الخصائص - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٣٢

القول إذا قلت : قيّل. فكما تقول الجماعة فى فعل من قيّل هذا قوول ، وتجرى ياء فيعل مجرى ألف فاعل ، كذلك قال الخليل فى فعل مما ذكرنا : أووم. فقياسه هنا أيضا أن يقول فى فعيل من البيع : بويع. بل إذا لم يدغم الخليل الفاء فى العين ـ وهى أختها (وتليّتها) (١) وهى مع ذلك من لفظها ـ فى أووم ، حتى أجراها مجرى قوله :

* وفاحم دووى حتى اعلنكسا (٢) *

فألا يدغم عين بويع فى يائه ـ ولم يجتمعا فى كونهما أختين ، ولا هما أيضا فى اللفظ الواحد شريكتان ـ أجدر بالوجوب.

ولو بنيت مثل عوّارة من القول لقلت على مذهب الجماعة : قوّالة ، بالادغام ، وعلى قول الخليل أيضا كذلك ؛ لأن العين لم تنقلب فتشبه عنده ألف فاعل. لكن يجيء على قياس قوله أن يقول فى فعول من القول : قيول ؛ لأن العين لمّا انقلبت أشبهت الزائد. يقول : فكما لا تدغم بويع فكذلك لا تدغم قيول. اللهم إلا أن تفصل فتقول : راعيت فى بويع ما لا يدغم وهو ألف فاعل فلم أدغم ، وقيول بضدّ ذلك ؛ لأن ياءه بدل من عين القول ، وادّغامها فى قوّل وقوّل والتقوّل ونحو ذلك جائز حسن ، فأنا أيضا أدغمها فأقول : قيّل. وهذا وجه حسن.

فهذا فصل اتصل بما كنا عليه. فاعرفه متصلا به بإذن الله.

* * *

__________________

(١) تليتها : تابعتها.

(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ١٨٩ ، ولسان العرب (٦ / ١٤٧) (علكس) ، ١٤ / ٢٨٠ (دوا) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٣٠٢ ، وتاج العروس (علكس) ، (دوى) ، وديوان الأدب ٢ / ٤٩١ ، وكتاب العين ٢ / ٣٠٤ ، ويروى (بفاحم) مكان (وفاحم). الفاحم : الشعر الأسود. دووى : عولج. اعلنكسا : اشتد سواده وكثر.

٢٦١

باب فى العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه

لضرب من الاستخفاف

اعلم أن هذا موضع يدفع ظاهره إلى أن يعرف غوره وحقيقته. وذلك أنه أمر يعرض للأمثال إذا ثقلت لتكريرها ، فيترك الحرف إلى ما هو أثقل منه ليختلف اللفظان ، فيخفّا على اللسان.

وذلك نحو الحيوان ؛ ألا ترى أنه عند الجماعة ـ إلا أبا عثمان ـ من مضاعف الياء ، وأن أصله حييان ، فلما ثقل عدلوا عن الياء إلى الواو. وهذا مع إحاطة العلم بأن الواو أثقل من الياء ، لكنه لمّا اختلف الحرفان ساغ ذلك. وإذا كان اتفاق الحروف الصحاح القويّة الناهضة يكره عندهم حتى يبدلوا أحدها ياء ؛ نحو دينار وقيراط وديماس (١) وديباج (فيمن قال : دماميس ودبابيج) كان اجتماع حرفى العلة مثلين أثقل عليهم.

نعم ، وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا كراهية لالتقاء المثلين فى الحيوان فإبدالهم (الواو ياء) لذلك أولى بالجواز وأحرى. وذلك قولهم : ديوان ، (واجليواذ) (٢).

وليس لقائل أن يقول : فلما صار دوّان إلى ديوان فاجتمعت الواو والياء وسكنت الأولى ، هلا أبدلت الواو ياء لذلك ؛ لأن هذا ينقض الغرض ؛ ألا تراهم إنما كرهوا التضعيف فى دوّان ، فأبدلوا ليختلف الحرفان ، فلو أبدلوا الواو فيما بعد للزم أن يقولوا : ديّان فيعودوا إلى نحو مما هربوا منه من التضعيف ، وهم قد أبدلوا الحييان إلى الحيوان ليختلف الحرفان ، فإذا أصارتهم الصنعة إلى اختلافهما فى ديوان لم يبق هناك مطلب. وأما حيوة فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه وأن يقولوا : حيّة أنه علم ، والأعلام يحتمل لها كثير من كلف الأحكام.

ومن ذلك قولهم فى الإضافة إلى آية وراية : آئىّ ، ورائيّ. وأصلهما : آيىّ ورايىّ ، إلا أن بعضهم كره ذلك ، فأبدل الياء همزة لتختلف الحروف ولا تجتمع

__________________

(١) الدّيماس ، الدّيماس : الحمّام.

(٢) الاجلوّاذ : والاجليواذ : المضاء والسرعة فى السير ، قال سيبويه : لا يستعمل إلا مزيدا.

٢٦٢

ثلاث ياءات. هذا مع إحاطتنا علما بأنّ الهمزة أثقل من الياء. وعلى ذلك أيضا قال بعضهم فيهما : راويّ وآوىّ (فأبدلها) واوا ، ومعلوم أيضا أن الواو أثقل من الياء.

وعلى نحو من هذا أجازوا فى فعاليل من رميت : رماويّ ورمائيّ ، فأبدلوا الياء من رمايىّ تارة واوا ، وأخرى همزة ـ وكلتاهما أثقل من الياء ـ لتختلف الحروف.

وإذا كانوا قد هربوا من التضعيف إلى الحذف ؛ نحو ظلت ومست وأحست وظنت ذاك أى ظننت ، كان الإبدال أحسن وأسوغ ؛ لأنه أقل فحشا من الحذف ، وأقرب.

ومن الحذف لاجتماع الأمثال قولهم فى تحقير أحوى : أحىّ ؛ فحذفوا من الياءات الثلاث واحدة ، وقد حذفوا أيضا من الثنتين فى نحو هيّن ولين وسيد وميت. وهذا واضح فاعرف ، وقس.

