الخصائص - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٣٢

فله هنالك لا عليه إذا

دنعت أنوف القوم للتعس (١)

فمن هنا دخلت (على) هذه فى هذه الأفعال التى معناها إلى الإخضاع والإذلال.

وما يتطوّع به من غير وجوب كثير. وفيما مضى منه كاف ودالّ عليه بإذن الله.

* * *

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لابن حلّزة فى ديوانه ص ٥١ ، ولسان العرب (فوق) ، (دنع) ، وتاج العروس (دنع) ، وجمهرة اللغة ص ٦٦٥ ، وشرح اختيارات المفضل ص ٦٤١ ، وشعراء النصرانية ص ٤٢٠ ، والمعانى الكبير ص ٥٤٢ ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٢ / ٢٢٤ ، وجمهرة اللغة ص ٣٩٨. ويروى : نقوس بدلا من : أنوف. دنعت : ذلت.

٦١

باب فى التام يزاد عليه فيعود ناقصا

هذا موضع ظاهره ظاهر التناقض ، ومحصوله صحيح واضح.

وذلك قولك : قام زيد ؛ فهذا كلام تامّ ، فإن زدت عليه فقلت : إن قام زيد صار شرطا ، واحتاج إلى جواب. وكذلك قولك : زيد منطلق ؛ فهذا كلام مستقل ، فإذا زاد عليه أنّ (المفتوحة فقال أنّ زيدا منطلق) احتاج إلى عامل يعمل فى أنّ وصلتها ، فقال : بلغنى أن زيدا منطلق ، ونحوه. وكذلك قولك : زيد أخوك ، فإن زدت عليه (أعلمت) لم تكتف بالاسمين فقلت : أعلمت (بكرا زيدا أخاك).

وجماع هذا أن كلّ كلام مستقلّ زدت عليه شيئا غير معقود بغيره ولا مقتض لسواه فالكلام باق على تمامه قبل المزيد عليه. فإن زدت عليه شيئا مقتضيا ـ لغيره ، معقودا به عاد الكلام ناقصا ، لا لحاله الأولى ، بل لما دخل عليه معقودا بغيره.

فنظير الأوّل قولك : زيد قائم ، وما زيد قائم وقائما على اللغتين ، وقولك : قام محمد ، وقد قام محمد ، وما قام محمد ، وهل قام محمد ، وزيد أخوك ، وإنّ زيدا أخوك ، وكان زيد أخاك ، وظننت زيدا أخاك.

ونظير الثانى ما تقدّم من قولنا : قام زيد ، وإن قام زيد. فإن جعلت (إن) هنا نفيا بقى على تمامه ؛ ألا تراه بمعنى ما قام زيد.

ومن الزائد العائد بالتمام إلى النقصان قولك : يقوم زيد ؛ فإن زدت اللام والنون فقلت : ليقومنّ زيد فهو محتاج إلى غيره ، وإن لم يظهر هنا فى اللفظ ؛ ألا ترى أن تقديره عند الخليل أنه جواب قسم ، أى أقسم ليقومنّ ، أو نحو ذلك. فاعرف ذلك إلى ما يليه.

* * *

٦٢

باب فى زيادة الحروف وحذفها

وكلا ذينك ليس بقياس ؛ لما سنذكره.

أخبرنا أبو علىّ ـ رحمه‌الله ـ قال قال أبو بكر : حذف الحروف ليس بالقياس.

قال : وذلك أن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار ، فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هى أيضا ، واختصار المختصر إجحاف به. تمت الحكاية.

وتفسير قوله : «إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار» هو أنك إذا قلت : ما قام زيد فقد أغنت (ما) عن (أنفى) ؛ وهى جملة فعل وفاعل. وإذا قلت : قام القوم إلا زيدا فقد نابت (إلا) عن (أستثنى) وهى فعل وفاعل. وإذا قلت قام زيد وعمرو ؛ فقد نابت الواو عن (أعطف). وإذا قلت : ليت لى مالا ؛ فقد نابت (ليت) عن (أتمنّى). وإذا قلت : هل قام أخوك ؛ فقد نابت (هل) عن (أستفهم).

وإذا قلت : ليس زيد بقائم ؛ فقد نابت الباء عن (حقّا) ، و (ألبتّة) ، و (غير ذى شكّ). وإذا قلت (فبما نقضهم ميثاقهم) فكأنك قلت : فبنقضهم ميثاقهم فعلنا كذا حقّا ، أو يقينا. وإذا قلت : أمسكت بالحبل ؛ فقد نابت الباء عن قولك : أمسكته مباشرا له وملاصقة يدى له. وإذا قلت : أكلت من الطعام ؛ فقد نابت (من) عن البعض ، أى أكلت بعض الطعام. وكذلك بقيّة ما لم نسمه.

فإذا كانت هذه الحروف نوائب عمّا هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذا أن تتخرّق عليها ، فتنتهكها وتجحف بها.

ولأجل ما ذكرنا : من إرادة الاختصار بها لم يجز أن تعمل فى شيء من الفضلات : الظرف والحال والتمييز والاستثناء وغير ذلك. وعلّته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب من الاختصار ؛ فلو ذهبوا يعملونها فيما بعد لنقضوا ما أجمعوه ، وتراجعوا عما اعتزموه.

فلهذا لا يجوز ما زيد أخوك قائما ؛ على أن تجعل (قائما) حالا منك ، أى أنفى هذا فى حال قيامى ، ولا حالا من (زيد) ، أى أنفى هذا عن زيد فى حال قيامه. ولا هل زيد أخوك يوم الجمعة ؛ على أن تجعل يوم الجمعة ظرفا لما دلت عليه

٦٣

(هل) من معنى الاستفهام.

فإن قلت : فقد أجازوا ليت زيدا أخوك قائما ونحو ذلك فنصبوه بما فى ليت من معنى التمنّى ، وقال النابغة :

كأنه خارجا من جنب صفحته

سفّود شرب نسوه عند مفتأد (١)

فنصب (خارجا) على الحال بما فى (كأنّ) من معنى التشبيه ، وأنشد أبو زيد :

كأنّ دريئة لمّا التقينا

لنصل السيف مجتمع الصداع (٢)

فأعمل معنى التشبيه فى (كأن) فى الظرف الزمانىّ الذى هو (لمّا التقينا).

