الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

ومرة يحميهم إذا ما تبدّدوا

ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا (١)

قال سيبويه : كأنه قال : فكفى بك فارسا وإنما يريد : كفيت فارسا ودخلت هذه الباء توكيدا ومن ذلك قول الأعشى :

فأبرحت ربّا وأبرحت جارا ... (٢)

ومثله : أكرم به رجلا.

وإذا كان في الأول ذكر منه حسن أن تدخل (من) توكيدا لذلك الذكر تقول : ويحه من رجل ولله در زيد من فارس وحسبك به من شجاع ولا يجوز : عشرون من درهم ولا هو أفرههم من عبد ؛ لأنه لم يذكره في الأول ومعنى قولهم : ذكر منه أن رجلا هو الهاء في ويحه.

وفارس هو زيد والدرهم ليس هو العشرون والعبد ليس هو زيد ولا الأفره ؛ لأن الأفره خبر زيد.

__________________

(١) وذلك قولك : " ويحه رجلا" وأنت تريد الثناء عليه. و" لله درّه رجلا" و" حسبك به من فارس ، ومثل ذلك قول العباس بن مرداس :

ومرّة يحميهم إذا ما تبدّدوا

ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا

(يمدح مرة بأنه إذا تبدّدت الخيل في الغارة ردّها وحماها ، ويطعنهم شزرا : الشّزر : ما كان في جانب وهو أشّد ، وأبرحت : تبيّن فضلك كما يتبيّن البراح من الأرض ، والشاهد : فارسا وهو منصوب على التمييز) فكأنّه قال : فكفى بك فارسا.

ومن ذلك قول الأعشى :

تقول ابنتي حين جدّ الرّحيل

فأبرحت ربّا وأبرحت جارا

(فأبرحت ربّا وأبرحت جارا تمييز والمعنى : ظهرت وتبيّنت ربّا وجارا)

ومثله : " أكرم به رجلا". انظر معجم القواعد العربية ٤ / ٤١.

(٢) انظر معجم القواعد العربية ٤ / ٤١.

٢٨١

باب تمييز الأعداد

اعلم أن الأعداد كالمقادير تحتاج إلى ما يميزها كحاجتها.

وهي تجيء على ضربين : منها ما حقه الإضافة إلى المعدود ، وذلك ما كان منه يلحقه التنوين ومنها ما لا يضاف وهو ما كان فيه نون أو بني إسم منه مع اسم فجعلا بمنزلة اسم واحد (١).

أما المضاف فما كان منها من الثلاثة إلا العشرة فأنت تضيفه إلى الجمع الذي بني لأدنى العدد نحو : ثلاثة أثوب وأربعة أفلس وخمسة أكلب وعشرة أجمال.

فأفعل وأفعال مما بني لأقل العدد وأقل العدد هو العشرة فما دونها ذلك أن تدخل في المضاف إليه الألف واللام ؛ لأنه يكون الأول به معرفة فتقول : ثلاث الأثواب وعشرة الأفلس.

ومن ذلك مائة وألف ؛ لأن المائة نظير عشرة لأنها عشر عشرات والألف نظير المائة ؛ لأنه عشر مئات.

__________________

(١) تمييز العدد المركب كتمييز عشرين وأخواته فيكون مفردا منصوبا نحو أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة :

وإن أضيف عدد مركب

يبق البنا وعجز قد يعرب

يجوز في الأعداد المركبة إضافتها إلى غير مميزها ما عدا اثنى عشر فإنه لا يضاف فلا يقال اثنا عشرك ، وإذا أضيف العدد المركب فمذهب البصريين أنه يبقى الجزآن على بتائهما فتقول هذه خمسة عشرك ومررت بخمسة عشرك بفتح آخر الجزءين.

وقد يعرب العجز مع بقاء الصدر على بنائه فتقول هذه خمسة عشرك ورأيت خمسة عشرك ومررت بخمسة عشرك :

وصغ من اثنين فما فوق إلى

عشرة كفاعل من فعلا

واختمه في التأنيث بالتا ومتى

ذكرت فاذكر فاعلا بغير تا

يصاغ من اثنين إلى عشرة اسم موازن لفاعل كما يصاغ من فعل نحو ضارب من ضرب فيقال ثان وثالث ورابع إلى عاشر بلا تاء في التذكير وبتاء في التأنيث. انظر شرح ابن عقيل على الألفية ٤ / ٧٤.