(ومن ذلك قولهم عمبر ؛ أبدلوا النون ميما فى اللفظ وإن كانت الميم أثقل من النون ، فخففت الكلمة ، ولو قيل عنبر بتصحيح النون لكان أثقل).

* * *

٢٦٣

باب فى إقلال الحفل بما يلطف من الحكم

وهذا أمر تجده فى باب ما لا ينصرف كثيرا ؛ ألا ترى أنه إذا كان فى الاسم سبب واحد من المعانى الفرعية فإنه يقلّ عن الاعتداد به ، فلا يمنع الصرف له ، فإذا انضمّ إليه سبب آخر اعتونا فمنعا.

ونحو من ذلك جمعهم فى الاستقباح بين العطف على الضمير المرفوع المتصل الذى لا لفظ له وبينه إذا كان له لفظ. فقولك : قمت وزيد فى الاستقباح كقولك : قام وزيد ، وإن لم يكن فى قام لفظ بالضمير. وكذلك أيضا سوّوا فى الاستقباح بين قمت وزيد وبين قولنا قمتما وزيد وقمتم ومحمد ، من حيث كانت تلك الزيادة التى لحقت التاء لا تخرج الضمير من أن يكون مرفوعا متصلا يغيّر له الفعل. ومع هذا فلست أدفع أن يكونوا قد أحسّوا فرقا بين قمت وزيد وقام وزيد ، إلا أنه محسوس عندهم غير مؤثّر فى الحكم ولا محدث أثرا فى اللفظ ؛ كما قد نجد أشياء كثيرة معلومة ومحسوسة إلا أنها غير معتدّة ؛ كحنين الطسّ (١) وطنين البعوض وعفطة (٢) العنز وبصبصة (٣) الكلب.

ومن ذلك قولهم : مررت بحمار قاسم ، ونزلت سفار (٤) قبل. فكسرة الراء فى الموضعين عندهم إلى أثر (٥) واحد. وإن كانت فى (حمار) عارضة ، وفى (سفار) لازمة.

ومن ذلك قولهم : الذى ضربت زيد ، واللذان ضربت الزيدان ؛ فحذف الضمير العائد عندهم على سمت واحد ، وإن كنت فى الواحد إنما حذفت حرفا واحدا وهو الهاء فى ضربته (وأما) الواو بعدها فغير لازمة فى كل لغة ، والوقف أيضا

__________________

(١) الطسّ : لغة فى الطست.

(٢) عفط يعفط : ضرط ، وعفطة العنز : ضرطتها.

(٣) بصبصة الكلب : تحريكه ذنبه.

(٤) سفار : اسم ماء ، مؤنثة معرفة مبنية على الكسر ، وسفار مثل قطام : اسم بئر. اللسان (سفر).

(٥) يريد بالأثر : تسويغ الإمالة مع حرف الاستعلاء بعد وهو القاف ، ولو لا الكسر ما ساغ ذلك. (نجار).

٢٦٤

يحذفها ، وفى التثنية قد حذفت ثلاثة أحرف ثابتة فى الوصل والوقف ، وعند كل قوم وعلى كل لغة.

ومن ذلك جمعهم فى الردف بين عمود ويعود من غير تحاش ولا استكراه ، وإن كانت واو عمود أقوى فى المدّ من واو يعود ، من حيث كانت هذه متحركة فى كثير من المواضع ؛ نحو هو أعود منك ، وعاودته ، وتعاودنا ، قال :

* وإن شئتم تعاودنا عوادا (١) *

وأصلها أيضا فى يعود يعود. فهو وإن كان كذلك فإن ذلك القدر بينهما مطّرح وملغى ، غير محتسب. نعم وقد سانوا (٢) وسامحوا فيما هو أعلى (من ذا) وأنأى أمدا. وذلك أنهم جمعوا بين الياء والواو ردفين ؛ نحو سعيد وعمود. هذا مع أن الخلاف خارج إلى اللفظ ، فكيف بما تتصوره وهما ولا تمذل به لفظا.

ومن ذلك جمعهم بين باب وكتاب ردفين ، وإن كانت ألف كتاب مدّا صريحا وهى فى باب أصل غير زائدة ومنقلبة عن العين المتحركة فى كثير من الأماكن ؛ نحو بويب وأبواب ومبوّب وأشباهه.

ومن ذلك جمعهم بين الساكن والمسكّن فى الشعر المقيّد ، على اعتدال عندهم ، وعلى غير حفل محسوس منهم ؛ نحو قوله :

لئن قضيت الشأن من أمرى ولم

أقض لباناتى وحاجات النّهم

لأفرجن صدرك شقّا بقدم

فسوّى فى الروىّ بين سكون ميم (لم) وسكون الميمات فيما معها.

ومن ذلك وصلهم الروىّ بالياء الزائدة للمدّ والياء الأصلية ؛ نحو الرامى والسامى مع الأنعامى والسلامى.

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لشقيق بن جزء فى فرحة الأديب ، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٦٣٠ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٣٥ ، ورصف المبانى ص ٣٩ ، ويروى (ولو) مكان (وإن) ، وصدره :

* بما لم تشكروا المعروف عندى*

(٢) ساناه : راضاه ، يقال سانيت الرجل : راضيته وداريته والمساناة : الملاينة والمصانعة. اللسان (سنا).

٢٦٥

ومن ذلك أيضا قولهم : إنى وزيدا قائمان ، وإنى وزيدا قائمان ؛ لا يدّعى أحد أن العرب تفصل بين العطف على الياء وهى ساكنة وبين العطف عليها وهى مفتوحة. فاعرف هذا مذهبا لهم ، وسائغا فى استعمالهم ؛ حتى إن رام رائم أو هجر (١) حالم بأن القوم يفصلون فى هذه الأماكن وما كان سبيله فى الحكم سبيلها بين بعضها وبعضها فإنه مدّع لما لا يعبئون به ، وعاز إليهم ما لا يلمّ بفكر أحد منهم بإذن الله.

