الخصائص - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٣٢

فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة : ٦٠] أى فضرب فانفجرت ، وقوله عزّ اسمه : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) [البقرة : ١٩٦] أى فحلق فعليه فدية. ومنه قولهم : ألا تا ، بلا فا ؛ أى ألا تفعل ، بلى فافعل ، وقول الآخر :

*قلنا لها قفى لنا قالت قاف (١) *

أى وقفت ، وقوله :

*......... وكأن قد (٢) *

أى كأنها قد زالت. فأمّا قوله :

*إذا قيل مهلا قال حاجزه قد (٣) *

فيكون على هذا أى قد قطع (وأغنى). ويجوز أن يكون معناه : قدك! أى حسبك ، كأنه قد فرغ مما قد أريد منه ، فلا معنى لردعك وزجرك.

وإنما تحذف الجملة من الفعل والفاعل لمشابهتها المفرد بكون الفاعل فى كثير من الأمر بمنزلة الجزء من الفعل ؛ نحو ضربت ويضربان ، وقامت هند ، و (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ) [آل عمران : ١٨٦] وحبّذا زيد ، وما أشبه ذلك مما يدلّ على شدّة اتّصال الفعل بالفاعل وكونه معه كالجزء الواحد. وليس كذلك المبتدأ والخبر.

__________________

(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (وقف) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٧٩ ، وتاج العروس (سين).

(٢) عجز البيت من الكامل ، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ٨٩ ، والأزهية ص ٢١١ ، والأغانى ١١ / ٨ ، والجنى الدانى ص ١٤٦ ، ٢٦٠ ، ٥ / ١٧٨ ، وشرح التصريح ١ / ٣٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٤٩٠ ، ٧٦٤ ، وشرح المفصل ٨ / ١٤٨ ، ٩ / ١٨ ، ٥٢ ، ولسان العرب (قدد) ، ومغنى اللبيب ص ١٧١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٨٠ ، ٢ / ٣١٤ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٥٦ ، ٣٥٦ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٤٥٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٨ ، ١١ / ٢٦٠ ، ورصف المبانى ص ٧٢ ، ١٢٥ ، ٤٤٨ ، وسر صناعة الإعراب ص ٣٣٤ ، ٤٩٠ ، ٧٧٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢ ، وشرح ابن عقيل ص ١٨ ، وشرح قطر الندى ص ١٦٠ ، وشرح المفصل ١٠ / ١١٠ ، ومغنى اللبيب ص ٣٤٢ ، والمقتضب ١ / ٤٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٣ ، ٢ / ٨٠. وتكملة البيت :

أزف الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا .......

(٣) عجز البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه من ٣٧ ، ومقاييس اللغة ٥ / ١٣ ، والأزهية ص ٢١٣ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (قدد). وصدره :

*أخى ثقة لا ينثنى عن ضريبة*

١٤١

وأمّا حذف المفرد فعلى ثلاثة أضرب : اسم وفعل وحرف :

حذف الاسم على أضرب

قد حذف المبتدأ تارة ؛ نحو هل لك فى كذا (وكذا) ؛ أى هل لك فيه حاجة أو أرب. وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) [الأحقاف : ٣٥] أى ذلك ، أو هذا بلاغ. وهو كثير.

وقد حذف الخبر ، نحو قولهم فى جواب من عندك : زيد ؛ أى زيد عندى.

وكذا قوله تعالى : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] إن شئت كان على : طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما ، وإن شئت كان على : أمرنا طاعة وقول معروف.

وعليه قوله :

فقالت : على اسم الله أمرك طاعة

وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد (١)

وقد حذف المضاف ، وذلك كثير واسع ، وإن كان أبو الحسن لا يرى القياس عليه ؛ نحو قول الله سبحانه : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) [البقرة : ١٧٧] أى برّ من اتّقى.

وإن شئت كان تقديره : ولكنّ ذا البرّ من اتقى. والأوّل أجود ؛ لأنّ حذف المضاف ضرب من الاتساع ، والخبر أولى بذلك من المبتدأ ؛ لأن الاتساع بالإعجاز أولى منه بالصدور. ومنه قوله ـ عزّ اسمه ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أى أهلها.

وقد حذف المضاف مكررا ؛ نحو قوله تعالى : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) [طه : ٩٦] أى من تراب أثر حافر فرس الرسول. ومثله مسئلة الكتاب : أنت منى فرسخان ؛ أى ذو مسافة فرسخين. وكذلك قوله ـ جلّ اسمه ـ : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [الأحزاب : ١٩] أى كدوران عين الذى يغشى عليه من الموت.

وقد حذف المضاف إليه ؛ نحو قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] أى من قبل ذلك ومن بعده. وقولهم : ابدأ بهذا أوّل ؛ أى أول ما تفعل.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ملحق ديوانه ص ٤٩٠ ، والأغانى ١ / ١٨٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٢١ ، ٢ / ٩٢٨ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٦٠١.

١٤٢

وإن شئت كان تقديره : أول من غيره ، ثم شبه الجارّ والمجرور هنا بالمضاف إليه ؛ لمعاقبة المضاف إليه إياهما. وكذلك قولهم : جئت من عل ؛ أى من أعلى كذا ، وقوله :

فملّك بالليط الذى تحت قشرها

كغرقيء بيض كنّه القيض من عل (١)

أمّا قوله :

*كجلمود صخر حطّه السيل من عل (٢) *

فلا حذف فيه ؛ لأنه نكرة ، ولذلك أعربه ، فكأنه قال : حطّه السيل من مكان عال ؛ لكن قول العجلىّ :

*أقب من تحت عريض من عل (٣) *

هو محذوف المضاف إليه ؛ لأنه معرفة وفى موضع المبنىّ على الضم ؛ ألا تراه

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٩٧ ، ولسان العرب (ليط) ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٢٥ ، وتاج العروس (ليط). والبيت فى وصف قوس. والليط : القشر. والغرقئ : القشرة الملتزقة ببياض البيض. والقيض : القشرة العليا اليابسة.

