الخصائص - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٣٢

قلقلت (وصلصلت) ولو راعيت أصولها ، وعملت على ملاحظة أوائل أحوالها ، لكانت فلفلت ؛ لأن الألف التى هى عين عند تجشّم التمثيل فى داع وجاه ، قد حذفت فى دعدعت وجهجهت. وقد كنت عملت كتاب الزجر عن ثابت بن محمد ، وشرحت أحوال تصريف ألفاظه واشتقاقها ، فجاء منه شيء صالح وطريف. وإذا ضممته إلى هذا الفصل كثر به ؛ وأنس بانضمامه إليه.

* * *

٤٤١

باب فى الامتناع من نقض الغرض

اعلم أن هذا المعنى الذى تحامته العرب ـ أعنى امتناعها من نقض أغراضها ـ يشبه البداء (١) الذى تروم اليهود إلزامنا إياه فى نسخ الشرائع وامتناعهم منه ؛ إلا أنّ الذى رامته العرب من ذلك صحيح على السبر ، والذى ذهبوا هم إليه فاسد غير مستقيم. وذلك أن نسخ الشرائع ليس ببداء عندنا ؛ لأنه ليس نهيا عمّا أمر الله تعالى به ، وإنما هو نهى عن مثل ما أمر الله تعالى به فى وقت آخر غير الوقت الذى كان ـ سبحانه ـ أمر بالأوّل فيه ؛ ألا ترى أنه ـ عزّ اسمه ـ لو قال لهم : صوموا يوم كذا ، ثم نهاهم عن الصوم فيه فيما بعد ، لكان إنما نهاهم عن مثل ذلك الصوم ، لا عنه نفسه. فهذا ليس بداء. لكنه لو قال : صوموا يوم الجمعة ، ثم قال لهم قبل مضيّه : لا (تصوموه) لكان ـ لعمرى ـ بداء وتنقّلا ، والله ـ سبحانه ـ يجلّ عن هذا ؛ لأن فيه انتكاثا ، وتراجعا ، واستدراكا ، وتتبعا. فكذلك امتناع العرب من نقض أغراضها ، هو فى الفساد مثل ما نزّهنا القديم ـ سبحانه ـ عنه من البداء.

فمن ذلك امتناعهم من ادّغام الملحق ؛ نحو جلبب ، وشملل ، وشربب (ورمدد ومهدد) (٢) وذلك أنك إنما أردت بالزيادة والتكثير البلوغ إلى مثال معلوم ، فلو ادّغمت فى نحو شربب فقلت : شربّ ، لانتقض غرضك الذى اعتزمته : من مقابلة الساكن بالساكن ، والمتحرّك بالمتحرّك ، فأدّى ذلك إلى ضدّ ما اعتزمته ، ونقض ما رمته. فاحتمل التقاء المثلين متحرّكين ؛ لما ذكرنا من حراسة هذا الموضع ، وحفظه.

ومن ذلك امتناعهم من تعريف الفعل. وذلك أنه إنما الغرض فيه إفادته ، فلا بدّ من أن يكون منكورا لا يسوغ تعريفه ؛ لأنه لو كان معرفة لما كان مستفادا ؛ لأن المعروف قد غنى بتعريفه عن اجتلابه ليفاد من جملة الكلام. ولذلك قال

__________________

(١) البداء : استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم ، وذلك على الله غير جائز. اللسان (بدا).

(٢) شملل : أسرع. شربب : موضع. ويقال : رماد رمدد : كثير دقيق جدا. ومهدد : اسم امرأة.

٤٤٢

أصحابنا : اعلم أن حكم الجزء المستفاد من الجملة أن يكون منكورا ، والمفاد هو الفعل لا الفاعل. ولذلك لو أخبر بما لا شكّ فيه لعجب منه وهزئ (من قوله).

فلمّا كان كذلك لم يجز تعريف ما وضعه على التنكير ؛ ألا تراه يجرى وصفا على النكرة (وذلك) نحو مررت برجل يقرأ ، فهذا كقولك : قارئ ، ولو كان معرفة لاستحال جريه وصفا على النكرة.

ومن ذلك امتناعهم من إلحاق «من» بأفعل إذا عرّفته باللام ؛ نحو الأحسن منه ، والأطول منه. وذلك أنّ (من) ـ لعمرى ـ تكسب ما يتصل به : من أفعل هذا تخصيصا ما ؛ ألا تراك لو قلت : دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق الوهم إلا إلى الحسن رضى الله عنه (فبمن ما صحّت لك) هذه الفائدة ، وإذا قلت : الأحسن أو الأفضل أو نحو ذلك فقد استوعبت اللام من التعريف أكثر مما تفيده (من) من حصّتها من التخصيص ، فكرهوا أن يتراجعوا بعد ما حكموا به من قوّة التعريف إلى الاعتراف بضعفه ، إذا هم أتبعوه من الدالة على حاجته إليها ، وإلى قدر ما تفيده : من التخصيص المفاد منه.

فأمّا ما ظنّ أبو عثمان الجاحظ من أنه يدخل على قول أصحابنا (فى هذا من قول الشاعر) :

فلست بالأكثر منهم حصى

وإنما العزّة للكاثر (١)

فساقط عنهم. وذلك أن (من) هذه ليست هى التى تصحب (أفعل) هذا لتخصيصه ، فيكون ما رامه أبو عثمان من جمعها مع لام التعريف. وذلك لأنها إنما هى حال من تاء (لست) ؛ كقولك : لست فيهم بالكثير مالا ، وما أنت منهم بالحسن وجها ، أى لست من بينهم وفى جملتهم بهذه الصفة ؛ كقولك : أنت والله

__________________

(١) البيت من السريع ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٩٣ ، والاشتقاق ص ٦٥ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٩٥ ، وخزانة الأدب ١ / ١٨٥ ، ٣ / ٤٠٠ ، ٨ / ٢٥٠ ، ٢٥٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٥١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٠٢ ، وشرح المفصل ٦ / ١٠٠ ، ١٠٣ ، ولسان العرب (كثر) ، (سدف) ، (حصى) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨ ، ونوادر أبى زيد ص ٢٥ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٢٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ١١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٦٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٦.

٤٤٣

من بين الناس حرّ ، وزيد من جملة رهطه كريم.

