الخصائص - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٣٢

وأعربوا بالنون أيضا ، فرفعوا بها فى الفعل : يقومان ويقومون (وتقومين) فالنون فى هذا نائبة عن الضمّة فى يفعل. وكما أن ألف التثنية وواو الجمع نائبتان عن الضمة والياء ، فهما نائبتان عن الكسرة والفتحة ، وإنما الموضع فى الإعراب للحركات ، فأمّا الحروف فدواخل عليها.

وليس من هذا الباب إشباع الحركات فى نحو منتزاح ، وأنظور ، والمطافيل ؛ لأن الحركة فى نحو هذا لم تحذف وأنيب الحرف عنها ؛ بل هى موجودة ومزيد فيها ، لا منتقص منها.

* * *

٣٦١

باب فى هجوم الحركات على الحركات

وذلك على ضربين : أحدهما كثير مقيس ، والآخر قليل غير مقيس.

الأوّل منهما ، وهو قسمان : أحدهما أن تتّفق فيه الحركتان. والآخر أن تختلفا فيه ، فيكون الحكم للطارئ منهما ، على ما مضى.

فالمتفقتان نحو قولك : هم يغزون ويدعون. وأصله يغزوون ، فأسكنت الواو الأولى التى هى اللام ، وحذفت لسكونها وسكون واو الضمير والجمع بعدها ، ونقلت تلك الضمة المحذوفة عن اللام إلى الزاى التى هى العين ، فحذفت لها الضمة الأصليّة فى الزاى ؛ لطروء الثانية المنقولة من اللام إليها عليها. ولا بدّ من هذا التقدير فى هجوم الثانية الحادثة على الأولى الراتبة ؛ اعتبارا فى ذلك بحكم المختلفتين ؛ ألا تراك تقول فى العين المكسورة بنقل الضمة إليها مكان كسرتها ؛ وذلك نحو يرمون ويقضون ؛ ألا (تراك) نقلت ضمّة ياء يرميون إلى ميمها ، فابتزّت (١) الضمة الميم كسرتها ، وحلّت محلها فصار : يرمون. فكما لا يشكّ فى أن ضمّة ميم يرمون غير كسرتها فى يرميون لفظا ، فكذلك فلنحكم على أن ضمّة زاى يغزون غير ضمتها فى يغزوون تقديرا وحكما.

ونحو من ذلك قولهم فى جمع مائة : مئون. فكسرة ميم مئون غير كسرتها فى مائة ؛ اعتبارا بحال المختلفين فى سنة وسنين ، وبرة وبرين (٢). ومثله ترخيم برثن ومنصور فيمن قال : يا حار إذا قلت : يا برث ، ويا منص. فهذه الضمة فى ثاء برث وصاد منص غير الضمة فيمن قال : يا برث ويا منص على يا حار ؛ اعتبارا بالمختلفتين. فكما لا شكّ فى أن ضمّة راء يا حار غير كسرة راء يا حار سماعا ولفظا ، فكذلك الضمّة على يا حار فى يا برث ويا منص غير الضمة فيهما على يا حار تقديرا وحكما. وعلى ذلك كسرة صاد صنو وقاف قنو غير كسرتها فى قنوان وصنوان. وهذا باب ؛ وقد تقدّم فى فصله.

__________________

(١) البزّ : السلب. وابتزّت : سلبت.

(٢) البرة : الخلخال.

٣٦٢

وكذلك كسرة ضاد تقضين غير كسرتها المقدّرة فيها فى أصل حالها ، وهو تقضين. والقول هنا هو ما تقدّم فى يدعون ويغزون.

فهذا حكم الحركتين المتفقتين.

وأما المختلفتان فأمرهما واضح. وذلك نحو يرمون ويقضون. والأصل : يرميون ويقضيون ، فأسكنت الياء استثقالا للضمّة عليها ، ونقلت إلى ما قبلها فابتزّته كسرته ؛ لطروئها عليها ؛ فصار : يرمون ويقضون. وكذلك قولهم : أنت تغزين ، أصله تغزوين ، فنقلت الكسرة من الواو إلى الزاى ، فابتزّتها ضمتها فصار : تغزين.

إلا أن منهم من يشمّ الضمّة إرادة للضمّة المقدّرة ، ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشمّ. ويدلّك على مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزّتين عن هذين الموضعين أنهم إذا أمروا ضمّوا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما ؛ وذلك كقولهم : اقضوا ، ابنوا ، وقولهم : أغزى ، ادعى. فكسرهم مع ضمة الثالث ، وضمّهم مع كسرته يدلّ على قوّة مراعاتهم للأصل المغيّر ، وأنه عندهم مراعى معتدّ مقدّر.

ومن المتّفقة حركاته ما كانت فيه الفتحتان ؛ نحو اسم المفعول من نحو اشتدّ واحمرّ ، وذلك قولهم : مشتدّ ومحمرّ ، من قولك : هذا رجل مشتدّ عليه ، وهذا مكان محمرّ فيه (وأصله مشتدد ومحمرر) فأسكنت الدال والراء الأوليان ، وادّغمتا فى مثلهما من بعدهما ، ولم ننقل الحركة إلى ما قبلها ، فتغلبه على حركته التى فيه ؛ كما تغلب فى يغزون ويرمين. يدل على أنك لم تنقل الحركة هنا كما نقلتها هناك قولهم فى اسم الفاعل أيضا كذلك ، وهو (مشتدّ ومحمرّ ؛ ألا ترى أنّ أصله) مشتدد ومحمرر. فلو نقلت هذا لوجب أن تقول : مشتدّ ومحمرّ. فلمّا لم تقل ذلك وصحّ فى المختلفين اللذين النقل فيهما موجود لفظا ، امتنعت من الحكم به فيما تحصل الصنعة فيه تقديرا ووهما. وسبب ترك النقل فى المفتوح انفراد الفتح عن الضمّ والكسر فى هذا النحو ؛ لزوال الضرورة فيه ومعه ؛ ألا ترى إلى صحّة الياء والواو جميعا بعد الفتحة ، وتعذّر الياء الساكنة بعد الضمّة ، والواو الساكنة بعد الكسرة. وذلك أنك لو حذفت الضمة فى يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى يرمون ، ثم وجب قلب الواو ياء ، وأن تقول : هم يرمين ، فتصير إلى لفظ جماعة المؤنث. وكذلك لو لم تنقل كسرة الواو فى تغزوين إلى الزاى لصار

٣٦٣

التقدير إلى تغزين. فوجب أن تقلب الياء لانضمام الزاى قبلها واوا ، فتقول للمرأة : أنت تغزون ؛ فيلتبس بجماعة المذكر.