قيل : إنما جاز ذلك فى (ليت) و (كأنّ) لما اجتمع فيهما : وهو أن كلّ واحدة منهما فيها معنى الفعل (من التمنى) والتشبيه (وأيضا) فكل (واحدة) منهما رافعة وناصبة كالفعل القوىّ المتعدّى ، وكلّ واحدة منهما متجاوزة عدد الاثنين ، فأشبهت بزيادة عدّتها الفعل ؛ وليس كذلك ما كان على حرف ، ولا ما كان على حرفين ؛ لأنه لم يجتمع فيه ما اجتمع فى ليت ولعلّ.

ولهذا كان ما ذهب إليه أبو العباس : من أنّ (إلا) فى الاستثناء هى الناصبة ؛ لأنها نابت عن (أستثنى) ، و (لا أعنى) مردودا عندنا ؛ لما فى ذلك من تدافع الأمرين : الإعمال المبقّى حكم الفعل ، والانصراف عنه إلى الحرف المختصر به القول.

نعم ، وإذا كانت هذه الحروف تضعف وتقلّ عن العمل فى الظروف كانت من العمل فى الأسماء الصريحة القويّة التى ليست ظروفا ولا أحوالا ولا تمييزا لاحقا بالحال اللاحقة بالظرف أبعد.

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٩ ، والأشباه والنظائر ٦ / ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٨٥ ، ١٨٧ ، ولسان العرب (فأد) ، وتهذيب اللغة ١٤ / ١٩٦ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٢١١ ، ٢٩٥ ، وكتاب العين ٨ / ٨. السفود : الحديدة التى يشوى عليها اللحم.

(٢) البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (أنن) ، والمخصص ٣ / ٣١. الدريئة : حلقة يتعلم عليها الطعن. ومجتمع الصداع الرأس.

٦٤

فإن قلت : فقد قالوا : يا عبد الله ويا خيرا من زيد ، فأعملوا (يا) فى الاسم الصريح وهى حرف ، فكيف القول فى ذلك؟

قيل : ل (يا) فى هذه خاصة فى قيامها مقام الفعل ليست لسائر الحروف وذلك أن (هل) تنوب عن (أستفهم) ، و (ما) تنوب عن (أنفى) ، و (إلا) تنوب عن (أستثنى) وتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف هى الناصبة فى الأصل. فلما انصرفت عنها إلى الحروف طلبا للإيجاز ، ورغبة عن الإكثار ، أسقطت عمل تلك الأفعال ، ليتمّ لك ما انتحيته من الاختصار. وليس كذلك يا.

وذلك (أن يا) نفسها هى العامل الواقع على زيد ، وحالها فى ذلك حال (أدعو) و (أنادى) فى كون كل واحد منهما هو العامل فى المفعول ، وليس كذلك ضربت وقتلت ونحوه. وذلك أن قولك : ضربت زيدا وقتلت عمرا الفعل الواصل إليهما المعبّر بقولك : ضربت عنه ليس هو نفس (ض ر ب) إنما ثمّ أحداث هذه الحروف دلالة عليها ؛ وكذلك القتل والشتم والإكرام ونحو ذلك. وقولك : أنادى عبد الله ، وأدعو عبد الله ؛ ليس هنا فعل واقع على (عبد الله) غير هذا اللفظ ، و (يا) نفسها فى المعنى ك (أدعو) ؛ ألا ترى أنك إنما تذكر بعد (يا) اسما واحدا ، كما تذكره بعد الفعل المستقلّ بفاعله إذا كان متعدّيا إلى مفعول واحد ؛ كضربت زيدا ، ولقيت قاسما ، وليس كذلك حرف الاستفهام وحرف النفى ، إنما تدخلهما على الجمل المستقلّة فتقول : ما قام زيد وهل قام أخوك. فلمّا قويت (يا) فى نفسها وأوغلت فى شبه الفعل تولّت بنفسها العمل.

فإن قلت : فإنما تذكر بعد (إلا) اسما واحدا أيضا ، قيل : الجملة قبل (إلا) منعقدة بنفسها ، وإلا فضلة فيها. وليس كذلك يا ؛ لأنك إذا قلت : يا عبد الله تمّ الكلام بها وبمنصوب بعدها ، فوجب أن تكون هى كأنها الفعل المستقل بفاعله ، والمنصوب هو المفعول بعدها ، فهى فى هذا الوجه كرويد زيدا.

ومن وجه آخر أن قولك : يا زيد لمّا اطّرد فيه الضمّ وتمّ به القول جرى مجرى ما ارتفع بفعله أو بالابتداء ؛ فهذا أدون حالى يا أعنى أن (يكون) كأحد جزأى الجملة. وفى القول الأوّل هى جارية مجرى الفعل مع فاعله. فلهذا قوى حكمها وتجاوزت رتبة الحروف التى إنما هى ألحاق وزوائد على الجمل.

٦٥

فلذلك عملت يا ولم تعمل هل ، ولا ما ، ولا شيء من ذلك النصب بمعنى الفعل الذى دلّت عليه ، ونابت عنه. ولذلك ما وصلت تارة بنفسها فى قولك : يا عبد الله ، وأخرى بحرف الجرّ ؛ نحو قوله : يا لبكر ، فجرت فى ذلك مجرى ما يصل من الفعل تارة بنفسه ، وأخرى بحرف الجرّ ؛ نحو قوله : خشّنت صدره ، وبصدره ، وجئت زيدا ، وجئت إليه ، واخترت الرجال ، ومن الرجال ، وسمّيته زيدا ، وبزيد ، وكنيته أبا علىّ وبأبى علىّ.

