الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

ويجيزون : (كيف وزيد عمرو) ويقولون : كلّ شيء لم يكن يرفع لم يجز أن يليه الواو نحو :(هل وزيد عمرو قائمان) محال وإنما صار العطف إذا لم يكن قبله ما يرفع أقبح ؛ لأنه يصير مبتدأ وفي موضع مبتدأ وليس أحد يجيز مبتدأ : وزيد عمرو قائمان يريد : عمرو وزيد قائمان ، وإن بمنزلة الابتداء فلذلك قبح أيضا فيها وتقول : زيد رغب فيك وعمرو وزيد فيك رغب وعمرو ، فإن أخرجت (رغب) على هذا لم يجز : أن تقول : زيد فيك وعمرو رغب لأنك قد فصلت بين المبتدأ وخبره بالمعطوف وقدمت ما هو متصل بالفعل وفرقت بينهما بالمعطوف أيضا وتقول : أنت غير قائم ولا قاعد تريد : وغير قاعد لما في (غير) من معنى النفي وتقول : أنت غير القائم ولا القاعد تريد : غير القاعد كما قال الله عز وجل : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧] ولم يجىء هذا في المعرفة لا يستعملون (لا) مع المعرفة العلم في مذهب (غير) لا يجوز : أنت غير زيد ولا عمرو تقول : زيد قام أمس ولم يقعد ولا يجوز : زيد قام ويقعد وإنما جاز مع (لم) لأنها مع عملت فيه في معنى الماضي ولا يجوز أن تنسق على (لن ولم) بلا مع الأفعال لا تقول : لم يقم عبد الله لا يقعد وكذلك : لن يقوم عبد الله لا يقعد يا هذا ؛ لأن (لا) إنما تجيء في العطف لتنفي عن الثاني ما وجب للأول وتقول : ضربت عمرا وأخاه وزيد ضربت عمرا ثم أخاه وزيد ضربت عمرا أو أخاه وقوم لا يجيزون من هذه الحروف إلا الواو فقط ويقولون : لأن الواو بمعنى الاجتماع فلا يجيزون ذلك مع ثم وأو ؛ لأن مع (ثم وأو) عندهم فعلا مضمرا ، فإن قلت : (زيد ضربت عمرا وضربت أخاه) لم يجز ؛ لأن الفعل الأول والجملة الأولى قد تمت ولا وصلة لها بزيد وعطفت بفعل آخر هو المتصل لسببه وليس لأخيه في (ضربت) الأولى وصلة ، فإن أردت بقولك : وضربت إعادة للفعل الأول على التأكيد جاز ومن أجاز العطف على عاملين قال : زيد في الدار والبيت أخوه وأمرت لعبد الله بدرهم وأخيه بدينار ؛ لأن دينارا ليس إلى جانب ما عملت فيه الباء وحرف النسق مع الأخ ولا يجوز أيضا أمرت لعبد الله بدرهم ودينار أخيه ؛ لأن أخاه ليس إلى جانب ما عملت فيه اللام وحرف النسق مع دينار وتقول : ضربت زيد وعمرا ويجوز أن ترفع عمرا وهو مضروب فتقول ضربت زيدا وعمر تريد : وعمرو كذلك وإنما يجوز هذا إذا علم المحذوف ولم يلبس وتقول.

٤٦١

هذان ضارب زيدا وتاركه ؛ لأن الفعل لا يصلح هنا لو قلت : هذان يضرب زيدا ويتركه لم يجز وإنما جاز هذا في (فاعل) ؛ لأنه اسم فإذا قلت : هذان زيد وعمرو لم يجز إلا بالواو ؛ لأن الواو تقوم مقام التثنية والجمع.

واعلم أنه لا يجوز عطف الظاهر على المكني المتصل المرفوع حتى تؤكده نحو : قمت أنا وزيد وقام هو وعمرو قال الله عز وجل : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) [المائدة : ٢٤] ، فإن فصلت بين الضمير وبين المعطوف بشيء حسن نحو : ما قمت ولا عمرو ويجوز أن تعطف بغير تأكيد ولا يجوز عطف الظاهر على المكنى المخفوض نحو : مررت به وعمرو إلا أن يضطر الشاعر وتقول : أقبل إن قيل لك الحقّ والباطل إذا أمرت بالحقّ : أردت : أقبل الحقّ إن قيل لك هو والباطل.

قد ذكرنا جميع هذه الأسماء المرفوعة والمنصوبة والمجرورة وما يتبعها في إعرابها وكنت قلت في أول الكتاب أن الأسماء تنقسم قسمين : معرب ومبني ، فإن المعرب ينقسم قسمين :منصرف وغير منصرف وقد وجب أن يذكر من الأسماء ما ينصرف وما لا ينصرف ثم نتبعه المبنيات.

٤٦٢

ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف

اعلم أن معنى قولهم اسم منصرف أنه يراد بذلك إعرابه بالحركات الثلاث والتنوين والذي لا ينصرف لا يدخله جر ولا تنوين ؛ لأنه مضارع عندهم للفعل والفعل لا جرّ فيه ولا تنوين وجر ما لا ينصرف كنصبه كما أن نصب الفعل كجزمه والجر في الأسماء نظير الجزم في الفعل ؛ لأن الجر يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال وإنما منع ما لا ينصرف الصرف لشبهه بالفعل كما أعرب من الأفعال ما أشبه الاسم فجميع ما لا ينصرف إذا أدخلت عليه الألف واللام أو أضيف جرّ في موضع الجرّ وإنما فعل به ذلك ؛ لأنه دخل عليه ما لا يدخل على الأفعال وما يؤمن معه التنوين ألا ترى أن الألف واللام لا يدخلان على الفعل وكذلك الأفعال لا تضاف إلى شيء وأن التنوين لا يجتمع مع الألف واللام والإضافة وأصول الأسماء كلها الصرف وإنما في بعضها ترك الصرف وللشاعر إذا اضطر أن يصرف جميع ما لا ينصرف ونحن نذكر ما لا ينصرف منها ليعلم ما عداها منصرف.

٤٦٣

الأسباب التي تمنع الصرف تسعة

متى كان في الاسم اثنان منها أو تكرر واحد في شيء منها منع الصرف ، وذلك وزن الفعل الذي يغلب على الفعل والصفة والتأنيث الذي يكون لغير فرق والألف والنون المضارعة لألفي التأنيث والتعريف والعدل والجمع والعجمة وبناء الاسم مع الاسم كالشيء الواحد.

