكر. قال : فإن الله ـ عزوجل ـ يقول : (الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [المؤمنون : ١١] قال : قلت : ذهب إلى الجنّة ، فأنّث. قال أبو حاتم : فقال لى التوزى : يا عاقل! أما سمعت قول الناس : أسألك الفردوس الأعلى ، (فقلت يا نائم : الأعلى هنا) أفعل لا فعلى! قال أبو الفتح : لا وجه لذكره هنا ؛ لأن الأعلى لا يكون أبدا فعلى.

أبو عثمان قال : قال لى أبو عبيدة : ما أكذب النحويين! يقولون : إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث ، وسمعت رؤبة ينشد :

* فكرّ فى علقى وفى مكور (٢) *

__________________

(١) البيت من السريع ، وهو لذى الإصبع العدوانى فى ديوانه ص ٦٥ ، وكتاب العين ١ / ٢٧٨ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (عفل) ، ومقاييس اللغة ٤ / ١٣٥ ، وأساس البلاغة (دور) ، (عضل) ، وتاج العروس (عضل).

(٢) البيت من الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ٣٦٢ ، ولسان العرب (أخر) ، (مكر) ، (علق) ، وإصلاح المنطق ص ٣٦٥ ، وجمهرة اللغة ص ٧٩٩ ، ٩٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٣٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤١٧ ، والكتاب ٣ / ٢١٢ ، وتاج العروس (مكر) ، (علق) ، وديوان الأدب ٢ / ٥ ، وتهذيب اللغة ١٠ / ٢٤١ ، ولرؤبة فى المخصص ١٥ / ١٨١ ، ١٦ / ٨٨ ، وليس فى ديوانه ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٥٨ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٢٨.

٥٠٠