الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

الكلام (١)

يأتلف من ثلاثة أشياء : اسم ، وفعل ، وحرف.

شرح الاسم

الاسم (٢) : ما دل على معنى مفرد ، وذلك المعنى يكون شخصا وغير شخص.

فالشخص نحو : رجل ، وفرس ، وحجر ، وبلد ، [وعمر](٣) ، وبكر.

وأما ما كان غير شخص فنحو : الضرب ، والأكل ، والظن ، والعلم ، واليوم ، والليلة ، والساعة.

وإنما قلت : (ما دل على معنى مفرد) [لأن الفرق](٤) بينه وبين الفعل إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان ، وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل.

فإن قلت : إن في [الأسماء](٥) مثل اليوم والليلة والساعة وهذه أزمنة ، فما الفرق بينها وبين الفعل؟

__________________

(١) الكلام المصطلح عليه عند النحاه : عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها ، فاللفظ جنس يشمل الكلام والكلمة والكلم ، ويشمل المهمل كديز ، والمستعمل كعمزو ، ومفيد أخرج المهمل وفائدة يحسن السكوت عليها ، أخرج الكلمة وبعض الكلم وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه نحو : إن قام زيد ، ولا يتركب الكلام إلا من اسمين نحو : زيد قائم ، أو من فعل واسم كقام. انظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ١ / ١٤.

(٢) اختلفت عبارات النحويين في حد الاسم ، وسيبويه لم يصرح له بحد ، فقال بعضهم : الاسم ما استحق الإعراب في أول وضعه ، وقال آخرون : ما استحق التنوين في أول وضعه ، وقال آخرون : حد الاسم ما سما بمسماه فأوضحه وكشف معناه. وقال آخرون : الاسم كل لفظ دل على معنى مفرد في نفسه. ولم يدل على زمان ذلك المعنى ، وقال ابن السراج : هو كل لفظ دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان محصل وزاد بعضهم في هذا دلالة الوضع. انظر المسائل الخلافية للعكبري ١ / ٤٥.

(٣) في الأصل : وعمرو.

(٤) في (ط) : لا فرق.

(٥) في الأصل : الاسم.

٤١

قلنا : الفرق أن الفعل ليس هو زمانا فقط كما أن اليوم زمان فقط ، فاليوم معنى مفرد للزمان ، ولم يوضع مع ذلك لمعنى آخر ، ومع ذلك أن الفعل قد قسم بأقسام الزمان الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ؛ فإذا كانت اللفظة تدل على زمان فقط فهي اسم ، وإذا دلت على معنى وزمان محصّل فهي فعل ، وأعني بالمحصّل : الماضي والحاضر والمستقبل.

ولما كنت لم أعمل هذا الكتاب للعالم دون المتعلم احتجت إلى أن أذكر ما يقرب على المتعلم.

فالاسم تخصه أشياء يعتبر بها ؛ منها أن يقال : أن الاسم ما جاز أن يخبر عنه نحو قولك : عمرو منطلق ، وقام بكر.

والفعل (١) : ما كان خبرا ، ولا يجوز أن يخبر عنه نحو قولك : أخوك يقوم ، وقام أخوك ، فيكون حديثا عن الأخ ، ولا يجوز أن تقول : ذهب يقوم ، ولا يقوم يجلس.

والحروف (٢) : ما لا يجوز أن يخبر عنها ، ولا يجوز أن تكون خبرا نحو : من وإلى.

والاسم قد يعرف أيضا بأشياء كثيرة منها دخول الألف واللام اللتين للتعريف عليه نحو : الرجل ، والحمار ، والضرب ، والحمد ، فهذا لا يكون في الفعل ، ولا تقول : اليقوم ولا اليذهب.

__________________

(١) اختلفت عبارات النحويين في حد الفعل فقال ابن السراج وغيره : (حده : كل لفظ دل على معنى في نفسه مقترن بزمان محصل).

وهذا هو حد الاسم إلا أنهم أضافوا إليه : لفظ (غير) ليدخل فيه المصدر ، وإذا حذفت (غير) لم يدخل فيه المصدر ؛ لأن الفعل يدل على زمان محصل ولأن المصدر لا يدل على تعيين الزمان.

وإن شئت أضفت إلى ذلك دلالة الوضع كما قيدت حد الاسم بذلك وإنما زادوا هذه الزيادة لئلا ينتقض ب (ليس وكان) الناقصة ، وقال أبو علي : (الفعل ما اسند إلى غيره ولم يسند غيره إليه) وهذا يقرب من قولهم في حد الاسم : ما جاز الاخبار عنه ؛ لأن الاسناد والاخبار متقاربان في هذا المعنى ، وهذا الحد رسمي إذ هو علامة وليس بحقيقي ؛ لأنه غير كاشف عن مدلول الفعل لفظا وانما هو تمييز له بحكم من أحكامه. وانظر المسائل الخلافية للعكبري ١ / ٦٧.

(٢) الحرف : هو ما دل على معنى في غيره ، ولم يكن مقيدا بزمن.

٤٢

ويعرف أيضا بدخول حرف الخفض عليه ، نحو : مررت بزيد ، وبأخيك ، وبالرجل. ولا يجوز أن تقول : مررت بيقوم ، ولا ذهبت إلى قام.

ويعرف أيضا بامتناع قد وسوف من الدخول عليه ، ألا ترى أنك لا تقول : قد الرجل ، ولا سوف الغلام ، إلا أن هذا ليس خاصا بالاسم فقط.

ولكن قد [تمتنع](١) سوف وقد من الدخول على الحروف ، ومن الدخول على فعل الأمر [والنهي](٢) إذا كان بغير لام نحو : اضرب واقتل ، لا يجوز أن تقول : قد اضرب الرجل ، ولا سوف اقتل الأسد.

والاسم أيضا ينعت والفعل لا ينعت ، وكذلك الحرف لا ينعت ، تقول : مررت برجل عاقل. ولا تقول : يضرب عاقل ، فيكون (العاقل) صفة لـ (يضرب).