فإن انضمّ شيء إلى ما هذه حاله كان مراعى معتدّا ؛ ألا تراهم يجيزون جمع دونه مع دينه ردفين. فإن انضمّ إلى هذا الخلاف آخر لم يجز ؛ نحو امتناعهم أن يجمعوا بين دونه ودينه ؛ لأنه انضمّ إلى خلاف الحرفين تباعد الحركتين ، وجاز دونه مع دينه وإن كانت الحركتان مختلفتين ؛ لأنهما وإن اختلفتا لفظا فإنهما قد اتفقتا حكما ؛ ألا ترى أن الضمّة قبل الواو رسيلة الكسرة قبل الياء ، والفتحة ليست من هذا فى شيء ؛ لأنها ليست قبل الياء ولا الواو وفقا لهما ، كما تكون وفقا للألف. وكذلك أيضا نحو عيده مع عوده ، وإن كانوا لا يجيزونه مع عوده. فاعرف ذلك فرقا.

* * *

__________________

(١) هجر فى نومه ومرضه ، يهجر هجرا وهجّيرى وإهجيرى : هذى. والهجر : الهذيان.

٢٦٦

باب فى إضافة الاسم إلى المسمى ، والمسمى إلى الاسم

هذا موضع كان يعتاده أبو على رحمه‌الله كثيرا ويألفه ويأنق له ويرتاح لاستعماله. وفيه دليل نحويّ غير مدفوع يدلّ على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمّى. ولو كان إياه لم تجز إضافة واحد منهما إلى صاحبه ؛ لأن الشىء لا يضاف إلى نفسه.

(فإن قيل : ولم لم يضف الشىء إلى نفسه).

قيل : لأن الغرض فى الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص ، والشىء إنما يعرّفه غيره ؛ لأنه لو كانت نفسه تعرفه لما احتاج أبدا أن يعرف بغيره ؛ لأن نفسه فى حالى تعريفه وتنكيره واحدة ، وموجودة غير مفتقدة. ولو كانت نفسه هى المعرّفة له أيضا لما احتاج إلى إضافته إليها ؛ لأنه ليس فيها إلا ما فيه ، فكان يلزم الاكتفاء به ، عن إضافته إليها. فلهذا لم يأت عنهم نحو هذا غلامه ، ومررت بصاحبه ، والمظهر هو المضمر المضاف إليه. هذا مع فساده فى المعنى ؛ لأن الإنسان لا يكون أخا نفسه ولا صاحبها.

فإن قلت : فقد تقول : مررت بزيد نفسه ، وهذا نفس الحقّ ، يعنى أنه هو الحقّ لا غيره.

قيل : ليس الثانى هو ما أضيف إليه من المظهر ، وإنما النفس هنا بمعنى خالص الشىء وحقيقته. والعرب تحلّ نفس الشىء من الشىء محل البعض من الكل ، وما الثانى منه ليس بالأوّل ، ولهذا حكوا عن أنفسهم مراجعتهم إياها وخطابها لهم ، وأكثروا من ذكر التردّد بينها وبينهم ، ألا ترى إلى قوله :

ولى نفس أقول لها إذا ما

تنازعنى لعلّى أو عسانى (١)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لعمران بن حطان فى تذكرة النحاة ص ٤٤٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٣٧ ، ٣٤٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢١٣ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢٠ ، ٧ / ١٢٣ ، والكتاب ٢ / ٣٧٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٣٣٠ ، وتذكرة النحاة ص ٤٩٥ ، والجنى الدانى ص ٤٦٦ ، والخزانة ٥ / ٣٦٣ ، ورصف المبانى ص ٢٤٩ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠ ، ١١٨ ، والمقتضب ٣ / ٧٢ ، والمقرب ١ / ١٠١.

٢٦٧

وقوله :

أقول للنفس تأساء وتعزية

إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد (١)

وقوله :

قالت له النفس تقدّم راشدا

إنك لا ترجع إلا حامدا (٢)

وقوله :

قالت له النفس إنى لا أرى طمعا

وإن مولاك لم يسلم ولم يصد

وأمثال هذا كثيرة جدّا (وجميع هذا) يدلّ على أن نفس الشىء عندهم غير الشىء.

فإن قلت : فقد تقول : هذا أخو غلامه وهذه (جارية بنتها) ، فتعرّف الأوّل بما أضيف إلى ضميره ، والذى أضيف إلى ضمير (فإنما يعرف) بذلك الضمير ، ونفس المضاف الأوّل متعرّف بالمضاف إلى ضميره ، فقد ترى على هذا أن التعريف الذى استقرّ فى (جارية) من قولك هذه (جارية بنتها) إنما أتاها من قبل ضميرها ، وضميرها هو هى ؛ فقد آل الأمر إذا إلى أن الشىء قد يعرّف نفسه ، وهذا خلاف ما ركبته ، وأعطيت يدك به.

قيل : كيف تصرّفت الحال فالجارية إنما تصرّفت بالبنت (التى هى) غيرها ، وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة. فأمّا ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى. والتعريف الذى أفاده ضمير الأوّل لم يعرّف الأوّل ، وإنما عرّف ما عرّف الأوّل. والذى عرّف الأوّل غير الأوّل ، فقد استمرّت الصفة وسقطت المعارضة.

ويؤكّد ذلك أيضا أن الإضافة فى الكلام على ضربين : أحدهما ضمّ الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام ؛ نحو غلام زيد وصاحب بكر. والآخر ضمّ اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من ، نحو هذا ثوب خزّ ، وهذه جبة صوف ؛ وكلاهما ليس الثانى فيه بالأوّل ؛ ألا ترى أن الغلام ليس بزيد ، وأن الثوب ليس بجميع الخزّ ،

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لأعرابى فى خزانة الأدب ٤ / ٣١٢ ، ٦ / ٣٦١ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠.

(٢) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (قول) ، وأساس البلاغة (قول) ، وتاج العروس (قول).

٢٦٨

(واستمرار) هذا عندهم وفشوّه فى استعمالهم وعلى أيديهم يدلّ على أن المضاف ليس بالمضاف إليه ألبتّة. وفى هذا كاف.