الأول : وزن الفعل :

فما جاء من الأسماء على أفعل أو يفعل أو تفعل أو نفعل أو فعل ويفعل وانضم معه سبب من الأسباب التي ذكرنا لم ينصرف فأفعل نحو أحمر وأصفر وأخضر لا ينصرف ؛ لأنه على وزن أذهب وأعلم وهي صفات فقد اجتمع فيها علتان وأحمد اسم رجل لا ينصرف ؛ لأنه على وزن أذهب فهو معرفة ففيه علتان ، فإن نكرته صرفته تقول : مررت بأحمد يا هذا وبأحمد آخر وأعصر اسم رجل لا ينصرف ؛ لأنه مثل أقتل وكذلك إن سميته بتنضب وترتب وتألب فأما تولب إذا سميت به فمصروف ؛ لأنه مثل جعفر ، فإن سميت على هذا رجلا بيضرب قلت : هذا يضرب قد جاء ومررت بيضرب ورأيت يضرب وكذلك : تضرب ونضرب واضرب ، وإن سميته بفعل قلت : هذا ضرب قد جاء ورأيت ضرب ، وإن سميته بضرب صرفته ؛ لأنه مثل حجر وجمل وليس بناؤه بناء يخص الأفعال ولا هي أولى به من الأسماء بل الأسماء والأفعال فيه مشتركة وهو كثير فيهما جميعا ، وإن سميت رجلا بنرجس لم تصرفه ؛ لأنه على مثال نصرب وليس في الأسماء شيء على مثال فعلل ولو كان فيها فعلل لصرفنا نرجس إذا سمينا به.

أما (نهشل) اسم رجل فمصروف ؛ لأنه على مثال (جعفر) وليس هو تفعل إنما هو فعلل ولكن لو سميت رجلا بتذهب لتركت صرفه فقلت : هذا تذهب ورأيت تذهب ومررت بتذهب وجميع هذه إذا نكرتها صرفتها تقول : مرت بتغلب وتغلب آخر ؛ لأنه قد زالت إحدى العلتين ، وهي التعريف ، فإن سميت بقام عمرو حكيت فقلت : هذا قام عمرو ورأيت قام

٤٦٤

عمرو وكذلك كل جملة يسمى بها نحو : تأبّط شرا تقول هذا تأبّط شرا وكذلك إذا سميته (بقاما) قلت : هذا قاما ورأيت قاما ومررت بقاما وهذا قاموا ورأيت قاموا ومررت بقاموا ، وإن سميت (بقام) وفي قام ضمير الفاعل حكيته فقلت : هذا قام قد جاء ومررت بقام يا هذا تدعه على لفظه لأنك لم تنقله من فعل إلى اسم إنما سميت بالفعل مع الفاعل جميعا رجلا فوجب أن تحكيه فأما إن سميت (بقام) ولا ضمير فيه فهو مصروف ؛ لأنه مثل باب ودار وقد نقلته من الفعل إلى الاسم ولو كان فعلا لكان معه فاعل ظاهر أو مضمر وكذلك لو سميت بقولك : زيد أخوك لقلت هذا زيد أخوك قد جاء ورأيت أخوك ومررت بزيد أخوك تحكي الكلام كما كان ، فإن سميت رجلا (بضربت) ولا ضمير فيه قلت : هذا ضربه فتقف عليه بهاء ؛ لأن الأسماء المؤنثة من هذا الضرب إذا وقفت عليها أبدلت التاء هاء تقول : هذا سلمة قد جاء فإذا وقفت قلت : سلمه وكذلك (ضربت) إذا سميت بها خرجت عن لفظ الأفعال ولزمها ما يلزم الأسماء وليست التاء في (ضربت) اسما ولو كانت اسما لحكى وقد ذكرنا فيما تقدم أن هذه التاء إنما تدخل في فعل المؤنث لتفرق بينه وبين فعل المذكر ، وإذا سميت (بضربت) وفيها ضمير الفاعلة حكيت فقلت : هذا ضربت قد جاء ورأيت ضربت ومررت بضربت ؛ لأن فيه ضميرا ولو أظهرت لقلت ضربت هي وكل اسم صار علما لشيء وهو على مثال الأفعال في أوله زياداتها لا تصرفه ، فإن سميت بأضرب أو أقبل قطعت الألف ولم تصرفه فقلت : هذا أضرب قد جاء وأذهب وأقبل قد جاء ؛ لأن ألف الوصل إنما حقها الدخول على الأفعال وعلى الأسماء الجارية على تلك الأفعال نحو : استضرب استضرابا وانطلق انطلاقا فأما الأسماء التي ليست بمصادر جارية على أفعالها فألف الوصل غير داخلة عليها وإنما دخلت في أسماء قليلة نحو : ابن وامرىء واست وليس هذا بابها ، وإن سميت رجلا (بتضارب) صرفته ؛ لأنه ليس على مثال الفعل فتقول : هذا تضارب قد جاء ومررت بتضارب ، فإن صغرته وهو معرفة قلت :تضيرب فلم تصرفه ؛ لأنه قد ساوى تصغير (تضرب) وأنت لو سميت رجلا (بتضرب) ثم صغرته وأنت تريد المعرفة لم تصرفه.

٤٦٥

وأفعل منك لا يصرف نحو : أفضل منك وأظرف منك ؛ لأنه على وزن الفعل وهو صفة ، فإن زال وزن الفعل انصرف ألا ترى أن العرب تقول : هو خير منك وشر منك وشر منك لما زال بناء (أفعل) صرفوه ، فإن سميت بأفعل مفردا أو معها (منك) لم تصرفها على حال ، وأما أجمع وأكتع فلا ينصرفان لأنهما على وزن الفعل وهما معرفتان لأنهما لا يوصف بهما إلا معرفة ، فإن ذكرتهما صرفتهما ، وإن سميت رجلا ضربوا فيمن قال : أكلوني البراغيث قلت : هذا ضربون قد جاء من قبل أن هذه الواو ليست بضمير فلما صار اسما صار مثل (مسلمون) والاسم لا يجمع بواو ولا نون معها ومن قال مسلمين قالت : ضربين وكذلك لو سميت (بضربا) قلت : ضربان قد جاء فيمن قال : أكلوني البراغيث ومن قال : مسلمين وعشرين لم يقل في مسلمات ملسمين ؛ لأن ذاك لما صار اسما لواحد شبه بعشرين ويبرين.

