الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

قال أبو العباس وغيره : نجيز نصب الخبر على التشبيه ب (ليس) كما فعل ذلك في ما.

قال أبو بكر : وهذا هو القول ؛ لأنه لا فصل بينهما وبين (ما) في المعنى.

قال أبو علي الفارسي : القول غير هذا ول (إن) المخففة أربعة مواضع : (إن) التي تكون في الجزاء نحو : إن تأتني آتك.

والثاني : أن تكون في معنى (ما) نفيا تقول : إن زيد منطلق تريد : ما زيد منطلق.

والثالث : أن تدخل زائدة مع (ما) فتردها إلى الابتداء كما تدخل (ما) على إن الثقيلة فتمنعها عملها ، وذلك قولك : ما إن يقوم زيد وما إن زيد منطلق ولا يكون الخبر إلا مرفوعا قال الشاعر فروة بن مسيك :

وما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودوله آخرينا (١)

الرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر ولم يجز غير ذلك لما خبرتك به وعلى هذا قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] وقوله : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) [الصافات : ١٦٧] ، وإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام إلا أن تدخلها توكيدا كما تدخلها في (إن) الثقيلة ؛ لأن اللبس قد زال.

وأما (أن المخففة) من المفتوحة الألف إذا خففتها من أن المشددة فالإختيار أن ترفع ما بعدها على أن تضمر فيها الهاء ؛ لأن المفتوحة وما بعدها مصدر فلا معنى لها في الابتداء والمكسورة إنما دخلت على الابتداء وخبره.

وأن الخفيفة تكون في الكلام على أربعة أوجه : فوجه : أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدرا نحو قولك : أريد أن تقوم : أي : أريد قيامك.

__________________

(١) أكثر ما تزاد" إن" بعد" ما" النّافية إذا دخلت على جملة فعليّة ، نحو قول النّابغة الذّبياني :

ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه

إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي

فإن هنا زائدة لتوكيد النفي.

أو جملة اسمية كقول فروة بن مسيك :

فما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

(طبّنا : شأننا وعادتنا ، والعلة والسبب) انظر معجم القواعد العربية ٢ / ١١٥.

٢٢١

والثاني : أن تكون في معنى (أي) التي تقع للعبارة والتفسير ، وذلك قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦]. ومثله : (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ٧٢].

والثالث : أن تكون فيه زائدة مؤكدة ، وذلك قولك : لما أن جاز زيد قمت ، والله أن لو فعلت لأكرمتك ، قال الله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) [العنكبوت : ٣٣].

والرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة ، وذلك قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠]. ولو نصبت بها وهي مخففة لجاز.

قال سيبويه : لا تخففها أبدا في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة تضمر فيها الاسم يعني الهاء قال : ولو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون إذ اضطروا في الشعر يريدون معنى (كأن) ولم يريدوا الإضمار ، وذلك قوله :

كأنّ وريديه رشاء خلب ... (١)

قال : وهذه الكاف إنما هي مضافة إلى (إن) فلما اضطر إلى التخفيف ولم يضمر لم يغير ذلك التخفيف أن ينصب بها كما أنك قد تحذف من الفعل فلا يتغير عن عمله نحو : لم يكن صالحا ولم يك صالحا ومثل ذلك يعني الأول قول الأعشى :

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل

كأنه قال : إنه هالك ، وإن شئت رفعت في قول الشاعر : كأن وريداه رشاء خلب.

__________________

(١) كأن : مخفّفة من" كأنّ" ولا يختلف عملها عن المشدّدة ويجوز إثبات اسمها ، وإفراد خبرها كقول رؤبة :

كأن وريديه رشاء خلّب

(الوريدان : عرقان في الرّقبة وهو اسم" كأن" والرّشاء : الحبل وهو خبرها ، الخلّب : اللّيف ، ورواية هذا الشطر باللسان هكذا" كأن وريداه رشاءا خلّب" قال : ويروى : وريديه على إعمال" كأن" وكقول باغث بن صريم اليشكري :

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطوا إلى وراق السّلم

(يروى برفع ظبية على حذف الاسم أي كأنّها وبالنصب على حذف الخبر ، أيّ كأنّ مكانها ظبية ، وبالجر على الأصل" كظبية" وزيدت" إن" بينهما"). انظر معجم القواعد العربية ٢٣ / ١٦.

٢٢٢

واعلم أنه قبيح أن يلي (إن) المخففة الفعل إذا حذفت الهاء وأنت تريدها كأنهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذف وأن يليه ما لم يكن يليه وهو مثقل قبيح أن تقول : قد عرفت أن يقوم زيد : حتى تفصل بين أن والفعل بشيء يكون عوضا من الاسم نحو : لا وقد والسين.

تقول : قد عرفت أن لا يقوم زيد وأن سيقوم زيد وأن قد قام زيد كأنه قال : عرفت أنه لا يقوم زيد وأنه سيقوم زيد وأنه قد قام زيد ونظير ذلك قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] ، وقوله : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(١) [طه : ٨٩].

وأما قولهم : أما أن جزاك الله خيرا فإنهم إنما أجازوه ؛ لأنه دعاء ولا يصلون إلى (قد) هنا ولا إلى (السين) لو قلت : أما أن يغفر الله لك لجاز ؛ لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين ومع هذا كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه : أنه وإنه لا يحذف في غير هذا الموضع.

وسمعناهم يقولون : أما أن جزاك الله خيرا شبهوه (بأنه) أضمروا فيها كما أضمروا في (أن) فلما جازت (أن) كانت هذه أجوز.

واعلم أنك إذا عطفت اسما على أن وما عملت فيه من اسم وخبر فلك أن تنصبه على الإشراك بينه وبين ما عملت فيه أن ولك أن ترفع تحمله على الابتداء يعنى موضع أن فتقول : إن زيدا منطلق وعمرا وعمرو ؛ لأن معنى : إن زيدا منطلق زيد منطلق قال الله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣].