(٢) عجز البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ١٩ ، ولسان العرب (علا) ، وجمهرة اللغة ص ١٢٦ ، وتاج العروس (فرر) وكتاب العين ٧ / ١٧٤ ، وإصلاح المنطق ص ٢٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٩٧ ، ٣ / ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، والدرر ٣ / ١١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٤ ، وشرح سواهد المغنى ١ / ٤٥١ ، والشعر والشعراء ١ / ١١٦ ، والكتاب ٤ / ٢٢٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٩ ، وتاج العروس (علا) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (حطط) ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٢٥ ، والمخصص ١٣ / ٢٠٢ ، وتاج العروس (خطط) ، وأوضح المسالك ٣ / ١٦٥ ، ورصف المبانى ص ٣٢٨ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٢٣ ، وشرح شذور الذهب ص ١٤٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٥٤ ، والمقرب ١ / ٢١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢١٠. وصدره :

*مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا*

(٣) الرجز لأبى النجم العجلى فى الطرائف الأدبية ص ٦٨ ، والأزهية ص ٢٢ ، ولسان العرب (علا) ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٩٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٤٩ ، والكتاب ٣ / ٢٩٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٨ ، وكتاب العين ٢ / ٢٤٧ ، ومقاييس اللغة ٤ / ١١٦ ، وبلا نسبة فى شرح ابن عقيل ص ٣٩٧ ، وشرح المفصل ٤ / ٨٩ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٩٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٥٤.

١٤٣

قابل به ما هذه حاله ، وهو قوله : من تحت. وينبغى أن يكتب (على) فى هذا بالياء. وهو فعل فى معنى فاعل ؛ أى أقبّ من تحته عريض من عاليه ، بمعنى أعلاه. والسافل والعالى بمنزلة الأسفل والأعلى. قال :

ما هو إلا الموت يغلى غاليه

مختلطا سافله بعاليه

لا بدّ يوما أننى ملاقيه

ونظير عال وعل هنا قوله :

*وقد علتنى ذرأة بادى بدى (١) *

أى بادى بادى. وإن شئت كان ظرفا غير مركب ؛ أى فى بادى بدى ؛ كقوله : ـ عزّ اسمه ـ : (بادِيَ الرَّأْيِ) [هود : ٢٧] (أى فى بادى الرأى) إلا أنه أسكن الياء فى موضع النصب مضطرّا ؛ كقوله :

*يا دار هند عفت إلا أثافيها (٢) *

وإن شئت كان مركّبا على حدّ قوله :

__________________

(١) الرجز لأبى نخيلة فى لسان العرب (ذرأ) ، (نهض) ، (بدا) ، والأغانى ٢٠ / ٣٨٨ ، وسمط اللآلى ص ٤٨٠ ، والكتاب ٣ / ٣٠٥ ، والمقتضب ٤ / ٢٧ ، والتنبيه والإيضاح ١ / ١٧ ، وتاج العروس (ذرأ) ، (نهض) ، (بدى) ، ولحميد بن ثور فى تاج العروس (بدو) ، (رثى) ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى لسان العرب (بدا) ، (رثا) ، والأشباه والنظائر ٦ / ٢٨ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٠٤ ، والمعانى الكبير ص ١٢٢٣ ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، ١٥ ، ٥ ، وجمهرة اللغة ص ٦٩٦ ، ١٠٩٧ ، ١٢٦٧ ، وديوان الأدب ٤ / ٩ ، وتاج العروس (بدى).

وبعده :

وريثة تنهض بالتشدد

وصار للفحل لسانى ويدى

الذرأة : الشيب.

(٢) صدر البيت من البسيط ، وهو للحطيئة فى ديوانه ص ٢٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٩ ، ولبعض السعديين فى شرح شواهد الشافية ١٠ / ١٠٠ ، ١٠٢ ، والكتاب ٣ / ٣٠٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٨ ، ٦ / ١٠٨ ، ٨ / ٤٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٩٧ ، ٨ / ٣٤٧ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠٠ ، ١٠٢ ، ولسان العرب (تفا) ، والمحتسب ١ / ١٢٦ ، ٢ / ٣٤٣ ، والمنصف ٢ / ١٨٥ ، ٣ / ٨٢. وعجزه :

*بين الطوى فصارات فواديها*

١٤٤

إذ نحن فى غرّة الدنيا ولذّتها

والدار جامعة أزمان أزمانا (١)

إلا أنه أسكن لطول الاسم بالتركيب ؛ كمعدى كرب. ومثل فاعل وفعل فى هذا المعنى قوله :

أصبح قلبى صردا

لا يشتهى أن يردا

إلا عرادا عردا

وصلّيانا بردا

وعنكثا ملتبدا (٢)

أراد : إلا عرادا عاردا وصلّيانا باردا.

وعليه قوله :

*كأنّ فى الفرش القتاد العاردا (٣) *

فأمّا قولهم : عرد الشتاء ؛ فيجوز أن يكون مخفّفا من عرد هذا. ويجوز أن يكون مثالا فى الصفة على فعل ؛ كصعب وندب.

ومنه يومئذ وحينئذ ونحو ذلك ؛ أى إذ ذاك كذلك ، فحذفت الجملة المضاف إليها. وعليه قول ذى الرمّة :

فلمّا لبسن الليل أو حين نصّبت

له من خذا آذانها وهو جانح (٤)

__________________

(١) البيت لابن المعتز فى الأغانى ١٠ / ٢٨٩ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٤٧. ويروى صدره :

*هل ترجعن ليال قد مضين لنا*

(٢) الرجز للضبّ فى تهذيب اللغة ٢ / ١٩٩ ، ٣ / ٣٠٨ ، وتاج العروس (ضبب) ، (عكث) ، (عنكث) ، (زرد) ، (عرد) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (جزأ) ، (ضبب) ، (عنكث) ، (برد) ، (صرد) ، (عرد) ، (لبد) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ١٨٦ ، وتهذيب اللغة ١١ / ١٤٨ ، ١٢ / ١٣٩ ، وتاج العروس (حرد) ، وجمهرة اللغة ص ٤٢٦ ، ٦٣٣ ، ١١٣٢ ، وديوان الأدب ٢ / ٢٣ ، وكتاب العين ٦ / ١٩٣ ، ٧ / ٩٧ ، وأساس البلاغة (صرد) ، والمخصص ٩ / ١٣٨ ، ١٣ / ٢٥٨. العراد : نبت فى البادية ، وكذلك الصليان والعنكث.

(٣) الرجز بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٦٣٣ ، وجاء :

*تخبط أيديها القتاد العاردا*

(٤) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ٨٩٧ ، وأدب الكاتب ص ٢١٤ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٥٨٢. خذا الأذن : استرخاؤها.