والاسم يضمر ويكنى عنه تقول : زيد ضربته ، والرجل لقيته.

والفعل لا يكنى عنه فتضمره ، لا تقول : (يقوم ضربته) ، ولا (أقوم تركته) إلا أن هذه الأشياء ليس يعرف بها كل اسم ، وإنما يعرف بها الأكثر ، ألا ترى أن المضمرات والمكنيّات أسماء ، ومن الأسماء ما لا يكنى عنه ، وهذا يبيّن في موضعه إن شاء الله.

ومما يقرّب [به](٣) على المتعلم أن يقال له : كل ما صلح أن يكون معه (يضرّ وينفع) فهو اسم ، وكل ما لا يصلح معه (يضرّ وينفع) فليس باسم ، تقول : (الرجل ينفعني والضرب يضرني) ، ولا تقول : (يضرب ينفعني) ولا (يقوم يضرني).

__________________

(١) في (ط) : يمتنع.

(٢) ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.

(٣) ما بين المعكوفتين ساقط من (ط).

٤٣

شرح الفعل

الفعل : ما دل على معنى وزمان ، وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل.

وقلنا : (وزمان) لنفرق بينه وبين الاسم الذي يدل على معنى فقط.

فالماضي (١) كقولك : (صلى زيد) يدل على أن الصلاة كانت فيما مضى من الزمان والحاضر نحو قولك : (يصلي) يدل على الصلاة وعلى الوقت الحاضر.

والمستقبل نحو (سيصلي) يدل على الصلاة وعلى أن ذلك يكون فيما يستقبل.

والاسم إنما هو لمعنى مجرد من هذا الأوقات أو لوقت مجرد من هذه الأحداث والأفعال وأعني بالأحداث التي يسميها النحويون المصادر نحو : الأكل والضرب والظن والعلم والشكر (٢).

__________________

(١) علامة الماضي تاء التأنيث الساكنة كقامت وقعدت ومنه قول الشاعر :

ألّمت فحيّت ثمّ قامت فودّعت

فلمّا تولّت كادت النّفس تزهق

وبذلك استدلّ على أن عسى وليس ليسا حرفين كما قال ابن السّرّاج وثعلب في عسى وكما قال الفارسي في ليس وعلى أن نعم ليست اسما كما يقول الفرّاء ومن وافقه بل هي أفعال ماضية لاتصال التاء المذكورة بها وذلك كقولك ليست هند ظالمة فعست أن تفلح وقوله عليه الصلاة والسّلام من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٢٥.

(٢) قال العكبري : والذي قال سيبويه في الباب الأول : (وأما الأفعال فأمثلة أخذت من لفظ احداث الاسماء وبنيت لما مضى ولما يكون (ولم يقع) ولما هو كائن لم ينقطع). وقد أتى في هذا بالغاية لانه جمع فيه قوله (أمثلة) والامثلة بالأفعال احق منها بالاسماء والحروف وبين انها مشتقة من المصادر وقوله : (من لفظ احداث الاسماء). ربما أخذ عليه انه اضاف الاحداث إلى الاسماء والأحداث للمسميات لا للأسماء. وهذا الأخذ غير وارد عليه لوجهين : أحدهما ان المراد بأحداث الاسماء ما كان فيها عبارة عن الحدث وهو المصدر لانه من بين الاسماء عبارة عن الحدث وهو من باب اضافة النوع إلى الجنس.

والثاني : انه أراد بالاسماء المسميات كما قال تعالى (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) والاسماء ليست معبودة وانما المعبود مسمياتها. انظر المسائل الخلافية ١ / ٦٩.

٤٤

والأفعال التي يسميها النحويون (المضارعة) : هي التي في أوائلها الزوائد الأربع : الألف والتاء والياء والنون تصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل نحو أكل وتأكل ويأكل ونأكل فجميع هذا يصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل ولا دليل في لفظه على أي الزمانين تريد كما أنه لا دليل في قولك : رجل فعل كذا وكذا أي الرجال تريد حتى تبينه بشيء آخر فإذا قلت :سيفعل أو سوف يفعل دل على أنك تريد المستقبل وترك الحاضر على لفظه ؛ لأنه أولى به إذ كانت الحقيقة إنما هي للحاضر الموجود لا لما يتوقع أو قد مضى ولهذا ما ضارع عندهم الأسماء ومعنى ضارع : شابه ولما وجدوا هذا الفعل الذي في أوائله الزوائد الأربع يعم شيئين : المستقبل والحاضر كما يعم قولك : (رجل) زيدا وعمرا فإذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل خص المستقبل دون الحاضر فأشبه الرجل إذا أدخلت الألف واللام عليه فخصصت به واحدا ممن له هذا الاسم فحينئذ يعلم المخاطب من تريد لأنك لا تقول : (الرجل) إلا وقد علم من تريد منهم أو كما أن الأسماء قد خصت بالخفض فلا يكون في غيرها كذلك خصت الأفعال بالجزم فلا يكون في غيرها.

وجميع الأفعال مشتقة من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد ألا ترى أن حمدت مأخوذ من الحمد و (ضربت) مأخوذ من الضرب وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر ؛ لأن الأفعال كأنها صدرت عنها.

وجميع ما ذكرت لك أنه يخص الاسم فهو يمتنع من الدخول على الفعل والحرف.

وما تنفرد به الأفعال دون الأسماء والأسماء دون الأفعال كثير يبين في سائر العربية إن شاء الله.

٤٥

شرح الحرف

الحرف (١) : ما لا يجوز أن يخبر عنه كما يخبر عن الاسم ألا ترى أنك لا نقول : إلى منطلق كما تقول : (الرجل منطلق) ولا عن ذاهب كما تقول : (زيد ذاهب) ولا يجوز أن يكون خبرا لا تقول : (عمرو إلى) و (لا بكر عن) فقد بان أن الحرف من الكلم الثلاثة هو الذي لا يجوز أن تخبر عنه ولا يكون خبرا.