٢٨٢

قال أبو العباس رحمه الله : ولكنك أضفت إلى المميز : لأن التنوين غير لازم في المئة والألف والنون في عشرين لازمة لأنها تثبت في الوقف وتثبت مع الألف واللام فإذا زدت على العشرة شيئا جعل مع الأول اسما واحدا وبنيا على الفتح ويكون في موضع عدد فيه نون ، وذلك قولك : أحد عشر درهما وخمسة عشر دينارا ويدلك على أن عشر قد قامت مقام التنوين قولهم : إثنا عشر درهما ألا ترى أن عشر قد عاقبت النون فلم تجتمعا فهذا على ذلك إلى تسعة عشر فإذا ضاعفت أدنى العقود وهو عشرة كان له اسم من لفظه ولحقته الواو والنون والياء والنون نحو : عشرون وثلاثون إلى تسعين والذي يبين به هذه العقود لا يكون إلا واحدا نكرة تقول : عشرون ثوبا وتسعون غلاما.

فإذا بلغت المئة تركت التنوين وأضفت المئة إلى واحد مفسر ووجب ذلك في المئة لأنها تشبه عشرة وعشرين أما شبهها بعشرة فلأنها عشر عشرات فوجب لها من هذه الجهة الإضافة ، وأما شبهها بعشرين وتسعين فلأنها العقد الذي يلي تسعين فوجب أن يكون مميزها واحدا فأضيفت إلى واحد لذلك إلا أنك تدخل عليه الألف واللام إن شئت ؛ لأن الأول يكون به معرفة وكذلك ألف حكمه حكم مئة وتثنيتها فتقول : مئتا درهم وألفا درهم وقد جاء بعض هذا منونا منصوبا ما بعده في الشعر قال الربيع :

إذا عاش الفتى مئتين عاما

فقد ذهب البشاشة والفتاء (١)

__________________

(١) شذ تمييز المائة بمفرد منصوب كقوله :

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فلا يقاس عليه ، وأجاز ابن كيسان المائة درهم والألف دينارا (وأحد اذكر وصلته بعشر) مجردا من التاء (مركّبا) لهما (قاصد معدود ذكر) نحو : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) (يوسف : ٤) ، وهمزة أحد مبدلة من واو وقد قيل : وحد عشر على الأصل وهو قليل. وقد يقال واحد عشر على أصل العدد. (وقل لدى التأنيث إحدى عشره) امرأة بإثبات التاء وقد يقال واحد عشرة (والشّين فيها عن تميم كسره) أي مع المؤنث فيقولون إحدى عشرة واثنتا عشرة بكسر الشين ، وبعضهم يفتحها وهو الأصل إلا أن الأفصح التسكين وهو لغة الحجاز. ، وأما في التذكير فالشين مفتوحة ، وقد تسكن عين عشر فيقال : أحد عشر وكذلك أخواته لتوالي الحركات ، وبها قرأ أبو جعفر ، وقرأ هبيرة ـ صاحب حفص ـ (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) (التوبة : ٣٦) ، وفيها جمع بين ساكنين (و)

٢٨٣

قال سيبويه وثلاث : وأما تسع مائة وثلاث مائة فكان حقه مئتين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر.

وقال : اختص هذا إلى تسع مئة ثم ذكر : أنهم قد يختصون الشيء بما لا يكون لنظائره فذكر : لدن وغدوة وما شعرت به شعرة وليت شعري والعمر والعمر ولا يقولون إلا لعمرك في اليمين وذكر مع ذلك أنه قد جاء في الشعر الواحد يراد به الجمع وأنشد :

في حلقكم عظم وقد شجينا

يريد : في حلوقكم. وقال آخر :

كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فإنّ زمانكم زمن خميص

واعلم أن (كم) اسم عدد مبهم فما يفسرها بمنزلة ما يفسر العدد وقد أفردت لها بابا يلي هذا الباب.