ومن ذلك امتناعهم من إلحاق علم التأنيث لما فيه علمه ، حتى دعاهم ذلك إلى أن قالوا : مسلمات ، ولم يقولوا : مسلمتات ؛ لئلا يلحقوا (علامة تأنيث مثلها).

وذلك أن إلحاق علامة التأنيث إنما هو ليخرج المذكّر قبله إليه وينقله إلى حكمه ، فهذا أمر يجب عنه وله أن يكون ما نقل إلى التأنيث قبل نقله إليه مذكّرا ؛ كقائم من قائمة ، وظريف من ظريفة. فلو ذهبت تلحق العلامة العلامة لنقضت الغرض. وذلك أن التاء فى قائمة قد أفادت تأنيثه ، وحصّلت له حكمه ، فلو ذهبت تلحقها علامة أخرى فتقول : قائمتات لنقضت ما أثبت من التأنيث الأوّل ، بما تجشمته من إلحاق علم التأنيث الثانى له ؛ لأن فى ذلك إيذانا بأن الأوّل به لم يكن مؤنّثا ، وكنت أعطيت اليد بصحّة تأنيثه لحصول ما حصل فيه من علمه ، وهذا هو النقض والبداء البتّة. ولذلك أيضا لم يثنّ الاسم المثنّى ؛ لأن ما حصل فيه من علم التثنية مؤذن بكونه اثنين ، وما يحلقه من علم التثنية ثانيا يؤذن بكونه فى الحال الأولى مفردا ؛ وهذا هو الانتقاض والانتكاث لا غير.

فإن قلت : فقد يجمع الجمع ؛ نحو أكلب وأكالب (وأسقية وأساق) فكيف القول فى ذلك؟

قيل له : فرق بينهما أنّ علمى التأنيث فى (مسلمات لو قيل مسلمتات) لكانا لمعنى واحد وهو التأنيث فيهما جميعا ، وليس كذلك معنيا التكسير فى أكلب وأكالب. وذلك أن معنى أكلب أنها دون العشرة ، ومعنى أكالب أنها للكثرة التى أوّل رتبتها فوق العشرة. فهذان معنيان ـ كما تراهما ـ اثنان ، فلم ينكر اجتماع لفظيهما ؛ لاختلاف معنييهما.

فإن قلت : فهلا أجازوا ـ على هذا ـ مسلمتات ، فكانت التاء الأولى لتأنيث الواحد ، والتاء الثانية لتأنيث الجماعة؟

قيل : كيف تصرّفت الحال فلم تفد واحدة من التاءين شيئا غير التأنيث البتّة.

فأما عدّة المؤنّث فى إفراده وجمعه فلم يفده العلمان فيجوز اجتماعهما ؛ كما جاز تكسير التكسير فى نحو أكلب وأكالب.

فإن قلت : فقد يجمع أيضا جمع الكثرة ؛ نحو بيوت وبيوتات ، وحمر

٤٤٤

وحمرات ، ونحو قولهم : صواحبات يوسف ، ومواليات العرب ؛ وقوله :

* قد جرت الطير أيامنينا (١) *

فهذا جمع أيامن ، وأنشدوا :

* فهنّ يعلكن حدائداتها (٢) *

وكسّروا أيضا مثل الكثرة ؛ قال :

* عقابين يوم الدجن تعلو وتسفل (٣) *

وقال آخر :

ستشرب كأسا مرّة تترك الفتى

تليلا لفيه للغرابين والرخم (٤)

وأجاز أبو الحسن فى قوله :

* فى ليلة من جمادى ذات أندية*

أن يكون كسّر ندى على نداء ؛ كجبل وجبال ؛ ثم كسّر نداء على أندية ؛ كرداء وأردية.

قيل : جميع ذلك و (ما كان) مثله ـ وما أكثره! ـ (إنما جاز) لأنه لا ينكر أن

__________________

(١) الرجز لأعرابى فى المقاصد النحوية ٢ / ٤٢٥ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٤٥٦ ، والدرر ٢ / ٢٧٢ ، وسمط اللآلى ص ٦٨١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٩ ، ولسان العرب (فطن) ، (يمن) ، والمعانى الكبير ص ٦٤٦ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٧ ، وجمهرة اللغة ص ٢٩٣ ، وتاج العروس (فطن) ، (يمن) ، (سرو) ، وجمهرة اللغة ص ٢٩٣ ، والمخصص ١٣ / ٢٨٢ ، وبعده :

* يقول أهل السوق لما جينا*

(٢) الرجز للأحمر فى لسان العرب (حدد) ، وتاج العروس (حدد) ، (دوم) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (صحب) ، (دوم) ، (يمن) ، (بقى) ، (لوى) ، وتهذيب اللغة ٩ / ٣٤٩ ، والمخصص ٦ / ٢٠٥ ، ٨ / ٧٩ ، ١٠ / ٢٨ ، ١٢ / ٢٦ ، ٢٤٧ ، ١٤ / ١١٧ ، ١١٨ ، وتاج العروس (لوى).

(٣) عجز البيت من الطويل ، وهو للكميت فى شرح هاشميات الكميت ص ١٦٤ ، والمخصص ١٦ / ١٠ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (عقب) ، والمخصص ٨ / ١٤٥ ، وصدره :

* هما هم بالمستلئمين عوابس*

(٤) تلّة يتلّه تلا ، فهو متلول وتليل : صرعه ، والتليل : الصريع. والرّخم : نوع من الطير.

٤٤٥

يكون جمعان أحدهما أكثر من صاحبه وكلاهما مثال الكثرة ؛ ألا ترى أن مائة للكثرة ، وألفا أيضا كذلك ، وعشرة آلاف أيضا كذلك ، ثم على هذا ونحوه. فكأن بيوتا مائة ، وبيوتات مائة ألف ؛ وكأن عقبانا خمسون ، وعقابين أضعاف ذلك. وإذا كان ذلك علمت اختلاف المعنيين لاختلاف اللفظين. وإذا آل بك الأمر إلى هذا لم (تبق وراءه مضطربا) فهذا قول.