الثاني : الصفة التي تتصرف :

وذلك نحو : أفعل الذي له فعلاء نحو أحمر وحمراء وأصفر وصفراء وأعمى وعمياء وأحمر لا ينصرف ؛ لأنه على وزن الفعل وهو صفة وحمراء لا تتصرف ؛ لأن فيها ألف التأنيث وهي مع ذلك صفة ولو كان ألف التأنيث وحدها في غير صفة لم تنصرف ونحن نذكر ذلك في باب التأنيث والصفة لا تكون معرفة إلا بالألف واللام وكل بناء دخلته الألف واللام فهو منصرف ومتى صارت الصفة اسما فقد زال عنها الصفة فأما قائمة وقاعدة وما أشبه ذلك إذا وصفت بها فهو منصرف ؛ لأن هذه الهاء إنما دخلت فرقا بين المذكر والمؤنث وهي غير لازمة فهي مثل التاء في الفعل إذا قلت : ضربت وضربت وإنما يعتد بالتأنيث الذي لم يذكر للفرق وأجازوا مثنى وثلاث ورباع غير مصروف وذكر سيبويه أنه نكرة وهو معدول فقد اجتمع فيه علتان ، وإذا حقرت ثناء وأحاد صرفته لأنك تقول أحيد وثني فيصير مثل حمير فيخرج إلى مثال ما ينصرف.

الثالث التأنيث :

والمؤنث على ضربين : ضرب بعلامة وضرب بغير علامة فأما المؤنث الذي بالعلامة فالعلامة للتأنيث علامتان : الهاء والألف فالأسماء التي لا تنصرف مما فيها علامة فنحو : حمدة

٤٦٦

اسم امرأة وطلحة اسم رجل لا ينصرفان لأنهما معرفتان وفيهما علامة التأنيث ، فإن نكرتهما صرفتهما تقول : مررت بحمدة وحمدة أخرى وبطلحة وطلحة آخر وكل اسم معرفة فيه هاء التأنيث فهو غير مصروف فأما ألف التأنيث فتجيء على ضربين : ألف مفردة نحو بشرى وخبلى وسكرى وألف قبلها ألف زائدة نحو : صحراء وحمراء وخنفساء وكل اسم فيه ألف التأنيث ممدودة أو مقصورة فهو غير مصروف معرفة كان أو نكرة ، فإن قال قائل فما العلتان اللتان أوجبتا ترك صرف بشرى وإنما فيه ألف للتأنيث فقط قيل : هذه التي تدخلها الألف يبنى الاسم لها وهي لازمة وليست كالهاء التي تدخل بعد التذكير فصارت للملازمة والبناء كأنه تأنيث آخر وتضارع هذه الألف الألف التي تجيء زائدة للإلحاق إذا سميت بما يكون فيه ، وذلك نحو : ألف ذفرى وعلقى فيمن قال : علقاة وحبنطى ، فإن سميت بشيء منها لم تصرفه لأنها ألف زائدة كما إن ألف التأنيث زائدة وقد امتنع دخول الهاء عليها في المعرفة وأشبهت ألف التأنيث لذلك.

وحق كل ألف تجيء زائدة رابعة فما زاد أن يحكم عليها بالتأنيث حتى تقوم الحجة بأنها ملحقة ؛ لأن بابها إذا جاءت زائدة رابعة فما زاد فللتأنيث لكثرة ذلك واتساعه والإلحاق يحتاج إلى دليل لقلته والدليل الذي تعلم به الألف الملحقة أن تنون وتدخل عليها هاء نحو من جعل علقى ملحقة فنون وألحق الهاء فقال : علقاة ولهذا موضع يبين فيه وإنما شبهت ألف حبنطى بألف التأنيث كما يثبت الألف والنون في عثمان بالألف والنون في غضبان لما تعرف عثمان وصار لا يدخله التأنيث ، فإن صغرت علقى اسم رجل صرفته ، وإن سميت رجلا بمعزى لم تصرفه ، وإن صغرته لم تصرفه أيضا ؛ لأنه اسم لمؤنث فأما من ذكر معزى فهو يصرفه وتترى فيها لغتان كعلقى فأما أرطى ومعزى فليس فيه إلا لغة واحدة الإلحاق والتنوين ، فإن سميت بهما لم تصرفهما كما ذكرت لك ، وإن سميت بعلباء صرفته ؛ لأنه ملحق بسرداح تقول عليبى كما تقول : سريديح ولو كانت للتأنيث لقلت علبياء.

وأما التأنيث بغير علامة فنحو : زينب وسعاد لا ينصرفان لأنهما اسمان لمؤنث ، وإن سميت امرأة باسم على أربعة أحرف أصلية أو فيها زائدة فما زاد لم يصرف ؛ لأن الحرف الرابع

٤٦٧

بمنزلة الهاء ؛ لأن الهاء لا تكون إلا رابعة فصاعدا إلا في اسم منقوص نحو : ثبة وكذلك إن سميت مذكرا باسم مؤنث لا علامة فيه ولم تصرفه نحو رجل سميته بعناق وسعاد وقالوا : إنّ أسماء اسم رجل إنما لم يصرف وهو جمع اسم على أفعال وحق هذا الجمع الصرف ؛ لأنه من أسماء النساء فلما سمي به الرجل لم يصرف ولو قال قائل : إنما هو فعلاء أرادوا أسماء وأبدلوا الواو همزة كما قال في وسادة إسادة لكان مذهبا ، فإن سميت مؤنثا باسم ثلاثي متحرك الأوسط فهو غير مصروف نحو : امرأة سميتها بقدم ، فإن كان الثلاثي ساكن الأوسط نحو : هند ودعد وجمل فمن العرب من يصرف لخفة الاسم وأنه أقل ما تكون عليه الأسماء من العدد والحركة ومنهم من يلزم القياس فلا يصرف ، فإن سميت امرأة باسم مذكر ، وإن كان ساكن الأوسط لم تصرفه نحو زيد وعمرو ؛ لأن هذه من الأخف وهو المذكر إلى الأثقل وهو المؤنث فهذا مذهب أصحابنا وهو في هذا الموضع نظير رجل سميته بسعاد وزينب وجيأل فلم تصرفه لأنها أسماء اختص بها المؤنث وهو على أربعة أحرف والرابع كحرف التأنيث ، وإن سموا رجلا بقدم وخشل صرفوه وحقروه فقالوا : قديم.