__________________

أما (مع غير أحد وإحدى ما معهما فعلت) في العشرة من التجريد من التاء مع المذكر وإثباتها مع المؤنث (فافعل قصدا) والحاصل أن للعشرة في التركيب عكس ما لها قبله فتحذف التاء في التذكير وتثبت في التأنيث (ولثلاثة وتسعة وما بينهما إن ركبا ما قدّما) أي في الإفراد وهو ثبوت التاء مع المذكر وحذفها مع المؤنث. انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ٣٩٦.

٢٨٤

باب (كم)

اعلم أن لـ (كم) موضعين (١) : تكون في أحدهما استفهاما وفي الآخر خبرا فأما إذا كانت استفهاما فهي فيه بمنزلة : عشرين وما أشبهه من الأعداد التي فيها نون تنصب ما يفسرها تقول : كم درهما لك كما تقول : أعشرون درهما لك أثلاثون درهما لك فينتصب الدرهم بعد (كم) كما انتصب بعد عشرين وثلاثين ؛ لأن (كم) اسم ينتظم العدد كله وخص الاستفهام بالنصب ليكون فرقا بينه وبين الخبر ؛ لأن العدد على ضربين : منه ما يضاف إلى المعدود ومنه ما لا يضاف كما ذكرنا فجعلت (كم) في الاستفهام بمنزلة ما لا يضاف منه ، وذلك نحو : خمسة عشر وعشرين فخمسة عشر أيضا بمنزلة اسم منون ألا ترى أنه لا يضاف إلى ما يفسره فإذا قلت : كم درهما لك فإنما أردت : كم لك من الدراهم كما أنك لما قلت : عشرون درهما إنما أردت : عشرون من الدراهم ولكنهم حذفوا (من) استخفافا كما قالوا : هذا أول فارس في الناس وإنما يريدون : هذا أول الفرسان.

قال الخليل : إن : (كم درهما لك) أقوى من قولك : (كم لك درهما) ، وذلك أن قولك :(أعشرون لك درهما) أقبح إلا أنها في (كم) عربية جيدة ، وذلك قبيح في عشرين إلا أن الشاعر قد قال :

على أنني بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا (٢)

__________________

(١) يلتحق بالعدد المخفوض تمييز كم الخبرية وهي اسم دال على عدد مجهول الجنس والمقدار يستعمل للتكثير ولهذا انما يستعمل غالبا في مقام الافتخار والتعظيم ويفتقر الى تمييز يبين جنس المراد به ولكنه لا يكون إلا مخفوضا كما ذكرنا ثم تارة يكون مجموعا كتميز الثلاثة والعشرة وأخواتهما وتارة يكون مفردا كتميز المائة والألف وما فوقها.

والخامس ما يحتاج الى تمييز مفرد منصوب أو مخفوض وهو كم الاستفهامية المجرورة بكم درهم اشتريت فالنصب على الأصل والجر بمن مضمرة لا بالإضافة خلافا للزجاج. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٦٠٢.

(٢) لا يجوز فصل هذا التمييز. ، وأما قوله :

على أنّني بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا

فضرورة. انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ٣٩٨.

٢٨٥

واعلم أن (كم) لا تكون إلا مبتدأة في الاستفهام والخبر ولا يجوز أن تبنيها على فعل وأنها تكون فاعلة في المعنى ومفعولة ومبتدأة وظرفا كما يكون سائر الأعداد في التقدير لا يجوز أن تقول : رأيت كم رجلا فتقدم عليها ما يعمل فيها.

فأما كونها فاعلة فقولك : كم رجلا أتاني ، وأما كونها مفعولة فقولك : كم رجلا ضربت ، وأما كونها مبتدأة فقولك : كم دانقا دراهمك.

واعلم أنه لك ألا تذكر ما تفسر به (كم) كما جاز لك ذلك في العدد تقول : كم درهم لك فالتقدير : كم قيراطا درهم لك ولا تذكر القيراط.

وتقول : كم غلمانك والمعنى كم غلاما غلمانك ولا يجوز إلا الرفع في غلمانك ؛ لأنه معرفة.