فإن قلت : (فقد) قال الله سبحانه : «ألا يا اسجدوا» [النمل : ٢٥] وقد قال غيلان :

*ألا يا اسلمى يا دار ميّ على البلى (١) *

وقال :

*يا دار هند يا اسلمى ثم اسلمى (٢) *

فجاء بيا ولا منادى معها ، قيل : يا فى هذه الأماكن قد جرّدت من معنى النداء وخلصت تنبيها. ونظيرها فى الخلع من أحد المعنيين وإفراد الآخر : (ألا) ؛ لها فى الكلام معنيان : افتتاح الكلام ، والتنبيه ؛ نحو قول الله سبحانه : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ) [الصافات : ١٥١] ، وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) [البقرة : ١٢] و (قول كثير) :

*ألا إنّما ليلى عصا خيزرانة (٣) *

__________________

(١) صدر البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوان ص ٥٥٩ ، والإنصاف ١ / ١٠٠ ، وتخليص الشواهد ص ٢٣١ ، ٢٣٢ ، والدرر ٢ / ٤٤ ، ٤ / ٦١ ، وشرح التصريح ١ / ١٨٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦١٧ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ٢٣٢ ، واللامات ص ٣٧ ، ولسان العرب (يا) ، (ألا) ، ومجالس ثعلب ١ / ٤٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٦ ، ٤ / ٢٨٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٢٣٥ ، وجواهر الأدب ص ٢٩٠ ، والدرر ٥ / ١١٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٨ ، وشرح ابن عقيل ص ١٣٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ١٩٩ ، وشرح قطر الندى ص ١٢٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٤٣ ، ١ / ١١١ ، ٢ / ٤ ، ٧٠. وعجز البيت :

*ولا زال منهلا بجرعائك القطر*

(٢) سبق تخريجه ، برواية : يا دار سلّمى بدلا من : يا دار هند.

(٣) صدر بيت لكثير عزة فى ديوانه. وعجزه :

*إذا غمزوها بالأكف تلين*

٦٦

فإذا دخلت على (يا) خلصت (ألا) افتتاحا وخصّ التنبيه بيا. وذلك كقول نصيب :

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد

فقد زادنى مسراك وجدا على وجد

فقد صحّ بما ذكرناه إلى أن قادنا إلى هنا أن حذف الحروف لا يسوّغه القياس ؛ لما فيه من الانتهاك والإجحاف.

وأمّا زيادتها فخارج عن القياس أيضا.

وذلك أنه إذا كانت إنما جيء بها اختصارا وإيجازا كانت زيادتها نقضا لهذا الأمر ، وأخذا له بالعكس والقلب ؛ ألا ترى أن الإيجاز ضدّ الإسهاب ؛ وذلك لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من صلة الذى فى نحو (الذى ضربت زيد) ، فأفسد أن تقول : الذى ضربت نفسه زيد. قال : لأن ذلك نقض ؛ من حيث كان التوكيد إسهابا والحذف إيجازا. وذلك أمر ظاهر التدافع.

هذا هو القياس : ألا يجوز حذف الحروف ولا زيادتها. ومع ذلك فقد حذفت تارة ، وزيدت أخرى.

أمّا حذفها فكنحو ما حكاه أبو عثمان عن أبى زيد من حذف حرف العطف فى نحو قولهم : أكلت لحما ، سمكا ، تمرا. وأنشد أبو الحسن :

كيف أصبحت كيف أمسيت مما

يزرع الودّ فى فؤاد الكريم (١)

يريد : كيف أصبحت ، وكيف أمسيت. وأنشد ابن الأعرابىّ :

وكيف لا أبكى على علاتى

صبائحى ، غبائقى ، قيلاتى (٢)

أى صبائحى وغبائقى ، وقيلاتى. وقد يجوز أن يكون بدلا ؛ أى كيف لا أبكى

__________________

(١) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٨ / ١٣٤ ، والدرر ٦ / ١٥٥ ، وديوان المعانى ٢ / ٢٢٥ ، ورصف المبانى ص ٤١٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٠. ويروى : يغرس بدلا من يزرع.

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (صبح) ، (غبق) ، (قيل) ، وتهذيب اللغة ٤ / ٢٦٦ ، ٩ / ٣٠٥ ، ١٦ / ١٥١ ، وديوان الأدب ٣ / ٣١٢ ، وتاج العروس (غبق) ، (قيل) ، ويروى : ما لى لا أسقى على علاتى بدلا من : وكيف لا أبكى على علاتى.

٦٧

على علاتى التى هى صبائحى وهى غبائقى وهى قيلاتى ، فيكون هذا من بدل الكل. والمعنى الأوّل أن منها صبائحى ومنها غبائقى ومنها قيلاتى.

ومن ذلك ما كان يعتاده رؤبة إذا قيل له : كيف أصبحت فيقول : خير عافاك (أى بخير) وحكى سيبويه : الله لا أفعل ، يريد والله. ومن أبيات الكتاب :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشرّ بالشرّ عند الله مثلان (١)

أى فالله يشكرها.

وحذفت همزة الاستفهام ؛ نحو قوله :

فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر

أتونى وقالوا : من ربيعة أو مضر؟ (٢)

(يريد أمن ربيعة) وقال الكميت :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب (٣)

أراد : أو ذو الشيب يلعب. ومنه قول ابن أبى ربيعة :

ثم قالوا تحبّها قلت بهرا

عدد القطر والحصى والتراب (٤)

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لكعب بن مالك فى ديوانه ص ٢٨٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠٩ ، وله أو لعبد الرحمن بن حسان فى خزانة الأدب ٩ / ٤٩ ، ٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٧٨ ، ولعبد الرحمن بن حسان فى خزانة الأدب ٢ / ٣٦٥ ، ولسان العرب (بجل) ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٥٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٣ ، ونوادر أبى زيد ص ٣١ ، ولحسان بن ثابت فى الدرر ٥ / ٨١ ، والكتاب ٣ / ٦٥ ، وليس فى ديوانه وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ١١٤ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢١٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٠ ، ٧٧ ، ١ / ٣٥٧ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٨٦ ، وشرح المفصل ١ / ٢٧٦ ، والمنصف ٣ / ١١٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٠ ، ويروى (سيّان» مكان «مثلان».

(٢) البيت من الطويل ، وهو لعمران بن حطان فى ديوانه ص ١١١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٥٩ ، والمحتسب ١ / ٥٠ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٦٩ ، ٦٧٠.