الرابع : الألف والنون اللتان يضارعان ألفي التأنيث :

اعلم أنهما لا يضارعان ألفي التأنيث إلا إذا كانتا زائدتين زيدا معا كما زيدت ألفا التأنيث معا ، وإذا كانتا لا يدخل عليهما حرف تأنيث كما لا يدخل على ألفي التأنيث تأنيث ، وذلك نحو : سكران وغضبان لأنك لا تقول : سكرانة ولا غضبانة إنما تقول : غضبى وسكرى فلما امتنع دخول حرف التأنيث عليهما ضارعا التأنيث وكذلك كل اسم معرفة في آخره ألف ونون زائدتان زيدا معا فهو غير مصروف ، وذلك نحو : عثمان اسم رجل لا تصرفه ؛ لأنه معرفة وفي آخره ألف ونون وهما في موضع لا يدخل عليهما التأنيث ؛ لأن التسمية قد حظرت ذلك فهذا مثل حبنطى وذفرى إذا سميت بهما لما حظرت التسمية دخول الهاء اشبهت الألف ألف التأنيث فلم تصرف في المعرفة وصرف في النكرة وكذلك عثمان غير مصروف في المعرفة ، فإن نكرته صرفته ؛ لأنه في نكرته كعطشان الذي له عطشى وكذلك إذا سميته بعريان وسرحان وضبعان لم تصرفه ، فإن نكرته صرفته ، وإن حقرت سرحان اسم رجل صرفته فقلت :

٤٦٨

سريحين ؛ لأنه ملحق بسرداح في نكرته ولكنك إن حقرت عثمان فقلت : عثيمان لم تصرفه وتركت الألف والنون على حالهما كما فعلت بألفي التأنيث إذا قلت : حميراء فعثمان مخالف كسرحان كأنه إنما بني هذا البناء في حال معرفته وهذا يبين في التصغير ، وإن سميت بطحان من الطحن وسمان من السمن وتبان من التبن صرفت جميع ذلك ، وإن سميت بدهقان من الدهق لم تصرفه ، وإن سميته من التدهقن صرفته.

وكذلك شيطان إن كان من التشيطن صرفته ، وإن كان من شيّط لم تصرفه.

وقال سيبويه : سألت الخليل عن رمّان فقال : لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف يعني أنه إذا سمي لم يصرفه في المعرفة ؛ لأنه لا يدري من أي شيء اشتقاقه فحمله على الأكثر والأكثر زيادة الألف والنون قال : وسألته عن سعدان ومرجان.

فقال : لا أشكّ في أن هذه النون زائدة ؛ لأنه ليس في الكلام مثل : سرداح ولا فعلال إلا مضعفا ولو جاء شيء على مثال جنجان لكانت النون عندنا بمنزلة نون مرّان إلا أن يجيء أمر يبين أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه.

قال أبو العباس : صرف جنجان ؛ لأن المضاعف من نفس الحرف بمنزلة خضخاض ونحوه فأما عوغاء فيختلف فيها فمنهم من يجعلها كخضخاض فيصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة عوراء فلا يصرف.

الخامس : التعريف :

متى ما اجتمع مع التعريف التأنيث أو وزن الفعل أو العجمة أو العدل أو الألف والنون لم يصرف فالتأنيث نحو : طلحة وحمزة وزينب اجتمع في هذه الأسماء أنها مؤنثات وأنها معارف والألف والنون مثل عثمان والعدل مثل عمر وسحر ووزن الفعل مثل أحمد ويشكر والعجمة نحو : إبراهيم وإسماعيل ويعقوب فجميع هذه لا تصرف لإجتماع العلتين فيها ، فإن سميت بيعقوب وأنت تريد ذكر القبح صرفته ؛ لأنه مثل يربوع فأما الصفة والجمع فإنهما لا يجتمعان مع التعريف بالتسمية ؛ لأن الصفة إذا سمي بها زال عنها معنى الصفة والجمع لا يكون معرفة أبدا إلا بالألف واللام ، فإن سميت بالجمع الذي لا ينصرف رجلا نحو : مساجد

٤٦٩

لم تصرفه وقلت : هذا مساجد قد جاء إنما لم يصرف ؛ لأنه معرفة وإنه مثال لا يكون في الواحد فأشبه الأعجمي المعرفة ، فإن صغرته صرفته فقلت : مسيجد ؛ لأنه قد عاد البناء إلى ما يكون في الواحد مثله وصار مثل مييسر.

وقال سيبويه : سراويل واحد أعرب وهو أعجمي وأشبه من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فهو مصروف في النكرة.

وإن سميت به لم تصرفه ، وإن حقرته اسم رجل لم تصرفه ؛ لأنه مؤنث مثل عناق وعناق إذا سميت به مذكرا لم تصرفه ، وأما شراحيل فمصروف في التحقير ؛ لأنه لا يكون إلا جمعا وهو عربيّ وقال الأخفش : الجمع الذي لا ينصرف إذا سميت به إن نكّرته بعد ذل لك لم تصرفه أيضا.

السادس : العدل :

ومعنى العدل أن يشتق من الاسم النكرة الشائع اسم ويغير بناؤه إما لإزالة معنى إلى معنى وإما ؛ لأن يسمى به فأما الذي عدل لإزالة معنى إلى معنى فمثنى وثلاث ورباع وآحاد فهذا عدل لفظه ومعناه عدل عن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين وعن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى وكذلك أحاد عدل عن لفظ واحد إلى لفظ أحاد وعن معنى واحد إلى معنى واحد واحد وسيبويه يذكر أنه لم ينصرف ؛ لأنه معدول وأنه صفة ولو قال قائل : إنه لم ينصرف ؛ لأنه عدل في اللفظ والمعنى جميعا وجعل ذلك لكان قولا : فأما ما عدل في حال لتعريف فنحو : عمر وزفر وقثم عدلن عن عامر وزافر وقائم أما قولهم : يا فسق فإنما أرادوا : يا فاسق وقد ذكر في باب النداء وسحر إذا أردت سحر ليلتك فهو معدول عن الألف واللام فهو لا يصرف تقول :لقيته سحر يا هذا فاجتمع فيه التعريف.

والعدل عن الألف واللام ، فإن أردت سحرا من الأسحار صرفته ، وإن ذكرته بالألف واللام أيضا صرفته فأما ما عدل للمؤنث فحقه عند أهل الحجاز البناء ؛ لأنه عدل مما لا ينصرف فلم يكن بعد ترك الصرف إلا البناء.