١٤٥

أى : أو حين أقبل. وحكى الكسائىّ : أفوق تنام أم أسفل ؛ حذف المضاف ولم يبن. وسمع أيضا : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(١) [الروم : ٤] ؛ فحذف ولم يبن.

وقد حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ؛ وأكثر ذلك فى الشعر. وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره. وذلك أن الصفة فى الكلام على ضربين : إما (للتخليص والتخصيص) ، وإمّا للمدح والثناء. وكلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب ، لا من مظانّ الإيجاز والاختصار. وإذا كان كذلك لم يلق الحذف به ولا تخفيف اللفظ منه. هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الإلباس وضدّ البيان. ألا ترى أنك إذا قلت : مررت بطويل ؛ لم يستبن من ظاهر هذا اللفظ أن المرور به إنسان دون رمح أو ثوب أو نحو ذلك. وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنما هو متى قام الدليل عليه أو شهدت الحال به. وكلّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث.

ومما يؤكّد عندك ضعف حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أنك تجد من الصفات ما لا يمكن حذف موصوفه. وذلك أن تكون الصفة جملة ؛ نحو مررت برجل قام أخوه ، ولقيت غلاما وجهه حسن. ألا تراك لو قلت : مررت بقام أخوه ، أو لقيت وجهه حسن لم يحسن.

فأمّا قوله :

والله ما زيد بنام صاحبه

ولا مخالط الليان جانبه (٢)

فقد قيل فيه : إن (نام صاحبه) علم اسم لرجل ، وإذا كان كذلك جرى مجرى قوله:

__________________

(١) يريد أنّ هذا سمع عن بعض العرب ؛ ولم ترد به قراءة. وإنما الوارد فى القراءة غير الضم الكسر مع التنوين ، وهى قراءة الجحدرى والعقيلى. البحر المحيط.

(٢) الرجز للقنانى فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١٦ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٩٩ ، ١٠٠ ، والإنصاف ١ / ١١٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٨٨ ، ٣٨٩ ، والدرر ١ / ٧٦ ، ٦ / ٢٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٧١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٤٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٢ ، وشرح قطر الندى ص ٢٩ ، ولسان العرب (نوم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٦ ، ٢ / ١٢٠ ، ويروى : (تالله) مكان (والله). الليان ـ بكسر اللام الملاينة ، وبفتحها اللين والدعة.

١٤٦

*بنى شاب قرناها ......*

فإن قلت فقوله :

*ولا مخالط الليان جانبه*

ليس علما وإنما هو صفة ، وهو معطوف على (نام صاحبه) فيجب أن يكون قوله : (نام صاحبه) صفة أيضا.

قيل : قد يكون فى الجمل إذا سمّى بها معانى الأفعال فيها. ألا ترى أن (شاب قرناها تصرّ وتحلب) هو اسم علم ، وفيه مع ذلك معنى الذمّ. وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله :

*ولا مخالط الليان جانبه*

معطوفا على ما فى قوله (ما زيد بنام صاحبه) من معنى الفعل. فأمّا قوله :

مالك عندى غير سهم وحجر

وغير كبداء شديدة الوتر

جاءت بكفّى كان من أرمى البشر (١)

أى بكفّى رجل أو إنسان كان من أرمى البشر فقد روى غير هذه الرواية.

روى : «بكفّى كان من أرمى البشر» ، بفتح ميم (من) أى بكفّى من هو أرمى البشر ، و (كان) على هذا زائدة. ولو لم تكن فيه إلا هذه الرواية لما جاز القياس عليه ؛ لفروده (٢) وشذوذه عمّا عليه عقد هذا الموضع. ألا تراك لا تقول : مررت بوجهه حسن ، ولا نظرت إلى غلامه سعيد. فأمّا قولهم بدأت بالحمد لله ، وانتهيت من القرآن إلى (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ونحو ذلك فلا يدخل على هذا القول ؛

__________________

(١) الرجز بلا نسبة فى الإنصاف ١ / ١١٤ ، ١١٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ٦٥ ، والدرر ٦ / ٢٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٠١ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٦١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٢ ، ولسان العرب (كون) ، (منن) ، ومجالس ثعلب ٢ / ٥١٣ ، والمحتسب ٢ / ٢٢٧ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٦٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦٦ ، والمقتضب ٢ / ١٣٩ ، والمقرب ١ / ٢٢٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٠ ، وتاج العروس (كون) ، (منن). ويروى : (جادت) مكان (جاءت). الكبداء : صفة للقوس. وهى التى يملأ الكف مقبضها.

(٢) أى لانفراده.

١٤٧

من قبل أن هذه طريق الحكاية ، وما كان كذلك فالخطب فيه أيسر ، والشناعة فيه أوهى وأسقط. وليس ما كنّا عليه مذهبا له تعلّق بحديث الحكاية. وكذلك إن كانت الصفة جملة لم يجز أن تقع فاعلة ولا مقامة مقام الفاعل ؛ ألا تراك لا تجيز قام وجهه حسن ، ولا ضرب قام غلامه ، وأنت تريد : قام رجل وجهه حسن ، ولا ضرب إنسان قام غلامه. وكذلك إن كانت الصفة حرف جرّ أو ظرفا لا يستعمل استعمال الأسماء. فلو قلت : جاءنى من الكرام ؛ أى رجل من الكرام. أو حضرنى سواك ؛ أى إنسان سواك ؛ لم يحسن لأن الفاعل لا يحذف. فأمّا قوله :

أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط

كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل (١)

فليست الكاف هنا حرف جر ، بل هى اسم بمنزلة مثل ؛ كالتى فى قوله :

*على كالقطا الجونىّ أفزعه الزجر (٢) *

وكالكاف الثانية من قوله :

*وصاليات ككما يؤثفين*

(أى كمثل ما يؤثفين) وعليه قول ذى الرمّة :

أبيت على ميّ كئيبا وبعلها

على كالنقا من عالج يتبطح (٣)

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١١٣ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٢٧٩ ، والجنى الدانى ص ٨٢ ، والحيوان ٣ / ٤٦٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٥٣ ، ٤٥٤ ، ١٠ / ١٧٠ ، والدرر ٤ / ١٥٩ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٣٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٤٣ ، ولسان العرب (دنا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩١ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٩٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٦٦ ، والمقتضب ٤ / ١٣١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣١. ويروى : (يذهب) مكان (يهلك). الفتل : جمع الفتيل ، وهو هنا ما يستعمل فى الجراحة. أراد طعنا نافذا إلى الجوف يغيب فيه الزيت والفتل.