(٣) البيت من الطويل ، وهو للكميت فى جواهر الأدب ص ٣٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣١٩ ، ١١ / ١٢٣ ، والدرر ٣ / ٨١ ، وشرح شواهد المغنى ص ٣٤ ، والمحتسب ١ / ٥٠ ، ٢ / ٢٠٥ ، ومغنى اللبيب ص ١٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٢ ، وبلا نسبة فى الدرر ٥ / ١١٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٩.

(٤) البيت من الخفيف ، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه ص ٤٣١ ، والأغانى ١ / ٨٧ ، ١٤٨ ،

٦٨

أظهر الأمرين فيه أن يكون أراد : أتحبها؟ ؛ لأنّ البيت الذى قبله يدلّ عليه ، وهو قوله :

أبرزوها مثل المهاة تهادى

بين خمس كواعب أتراب (١)

ولهذا ونحوه نظائر. وقد كثرت.

فأمّا تكريرها وزيادتها فكقوله :

لددتهم النصيحة كلّ لدّ

فمجّوا النصح ثم ثنوا فقاءوا (٢)

فلا والله لا يلفى لما بى

ولا للما بهم أبدا دواء (٣)

وقد كثرت زيادة (ما) توكيدا ؛ كقول الله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥ ، المائدة : ١٣] وقوله سبحانه (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠] ، وقوله عز قدره : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥].

وقال جلّ وعزّ : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] (فالباء زائدة) وأنشد أبو زيد :

__________________

ـ ـ وأمالى المرتضى ٢ / ٢٨٩ ، والدرر ٣ / ٦٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣٣١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغنى ص ٣٩ ، وشرح المفصل ١ / ١٢١ ، ولسان العرب (بهر) ومغنى اللبيب ص ١٥ ، وبلا نسبة فى أمالى المرتضى ١ / ٣٤٥ ، والكتاب ١ / ٣١١ ، وكتاب اللامات ص ١٢٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨٨. ويروى : الرّفل بدلا من القطر.

(١) البيت من الخفيف ، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه ص ٤٣١.

(٢) لددتهم النصيحة : أى قدمتها لهم. وهو من قولهم : لدّ المريض إذا سقاه دواء فى أحد شقى فمه ، جعل النصيحة كالدواء المكروه.

(٣) البيتان من الوافر ، وهما لمسلم بن معبد الوالبى فى خزانة الأدب ٢ / ٣٠٨ ، ٣١٢ ، ٥ / ١٥٧ ، ٩ / ٥٢٨ ، ٥٣٤ ، ١٠ / ١٩١ ، ١١ / ٢٦٧ ، ٢٨٧ ، ٣٣٠ ، والدرر ٥ / ١٤٧ ، ٦ / ٥٣ ، ٢٥٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٧٧٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٥٧١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٣ ، والجنى الدانى ص ٨٠ ، ٣٤٥ ، ورصف المبانى ص ٢٠٢ ، ٢٤٨ ، ٢٥٥ ، ٢٥٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢٨٢ ، ٣٣٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤١٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ ، ٢٣٠ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ٥٦ ، والمحتسب ٢ / ٢٥٦ ، ومغنى اللبيب ص ١٨١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٢ ، والمقرب ١ / ٣٣٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٥ ، ١٥٨ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (لدد) ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٦٨ ، وتاج العروس (لدد).

٦٩

بحسبك فى القوم أن يعلموا

بأنك فيهم غنىّ مضرّ (١)

فزاد الباء فى المبتدأ. وأنشد لأميّة :

طعامهم إذا أكلوا مهنّا

وما إن لا تحاك لهم ثياب (٢)

فإن لتوكيد النفى ، كقول زهير :

*ما إن يكاد يخلّيهم لوجهتهم (٣) *

ولا من بعدها زائدة.

وزيدت اللام فى قوله ـ رويناه عن أحمد بن يحيى ـ :

مرّوا عجالا وقالوا كيف صاحبكم

قال الذى سألوا أمسى لمجهودا (٤)

وفى قراءة سعيد بن جبير (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) [الفرقان : ٢٠] وقد تقدّم ذكر ذلك.

وزيدت لا (قال أبو النجم) :

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو للأشعر الرّقبان فى تذكرة النحاة ص ٤٤٣ ، ٤٤٤ ، ولسان العرب (مسخ) ، (ضرر) ، (با) ، والمعانى الكبير ص ٤٩٦ ، ونوادر أبى زيد ص ٧٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ١٧٠ ، وديوان المعانى ١ / ٣٥ ، ورصف المبانى ص ١٤٧ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ١٣٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٤٦٩ ، وشرح المفصّل ٢ / ١١٥ ، ٨ / ٢٣ ، ١٣٩. مضرّ : يروح عليه ضرّة من المال أى قطعة من الإبل والغنم. انظر اللسان (ضرر).

(٢) البيت من الوافر ، وهو لأميّة ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٣٠ ، وتذكرة النحاة ص ٦٦٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٤١ ، والدرر ٦ / ٢٥٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٨. ويروى : لئن أكلوا معدّ بدلا من : إذا أكلوا مهنّا.

(٣) صدر بيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ١٦٥ ، ولسان العرب (أنن) ، والمقتضب ٢ / ٣٦٣ ، وتاج العروس (أنن) ، وعجزه :

* تخالج الأمر إنّ الأمر مشترك*

(٤) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٤٢٩ ، وجواهر الأدب ص ٨٧ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٢٧ ، ١١ / ٣٣٢ ، والدرر ٢ / ١٨٨ ، ورصف المبانى ص ٢٣٨ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٧٩ ، وشرح ابن عقيل ص ١٨٥ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٤ ، ٨٧ ، ومجالس ثعلب ص ١٥٥ ، والمقاصد النحويّة ٢ / ٣١٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤١. ويروى : فقال من بدلا من قال الذى.

٧٠

ولا ألوم البيض ألا تسخرا

وقد رأين الشمط القفندرا (١)

[وقال العجّاج :

*بغير لا عصف ولا اصطراف (٢)] *

وأنشدنا :

أبى جوده لا البخل واستعجلت به

نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله (٣)

فهذا على زيادة (لا) أى أبى جوده البخل. وقد يجوز أن تكون (لا) منصوبة الموضع ب (أبى) ، و (البخل) بدل منها.