ولا يكون التمييز بالمعرفة فكأنك قلت : أعشرون غلمانك ، وأما كونها ظرفا فقولك : كم ليلة سرت كأنك قلت : أعشرين ليلة سرت وكم يوما أقمت كأنك قلت : أثلاثين يوما أقمت فكم عدد.

والعدد : حكمه حكم المعدود الذي عددته به.

فإن كان المعدود زمانا فهو زمان ، وإن كان حيوانا فهو حيوان. وإن كان غير ذلك فحكمه حكمه.

ولا يجوز : كم غلمانا لك كما لا يجوز : أعشرون غلمانا لك.

قال : وحكى الأخفش : أن الكوفيين يجيزونه ، وإذا قلت : كم عبد الله ماكث (فكم) ظرف فكأنك قلت : كم يوما عبد الله ماكث فكم أيام وعبد الله يرتفع بالابتداء كما ارتفع بالفعل حين قلت : كم رجلا ضرب عبد الله وتقول : كم غلمان لك فتجعل (لك) صفة لهم والمعنى : كم غلاما غلمان لك.

قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن قولهم : على كم جذع بيتك مبني فقال : القياس والنصب وهو قول عامة الناس يعني نصب جذع.

٢٨٦

قال : فأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى : (من) ولكنهم حذفوا هاهنا تخفيفا على اللسان.

وصارت (على) عوضا منها أما (كم) التي تكون خبرا فهي في الكثير نظيره رب في التقليل إلا أن كم : التي اسم ورب : حرف وهي في الخبر بمنزلة اسم لعدد غير منون نحو : مئتي درهم فهي مضافة ، وذلك قولك : كم غلام لك قد ذهب جعلوها في الاستفهام بمنزلة : عشرين وفي الخبر بمنزلة : ثلاثة تجر ما بعدها ولا تعمل (كم) في الخبر إلّا فيما تعمل فيه (رب) في اسم نكرة لا يجوز أن تدخل فيه الألف واللام كما فعلت ذلك في مئة الدرهم وما أشبهها ولا تعمل إلا في نكرة نصبت أو خفضت فتقول : كم رجل قد لقيت وكم درهم قد أعطيت.

وإن شئت قلت : كم رجال قد لقيت وكم غلمان قد وهبت فيجوز الجمع إذا كانت خبرا ولا يجوز إذا كانت استفهاما أن تفسر بجميع.

وتقول العرب : كم رجل أفضل منك تجعله خبر (كم) وحكى ذلك : يونس عن أبي عمرو وكم تفسر ما وقعت عليه من العدد بالواحد المنكور كما قلت : عشرون درهما أو بجمع منكور نحو : ثلاثة أثواب.

وهذا جائز في التي تقع في الخبر ، فأما التي في الاستفهام فلا يجوز فيها إلا ما جاز في العشرين وناس من العرب يعملونها في الخبر كعملها في الاستفهام فينصبون كأنهم يقدرون التنوين ومعناها منونة وغير منونة سواء.

وبعض العرب ينشد :

كم عمة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (١)

__________________

(١) هذا من أمثلة المنصوب على الذّم والشّتم وما أشبههما : تقول : " أتاني زيد الفاسق الخبيث" لم يرد إلّا شتمة بذلك ، وقرأ عاصم قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) بنصب حمّالة على الذم ، والقراءات الأخرى برفع حمّالة على الخبر لامرأته ، وقال عروة الصّعاليك العبسي :

سقوني الخمر ثمّ تكنّفوني

عداة الله من كذب وزور

وقال النابغة :

٢٨٧

وهم كثير منهم الفرزدق وهذا البيت ينشد على ثلاثة أوجه : رفع ونصب وخفض فإذا قلت : كم عمة فعلى معنى : ربّ ، فإن قلت : كم عمة فعلى وجهين : على ما قال سيبويه في لغة من ينصب في الخبر وعلى الاستفهام ، فإن قلت : كم عمة فرفعت أوقعت (كم) على الزمان فقلت : كم يوما عمة لك وخالة قد حلبت عليّ عشاري أو كم مرة ونحو ذلك.