(٢) عجز البيت من الطويل ، وهو للأخطل فى ديوانه ص ٤٢٠ ، والمقتضب ٤ / ١٤٢ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٩٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٧ ، ٣٠١. ويروى (أفزعها) مكان (أفزعه). وصدره :

*قليل غرار النوم حتى تقلصوا*

(٣) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١٢١٠ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٦٧ ، ١٧١ ، ـ ـ

١٤٨

فأمّا قول الهذلى :

فلم يبق منها سوى هامد

وغير الثمام وغير النؤى

ففيه قولان : أحدهما أن يكون فى (يبق) ضمير فاعل من بعض ما تقدّم ، كذا قال أبو علىّ رحمه‌الله. والآخر أن يكون استعمل (سوى) للضرورة اسما فرفعه.

وكأنّ هذا أقوى ؛ لأن بعده : *وغير الثمام وغير النؤى*فكأنه قال : لم يبق منها غير هامد. ومثله ما أنشدناه للفرزدق من قوله :

أتته بمجلوم كأنّ جبينه

صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا (١)

وعليه قول الآخر :

فى وسط جمع بنى قريط بعد ما

هتفت ربيعة يا بنى جواب

وقد أقيمت (الصفة الجملة) مقام الموصوف المبتدأ ؛ نحو قوله :

لو قلت ما فى قومها لم تيثم

يفضلها فى حسب وميسم (٢)

أى ما فى قومها أحد يفضلها ، وقال الله سبحانه : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجنّ : ١١] أى قوم دون ذلك. وأمّا قوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] فيمن قرأه بالنصب فيحتمل أمرين : أحدهما أن يكون الفاعل مضمرا ؛ أى لقد تقطع الأمر أو العقد أو الودّ ـ ونحو ذلك ـ بينكم. والآخر (أن يكون) ما

__________________

١٧٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٧ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٩٨. عالج : موضع بالبادية به رمل. ويتبطح : يستلقى على وجهه. انظر الديوان ٨٥.

(١) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق فى ديوانه ص ٥٩٦ (طبعة الصاوى) ، وخزانة الأدب ٣ / ٩٢ ، ٩٦ ، والدرر ٣ / ٨٨ ، ولسان العرب (وسط) ، (جلم) ، وتاج العروس (جلم) ، ونوادر أبى زيد ص ١٦٣ ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ١ / ٢٠١. المجلوم : المحلوق. والصلاءة مدق الطيب ، والورس : نبت أصفر.

(٢) الرجز لحكيم بن معية فى خزانة الأدب ٥ / ٦٢ ، ٦٣ ، وله أو لحميد الأرقط فى الدرر ٦ / ١٩ ، ولأبى الأسود الحمانى فى شرح المفصل ٣ / ٥٩ ، ٦١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٧١ ، ولأبى الأسود الجمالى فى شرح التصريح ٢ / ١١٨ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٢٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٠٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٤٧ ، والكتاب ٢ / ٣٤٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٠ ، والمخصص ١٤ / ٣٠ ، وتاج العروس (أنم). تيثم : أصله تأثم ؛ فكسر حرف المضارعة وأبدل الهمزة ياء. والميسم : الحسن والجمال.

١٤٩

كان يراه أبو الحسن من أن يكون (بينكم) وإن كان منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله ، غير أنه أقرّت نصبة الظرف وإن كان مرفوع الموضع ؛ لاطّراد استعمالهم إياه ظرفا. إلا أن استعمال الجملة التى هى صفة للمبتدإ مكانه أسهل من استعمالها فاعلة ؛ لأنه ليس يلزم أن يكون المبتدأ اسما محضا كلزوم ذلك فى الفاعل ؛ ألا ترى إلى قولهم : تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه ؛ أى سماعك به خير من رؤيته. وقد تقصّينا ذلك فى غير موضع.

وقد حذفت الصفة ودلّت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم : سير عليه ليل ، وهم يريدون : ليل طويل. وكأنّ هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دلّ من الحال على موضعها. وذلك أنك تحسّ فى كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله : طويل أو نحو ذلك.

وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأمّلته. وذلك أن تكون فى مدح إنسان والثناء عليه ، فتقول : كان والله رجلا! فتزيد فى قوّة اللفظ ب (الله) هذه الكلمة ، وتتمكّن فى تمطيط اللام وإطالة الصوت بها (وعليها) أى رجلا فاضلا أو شجاعا أو كريما أو نحو ذلك. وكذلك تقول : سألناه فوجدناه إنسانا! وتمكّن الصوت بإنسان وتفخّمه ، فتستغنى بذلك عن وصفه بقولك : إنسانا سمحا أو جوادا أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت : سألناه وكان إنسانا! وتزوى وجهك وتقطّبه ، فيغنى ذلك عن قولك : إنسانا لئيما أو لجزا أو مبخلا أو نحو ذلك.

فعلى هذا وما يجرى مجراه تحذف الصفة. فأمّا إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإنّ حذفها لا يجوز ؛ ألا تراك لو قلت : وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلّة على رجل ، أو رأينا بستانا وسكتّ لم (تفد بذلك) شيئا ؛ لأن هذا ونحوه ممّا لا يعرى منه ذلك المكان ، وإنما المتوقّع أن تصف من ذكرت أو ما ذكرت. فإن لم تفعل كلّفت علم ما (لم تدلل) عليه ؛ وهذا لغو من الحديث وجور فى التكليف.

ومن ذلك ما يروى فى الحديث : لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد أى لا صلاة كاملة أو فاضلة ، ونحو ذلك. وقد خالف فى ذلك من لا يعدّ خلافه خلافا.

١٥٠

وقد حذف المفعول به ؛ نحو قول الله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] أى أوتيت منه شيئا. وعليه قول الله سبحانه : (فَغَشَّاها ما غَشَّى) [النجم : ٥٤] أى غشّاها إياه. فحذف المفعولين جميعا. وقال الحطيئة :

منعّمة تصون إليك منها

كصونك من رداء شرعبىّ (١)

أى تصون الحديث منها. وله نظائر.