وزيادة الحروف كثيرة ، وإن كانت على غير قياس ؛ كما أن حذف المضاف أوسع وأفشى ، وأعمّ وأوفى ، وإن كان أبو الحسن قد نصّ على ترك القياس عليه.

فأمّا عذر حذف هذه الحروف فلقوّة المعرفة بالموضع ؛ ألا ترى إلى (قول امرئ القيس) :

*فقلت : يمين الله أبرح قاعدا (٤) *

__________________

(١) الرجز لأبى النجم فى تاج العروس (قفدر) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (قفندر) ، وجمهرة اللغة ص ١١٤٧ ، ١١٨٥ ، والمخصص ٢ / ١٧٥ ، والأزهية ص ١٥٤ ، والجنى الدانى ص ٣٠٣ ، والمحتسب ١ / ١٨١ ، والمقتضب ١ / ٤٧. الشمط : الشيب ، والقفندر : القبيح المنظر.

(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ١٧١ ، ولسان العرب (صرف) ، (عصف) ، وتهذيب اللغة ٦ / ٢٠٣ ، وتاج العروس (صرف) ، (عصف) ، وكتاب العين ٤ / ٢٦ ، ولرؤبة فى تاج العروس (هدن) ، ولسان العرب (هدن) وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٥٨١ ، والمحتسب ١ / ١١٦ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٣٢٩ ، ومجمل اللغة ٣ / ٤٩١ ، وديوان الأدب ٢ / ٤١٢ ، وكتاب العين ٤ / ٢٦. وقبله :

*قد يكسب المال النهدان الجافى*

العصف : الكسب. والاصطراف : افتعال من الصرف ، أى التصرف فى وجوه الكسب.

(٣) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم) ، وتاج العروس (لا). ويروى : الجوع بدلا من الجود.

(٤) صدر بيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ١٠ / ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، والدرر ٤ / ٢١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٢٠ ، وشرح التصريح ـ ـ

٧١

لأنه لو أراد الواجب لما جاز ؛ لأن (أبرح) هذه لا تستعمل فى الواجب ، فلا بدّ من أن يكون أراد : لا أبرح. ويكفى من هذا قولهم : ربّ إشارة أبلغ من عبارة.

وأمّا زيادتها فلإرادة التوكيد بها. وذلك أنه قد سبق أن الغرض فى استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار ، والاكتفاء من الأفعال وفاعليها ، فإذا زيد ما هذه سبيله فهو تناه فى التوكيد به. وذلك كابتذالك فى ضيافة ضيفك أعزّ ما تقدر عليه ، وتصونه من أسبابك ، فذاك غاية إكرامك له وتناهيك فى الحفل به.

* * *

__________________

١ / ١٨٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٤١ ، وشرح المفصل ٧ / ١١٠ ، ٨ / ٣٧ ، ٩ / ١٠٤ ، والكتاب ٣ / ٥٠٤ ، ولسان العرب (يمن) ، واللمع ص ٢٥٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٣ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٢٣٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٩٣ ، ٩٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١١٠ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٣٧ ، والمقتضب ٢ / ٣٦٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٨. وعجز البيت :

*ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى*

٧٢

باب فى زيادة الحرف عوضا من آخر محذوف

اعلم أن الحرف الذى يحذف فيجاء بآخر عوضا منه على ضربين : أحدهما أصلىّ ، والآخر زائد.

الأول من ذلك على ثلاثة أضرب : فاء ، عين ، لام.

أمّا ما حذفت فاؤه وجيء بزائد عوضا منه فباب فعلة فى المصادر ؛ نحو عدة وزنة وشية وجهة. والأصل وعدة ووزنة ووشية ووجهة ؛ فحذفت الفاء لما ذكر فى تصريف ذلك ، وجعلت التاء بدلا من الفاء. ويدلّ على أن أصله ذلك قول الله سبحانه : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) [البقرة : ١٤٨] وأنشد أبو زيد :

ألم تر أنّنى ـ ولكلّ شيء

إذا لم تؤت وجهته تعاد

أطعت الآمرىّ بصرم ليلى

ولم أسمع بها قول الأعادى

وقد حذفت الفاء فى أناس ، وجعلت ألف فعال بدلا منها (فقيل ناس ومثالها عال ؛ كما أن مثال عدة وزنة علة.

وقد حذفت الفاء وجعلت تاء افتعل عوضا منها) وذلك قولهم : تقى يتقى ، والأصل اتّقى يتّقى فحذفت التاء فبقى تقى ، ومثاله تعل ، ويتقى : يتعل ؛ قال الشاعر :

جلاها الصيقلون فأخلصوها

خفافا كلّها يتقى بأثر (١)

وقال أوس :

تقاك بكعب واحد وتلذّه

يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل (٢)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لخفّاف بن ندبة فى لسان العرب (أشر) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٥٨ ، وإصلاح المنطق ص ٢٣.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٩٦ ، ولسان العرب (كعب) ، (عسل) ، (وقى) ، وتهذيب اللغة ١ / ٣٢٥ ، ١٤ / ٤٠٩ ، وأساس البلاغة (كعب) ، وتاج العروس (كعب) ، (عسل) ، (وقى) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (لذذ) ، وديوان الأدب ٤ / ٨٦. يقال عسل الرمح إذا اهتز واضطرب من لينه ولدونته.

٧٣

وأنشد أبو الحسن :

زيادتنا نعمان لا تنسينّها

تق الله فينا والكتاب الذى تتلو (١)

ومنه أيضا قولهم تجه يتجه (وأصله اتجه) ومثال تجه على هذا تعل كتقى سواء.

وروى أبو زيد أيضا فيما حدّثنا به أبو على عنه : تجه يتجه ؛ فهذا من لفظ آخر ، وفاؤه تاء. وأنشدنا :

قصرت له القبيلة إذ تجهنا

وما ضاقت بشدّته ذراعى (٢)

فهذا محذوف من اتّجه كاتّقى.