واعلم أنك إذا قلت : (كم عمة) فلست تقصد إلى واحدة بعينها.

وكذلك إذا نصبت.

فإن رفعت لم يكن إلا واحدة ؛ لأن التمييز يقع واحدة في موضع الجميع.

فإذا رفعت فإنما المعنى : كم دانقا هذا الدرهم الذي أسألك عنه فالدرهم واحد ؛ لأنه خبر وليس بتمييز ، وإذا فصلت بين كم وبين الاسم وبشيء استغنى عليه السكون أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة اسم منون وانصب ؛ لأنه قبيح أن تفصل بين الجار والمجرور قال زهير :

تؤمّ سنانا وكم دونه

من الأرض محدودبا غارها

وإن شئت رفعت فجعلت : كم مرارا وأنشد سيبويه :

كم بجود مقرف نال العلى

وكريم بخله قد وضعه

يفصل بين كم وبين مقرف بالظرف وأجاز في مقرف الرفع والنصب أيضا على ما فسرنا.

__________________

لعمري وما عمري عليّ بهيّن

لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع

(الأقارع : هم بنو قريع من بني تميم)

ود تبتغي من تجادع

(تجادع من المجادعة : المشاتمة ، وأصلها من الجدع : وهو قطع الأنف والأذن)

وقال الفرزدق :

كم عمّة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت عليّ عشاري

(الفدعاء : معوجة الرسغ من اليد والرجل ، والعشراء : الناقة حملت عشرة أشهر ، يصف نساء جرير بأنهن راعيات له يحلبن عشارة). انظر معجم القواعد العربية ٢٥ / ١٠٥.

٢٨٨

واعلم أنك إذا قلت : كم من درهم عندك فلا يجوز أن تقول : عندك عشرون من درهم.

وقد أجروا مجرى (كم) في الاستفهام فنصبوا قولهم : له كذا وكذا درهما كأنهم قالوا : له عدد ذا دراهم.

قال سيبويه : هو كناية للعدد بمنزلة فلان في الحيوان وهو مبهم وصار ذا من كذا بمنزلة التنوين ؛ لأن المجرور بمنزلة التنوين.

قال : وكذلك كأين رجلا قد رأيت ، قال : زعم ذلك يونس.

وكائن قد أتاني رجلا إلا أن أكثر العرب إنما تتكلم بها مع (من) قال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) [محمد : ١٣] ، فإن حذفت (من) فالكلام عربي جيد.

٢٨٩

مسائل من هذه الأبواب

تقول : عندي رطل زيتا ورطل زيت فمن نصب فعلى التمييز ومن خفض أضاف ومن رفع اتبع وكل هذا جائز في المقادير وكذلك : بيت تبن وجرة زيت ، فإن قلت : شاة لحم وجبة خز فالإضافة لأنك لم ترد : مقدار شاة لحما ومقدار جبة خزا ، فإن أردت هذا المعنى جاز النصب وتقول : عندي زق عسل سمنا تضيف الأول وتنصب الثاني تريد مقدار زق عسل سمنا ولا يجوز عندي ملء زق عسلا سمنا إلا في بدل الغلط خاصة ؛ لأنه لا يكون عندك ملء زق عسلا سمنا إلا في بدل الغلط خاصة ؛ لأنه لا يكون عند ملء زق سمنا وملؤه عسلا ؛ لأنه من أيهما امتلأ فقد شغله عن الآخر ومن ذلك قوله جل وعز : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) و (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) ويجوز : ملء الأرض ذهب في غير القرآن.

وتقول : عندي رطلان زيتا والرطلان زيتا ورطلا زيت ولا يجوز : الرطلا زيت ؛ لأنه لا يجمع بين الألف واللام والإضافة وكان الكسائي يضيفه ويدخل الألف واللام في كل ما كان مفسرا ويجيز أيضا : الرطل الزيت والرطل الزيت والخمسة الأثواب والخمسة الأثواب فإذا قال : رجل السوء وزن السبعة لم يجز أن تدخل عليه الألف واللام لإن إضافته صحيحة والبصريون يأبون إدخال الألف واللام في جميع هذا والفراء أيضا يأباه إلا مع الضارب الرجل والحسن الوجه وقد مضى تفسير هذا.