__________________

(١) قال الأشموني : الخامس إذا قيل جئت لتكرمني فالنصب بأن مضمرة ، وجوّز أبو سعيد كون المضمر كي ، والأول أولى ؛ لأن أن أمكن في عمل النصب من غيرها فهي أقوى على التجوّز فيها بأن تعمل مضمرة و (كذا بأن) أي من نواصب المضارع أن المصدرية نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا) (البقرة : ١٨٤) ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) (الشعراء : ٨٢) ، (لا بعد علم) أي ونحوه من أفعال اليقين فإنها لا تنصبه لأنها حينئذ المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) (المزمل : ٢٠) ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) (طه : ٨٩) ، أي أنه سيكون وأنه لا يرجع. ، وأما قراءة بعضهم أن لا يرجع بالنصب وقوله :

نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا

أن لا يدانينا من خلقه بشر

فمما شذ. نعم إذا أول العلم بغيره جاز وقوع الناصبة بعده ، ولذلك أجاز سيبويه ما علمت إلا أن تقوم بالنصب ، قال ؛ لأنه كلام خرج مخرج الإشارة فجرى مجرى قولك أشير عليك أن تقوم : وقيل يجوز بلا تأويل.

ذهب إليه الفراء وابن الأنباري. والجمهور على المنع. انظر شرح الأشموني ١ / ٣٣٥.

٢٢٣

ولك أن تحمله على الاسم المضمر في (منطلق) ، وذلك ضعيف إلا أن تأتي (بهو) توكيدا للمضمر فتقول : إن زيدا منطلق هو وعمرو ، وإن شئت حملت الكلام على الأول فقلت : إن زيدا منطلق وعمرا ظريف.

ولعل وكأن وليت : ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إن إلا أنه لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء.

وقال سيبويه : ومن ثم اختار الناس : ليت زيدا منطلق وعمرا وضعف عندهم أن يحملوا عمرا على المضمر حتى يقولوا (هو) ولم تكن ليت واجبة ولا لعل ولا كأن فقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس في معناه يعني أنك لو قلت : ليت زيدا منطلق وعمرو فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت إن زيدا منطلق وعمرو فعطف عمرا على الموضع لم يصلح من أجل أن ليت وكأن ولعل لها معان غير معنى ا لابتداء وإن : إنما تؤكد الخبر والمعنى معنى الابتداء والخبر ولم تزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه.

وإذا كان خبر إن فعلا ماضيا لم يجز أن تدخل عليه اللام التي تدخل على خبرها إذا كان اسما تقول : إنّ عمرا لقائم ، وإن بكرا لأخوك ولا يجوز أن تقيم (قام) مقام (قائم) فتقول : إن زيدا لقام وأنت تريد هذه اللام ؛ لأن هذه اللام لام الابتداء.

تقول : والله لزيد في الدار ولعمرو أخوك فإذا دخلت إن أزيلت إلى الخبر والدليل على ذلك قولهم : قد علمت إنّ زيدا لمنطلق فلولا اللام لانفتحت أن وإنما انكسرت ؛ لأن اللام مقدرة بين علمت ، وإن ألا ترى أنك تقول : قد علمت لزيد منطلق أقحمت اللام بين الفعل والابتداء لأنها لام الابتداء فلما أدخلت (أن) وهي تدخل على المبتدأ وخبره تأكيدا كدخول اللام للتأكيد لم يجمعوا بين تأكدين وأزالوها إلى الخبر ، فإن كان الخبر اسما كالمبتدأ أو مضارعا للاسم دخلت عليه ، وإن لم يكن كذلك لم تدخل عليه قال الله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) [النحل : ١٢٤] أي : لحاكم.

٢٢٤

فإن قال قائل : أراني أقول : لأقومن ولتنطلقن فأبدأ باللام وأدخلها على الفعل قيل له : ليست هذه اللام تلك اللام هذه تلحقها النون وتلزمها وليست الأسماء داخلة في هذا الضرب فإذا سمعت : والله لقام زيد فهذه اللام هي التي إذا دخلت على المستقبل كان معها النون كما قال امرؤ القيس :

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صالي (١)

قال : ويقال : إنه أراد : لقد ناموا فلما جاء (بقد) قربت الفعل من الحاضر فهذه اللام التي تكون معها النون غير مقدر فيها الابتداء.

تقول : قد علمت أن زيدا ليقومن وأن زيدا لقائم فلا تكسر أن كما تكسرها في قولك :أشهد إن محمدا لرسول الله.

واعلم أن بكرا ليعلم ذلك ، قال سيبويه : إن هذه اللام دخلت على جهة الشذوذ.

قال سيبويه : وقد يستقيم في الكلام : إن زيدا ليضرب وليذهب ولم يقع (ضرب) والأكثر على ألسنتهم كما خبرتك في اليمين ولا يجوز أن تدخل (إنّ) على (أنّ) كما لا يدخل تأنيث على تأنيث ولا استفهام على استفهام فحرف التأكيد كذلك ولا يجوز أن يدخل حرف تأكيد على حرف مثله لا يجوز أن تقول : إن إنك منطلق يسرني تريد : إن انطلاقك يسرني.

فإن فصلت بينها فقلت : إن عندي أنك منطلق جاز (٢).

__________________

(١) أكثر ما تزاد" إن" بعد" ما" النّافية إذا دخلت على جملة فعليّة ، نحو قول النّابغة الذّبياني :

ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه

إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي

فإن هنا زائدة لتوكيد النفي.

أو جملة اسمية كقول فروة بن مسيك :

فما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

(طبّنا : شأننا وعادتنا ، والعلة والسبب) انظر معجم القواعد العربية ٢ / ١١٥.