٤٧٠

ويجيء على (فعال) مكسور اللام نحو : حذام وقطام وكذلك في النداء نحو : يا فساق ويا غدار ويا لكاع ويا خباث فهذا اسم الخبيث واللكعاء والفاسقة وفعال في المؤنث نظير فعل في المذكر وقد جاء هذا البناء اسما للمصدر فقالوا : فجار يريدون : فجرة وبداد يريدون : بددا ولا مساس يريدون : المسّ ويجيء اسما للفعل نحو : مناعها أي امنعها وحذار اسم احذر ومما عدل عن الأربعة : قرقار يريدون : قرقر وعرعار وهي لعبة ونظيرها من الثلاثة : خراج أي أخرجوا وهي لعبة أيضا وجميع ما ذكر إذا سمي به امرأة فبنو تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسم لا ينصرف فأما ما كان آخره راء ، فإن بني تميم وأهل الحجاز يتفقون على الحجازية وذلك : سفار وهو اسم ماء وحضار اسم كوكب ، قال سيبويه : يجوز الرفع والنصب ، قال الأعشى :

ومرّ دهر على وبار

فهلكت جهرة وبار (١)

__________________

(١) هذا البيت من شواهد النحويين ، وأول من استشهد به سيبويه : على أن وبار رفع ، والمطرد فيما كان آخره راء من وزن فعال أن يبنى على الكسر في لغة الحجاز.

وأورده شراح الألفية شاهدا على ورود وبار على اللغتين : إحداهما البناء على الكسر ، والثانية إعرابها إعراب ما لا ينصرف. وزعم أبو حيان : أنه يحتمل أن يكون وبار الثاني فعلا ماضيا مسندا إلى الواو. قال الأعلم : " وبار : اسم أمة قديمة من العرب العاربة هلكت وانقطعت كهلاك عاد وثمود".

وقال البكري في" معجم ما استعجم" : " قال أبو عمرو : وبار بالدهناء ، بلاد بها إبل حوشية ، وبها نخل كثير لا يأبره أحد ولا يجده ؛ وزعم أن رجلا وقع إلى تلك الأرض ، فإذا تلك الإبل ترد عينا وتأكل من ذلك التمر ، فركب فحلا منها ووجهه قبل أهله ، فاتبعته تلك الإبل الحوشية فذهب إلى أهله.

وقال الخليل : وبار كانت محلة عاد ، وهي بين اليمن ورمال يبرين ؛ فلما أهلك الله عادا ورث محلتهم الجن ، فلا يتقاربها أحد من الناس ؛ وهي الأرض التي ذكرها الله تعالى في قوله : "وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ".

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : كان من شأن دعيميص الرمل العبدي ، الذي يضرب به المثل فيقال :أهدى من دعيميص الرمل ، إنه لم يكن أحد دخل أرض وبار غيره ، فوقف بالموسم بعد انصرافه من وبار ، وجعل ينشد :

من يعطني تسعا وتسعين نعجة

هجانا وأدما أهده لوبار

٤٧١

وجمع هذا إذا سمي به المذكر لم ينصرف ؛ لأن هذا بناء بني للتأنيث وحرك بالكسر لذلك ؛ لأن الكسرة من الياء والياء يؤنث بها وهو متصرف في النكرة ومنهم من يصرف رقاش وعلاب إذا سمي به كأنه سمي بصباح ، وإذا كان اسما على فعال لا يدري ما أصله بالقياس صرفه ؛ لأنه لم يعلم له علة توجب إخراجه عن أصله وأصل الأسماء الصرف وكل (فعال) جائز متى كانت من (فعل أو فعل أو فعل ولا يجوز من أفعلت) ؛ لأنه لم يسمع من بنات الأربعة إلا قرقار وعرعار وفعال إذا كان أمرا نصب بعده وليس يطرد (فعال) إلا في النداء وفي الأمر.

السابع : الجمع الذي لا ينصرف :

وهو الذي ينتهي إليه الجموع ولا يجوز أن يجمع وإنما منع الصرف ؛ لأنه جمع جمع لا جمع بعده ألا ترى أن أكلبا جمع كلب ، فإن جمع أكلبا قلت : أكالب فهذا قد جمع مرتين فكل ما كان من هذا النوع من الجموع التي تشبه التصغير وثالثه ألف زائدة كما أن ثالث التصغير ياء زائدة وما بعده مكسور كما أن ما بعد ثالث التصغير مكسور فهو غير منصرف ، وذلك نحو : دراهم ودنانير فدراهم في الجمع نظير دريهم في التصغير ودنانير نظير دنينير فليس بين هذا الجمع وبين التصغير إلا ضمة الأول في التصغير وفتحة في الجمع ، وإن ثالث التصغير ياء وثالث هذا ألف فهذا الجمع الذي لا ينصرف.

فإن أدخلت الهاء على هذا الجمع انصرف ، وذلك نحو : صياقلة ؛ لأن الهاء قد شبهته بالواحد فصار كمدائني لما نسبت إلى مدائن انصرف وكان قبل التسمية لا ينصرف الإعراب على الباء كما وقع على ياء النسب ، فإن كان هذا الجمع فيما لامه ياء مثل جوار نونت في الجر

__________________

فلم يجبه أحد من أهل الموسم إلا رجل من مهرة ، فإنه أعطاه ما سأل ؛ وتحمل معه في جماعة من قومه بأهلهم وأموالهم ؛ فلما توسطوا الرمل طمست الجن بصر دعيميص ، واعترته الصرفة فهلك هو ومن معه جميعا. انظر خزانة الأدب ١ / ٢٥٠.

٤٧٢

والرفع ؛ لأن هذه الياء تحذف في الوقت في الجر والرفع فعوضت النون من ذلك ، وإذا وقعت موضع النصب بنيت الياء ولم تصرف وقلت : رأيت جواري يا هذا.

وقال أبو العباس رحمه الله : قال أبو عثمان : كان يونس وعيسى وأبو زيد والكسائي ينظرون إلى جوار وبابه أجمع فكل ما كان نظيره من غير المعتل مصروفا صرفوه وإلا لم يصرفوه وفتحوه في موضع الجر كما يفعلون بغير المعتل يسكنونه في الرفع خاصة وهو قول أهل بغداد والصرف الذي نحن عليه في الجر والرفع هو قول الخليل وأبي عمرو بن العلاء وابن أبي إسحاق وجميع البصريين.

قال أبو بكر : فأما الياء في (ثمان) فهي (ياء نسب) وكان الأصل ثمني مثل يمني فحذفت إحدى اليائين وأبدلت منها الألف كما فعل ذلك بيمني حين قالوا : يمان يا هذا وقد جعل بعض الشعراء ثماني لا ينصرف.

قال الشاعر :

يحدو ثماني مولعا بلقاحها (١) ...

__________________

(١) على أن" ثماني" لم يصرف في الشعر شذوذا ، لما توهم الشاعر أن فيه معنى الجمع ولفظه يشبه لفظ الجمع ، وكان القياس أن يقول : ثمانيا.