فهذا حكم المضموم مع المكسور. وليس كذلك المفتوح ؛ ألا ترى الواو والياء صحيحتين بعد الفتحة ؛ نحو هؤلاء يخشون ويسعون ، وأنت ترضين وتخشين.

فلمّا لم تغيّر الفتحة هنا فى المختلفين اللذين تغييرهما واجب ، لم تغير الفتحتان اللتان إنما هما فى التغيير محمولتان على الضمّ مع الكسر. فإن قلت : فقد يقع اللبس أيضا بحيث رمت الفرق ؛ ألا تراك تقول للرجال : أنتم تغزون ، (وللنساء : أنتن تغزون) ، وتقول للمرأة : أنت ترمين ، ولجماعة النساء : أنتنّ ترمين.

قيل : إنما احتمل هذا النحو فى هذه الأماكن ضرورة ، ولو لا ذلك لما احتمل.

ووجه الضرورة أن أصل أنتم تغزوون : تغزوون ، فالحركتان ـ كما ترى ـ متفقتان ؛ لأنهما ضمتان. وكذلك أنت ترمين ؛ الأصل فيه ترميين ، فالحركتان أيضا متفقتان ؛ لأنهما كسرتان. فإذا أنت أسكنت المضموم الأوّل (ونقلت) إليه ضمة الثانى : وأسكنت المكسور الأوّل ونقلت إليه كسرة الثانى ، بقى اللفظ بحاله ، كأن لم تنقله ولم تغيّر شيئا منه ، فوقع اللبس ، فاحتمل ؛ لما يصحب الكلام من أوّله (وآخره) ؛ كأشياء كثيرة يقع اللبس فى لفظها ، فيعتمد فى بيانها على ما يقارنها ؛ كالتحقير والتكسير وغير ذلك ؛ فلما وجدت إلى رفع اللبس بحيث وجدته طريقا سلكتها ، ولمّا لم تجد إليه طريقا فى موضع آخر احتملته ، ودللت بما يقارنه عليه.

فهذه أحوال الحركات المنقولة ، وغير المنقولة فيما كان فيه الحرفان جميعا متحرّكين.

فأمّا إن سكن الأوّل فإنك تنقل الحركات جمع إليه. وذلك نحو أقام ، ومقيم ، ومقام ، وأسار ومسير ، ومسار ؛ ألا ترى أن أصل ذلك أقوم ، وأسير ، ومقوم ، ومسير ، ومقوم ، ومسير. وكذلك يقوم ويسير : أصلهما يقوم ويسير ، فنقل ذلك كله ؛ لسكون الأوّل.

والضرب الثانى ممّا هجمت فيه الحركة على الحركة من غير قياس. وهو كبيت الكتاب:

* وقال اضرب الساقين إمّك هابل*

٣٦٤

وأصله : امك هابل ؛ إلا أن همزة (أمّك) كسرت لانكسار ما قبلها ؛ على حدّ قراءة من قرأ : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)(١) [النساء : ١١] فصار : أمّك هابل ، ثم أتبع الكسر الكسر ، فهجمت كسرة الإتباع على ضمة الإعراب ، فابتزّتها موضعها ؛ فهذا شاذّ لا يقاس عليه ؛ ألا تراك لا تقول : قدرك واسعة ، ولا عدلك ثقيل ، ولا بنتك عاقلة.

ونحو من ذلك فى الشذوذ قراءة الكسائىّ «بما أنزلّيك». وقياسه فى تخفيف الهمزة أن تجعل الهمزة بين بين فتقول : بما أنزل إليك ؛ لكنه حذف الهمزة حذفا ، وألقى حركتها على لام أنزل ، وقد كانت مفتوحة فغلبت الكسرة الفتحة على الموضع ، فصار تقديره : بما أنزلليك ، فالتقت اللامان متحركتين ، فأسكنت الأولى وادّغمت فى الثانية ؛ كقوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨].

ونحو منه ما حكاه لنا أبو علىّ عن أبى عبيدة أنه سمع : دعه فى حر امّه.

وذلك أنه نقل ضمة الهمزة ـ بعد أن حذفها ـ على الراء وهى مكسورة ، فنفى الكسرة ، وأعقب منها ضمّة.

ومنه ما حكاه أحمد بن يحيى فى خبر له مع ابن الأعرابىّ بحضرة سعيد بن سلم ، عن امرأة قالت لبنات لها وقد خلون إلى أعرابىّ كان يألفهنّ : أفى السو تنتنّه! قال أحمد بن يحيى فقال لى ابن الأعرابىّ : تعال إلى هنا ، اسمع ما تقول.

قلت : وما فى هذا! أرادت : أفى السوأة أنتنّه! فألقت فتحة (أنتن) على كسرة الهاء ، فصارت بعد تخفيف همزة السوأة : أفى السو تنتنه. فهذا نحو مما نحن بسبيله. وجميعه غير مقيس ؛ لأنه ليس على حدّ التخفيف القياسىّ ؛ ألا ترى أن طريق قياسه أن يقول : فى حر أمّه ، فيقرّ كسرة الراء عليها ، ويجعل همزة أمّه بين بين ، أى بين الهمزة والواو ؛ لأنها مضمومة ؛ كقول الله سبحانه : (يَسْتَهْزِؤُنَ) ، فيمن خفّف ، أو فى حريمه ، فيبدلها ياء البتة (على يستهزيون وهو رأى أبى الحسن) وكذلك قياس تخفيف قولها : أفى السوأة أنتنه : أفى السوءة ينتنه ، فيخلص همزة (أنتنه) ياء البتة ؛ لانفتاحها وانكسار ما قبلها ؛ كقولك فى تخفيف مئر (٢) : مير. وسنذكر شواذّ الهمز فى بابه بإذن الله.