وجواب ثان : أنك إنما تكسّر نحو أكلب وعقبان ونداء لمجيء كل واحد من ذلك على أمثلة الآحاد وفى طريقها ، فلمّا جاءت هذا المجيء جرت مجرى الآحاد ، فجاز تكسيرها ؛ كما يجوز تكسيرها ؛ ألا ترى أنّ لذلك ما جاز صرفها ، وترك الاعتداد بمعنى الجمعيّة فيها ، لمّا جاءت مجىء الآحاد ؛ فصرف كلاب ؛ لشبهه بكتاب ، وصرف بيوت ؛ لشبهه (بأتىّ وسدوس) (١) ومرور ؛ وصرف عقبان ؛ لشبهه بعصيان وضبعان. وصرف قضبان ؛ لأنه على مثال قرطان (٢). وصرف أكلب ؛ لأنه قد جاء عنهم أصبع وأرزّ (وأسنمة) (٣) ولأنه أيضا لما كان لجمع القلّة أشبه فى المعنى الواحد ؛ لأن محلّ مثال القلّة من مثال الكثرة فى المعنى محلّ الواحد من الجمع ، فكما كسّروا الواحد ، كذلك كسّروا ما قاربه من الجمع. وفى هذا كاف.

فإن قلت : فهلا ثنّيت التثنية ؛ كما جمعت الجمع؟ قيل : قد كفتنا العرب بقولهم : أربعة (عن قولهم) اثنانان. وأيضا فكرهوا أن يجمعوا فى (اثنانان) ونحوه بين إعرابين ، متفقين كانا أو مختلفين ؛ وليس شيء من ذلك فى نحو أكلب وأكالب.

ومن ذلك ما قال أصحابنا : إن وصف العلم جار مجرى نقض الغرض. وذلك أن العلم إنما وضع ليغنى عن الأوصاف الكثيرة ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : قال الحسن فى هذه المسألة كذا ، فقد استغنيت (بقولك : الحسن) عن قولك : الرجل الفقيه القاضى العالم الزاهد البصرىّ الذى كان من حاله كذا ، ومن أمره كذا ، فلمّا قلت : الحسن أغناك عن جميع ذلك. فإذا وصف العلم فلأنه كثر المسمّون

__________________

(١) الأتىّ ـ بضم الهمزة ـ من مصادر أتى ، وهو أيضا النهر يسوقه الرجل إلى أرضه. اللسان (أتى). والسدوس : الطيلسان.

(٢) قرطان : ما يلقى تحت السرج.

(٣) أسنمة : موضع.

٤٤٦

به ، فدخله اللبس فيما بعد ، فلذلك وصف ؛ ألا ترى أن ما كان من الأعلام لا شريك له فى العلمية فإنه لا يوصف. وذلك كقولنا : الفرزدق ؛ فإنه لا يوصف فيقال : التميمىّ ولا نحو ذلك ؛ لأنه لم يسمّ به أحد غيره. وإذا ذكرته باسمه الذى هو همّام جاز وصفه ، فقلت همّام بن غالب ؛ لأن همّاما شورك فيه ، فجاز لذلك لحاق الوصف له.

فإن قلت : فقد يكثر فى الأنساب وصف كثير من الأعلام التى لا شركة فيها ؛ نحو قولهم : فلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ونظائره كثيرة ، قيل : ليس (الغرض إلا التنقّل به) والتصعّد إلى فوق ، وإعلام السامع وجه النّسب ، وأن فلانا اسم أبيه كذا ، واسم جدّه كذا ، واسم أبى جدّه كذا. فإنما البغية بذلك استمرار النسب ، وذكر الآباء شيئا فشيئا على توال. وعلى هذا يجوز أيضا أن يقال : الفرزدق بن غالب ؛ فأمّا على التخليص (والتخصيص) فلا.

ومن ذلك امتناعهم من تنوين الفعل. وذلك أنه قد استمرّ فيه الحذف والجزم بالسكون لثقله. فلمّا كان موضعا للنقص منه لم تلق به الزيادة فيه. فهذا قول.

وإن شئت قلت : إن التنوين إنما لحق فى الوقف مؤذنا بالتمام ، والفعل أحوج شيء إلى الفاعل ، فإذا كان من الحاجة إليه من بعده على هذه الحال لم يلق به التنوين اللاحق للإيذان بالتكامل والتمام ، فالحالان إذا كما ترى ضدّان. ولأجل ذلك ما امتنعوا من لحاق التنوين للمضاف. وذلك أن المضاف على غاية الحاجة إلى المضاف إليه من بعده. فلو ألحقته التنوين المؤذن بالوقف وهو متناه فى قوّة الحاجة إلى الوصل جمعت بين الضدّين. وهذا جلىّ غير خاف. وأيضا فإن التنوين دليل التنكير ؛ والإضافة موضوعة للتخصيص ، فكيف لك باجتماعهما ، مع ما ذكرنا من حالهما.

فإن قلت : فإذا كان الأمر كذلك فما بالهم نوّنوا الأعلام ؛ كزيد وبكر؟

قيل : جاز ذلك ؛ لأنها ضارعت بألفاظها النكرات ؛ إذ كان تعرّفها معنويّا لا لفظيّا ، لأنه لا لام تعريف فيها ولا إضافة ؛ كما صرفوا من الجمع ما ضارع الواحد ببنائه ، نحو كلاب (لأنه ككتاب) ، وشيوخ لأنه كسدوس ودخول وخروج. وهذا باب مطّرد فاعرفه.

٤٤٧

باب فى التراجع عند التناهى

هذا معنى مطروق فى غير صناعة الإعراب ؛ كما أنه مطروق فيها. وإذا تشاهدت حالاهما كان أقوى لها ، وأذهب فى الأنس بها.

فمن ذلك قولهم : إن الإنسان إذا تناهى فى الضحك بكى ، وإذا تناهى فى الغمّ ضحك ، وإذا تناهى فى العظة أهمل ، وإذا تناهت العداوة استحالت مودّة. وقد قال :

* وكلّ شيء بلغ الحدّ انتهى*

وأبلغ من هذا قول شاعرنا :

ولجدت حتى كدت تبخل حائلا

للمنتهى ، ومن السرور بكاء

والطريق فى هذا ونحوه معروفة مسلوكة.