(٢) هناك مواضع يجوز فيها الوجهان : الأول أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو : (إِنَّ لَكَ) أن لا (تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (طه : ١١٩) ، قرأ نافع وأبو بكر بالكسر إما على الاستئناف أو العطف على جملة أن الأولى والباقون بالفتح عطفا على أن لا تجوع. الثاني أن تقع بعد

٢٢٥

قال الله عز وجل : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه : ١١٨ ـ ١١٩] ، فإن هي التي فتحت أن وموضع أن في قوله : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها) وما علمت فيه نصب بأن الأولى كما تقول : إن في الدار لزيدا فحسن إذا فرقت بين التأكيدين.

ومن قرأ : (وإنّك لا تظمأ) وجعله مستأنفا كقولك : إن في الدار زيدا وعمرو منطلق ؛ لأن الكلام إذا تم فلك أن تستأنف ما بعده ، فإن قال قائل : من أين؟ قلت في قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ) أن الفعل المضارع وقع موقع (حاكم) ولم تقل إن الموضع للفعل وإنما وقع الاسم موقعه بمضارعته له قيل له : لو كان حق اللام أن تدخل على الفعل وما ضارع الفعل لكان دخولها على الماضي أولى ؛ لأنه فعل كما أن المضارع فعل ومع ذلك إنها قد تدخل على الاسم الذي لا يضارع الفعل نحو قولك : إن الله لربنا ، وإن زيدا لأخوك فليس هنا فعل ولا مضارع لفعل ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على حرف الجزاء لا تقول : إن زيدا ؛ لأن أتاني أكرمته ولا ما أشبه ذلك.

ولا تدخل على النفي ولا على الحال ولا على الصفة ولا على التوكيد ولا على الفعل الماضي كما قلنا إلا أن يكون معه (قد).

__________________

ـ حتى فتكسر بعد الابتدائية نحو مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه ، وتفتح بعد الجارة والعاطفة نحو عرفت أمورك حتى أنك فاضل. الثالث أن تقع بعد أما نحو أما أنك فاضل فتكسر إن كانت أما استفتاحية بمنزلة ألا ، وتفتح إن كانت بمعنى حقا كما تقول حقا أنك ذاهب ومنه قوله :

أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا

أي أفي حق هذا الأمر؟ الرابع أن تقع بعد لا جرم نحو : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) (النحل : ٢٣) ، فالفتح عند سيبويه على أن جرم فعل وأن وصلتها فاعل ، أي وجب أن الله يعلم ولا صلة ، وعند الفراء على أن لا جرم بمنزلة لا رجل ومعناه لا بد ، ومن بعدها مقدرة والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول لا جرم لآتينك (وبعد ذات الكسر تصحب الخبر) جوازا (لام ابتداء نحو إنّي لوزر) أي ملجأ ، وكان حق هذه اللام أن تدخل على أول الكلام ؛ لأن لها الصدر ، لكن لما كانت للتأكيد ، وإن للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد فزحلقوا اللام إلى الخبر. انظر شرح الأشموني ١ / ١٤٦.

٢٢٦

ولكنّ الثقيلة التي تعمل عمل (إن) يستدرك بها بعد النفي وبعد الإيجاب يعني إذا كان بعدها جملة تامة كالذي قبلها نحو قولك : ما جاءني زيد لكن عمرا قد جاء وتكلم عمر لكن بكرا لم يتكلم.

ولكن الخفيفة إذا ابتدأت ما بعدها وقعت أيضا بعد الإيجاب والنفي للاستدراك.

فأما إذا كانت (لكن) عاطفة اسما مفردا على اسم لم يجز أن تقع إلا بعد نفي لا يجوز أن تقول : جاءني زيد لكن عمرو وأنت تريد عطف عمرو على زيد.

٢٢٧

مسائل من هذا الباب

تقول : إن عبد الله الظريف منطلق ، فإن لم تذكر (منطلق) وجعلت الظريف خبرا رفعته فقلت : إن عبد الله الظريف كما كنت تقول : كان زيد الظريف ذاهبا ، وإذا لم تجي بالذاهب قلت : كان زيد الظريف وتقول : إن فيها زيدا قائما إذا جعلت (فيها) الخبر ونصبت (قائما) على الحال.

فإن جعلت (قائما) الخبر والظرف (فيها) رفعت فقلت : إن فيها زيدا قائم وكذلك إن زيدا فيها قائم وقائما تقول : إن بك زيدا مأخوذ ، وإن لك زيدا واقف لا يجوز إلا الرفع ؛ لأن (بك ولكل) لا يكونان خبرا لزيد فلو قلت : إن زيدا بك ، وإن زيدا لك لم يكن كلاما تاما وأنت تريد هذه المعاني ، فإن أردت بأن زيدا لك أي ملك لك وما اشبه ذلك جاز ومثل ذلك :إن فيك زيدا لراغب ولو قلت : إن فيك زيدا راغبا لم يصلح وإنما تنصب الحال بعد تمام الكلام وتقول : إن اليوم زيدا منطلق لا يجوز إلا الرفع ؛ لأن (اليوم) لا يكون خبرا لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب (اليوم) لا يكون خبرا لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب (اليوم) بإن ؛ لأنه ليس هنا بظرف إذ صار في الكلام ما يعود إليه.

وتقول : إن زيدا لفيها قائما. وإن شئت ألغيت (لفيها) فقلت : إن زيدا لفيها قائم واللام تدخل على الظرف خبرا كان أو ملغى مقدما على الخبر خاصة ويدلك على ذلك قول الشاعر وهو أبو زبيد :

إن أمرا خصني عمدا مودته

على التنائي لعندي غير مكفور

وإذا قلت : إن زيدا فيها لقائم فليس (فيها) إلا الرفع ؛ لأن اللام لا بدّ من أن يكون خبر إن بعدها على كل حال وكذلك : إن فيها زيدا لقائم وروى الخليل : أن ناسا يقولون : إن بك زيد مأخوذ فقال : هذا علي : إنه بك زيد مأخوذ وشبهه بما يجوز في الشعر نحو قول ابن صريم اليشكري :

٢٢٨

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن طبية تعطو إلى وارق السلم (١)

وقال آخر :

ووجه مشرق النّحر

كأن ثدياه حقّان

لأنه لا يحسن هاهنا إلا الإضمار.