__________________

(١) قراءة (إمه) بالكسر آية ١١ النساء. وهى قراءة حمزة والكسائى. وقال الكسائى والفراء إنها لغة هوازن وهذيل وانظر البحر (٣ / ١٩٣).

(٢) مئر : جمع المئرة. وهى العداوة والذّحل.

٣٦٥

باب فى شواذ الهمز

وذلك فى كلامهم على ضربين ، وكلاهما غير مقيس.

أحدهما أن تقرّ الهمزة الواجب تغييرها ، فلا تغيّرها.

والآخر أن ترتجل همزا لا أصل له ، ولا قياس يعضده.

الأوّل من هذين ما حكاه عنهم أبو زيد وأبو الحسن من قولهم : غفر الله له خطائئه. وحكى أبو زيد وغيره : دريئة (١) ودرائئّ. وروينا عن قطرب : لفيئة (٢) ولفائئ. وأنشدوا :

فإنّك لا تدرى متى الموت جائئ

إليك ولا ما يحدث الله فى غد

وفيما جاء من هذه الأحرف دليل على صحّة ما يقوله النحويون دون الخليل : من أن هذه الكلم غير مقلوبة ، وأنه قد كانت التقت فيها الهمزتان ، على ما ذهبوا إليه ، لا ما رآه هو.

ومن شاذّ الهمز عندنا قراءة الكسائىّ (أئمة) بالتحقيق فيهما. فالهمزتان لا تلتقيان فى كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين ؛ نحو سئّال وسئّار ، (وجئّار) فأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا ، وليس لحنا. وذلك نحو قرأ أبوك ، و (السُّفَهاءُ أَلا) [البقرة : ١٣] و (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) [الحج : ٦٥] ، و (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ) [البقرة : ٣١] فهذا كله جائز عندنا على ضعفه ، لكن التقاؤهما فى كلمة واحدة غير عينيين لحن ؛ إلا ما شذّ ممّا حكيناه من خطائئ وبابه ، وقد تقدّم. وأنشدنى بعض من ينتمى إلى الفصاحة شعرا لنفسه مهموزا يقول فيه : أشأؤها وأدأؤها ، فنبّهته عليه ، فلم يكد يرجع عنه (وهذا) ممّا لو كان (همزه أصلا) لوجب تركه وإبداله ، فكيف أن يرتجل همزا لا أصل له ، ولا عذر فى إبداله من حرف لين ولا غيره.

__________________

(١) دريئة : هى الحلقة التى يتعلم الرامى الطعن والرمى عليها.

(٢) لفيئة : هى القطعة من اللحم.

٣٦٦

الثانى من الهمز. وهو ما جاء من غير أصل له ، ولا إبدال (دعا قياس إليه) وهو كثير.

منه قولهم : مصائب. وهذا ممّا لا ينبغى همزه فى وجه من القياس. وذلك أن مصيبة مفعلة. وأصلها مصوبة ، فعينها كما ترى متحرّكة فى الأصل ، فإذا احتيج إلى حركتها فى الجمع حمّلت الحركة. (وقياسه) مصاوب. وقد جاء ذلك أيضا ؛ قال :

يصاحب الشيطان من يصاحبه

وهو أذى جمّة مصاوبه (١)

ويقال فيها أيضا : مصوبة ومصابة. ومثله قراءة أهل المدينة : «معايش» بالهمز.

(وجاء) أيضا فى شعر الطرمّاح مزائد جمع مزادة ، وصوابها مزايد. قال :

* مزائد خرقاء اليدين مسيفة (٢) *

وقالوا أيضا : منارة ومنائر ، وإنما صوابها : مناور ؛ لأن الألف عين وليست بزائدة. ومن الجيّد قول الأخطل :

وإنى لقوّام مقاوم لم يكن

جرير ولا مولى جرير يقومها (٣)

ومن شاذّ الهمز ما أنشده ابن الأعرابىّ لابن كثوة :

ولّى نعام بنى صفوان زوزأة

لمّا رأى أسدا فى الغاب قد وثبا (٤)

__________________

(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أذى) ، وتاج العروس (أذى). الأذىّ : يقال : رجل أذى إذا كان شديد التأذى. وقد يكون الأذىّ : المؤذى. اللسان (أذى) وقوله «جمة» فى اللسان «حمة».

(٢) صدر البيت من الطويل ، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص ٨٨ ، ولسان العرب (حفد) ، (سوف) ، (سيف) ، ومقاييس اللغة ٣ / ١٢٢ ، ومجمل اللغة ٣ / ١٠٨ ، وتهذيب اللغة ٤ / ٤٢٧ ، ١٣ / ٩٣ ، وتاج العروس (حفد) ، (سوف) ، وبلا نسبة فى المخصص ١٠ / ١٠ ، وديوان الأدب ٢ / ٢٩١. وعجزه :

* أخبّ بهن المخلفان وأحفدا*

(٣) البيت من الطويل ، وهو للأخطل فى ديوانه ص ٢٣٣ ، وحماسة البحترى ص ٢١٢ ، وشرح المفصل ١٠ / ٩٠ ، وللفرزدق فى المقتضب ١ / ١٢٢ ، وبلا نسبة فى شرح المفصل ١٠ / ٩٧ ، والمنصف ١ / ٣٠٦.

(٤) البيت من البسيط ، وهو لابن كثوة فى سر صناعة الإعراب ١ / ٩١ ، ولسان العرب (نعم) ، ـ ـ

٣٦٧

وإنما هى زوزاة : فعللة من مضاعف الواو ، بمنزلة القوقاة والضوضاة.