وقد حذف الظرف ؛ نحو قوله :

فإن متّ فانعينى بما أنا أهله

وشقّى علىّ الجيب يا ابنة معبد (٢)

أى إن متّ قبلك ، هذا يريد لا محالة. ألا ترى أنه لا يجوز أن يشرط الإنسان موته ؛ لأنه يعلم أنه (مائت) لا محالة. وعليه قول الآخر :

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

أوكّل بدعد من يهيم بها بعدى

أى فإن أمت قبلها ، لا بدّ أن يريد هذا. وعلى هذا قول الله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥] أى من شهد الشهر منكم صحيحا بالغا فى مصر فليصمه. وكان أبو على ـ رحمه‌الله ـ يرى أن نصب الشهر هنا إنما هو على الظرف ، ويذهب إلى أن المفعول محذوف ؛ أى فمن شهد منكم المصر فى هذا الشهر فليصمه. وكيف تصرّفت الحال فلا بدّ من حذف.

وقد حذف المعطوف تارة ، والمعطوف عليه أخرى. روينا عن أحمد بن يحيى أنهم يقولون : راكب الناقة طليحان ؛ أى راكب الناقة والناقة طليحان. وقد مضى ذكر هذا. وتقول : الذى ضربت وزيدا جعفر ، تريد الذى ضربته وزيدا ، فتحذف المفعول من الصلة.

وقد حذف المستثنى ، نحو قولهم : جاءنى زيد ليس إلا ، وليس غير ؛ أى ليس

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للحطيئة فى ديوانه ص ١٣٨ ، والمحتسب ١ / ١٢٥ ، ٢٤٥ ، ٣٣٣ ، وبلا نسبة فى المقرب ١ / ١١٤. الشرعبىّ : ضرب من البرود.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه ص ٣٩ ، ولسان العرب (قوم. ويروى :(إذا) مكان (فإن).

١٥١

إلا إياه ، وليس غيره.

وقد حذف خبر إنّ مع النكرة خاصّة ؛ نحو قول الأعشى :

إنّ محلا وإنّ مرتحلا

[وإنّ فى السّفر إذ مضوا مهلا (١)

أى : إنّ لنا محلا وإنّ لنا مرتحلا]

وأصحابنا يجيزون حذف خبر إنّ مع المعرفة ، ويحكون عنهم أنهم إذا قيل لهم إنّ الناس ألب عليكم فمن لكم؟ قالوا : إنّ زيدا ، وإنّ عمرا ؛ أى إنّ لنا زيدا ، وإنّ لنا عمرا. والكوفيون يأبون حذف خبرها إلا مع النكرة. فأمّا احتجاج أبى العباس عليهم بقوله :

خلا أن حيّا من قريش تفضّلوا

على الناس أو أن الأكارم نهشلا (٢)

أى أو أن الأكارم نهشلا تفضلوا. قال أبو على : وهذا لا يلزمهم ؛ لأن لهم أن يقولوا : إنما منعنا حذف خبر المعرفة مع إنّ المكسورة ؛ فأمّا مع أنّ المفتوحة فلن نمنعه. قال : ووجه فصلهم فيه بين المكسورة والمفتوحة أن المكسورة حذف خبرها كما حذف خبر نقيضها. وهو قولهم : لا بأس ، ولا شكّ ؛ أى عليك ، وفيه. فكما أنّ (لا) تختصّ هنا بالنكرات فكذلك إنما (تشبهها نقيضتها) فى حذف الخبر مع النكرة أيضا.

وقد حذف أحد مفعولى ظننت. وذلك نحو قولهم : أزيدا ظننته منطلقا ؛ ألا ترى أن تقديره : أظننت زيدا منطلقا ظننته منطلقا؟ فلما أضمرت الفعل فسّرته

__________________

(١) البيت من المنسرح ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٨٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٥٢ ، ٤٥٩ ، والدرر ٢ / ١٧٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥١٧ ، والشعر والشعراء ص ٧٥ ، والكتاب ٢ / ١٤١ ، ولسان العرب (رحل) ، والمحتسب ١ / ٣٤٩ ، وتاج العروس (حلل) ، ومغنى اللبيب ١ / ٨٢ ، والمقتضب ٤ / ١٣٠ ، والمقرب ١ / ١٠٩ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٣٢٩ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٣٤٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٢٧ ، ورصف المبانى ص ٢٩٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٣٨ ، ٢ / ٦١٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٨٤ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٣٠ ، ولسان العرب (حلل). ويروى : (ما مضى) مكان (إذ مضوا).

(٢) البيت من الطويل ، وهو للأخطل فى خزانة الأدب ١٠ / ٤٥٣ ، ٤٥٤ ، ٤٦١ ، ٤٦٢ ، وشرح المفصل ١ / ١٠٤ ، ولسان العرب (نهشل) ، والمقتضب ٤ / ١٣١ ، وتاج العروس (نهشل) ، وبلا نسبة فى المقرب.

١٥٢

بقولك : ظننته ؛ وحذفت المفعول الثانى من الفعل الأوّل المقدّر اكتفاء بالمفعول الثانى الظاهر فى الفعل الآخر. وكذلك بقيّة أخوات ظننت.

وقد حذف خبر كان أيضا فى نحو قوله (١) :

أسكران كان ابن المراغة إذ هجا

تميما ببطن الشأم أم متساكر (٢)

ألا ترى أن تقديره : أكان سكران ابن المراغة ؛ فلما حذف الفعل الرافع فسّره بالثانى فقال : كان ابن المراغة. و (ابن المراغة) هذا الظاهر خبر (كان) الظاهرة ، وخبر (كان) المضمرة محذوف معها ؛ لأن (كان) الثانية دلّت على الأولى. وكذلك الخبر الثانى الظاهر دلّ على الخبر الأول المحذوف.

وقد حذف المنادى فيما أنشده أبو زيد من قوله :

فخير نحن عند الناس منكم

إذا الداعى المثوّب قال يالا (٣)

أراد : يا لبنى فلان ، ونحو ذلك.