فإذا قلت : ماء فرات وتمر شهرير ورطب برنيّ قضيبا عوسج ونخلتا برني فكان ليس بمقدار معروف مشهور فكلام العرب الخفض والإختيار فيه الإضافة أو الإتباع ولا يجوز فيه التمييز إذ لم يكن مقدار وتقول : كم مثله لك وكم خيرا منه لك وكم غيره مثله لك انتصب (غير) بكم وانتصب المثل ؛ لأنه صفة له ومثله وغيره نكرة ، وإن كانا مضافين إلى معرفة وقد ذكر هذا.

ولم يجز يونس والخليل : كم غلمانا لك لأنك لا تقول : أعشرون غلمانا لك إلا على وجه : لك مئة بيضا وعليك راقود خلا ، فإن أردت هذا المعنى قلت : كم لك غلمانا ويقبح أن تقول :

٢٩٠

كم غلمانا لك لأن : لك سبب نصب : غلمان ولا يجوز أن يتقدم عليها كما لم يجز : زيد قائما فيها وقد بينا : أن العامل إذا كان معنى لم يجز أن يتقدم مفعوله عليه.

وتقول : كم أتاني لا رجل ولا رجلان وكم عبد لك لا عبد ولا عبدان فهذا محمول على (كم) وموضعها من الإعراب لا على ما تعمل فيه كم كأنك قلت : عشرون أتوني لا رجل ولا رجلان ولو قلت : كم لا رجل ولا رجلين في الخبر والاستفهام كان غير جائز.

وتقول : كم منهم شاهد على فلان إذا جعلت شاهدا خبرا (لكم) وكذلك هو في الخبر أيضا تقول : كم مأخوذ بك إذا أردت أن تجعل : مأخوذا بك في موضع (لك) إذا قلت : كم لك ؛ لأن (لك) لا تعمل فيه (كم) ولكنه مبني عليها خبر لها وتقول : كم رجل قد رأيته أفضل من زيد لأنك جعلت (أفضل) خبرا عن (كم) ؛ لأن (كم) اسم مبتدأ.

فأما (ربّ) إذا قلت : رب رجل أفضل منك فلا يكون لها خبر لأنها حرف جر وكم لا تكون إلا اسما وتقول : كم امرأة قد قامت ولا يجوز أن تقول : كم امرأة قد قمن ؛ لأن المعنى : كم من مرة امرأة قد قامت.

فإن كانت (امرأة) مميزة فقلت : كم امرأة قد قامت جاز أن تقول : قامت وقمن لجعل الفعل مرة على لفظ المفسر ومرة على معنى (كم) وقال الله جل وعز : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) [النجم : ٢٦] فردوه إلى معنى (كم) وقال جل ثناؤه : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) [الأعراف : ٤] فجاء على لفظ المفسر فإدخالك (من) وإخراجها واحد لأنك تريد التفسير.

وتقول : كم ناقة لك وفصيلها وفصيلها نصبا ورفعا من رفع اتبع ما في لك ومن نصب اتبع الناقة وإنما جاز في فصيلها النصب وهو مضاف إلى الضمير ؛ لأن التأويل : وفصيلا لها كما قيل : كل شاة وسخلتها بدرهم فالتأويل وسخلة لها كما قالوا : رب رجل وأخيه والمعنى : وأخ له فإذا قلت : كم ناقة وفصيلها لك فلا يجوز في الفصيل إلا النصب كأنك قلت : كم ناقة وكم فصيل ناقة لك وتقول : كم رجلا قد رايت وامرأة على لفظ (رجل) ويجوز : ونساءه ؛ لأن

٢٩١

المعنى : رجل لكل رجل امرأة والفراء يقول : كم رجلا قد رأيت ونساءه وكم رجل قد رأيت ونسائه ويقول : تأويل (رجل) جمع فلا أرد عليه بالتوحيد.

قال أبو بكر : ويجوز عندي : كم رجلا رأيت ونساءهم ؛ لأن المعنى : كم رجالا رأيت ونساء لهم.