وأنشدوا بيت امرئ القيس :

كأنّى بفتخاء الجناحين لقوة

دفوف من العقبان طاطات شئمالى (١)

يريد شماله ، أى خفضها بعنان فرسه. وقالوا : تأبلت القدر بالهمز. ومثله التأبل والخأتم (والعألم). ونحو منه ما حكوه من قول بعضهم : بأز بالهمز ، وهى البئزان بالهمز أيضا. وقرأ ابن كثير : (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) [النمل : ٤٤] وقيل فى جمعه : سؤق مهموزا على فعل. وحكى أبو زيد : شئمة للخليقة بالهمز ، وأنشد الفرّاء :

يا دارمىّ بدكاديك البرق

صبرا فقد هيّجت شوق المشتئق (٢)

يريد المشتاق. وحكى أيضا رجل مئل (بوزن معل) إذا كان كثير المال. وحكوا أيضا : الرئبال بالهمز. وأما شأمل ، وشمأل ، وجرائض ، وحطائط بطائط (٣) ، والضهياء (٤) ، فمشهور بزيادة الهمز فيه. وحكى لنا أبو علىّ فى النيدلان (٥) : النئدلان

__________________

(زوى) ، والممتع فى التصريف ص ٣٢٥ ، وبلا نسبة فى المحتسب ١ / ٣١٠. ويروى : (فى الغاب) مكان (بالغاب). يقال : زوزى : نصب ظهره وقارب خطوه فى سرعة ، إنما أراد زوزاة ، فأبدل الهمزة من الألف اضطرارا. اللسان (زوى).

(١) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٣٨ ، ولسان العرب (دفف) ، (شمل) ، وتهذيب اللغة ٧ / ٣٠٨ ، ١١ / ٣٧٢ ، وجمهرة اللغة ص ٢٢٧ ، وتاج العروس (دفف) ، وكتاب الجيم ٣ / ٢١٨ ، وبلا نسبة فى لسان العرب ٣ / ٤١ (فتخ) ، وتاج العروس (فتخ) ، والمخصص ٧ / ١٢٥. ويروى : (شملالى) مكان (شئمالى).

(٢) الرجز لرؤبة فى شرح شواهد الشافية ص ١٧٥ ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ص ٩١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٥٠ ، ٣ / ٢٠٤ ، ولسان العرب (بوز) ، (شوق) ، (دكك) ، (حول) ، والمقرب ٢ / ١٦١ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٢٥ ، وتهذيب اللغة ٥ / ٢٤١ ، وتاج العروس (شوق) ، (دكك). الدكاديك جمع الدكداك وهو الرمل المتلبد فى الأرض لم يرتفع. والبرق : جمع البرقة وهى أرض غليظة مختلطة بحجارة ورمل.

(٣) الحطائط : الصغير من الناس وغيرهم. والبطائط إتباع له.

(٤) الضهياء : هى التى لا ثدى لها. أو هى التى لا تحيض.

(٥) النيدلان : هو الكابوس.

٣٦٨

بالكسر ، ومثاله فئعلان. وأنشدوا لجرير :

* لحبّ المؤقدان إلىّ مؤسى*

بالهمز فى (الموقدان) و (موسى). وحكى أنه وجد بخطّ الأصمعى : قطا جؤنىّ. وحكى عنه أيضا فيه جونىّ.

ومن ذلك قولهم : لبّأت بالحجّ ، ورثأت زوجى بأبيات ، وحلأت السويق ، واستلأمت الحجر ، وإنما هو استلمت : افتعلت ، قال :

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

فوزن استلأم على ما ترى : افتعأل ؛ وهو مثال مبدع غريب.

ونحو منه ما رويناه عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير جدّ عمارة :

إذا ضفتهم أو سآيلتهم

وجدت بهم علّة حاضره (١)

يريد : ساءلتهم. فإمّا زاد الياء وغيّر الصورة فصار مثاله : فعايلتهم. وإما أراد : ساءلتهم كالأوّل ؛ إلا أنه زاد الهمزة الأولى ، فصار تقديره : سئاءلتهم بوزن : فعاءلتهم ، فجفا عليه التقاء الهمزتين هكذا ، ليس بينهما إلا الألف ، فأبدل الثانية ياء ؛ كما أنه لمّا كره أصل تكسير ذؤابة ـ وهو ذآئب ـ أبدل الأولى واوا. ويجوز أن يكون أراد : ساءلتهم ، ثم أبدل من الهمزة ياء ، فصار : سايلتهم ، ثم جمع بين المعوّض والمعوّض منه فقال : سآيلتهم ؛ فوزنه الآن على هذا : فعاعلتهم.

ومثله مما جمع فيه بين العوض والمعوّض منه فى العين ما ذهب إليه أبو إسحاق وأبو بكر فى قول الفرزدق :

* هما نفثا فى فىّ من فمويهما (٢) *

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو لبلال بن جرير فى لسان العرب (سأل) ، وتاج العروس (سأل).

(٢) صدر البيت من الطويل ، وهو للفرزدق فى ديوانه ٢ / ٢١٥ ، وتذكرة النحاة ص ١٤٣ ، وجوهر الأدب ص ٩٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٦٠ ـ ٤٦٤ ، ٧ / ٤٧٦ ، ٥٤٦ ، والدرر ١ / ١٥٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٧ ، ٢ / ٤٨٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥٨ ، وشرح شواهد الشافية ص ١١٥ ، والكتاب ٣ / ٣٦٥ ، ٦٢٢ ، ولسان العرب (فمم) ، (فوه) ، والمحتسب ٢ / ٢٣٨ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٣٥ ، والأشباه والنظائر ١ / ٢١٦ ، والإنصاف ١ / ٣٤٥ ، وجمهرة

٣٦٩

فوزن (فمويهما) على قياس مذهبهما : فععيهما.

وأنا أرى ما ورد عنهم من همز الألف الساكنة فى بأز وسأق وتأبل ونحو ذلك إنما هو عن تطرّق وصنعة ، وليس اعتباطا هكذا من غير مسكة. وذلك أنه قد ثبت عندنا من عدّة أوجه أن الحركة إذا جاورت الحرف الساكن فكثيرا ما تجريها العرب مجراها فيه ، فيصير لجواره إياها كأنه محرّك بها. فإذا كان كذلك فكأن فتحة باء باز إنما هى فى نفس الألف. فالألف لذلك وعلى هذا التنزيل كأنها محرّكة (وإذا) تحرّكت الألف انقلبت همزة. من ذلك قراءة أيّوب السّختيانىّ : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧]. وحكى أبو العباس عن أبى عثمان عن أبى زيد قال : سمعت عمرو بن عبيد يقرأ : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩] (فظننت أنه) قد لحن ، إلى أن سمعت العرب تقول : شأبّة ، ودأبّة.