فأما قولهم : اتخذت ؛ فليست تاؤه بدلا من شيء بل هى فاء أصلية بمنزلة اتبعت من تبع. يدلّ على ذلك ما أنشده الأصمعىّ من قوله (٣) :

وقد تخذت رجلى إلى جنب غرزها

نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لعبد الله بن همام السلولى فى الأغانى ١٦ / ٥ ، وسمط اللآلى ص ٩٢٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٩٦ ، ولسان العرب (وقى) ، ونوادر أبى زيد ص ٤ ، وتاج العروس (وقى) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٥٤ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ١٩٨ ، والمحتسب ٢ / ٣٧٢. ويروى : لا تحرمنّنا بدلا من تنسينّها.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لمرداس بن حصين فى لسان العرب (ذرع) ، (قبل) ، وتاج العروس (ذرع) ، (قبل) ، (وجه) ، ولمدرك بن حصين فى لسان العرب (وجه). القبيلة : اسم فرس الشاعر. قصرت : حبست.

(٣) أى الممزق العبدى. واسمه شأس بن نهار.

(٤) البيت من الطويل ، وهو للممزّق العبدى فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٠ ، والأصمعيات ص ١٦٥ ، وتذكرة النحاة ص ١٤٦ ، والحيوان ٢ / ٢٩٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٠٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٨٠ ، ولسان العرب (فحص) ، (نسف) ، (طرق) ، والمقاصد النحويّة ٤ / ٥٩٠ ، وللمثقب العبدىّ فى لسان العرب (حدب) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٣٨٨ ، ٥٤١ ، ٧٥٧ ، ٨٤٨ ، ١١٩٢. الغرز للناقة مثل الحزام للفرس. والغرز للجمل مثل الركاب للبغل. ويبدو أن المراد هنا المعنى الأول. (النجار). والنسيف : أثر العض والركض ، ونحو ذلك. والأفحوص : المبيض ، والمطرق وصف القطاة ، يقال طرقت القطاة إذا حان خروج بيضها. ووصف الأنثى بالمطرق كما يقال : مرضع وحائض.

٧٤

وعليه قول الله سبحانه : (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧] وذهب أبو إسحاق إلى أنّ اتخذت كاتّقيت واتزنت وأن الهمزة أجريت فى ذلك مجرى الواو. وهذا ضعيف ، إنما جاء منه شيء شاذّ ؛ أنشد ابن الأعرابىّ :

فى داره تقسم الأزواد بينهم

كأنما أهله منها الذى اتّهلا (١)

وروى لنا أبو علىّ عن أبى الحسن على بن سليمان متمن. وأنشد :

*......... بيض اتّمن*

والذى يقطع على أبى إسحاق قول الله عزوجل (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً). فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه كذلك ليس تخذ من لفظ الأخذ.

وعذر من قال : اتّمن واتّهل من الأهل أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى صورة ما أصله حرف لين. وذلك قولهم فى افتعل من الأكل : ايتكل ، ومن الإزرة (٢) : ايتزر. فأشبه حينئذ ايتعد فى لغة من لم يبدل الفاء تاء ، فقال : اتّهل واتّمن لقول غيره : ايتهل وايتمن. وأجود اللغتين (إقرار الهمز) ؛ قال الأعشى :

*أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل (٣) *

وكذلك ايتزر يأتزر. فأمّا اتّكلت عليه فمن الواو على الباب ؛ لقولهم الوكالة والوكيل. وقد ذكرنا هذا الموضع فى كتابنا فى شرح تصريف أبى عثمان.

وقد حذفت الفاء همزة وجعلت (ألف فعال) بدلا منها ؛ وذلك قوله.

*لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب (٤) *

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (أهل). ويروى : أهلنا بدلا من أهله.

(٢) هو اسم هيئة من الائتزار ، يقال ائتزر إزرة حسنة.

(٣) عجز بيت من البسيط ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١١١ ، والأشباه والنظائر ١ / ٢٦٢ ، ٨ / ٧٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٠٠ ، ولسان العرب (٢٣) (أكل) ، وتاج العروس (أكل) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (ألك) ، وتاج العروس (ألك). وصدره :

* أبلغ يزيد بنى شيبان مألكة*

(٤) صدر بيت من البسيط ، وهو لذى الإصبع العدوانى فى أدب الكاتب ص ٥١٣ ، والأزهية ص ٢٧٩ ، وإصلاح المنطق ص ٣٧٣ ، والأغانى ٣ / ١٠٨ ، وأمالى المرتضى ١ / ٢٥٢ ، وجمهرة اللغة ص ٥٩٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٧٣ ، ١٧٧ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، والدرر ٤ / ١٤٣ ، وسمط اللآلى ـ ـ

٧٥

فى أحد قولى سيبويه. وقد ذكرنا ذلك.

وأمّا ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضا منها فأينق فى أحد قولى سيبويه.

وذلك أن أصلها أنوق فأحد قوليه فيها أن الواو التى هى عين حذفت وعوّضت منها ياء ، فصارت : أينق. ومثالها فى هذا القول على اللفظ : أيفل. والآخر أن العين قدّمت على الفاء فأبدلت ياء. ومثلها على هذا أعفل.

وقد حذفت العين حرف علّة ، وجعلت ألف فاعل عوضا منها. وذلك رجل خاف ، ورجل مال ، ورجل هاع لاع. فجوز أن يكون هذا فعلا كفرق فهو فرق ، وبطر فهو بطر. ويجوز أن يكون فاعلا حذفت عينه وصارت ألفه عوضا منها ؛ كقوله :

*لاث به الأشاء والعبرىّ (١) *

وممّا حذفت عينه وصر الزائد عوضا منها قولهم : سيد وميت وهين ولين ؛ قال :

هينون لينون أيسار ذوو يسر

سوّاس مكرمة أبناء أيسار (٢)

__________________

ص ٢٨٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٣٠ ، ولسان العرب (فضل) ، (دين) ، (عنن) ، (لوه) ، (خزا) ، والمؤتلف والمختلف ص ١١٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٤٧ ، والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٨٦ ، ولكعب الغنوى فى الأزهية ص ٩٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٣ ، ٢ / ١٢١ ، ٣٠٣ ، والإنصاف ١ / ٣٩٤ ، وأوضح المسالك ٣ / ٤٣ ، والجنى الدانى ص ٢٤٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٢٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٢٤ ، ٣٤٤ ، ورصف المبانى ص ٢٥٤ ، ٣٦٨ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢١٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٦٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٥٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٩. وعجزه :