والحرف لا يأتلف منه مع الحرف كلام لو قلت : (أمن) تريد ألف الاستفهام (ومن) التي يجر بها لم يكن كلاما وكذلك لو قلت : ثم قد تريد (ثم) التي للعطف وقد التي تدخل على الفعل لم يكن كلاما ولا يأتلف من الحرف مع الفعل كلام لو قلت : أيقوم ولم تجد ذكر أحد ولم يعلم المخاطب أنك تشير إلى إنسان لم يكن كلاما ولا يأتلف أيضا منه مع الاسم كلام لو قلت : (أزيد) كان كلاما غير تام فأما (يا زيد) وجميع حروف النداء فتبين استغناء المنادي بحرف النداء وما يقوله النحويون : من أن ثم فعلا يراد تراه في باب النداء إن شاء الله.

والذي يأتلف منه الكلام (٢) الثلاثة الاسم والفعل والحرف فالاسم قد يأتلف مع الاسم نحو قولك : (الله إلهنا) ويأتلف الاسم والفعل نحو : قام عمرو ولا يأتلف الفعل مع الفعل والحرف لا يأتلف مع الحرف فقد بان فروق ما بينهما.

__________________

(١) الحرف في الاصطلاح ما دلّ على معنى في غيره وفي اللغة طرف الشيء كحرف الجبل وفي التنزيل (ومن النّاس من يعبد الله على حرف) الآية أي على طرف وجانب من الدين أي لا يدخل فيه على ثبات وتمكن فهو إن أصابه خير من صحّة وكثرة مال ونحوهما اطمأنّ به ، وإن أصابته فتنة أي شرّ من مرض أو فقر أو نحوهما انقلب على وجهه عنه. انظر شرح شذور الذهب ١ / ١٨.

(٢) أقلّ ما يتألّف الكلام من اسمين نحو" العلم نور" أو من فعل واسم نحو : " ظهر الحقّ" ومنه" استقم" فإنّه مركّب من فعل الأمر المنطوق به ، ومن الفاعل الضّمير المخاطب المقدّر بأنت ، ويقول سيبويه في استقامة الكلام وإحالته : ف منه مستقيم حسن ، ومحال ، ومستقيم ك ذب ، ومستقيم قبيح ، وما هو محال كذب.

فأمّا المستقيم الحسن فقولك : " أتيتك أمس ، وسآتيك غدا". وأمّا المحال ، فأن تنقض أوّل كلامك بآخره فتقول : " أتيتك غدا وسآتيك أمس". ـ ـ وأمّا المستقيم الكذب فقولك : " حملت الجبل" و" شربت ماء البحر" ونحوه. وأمّا المستقيم القبيح فأن تضع اللّفظ في غير موضعه نحو قولك : " قد زيدا رأيت" و" كي زيدا يأتيك" وأشباه هذا.

وأمّا المحال الكذب فأن تقول : " سوف أشرب ماء البحر أمس". انظر معجم القواعد العربية ٣ / ٢٥.

٤٦

باب مواقع الحروف

واعلم أن الحرف لا يخلو من ثمانية مواضع إما أن يدخل على الاسم وحده مثل الرجل أو الفعل وحده مثل سوف أو ليربط اسما بإسم : جاءني زيد وعمرو أو فعلا بفعل أو مفعل باسم أو على كلام تام أو ليربط جملة بجملة أو يكون زائدا.

أما دخوله على الاسم وحده فنحو لام التعريف إذا قلت : الرجل والغلام فاللام أحدث معنى التعريف وقد كان رجل وغلام نكرتين.

أما دخوله على الفعل فنحو سوف والسين إذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل فالسين وسوف بهما صار الفعل لما يستقبل دون الحاضر وقد بينا هذا.

وأما ربطه الاسم بالاسم فنحو قولك : جاء زيد وعمرو فالواو ربطت عمرا بزيد.

وأما ربطه الفعل بالفعل نحو قولك : قام وقعد وأكل وشرب.

وأما ربطه الاسم بالفعل فنحو : مررت بزيد ومضيت إلى عمرو.

وأما دخوله على الكلام التام والجمل فنحو قولك : أعمرو أخوك وما قام زيد ألا ترى أن الألف دخلت على قولك (عمرو أخوك) وكان خبرا فصيرته استخبارا وما دخلت على : قام زيد وهو كلام تام موجب فصار بدخولها نفيا.

وأما ربطه جملة بجملة فنحو قولك : إن يقم زيد يقعد عمرو وكان أصل الكلام يقوم زيد يقعد عمرو فيقوم زيد ليس متصلا بيقعد عمرو ولا منه في شيء فلما دخلت (إن) جعلت إحدى الجملتين شرطا والأخرى جوابا.

وأما دخوله زائدا فنحو قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] والزيادة تكون لضروب سنبينها في موضعها إن شاء الله.

٤٧

ذكر ما يدخله التغيير من هذه الثلاثة وما لا يتغير منها

اعلم أنه إنما وقع التغيير من هذه الثلاثة في الاسم والفعل دون الحرف ؛ لأن الحروف أدوات تغير ولا تتغير فالتغيير الواقع فيهما على ضربين :

أحدهما : تغيير الاسم والفعل في ذاتهما وبنائهما فيلحقهما من التصاريف ما يزيل الاسم والفعل ونضد حروف الهجاء التي فيهما عن حاله.

وأما ما يلحق الاسم من ذلك فنحو التصغير (١) وجمع التكسير تقول في تصغير حجر : حجير فتضم الحاء وكانت مفتوحة وتحدث ياء ثالثة فقد غيرته وأزالته من وزن فعل إلى وزن (فعيل) وتجمعه فتقول : أحجار فتزيد في أوله همزة ولم تكن في الواحد وتسكن الحاء وكانت متحركة وتزيد ألفا ثالثة فتنقله من وزن فعل إلى وزن أفعال ، وأما ما يلحق الفعل فنحو : قام ويقوم وتقوم واستقام وجميع أنواع التصريف لاختلاف المعاني.