وقال كثيّر :

* إذا ما العوالى بالعبيط احمأرّت (١) *

(يريد احمارت) وقال أيضا :

وللأرض أمّا سودها فتجلّلت

بياضا وأمّا بيضها فاسوأدّت (٢)

وأنشد قوله :

يا عجبا لقد رأيت عجبا

حمار قبّان يسوق أرنبا

خاطمها زأمّها أن تذهبا (٣)

__________________

ـ ـ اللغة ص ١٣٠٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٥ ، والمقتضب ٣ / ١٥٨ ، والمقرب ٢ / ١٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٥١. وعجزه :

* على النابح العاوى أشد رجام*

(١) سبق.

(٢) سبق.

(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (قبب) ، (حمر) ، (ضلل) ، (خطم) ، (زمم) ، (قبن) ، وجمهرة اللغة ص ٥٢٣ ، ومقاييس اللغة ٢ / ١٠٢ ، والمخصص ٨ / ١١٧ ، ومجمل اللغة ٢ / ١٠٦ ، وتهذيب اللغة ٥ / ٥٥ ، ٩ / ١٩٧ ، ١٥ / ٦٩١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٧٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٤٨ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٦٧ ، وشرح المفصل ١ / ٣٦ ، ٤ / ١٣٠ ، والممتع ـ ـ

٣٧٠

وقال دكين :

* وجله حتى ابيأض ملبيه*

فإن قلت : فما أنكرت أن يكون ذلك فاسدا ؛ لقولهم فى جمع بأز : بئزان بالهمز. وهذا يدلّ على كون الهمزة فيه عينا أصلا ، كرأل (١) ورئلان.

قيل : هذا غير لازم. وذلك أنه لمّا وجد الواحد ـ وهو بأز ـ مهموزا ـ نعم وهمزته غير مستحكمة السبب ـ جرى عنده وفى نفسه مجرى ما همزته أصليّة ، فصارت بئزان كرئلان. وإذا كانوا قد أجروا ما قويت علّة قلبه مجرى الأصلىّ فى قولهم : ميثاق ومياثق ، كان إجراء بأز مجرى رأل أولى وأحرى. وسيأتى نحو هذا فى باب له.

وعليه أيضا قوله :

* لحبّ المؤقدان إلىّ مؤسى*

ألا ترى أن ضمة الميم فى (الموقدان) و (موسى) لمّا جاورت الواو الساكنة صارت كأنها فيها ، والواو إذا انضمّت ضمّا لازما همزت ؛ نحو أجوه وأقّتت.

فاعرف ذلك. وعليه جاء قوله :

*... فرأ متار*

يريد : متأرا ، فلما جاورت الفتحة فى الهمزة التاء صارت كأنها فيها ؛ فجرى ذلك مجرى متأر ، فخفّف على نحو من تخفيف رأس وبأس. وسيأتى ذلك فى بابه بإذن الله.

* * *

__________________

فى التصريف ١ / ٣٢١ ، وتاج العروس (قبب) ، (ولع). وبعده :

* فقلت أردفنى ، فقال مرحبا*

حمار قبّان : دويبّة. الجوهرى : ويقال هو فعّال ، والوجه أن يكون فعلان. قال ابن برّىّ : هو فعلان وليس بفعّال ؛ قال : والدليل على أنّه فعلان امتناعه من الصرف بدليل قول الراجز :

* حمار قبّان يسوق أرنبا*

ولو كان فعالا لانصرف. اللسان (قبن).

(١) رأل : هو ولد النعام.

٣٧١

باب فى حذف الهمز وإبداله

قد جاء هذا الموضع فى النثر والنظم جميعا. وكلاهما غير مقيس عليه ، إلا عند الضرورة.

فإن قلت : فهلا قست على ما جاء منه فى النثر ، لأنه ليس موضع اضطرار؟

قيل : تلك مواضع كثر استعمالها ، فعرفت أحوالها ، فجاز الحذف فيها ـ وسنذكرها ـ كما حذفت لم يك ، (ولم يبل) ، ولا أدر فى النثر ؛ لكثرة الاستعمال ، ولم يقس عليها غيرها.

فمما جاء من ذلك فى النثر قولهم : ويلمّه. وإنما أصله ويل لأمّه. يدلّ على ذلك ما أنشده الأصمعىّ :

لأمّ الأرض ويل! ما أجنّت!

غداة أضرّ بالحسن السبيل (١)

فحذف لام (ويل) وتنوينه لما ذكرنا ، وحذفت همزة أمّ ، فبقى : ويلمّه. فاللام الآن لام الجرّ ؛ ألا تراها مكسورة. وقد يجوز أن تكون اللام المحذوفة هى لام الجرّ ؛ كما حذف حرف الجرّ من قوله : الله أفعل ، وقول رؤبة : خير عافاك الله ، وقول الآخر :

* رسم دار وقفت فى طلله (٢) *

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لعبد الله بن عنمة الضبى فى لسان العرب (ضرر) ، (حسن) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ١٥٣ ، وتهذيب اللغة ٤ / ٣١٦ ، ١١ / ٤٦٠ ، وجمهرة اللغة ص ٥٣٥ ، ولعنمة بن عبد الله الضبى فى تاج العروس (حسن) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١٢٢ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٥٨ ، ومجمل اللغة ٢ / ٦٢ ، وأساس البلاغة (سلف). الحسن : اسم رملة فى ديار بنى تميم. وأضرّ بالطريق : دنا منه ولم يخالطه.