*عنّى ولا أنت ديّانى فتخزونى*

(١) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ٤٩٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٦٧ ، والكتاب ٣ / ٤٦٦ ، ٤ / ٣٧٧ ، ولسان العرب (لثى) ، (عبر) ، وتاج العروس (لوث) ، (عبر) ، وكتاب العين ٢ / ١٣٠ ، ٢٣٩ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٢٠٩ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٧ ، ١٥ / ١٢٩ ، والمخصص ١٦ / ٢٠ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٢٨ ، والمقتضب ١ / ١١٥ ، والمنصف ١ / ٥٢ ، ٣ / ٦٦ ، والمخصص ١٠ / ٢٢٢.

(٢) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٥ ، والمنصف ٣ / ٦١. الأيسار : القوم يجتمعون على الميسر. واليسر : اللين والانقياد ، وتسكن السين أيضا.

٧٦

وأصلها فيعل : سيّد وميّت وهيّن وليّن ؛ حذفت عينها وجعلت ياء فيعل عوضا منها.

وكذلك باب قيدودة وصيرورة وكينونة ، وأصلها فيعلولة حذفت عينها ، وصارت ياء فيعلولة الزائدة عوضا منها.

فإن قلت : فهلا كانت لام فيعلولة الزائدة عوضا منها؟ قيل قد صحّ فى فيعل من نحو سيّد وبابه أن الياء الزائدة عوض من العين ، وكذلك الألف. الزائدة فى خاف و (هاع لاع) عوض من العين. وجوّز سيبويه أيضا ذلك فى أينق ، فكذلك أيضا ينبغى أن تحمل فيعلولة على ذلك. وأيضا فإن الياء أشبه بالواو من الحرف الصحيح فى باب قيدودة وكينونة. وأيضا فقد جعلت تاء التفعيل عوضا من عين الفعّال. وذلك قولهم : قطّعته تقطيعا : وكسّرته تكسيرا ؛ ألا ترى أن الأصل قطّاع وكسّار ؛ بدلالة قول الله سبحانه : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) [النبأ : ٢٨] ، وحكى الفرّاء قال : سألنى أعرابىّ فقال : أحلّاق أحبّ إليك أم قصّار؟ فكما أن التاء الزائدة فى التفعيل عوض من العين فكذلك ينبغى أن تكون الياء فى قيدودة عوضا من العين لا الدال.

فإن قلت : فإن اللام أشبه بالعين من الزائد ، فهلا كانت لام القيدودة عوضا من عينها؟ قيل : إنّ الحرف الأصلى القوىّ إذا حذف لحق بالمعتلّ الضعيف ، فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف. وأيضا فقد رأيت كيف كانت ياء التفعيل الزائدة عوضا من عينه (وكذلك ألف فاعل ، كيف كانت عوضا من عينه) فى خاف وهاع ولاع ونحوه. وأيضا فإن عين قيدودة وبابها وإن كانت أصلا فإنها على الأحوال كلّها حرف علّة ما دامت موجودة ملفوظا بها ، فكيف بها إذا حذفت فإنها حينئذ توغل فى الاعتلال والضعف. ولو لم يعلم تمكّن هذه الحروف فى الضعف إلا بتسميتهم إياها حروف العلّة لكان كافيا. وذلك أنها فى أقوى أحوالها ضعيفة ؛ ألا ترى أن هذين الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك حينئذ مع ذلك مؤنس فيهما ضعفا. وذلك أنّ تحملهما للحركة أشقّ منه فى غيرهما. ولم يكونا كذلك إلا لأن مبنى أمرهما على خلاف القوّة. يؤكّد ذلك عندك أن أذهب الثلاث فى الضعف والاعتلال الألف. ولمّا كانت كذلك لم يمكن تحريكها ألبتّة. فهذا أقوى دليل على

٧٧

أن الحركة إنما يحملها ويسوغ فيها من الحروف الأقوى لا الأضعف. ولذلك ما تجد أخف الحركات الثلاث ـ وهى الفتحة ـ مستثقلة فيهما حتى يجنح لذلك ويستروح إلى إسكانها ؛ نحو قوله :

*يا دار هند عفت إلا أثافيها (١) *

وقوله :

*كأن أيديهنّ بالقاع القرق (٢) *

ونحو من ذلك قوله :

وأن يعرين إن كسى الجوارى

فتنبو العين عن كرم عجاف (٣)

نعم ، وإذا كان الحرف لا يتحامل بنفسه حتى يدعو إلى اخترامه وحذفه كان بأن

__________________

(١) صدر البيت من البسيط ، وهو للحطيئة فى ديوانه ص ٢٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٩ ، ولبعض السعديين فى شرح شواهد الشافية ١٠ / ١٠٠ ، ١٠٢ ، والكتاب ٣ / ٣٠٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٨ ، ٦ / ١٠٨ ، ٨ / ٤٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٩٧ ، ٨ / ٣٤٧ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠٠ ، ١٠٢ ، ولسان العرب (تفا) ، والمحتسب ١ / ١٢٦ ، ٢ / ٣٤٣ ، والمنصف ٢ / ١٨٥ ، ٣ / ٨٢. وعجز البيت :

*بين الطوىّ فصارات فواديها*

(٢) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٤٧ ، والدرر ١ / ١٦٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٥ ، وتاج العروس (زهق) ، (قرق) ، (ثمن) ، ولسان العرب (زهق) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (قرق) ، (ثمن) ، والأشباه والنظائر ١ / ٢٦٩ ، وأمالى المرتضى ١ / ٥٦١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٢٩٤ ، ٩٧٠ ، ١٠٣٢ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٤ ، والمحتسب ١ / ١٢٦ ، ٢٨٩ ، ٢ / ٧٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٣ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ١٠٧ ، وكتاب العين ٥ / ٢٢ ، ومجمل اللغة ٤ / ١٥٦ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٧٥. وبعده :

*أيدى نساء يتعاطين الورق*

(٣) البيت من الوافر ، وهو لعمران بن حطان أو لعيسى بن الحبطى فى الأغانى ١٨ / ٤٩ ، ولأبى خالد القنانى فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٨٨٦ ، ولسان العرب (كرم) ، ولسعيد بن مسحج الشيبانى فى لسان العرب (كسا) ، ولمرداس بن أذنة فى لسان العرب (عجف) ، ولسعيد بن مسحج الشيبانى ، أو لأبى خالد القنانى ، أو لرجل من تيم اللات بن ثعلبة اسمه عيسى فى تاج العروس (كرم) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٧٠ ، وإصلاح المنطق ص ٦٠ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٢٧ ، والممتع فى التصريف ٢٠ / ٥٣٦ ، والمنصف ٢ / ١١٥.