__________________

(١) للمصغر شروط : أن يكون اسما : فلا يصغر الفعل ولا الحرف ؛ لأن التصغير وصف في المعنى. وشذ تصغير فعل التعجب.

وأن يكون متمكنا : فلا تصغر المضمرات ولا من وكيف ونحوهما ، وشذ تصغير بعض أسماء الإشارة والموصولات كما سيأتي.

وأن يكون قابلا للتصغير فلا يصغر نحو كبير وجسيم ولا الأسماء المعظمة. وأن يكون خاليا من صيغ التصغير وشبهها : فلا يصغر نحو الكميت من الخيل والكعيت وهو البلبل ، ولا نحو مبيطر ومهيمن. الثاني وزن المصغر بهذه الأمثلة الثلاثة اصطلاح خاص بهذا الباب اعتبر فيه مجرد اللفظ تقريبا بتقليل الأبنية ، وليس جاريا على اصطلاح التصريف ، ألا ترى أن وزن أحيمر ومكيرم وسفيرج في التصغير فعيعل ، ووزنها التصريفي أفيعل ومفعيل وفعيلل.

الثالث فوائد التصغير عند البصريين أربع : تصغير ما يتوهم أنه كبير نحو جبيل ، وتحقير ما يتوهم أنه عظيم نحو صبيع ، وتقليل ما يتوهم أنه كثير نحو دريهمات ، وتقريب ما يتوهم أنه بعيد زمنا أو محلا أو قدرا نحو قبيل العصر ، ويعيد المغرب ، وفويق هذا ، ودوين ذاك ، وأصيغر منك.

وزاد الكوفيون معنى خامسا وهو التعظيم كقول عمر رضي اعنه في ابن مسعود : كنيف ملىء علما.

وقول بعض العرب : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب. انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ٤٧٥.

٤٨

والضرب الثاني من التغيير : هو الذي يسمى الإعراب (١) وهو ما يلحق الاسم والفعل بعد تسليم بنائهما ونضد حروفهما. نحو قولك : هذا حكم وأحمر ورأيت حكما وأحمر ومررت بحكم وأحمر وهذان حكمان ورأيت حكمين وهؤلاء حكمون ورأيت حكمين ومررت بحكمين وهو يضرب ولن يضرب ولم يضرب وهما يضربان ولن يضربا ولم يضربا وهم يضربون ولن يضربوا ولم يضربوا ألا ترى أن (حكما ويضرب) لم يزل من حركاتهما وحروفهما شيء فسموا هذا الصنف الثاني من التغيير الذي يقع لفروق ومعان تحدث (إعرابا) وبدأوا بذكره في كتبهم ؛ لأن حاجة الناس إليه أكثر وسموا ما عدا هذا مما لا يتعاقب آخره بهذه الحركات والحروف (مبنيا).

__________________

(١) الإعراب أثر ظاهر أو مقدّر يجلبه العامل في آخر الاسم المتمكّن والفعل المضارع ، وللإعراب معنيان لغوي وصناعي. فمعناه اللغوي الإبانة يقال أعرب الرجل عمّا في نفسه إذا أبان عنه وفي الحديث البكر تستأمر وإذنها صماتها والأيّم تعرب عن نفسها أي تبيّن رضاها بصريح النطق.

ومعناه الاصطلاحي ما ذكرت مثال الآثار الظاهرة الضمة والفتحة والكسرة في قولك جاء زيد ورأيت زيدا ومررت بزيد ألا ترى أنها آثار ظاهرة في آخر زيد جلبتها العوامل الداخلة عليه وهي جاء ورأى والباء ومثال الآثار المقدرة ما تعتقده منويّا في آخر نحو الفتى من قولك جاء الفتى ورأيت الفتى ومررت بالفتى فإنك تقدر في آخره في المثال الأول ضمة وفي الثاني فتحة وفي الثالث كسرة وتلك الحركات المقدرة إعراب كما أن الحركات الظاهرة في آخر زيد إعراب. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٤١.

٤٩

باب الإعراب والمعرب والبناء والمبني

الإعراب الذي يلحق الاسم المفرد السالم المتمكن وأعني بالتمكن ما لم يشبه الحرف قبل التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون بحركات ثلاث : ضم وفتح وكسر فإذا كانت الضمة إعرابا تدخل في أواخر الأسماء والأفعال وتزول عنها سميت رفعان فإذا كان الفتحة كذلك سميت نصبا ، وإذا كانت الكسرة كذلك سميت خفضا وجرا هذا إذا كنّ بهذه الصفة نحو قولك : هذا زيد يا رجل ورأيت زيدا يا هذا ومررت بزيد فاعلم ألا ترى تغيير الدال واختلاف الحركات التي تلحقها.

فإن كانت الحركات ملازمة سمي الاسم مبنيا ، فإن كان مفهوما نحو : (منذ) قيل : مضموم ولم يقل : مرفوع ليفرق بينه وبين المعرب ، وإن كان مفتوحا نحو : (أين) قيل : مفتوح ولم يقل : منصوب ، وإن كان مكسورا نحو : (أمس) و (حذام) قيل : مكسور ولم يقل : مجرور.

وإذا كان الاسم متصرفا سالما غير معتل لحقه مع هذه الحركات التي ذكرنا التنوين نحو قولك : هذا مسلم ورأيت مسلما ومررت بمسلم وإنما قلت (سالم) ؛ لأن في الأسماء معتلا لا تدخله الحركة نحو : قفا ورحى تقول في الرفع : هذا قفا وفي النصب : رأيت قفا يا هذا ونظرت إلى قفا وإنما يدخله التنوين إذا كان منصرفا.

وقلت : منصرف (١) ؛ لأن ما لا ينصرف من الأسماء لا يدخله التنوين ولا الخفض ويكون خفضه كنصبه نحو : هذا أحمر ورأيت أحمر ومررت بأحمر والتنوين نون صحيحة ساكنة وإنما

__________________

(١) الصرف هو التنوين وحده وقال آخرون : هو التنوين والجر

حجة الأولين من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه معنى ينبئ عنه الاشتقاق فلم يدخل فيه ما لا يدل عليه الاشتقاق كسائر أمثاله.