فإن قلت : فكيف جاز تعليق حرف الجر؟ قيل : لمّا خلط ب «يا» صار كالجزء منها. ولذلك شبّه أبو على ألفه التى قبل اللام بألف باب ودار ، فحكم عليها حينئذ بالانقلاب. وقد ذكرنا ذلك. وحسّن الحال أيضا شيء آخر ، وهو تشبّث اللام الجارّة بألف الإطلاق ، فصارت كأنها معاقبة للمجرور. ألا ترى أنك لو أظهرت ذلك المضاف إليه ، فقلت : يا لبنى فلان لم يجز إلحاق الألف هنا (وجرت

__________________

(١) أى الفرزدق يهجو جريرا. وهو المقصود بابن المراغة. والمراغة : الأتان التى لا تمتنع من الفحول.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق فى ديوانه ص ٤٨١ (طبعة الصاوى) ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، والكتاب ١ / ٤٩ ، ولسان العرب (سكر) ، والمقتضب ٤ / ٩٣ ، وبلا نسبة فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٨٧٤ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٩٠ ، ويروى : (بجوف) مكان (ببطن).

(٣) البيت من الوافر ، وهو لزهير بن مسعود الضبى فى تخليص الشواهد ص ١٨٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٦ ، والدرر ٣ / ٤٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٩٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٠ ، ونوادر أبى زيد ص ٢١ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٢٩ ، ٢٣٧ ، ٣٥٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ١٠٢ ، ولسان العرب (يا) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢١٩ ، ٢ / ٤٤٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨١.

١٥٣

ألف الإطلاق) فى منابها هنا عمّا كان ينبغى أن يكون بمكانها ، مجرى ألف الإطلاق فى منابها عن تاء التأنيث فى نحو قوله :

ولاعب بالعشىّ بنى بنيه

كفعل الهرّ يحترش العظايا (١)

فأبعده الإله ولا يؤبى

ولا يعطّى من المرض الشفايا (٢)

وكذلك نابت أيضا واو الإطلاق فى قوله :

*وما كلّ من وافى منّى أنا عارف*

ـ فيمن رفع كلا ـ عن الضمير الذى يزاد فى (عارفه) ؛ وكما ناب التنوين فى نحو حينئذ ، ويومئذ عن المضاف إليه إذ. وعليه قوله :

نهيتك عن طلابك أمّ عمرو

بعاقبة وأنت إذ صحيح (٣)

فأما قوله تعالى : «ألا يا اسجدوا» [النمل : ٢٦] فقد تقدّم القول عليه : أنه ليس المنادى هنا محذوفا ، ولا مرادا كما ذهب إليه محمد بن يزيد ، وأنّ (يا) هنا أخلصت للتنبيه مجردا من النداء ؛ كما أن (ها) من قول الله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ) [النساء : ١٠٩] للتنبيه من غير أن تكون للنداء. وتأوّل أبو العبّاس قول الشاعر :

طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن ليس حين بقاء

(أى إبقاء) على أنه حذف المضاف إليه أوان ، فعوّض التنوين منه ، على حدّ

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو الأعصر بن سعد بن قيس عيلان فى لسان العرب (حما) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (ثمن) ، والمخصص ٨ / ١٠٠ ، ١٥ / ١١٧.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لأعصر بن سعد بن قيس عيلان فى لسان العرب (حما) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (ثمن). ويروى صدره :

*فلا ذاق النعيم ولا شرابا*

(٣) البيت من الوافر ، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى خزانة الأدب ٦ / ٥٣٩ ، ٥٤٣ ، ٥٤٤ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ١٧١ ، وشرح شواهد المغنى ص ٢٦٠ ، ولسان العرب (أذذ) ، (شلل) ، (إذ) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٤ / ٣٠١ ، وتذكرة النحاة ص ٣٧٩ ، والجنى الدانى ص ١٨٧ ، ٤٩٠ ، وجواهر الأدب ص ١٣٨ ، ورصف المبانى ص ٣٤٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ٥٠٤ ، ٥٠٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٣١ ، ومغنى اللبيب ص ٨٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٦١.

١٥٤

قول الجماعة فى تنوين إذ. وهذا ليس بالسهل. وذلك أن التنوين فى نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد وهو إذ. فأمّا (أوان) فمعرب ويضاف إلى الواحد ؛ كقوله :

فهذا أوان العرض حىّ ذبابه

زنابيره والأزرق المتلمّس (١)

وقد كسّروه على آونة ، وتكسيرهم إيّاه يبعده عن البناء ؛ لأنه أخذ به فى شقّ التصريف والتصرّف.

قال :

أبو حنش يؤرّقنا وطلق

وعبّاد وآونة أثالا (٢)]

وقد حذف المميّز. وذلك إذا علم من الحال (حكم ما) كان يعلم منها به.

وذلك قولك : عندى عشرون ، واشتريت ثلاثين ، وملكت خمسة وأربعين. فإن لم يعلم المراد لزم التمييز إذا قصد المتكلم الإبانة. فإن لم يرد ذلك وأراد الإلغاز وحذف جانب البيان لم يوجب على نفسه ذكر التمييز. وهذا إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم ، وعليه مدار الكلام. فاعرفه.

وحذف الحال لا يحسن. وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها ، وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف ؛ لأنه ضدّ الغرض ونقيضه و (لأجل ذلك) لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من الصلة ؛ نحو الذى ضربت نفسه

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للمتلمس فى ديوانه ص ١٢٣ ، والاشتقاق ص ٣١٧ ، وجمهرة اللغة ص ٧٤٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٨٥ ، ١٨٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٦٦٢ ، ولسان العرب (لمس) ، (عرض) ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٦ / ٥٤٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥١٠.mالمتلمس يخاطب النعمان بن المنذر خطاب تهكم. والعرض : من أودية اليمامة. والزنابير والأزرق ضربان من الذباب. وبهذا البيت لقب المتلمس. واسمه جرير بن عبد المسيح.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص ١٢٩ ، والحماسة البصرية ١ / ٢٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٨٧ ، والكتاب ٢ / ٢٧٠ ، ولسان العرب (حنش) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٢١ ، وبلا نسبة فى الأزمنة والأمكنة ١ / ٢٤٠ ، والإنصاف ١ / ٣٥٤ ، وتخليص الشواهد ص ٤٥٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٣ ، ويروى : (عمار) مكان (عباد).

١٥٥

زيد ، على أن يكون (نفسه) توكيدا للهاء المحذوفة من (ضربت) وهذا ممّا يترك مثله ؛ كما يترك ادّغام الملحق إشفاقا من انتقاض الغرض بادغامه.

فأما ما أجزناه من حذف الحال فى قول الله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥] أى فمن شهده صحيحا بالغا ؛ فطريقه أنه لمّا دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنّة جاز حذفه تخفيفا. (وأما) لو عريت الحال من هذه القرينة وتجرّد الأمر دونها لما جاز حذف الحال على وجه.