وزعم الخليل : أن هذا يشبه قول الفرزدق :

فلو كنت ضبّيا عرفت قرابتي

ولكنّ زنجي عظيم المشافر

قال سيبويه : والنصب أكثر في كلام العرب كأنه قال : ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي ، ولكنه أضمر هذا.

قال : والنصب أجود ؛ لأنه لو أراد الإضمار لخفف ولجعل المضمر مبتدأ كقولك : ما أنت صالحا ولكن طالح : وتقول : إن مالا ، وإن ولدا ، وإن عددا أي : إن لهم مالا والذي أضمرت (لهم) وقال الأعشى :

إنّ محلا ، وإن مرتحلا

وإنّ في السفر إذ مضوا مهلا (٢)

__________________

(١) ان كان الحرف كأن فيغلب لها ما وجب ؛ لأن لكن يجوز ثبوت اسمها وافراد خبرها وقد روى قوله

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو الى وارق السّلم

بنصب الظبية على انه اسم كأن والجملة بعدها صفة لها والخبر محذوف والتقدير كأن ظبية عاطية هذه المرأة على التشبيه المعكوس وهو أبلغ وبرفع الظبية على أنها الخبر والجملة بعدها صفة والاسم محذوف والتقدير كأنها ظبية وبجر الظبية على زيادة أن بين الكاف ومجرورها والتقدير كظبية. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٣٦٧.

(٢) المختار أنّ اسم إنّ معرفة وخبرها نكرة. إذا اجتمع في اسم إنّ وأخواتها وخبرها فالذي يختار أن يكون اسمها معرفة لأنّها دخلت على الابتداء والخبر ، ولا يكون الاسم نكرة إلّا في الشّعر نحو قول الفرزدق :

وإنّ حراما أن أسبّ مقاعسا

بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم

الخضارم : جمع خضرم : وهو الجواد المعطاء.

وقول الأعشى :

إنّ محلّا وإن مرتحلا

وإن في السّفر إذ مضى مهلا

المعنى : إنّ لنا في الدنيا حلولا ، وإن لنا عنها ارتحالا. انظر معجم القواعد العربية ٢ / ١٢٥.

٢٢٩

وتقول : إن غيرها إبلا وشاء كأنه قال : إن لنا غيرها إبلا وشاء ، وإن عندنا غيرها إبلا وشاء فالذي يضمر هذا النحو وما أشبهه ونصبت إبلا وشاء على التمييز والتبيين كإنتصاب الفارس إذا قلت : ما مثله من الناس فارسا ومثل ذلك قول الشاعر :

يا ليت أياّم الصّبا رواجعا (١)

كأنه قال : يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا أو أقبلت رواجعا.

وقال الكسائي : أضمر (كانت) وتقول : إن قريبا منك زيدا إذا جعلت (قريبا) ظرفا ، وإن جعلته اسما قلت : إن قريبا منك زيد فيكون الأول هو الآخر ، وإذا كان ظرفا كان غيره.

وتقول : إن بعيدا منك زيد والوجه : أن تجعل المعرفة اسم إن فتقول : إن زيدا بعيد منك.

قال سيبويه : وإن شئت قلت : إن بعيدا منك زيدا وقلما يكون بعيد منك ظرفا.

وإنما قل هذا لأنك لا تقول إن بعدك زيدا وتقول إن قربك زيدا فالدنوا أشد تمكنا من الظروف من البعد ؛ لأن حق الظرف أن يكون محيطا بالجسم من أقطاره.

وزعم يونس : أن العرب تقول : إن بدلك زيدا أي : إن مكانك زيدا ، وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت : إن بدلك زيد أي إن بديلك زيد وتقول : إن ألفا في دراهمك بيض إذا جعلت : (بيضا) خبرا ، فإن وصفت بها (ألفا) قلت : إن ألفا في دراهمك بيضا يجوز لك أن

__________________

(١) (لإنّ) و (أنّ) و (ليت) و (لعل) و (كأنّ عكس ما لكان) الناقصة (من عمل) فتنصب المبتدأ اسما لها وترفع الخبر خبرا لها (كإنّ زيدا عالم بأنّي كفء ولكنّ ابنه ذو ضغن) أي حقد. وقس الباقي هذه اللغة المشهورة. وحكى قوم منهم ابن سيده أن قوما من العرب تنصب بها الجزأين معا من ذلك قوله :

إذا اسودّ جنح الّليل فلتأت ولتكن

خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا

وقوله :

يا ليت أيّام الصّبا رواجعا

وقوله :

كأنّ أذنيه إذا تشوّفا

قادمة أو قلما محرّفا

انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ١٣٩.

٢٣٠

تفصل بين الصفة والموصوف وتقول : إن زيدا منطلق وعمرا ظريف فتعطف عمرا على (إن) ومثل ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ)(١) [لقمان : ٢٧].

وقد رفعه قوم ولم يجعلوا الواو عاطفة على تأويل (إذ) كقولك : لو ضربت عبد الله وزيد قائم ما ضرك ، أي : لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال فكأنه قال : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نفدت كلمات الله وتقول : إن زيدا منطلق وعمرا فتعطف على زيد وتستغني بخبر الأول إذ كان الثاني في محل مثل حاله قال رؤبة :

إنّ الرّبيع الجود والخريفا

يدا أبي العباس والصيوفا

أراد : وإن الصيوف يدا أبي العباس فاكتفى بخبر الأول.

ولك أن ترفع على الموضع ؛ لأن موضع إن الابتداء فتقول : إن زيدا منطلق وعمرو ؛ لأن الموضع للابتداء وإنما دخلت إن مؤكدة للكلام.