وبيانه أن الصرف في اللغة هو الصوت الضعيف كقولهم : صرب ناب البعير وصرفت البكرة ومنه صريف القلم. والنون الساكنة في آخر الكلمة صوت ضعيف فيه غنة كغنة الاشياء التي ذكرنا ، وأما الجر فليس صوته مشبها لما ذكرنا لانه حركة فلم يكون صرفا كسائر الحركات ألا ترى أن الضمة والفتحة في آخر الكلمة حركة ولا تسمى صرفا

٥٠

خصها النحويون بهذا اللقب وسموها تنوينا ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع.

فإذا ثنيت الاسم المرفوع لحقه ألف ونون فقلت : المسلمان والصالحان وتلحقه في النصب والخفض ياء ونون وما قبل الياء مفتوح ليستوي النصب والجر ونون الإثنين مكسورة أبدا تقول : رأيت المسلمين والصالحين ومررت بالمسلمين والصالحين فيستوي المذكر والمؤنث في التثنية ويختلف في الجمع المسلم الذي على حد التثنية.

وإنما قلت في الجمع المسلم الذي على حد التثنية ؛ لأن الجمع جمعان جمع يقال له جمع السلامة وجمع يقال له : جمع التكسير فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه بناء الواحد وتزيد عليه واوا ونونا أو ياء ونونا نحو مسلمين ومسلمون ألا ترى أنك سلمت فيه بناء مسلم فلم تغير شيئا من نضده وألحقته واوا ونونا أو ياء ونونا كما فعلت في التثنية.

وجمع التكسير (١) هو الذي يغير فيه بناء الواحد مثل جمل وأجمال ودرهم ودراهم.

__________________

والوجه الثاني : وهو أن الشاعر إذا اضطر إلى صرف ما لا ينصرف جر في موضع الجر ولو كان الجر من الصرف لما أتي به من غير ضرورة إليه وذلك أن التنوين دعت الضرورة إليه لإقامة الوزن والوزن يقوم به سواء كسر ما قبله أو فتح فلما كسر حين نون علم أنه ليس من الصرف ؛ لأن المانع من الصرف قائم وموضع المخالفة لهذا المانع الحاجة إلى إقامة الوزن فيجب أن يختص به

الوجه الثالث : أن ما فيه الألف واللام لو أضيف لكسر في موضع الجر مع وجود المانع من الصرف وذلك يدل على أن الجر سقط تبعا لسقوط التنوين بسبب مشابهة الاسم الفعل والتنوين سقط لعلة أخرى فينبغي أن يظهر الكسر الذي هو تبع لزوال ما كان سقوطه تابعا له. المسائل الخلافية للعكبري ١ / ١٠٥.

(١) جمع التكسير هو الاسم الدال على أكثر من اثنين بصورة تغيير لصيغة واحدة لفظا أو تقديرا. وقسم المصنف التغيير الظاهر إلى ستة أقسام : ؛ لأنه إما بزيادة كصنو وصنوان ، أو بنقص كتخمة وتخم ، أو تبديل شكل كأسد وأسد ، أو بزيادة وتبديل شكل كرجل ورجال ، أو بنقص وتبديل شكل كقضيب وقضب ، أو بهن كغلام وغلمان. وإنما قلت بصورة تغيير ؛ لأن صيغة الواحد لا تتغير حقيقة ؛ لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد ، والتغيير المقدر في نحو فلك ودلاص وهجان وشمال للخلقة. قيل ولم يرد غير هذه الأربعة. وذكر في شرح الكافية من ذلك عفتان وهو القوي الجافي ، فهذه الألفاظ الخمسة على صيغة واحدة في

٥١

فإذا جمعت الاسم المذكر على التثنية لحقته واو ونون في الرفع نحو قولك : هؤلاء المسلمون وتلحقه الياء والنون في النصب والخفض نحو : رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين ونون هذا الجمع مفتوحة أبدا والواو مضموم ما قبلها والياء مكسورة ما قبلها.

وهذا الجمع مخصوص به من يعقل ولا يجوز أن تقول في جمل جملون ولا في جبل جبلون ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل فهو شاذ فلشذوذه عن القياس علة سنذكرها في موضعها ولكن التثنية يستوي فيها ما يعقل وما لا يعقل.

والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وفي الجمع مختلف فإذا جمعت المؤنث على حد التثنية زدت ألفا وتاء وحذفت الهاء إن كانت في الاسم وضممت التاء في الرفع وألحقت الضمة نونا ساكنة فقلت في جمع مسلمة (هؤلاء مسلمات).

والضمة في جمع المؤنث نظيرة الواو في جمع المذكر والتنوين نظير النون وتكسر التاء وتنون في الخفض والنصب جميعا تقول : رأيت مسلمات ومررت بمسلمات والكسرة نظيرة الياء في المذكرين والتنوين نظير النون.

وأما الإعراب الذي يكون في فعل الواحد من الأفعال المضارعة فالضمة فيه تسمى رفعا والفتحة نصبا والإسكان جزما وقد كنت بينت لك أن المعرب من الأفعال التي في أوائلها الحروف الزوائد التاء والنون والياء والألف فالألف للمتكلم مذكرا كان أو مؤنثا نحو : أنا أفعل ؛ لأن الخطاب يبينه والتاء للمخاطب المذكر والمؤنث نحو : أنت تفعل وأنت تفعلين وكذلك للمؤنث إذا كان لغائبة قلت : هي تفعل ، وإن كان الفعل للمتكلم ولأخر معه أو جماعة قلت : نحن نفعل.

__________________

المفرد والمجموع. ومذهب سيبويه أنها جموع تكسير فيقدر زوال حركات المفرد وتبدلها بحركات مشعرة بالجمع ، ففلك إذا كان مفردا كقفل ، وإذا كان جمعا كبدن ، وعفتان إذا كان مفردا كسرحان ، وإذا كان جمعا كغلمان وكذا باقيها. ودعاه إلى ذلك أنهم ثنوها فقالوا فلكان ودلاصان ، فعلم أنهم لم يقصدوا بها ما قصدوا بنحو جنب مما اشترك فيه الواحد وغيره حين قالوا هذا جنب ، وهذان جنب ، وهؤلاء جنب ، فالفارق عنده بين ما يقدر تغييره وما لا يقدر تغييره وجود التثنية وعدمها. انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ٤٣٩.