قال ابن السيد : في" ثماني" لغتان : الصرف لأنه اسم عدد وليس بجمع ، ومنع الصرف لأنه جمع من جهة معناه ، لأنه عدد يقع للجمع ، بخلاف يمان وشآم ، لأنه غير جمع وفيه جمع ، فإن س وغيره قالوا : إنه شاذ ، توهم الشاعر فيه معنى الجمع فلم يصرفه. ولم يقل أحد إنه لغة.

وفي" شرح شواهد الكتاب" للنحاس : قال سيبويه : " وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذاري : حدثني أبو الخطاب ، أنه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منون. وسمعت أبا الحسن يقول : إن هذا الأعرابي غلط وتوهم أن ثماني جمع على الواحد وتوهم أنه من الثمن". أي : توهم أن الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها.

وقال الأعلم الشنتمري : كأنه توهم أن واحد ثمنية كحذرية ثم جمع فقال ثماني كما يقال حذاري في جمع حذرية ، والمعروف صرفها على أنها اسم واحد أي : بلفظ المنسوب ، نحو يمان. والحذرية ، ـ بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وتخفيف المثناة التحتية : قطعة غليظة من الأرض. انظر خزانة الأدب ١ / ٥٥.

٤٧٣

وأما بخاتي فلا ينصرف ؛ لأن الياء لغير النسب وهي التي كانت في بختية وكذلك كرسي وكراسي وقمري وقماري.

الثامن : العجمة :

الأسماء الأعجمية الأعلام غير مصروفة إذا كانت العرب إنما أعربتها في حال تعريفها نحو : إسحاق وإبراهيم ويعقوب ؛ لأن العرب لم تنطق بهذه إلا معارف ولم تنقلها من تنكير إلى تعريف فأما ما أعربته العرب من النكرات من كلام العجم وأدخلت عليه الألف واللام فقد أجروه مجرى ما أصل بنائه له ، وذلك نحو : ديباج وإبريسم ونيروز وفرند وزنجبيل وشهريز وآجر فهذا كله قد أعربته العرب في نكرته وأدخلت عليه الألف واللام فقالوا : الديباج والشهريز والنيروز والفرند فجميع هذا إذا سميت به مذكرا صرفته ؛ لأن حكمه حكم العربي ، فإن كان الاسم العلم ثلاثيا صرفوه لخفته نحو : نوح ولوط ينصرفان على كل حال.

التاسع : الاسمان اللذان يجعلان اسما واحدا :

والأول منهما مفتوح والثاني بمنزلة ما لا ينصرف في المعرفة ويتصرف في النكرة وهو مشبه بما فيه الهاء ؛ لأن ما قبله مفتوح كما أن ما قبل الياء مفتوح وهو مضموم إلى ما قبله كما ضمت الهاء إلى ما قبلها ، وذلك نحو : حضر موت وبعلبك ورام هرمز ومارسرجس ومنهم من يضيف ويصرف ومنهم من يضيف ولا يصرف ويجعل كرب في (معدي كرب) مؤنثا ومنهم من يقول : معد يكرب يجعله اسما واحدا إلا أنهم لا يفتحون الياء ويتركونها ساكنة يجعلونها بمنزلة الياء في دردبيس وكذلك إذا أضافوا يقولون : رأيت معدي كرب يلزمون الياء الإسكان استثقالا للحركة فيها.

٤٧٤

مسائل من هذا الباب

قال أبو العباس : قال سيبويه : تصرف رجلا سميته قيل أورد اللتين تقديرهما فعل فقيل له : لم صرفتهما وفعل لا ينصرف في المعرفة ؛ لأنه مثال لا تكون عليه الأسماء فقال : لما سكنت عيناهما ذهب ذلك البناء وصارا بمنزلة فعل وفعل قيل له : فكيف تزعم أنك إذا قلت لقضو الرجل ثم أسكنت على قول من قال في عضد عضد قلت : لقضو الرجل ولم ترد الياء ، وإن كانت الضمة قد ذهبت لأنك زعمت تنويها وأنك لم تبنها على (فعل) ولكنك أسكنتها من (فعل) فذلك البناء في نيتك وكذلك تقول في (ضوء) كما ترى إذا خففت الهمزة (ضو) فأثبت واوا طرفا وقبلها حركة ومثل هذا لا يكون في الكلام فقلت : إنما جاز هذا ؛ لأن حركتها إنما هي حركة الهمز لأنها الأصل فهي في النية واشباه هذا كثير فلم لم تترك الصرف في قيل وردّ اللتين هما فعل ؛ لأن الإسكان عارض والحركات في النية قال : فالجواب في ذلك أنه حين قال لقضو الرجل فأسكن الضاد إنما سكنها من شيء مستعمل يتكلم به فالإسكان فيه عارض ؛ لأن قولهم المستعمل إنما هو لقضو ثم يسكنون وكذلك الهمزة المخففة إنما المستعمل إثباتها ثم تخفف استثقالا فيقولون : ضو وقضو استخفافا ، وأما قيل وردّ فلا يستعمل الأصل منهما البتة لا يقال : قول ثم يخفف ولا ردد فهذا يجري مجرى ما لا أصل له إلا ما يستعمل.

ولذلك قالوا في تصغير سماء سمية ؛ لأن هذه الياء لا يستعمل إلا حذفها فلذلك دخلت الهاء وصارت بمنزلة ما أصله الثلاثة وقياس هذا القول أنك إذا سميت رجلا : (ضرب) ثم أسكنت فقلت ضرب لم تصرفه ؛ لأن الأصل يستعمل ، وإن أسكنت فقلت (ضرب) التي هي فعل ثم سميت بها مسكنة وجب أن تصرف ؛ لأن الأصل لم يقع في الاسم قط وأنه لم يسم به إلا مسكنا والدليل على ذلك أنهم إذا سموا رجلا جيأل ثم خففوا الهمزة قالوا : جمل ولم يصرفوه وقال : سئل التوزي وروي عن أبي عبيدة أنه يقال للفرس الذكر لكع والأنثى لكعة فهل ينصرف لكع على هذا القول فالجواب في ذلك : أن لكعا هذه تنصرف في المعرفة ؛ لأنه ليس ذلك المعدول الذي يقال للمؤنث منه (لكاع) ولكنه بمنزلة : حطم ، وإن كان حطم صفة ؛