__________________

(١) لك في هذا العطف وجهان : النصب عطفا على اسم إنّ نحو قولك : " إنّ زيدا منطلق وعمرا مقيم" وعلى هذا قرأ من قرأ والبحر بالفتح من قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) (الآية : ٢٧ سورة لقمان) وقد رفع آخرون : والبحر : والواو للحال. وعلى هذا قول الرّاجز وهو رؤبة بن العجّاج :

إنّ الرّبيع الجود والخريفا

يدا أبي العبّاس والضّيوفا

والوجه الآخر : عطفه على الابتداء الذي هو اسم إنّ قبل أن تدخل عليه إنّ تقول : " إنّ زيدا منطلق وسعيد. وفي القرآن الكريم مثله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (الآية : ٣ سورة التوبة). وقال جرير :

إنّ الخلافة والنّبوّة فيهم

والمكرمات وسادة أطهار

وإذا قلت : " إن زيدا منطلق لا عمرو" فتفسيره مع الواو في وجهي النّصب والرّفع ، واعلم أنّ لعلّ وكأنّ وليت يجوز فيهنّ جميع ما جاز في" إن" إلّا أنّه لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء.

ولكنّ بمنزلة" إن"

وتقول : " إنّ زيدا فيها لا بل عمرو" ، وإن شئت نصبت : أي : لا بل عمرا. انظر معجم القواعد العربية ٢ / ١٢٦.

٢٣١

وتقول : إن قومك فيها أجمعون. وإن قومك فيها كلهم ففي (فيها) اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل إذا قلت : إن قومك ينطلقون أجمعون فإذا قلت : إن زيدا فيها ، وإن زيدا يقول ذلك ثم قلت : نفسه. فالنصب أحسن.

فإذا أردت حمله على المضمر قلت : إن زيدا يقول ذاك هو نفسه فإذا قلت : إن زيداص منطلق لا عمرو فتفسيره كتفسيره مع الواو في النصب والرفع ، وذلك قولك : إن زيدا منطلق لا عمرا ، وإن زيدا منطلق لا عمرو ولكن بمنزلة إن وتقول : إن زيدا فيها لا بل عمرو ، وإن شئت نصبت و (لا بل) تجري مجرى الواو ولا تقول : إن زيدا منطلق العاقل اللبيب إذا جعلته صفة لزيد ويجوز أن تقول : إن زيدا منطلق العاقل اللبيب فترفع.

قال سيبويه : والرفع على وجهين : على الاسم المضمر في (منطلق) كأنه بدل منه كقولك : مررت به زيد يعني أنه يجعله بدلا من المضمر في منطلق.

قال : وإن شاء رفعه على معنى : مررت به زيد إذا كان جواب من هو فتقول : زيد كأنه قيل له من هو فقال : العاقل اللبيب وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سبأ : ٤٨] وعلام الغيوب (١).

وتقول : إن هذا أخاك منطلق فتنصب أخاك على ضربين من التقدير : على عطف البيان وهو كالصفة وعلى البدل فمن قال هذا قال : إن الذي رأيت أخاك ذاهب ولا يكون الأخ صفة (الذي) ؛ لأن أخاك أخص من الذي ، فلا يكون صفة وإنما حق الصفة أن تكون أعم من الموصوف.

قال الخليل : إن من أفضلهم كان زيدا على إلغاء (كان).

__________________

(١) قرأ عيسى بن عمر : علام الغيوب على أنه بدل ؛ أي قل : إن ربي علام الغيوب يقذف بالحق ، قال أبو إسحاق : والرفع من جهتين على الموضع ؛ ؛ لأن الموضع رفع ، وعلى البدل مما في (يقذف) ، قال أبو جعفر : وفي الرفع وجهان آخران : يكون خبرا بعد خبر ، ويكون على إضمار مبتدأ. وزعم الفراء : أن الرفع في مثل هذا أكثر في كلام العرب إذا أتى بعد خبر (إن) ، ومثله : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ.)[إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : ٣ / ٢٤٢].

٢٣٢

قال سيبويه : وسألت الخليل عن قوله : (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) و (وَيْكَأَنَّ اللهَ) [القصص : ٨٢] فزعم : أنها وي (١) مقصولة من (كأن) والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم : أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم.

قال : وأما المفسرون فقالوا : (ألم تر أن الله) وقال زيد بن عمرو بن نفيل : [الخفيف]

سألتاني الطّلاق إذ رأتاني

قلّ مالي قد جتتماني بنكر

ويكأن من يكن له نشب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (٢)

قال : وناس من العرب يغلطون فيقولون : إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان وذلك : أن معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم كما قال زهير :

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (٣)

__________________

(١) اسم الفعل المرتجل :

هو ما وضع من أوّل الأمر كذلك ك" هيهات" بمعنى بعد ، و" أوّه" بمعنى أتوجّع و" أفّ" بمعنى أتضجّر. و" وي" بمعنى أعجب قال تعالى : (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (الآية : ٨٢ سورة القصص). أي أعجب لعدم فلاح الكافرين ، ومثلها" واها" و" وا" قال أبو النجم :

واها لسلمى ثمّ واها واها

هي المنى لو أننّا نلناها

انظر معجم القواعد العربية ٢ / ٤٥.

(٢) ذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أن الأصل ويلك فحذفت اللام لكثرة الاستعمال وفتح أن بفعل مضمر كأنه قال ويك اعلم أن. وقال قطرب : قبلها لام مضمر والتقدير ويك ؛ لأن والصحيح الأول. قال سيبويه سألت الخليل عن الآيتين فزعم أنها وي مفصولة من كأن ، ويدل على ما قاله قول الشاعر :

وي كأن من يكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ

انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ٢٧٣.