فممّا جاء عنهم من إضافة المسمّى إلى الاسم قول الأعشى :

فكذّبوها بما قالت ، فصبّحهم

ذو آل حسّان يزجى الموت والشّرعا (١)

فقوله : ذو آل حسان معناه : الجمع المسمّى بهذا الاسم الذى هو آل حسان.

ومثله قول كثيّر :

بثينة من آل النساء وإنما

يكن للأدنى لا وصال لغائب

أى بثينة من هذا القبيل المسمّى بالنساء هذا الاسم. وقال الكميت :

إليكم ذوى آل النبىّ تطلعت

نوازع من قلبى ظماء وألبب (٢)

أى إليكم يا أصحاب هذا الاسم الذى هو قولنا : آل النبىّ.

وحدّثنا أبو علىّ أن أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب روى عنهم : هذا ذو زيد ، ومعناه : هذا زيد أى هذا صاحب هذا الاسم الذى هو زيد (وأنشد) :

* وحىّ بكر طعنّا طعنة فجرى*

أى وبكرا طعنا ؛ وتلخيصه : والشخص الحىّ المسمى بكرا طعنا (فحىّ هاهنا مذكر حيّة أى وشخص بكر الحىّ طعنا) وليس الحىّ هنا هو الذى (يراد به) القبيلة كقولك : حىّ تميم وقبيلة بكر ، إنما هو كقولك : هذا رجل حىّ وامرأة حيّة. فهذا من باب إضافة المسمّى إلى اسمه ، وهو ما نحن عليه.

ومثله قول الآخر :

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٥٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٠٨ ، وشرح المفصل ٣ / ١٣ ، والمحتسب ١ / ٣٤٧ ، وتاج العروس (أول).

(٢) البيت من الطويل ، وهو للكميت بن زيد فى خزانة الأدب ٤ / ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢ ، ولسان العرب ١ / ١١٦ (ظمأ) ٧٣ (لبب) ، ١٥ / ٣٢٢ (نسا) ، ١٥ / ٤٥٧ (ذو) ، ١٥ / ٤٦١ (ذا) ، والمحتسب ١ / ٣٤٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٢ ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ١٣٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٠٦.

٢٦٩

يا قرّ إنّ أباك حىّ خويلد

قد كنت خائفه على الإحماق (١)

أى إنّ أباك خويلدا من أمره كذا ، فكأنه قال : إن أباك الشخص الحىّ خويلدا من حاله كذا. وكذلك قول الآخر :

ألا قبح الإله بنى زياد

وحىّ أبيهم قبح الحمار (٢)

أى : وأباهم الشخص الحىّ. وقال عبد الله بن سبرة الحرشىّ :

وإن يبغ ذا ودّى أخى أسع مخلصا

يأبى فلا يعيا علىّ حويلى (٣)

أى إن يبغ ودّى. وتلخيصه : إن يبغ أخى المعنى المسمّى بهذا الاسم الذى هو ودّى. وعليه قول الشمّاخ :

* وأدمج دمج ذى شطن بديع (٤) *

أى دمج شطن بديع أى أدمج دمج الشخص الذى يسمى شطنا يعنى صاحب هذا الاسم.

وقد دعا خفاء هذا الموضع أقواما إلى أن ذهبوا إلى زيادة ذى وذات فى (هذه المواضع) أى وأدمج دمج شطن ، وإليكم آل النبىّ ، وصبحهم آل حسان. وإنما ذلك بعد عن إدراك هذا الموضع.

وكذلك (قال أبو عبيدة) فى قول لبيد :

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لجبار بن سلمى فى خزانة الأدب ٤ / ٣٣٤ ، وذيل سمط اللآلى ص ٥٤ ، ونوادر أبى زيد ص ١٦١ ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٤٤٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٤٥٣ ، وشرح المفصل ٣ / ١٣ ، والمقرب ١ / ٢١٣. والإحماق : ولادة الأحمق.

(٢) البيت من الوافر ، وهو ليزيد بن مفرغ فى ديوانه ص ١٤٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٢٠ ، ٣٢١ ، وذيل الأمالى ص ٥٤ ، وبلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص ٥٥٠ ، وشرح المفصل ٣ / ١٥ ، ولسان العرب (حيا) ، والمحتسب (١ / ٣٤٧).

(٣) الحويل : الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف.

(٤) عجز البيت من الوافر ، وهو للشماخ فى ديوانه ص ٢٣٣ ، ولسان العرب (بدع) ، (عقق) ، وتهذيب اللغة ١ / ٥٦ ، ٢ / ٢٤١ ، وتاج العروس (بدع) ، (عقق). وصدره :

* أطار عقيقه عنه نسالا*

٢٧٠

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (١)

(كأنه قال) : ثم السلام عليكما. وكذلك قال فى قولنا بسم الله : إنما هو بالله ، وأعتقد زيادة (اسم). وعلى هذا عندهم قول غيلان :

لا ينعش الطرف إلا ما تخوّنه

داع يناديه باسم الماء مبغوم (٢)

(أى بالماء) ؛ كما (أنشدنا أيضا) :

* يدعوننى بالماء ماء أسودا (٣) *

والماء : صوت الشاء أى يدعوننى ـ يعنى الغنم ـ بالماء ، أى يقلن لى : أصبت ماء أسود. فأبو عبيدة يدّعى زيادة ذى واسم ، ونحن نحمل الكلام على أن هناك محذوفا. قال أبو على : وإنما هو على حدّ حذف المضاف ، أى : ثم اسم معنى السلام عليكما ، واسم معنى السلام هو السلام ، فكأنه قال : ثم السلام عليكما.

فالمعنى ـ لعمرى ـ ما قاله أبو عبيدة ، ولكنه من غير الطريق التى أتاه هو منها ؛ ألا تراه هو اعتقد زيادة شيء ، واعتقدنا نحن نقصان شيء.