٤٧٥

لأنه اسم ذكره من باب صرد ونغر فلم يؤخذ من مثال عامر فيعدل في حالة التعريف إلى عمر ونحوه وقال : الأسماء الأعجمية التي أعربتها العرب لا يجيء شيء منها على هيئته وأنت إذا تفقدت ذلك وجدته في إبراهيم وإسحاق ويعقوب وكذلك فرعون وهامان وما أشبهها لأنها في كلام العجم بغير هذه الألفاظ فمن ذلك أن إبراهيم بلغة اليهود منقوص الياء ذاهب الميم وأن سارة لما أعربها نقصت نقصا كبيرا وكذلك إسحاق والأسماء العربية ليس فيها تغيير ويبين ذلك أن الإشتقاق فيها غير موجود ولا يكون في العربية نعت إلا باشتقاق من لفظه أو من معناه ولو قال قائل : هل يجوز أن يصرف إسحاق كنت مشتركا إن كان مصدر إسحاق السفر إسحاقا تريد : أبعده إبعادا فهو مصروف ؛ لأنه لم يغير والسحيق : البعيد قال الله عز وجل : (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحج : ٣١] ، وإن سميته إسحاق اسم النبي تصرفه ؛ لأنه قد غير عن جهته فوقع في كلام العرب غير معروف المذهب وكذلك يعقوب الذي لم يغير وإنما هو اسم طائر معروف قال الشاعر :

عال يقصّر دونه اليعقوب (١) ...

فإذا سمينا بهذا صرفناه ، وإن سميناه يعقوب اسم النبي لم تصرفه ؛ لأنه قد غير عن جهته فوقع غير معروف المذهب وإنما جاء في القرآن في مواضع من صرف عاد وثمود وسبأ فالقول فيها : أنها أسماء عربية وأن القوم عرب في أنفسهم فقوله عز وجل : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ) [الفرقان : ٣٨] وإنما هم آباء القبائل كقولك : جاءتني تميم وعامر إنما هو قبيلة تميم وقبيلة عامر فحذف قبيلة كقولك : واسأل القرية فأما عاد فمنصرف اسم رجل على كل حال ؛ لأن كل عجمي لا علامة للتأنيث فيه على ثلاثة أحرف فهو مصروف ، وأما ثمود فهو فعول من الثّمد وهو الماء القليل فمن صرفه جعله أبا للحي والحي نفسه ، وأما سبأ فهو جد بني قحطان والقول فيه كالقول في ثمود وعاد والأغلب فيه أنه الأب والأكثر في القراءة : (لَقَدْ

__________________

(١) انظر الحيوان للجاحظ ١ / ٤٢٨.

٤٧٦

كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ)(١) [سبأ : ١٥] و (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : ٢٢] وتقول :

هو اسم امرأة وهي أمهم وليس هذا بالبعيد قال النابغة الجعدي :

من سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما (٢)

__________________

(١) قرأ أبو عمرو ، والبزي : لسبأ بالفتح.

وقرأ الباقون : لسبأ مجرور.

فمن فتح وترك الصرف ، فلأنه جعل (سبأ) اسما للقبيلة ، ومن صرف وكسر جعل (سبأ) اسما لرجل ، أو لحي.

قرأ الكسائي : لسبأ في مسكنهم بكسر الكاف.

وقرأ حفص ، وحمزة : في مسكنهم بفتح الكاف.

وقرأ الباقون : مساكنهم على الجمع.

فمن قرأ : مساكنهم أتى باللفظ وفقا للمعنى ؛ لأن لكل ساكن مسكنا فجمع ، و (المساكن) جمع (مسكن) الذي هو اسم للموضع ، من : (سكن ، يسكن).

وحجتهم : أنها مضافة إلى جماعة (فمساكنهم) بعددهم ، ويقوي الجمع : إجماع الجميع على قوله : (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ.)

ومن قرأ : مسكنهم بالفتح يشبه أن يكون جعل (المسكن) مصدرا ، وحذف المضاف ، والتقدير : في مواضع سكناهم ، فلما جعل المسكن كالسكن أفرد كما تفرد المصادر ، وعلى هذا قوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي : في موضع قعود ، ألا ترى أن لكل واحد من المتقين موضع قعود.

ومن قرأ : مسكنهم جعله اسم الموضع الذي يسكنون فيه ، وإنما وحد ؛ لأنه أراد بلدهم ، وقد يجوز أن يراد بذلك جمع (المساكن) ، ثم يؤدي الواحد عن الجمع.

قال الكسائي : (مسكن ومسكن) لغتان ، قال نحويو البصرة : والأشبه فيه الفتح ؛ لأن اسم المكان من : (فعل يفعل) على (المفعل) بالفتح ، وإن لم يرد المكان ، ولكن أراد المصدر ، فالمصدر ـ أيضا

٤٧٧

مأرب : موضع ، والعرم : هذا الذي يسمى السكر والسكر فهو من قولك : سميته سكرا.

والسّكر : اسم الموضع وتقول : كل أفعل يكون وصفا وكل أفعل يكون اسما وكل أفعل أردت به الفعل نصب أبدا ؛ لأن (كل) لا يليها اسم علم إلا أن تريد كل أجزائه فأما إذا وليها اسم مفرد يقوم مقام الجمع فلا يكون إلا نكرة وقد بنيت ذا فيما تقدم وتقول : أفعل إذا كان وصفا فقصته كذا فتترك صرفه كما تترك صرف أفعل إذا كان معرفة وإنما صار معرفة لأنك إذا أردت هذا البناء فقط وهذا الوزن فصار مثل زيد الذي يدل على شيء بعينه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول الأفعل ، وإذا كان كذا فقضيته كذا ؛ لأنه لا ثاني له.

فإن قلت : هذا رجل أفعل فلا تصرفه ؛ لأنه موضع حكاية حكيت بها رجلا أحمر كقولك : كلّ أفعل زيد نصب أبدا إذا مثلت به الفعل خاصة وتقول : هذا رجل فعلان فتصرف ؛ لأنه قد يكون هذا البناء منصرفا إذا لم يكن له فعلى ، فإن قلت فعلان إذا كان من قصته كذا فجئت به اسما لا يشركه غيره لم تصرف وتقول : كل فعلى أو فعلى كانت ألفها لغير التأنيث انصرفت ، وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم تنصرف ؛ لأن ما فيه ألف التأنيث لا

__________________

أطرح بالكافرين في الدرك ا

لأسفل يا رب أصطلي الضرما

يا أيها الناس هل ترون إلى

فارس بادت وخر من دعما

أمسوا عبيدا يرعون شاءكم

كأنما كان ملكهم حلما

أو سبا الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما

وأنشد بعده : الكامل

ولقد نزلت فلا تظني غيره

مني بمنزلة المحب المكرم

على أن ظن يقل فيها نصب المفعول الواحد ، فإن معناه هنا لا تظني شيئا غير نزولك. وصحة هذا المعنى لا تقتضي تقدير مفعول آخر.