(٣) قد يحذف حرف الجرّ ـ غير ربّ ـ ويبقى عمله ، وهو ضربان : سماعي غير مطّرد كقول رؤبة وقد قيل له : كيف أصبحت؟ قال : خير عافاك الله ، التقدير :

على خير ، كقوله :

وكريمة من آل قيس ألفته

حتّى تبذّح فارتقى الأعلام

٢٣٣

فأضمر الباء وأعلمها ، وأما قولهم : (والصابئون) فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ فقال : والصابئون بعد ما مضى الخبر قال الشاعر :

وإلّا فاعلموا أنا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق

كأنه قال : فاعلموا أنا بغاة ما بقينا وأنتم كذلك.

وتقول : إن القائم أبوه منطلقة جاريته نصبت القائم بإن ورفعت الأب بفعله وهو القيام ورفعت (منطلقة) ؛ لأنه خبر إن ورفعت الجارية بالإنطلاق ؛ لأنه فعلها.

__________________

(التاء في كريمة : للمبالغة ، ألفته : أعطيته ألفا ، " تبذّح" تكبر ، " الأعلام" الجبال ، والشاهد : كسر الأعلام بحرف جر محذوف وهذا شاذ إن صحّت القافية.

قياسيّ مطّرد في مواضع أشهرها :

(١) لفظ الجلالة في القسم دون عوض نحو : " الله لأفعلنّ كذا" أي والله.

(٢) بعدكم الاستفهاميّة إذا دخل عليها حرف جرّ نحو : " بكم درهم اشتريت" أي من درهم.

(٣) لام التعليل إذا جرّت" كي" وصلتها نحو : " جئت كي تكرمني" إذا قدّرت" كي" تعليلية أي لكي تكرمني.

(٤) مع" أنّ" و" أن" نحو" عجبت أنّك قادم" و" أن قدمت" أي من أنّك قادم ومن أن قدمت.

(٥) المعطوف على خبر" ليس وما الحجازية" الصالح لدخول الجارّ كقول زهير :

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

فخفض" سابق" (ورواية الديوان : سابقا بالنصب فلا تصلح شاهدا) على توهّم وجود الباء في مدرك.

ومثاله في" ما الحجازيّة"" ما زيد عالما ولا متعلّم" (والغالب في هذا وأمثاله السماع فقط). أي التقدير : ما زيد بعالم ولا متعلّم.

(٥) متعلّق الجارّ والمجرور والظرف :

لا بدّ لكلّ من الجارّ والمجرور والظّرف من متعلّق يتعلّق به ؛ لأن الجارّ يوصل معنى الفعل إلى الاسم ، والظّرف لا بدّ له من شيء يقع فيه ، فالموصل معناه إلى الاسم ، والواقع في الظرف هو المتعلّق العامل فيهما ، وهو : إمّا فعل أو ما يشبهه من مصدر ، أو اسم فعل ، أو وصف ولو تأويلا نحو : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (الآية : ٣ سورة الأنعام). فالجارّ متعلّق بلفظ الجلالة ، لتأويله بالمعبود ، أو المسمّى بهذا الاسم ومثله قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (الآية : ٨٤ سورة الزخرف) في السماء متعلق ب" إله" ؛ لأنه بمعنى معبود.

٢٣٤

ويجوز أن تكون الجارية مرفوعة بالابتداء وخبرها : (منطلقة) والجملة خبر (إن) فيكون التقدير : إن القائم أبوه جاريته منطقة إلا أنك قدمت وأخرت ويقول : إن القائم وأخوه قاعد فترفع الأخ بعطفك إياه على المضمر في (قائم) والوجه إذا أردت أن تعطفه على المضمر المرفوع أن تؤكد ذلك المضمر فتقول : إن القائم هو وأخوه قاعد.

وإنما قلت : (قاعد) ؛ لأن الأخ لم يدخل في (إن) وإنما دخل في صلة القائم فصار بمنزلة قولك : إن الذي قام مع أخيه قاعد ونظير ذلك أن المتروك هو وأخوه مريضين صحيح ولو أردت أن تدخل الأخ في (إن) لقلت : إن المتروك مريضا وأخاه صحيحان وتقول : إن زيدا كان منطلقا نصبت زيدا (بإن) وجعلت ضميره في (كان).

وكان وما عملت فيه في موضع خبر (إن) ، وإن شئت رفعت (منطلقا) على وجهين :

أحدهما : أن تلغي (كان) وقد مضى ذكر ذلك.

والوجه الثاني : أن تضمر المفعول به في (كان) وهو قبيح وتجعل منطلقا اسم (كان) فكأنك قلت : إن زيدا كأنه منطلق.

وقبحه من وجهين :

أحدهما : حذف الهاء وهو كقولك : إن زيدا ضرب عمرو تريد : ضربه.

والوجه الآخر : أنك جعلت منطلقا هو الاسم (لكان) وهو نكرة وجعلت الخبر الضمير وهو معرفة فلو كان : إن زيدا كان أخوك تريد : كأنه أخوك كان أسهل وهو مع ذلك قبيح لحذف الهاء وتقول : إن أفضلهم الضارب أخا له كان صالحا فقولك : كان (صالحا) صفة لقولك : (أخا له) ؛ لأن النكرات توصف بالجمل ولا يجوز أن تقول : إن أفضلهم الضارب أخاه كان صالحا فتجعل : (كان صالحا) صفة لأخيه وهو معرةف ، فإن قال قائل : فإنها نكرة مثلها فأجز ذلك على أن تجعله حالا فذاك قبيح والأخفش يجيزه على قبحه وقد تأولوا على ذلك قول الله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠] وتأويل ذلك عند أبي العباس : على الدعاء وأنه من الله تعالى إيجاب عليهم.

٢٣٥

وقال : القراءة الصحيحة التي جل أهل العلم عليها إنما هي : (أو جاؤكم حصرة صدروكم).

وقال الأخفش : أقول : إن في الدار جالسا أخواك فانصب (جالسا) (بإن) وارفع (الأخوين) بفعلهما واستغنى بهما عن خبر (إن) كما أقول : أذاهب لئأخواك فارفع (أذاهب) بالابتداء وأخواك بفعلهما واستغنى عن خبر الابتداء لأن. خبر الابتداء إنما جيء به ليتم به الكلام.