وأمّا طريق صناعة الإعراب فى مثله ؛ فقول أبى إسحاق فى ذكر العلّة التى امتنع لها أن يقولوا : ما زال زيد إلا قائما : (نفى و) نفى النفى إيجاب. وعلى نحو هذا ينبغى أن يكون قولهم : ظلمة ، وظلم ، وسدرة ، وسدر ، وقصعة ، وقصاع ، (وشفرة وشفار). وذلك أن الجمع يحدث للواحد تأنيثا ؛ نحو قولهم : هذا جمل ، وهذه جمال ، وهذا رجل ، وهذه رجال قد أقبلت. وكذلك بكر وبكارة ، وعير وعيورة ، وجريب وأجربة (١) ، وصبىّ وصبية ، ونحو ذلك. فلمّا كانت ظلمة ، وسدرة ، وقصعة ، مؤنّثات ـ كما ترى ـ وأردت أن تكسّرها ، صرت كأنك أردت تأنيث المؤنّث : فاستحال بك الأمر إلى التذكير ، فقلت ظلم ، وسدر ، وقصاع ، وشفار. فتراجعت للإيغال فى التأنيث إلى لفظ التذكير. فعلى هذا النحو لو دعا داع ، أو حمل حامل على (تأنيث نحو) قائمة ومسلمة لكان طريقه ـ على ما أرينا ـ أن نعيده إلى التذكير ، فنقول : قائم ، ومسلم. هذا لو سوّغ مسوّغ تأنيث نحو

__________________

(١) الجريب من الطعام والأرض : مقدار معلوم الذّراع والمساحة ، والجريب : الوادى. وانظر اللسان (جرب).

٤٤٨

قائمة ، وكريمة ، ونحو ذلك.

فإن قيل : فيلزم على هذا أن لو أريد تذكير المذكّر أن يؤنث ، قيل : هذا تقرير فاسد ، ووضع غير متقبّل. وذلك أن التذكير هو الأوّل ، والأصل. فليس لك التراجع عن الأصول ؛ لأنها أوائل ، وليس تحت الأصل ما يرجع إليه. وليس كذلك التأنيث ؛ لأنه فرع على التذكير. وقد يكون الأصل واحدا ، وفروعه متضعفة (ومتصعّدة) ألا ترى أن الاشتقاق تجد له أصولا ، ثم تجد لها فروعا ، ثم تجد لتلك الفروع فروعا صاعدة عنها ، نحو قولك : نبت ؛ فهو الأصل ؛ لأنه جوهر ، ثم (يشتق منه فرع) هو النبات ، وهو حدث ، ثم يشتقّ من النبات الفعل ، فتقول : نبت. فهذا أصل ، وفرع ، وفرع فرع. فلذلك جاز تصوّر تأنيث المؤنث ، ولم يجز تصوّر تذكير المذكّر. نعم ، ولو جاز تصوّر تذكير المذكّر لأوجب فيه القياس أن يعاد به إلى التأنيث. كذا وجه النظر. وما (فى هذا) من المنكر!. فعلى هذا السمت لو ساغ تذكير قائم لوجب أن يقال فيه : قائمة. فاعرف ذلك ، وأنس به ، ولا تنب عنه.

فإن قلت : فلسنا نجد كلّ المذكّر إذا أريد تكسيره أنّث ؛ ألا تراك تقول : رجل ، ورجال ، وغلام ، وغلمان ، وكلب ، وأكلب. فهذا بخلاف ذكر وذكارة وذكورة ، وفحل وفحالة وفحولة.

قيل : لم ندّع أن كل مذكّر كسّر فلا بدّ فى مثال تكسيره من علم تأنيث ، وإنما أرينا أن هذا المعنى قد يوجد فيه ، فاستدللنا بذلك على صحّة ما كنا عليه وبسبيله.

وكيف تصرّفت الحال فأنت قد تلاحظ تأنيث الجماعة فى نحو رجال ، فتقول : قامت الرجال ، و (إذا عاديت الرجال فاصبر لها أى للرجال ؛ وإن شئت كانت الهاء للمعاداة).

وعلى نحو مما نحن بصدده ما قالوا : ثلاثة رجال ، وثلاث نسوة ، فعكسوا الأمر على ما تراه. ولأجل ذلك ما قالوا : امرأة صابرة (وغادرة ، فألحقوا علم التأنيث ، فإذا تناهوا فى ذلك قالوا : صبور) وغدور ، فذكّروا. وكذلك رجل ناكح ، فإذا بالغوا قالوا : رجل نكحة.

ونحو من ذلك سواء اطّراد التصرّف فى الأفعال ؛ نحو قام ، ويقوم ، وقم ، وما

٤٤٩

كان مثله. فإذا بالغوا وتناهوا منعوه التصرّف ، فقالوا : نعم الرجل ، وبئس الغلام ، فلم يصرّفوهما ، وجعلوا ترك التصرّف فى الفعل الذى هو أصله وأخصّ الكلام به أمارة للأمر الحادث له ، وأن حكما من أحكام المبالغة قد طرأ عليه ؛ كما تركوا لذلك أيضا تأنيثه دليلا عليه فى نحو قولهم : نعم المرأة ، وبئس الجارية.

فإن قلت : فما بالهم منعوا هذين الفعلين التصرّف البتّة ، ولم يمنعوهما علم التأنيث البتّة ؛ ألا تراك أيضا قد تقول : نعمت المرأة ، وبئست الجارية ، وأنت لا تصرّف واحدا منهما على وجه؟

قيل : إنما حظروا عليهما ما هو أخصّ الأوصاف بهما ـ أعنى التصرّف ـ ليكون حظره عليهما أدلّ شيء على حدوث عائق لهما ، وليست كذلك علامة التأنيث ، لأن الفعل لم يكن فى القياس تأنيثه ؛ ألا تراه مفيدا للمصدر الدالّ على الجنس ، والجنس أسبق شيء إلى التذكير ، وإنما دخل علم التأنيث فى نحو قامت هند ، وانطلقت جمل لتأنيث فاعله ، ولو كان تأنيث الفعل لشيء يرجع إليه هو لا إلى فاعله لجاز قامت زيد ، وانطلقت جعفر. فلأجل ذلك ما اعتزموا الدلالة على خروج هذين الفعلين إلى معنى المبالغة بترك تصرّفهما الذى هو أقعد من غيره فيهما ، دون الاقتصار على ترك تأنيثهما ؛ إذ التأنيث فيهما ليس فى الأصل مستحقّا لهما ، ولا راجعا إليهما ؛ وإنما هو مراعى به تأنيث فاعليهما. ويؤكّد ذلك عندك ما رواه الأصمعىّ عنهم من قوله : إذا فاق الشىء فى بابه سمّوه خارجيّا ؛ وأنشد بيت طفيل الغنوىّ :

وعارضتها رهوا على متتابع

شديد القصيرى خارجىّ محنّب (١)

فقولهم فى هذا المعنى : خارجىّ ، واستعمالهم فيه لفظ خرج ، من أوثق ما يستدلّ به على هذا المعنى ، وهو الغاية فيه. فاعرفه واشدد يدك به.