ونحو من هذا اعتقادهم زيادة مثل فى نحو قولنا : مثلى لا يأتى القبيح ، ومثلك لا يخفى عليه الجميل ، أى أنا كذا ، وأنت كذلك. وعليه قوله :

* مثلى لا يحسن قولا فعفع (٤) *

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ٢١٤ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٩٦ ، والأغانى ١٣ / ٤٠ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٢٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٣٧ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢ ، والدرر ٥ / ١٥ ، وشرح المفصل ٣ / ١٤ ، والعقد الفريد ٢ / ٧٨ ، ٣ / ٥٧ ، ولسان العرب (عذر) والمقاصد النحوية ٣ / ٣٧٥ ، والمنصف ٣ / ١٣٥ ، وبلا نسبة فى أمالى الزجاجى ص ٦٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٠٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٠٧ ، والمقرب ١ / ٢١٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٩ ، ١٥٨.

(٢) البيت من البسيط ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ٣٩٠ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٤٤ ، ومراتب النحويين ص ٣٨. تخونه : تعهده ، مبغوم : غير بيّن.

(٣) الرجز بلا نسبة فى شرح المفصل ٣ / ١٤.

(٤) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (هملع) ، (مشى) ، وتاج العروس (هملع) ، (مشى) ، وتهذيب ـ ـ

٢٧١

أى أنا لا أحسن ذاك. وكذلك هو لعمرى ؛ إلا أنه على غير التأوّل الذى رأوه : من زيادة مثل ، وإنما تأويله : أى أنا من جماعة لا يرون القبيح ، وإنما جعله من جماعة هذه حالها ليكون أثبت للأمر ؛ إذ كان له فيه أشباه وأضراب ، ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه وتراجعه عنه. فإذا كان له فيه نظراء كان حرى أن يثبت عليه ، وترسو قدمه فيه. وعليه قول الآخر :

* ومثلى لا تنبو عليك مضاربه (١) *

فقوله إذا : باسم الماء واسم السلام إنما هو من باب إضافة الاسم إلى المسمى ، بعكس الفصل الأول. ونقول على هذا : ما هجاء سيف؟ فيقول (فى الجواب) : س ى ف. فسيف هنا اسم لا مسمى ؛ أى ما هجاء هذه الأصوات المقطّعة؟

ونقول : ضربت بالسيف فالسيف هنا جوهر الحديد هذا الذى يضرب به ، فقد يكون الشىء الواحد على وجه اسما ، وعلى آخر مسمّى. وإنما يخلّص هذا من هذا موقعه والغرض المراد به.

ومن إضافة المسمى إلى اسمه قول الآخر :

إذا ما كنت مثل ذوى عدىّ

ودينار فقام علىّ ناع (٢)

أى مثل كل واحد من الرجلين المسمّيين عديّا ودينارا. وعليه قولنا : كان عندنا ذات مرة وذات صباح ، أى صباحا أى الدفعة المسماة مرة ، والوقت المسمى صباحا ؛ قال :

عزمت على إقامة ذى صباح

لأمر ما يسوّد من يسود (٣)

__________________

اللغة ٣ / ٢٧٢ ، ١١ / ٤٣٩ ، وجمهرة اللغة ص ١٥٥ ، ٢١٥ ، والمخصص ٨ / ١٠ ، ١٤ / ٣٨. فعفع : زجر الغنم ودعاؤها.

(١) عجز البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى أساس البلاغة ص ٤٤٥ (نبو) وصدره :

* أنا السيف إلا أنّ للسيف نبوة*

(٢) البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة فى شرح المفصل ٣ / ١٣ ، ولسان العرب (ذا) ، وتاج العروس (ذو).

(٣) البيت من الوافر ، وهو لأنس بن مدركة فى الحيوان ٣ / ٨١ ، وخزانة الأدب ٣ / ٨٧ ، ٨٩ ، والدرر ١ / ٣١٢ ، ٣ / ٨٥ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢ ، ولأنس بن نهيك فى لسان العرب (صبح) ـ ـ

٢٧٢

(ما مجرورة الموضع ؛ لأنها وصف لأمر ، أى لأمر معتدّ أو مؤثر يسوّد من يسود) واعلم أن هذا الفصل من العربية غريب ، وقلّ من يعتاده أو يتطرّقه. وقد ذكرته لتراه. فتنبه على ما هو فى معناه إن شاء الله.

* * *

__________________

ولرجل من خثعم فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٨٨ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ٢٥٨ ، والجنى الدانى ص ٣٣٤ ، ٣٤٠ ، والخزانة ٦ / ١١٩ ، والكتاب ١ / ٢٢٧ ، والمقتضب ٤ / ٣٤٥ ، ولمقرب ١ / ١٥٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٩٧. ويروى (لشيء) بدلا من (لأمر).

٢٧٣

باب فى اختصاص الأعلام بما لا يكون مثله فى الأجناس

وقد ذكرنا هذا الشرح (١) من العربية فى جملة كتابنا فى تفسير أبيات الحماسة عند ذكرنا أسماء شعرائها. وقسمنا هناك الموقع عليه الاسم العلم ، وأنه شيئان : عين ، ومعنى. فالعين : الجوهر ؛ كزيد وعمرو. والمعنى : هو العرض ؛ كقوله

* سبحان من علقمة الفاخر (٢) *

وقوله :

وإن قال غاو من تنوخ قصيدة

بها جرب عدّت علىّ بزوبرا (٣)

وكذلك الأمثلة الموزون بها ؛ نحو أفعل ، ومفعل ، وفعلة ، وفعلان ، وكذلك أسماء الأعداد نحو قولنا : أربعة

نصف ثمانية ، و (ستة ضعف ثلاثة) وخمسة نصف عشرة. وغرضنا هنا أن نرى مجىء ما جاء منه شاذّا عن القياس لمكان كونه علما معلقا على أحد الموضعين اللّذين ذكرنا.

__________________

(١) كذا فى الأصول. والأقرب : «الشرج» أى النوع والضرب (نجار).

(٢) عجز البيت من السريع ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٩٣ ، وأساس البلاغة ص ٢٠٠ (سبح) والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٩ ، وجمهرة اللغة ص ٢٧٨ ، وخزانة الأدب ١ / ١٨٥ ، ٧ / ١٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٨ ، والدرر ٣ / ٧٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٥٧ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٠٥ ، وشرح المفصل ١ / ٣٧ ، ١٢٠ ، والكتاب ١ / ٣٢٤ ، ولسان العرب (سبح) ، وتاج العروس (شتت) وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٣ / ٣٨٨ ، ٦ / ٢٨٦ ، والدرر ٥ / ٤٢ ، ومجالس ثعلب ١ / ٢٦١ ، والمقتضب ٣ / ٢١٨ ، والمقرب ١ / ١٤٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٩٠ ، ٢ / ٥٢ : وصدره أقول لما جاءنى فخره.