قال : وكذلك تقول : إن بك واثقا أخواك ، وإن شئت (واثقين أخواك) فجعلت (واثقين) اسم (إن) ولا يجوز : أن بك واثقين أخويك فتنصب (واثقين) على الحال ؛ لأن الحال لا يجوز في هذا لأنك لا تقول : إن بك أخويك ، وتسكت وتقول : إن فيها قائما أخواك ، وإن شئت قائمين أخويك فتنصب أخويك (بأن) وقائمين على الحال وفيها خبر (إن) وهو خبر مقدم ، وإذا ولي (قائم) إن ولم يكن بينهما ظرف لم يجز توحيده عند الكوفيين وصار اسما لا يفصل بينه وبين عمله بخبر إن ، وذلك قولك : إن قائمين الزيدان ، وإن قائمين الزيدون.

وأجاز الفراء : إن قائما الزيدان ، وإن قائما الزيدون على معنى إن من قام الزيدان ، وإن من قام الزيدون.

وأجاز البصريون إن قائما الزيدان والزيدون على ما تقدم ذكره.

ولا يجيز الكوفيون : إن آكلا زيد طعامك إذا كان المنصوب بعد زيد وهذا جائز عند البصريين ، فإن قلت : إن آكلا طعامك زيد كانت المسألة جائزة في كل قول وكذلك كل منصوب من مصدر أو وقت أو حال أو ظرف ، فإن قلت : خلفك آكلا زيد استوى القولان في تأخير الطعام بعد زيد فقلت : إن خلفك آكلا زيد طعامك ولك أن تؤخر (آكلا) والظروف من الزمان في ذا كالظروف في المكان.

والفراء يجيز : إن هذا وزيد قائمان ، وإن الذي عندك وزيد قائمان وإنك وزيد قائمان إذا كان اسم (إن) لا يتبين فيه الإعراب نحو هذا وما ذكرناه في هذه المسائل وعلى ذلك ينشدون هذا البيت :

٢٣٦

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّي وقيّار بها لغريب (١)

__________________

(١) إذا دخلت اللام على الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر ، فلا يجوز أن زيدا لهو لقائم ، ولا إن لفي الدار لزيدا ، ولا إن في الدار لزيدا لجالس (ووصل ما) الزائدة (بذي الحروف مبطل إعمالها) لأنها تزيل اختصاصها بالأسماء وتهيئها للدخول على الفعل فوجب إهمالها لذلك ، نحو إنما زيد قائم ، وكأنما خالد أسد ، ولكنما عمرو جبان ، ولعلما بكر عالم (وقد يبقّى العمل) وتجعل ما ملغاة وذلك مسموع في ليت لبقاء اختصاصها كقوله :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

يروى بنصب الحمام على الإعمال ورفعه على الإهمال ، وأما البواقي فذهب الزجاج وابن السراج إلى جوازه فيها قياسا ، ووافقهم الناظم ولذلك أطلق في قوله : وقد يبقى العمل ، ومذهب سيبويه المنع لما سبق من أن ما أزالت اختصاصها بالأسماء وهيأتها للدخول على الفعل نحو : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (الأنبياء : ١٠٨) ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) (الأنفال : ٦) ، وقوله :

فو الله ما فارقتكم قاليا لكم

ولكنّ ما يقضى فسوف يكون

وقوله :

أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما

أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا

بخلاف ليت فإنها باقية على اختصاصها بالأسماء ، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى وجوب الإعمال في ليتما ، وهو يشكل على قوله في شرح التسهيل : يجوز إعمالها وإهمالها بإجماع (وجائز) بالإجماع (رفعك معطوفا على منصوب إنّ) المكسورة (بعد أن تستكملا) خبرها نحو إن زيدا آكل طعامك وعمرو ، ومنه :

فمن يك لم ينجب أبوه وأمّه

فإنّ لنا الأمّ النّجيبة والأب

(وأن) المفتوحة على الصحيح إذا كان موضعها موضع الجملة بأن تقدمها علم أو معناه نحو : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (التوبة : ٣) ، (من دون ليت ولعلّ وكأن) حيث لا يجوز في المعطوف مع هذه الثلاث إلا النصب تقدم المعطوف أو تأخر لزوال معنى الابتداء معها وأجاز الفراء الرفع معها أيضا متقدما ومتأخرا بشرطه السابق وهو خفاء الإعراب (وخفّفت إنّ) المكسورة (فقلّ العمل) وكثر الإهمال لزوال اختصاصها حينئذ نحو : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (يس : ٣٢) ، وجاز إعمالها استصحابا للأصل نحو : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) ليوفيهم (هود : ١١١) (وتلزم الّلام إذا ما تهمل) لتفرق بينها وبين أن النافية ولهذا تسمى اللام الفارقة ، وقد عرفت أنها لا تلزم عند الإعمال لعدم اللبس. انظر شرح شذور الذهب ١ / ١٥٠.

٢٣٧

فيرفع (قيارا) وينصب وكذلك لو قال : الغريبان فإفراد الفعل وتثتيته في هذا عندهم سواء.

والكسائي يجيز الرفع في الاسم الثاني مع الظاهر والمكنى ، فإن نعت اسم إن أو أكدته أو أبدلت منه فالنصب عندنا لا يجوز غيره وإنما الرفع جاء عندنا على الغلط.

وقد قال الفراء : يجوز أن تقول : إنهم أجمعون قومك على الغلط لما كان معناه : هم أجمعون قومك وإنه نفسه يقوم يجوز أن ترفع توكيد ما لا يتبين فيه الإعراب وهو وأصحابه كثيرا ما يقيسون على الأشياء الشاذة.

وقال قوم : إن الإختيار مع الواو التثنية في قولك : إن زيدا وعمرا قائمان ويجوز : قائم مع ثم والفاء التوحيد ويجوز التثنية يجوز : لإن زيدا ثم عمرا قائم وقائمان. وإن زيدا فعمرا قائم وقائمان.