وفيه رد للنحويين ، فإنهم قالوا : المفعول الثاني لظن محذوف اختصارا لا اقتصارا.

وبه استشهد شراح الألفية ، وقالوا : تقديره : فلا تظني غيره واقعا ، أو حقا. وجملة : فلا تظني غيره ، معترضة بين نزلت ، وبين متعلقة ، وهو مني. انظر خزانة الأدب ٣ / ٣١٧.

٤٧٨

ينصرف في معرفة ولا نكرة وقال الأخفش : لو سميت رجلا بخمسة عشر لقلت : هذا خمسة عشر قد جاء وهذا خمسة عشر آخر ومررت بخمسة عشر مقبلا وتقول : بلال اباذ : ومثل ذلك مائة دينار يعني إذا جعلت مائة مع دينار اسما واحدا.

قال أبو بكر : وما استعملته العرب مضافا وعرف ذلك في كلامها فلا يجوز عندي أن يجعل المضاف والمضاف إليه بمنزلة خمسة عشر من قبل أنهم قد فرقوا بين مائة دينار وخمسة عشر ؛ لأن خمسة عشر عددان فجعلا اسما واحدا للمعنى وهما بمنزلة عشرة لإختلاط العدد بعضه ببعض ومائة دينار ليس كذلك ؛ لأن دينارا هو مفسر المعدود والذي ذهب إليه الأخفش : أن مائة دينار إضافته غير إضافة حقيقية ؛ لأنه مميز وليس كإضافة صاحب دينار ولا إضافة عبد الله واعلم أن من أضاف معدي كرب وحضر موت يقول : هذا رامهرمز يا فتى فترفع (رام) ولا تصرف هرمز ؛ لأنه أعجمي معرفة.

واعلم أنه لا يصلح أن يجعل مثل : مدائن محاريب ولا مثل : مساجد محاريب ولا مثل :جلاجل سلاسل اسما واحدا مثل حضر موت ؛ لأنه لم يجيء شيء من هذه الأمثلة اسمان يكون منهما اسما واحدا ، فإن جاء فالقياس فيه أن يجعل كحضر موت وأن ينصرف في النكرة وقال الأخفش : إنما صرفته لأني قد حولته إلى باب ما ينصرف في النكرة وخرج من حد البناء الذي لا ينصرف لأني إنما كنت لا أصرفه ؛ لأنه على مثال لا يجيء في الواحد مثله وأنت الآن لا يمنعك البناء.

ألا ترى أنك حين أدخلت في الجمع الهاء صرفته في النكرة نحو : صياقلة وجحاجحة لما دخل في غير بابه قال : فإن قلت : ما بالي إذا سميت رجلا بمساجد لم أصرفه في النكرة قلت على بناء منعه من الصرف ولم يزل لذلك البناء حيث سميت به ، وإذا سميته بمساجد محاريب وجعلته اسما واحدا فقد صغته غير الذي كان وبنيته بناء آخر وكذلك لو سميت رجلا بواحد حمراء وواحدة بشرى أو رجل بيضاء وأنت تريد أن تجعله اسما واحدا مثل حضر موت انصرف في النكرة ؛ لأن الألف ليست للتأنيث في هذه الحال ألا ترى أنك لو رخّمته حذفت الاسم الآخر ولم تكن تحذف الهاء وينبغي في القياس إن بنيته أن تهمز فتقول واحدة حمران ورجل

٤٧٩

بيضان ؛ لأن الألف ليست للتأنيث عنده في هذه الحال ولو أسميت امرأة ببنت وأخت لوجب أن يجريهما مجرى من أجرى جملا وهندا ؛ لأن هذه التاء بدل من واو وأخت في التقدير كقفل وبنت كعدل ولو كانت التاء تاء التأنيث لكان ما قبلها مفتوحا وكانت في الوقف هاء وقوم لا يجرونها في المعرفة ، فإن سميت رجلا بهنة وقد كانت في هنت ياء هذا قلت : هنه يا فتى فلم تصرف وصارت هاء في الوقف وتقول : ما في يدك إلا ثلاثة إذا أردت المعرفة والعدد فقط ؛ لأنه اسم لا ثاني له وهذا كما عرفتك في (أفعل) البناء الذي تريد به المعرفة فإذا أردت ثلاثة من الدراهم وغير ذلك تنكر وصرفته فأما إذا قلت : ثلاثة أكثر من اثنين وأقل من أربعة تريد هذا العدد فهو معرفة غير مصروف ولا يجوز : رب ثلاثة أكثر من اثنين ولو سميت امرأة بغلام زيد لصرفت زيدا ؛ لأن الاسم إنما هو غلام زيد جميعا والمقصود هو الأول كما كان قبل التسمية وكذلك : ذات عرق ؛ لأن الاسم (ذات) دون عرق وكذلك أم بكر وعمرو تجر بكرا وعمرا وكذلك أم أناس وقوم لا يصرفون أم أناس ؛ لأنه ليس بابن لها معروف فصار اسما وينشدون :

وإلى ابن أمّ أناس تعمد ناقتي

واعلم أن أسماء البلدان والمواضع ما جاء منها لا ينصرف فإنما يراد به أنه اسم للبلدة والبقعة وما أشبه ذلك وما جاء منها مصروفا فإنما يراد به البلد والمكان ووقع هذا في المواضع ؛ لأن تأنيثه ليس بحقيقي وإنما المؤنث في الحقيقة هو الذي له فرج من الحيوان فمن ذلك : واسط وهو اسم قصر ودابق وهو نهر وهجر ذكر ومنى ذكر والشام ذكر والعراق ذكر ، وأما ما يذكر ويؤنث فنحو : مصر واضاخ وقباء وحراء وحجر وحنين وبدر ماء وحمص وجور وماه : لا ينصرف ؛ لأن المؤنث من الثلاثة الأحرف الخفيفة إن كان أعجميا لم ينصرف ؛ لأن العجمة قد زادته ثقلا وإنما صرفته ومن صرفه فلأنه معرفة مؤنث فقط لخفته في الوزن : فعادل في خفة أحد الثقلين فلما حدث ثقل ثالث قاوم الخفة وتقول : قرأت هودا إذا أردت سورة هود فحذفت سورة ، وإن جعلته اسما للسورة لم تصرف لأنك سميت مؤنثا بمذكر ، وإن سميت امرأة بأم صبيان لم تصرف (صبيان) لأنك لو سميت به وحده لم تصرفه ؛ لأن الألف والنون فيه زائدتان وقد صار معرفة وهو ، وإن كان لم تتقدم التسمية به فتحكمه حكم ذلك ، وإن

٤٨٠