ولم أعلم المصدر حذف فى موضع. وذلك أن الغرض فيه إذا تجرّد من الصفة أو التعريف أو عدد المرّات فإنما هو لتوكيد الفعل ، وحذف المؤكّد لا يجوز.

وإنما كلامنا على حذف ما يحذف وهو مراد. فأمّا حذفه إذا لم يرد فسائغ لا سؤال فيه. وذلك كقولنا : انطلق زيد ؛ ألا ترى هذا كلاما تامّا وإن لم تذكر معه شيئا من الفضلات ، مصدرا ولا ظرفا ولا حالا ولا مفعولا له ولا مفعولا معه ولا غيره. وذلك أنك لم ترد الزيادة فى الفائدة بأكثر من الإخبار عنه بانطلاقه دون غيره.

حذف الفعل

حذف الفعل على ضربين :

أحدهما أن تحذفه والفاعل فيه. فإذا وقع ذلك فهو حذف جملة. وذلك نحو زيدا ضربته ؛ لأنك أردت : ضربت زيدا ، فلمّا أضمرت (ضربت) فسّرته بقولك : ضربته. وذلك قولك : أزيدا مررت به ، وقولهم : المرء مقتول بما قتل به ، إن سيفا فسيف ، وإن خنجرا فخنجر ؛ أى إن كان الذى قتل به سيفا فالذى يقتل به سيف.

فكان واسمها وإن لم تكن مستقلّة فإنها تعتدّ اعتداد الجملة.

والآخر أن تحذف الفعل وحده. وهذا هو غرض هذا الموضع.

وذلك أن يكون الفاعل مفصولا عنه مرفوعا به. وذلك نحو قولك : أزيد قام.

فزيد مرفوع بفعل مضمر محذوف خال من الفاعل ؛ لأنك تريد : أقام زيد ، فلمّا أضمرته فسّرته بقولك : قام. وكذلك (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ، و (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١] ، و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) [النساء : ١٧٦] ، و (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ

١٥٦

خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) [الإسراء : ١٠٠] ونحوه ؛ الفعل فيه مضمر وحده ، أى إذا انشقّت السماء ، وإذا كوّرت الشمس ، وإن هلك امرؤ ، ولو تملكون. وعليه قوله :

إذا ابن أبى موسى بلال بلغته

فقام بفأس بين وصليك جازر (١)

أى إذا بلغ ابن أبى موسى. وعبرة هذا أن الفعل المضمر إذا كان بعده اسم منصوب به ففيه فاعله مضمرا. وإن كان بعده المرفوع به فهو مضمر مجرّدا من الفاعل ؛ ألا ترى أنه لا يرتفع فاعلان به. وربما جاء بعده المرفوع والمنصوب جميعا ؛ نحو قولهم : أمّا أنت منطلقا انطلقت معك (تقديره : لأن كنت منطلقا انطلقت معك) فحذف الفعل فصار تقديره : لأنّ أنت منطلقا (وكرهت) مباشرة (أن) الاسم فزيدت (ما) فصارت عوضا من الفعل ومصلحة للّفظ لتزول مباشرة (أن) الاسم. وعليه بيت الكتاب :

أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإنّ قومى لم تأكلهم الضبع (٢)

أى لأن كنت ذا نفر قويت وشدّدت ، والضبع هنا السنة الشديدة.

فإن قلت : بم ارتفع وانتصب (أنت منطلقا)؟.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١٠٤٢ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٢ ، ٣٧ ، وسمط اللآلى ص ٢١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٦٠ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٠ ، والكتاب ١ / ٨٢ ، وتاج العروس (وصل) ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٢٩٦ ، وتخليص الشواهد ص ١٧٩ ، وشرح المفصل ٤ / ٩٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٦٩ ، والمقتضب ٢ / ٧٧.

(٢) البيت من البسيط ، وهو لعباس بن مرداس فى ديوانه ص ١٢٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١١٣ ، والاشتقاق ص ٣١٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣ ، ١٤ ، ١٧ ، ٢٠٠ ، ٥ / ٤٤٥ ، ٦ / ٥٣٢ ، ١١ / ٦٢ ، والدرر ٢ / ٩١ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٤٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ٤٧٩ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١١٦ ، ١٧٩ ، وشرح قطر الندى ص ١٤٠ ، ولجرير فى ديوانه ١ / ٣٤٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٩٩ ، ٨ / ١٣٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٤١ ، والكتاب ١ / ٢٩٣ ، ولسان العرب (خرش) ، (ضبع) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٥ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٤٧ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٤١١ ، ٤٤٢ ، والإنصاف ١ / ٧١ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٦٥ ، وتاج العروس (ما) ، وتخليص الشواهد ص ٢٦٠ ، والجنى الدانى ص ٥٢٨ ، وجواهر الأدب ١٩٨ ، ٤١٦ ، ٤٢١ ، ورصف المبانى ص ٩٩ ، ١٠١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١١٩ ، وشرح ابن عقيل ص ١٤٩ ، ولسان العرب (أما) ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٥ ، والمنصف ٣ / ١١٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣.

١٥٧

قيل : ب (ما) ؛ لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب ؛ فعملت عمله من الرفع والنصب. وهذه طريقة أبى علىّ وجلّة أصحابنا من قبله فى أنّ الشىء إذا عاقب الشىء ولى من الأمر ما كان المحذوف يليه. من ذلك الظرف إذا تعلق (بالمحذوف) فإنه يتضمّن الضمير الذى كان فيه ، ويعمل ما كان يعمله : من نصبه الحال والظرف. وعلى ذلك صار قوله : (فاه إلى فىّ) من قوله : (كلّمته فاه إلى فىّ) ضامنا للضمير الذى كان فى (جاعلا) لمّا عاقبه. والطريق واضحة فيه متلئبّة.

حذف الحرف

قد حذف الحرف فى الكلام على ضربين : أحدهما حرف زائد على الكلمة مما يجيء لمعنى. والآخر حرف من نفس الكلمة. وقد تقدّم فيما مضى ذكر حذف هذين الضربين بما أغنى عن إعادته. ومضت الزيادة فى الحروف وغيرها.

فصل فى التقديم والتأخير

وذلك على ضربين : أحدهما ما يقبله القياس. والآخر ما يسهّله الاضطرار.