* * *

__________________

(١) البيت من الطويل وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص ٢٦ ، ولسان العرب (خرج) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٢٧٢ ، وكتاب الجيم ٢ / ٢٤ ، وتاج العروس (خرج) ، (عرض).

٤٥٠

باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية

اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب ، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية ، ولا وراءه من نهاية. وذلك أن أكثر من ضلّ من أهل الشريعة عن القصد فيها ، وحاد عن الطريقة المثلى إليها ، فإنما استهواه (واستخفّ حلمه) ضعفه فى هذه اللغة الكريمة الشريفة ، التى خوطب الكافّة بها ، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها ، وأصل اعتقاد التشبيه لله تعالى بخلقه منها ، وجاز عليهم بها وعنها. وذلك أنهم لمّا سمعوا قول الله ـ سبحانه ، وعلا عما يقول الجاهلون علوّا كبيرا ـ (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٣٩] وقوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] وقوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] وقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧] وقوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] وقوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] ونحو ذلك من الآيات الجارية هذا المجرى ، وقوله فى الحديث : «خلق الله آدم على صورته» (١) ، حتى ذهب بعض هؤلاء الجهّال فى قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢] أنها ساق ربهم ـ ونعوذ بالله من ضعفة النظر ، وفساد المعتبر ـ ولم يشكّوا أن هذه أعضاء له ، وإذا كانت أعضاء كان هو لا محالة جسما معضّى (٢) ؛ على ما يشاهدون من خلقه ، عزّ وجهه ، وعلا قدره ، وانحطّت سوامى (الأقدار و) الأفكار دونه. ولو كان لهم أنس بهذه اللغة الشريفة أو تصرّف فيها ، أو مزاولة لها ، لحمتهم السعادة بها ، ما أصارتهم الشقوة إليه ، بالبعد عنها.

وسنقول فى هذا ونحوه ما يجب فى مثله. ولذلك ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجل لحن : «أرشدوا أخاكم فإنه قد ضلّ» ، فسمّى اللحن ضلالا ؛ وقال عليه‌السلام : «رحم الله امرأ أصلح من لسانه» (٣) ، وذلك لما (علمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما يعقب) الجهل لذلك

__________________

(١) أخرجه البخارى فى «أحاديث الأنبياء» (ح ٣٣٢٦) ، ومسلم فى «الاستئذان» (ح ٢٨٤١).

(٢) يقال : عضّيت الشاة والجزور تعضية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها.

(٣) ذكره العجلونى فى «كشف الخفاء» (١٣٦٨) ، وقال : «رواه ابن عدى والخطيب عن عمر ، وابن عساكر عن أنس ، ... وقال ابن الغرس : قال شيخنا : حديث ضعيف».

٤٥١

من ضدّ السداد ، وزيغ الاعتقاد.

وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جار على المجاز ، وقلّما يخرج الشىء منها على الحقيقة. وقد قدّمنا ذكر ذلك فى كتابنا هذا وفى غيره. فلمّا كانت كذلك ، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها ، وانتشار أنحائها ، جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه ، ويعتادونه منها ، وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم ، وعادتهم فى استعمالها. وذلك أنهم يقولون : هذا الأمر يصغر فى جنب هذا ، أى بالإضافة إليه ، و (قرنه به). فكذلك قوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (أى فيما يبنى وبين الله) إذا أضفت تفريطى إلى أمره لى ونهيه إياى. وإذا كان أصله اتساعا جرى بعضه مجرى بعض.

وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّ الصيد فى جنب الفرأ (١) ، (وجوف القرأ) ، أى (كأنه يصغر) بالإضافة إليه وإذا قيس به.

وكذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] ، إنما هو الاتجاه (إلى الله) ، ألا ترى إلى بيت الكتاب :

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل (٢)

أى الاتجاه. فإن شئت قلت : إن الوجه هنا مصدر محذوف الزيادة ، كأنه وضع الفعل موضع الافتعال ، كوحده ، وقيد الأوابد (ـ فى أحد القولين ـ) ونحوهما.

وإن شئت قلت : خرج مخرج الاستعارة. وذلك أن وجه الشىء أبدا هو أكرمه

__________________

(١) المصدر السابق (١٦٧٧) ، وقال : «رواه الرامهرمزى فى الأمثال عن نصر بن عاصم الليثى ... وسنده جيد ، لكنه مرسل ، ونحوه عند العسكرى ، وقال «فى جوف أو جنب». الفرأ : حمار الوحش.

(٢) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٥٢٤ ، والأشباه والنظائر ٤ / ١٦ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٨٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٠٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١١ ، ٩ / ١٢٤ ، والدرر ٥ / ١٨٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٧٩ ، وشرح المفصل ٧ / ٦٣ ، ٨ / ٥١ ؛ والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٨١ ، والكتاب ١ / ٣٧ ، ولسان العرب (غفر) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٦ ، والمقتضب ٢ / ٣٢١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٢.

٤٥٢

وأوضحه ، فهو المراد منه ، والمقصود إليه. فجرى استعمال هذا فى القديم ـ سبحانه ـ مجرى العرف فيه والعادة فى أمثاله. أى لو كان ـ تعالى ـ ممّا يكون له وجه لكان كلّ موضع توجّه إليه فيه وجها له ؛ إلا أنك إذا جعلت الوجه فى القول الأوّل مصدرا كان فى المعنى مضافا إلى المفعول دون الفاعل ؛ لأن المتوجّه إليه مفعول (فى المعنى فيكون) إذا من باب قوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) [فصلت : ٤٩] و (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) [ص : ٢٤] ونحو ذلك ممّا أضيف فيه المصدر إلى المفعول به.

وقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] إن شئت قلت : لمّا كان العرف أن يكون أكثر الأعمال باليد جرى هذا مجراه. وإن شئت قلت : الأيدى هنا جمع اليد التى هى القوّة ، فكأنه قال : مما عملته قوانا ، أى القوى التى أعطيناها الأشياء ، لا أنّ له ـ سبحانه ـ جسما تحلّه القوّة أو الضعف. ونحوه قولهم فى القسم : لعمر الله ، إنما هو : وحياة الله ، أى والحياة التى آتانيها الله ، لا أن القديم سبحانه محلّ للحياة كسائر الحيوانات. ونسب العمل إلى القدرة وإن كان فى الحقيقة للقادر ؛ لأن بالقدرة ما يتمّ له العمل ؛ كما يقال : قطعه السيف ، وخزقه الرمح. فيضاف الفعل إليهما ؛ لأنه إنما كان بهما.

وقوله تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] أى تكون مكنوفا برأفتى بك ، وكلاءتى لك ؛ كما أن من يشاهده الناظر له ، والكافل به ، أدنى إلى صلاح أموره ، وانتظام أحواله ، ممن يبعد عمن يدبّره ، ويلى أمره ؛ قال المولّد :

شهدوا وغبنا عنهم فتحكّموا

فينا وليس كغائب من يشهد

وهو باب واسع.

وقوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] إن شئت جعلت اليمين هنا الجارحة ، فيكون على (ما ذهبنا) إليه من المجاز والتشبيه ، أى حصلت السموات تحت قدرته ، حصول ما تحيط اليد به فى يمين القابض عليه ، وذكرت اليمين هنا دون الشمال لأنها أقوى اليدين ، وهو من مواضع ذكر الاشتمال والقوّة. وإن شئت جعلت اليمين هنا القوّة ؛ كقوله :

٤٥٣

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقّاها عرابة باليمين (١)

أى بقوّته وقدرته. ويجوز أن يكون أراد بيد عرابة : اليمنى على ما مضى.

وحدّثنا أبو على سنة إحدى وأربعين (٢) ، قال : فى قول الله ـ جلّ اسمه ـ (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) [الصافات : ٩٣] ثلاثة أقوال : أحدها : باليمين التى هى خلاف الشمال. والآخر باليمين التى هى القوّة. والثالث (باليمين التى هى) قوله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] فإن جعلت يمينه من قوله : (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (هى الجارحة مجازا وتشبيها كانت الباء هنا ظرفا) أى مطويّات فى يمينه وتحت يمينه. وإن جعلتها القوّة لم تكن الباء ظرفا ؛ لكنها تكون حرفا ، معناه الإلصاق والاستعانة به ، على التشبيه بما يستعان به ؛ كقولهم : ضرب بالسيف ، وقطع بالسكين ، وحفر بالفأس. هذا هو المعنى الظاهر ، وإن كان غيره جائزا ، على التشبيه والسعة.

وقوله فى الحديث : «خلق الله آدم على صورته» (٣) ، يحتمل الهاء فيه أن تكون راجعة على اسم الله تعالى ، وأن تكون راجعة على آدم. فإذا كانت عائدة على اسم الله تعالى كان معناه : على الصورة التى أنشأها الله ، وقدّرها. فيكون المصدر حينئذ مضافا إلى الفاعل ، لأنه ـ سبحانه ـ هو المصوّر لها ، لا أن له ـ عزّ اسمه ـ صورة و (مثالا) ؛ كما أن قولهم : لعمر الله ، إنما معناه : والحياة التى كانت بالله ، والتى آتانيها الله ، لا أن له ـ تعالى ـ حياة تحلّه ، ولا أنه ـ عزّ وجهه ـ محلّ للأعراض. وإن جعلتها عائدة على آدم كان معناه : على صورة آدم أى على صورة أمثاله ممن هو مخلوق ومدبّر ، فيكون هذا حينئذ كقولك فى السيد والرئيس : قد خدمته خدمته ، أى الخدمة التى تحقّ لأمثاله ، وفى العبد والمبتذل : قد استخدمته استخدامه ، أى استخدام أمثاله ممن هو مأمور بالخفوف والتصرّف ، فيكون إذا

__________________

(١) البيت من الوافر وهو للشماخ فى ديوانه ص ٣٣٦ ، ولسان العرب (عرب) ، (يمن) ، وتهذيب اللغة ٨ / ٢٢١ ، ١٥ / ٥٢٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٩ ، ٩٩٤ ، وتاج العروس (عرب) ، ومقاييس اللغة ٦ / ١٥٨.

(٢) أى بعد الثلاثمائة.

(٣) أخرجه البخارى فى «الأنبياء» (ح ٣٣٢٦) ، وفى غير موضع ، ومسلم فى الاستئذان ، (ح ٢٨٤١) ، وقد سبق قريبا.

٤٥٤

كقوله ـ عزوجل ـ : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار : ٨] وكذلك نظائر هذا : هذه سبيله.

فأمّا قول من طغى به جهله ، وغلبت عليه شقوته ، حتى قال فى قول الله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢] : إنه أراد به عضو القديم ، وإنها جوهر كهذه الجواهر الشاغلة للأماكن ، وإنها ذات شعر ، وكذا وكذا ممّا تتايعوا (١) (فى شناعته) وركسوا فى (غوايته) فأمر نحمد الله على أن نزّهنا عن الإلمام بحراه. وإنما الساق هنا يراد بها شدّة الأمر ؛ كقولهم : قد قامت الحرب على ساق. ولسنا ندفع مع ذلك أن الساق إذا أريدت بها الشدّة فإنما هى مشبّهة بالساق هذه التى تعلق القدم ، وأنه إنما قيل ذلك ؛ لأن الساق هى الحاملة للجملة ، المنهضة لها. فذكرت هنا لذلك تشبيها وتشنيعا. فأما أن تكون للقديم ـ تعالى ـ جارحة : ساق أو غيرها ، فنعوذ بالله من اعتقاده (أو الاجتياز) بطواره. وعليه بيت الحماسة :

كشفت لهم عن ساقها

وبدا من الشرّ الصراح (٢)

وأمّا قول ابن قيس فى صفة الحرب والشدّة فيها :

تذهل الشيخ عن بنيه وتبدى

عن خدام العقيلة العذراء (٣)

__________________

(١) التتايع : الإسراع فى الشر.