ومع (أو) (ولا) التوحيد لا غير أن الخبر عن أحدهما خاصة دون الآخر.

واعلم أن الهاء التي تسمى المجهولة في قولك : إنه قام بكر وفي كل موضع تستعمل فيه فهي موحدة لا ينسق عليها ولا تكون منها حال منصوبة ولا توكيد ولا تؤنث ولا تثنى ولا تجمع ولا تذكر وما بعدها مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل.

وقوم يقولون : إنها إذا كانت مع مؤنث أنثت.

وذكرت نحو قولك : إنه قائمة جاريتك وإنها قائمة جاريتك.

وقالوا إذا قلت : إنه قائم جواريك ذكرت لا غير ، فإن جئت بما يصلح للمذكر والمؤنث أنثت وذكرت نحو قولك : إنه في الدار جاريتك وإنها في الدار جاريتك.

وحكي عن الفراء أنه قال : لا أجيز : إنه قام ؛ لأن هاء العماد إنما دخلت لشيئين لإسم وخبر وكان يجيز فيما لم يسم فاعله : إنه ضرب وقال : لأن الضمة تدل على آخر.

والكسائي يجيز : إنه قام قال : والبغداديون إذا وليت أن النكرات أضمروا والهاء ولم تضمر الهاء إلا صفة متقدمة ، وإن جاؤوا بعدها بأفعال يعنون بالأفعال أسم الفاعل أتبعوها إذا كانت نكرة ورفعوها إذا كانت معرفة كقولهم : إن رجلا قائما ، وإن رجلا أخوك ، وإذا

٢٣٨

أضمروا الخبر لم ينسقوا عليها بالمعرفة فلا يقولون : إن رجلا وزيدا ؛ لأن خبر المعرفة لا يضمر عندهم ويقولون : كل أداة ناصبة أو جازمة لا تدخل عليها اللام مع (إن) ، فإن كانت الأداة لا تعمل شيئا دخلت اللام عليها.

وقد أجاز الفراء حذف الخبر في : (إن الرجل) ، وإن المرأة ، وإن الفأرة ، وإن الذبابة ولا يجيزه إلا بتكرير (إن).

ويقولون : (ليت) تنصب الأسماء والأفعال أي : الأخبار نحو : ليت زيدا قائما وقال الكسائي : أضمرت : (كان).

وقالوا : (لعل) تكون بمعنى : (كي) وبمعنى : خليق وبمعنى : ظننت وقالوا : والدليل على ظننت أن تجيء بالشيئين والدليل على (عسى) أن تجيء بأن وقالوا : (ليت) قد ذهب بها إلى (لو) وأولوها الفعل الماضي وليتني أكثر من ليتي ولعلي أكثر من لعلني وإنني وإني سواء.

وذكر سيبويه : لهنك لرجل صدق قال : وهذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين وليس كل العرب تتكلم بها في (إن) ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف كقولك : هرقت.

ولحقت هذه اللام (إن) كما لحقت (ما) حين قلت : (إن زيدا لما لينطلقن فلحقت) اللام في اليمين والثانية لام (إن) وفي : لما لينطلقن اللام الأولى : لام (لئن) والثانية : لام اليمين.

والدليل على ذلك النون التي معها.

وقال : قول العرب في الجواب إنه فهو بمنزلة أجل ، وإذا وصلت قلت : إنّ يا فتى.

واعلم أن (إنّ واخواتها) قد يجوز أن تفصل بينها وبين أخبارها بما يدخل لتوكيد الشيء أو لرفعه ؛ لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده ، وذلك قولك : إن زيدا فافهم ما أقول رجل صالح ، وإن عمرا والله ظالم ، وإن زيدا هو المسكين مرجوم ؛ لأن هذا في الرفع يجري مجرى المدح والذم في النصب وعلى ذلك يتأول قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الكهف : ٣١] فأولئك هو الخبر.

٢٣٩

ومذهب الكوفيين والبغداديين في (إن) التي تجاب باللام يقولون : هي بمنزلة (ما) وإلا وقد قال الفراء : إنها بمنزلة (قد) وتدخل أبدا على آخر الكلام نحو قولك : إن زيدا لقائم تريد :ما زيد إلا قائم وقد قيل : إنه يريد : قد قام زيد وكذلك : إن ضرب زيد لعمرا ، وإن أكل زيد لطعامك وكان الكسائي يقول : هي مع الأسماء والصفات يعني بالصفات والظروف إن المثقلة خففت ومع الأفعال بمعنى ما وإلا وقال الفراء : كلام العرب أن يولوها الماضي قالوا : وقد حكى : إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه وقد حكي مع الأسماء وأنشدوا :

فقلت إن القوم الذي أنا منهم

لأهل مقامات وشاء وجامل

وكل ما كان من صلة الثاني لم تدخل اللام عليه وكل ما كان من صلة الأول أدخلت اللام عليه نحو قولك : إن ظننت زيدا لفي الدار قائما ، فإن كان في الدار من صلة الظن دخل عليها ، وإن كان من صلة (قائم) دخلت اللام على (قائم) يعنون أن اللام إنما تدخل على ما هو في الأصل خبر المبتدأ ألا ترى أنه لو خلا الكلام من (ظننت) : كان زيد في الدار قائما فزيد مبتدأ وفي الدار خبره وقائم حال والعامل فيه (في الدار) فهو من صلة (في الدار) فاستقبحوا أن يدخلوا اللام على (قائم) ؛ لأنه من صلة الثاني وهو الخبر وقالوا كل أخوات الظن وكان على هذا المذهب وكذلك صلة الثاني في قولك : إن ضربت رجلا لقائما لا يدخلون عليها اللام و (قائما) صلة رجل هذا خطأ عندهم وعند غيرهم ولا يجوز : إن زال زيد قائما ؛ لأنه لا يجوز زال زيد لقائما وتقول : إن كان زيد لقائما.

٢٤٠