٧٨

يضعف عن تحمل الحركة الزائدة عليه فيه أحرى وأحجى. وذلك نحو قول الله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [الفجر : ٤] ، و (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) [الكهف : ٦٤] ، و (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) [الرعد : ٩] ، وقوله :

 .......... وما

قرقر قمر الواد بالشاهق (١)

وقال الأسود (بن يعفر) :

*فألحقت أخراهم طريق ألاهم (٢) *

يريد أولاهم ، و (يَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤] ، و (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] كتبت فى المصحف بلا واو للوقف عليها كذلك. وقد حذفت الألف فى نحو ذلك ؛ قال رؤبة :

*وصّانى العجّاج فيما وصّنى (٣) *

يريد : فيما وصانى. وذهب أبو عثمان فى قول الله عزّ اسمه : (يا أَبَتِ) [مريم : ٤٢] إلى أنه أراد يا أبتاه وحذف الألف. ومن أبيات الكتاب قول لبيد :

*رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ (٤) *

__________________

(١) عجز بيت من السريع ، وهو لأبى عامر جدّ العباس بن مرداس فى العرب (قمر) ، (عتق) ، وتاج العروس (قمر) ، (عتق) ، وله أو لأنيس بن عباس فى الدرر ٦ / ١٧٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٥١ ، ولأبى الربيس التغلبى فى لسان العرب (ودى) ، (يرى) وتاج العروس (ودى) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٣٨٨ ، والمقتضب ٢ / ٧٣ ، وصدر البيت :

*سيفى وما كنّا بنجد وما*

قرقر : صوّت. والقمّر : ضرب من الطيور. الشاهق : الجبل المرتفع. وفى اللسان (قرر) أن قائله أبو عامر جد العباس بن مرداس.

(٢) صدر بيت من الطويل ، وهو للأسود بن يعفر فى ديوانه ص ٤٥ ، ولسان العرب (وأل) ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٠٥. وعجز البيت :

*كما قيل نجم قد خوى متتائع*

(٣) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٨٧ ، وتاج العروس (وصى) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٤٩ ، وخزانة الأدب ١ / ١٣١.

(٤) عجز بيت من الرمل ، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ١٩٩ ، والأشباه والنظائر ١ / ٢٧٢ ، والدرر ٦ / ٢٤٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٢٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٠٧ ، والكتاب ـ ـ

٧٩

يريد المعلّى. وحكى أبو عبيدة وأبو الحسن وقطرب وغيرهم رأيت فرج ، ونحو ذلك. فإذا كانت هذه الحروف تتساقط وتهى عن حفظ أنفسها وتحمل خواصّها وعوانى (١) ذواتها ، فكيف بها إذا جشّمت احتمال الحركات النّيفات على مقصور صورها.

نعم ، وقد أعرب بهذه الصور أنفسها ، كما يعرب بالحركات التى هى أبعاضها.

وذلك فى باب أخوك وأبوك وهناك وفاك وحميك وهنيك والزيدان والزيدون والزيدين. (وأجريت) هذه الحروف مجرى الحركات فى زيد وزيدا وزيد ، ومعلوم أن الحركات لا تحمل ـ لضعفها ـ الحركات. فأقرب أحكام هذه الحروف إن لم تمنع من احتمالها الحركات أن إذا تحملتها جفت عليها وتكاءدتها (٢).

ويؤكّد عندك ضعف هذه الأحرف الثلاثة أنه إذا وجدت أقواهن ـ وهما الواو والياء ـ مفتوحا ما قبلهما فإنهما كأنهما تابعان لما هو منهما ؛ ألا ترى إلى ما جاء عنهم من نحو نوبة ونوب ، وجوبة وجوب (٣) ، ودولة ودول. فمجىء فعلة على فعل يريك أنها كأنها إنما جاءت عندهم من فعلة ؛ فكأنّ دولة دولة ، وجوبة جوبة ، ونوبة نوبة. وإنما ذلك لأن الواو ممّا سبيله أن يأتى تابعا للضمّة.

وكذلك ما جاء من فعلة مما عينه ياء على فعل ؛ نحو ضيعة وضيع ، وخيمة وخيم ، وعيبة وعيب (٤) ؛ كأنه إنما جاء على أنّ واحدته فعلة ؛ نحو ضيعة وخيمة وعيبة. أفلا تراهما مفتوحا ما قبلهما مجراتين مجراهما مكسورا ومضموما ما قبلهما ؛ فهل هذا إلا لأن الصنعة مقتضية لشياع الاعتلال فيهما.

__________________

٤ / ١٨٨ ، ولسان العرب (رجم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٤٨ ، والممتع فى التصريف ٢ / ٦٢٢ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٦٦ ، والدرر ٦ / ٢٩٨ ، ورصف المبانى ص ٣٦ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٢٢ ، ٧٢٨ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٨٥ ، ٣٠٣ ، ٣٠٨ ، والمحتسب ١ / ٣٤١ ، والمقرب ٢ / ٢٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧ ، وتاج العروس (رجم). وصدر البيت :

*وقبيل من لكيز شاهد*

(١) أى ذواتها العوانى أى الضعيفات.

(٢) يقال : تكاءده الأمر : شق عليه وصعب.

(٣) هى الحفرة : وفجوة ما بين البيوت.

(٤) هى وعاء من جلد يكون فيه المتاع.

٨٠