(٢) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لجد طرفة (سعد بن مالك) فى ديوانه ص ٥٤١ ، ولسان العرب (سوق) ، وتهذيب اللغة ٩ / ٢٣٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٥٠٤ ، وتاج العروس (سوق). وقوله : «كشفت» أى الحرب المذكورة قبل. ويقول التبريزى فى شرح الحماسة (٢ / ٧٦): «هذا مثل تضربه العرب فى كشف الساق. وذلك أن الرجل إذا أراد أن يمارس أمرا شمّر ذيله ، فاستعمل ذلك فى الأنيس ، ثم نقل إلى الحرب وغيرها من خطوب الدهر التى تعظم وتشتدّ. وقد قيل : الساق اسم للشدّة ، وفسّر عليه قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) ، فقيل :المعنى : يوم يكشف عن شدّة». (نجار).

(٣) البيت من الخفيف ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات فى ديوانه ص ٩٦ ، والأغانى ٥ / ٦٩ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٨٧ ، ١١ / ٢٧٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ٥٣٥ ، وشرح المفصل ٩ / ٣٧ ، ولسان العرب (شعا) ، والمنصف ٢ / ٢٣١ ، ولمحمد بن الجهم بن هارون فى معجم الشعراء ص ٤٥٠ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٦٦١ ، وتذكرة النحاة ص ٤٤٤ ، ولسان العرب (خدم) ، ومجالس ثعلب ص ١٥٠. ـ ـ

٤٥٥

فإنه وجه آخر ، وطريق من طرق الشدّة غير ما تقدّم. وإنما الغرض فيه أن الرّوع قد بزّ العقيلة ـ وهى المرأة الكريمة ـ حياءها ، حتى أبدت عن ساقها ؛ للحيرة والهرب ؛ كقول الآخر :

لمّا رأيت نساءنا

يفحصن بالمعزاء شدّا

وبدت محاسنها التى

تخفى وكان الأمر جدّا (١)

وقوله :

إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم

مصاد لمن يأوى إليهم ومعقل (٢)

وهو باب. وضدّه ما أنشده أبو الحسن :

ارفعن أذيال الحقىّ واربعن

مشى حييّات كأن لم يفزعن

إن تمنع اليوم نساء تمنعن (٣)

وأذكر يوما وقد خطر لى خاطر مما نحن بسبيله ، فقلت : لو أقام إنسان على خدمة هذا العلم ستّين سنة حتى لا يحظى منه إلا بهذا الموضع لما كان مغبونا فيه ، ولا منتقص الحظّ منه ، ولا السعادة به. وذلك قول الله ـ عزّ اسمه ـ : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف : ٢٨] ولن يخلو (أغفلنا) هنا من أن يكون من باب أفعلت الشىء أى صادفته ووافقته كذلك ؛ كقوله :

__________________

الخدام : جمع الخدمة ، وهى الخلخال ، وقد تسمى الساق خدمة حملا على الخلخال لكونها موضعه .. وعدّى تبدى بعن لأنّ فيه معنى تكشف. اللسان (خدم).

(١) البيتان من مجزوء الكامل ، وهو لعمرو بن معد يكرب فى ديوانه ص ٨٢. المعزاء : الأرض الصلبة. الشدّ : العدو.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٩٥ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (مصد) ، وجمهرة اللغة ص ٦٥٧ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٣٢٩ ، ومجمل اللغة ٤ / ٣٣١ ، وتاج العروس (مصد). الكعاب : التى نهد ثديها ، والمصاد : أعلى الجبل.

(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (حلق) ، وجمهرة اللغة ص ٥٦٢ ، وروايته :

رخين أذيال الحقىّ وارتعن

مشى حميّات كأن لم يفزعن

إن يمنع اليوم نساء تمنعن

٤٥٦

* وأهيج الخلصاء من ذات البرق (١) *

أى صادفها هائجة النبات (وقوله :

* فمضى وأخلف من قتيلة موعدا (٢) *

أى صادفه مخلفا) ، وقوله :

أصمّ دعاء عاذلتى تحجّى

بآخرنا وتنسى أوّلينا (٣)

أى صادف قوما صمّا ، وقول الآخر :

فأصممت عمرا وأعميته

عن الجود والمجد يوم الفخار

أى صادفته أعمى. وحكى الكسائىّ : دخلت بلدة فأعمرتها ، أى وجدتها عامرة ، ودخلت بلدة فأخربتها ، أى وجدتها خرابا ، ونحو ذلك ، أو يكون ما قاله الخصم : أن معنى أغفلنا قلبه : منعنا وصددنا ، نعوذ بالله من ذلك. فلو كان الأمر على ما ذهبوا إليه منه لوجب أن يكون العطف عليه بالفاء دون الواو ، وأن يقال : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتّبع هواه. وذلك أنه كان يكون على هذا الأوّل علّة للثانى ، والثانى مسببا عن الأوّل ، ومطاوعا له ؛ كقولك : أعطيته فأخذ ، وسألته فبذل ، لمّا كان الأخذ مسببا عن العطيّة ، والبذل مسببا عن السؤال. وهذا من مواضع الفاء لا الواو ؛ ألا (ترى أنك) إنما تقول : جذبته فانجذب ، ولا تقول : وانجذب ، إذا جعلت الثانى مسببا عن الأوّل. وتقول : كسرته فانكسر ، واستخبرته

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ١٠٥ ، ولسان العرب (ثيج) (حجر) ، (حير) ، (ذرق) ، وتهذيب اللغة ٤ / ١٣٤ ، ٥ / ٢٤١ ، وتاج العروس (هيج) ، (حجر) ، (حير) ، (ذرق) ، ومقاييس اللغة ٦ / ٢٣ ، والمخصص ١٠ / ١٢٩ ، وديوان الأدب ١ / ٢٥٤ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٦٩٤ ، ومقاييس اللغة ٢ / ١٠٠ ، والمخصص ١٠ / ١٩٨. الخلصاء : موضع. البرق : جمع البرقة ، وهى موضع.

(٢) عجز البيت من الكامل ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٧٧ ، ولسان العرب (خلف) ، (ثوا) ، وجمهرة اللغة ص ٦١٥ ، ومقاييس اللغة ١ / ٣٩٣ ، ومجمل اللغة ٢ / ٢١٣ ، وديوان الأدب ٤ / ١٠٩ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ١٦٧ ، وتاج العروس (خلف) ، (ثوى) ، وبلا نسبة فى المخصص ١٣ / ٢٦٢.