(٢) صدر البيت من الخفيف ، وهو لجميل بثينة فى ديوانه ص ١٨٩ ، والأغانى ٨ / ٩٤ ، وأمالى القالى ١ / ٢٤٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٠ ، والدرر ٤ / ٨٤ ، ١٩٩ ، وسمط اللآلى ص ٥٥٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٩٥ ، ٤٠٣ ، ولسان العرب (جلل) ، وتاج العروس (جلل) ، ومغنى اللبيب ص ١٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٩ ، وكتاب العين ٧ / ٤٠٥ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٣٧٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٧٧ ، والجنى الدانى ص ٤٥٤ ، ٤٥٥ ، ـ ـ

٣٧٢

(وهو من المقلوب ؛ أى طلل دار وقفت فى رسمه) وعليه قراءة الكسائىّ : (بما أنزلّيك) ـ وقد ذكرناه ـ وقراءة ابن كثير (إنها لحدى الكبر) وحكاية أحمد بن يحيى قول المرأة لبناتها وقد خلا الأعرابىّ بهن : أفى السوتنتّنه (تريد : أفى السوءة أنتنّه) ومنه قولهم : الله هذه الكلمة فى أحد قولى سيبويه وهو أعلاهما. وذلك أن يكون أصله إلاه. فحذفت الهمزة التى هى فاء. وكذلك الناس ؛ لأن أصله أناس ؛ قال :

وإنا أناس لا نرى القتل سبّة

إذا ما رأته عامر وسلول (١)

ولا تكاد الهمزة تستعمل مع لام التعريف ؛ غير أن أبا عثمان أنشد :

إن المنايا يطّلع

ن على الأناس الآمنينا (٢)

ومنه قولهم : لن ، فى قول الخليل. وذلك أن أصلها عنده (لا أن) فحذفت الهمزة عنده ؛ تخفيفا لكثرته فى الكلام ، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها. فما جاء من نحوه فهذه سبيله. وقد اطّرد الحذف فى كل وخذ ومر.

وحكى أبو زيد : لاب لك (يريد : لا أب لك) وأنشد أبو الحسن :

تضبّ لثات الخيل فى حجراتها

وتسمع من تحت العجاج لها ازملا (٣)

__________________

ورصف المبانى ص ١٥٦ ، ١٩١ ، ٢٥٤ ، ٥٢٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٣٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٠٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٧٣ ، وشرح عمدة لحافظ ص ٢٧٤ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٢ ، ٧٩ ، ٨ / ٥٢ ، ومغنى اللبيب ص ١٣٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٧.

(١) البيت من الطويل ، وهو للسموأل بن عادياء فى ديوانه ص ٩١ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (سلل) ، والمخصص ١٧ / ٤١ ، وتاج العروس (سلل).

(٢) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لذى جدن الحميرى فى خزانة الأدب ٢ / ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٥ ، ٢٨٨ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣١٢ ، والجنى الدانى ص ٢٠٠ ، وجواهر الأدب ص ٣١٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٩ ، ١٢١ ، ولسان العرب (أنس).

(٣) تضبّ لثات الخيل : تسيل بالدم. حجراتها : نواحيها. العجاج : الغبار. الأزمل : الصوت ، وجمعه الأزامل. والبيت فى اللسان (زمل) وحذف الهمزة كما قالوا ويلمّه.

٣٧٣

وأنشدنا أبو علىّ :

* إن لم أقاتل فالبسونى برقعا*

وحكى لنا عن أبى عبيدة : دعه فى حر امّه ، وروينا عن أحمد بن يحيى :

* هوىّ جند إبليس المرّيد*

(وهو كثير) ومنه قوله :

* أريت إن جئت به أملودا (١) *

وقوله :

* حتى يقول من رآه قد راه (٢) *

وهو كثير.

فأمّا الإبدال على غير قياس فقولهم : قريت ، وأخطيت ، وتوضيت. وأنشدنى بعض أصحابنا لابن هرمة :

ليت السباع لنا كانت مجاورة

وأننا لا نرى ممن نرى أحدا

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح التصريح ١ / ٤٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ١١٨ ، ٣ / ٦٤٨ ، ٤ / ٣٣٤ ، ولرجل من هذيل فى حاشية يس ١ / ٤٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥ ، والدرر ٥ / ١٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٥٨ ، ولرؤبة أو لرجل من هذيل فى خزانة الأدب ١١ / ٤٢٠ ، ٤٢٢ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (رأى) ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢٤٢ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٤ ، والجنى الدانى ص ١٤١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦ ، والمحتسب ١ / ١٩٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٣٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٩.

(٢) الرجز لدلم أبى زغيب فى تاج العروس (دلم) ، ولسان العرب (دلم) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (عوج) ، (ليل) ، (رأى) ، والأشباه والنظائر ١ / ١٢٣ ، والدرر ٦ / ٨١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٧٧ ، ٢ / ٢٠٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤١١ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٠٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٥٠ ، والمحتسب ١ / ٢١٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٨٢ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٥٠ ، وتاج العروس (ليل). وقبله :

* فى كل يوم ما وكل ليلاه*

وبعده :

يا ويحه من جمل ما أشقاه

وجمل قلت له جاه جاه

٣٧٤

إنّ السباع لتهدا عن فرائسها

والناس ليس بهاد شرّهم أبدا (١)

ومن أبيات الكتاب لعبد الرحمن بن حسّان :

وكنت أذلّ من وتد بقاع

يشجّج رأسه بالفهرواجى (٢)

يريد : واجئ ؛ كما أراد الأوّل : ليس بهادئ. ومن أبياته أيضا :

راحت بمسلمة البغال عشيّة

فارعى فزارة لا هناك المرتع (٣)

ومن حكاياته بيس فى بئس ، أبدل الهمزة ياء. ونحوه قول ابن ميّادة :

* فكان لها يومذ أمرها*

وقرأ عاصم فى رواية حفص : «أن تبوّيا» (٤) [التحريم : ٤] فى الوقف ، أى تبوّءا.

وقال :

تقاذفه الروّاد حتى رموا به

ورا طرق الشأم البلاد الأقاصيا (٥)

__________________

(١) البيتان من البسيط ، وهما لابن هرمة فى ديوانه ص ٩٧ ، ولسان العرب (هدأ) ، والأول فى تاج العروس (هدأ) ، والثانى منهما فى سر صناعة الإعراب ٢ / ٧٤٠ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٨٢.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص ١٨ ، والدرر ٤ / ١٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٤١ ، وشرح المفصل ٩ / ١١٤ ، والكتاب ٣ / ٥٥٥ ، ولسان العرب (وجأ) ، والمقتضب ١ / ١٦٦ ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ٣ / ٧٣٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٤٩ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٨١ ، والمنصف ١ / ٧٦. ويروى : (فكنت) مكان (وكنت). والعرب تضرب المثل فى الذلة بالوتد ، ومن أمثالهم : فلان أذلّ من العير ، فبعضهم يجعله الحمار الأهلىّ ، وبعضهم يجعله الوتد. اللسان (عير). وقوله (واجى) أصله واجئ وصف من وجأ عنقه أى دقها. والفهر : الحجر ملء الكف.