(٣) البيت من الطويل وهو لابن أحمر فى ديوانه ص ٨٥ ، والاشتقاق ص ٤٨ ، وسمط اللآلى ص ٥٥٤ ، ولسان العرب (زبر) ، والمعانى الكبير ص ٨٠١ ، ١١٧٨ ، وللطرماح فى ملحق ديوانه ص ٥٧٤ ، وللطرماح أو لابن أحمر فى شرح المفصل ١ / ٣٨ ، وللفرزدق فى ديوانه ١ / ٢٠٦ ، ٢٩٦ ، والإنصاف ٢ / ٤٩٥ ، ولسان العرب (حقق ، وللفرزدق أو لابن أحمر فى خزانة الأدب ١ / ١٤٨ ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٣٣٧. بزوبرا : أى : بأجمعها وكليتها. يقال أخذ الشىء بزبره وزوبره وزغبره وزابره ، أى : بجميعه فلم يدع منه شيئا. اللسان (زبر).

٢٧٤

فمنه ما جاء مصحّحا مع وجود سبب العلّة فيه ، وذلك نحو محبب ، وثهلل ، ومريم ، ومكوزة ، ومدين. ومنه معدى كرب ؛ ألا تراه بنى مفعلا ممّا لامه حرف علّة ، وذلك غير معروف فى هذا الموضع. وإنما يأتى (فى ذلك مفعل) بفتح للعين ؛ نحو المدعى والمقضى والمشتى. وعلى أنه قد شذّ فى الأجناس شيء من ذلك ، وهو قول بعضهم : مأوى الإبل بكسر العين. فأما مأق (١) فليس من هذا.

ومن ذلك قولهم فى العلم : موظب ، ومورق وموهب. وذلك أنه بنى مما فاؤه واو مثال مفعل. وهذا إنما يجيء أبدا على مفعل ـ بكسر العين ـ نحو الموضع ، والموقع ، والمورد ، والموعد ، والموجدة.

وأما موألة علما فإن كان من وأل أى نجا فهو من هذا ؛ وإن كان من قولهم : جاءنى وما (مألت مأله) (٢) وما شأنت (٣) شأنه ، فإنه فوعل ، و (هذا على هذا) سرح : سهل.

ومن ذلك قولهم فى العلم : حيوة. وهذه صورة لو لا العلميّة لم يجز مثلها ؛ لاجتماع الياء والواو ، وسبق الأولى منهما بالسكون. وعلّة مجىء هذه الأعلام مخالفة للأجناس هو ما (هى عليه) من كثرة استعمالها ، وهم لما كثر استعماله أشدّ تغييرا ، فكما جاءت هذه الأسماء فى الحكاية مخالفة لغيرها ؛ نحو قولك فى جواب مررت بزيد : من زيد ، ولقيت عمرا : من عمرا ، كذلك تخطّوا إلى تغييرها فى ذواتها بما قدّمنا ذكره. وهذا من تدريج اللغة الذى قدّمنا شرحه (فيما مضى).

* * *

__________________

(١) قال فى اللسان : «... ويهمز فيقال مأقى ، وليس لهذا نظير فى كلام العرب ، فيما قال نصير النحوى ، لأن ألف كل فاعل من بنات الأربعة مثل داع وقاض ورام وعال لا يهمز ، وحكى الهمز فى مأقى خاصة الفراء فى باب مفعل : ما كان من ذوات الياء والواو من دعوت وقضيت فالمفعل فيه مفتوح ، اسما كان أو مصدرا ، إلا المأقى من العين ، فإن العرب كسرت هذا الحرف» انظر اللسان (مأق).

(٢) يقال : جاءه أمر ما مأل له مألا وما مأل مأله ؛ أى لم يستعدّ له ولم يشعر به ؛ وما تهيأ له. لسان العرب (مأل).

(٣) ما شأنت شأنه : أى ما علمت به.

٢٧٥

باب فى تسمية الفعل

اعلم أن العرب قد سمّت الفعل بأسماء ، لما سنذكره. وذلك على ضربين :

أحدهما : فى الأمر والنهى ، والآخر : فى الخبر.

الأوّل منهما نحو قولهم : صه ، فهذا اسم اسكت ؛ ومه ، فهذا : اكفف ، ودونك اسم خذ. وكذلك عندك ووراءك اسم تنحّ ، ومكانك اسم اثبت. قال :

وقولى كلّما جشأت وجاشت

مكانك تحمدى أو تستريحى (١)

فجوابه بالجزم دليل على أنه كأنه قال : اثبتى تحمدى أو تستريحى. وكذلك قول الله جلّ اسمه : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) [يونس : ٢٨] ف (أنتم) توكيد للضمير فى (مكانكم) ؛ كقولك : اثبتوا أنتم وشركاؤكم ، وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكّده (الشركاء). ويؤكّد ذلك عندك قول بعضهم : مكانكنى ؛ فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس الفعل فى (أكرمنى) ونحوه دليل على قوّة شبهه بالفعل. ونحوه قولهم أيضا : كما أنتنى ؛ كقولك : انتظرنى.

ومنها هلمّ ، وهو اسم ائت ، وتعال. قال الخليل : هى مركبة ؛ وأصلها عنده (ها) للتنبيه ، ثم قال : «لم» أى لم بنا ، ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفا ، ولأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها فى حكم السكون ؛ ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين ـ وهى الحجازيّة ـ (أن تقول فيها : المم بنا) فلمّا كانت لام (هلمّ) فى تقدير السكون حذف لها ألف (ها) ، كما تحذف لالتقاء الساكنين ، فصارت

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن الإطنابة فى إنباه الرواة ٣ / ٢٨١ ، وحماسة البحترى ص ٩ ، والحيوان ٦ / ٤٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٩٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٢٨ ، والدرر ٤ / ٨٤ ، وديوان المعانى ١ / ١١٤ ، وسمط اللآلى ص ٥٧٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٤٦ ، ومجالس ثعلب ص ٨٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٨٩ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٦٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٤٧ ، وشرح قطر الندى ص ١١٧ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٤ ، ولسان العرب (جشأ) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٠٣ ، والمقرب ١ / ٧٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣. جشأت نفسه تجشأ جشوءا : ارتفعت ونهضت إليه وجاشت من حزن أو فزع.