٥٢

والمذكر والمؤنث في ذا أيضا سواء ؛ لأنه يبين أيضا بالخطاب والياء للمذكر الغائب فجميع ما جعل لفظ المذكر والمؤنث فيه سواء على لفظ واحد فإنما كان ذلك ؛ لأنه غير ملبس فالمرفوع من هذه الأفعال نحو قولك : زيد يقوم وأنا أقوم وأنت تقوم وهي تقوم.

والمنصوب : لن يقوم ولن يقعدوا والمجزوم لم يقعدوا ولم يقم هذا في الفعل الصحيح اللام خاصة.

فأما المعتل فهو الذي آخره ياء أو واو أو ألف ، فإن الإعراب يمتنع من الدخول عليه إلا النصب فإنه يدخل على ما لامه واو أو ياء خاصة دون الألف ؛ لأن الألف لا يمكن تحركها تقول فيما كان معتلا من ذوات الواو في الرفع : هو يغزو ويغدو يا هذا فتسكن الواو وتقول في النصب : لن يغزو فتحرك الواو وتسقط في الجزم فتقول : لم يغز ولم يغد (١).

وكذلك ما لامه ياء نحو : يقضي ويرمي تكون في الرفع ياؤه ساكنة فتقول : هو يقضي ويرمي وتفتحها في النصب فتقول : لن يقضي ولن يرمي وتسقط في الجزم ، وأما ما لامه ألف فنحو : يخشى ويخفى تقول في الرفع : هو يخشى ويخفى وفي النصب : لن يخشى ولن يخفى وتسقط في الجزم فتقول فيه لم يخش ولم يخف فإذا صار الفعل المضارع لإثنين مذكرين مخاطبين أو غائبين زدته ألفا ونونا وكسرت النون فقلت : يقومان فالألف ضمير الإثنين الفاعلين والنون علامة الرفع.

__________________

(١) الفعل المعتلّ الآخر كيغزو ويخشى ويرمى فإنه يجزم بحذفه ونحو (إنّه من يتّقي ويصبر) مؤوّل وأقول هذا خاتمة الأبواب السبعة التي خرجت عن القياس وهو الفعل المضارع الذي آخره حرف علّة وهو الواو والألف والياء فإنه يجزم بحذف الحرف الأخير نيابة عن حذف الحركة تقول لم يغز ولم يخش ولم يرم قال الله تعالى (فليدع ناديه)

اللام لام الأمر ويدع فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف الواو و (ناديه) مفعول ومضاف إليه وظهرت الفتحة على المنقوص لخفتها والتقدير فليدع أهل ناديه أي أهل مجلسه

وقال الله تعالى (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) فهذان مثالان لحذف الألف

وقال الله تعالى (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ). شرح شذور الذهب ١ / ٨٠.

٥٣

واعلم أن الفعل لا يثنى ولا يجمع في الحقيقة وإنما يثنى ويجمع الفاعل الذي تضمنه الفعل فإذا قلت : يقومان فالألف ضمير الفاعلين اللذين ذكرتهما والنون علامة الرفع فإذا نصبت أو جزمت حذفتها فقلت : لن يقوما ولن يعقدا ولم يقوما ولم يقعدا فاستوى النصب والجزم فيه كما استوى النصب والخفض في تثنية الاسم وتبع النصب الجزم ؛ لأن الجزم يخص الأفعال ولا يكون إلا فيها كما تبع النصب الخفض في تثنية الأسماء وجمعها السالم إذ كان الخفض يخص الأسماء ، فإن كان الفعل المضارع لجمع مذكرين زدت في الرفع واوا مضموما ما قبلها ونونا مفتوحة كقولك : أنتم تقومون وتقعدون ونحو ذلك فالواو ضمير لجمع الفاعلين والنون علامة الرفع.

فإذا دخل عليها جازم أو ناصب (١) حذفت فقيل : لم يفعلوا كما فعلت في التثنية ، فإن كان الفعل المضارع لفاعل واحد مؤنث مخاطب زدت فيه ياء مكسورا ما قبلها ونونا مفتوحة نحو قولك : أنت تضربين وتقومين فالياء دخلت من أجل المؤنث والنون علامة الرفع ، وإذا دخل عليها ما يجزم أو ينصب سقطت نحو قولك : لم تضربي ولن تضربي.

فإن صار الفعل لجمع مؤنث زدته نونا وحدها مفتوحة وأسكنت ما قبلها نحو : هن يضربن ويقعدن فالنون عندهم ضمير الجماعة وليست علامة الرفع فلا تسقط في النصب والجزم لأنها ضمير الفاعلات فهي اسم هاهنا خاصة فأما الفعل الماضي فإذا ثنّيت المذكر أو جمعته قلت : فعلا وفعلوا ولم تأت بنون ؛ لأنه غير معرب والنون في (فعلن) إنما هي ضمير وهي لجماعة المؤنث وأسكنت اللام فيها كما أسكنتها في (فعلت) حتى لا تجتمع أربع حركات وليس ذا في أصول كلامهم.

__________________

(١) والكلام هنا دائر على ما يعرف بالأفعال الخمسة ، وهي : هي كلّ فعل مضارع اتصل به ألف اثنين مثل" يفعلان تفعلان" أو واو جمع مثل" يفعلون تفعلون" أو ياء المخاطبة مثل : " تفعلين". وتعرب ترفع الأفعال الخمسة بثبوت النّون نحو" العلماء يترفّعون عن الدّنايا".

وتنصب وتجزم بحذفها نحو قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (الآية : ٢٤ سورة البقرة) فالأول جازم ومجزوم ، والثاني ناصب ومنصوب. انظر معجم القواعد العربية ٢ / ٧٨.