(٣) البيت من الكامل ، وهو للفرزدق فى ديوانه ١ / ٤٠٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٩٤ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٣٥ ، وشرح المفصل ٩ / ١١١ ، والكتاب ٣ / ٥٥٤ ، وكتاب العين ٢ / ٦٨ ، والمقتضب ١ / ١٦٧ ، ولعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص ٣١ ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ٢ / ٦٦٦ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٤٧ ، ولسان العرب (هنأ) ، والمحتسب ٢ / ١٣٢ ، والمقرب ٢ / ١٧٩ ، والممتع فى التصريف ص ٤٠٥.

(٤) وفى البحر ٥ / ١٨٤ ، وقرأ حفص فى رواية هبيرة (تبويا) بالياء ، وهذا تسهيل غير قياسى.

(٥) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (وزى) ، ويروى : (الأباعدا) مكان (الأقاصيا).

٣٧٥

أراد : وراء طرق الشام فقصر الكلمة. فكان ينبغى إذ ذاك أن يقول : ورأ ، بوزن قرأ ؛ لأن الهمزة أصلية عندنا ؛ إلا أنه أبدلها ضرورة (فقلبها ياء ؛ وكذلك ما كان من هذا النحو فإنه إذا أبدل) صار إلى أحكام ذوات الياء ؛ ألا ترى أن قريت مبدلة من قرأت ، بوزن قريت من قريت الضيف ونحو ذلك. ومن البدل البتّة النبىّ فى مذهب سيبويه. وقد ذكرناه. وكذلك البريّة عند غيره. ومنه الخابية ، لم تسمع مهموزة. فإما أن يكون تخفيفا اجتمع عليه ؛ كيرى وأخواته ، وإمّا أن يكون بدلا ؛ قال :

أرى عينىّ ما لم ترأياه

كلانا عالم بالتّرّهات (١)

والنبوّة عندنا مخفّفة لا مبدلة. وكذلك الحكم على ما جاء من هذا : أن يحكم عليه بالتخفيف إلى أن يقوم الدليل فيه على الإبدال. فاعرف ذلك مذهبا للعرب نهجا بإذن الله. وحدّثنا أبو علىّ قال : لقى أبو زيد سيبويه فقال له : سمعت العرب تقول : قريت ، وتوضيت. فقال له سيبويه : كيف تقول فى أفعل منه؟ قال : أقرأ.

وزاد أبو العباس هنا : فقال له سيبويه : فقد تركت مذهبك ، أى لو كان البدل قويّا للزم (ووجب) أن تقول : أقرى ؛ كرميت أرمى. وهذا بيان.

* * *

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لسراقة البارقى فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٦ ، والأغانى ٩ / ١٣ ، وأمالى الزجاجى ص ٨٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ٧٧ ، ٨٢٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٢٢ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٧٧ ، ولسان العرب (رأى) ، والمحتسب ١ / ١٢٨ ، ومغنى اللبيب ص ٢٧٧ ، والممتع فى التصريف ص ٦٢١ ، ونوادر أبى زيد ص ١٨٥ ، ولابن قيس الرقيات فى ملحق ديوانه ص ١٧٨ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٢٣٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب ص ٤١.

٣٧٦

باب فى حرف اللين المجهول

وذلك مدّة الإنكار ؛ نحو قولك فى جواب من قال : رأيت بكرا : أبكرنيه ، وفى جاءنى محمد : أمحمدنيه ، وفى مررت على قاسم : أقاسمنيه! وذلك أنك ألحقت مدّة الإنكار ، وهى لا محالة ساكنة ، فوافقت التنوين ساكنا ، فكسر (لالتقاء الساكنين) فوجب أن تكون المدّة ياء لتتبع الكسرة. وأىّ المدّات الثلاث كانت فإنها لا بدّ أن توجد فى اللفظ بعد كسرة التنوين ياء ؛ لأنها إن كانت فى الأصل ياء فقد كفينا النظر فى أمرها. وإن كانت ألفا أو واوا فالكسرة قبلها تقلبها إلى الياء البتّة.

فإن قيل : أفتنصّ فى هذه المدّة على حرف معيّن : الألف أو الياء أو الواو؟

قيل : لم تظهر فى شيء من الإنكار على صورة مخصوصة فيقطع بها عليها دون أختيها ، وإنما تأتى تابعة لما قبلها ؛ ألا تراك تقول فى قام عمر : أعمروه ، وفى رأيت أحمد : أأحمداه ، وفى مررت بالرجل آلرجليه ، وليست كذلك مدّة الندبة ؛ لأن تلك ألف لا محالة ، وليست مدّة مجهولة مدبّرة بما قبلها ؛ ألا تراها تفتح ما قبلها أبدا ، ما لم تحدث هناك لبسا ، ونحو ذلك ؛ نحو وا زيداه ، ولم يقولوا : وا زيدوه ، وإن كانت الدال مضمومة فى وا زيد. وكذلك واعبد الملكاه ، ووا غلام زيداه ، لمّا حذفت لها التنوين (من زيد) صادفت الدال مكسورة ففتحتها.

غير أننا نقول : إن أخلق الأحوال بها أن تكون ألفا من موضعين.

أحدهما أن الإنكار مضاه للندبة. وذلك أنه موضع أريد فيه معنى الإنكار والتعجب ، فمطل الصوت به وجعل ذلك أمارة لتناكره ؛ كما جاءت مدّة الندبة إظهارا للتفجّع ؛ وإيذانا بتناكر الخطب الفاجع ، والحدث الواقع. فكما أن مدّة الندبة ألف ، فكذلك ينبغى أن تكون مدّة الإنكار ألفا.