٢٧٦

هلمّ. وقال الفرّاء : أصلها (هل) زجر وحثّ ، دخلت على أمّ ؛ كأنها كانت (هل أمّ) أى اعجل واقصد ، وأنكر أبو علىّ عليه ذلك ، وقال : لا مدخل هنا للاستفهام ، وهذا عندى لا يلزم الفرّاء ؛ لأنه لم يدع أنّ (هل) هنا حرف استفهام ؛ وإنما هى عنده زجر (وحثّ) وهى التى فى قوله :

* ولقد يسمع قولى حيّهل (١) *

قال الفرّاء : فألزمت الهمزة فى (أمّ) التخفيف ، فقيل : هلمّ.

وأهل الحجاز يدعونها فى كلّ حال على لفظ واحد ، فيقولون للواحد والواحدة والاثنين والاثنتين والجماعتين : هلمّ يا رجل ، وهلمّ يا امرأة ، وهلمّ يا رجلان ، وهلمّ يا امرأتان ، وهلمّ يا رجال ، وهلمّ يا نساء. وعليه قوله :

* يا أيّها الناس ألا هلمّه (٢) *

وأمّا التميميون فيجرونها مجرى (لم) فيغيّرونها بقدر المخاطب. فيقولون : هلمّ ، وهلمّا ، وهلمّى ، وهلمّوا ، وهلممن يا نسوة. وأعلى اللغتين الحجازيّة ، وبها نزل القرآن ، ألا ترى إلى قوله ـ عزّ اسمه ـ : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨]. وأما التميميون فإنها عندهم أيضا اسم سمّى به الفعل ، وليست مبقّاة على ما كانت عليه قبل التركيب والضمّ. يدلّ على ذلك أن بنى تميم يختلفون فى آخر الأمر من المضاعف ، فمنهم من يتبع فيقول : مدّ وفرّ وعضّ ، ومنهم من يكسر ، فيقول : مدّ وفرّ وعضّ ، ومنهم من يفتح لالتقاء الساكنين ، فيقول : مدّ وفرّ وعضّ. ثم رأيناهم كلّهم مع هذا مجتمعين على فتح آخر هلمّ ، وليس أحد يكسر الميم ولا يضمّها. فدلّ ذلك على أنها قد خلجت عن طريق الفعلية وأخلصت اسما للفعل ، بمنزلة دونك وعندك ورويدك وتيدك (٣) : اسم

__________________

(١) عجز البيت من الرمل ، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ١٨٣ ، والأزمنة والأمكنة ٢ / ١٥٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٨٢١ ، وشرح المفصل ٤ / ٤٥ ، ولسان العرب (هلل) ، وتاج العروس (هلل). وصدره :

* يتمارى فى الذى قلت له*

(٢) الرجز بلا نسبة فى الأزهية ص ٢٥٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٦٧ ، وشرح المفصل ٤ / ٤٢ ، والكتاب ٤ / ١٦١.

(٣) التيد : الرفق.

٢٧٧

اثبت ؛ وعليك بكرا : اسم خذ (وهو كثير).

ومنه قوله :

أقول وقد تلاحقت المطايا

كذاك القول إنّ عليك عينا (١)

فهذا اسم احفظ القول أو اتّق القول.

وقد جاءت هذه التسمية للفعل فى الخبر ، وإنما بابها الأمر والنهى ؛ من قبل أنهما لا يكونان إلا بالفعل ، فلمّا قويت الدلالة فيهما على الفعل حسنت إقامة غيره مقامه. وليس كذلك الخبر ، لأنه لا يخصّ بالفعل ، ألا ترى إلى قولهم : زيد أخوك ، ومحمد صاحبك ؛ فالتسمية للفعل فى باب الخبر ليست فى قوّة (تسميته فى) باب الأمر والنهى. وعلى ذلك فقد مرّت بنا [منه] ألفاظ صالحة جمعها طول التقرّى لها. وهى قولهم : أفّ اسم الضجر ، وفيه ثمانى لغات أفّ وأفّ وأفّ وأفّ وأفّ وأفّا وأفّى ممال ، وهو الذى تقول فيه العامّة : أفى ، وأف خفيفة. والحركة فى جميعها لالتقاء الساكنين. فمن كسر فعلى أصل الباب ، ومن ضمّ فللإتباع ، ومن فتح فللاستخفاف ، ومن لم ينوّن أراد التعريف ، ومن نوّن أراد التنكير. فمعنى التعريف : التضجّر ، ومعنى التنكير : تضجّرا. ومن أمال بناه على فعلى. وجاءت ألف التأنيث مع البناء كما جاءت تاؤه معه فى ذيّة وكيّة ، نعم ، وقد جاءت ألف فيه أيضا فى قوله :

* هنّا وهنّا ومن هنّا لهنّ بها*

ومنها أوّتاه (وهى اسم أتألّم. وفيها لغات) : أوّتاه وآوّه وأوّه وأوه وأوه وأوه وأوّ ؛ قال:

فأوه من الذكرى إذا ما ذكرتها

ومن بعد أرض بيننا وسماء (٢)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لجرير فى ديوانه ص ٣٥٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣١٩ ، ولسان العرب (لحق) ويروى (يقلن) مكان (أقول).

(٢) البيت من الطويل ، وهو فى الدرر ١ / ١٩٤ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٩ ، ٢ / ٦٥٦ ، وشرح المفصل ٤ / ٣٨ ، ولسان العرب (أوه) ، (أوا) ، والمحتسب ١ / ٣٩ ، والمنصف ٣ / ١٢٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٦١ ، ويروى (دوننا) مكان (بيننا).