٥٤

والفعل عندهم مبني مع التاء (١) في (فعلت) ومع النون في (فعلن) كأنه منه ؛ لأن الفعل لا يخلو من الفاعل ، وأما لام (يفعلن) فإنما أسكنت تشبيها بلام (فعلن) ، وإن لم يجتمع فيه أربع حركات ولكن من شأنهم إذا أعلوا أحد الفعلين لعلة أعلوا الفعل الآخر ، وإن لم تكن فيه تلك العلة وسترى ذلك في مواضع كثيرة إن شاء الله.

واعلم أن الإعراب عندهم إنما حقه أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف وأن السكون والبناء حقهما أن يكونا لكل فعل أو حرف وأن البناء الذي وقع في الأسماء عارض فيها لعلة وأن الإعراب الذي دخل على الأفعال المستقبلة إنما دخل فيها العلة فالعلة التي بنيت لها الأسماء هي وقوعها موقع الحروف ومضارعتها لها وسنشرح ذلك في باب الأسماء المبينة إن شاء الله.

وأما الإعراب الذي وقع في الأفعال فقد ذكرنا أنه وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا ذلك فهو مبني.

فالأسماء تنقسم قسمين : أحدهما معرب والآخر مبني ، فالمعرب يقال له : متمكن وهو ينقسم أيضا على ضربين : فقسم : لا يشبه الفعل وقسم : يشبه الفعل فالذي لا يشبه الفعل هو متمكن منصرف يرفع في موضع الرفع ويجر في موضع الجر وينصب في موضع النصب وينون

__________________

(١) وأحوال بناء الماضى ثلاثة :

(١) يبنى على الفتح فى آخره إذا لم يتصل به شىء ، مثل : صافح ، محمد ضيفه ، ورحّب به. وكذلك يبنى على الفتح إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة ، أو ألف الاثنين ، مثل : قالت فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما علافا.

والفتح فى الأمثلة السابقة ظاهر. وقد يكون مقدرا إذا كان الماضى معتل الآخر بالألف ، مثل : دعا العابد ربه.

(٢) يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به" التاء" المتحركة التى هى ضمير" فاعل" ، أو : " نا" التى هى ضمير فاعل ، أو" نون النسوة" التى هى كذلك. مثل أكرمت الصديق ، وفرحت به. ومثل : خرجنا فى رحلة طيبة ركبنا فيها السيارة ، أما الطالبات فقد ركبن القطار.

(٣) يبنى على الضم فى آخره إذا اتصلت به واو الجماعة ، مثل الرجال خرجوا لأعمالهم. انظر النحو الوافي ١ / ٥٧.

٥٥

وقسم يضارع الفعل غير متصرف لا يدخله الجر ولا التنوين وسنبين من أين يشبه بالفعل فيما يجري وفي ما لا يجري إن شاء الله.

والمبني (١) من الأسماء ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون نحو : كم ومن وإذ ، وذلك حق البناء وأصله وضرب مبني على الحركة فالمبني على الحركة ينقسم على ضربين :ضرب حركته لالتقاء الساكنين نحو أين وكيف وضرب حركته لمقاربته التمكن ومضارعته للأسماء المتمكنة نحو (يا حكم) في النداء وجئتك من عل وجميع هذا يبين في أبوابه إن شاء الله.

فأما الإعراب الذي وقع في الأفعال فقد بينا أنه إنما وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا المضارعة فمبني والمبني من الأفعال ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون والسكون أصل كل مبني ، وذلك نحو : اضرب واقتل ودحرج وانطلق وكل فعل تأمر به إذا كان بغير لام ولم يكن فيه حرف من حروف المضارعة نحو : الياء والتاء والنون والألف فهذا حكمه.

وأما الأفعال التي فيها حروف المضارعة فيدخل عليها اللام في الأمر وتكون معربة مجزومة بها نحو : ليقم زيد وليفتح بكر ولتفرح يا رجل ، وأما ما كان على لفظ الأمر مما يستعمل في التعجب.

__________________

(١) البناء : هو لزوم آخر الكلمة حالة واحدة. والأسماء المبنية هي : الضّمائر ، أسماء الإشارة ، أسماء الموصول ، أسماء الأصوات ، أسماء الأفعال ، أسماء الشّرط ، أسماء الاستفهام ، وبعض الظّروف مثل" إذ ، إذا ، الآن ، حيث ، أمس" ، وكلّ ذلك يبنى على ما سمع عليه.

ويطرّد البناء على الفتح فيما ركّب من الأعداد والظّروف والأحوال نحو" أرى خمسة عشر رجلا يتردّدون صباح مساء على جواري بيت بيت".

ويطّرد البناء على الضّمّ فيما قطع عن الإضافة لفظا من المبهمات كقبل وبعد وحسب ، وأول ، وأسماء الجهات ، نحو : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الآية : ٤ سورة الروم). والكسر فيما ختم" بويه" كسيبويه ووزن فعال علما لأنثى ك" حذام ورقاش" أو سبّا لها ك" يا خباث ويا كذاب". أو اسم فعل ك" نزال وقتال" (يستثنى من الأعداد المركبة" اثنا عشر ، واثنتا عشر" فإنها تعرب إعراب المثنى ، ومن أسماء الشرط والاستفهام والموصولات" أي" فإنها تعرب بالحركات ، ويجوز في" أي" الموصولة البناء على الضم إذا أضيفت ، وحذف صدر صلتها نحو" فسلّم على أيّهم أفضل". انظر معجم القواعد العربية ٣ / ١٦.

٥٦

فحكمه حكمه نحو قولك : أكرم بزيد و (أسمع بهم وأبصر) وزيد ما أكرمه وما أسمعهم وما أبصرهم.

والضرب الثاني مبني على الفتح (١) وهو كل فعل ماض كثرت حروفه أو قلت نحو : ضرب واستخرج وانطلق وما أشبه ذلك.