(٣) تحجّى بآخرنا : أى تسبق إليهم باللوم. اللسان (حجا).

٤٥٧

فأخبر ، كلّه بالفاء. فمجىء قوله تعالى : (واتبع هواه) بالواو دليل على أنّ الثانى ليس مسببا عن الأوّل ؛ على ما يعتقده المخالف. وإذا لم (يكن عليه) كان معنى أغفلنا قلبه عن ذكرنا أى صادفناه غافلا ؛ على ما مضى ، وإذا صودف غافلا فقد غفل لا محالة. فكأنه ـ والله أعلم ـ : ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا ، أى لا تطع من فعل كذا ، وفعل كذا. وإذا صحّ هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه. ولو لا ما تعطيه العربيّة صاحبها من قوّة النفس ، ودربة الفكر ، لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه له. وأنا أعجب من الشيخين أبوى علىّ رحمهما‌الله وقد دوّخا هذا الأمر ، وجوّلاه ، وامتخضاه وسقياه ، ولم يمرر واحد منهما ولا من غيرهما ـ فيما علمته (به) ـ على قربه وسهولة مأخذه. ولله قطرب! فإنه قد أحرز عندى أجرا عظيما فيما صنّفه من كتابه الصغير فى الردّ على الملحدين ، وعليه عقد أبو علىّ ـ رحمه‌الله ـ كتابه فى تفسير القرآن. وإذا قرأته سقطت عنك الشبهة فى هذا الأمر ، بإذن الله وعونه.

* * *

٤٥٨

باب فى تجاذب المعانى والإعراب

هذا موضع كان أبو علىّ ـ رحمه‌الله ـ يعتاده ، ويلمّ كثيرا به ، ويبعث على المراجعة له ، وإلطاف النظر فيه. وذلك أنك تجد فى كثير من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين : هذا يدعوك إلى أمر ، وهذا يمنعك منه. فمتى اعتورا كلاما ما أمسكت بعروة المعنى ، وارتحت لتصحيح الإعراب.

فمن ذلك قول الله تعالى : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ* يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق : ٨ ، ٩] ، فمعنى هذا : إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر ، فإن حملته فى الإعراب على هذا كان خطأ ؛ لفصلك بين الظرف الذى هو (يوم تبلى) ، وبين ما هو معلّق به من المصدر الذى هو الرجع ، والظرف من صلته ، والفصل بين الصلة والموصول الأجنبىّ أمر لا يجوز. فإذا كان المعنى مقتضيا له والإعراب مانعا منه ، احتلت له ، بأن تضمر ناصبا يتناول الظرف ، ويكون المصدر الملفوظ به دالا على ذلك الفعل ، حتى كأنه قال فيما بعد : يرجعه يوم تبلى السرائر. ودلّ (رجعه) على (يرجعه) دلالة المصدر على فعله.

ونحوه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) [غافر : ١٠] ف (إذ) هذه فى المعنى متعلّقة بنفس قوله : لمقت الله ، أى يقال لهم : لمقت الله إياكم وقت دعائكم إلى الإيمان فكفركم ، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن ؛ إلا أنك إن حملت الأمر على هذا كان فيه الفصل بين الصلة التى إذ ، وبين الموصول الذى هو لمقت الله فإذا كان المعنى عليه ومنع جانب الإعراب منه أضمرت ناصبا يتناول الظرف ويدلّ المصدر عليه ، حتى كأنه قال بأخرة : مقتكم إذ تدعون.

وإذا كان هذا ونحوه قد جاء فى القرآن فما أكثره وأوسعه فى الشعر! فمن ذلك ما أنشده أبو الحسن من قوله :

٤٥٩

لسنا كمن حلّت إياد دارها

تكريت ترقب حبّها أن يحصدا (١)

فـ (إياد) بدل من (من) ، وإذا كان كذلك لم يمكنك أن تنصب (دارها) ب (حلّت) هذه الظاهرة ؛ لما فيه من الفصل ، فحينئذ ما تضمر له فعلا يتناوله ، فكأنه قال فيما بعد : حلّت دارها. وإذا جازت دلالة المصدر على فعله ، والفعل على مصدره ، كانت دلالة الفعل على الفعل الذى هو مثله ، أدنى إلى الجواز ، وأقرب مأخذا فى الاستعمال. ومثله قول الكميت فى ناقته :

كذلك تيك وكالناظرات

صواحبها ما يرى المسحل (٢)

أى وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا كان فيه الفصل المكروه. فإذا كان المعنى عليه ، ومنع طريق الإعراب منه أضمر له ما يتناوله ، ودلّ (الناظرات) على ذلك المضمر. فكأنه قال فيما بعد : نظرن ما يرى المسحل ؛ ألا تراك لو قلت : كالضارب زيد جعفرا وأنت تريد : كالضارب جعفرا زيد لم يجز ؛ كما أنك لو قلت : إنك على صومك لقادر شهر رمضان ، وأنت تريد : إنك على صومك شهر رمضان لقادر ، لم يجز شيء من ذلك للفصل.

وما أكثر استعمال الناس لهذا الموضع فى محاوراتهم وتصرّف الأنحاء (فى كلامهم)! وأحد من اجتاز به البحترىّ فى قوله :

لا هناك الشّغل الجديد بحزوى

عن رسوم برامتين قفار (٣)

فـ (عن) فى المعنى متعلّقة (بالشغل) أى لا هناك الشغل عن هذه الأماكن ؛ إلا أن الإعراب مانع منه ، وإن كان المعنى متقاضيا له. وذلك أن قوله : (الجديد) صفة للشغل ، والصفة إذا جرت على الموصوف آذنت بتمامه ، وانقضاء أجزائه. فإن ذهبت تعلّق (عن) بنفس (الشغل) على ظاهر المعنى ، كان فيه الفصل بين الموصول وصلته ؛ وهذا فاسد ؛ ألا تراك لو قلت : عجبت من ضربك الشديد عمرا لم يجز ؛

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٨١ ، ولسان العرب (كرت) ، (منن) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٤١.

(٢) المسحل : الحمار الوحشى.

(٣) من قصيدته فى مدح أبى جعفر بن حميد. وقبله :

أبكاء فى الدار بعد الديار

وسلوّا بزينب عن نوار (نجار).

٤٦٠