الأوّل كتقديم المفعول على الفاعل تارة ، وعلى الفعل الناصبة أخرى ؛ كضرب (زيدا عمرو) ، وزيدا ضرب عمرو. وكذلك الظرف ؛ نحو قام عندك زيد ، وعندك قام زيد ، وسار يوم الجمعة جعفر ، ويوم الجمعة سار جعفر. وكذلك الحال ؛ نحو جاء ضاحكا زيد ، وضاحكا جاء زيد. وكذلك الاستثناء ؛ نحو ما قام إلا زيدا أحد. ولا يجوز تقديم المستثنى على الفعل الناصب له. لو قلت : إلا زيدا قام القوم لم يجز ؛ لمضارعة الاستثناء البدل ؛ ألا تراك تقول : ما قام أحد إلا زيدا وإلا زيد والمعنى واحد. فلمّا جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه.

فإن قلت : فكيف جاز تقديمه على المستثنى منه ، والبدل لا يصحّ تقديمه على المبدل منه.

قيل : لمّا تجاذب المستثنى شبهان : أحدهما كونه مفعولا ، والآخر كونه بدلا خلّيت له منزلة وسيطة ؛ فقدّم على المستثنى منه ، وأخّر ألبتّة عن الفعل الناصبة.

فأمّا قولهم : ما مررت إلا زيدا بأحد فإنما تقدّم على الباء لأنها (ليست هى) الناصبة له ؛ إنما الناصب له على كل حال نفس مررت.

١٥٨

وممّا يصحّ ويجوز تقديمه خبر المبتدأ على المبتدأ ؛ نحو قائم أخوك ، وفى الدار صاحبك. وكذلك خبر كان وأخواتها على أسمائها ، وعليها أنفسها. وكذلك خبر ليس ؛ نحو زيدا ليس أخوك ، ومنطلقين ليس أخواك. وامتناع أبى العباس من ذلك خلاف للفريقين : (البصريين والكوفيّين) ، وترك لموجب القياس عند النظّار والمتكلّمين ؛ وقد ذكرنا ذلك فى غير مكان.

ويجوز تقديم المفعول له على الفعل الناصبة ؛ نحو قولك : طمعا فى برّك زرتك ، ورغبة فى صلتك قصدتك.

ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل ؛ نحو قولك : والطيالسة جاء البرد ؛ من حيث كانت صورة هذه الواو صورة العاطفة ؛ ألا تراك لا تستعملها إلا فى الموضع الذى لو شئت لاستعملت العاطفة فيه ؛ نحو جاء البرد والطيالسة. ولو شئت لرفعت الطيالسة عطفا على البرد. وكذلك لو تركت والأسد لأكلك ، يجوز أن ترفع الأسد عطفا على التاء. ولهذا لم يجز أبو الحسن جئتك وطلوع الشمس أى مع طلوع الشمس ؛ لأنك لو أردت أن تعطف بها هنا فتقول : أتيتك وطلوع الشمس لم يجز ؛ لأن طلوع الشمس لا يصح إتيانه لك. فلمّا ساوقت حرف العطف قبح والطيالسة جاء البرد ؛ كما قبح وزيد قام عمرو ؛ لكنه يجوز (١) جاء والطيالسة البرد ؛ كما تقول : ضربت وزيدا عمرا ؛ قال :

جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعو (٢)

ومما يقبح تقديمه الاسم المميز ، وإن كان الناصبة فعلا متصرّفا. فلا نجيز شحما تفقّأت ، ولا عرقا تصبّبت. فأمّا ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبّل :

__________________

(١) هذا رأى ابن جنى. وجمهور النحاة يمنعون هذا أيضا. راجع الأشمونى فى بحث المفعول معه.

(٢) البيت من الطويل ، وهو ليزيد بن الحكم فى خزانة الأدب ٣ / ١٣٠ ، ١٣٤ ، والدرر ٣ / ١٥٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٩٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٨٦ ، ٢٦٢ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٩ / ١٤١ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٢٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٤ ، ٢ / ١٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٠.

١٥٩

أتهجر ليلى للفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق يطيب (١)

فتقابله برواية الزّجاجىّ وإسماعيل بن نصر وأبى إسحاق أيضا :

*وما كان نفسى بالفراق تطيب*

فرواية برواية ، والقياس من بعد حاكم. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل فى المعنى ؛ ألا ترى أن أصل الكلام تصبّب عرقى ، وتفقّأ شحمى ، ثم نقل الفعل ، فصار فى اللفظ لى ، فخرج الفاعل فى الأصل مميّزا ، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل ، فكذلك لا يجوز تقديم المميز ؛ إذ كان هو الفاعل فى المعنى على الفعل.

فإن قلت : فقد تقدّم الحال على العامل فيها ، وإن كانت الحال هى صاحبة الحال فى المعنى ؛ نحو قولك : راكبا جئت ، و (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) [القمر : ٧].

قيل : الفرق أن الحال (لم تكن) فى الأصل هى الفاعلة ؛ كما كان المميز كذلك ؛ ألا ترى أنه ليس التقدير والأصل : جاء راكبى ؛ كما أن أصل طبت به نفسا طابت به نفسى ، وإنما الحال مفعول فيها ، كالظرف ، ولم تكن قطّ فاعلة فنقل الفعل عنها. فأمّا كونها هى الفاعل فى المعنى فككون خبر كان هو اسمها الجارى مجرى الفاعل فى المعنى (وأنت) تقدّمه على (كان) فتقول : قائما كان زيد ، ولا تجيز تقديم اسمها عليها. فهذا فرق.

وكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم ما أقيم مقام الفاعل ؛ كضرب زيد.

وبعد فليس فى الدنيا مرفوع يجوز تقديمه على رافعه. فأمّا خبر المبتدأ فلم

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للخبل السعدى فى ديوانه ص ٢٩٠ ، ولسان العرب (حبب) ، وللمخبّل السّعدى ، أو لأعشى همدان ، أو لقيس بن الملوّح فى الدرر ٤ / ٣٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٣٥ ، وللمخبل السعدى أو لقيس بن معاذ فى شرح شواهد الإيضاح ص ١٨٨ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٩٧ ، والإنصاف ص ٨٢٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٦٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣٣٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٤٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٧٤ ، والمقتضب ٣ / ٣٦ ، ٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٥٢. ويروى : (تطيب) مكان (يطيب).

١٦٠