__________________

(١) قال ابن هشام : لزم البناء على الفتح وهو سبعة أنواع : النوع الأول الماضي المجرد مما تقدم ذكره وهو الضمير المرفوع المتحرك نحو ضرب ودحرج واستخرج وضربا ضربك وضربه ، وأما نحو رمى وعفا فأصله رمى وعفو فلما تحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين فسكون آخرهما عارض والفتحة مقدرة في الألف ولهذا إذا قدر سكون الآخر رجعت الياء والواو فقيل رميت وعفوت. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٨٨.

٥٧

ذكر العوامل من الكلم

الثلاثة : الاسم والفعل والحرف وما لا يعمل منها.

تفسير الأول وهو الاسم

الاسم : يعمل في الاسم على ثلاثة أضرب :

الضرب الأول :

أن يبنى عليه اسم مثله أو يبنى على اسم ويأتلف فإجتماعهما الكلام ويتم ويفقدان العوامل من غيرهما نحو قولك : (عبد الله أخوك (١)) فعبد الله مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل ابتدأته لتبني عليه ما يكون حديثا عنه : (وأخوك) مرتفع بأنه الحديث المبني على الاسم الأول المبتدأ.

الضرب الثاني :

أن يعمل الاسم بمعنى الفعل والأسماء التي تعمل عمل الفعل أسماء الفاعلين وما شبه بها والمصادر وأسماء سموا الأفعال بها وإنما أعملوا اسم الفاعل لما ضارع الفعل وصار الفعل سببا له وشاركه في المعنى ، وإن افترقا في الزمان كما أعربوا الفعل لما ضارع الاسم فكما أعربوا هذا أعلموا ذلك والمصدر حكمه حكم اسم الفاعل أعمل كما أعمل إذا كان الفعل مشتقا منه إلا أن الفرق بينه وبين اسم الفاعل أن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول ؛ لأنه غيرهما تقول : عجبت من ضرب زيد عمرا فيكون زيد هو الفاعل في المعنى وعجبت من

__________________

(١) ذكر ابن عقيل في شرح الألفية أن هذه الجملة وأمثالها من الأنواع التي يجب فيها تأخير الخبر فقال : فذكر منه خمسة مواضع :

الأول أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ ولا مبين للمبتدأ من الخبر نحو زيد أخوك وأفضل من زيد أفضل من عمرو ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه لأنك لو قدمته فقلت أخوك زيد وأفضل من عمرو أفضل من زيد لكان المقدم مبتدأ وأنت تريد أن يكون خبرا من غير دليل يدل عليه ، فإن وجد دليل يدل على أن المتقدم خبر جاز كقولك أبو يوسف أبو حنيفة فيجوز تقدم الخبر وهو أبو حنيفة ؛ لأنه معلوم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة ولا تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف. شرح ابن عقيل ١ / ٢٣٢.

٥٨

ضرب زيد عمرو فيكون زيد هو المفعول في المعنى ولا يجوز هذا في إسم الفاعل لا يجوز أن تقول : عجبت من ضارب زيد وزيد فاعل لأنك تضيف الشيء إلى نفسه ، وذلك غير جائز.

فأما ما شبه باسم الفاعل نحو : حسن وشديد فتجوز إضافته إلى الفاعل ، وإن كان إياه لأنها إضافة غير حقيقية نحو قولك : الحسن الوجه والشديد اليد والحسن للوجه والشدة لليد وإنما دخلت الألف واللام وهي لا تجتمع مع الإضافة على الحسن الوجه وما أشبهه ؛ لأن إضافته غير حقيقية ومعنى : حسن الوجه حسن وجهه وقد أفردت بابا للأسماء التي تعمل عمل الفعل اذكره بعد ذكر الأسماء المرتفعة إن شاء الله.

الضرب الثالث :

أن يعمل الاسم لمعنى الحرف ، وذلك في الإضافة (١) والإضافة تكون على ضربين : تكون بمعنى اللام وتكون بمعنى (من).

فأما الإضافة التي بمعنى اللام فنحو قولك : غلام زيد ودار عمرو ألا ترى أن المعنى : غلام لزيد ودار لعمرو إلا أن الفرق بين ما أضيف بلام وما أضيف بغير لام أن الذي يضاف بغير لام يكتسي مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره فيكون معرفة إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة ألا ترى أنك إذا قلت غلام زيد فقد عرف الغلام بإضافة إلى زيد وكذلك إذ قلت : دار الخليفة عرفت الدار بإضافتها إلى الخليفة.

ولو قلت : دار للخليفة لم يعلم أي دار هي ، وكذلك لو قلت : غلام لزيد لم يدر أي غلام هو وأنت لا تقول : غلام زيد فتضيف إلا وعندك أن السامع قد عرفه كما عرفته.

__________________

(١) قال ابن هشام : المضاف لمعرفة ك غلامي وغلام زيد.

وأقول هذا خاتمة المعارف وهو المضاف لمعرفة وهو في درجة ما أضيف إليه ف غلام زيد في رتبة العلم وغلام هذا في رتبة الإشارة وغلام الّذي جاءك في رتبة الموصول وغلام القاضي في رتبة ذي الأداة ولا يستثنى من ذلك الا المضاف الى المضمر ك غلامي فإنه ليس في رتبة المضمر بل هو في رتبة العلم وهذا هو المذهب الصحيح. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٢٠٢.

٥٩

أما الإضافة التي بمعنى (من) فهو أن تضيف الاسم إلى جنسه نحو قولك : ثوب خز وباب حديد تريد ثوبا من خز وبابا من حديد فأضفت كل واحد منهما إلى جنسه الذي هو منه وهذا لا فرق فيه بين إضافته بغير (من) وبين إضافته (بمن) وإنما حذفوا (من) هنا استخفافا فلما حذفوها التقى الاسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثاني خبرا عن الأول ولا صفة له ولو نصب على التفسير أو التمييز لجاز إذا نون الأول نحو قولك : ثوب خزا.

واعلم أن الاسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف بل هو المعرض للعوامل من الأفعال والحروف.

٦٠