٢٧٨

ويروى : فأوّ لذكراها. والصنعة فى تصريفها طويلة حسنة. وقد كان أبو علىّ ـ رحمه‌الله ـ كتب إلىّ من حلب ـ وأنا بالموصل ـ مسئلة أطالها فى هذه اللفظة ، جوابا على سؤالى إيّاه عنها ، وأنت تجدها فى مسائله الحلبيّات ، إلا أن جماع القول عليها أنها (فاعلة) فاؤها همزة ، وعينها ولامها واوان ، والتاء فيها للتأنيث. وعلى ذلك قوله : فأوّ لذكراها ، قال : فهذا كقولك فى مثال الأمر من قويت : قوّ زيدا ونحوه. ومن قال : فأوه أو فأوّه فاللام عنده هاء ، وهى من لفظ قول العبدىّ :

إذا ما قمت أرحلها بليل

تأوّه آهة الرجل الحزين (١)

ومثلها مما اعتقب عليه الواو والهاء لاما قولهم : سنة وعضة (٢) ؛ ألا تراهم قالوا : سنوات وعضوات ، وقالوا أيضا : سانهت ؛ وبعير عاضه ؛ والعضاه.

وصحّت الواو فى آوّة ولم تعتلّ إعلال قاوية وحاوية إذا أردت فاعلة من القوة والحوّة ؛ من قبل أن هذا بنى على التأنيث أعنى آوّة ، فجاء على الصحّة ؛ كما صحّت واو قرنوة (٣) وقلنسوة لمّا بنيت الكلمة على التأنيث ألبتّة.

ومنها سرعان ، فهذا اسم سرع ، ووشكان : اسم وشك ، وبطئان : اسم بطء.

ومن كلامهم : سرعان ذى إهالة (٤) أى سرعت هذه من إهالة. فأمّا أوائل الخيل فسرعانها بفتح الراء ، قال :

* فيغيّفون ونرجع السرعانا (٥) *

وقد قالوا : وشكان وأشكان. فأمّا أشك ذا (فماض ، وليس) باسم ، وإنما أصله

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للمثقب العبدى فى ديوانه ص ١٩٤ ، وإصلاح المنطق ص ٣٢١ ، ولسان العرب (رجل) ، (أوه) ، وبلا نسبة فى شرح المفصل ٤ / ٣٩ ، ولسان العرب (هوه) ، (أوا) ، وتاج العروس (أوه).

(٢) العضة : من الشجر ما له شوك والجمع العضاه.

(٣) القرنوة : نبات عريض الورق ينبت فى ألوية الرمل ودكادكه ، ويدبغ به. اللسان (قرن).

(٤) الإهالة : الشحم المذاب.

(٥) عجز البيت من الكامل ، وهو للقطامى فى ديوانه ص ٦٤ ، ولسان العرب (سرع) ، (غيف) ، وتاج العروس (سرع) ، (غيف) ، وتهذيب اللغة ٢ / ٨٩ ، ٨ / ٢٠٥ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٤٠٦ ، ومجمل اللغة ٤ / ٢٧ ، وبلا نسبة فى المخصص ١٢ / ١٣٠. وصدره :

* وحسبتنا نزع الكتيبة غدوة*

يغيّفون : أى ينهزمون. يقال : غيّف إذا فرّ. اللسان (غيف).

٢٧٩

وشك فنقلت حركة عينه ؛ كما قالوا فى حسن : حسن ذا ؛ قال :

لا يمنع الناس منّى ما أردت ولا

أعطيهم ما أزادوا حسن ذا أدبا (١)

ومنها حسّ اسم أتوجّع ، ودهدورّين : اسم بطل. ومن كلامهم : دهدرّين سعد القين ، وساعد القين ، أى هلك سعد القين.

ومنها لبّ (وهو اسم لبّيك) ، وويك : اسم أتعجّب. وذهب الكسائىّ إلى أن (ويك) محذوفة من ويلك ؛ قال :

*... ويك عنتر أقدم (٢) *

والكاف عندنا للخطاب حرف عار من الاسميّة. وأما قوله تعالى : (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) [القصص : ٨٢] فذهب سيبويه والخليل إلى أنه وى ، ثم قال : كأنّ الله. وذهب أبو الحسن إلى أنها ويك ، حتى كأنه قال عنده : أعجب أن الله يبسط الرزق. ومن أبيات الكتاب :

وى كأن من يكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (٣)

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لسهم بن حنظلة فى الأصمعيات ص ٥٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٣١ ، ٤٣٢ ، ٤٣٤ ، ولسان العرب (حسن) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٦ / ٢٢ ، وإصلاح المنطق ص ٣٥ ، وتذكرة النحاة ص ٥٩٩ ، وكذلك نسب إلى أبى المنهال البصرى ولأبى خراش الهذلى ، ويروى (لم) مكان (لا).

(٢) عجز البيت من الكامل ، وهو لعنترة فى ديوانه ص ٢١٩ ، والجنى الدانى ص ٣٥٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٠٦ ، ٤٠٨ ، ٤٢١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٨٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٤٨١ ، ٧٨٧ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٧ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٧٧ ، ولسان العرب (ويا) ، والمحتسب ١ / ١٦ ، ٢ / ٥٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣١٨ ، وبلا نسبة فى مغنى اللبيب ص ٣٦٩. وتكملة البيت :

ولقد شفى نفسى وأبرأ سقمها

قول الفوارس ..........

(٣) البيت من الخفيف ، وهو لزيد بن عمرو بن نفيل فى خزانة الأدب ٦ / ٤٠٤ ، ٤٠٨ ، ٤١٠ ، والدرر ٥ / ٣٠٥ ، وذيل سمط اللآلى ص ١٠٣ ، والكتاب ٢ / ١٥٥ ، ولنبيه بن الحجاج فى الأغانى ١٧ / ٢٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١١ ، ولسان العرب (وا) ، (ويا) ، وبلا نسبة فى الجنى الدنى ص ٣٥٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٨٦ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٦ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٨٩ ، والمحتسب ٢ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٦. النّشب والمنشبة : المال الأصيل من الناطق والصامت. اللسان (نشب).

٢٨٠