والآخر أن الغرض فى الموضعين جميعا إنما هو مطل الصوت ، ومدّه وتراخيه ، والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإذا كان الأمر كذلك فالألف أحقّ به دون أختيها ؛ لأنها أمدّهنّ صوتا ، وأنداهنّ ، وأشدّهنّ إبعادا (وأنآهنّ). فأمّا مجيئها تارة

٣٧٧

واوا ، وأخرى ياء فثان لحالها. وعن ضرورة دعت (إلى ذلك) ؛ لوقوع الضمّة والكسرة قبلها. ولو لا ذلك لما كانت إلا ألفا أبدا.

فإن قلت : فهلا تبعها ما قبلها فى الإنكار ؛ كما تبعها فى الندبة ، فقلت فى جاءنى عمر : أعمراه ؛ كما تقول فى الندبة : وا عمراه؟

قيل : فرق ما بينهما أن الإنكار جار مجرى الحكاية ، والمعنى الجامع بينهما أنك مع إنكارك للأمر مستثبت ، ولذلك قدّمت فى أوّل كلامك همزة الاستفهام. فكما تقول فى جواب رأيت زيدا : من زيدا؟ كذلك قلت أيضا فى جواب جاءنى عمر : أعمروه.

وأيضا فإن مدّة الإنكار لا تتصل بما قبلها اتصال مدّة الندبة بما قبلها ؛ ألا ترى التنوين فاصلا بينهما فى نحو أزيدنيه ، ولا يفصل به بين المندوب ومدّة الندبة فى نحو وا غلام زيداه ، بل تحذفه لمكان مدّة الندبة ، وتعاقب بينهما ؛ لقوّة اتصالها به ؛ كقوّة اتصال التنوين به ، فكرهوا أن يظاهروا بينهما فى آخر الاسم ؛ لتثاقله عن احتمال زيادتين فى آخره. فلمّا حذف التنوين لمدّة الندبة قوى اتصالها بالمندوب ، فخالطته فأثّرت فيه الفتح. ولمّا تأخّرت عنه مدّة الإنكار ولم تماسّه مماسّة مدّة الندبة له لم تغيره تغييرها إياه. ويزيدك فى علمك ببعد مدّة الإنكار عن الاسم الذى تبعته وقوع (إن) بعد التنوين فاصلة بينهما ؛ نحو أزيدا إنيه! وأزيد إنيه! وهذا ظاهر للإبعاد لها عنه. وأغرب من هذا أنك قد تباشر بعلامة الإنكار غير اللفظ الأوّل.

وذلك فى قول بعضهم وقد قيل له : أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال : أنا إنيه! فهذا أمر آخر أطمّ من الأوّل ؛ ألا تراك إذا ندبت زيدا ونحوه فإنما تأتى بنفس اللفظ الذى هو عبارة عنه ، لا بلفظ آخر ليس بعبارة عنه.

وهذا تناه فى ترك مباشرة مدّة الإنكار للفظ الاسم المتناكرة حاله ؛ وما أبعد هذا عن حديث الندبة!

فإن قلت : فقد تقول فى ندبة زيد (وا أبا محمداه) فتأتى بلفظ آخر ، وكذلك إذا ندبت جعفرا قلت : وا من كان كريماه : فتأتى بلفظ غير لفظ زيد وجعفر.

٣٧٨

قيل : أجل ؛ إلا أن (أبا محمد) و (من كان كريما) كلاهما عبارة عينيهما ، وقوله : أنا إنيه ليس باللفظ الأوّل ، ولا بعبارة عن معناه. وهذا كما تراه واضح جلىّ.

ومثل مدّة الإنكار هذه البتّة فى جهلها ، مدّة التذكّر فى قولك إذا تذكرت الخليل ونحوه : الى وعنى ومنا منذو ، أى الخليل وعن الرجل ومن الغلام ومنذ الليلة.

* * *

٣٧٩

باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة

هذا موضع ربما أوهم فساد العلّة. وهو مع التأمّل بضدّ ذلك ؛ نحو قولهم فيما أنشده أبو زيد :

حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا

ولا نسأل الأقوام عقد المياثق (١)

ألا ترى أن فاء ميثاق ـ التى هى واو وثقت ـ انقلبت للكسرة قبلها ياء ؛ كما انقلبت فى ميزان وميعاد ؛ فكان يجب على هذا لمّا زالت الكسرة فى التكسير أن تعاود الواو فتقول على قول الجماعة : المواثيق ؛ كما تقول : الموازين ، والمواعيد.

فتركهم الياء بحالها ربما أوهم أن انقلاب هذه الواو ياء ليس للكسرة قبلها ، بل هو لأمر آخر غيرها ؛ إذ لو كان لها لوجب زواله مع زوالها. ومثل ذلك (ما أنشده) خلف الأحمر من قول الشاعر :

عدانى أن أزورك أمّ عمرو

دياوين تشقّق بالمداد (٢)

فللقائل أيضا أن يقول : لو أن ياء ديوان إنما قلبت عن واو دوّان للكسرة قبلها لعادت عند زوالها.

وكذلك للمعترض فى هذا أن يقول : لو كانت ألف باز إنما قلبت همزة فى لغة من قال : بأز ؛ لأنها جاورت الفتحة فصارت الحركة كأنها فيها ، فانقلبت همزة ؛ كما انقلبت لمّا حركت فى نحو شأبّة ودأبّة ، لكان ينبغى أن تزول الهمزة عند زوال الألف فى قولهم : بئزان ، فقد حكيت أيضا بالهمز ؛ إذ كانت الياء (إذا تحركت) لم

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لعياض بن درّة الطائى فى لسان العرب (وثق) ، وتاج العروس (وثق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٣٧ ، ونوادر أبى زيد ص ٦٥ ، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص ١٣٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٧١٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢١٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ٩٥ ، وشرح المفصل ٥ / ١٢٢ ، ويروى : (بأمرنا) مكان (بإذننا) ، (عهد) مكان (عقد).

(٢) البيت من الوافر ، بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٢٦٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٣٥ ، ولسان العرب (دون) وفيه : (تنفق) بدل (تشقق) ، والمنصف ٢ / ٣٢ ، ويروى : (أم مالك) مكان (أم عمرو).

٣٨٠