وتقول : كم زيد قائم وبكم ثوبك مصبوغ تريد : كم مرة أو ساعة زيد قائم وما أشبه ذلك. وبكم درهما أو دينارا ثوبك مصبوغ وما أشبه ذلك.

قال الفراء : إذا قلت : عنيد خمسة أثوابا فهو أشبه شيء بقولك : مررت برجل حسن وجها.

قال أبو بكر : وليس هو عند أصحابنا كذلك ؛ لأن وجها عندهم منصوب بأنه مشبه بالمفعول ؛ لأن حسن يشبه اسم الفاعل. وقد مضى ذكر هذا.

والنصب في قولهم : خمسة أثوابا شاذ إنما يجوز مثله في ضرورة شاعر.

وقال أحمد بن يحيى رحمه الله : كل منصوب على التفسير فقد جعل ما قبله في تأويل الفعل ولذلك قلت : عندي خمسة وزنا وعددا فجعلت لها مصدرا.

فتأويله عندي ما يعد به الدرهم خمسة وكذلك في كل التفسير ترده تقديره إلى أن تقدره الفعل : فإن قال قائل : فأنت تقول : ما أحسنك من الرجال وما أحسنك من رجل فيثبتهما إذا فيه فرق إذا قلت : ما أحسنك من الرجال فإنما تريد : أنت حسن من بينهم ومن جماعتهم ، وإذا قلت : من رجل ففيها مذاهب.

أما مذهب أبي العباس محمد بن يزيد رحمه الله فيقول : فصلوا بين الحال والتمييز وقد مضى ذكر ذلك.

وقال غيره : تكون (من) هنا لابتداء الغاية كأنك قلت : ما أحسنك من أول أحوالك يوصف بها الرجل إلى غاية النهاية ومذهب آخر أن تكون (من) تبعيضا للجنس المميز برجل رجل كأنك.

٢٩٢

قلت : ما أحسنك من الرجال إذا ميزوا رجلا رجلا فجعلت رجلا موحدا ليدل على تمييز الرجال بهذا الإفراد وكذلك : ما أحسنك من رجلين.

كأنك قلت : من الرجال إذا ميزوا رجلين رجلين.

والقياس على مذهب الكسائي : عندي الخمسة الألف الدرهم فيجعل الخمسة مضافة إلى الالف والألف مضافة إلى الدرهم وذا عندنا لا يجوز وتقول على مذهبهم : عندي الخمسة العشر الألف الدرهم فتفتح الخمسة والعشر وتنصب الألف على التفسير وتضيفه إلى الدرهم.

وهذا لا يجوز لما قدمنا ذكره.

وتقول : عندي عشرون رجلا صالحا وعندي عشرون رجلا صالحون ولا يجوز : صالحين على أن تجعله صفة رجل ، فإن كان جمعا على لفظ الواحد جاز فيه وجهان : تقول : عندي عشرون درهما جيادا وجياد من رفع جعله صفة للعشرين ومن نصب أتبعه المفسر وهذا البيت ينشد على وجهين :

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم (١)

يروى : سود وتقول : عندي ثلاث نسوة وعجوزين وشابة ترده مرة على ثلاث ومرة على نسوة ، وإذا قلت : خمستك أو خمسة أثوابك لم تخرج منه مفسرا ؛ لأنه قد أضيف وعلم.

__________________

(١) قال ابن هشام : الرابع أن لا يكون صاحبها نكرة محضة كما تقدم من الأمثلة وقد تأتي كذلك كما روى سيبويه من قولهم عليه مائة بيضا وقال الشاعر وهو عنترة العبسي :

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم

فحلوبة لتميز العدد وسودا اما حال من العدد أو من حلوبة أو صفة وعلى هذين الوجهين ففيه حمل على المعنى ؛ لأن حلوبة بمعنى حلائب فلهذا صح أن يحمل عليها سودا والوجه الأول أحسن.

وفي الحديث : صلّى رسول الله جالسا وصلّى وراءه رجال قياما فجالسا حال من المعرفة وقياما حال من النكرة المحضة.

وانما الغالب اذا كان صاحب الحال نكرة أن تكون عامة أو خاصة أو مؤخرة عن الحال. شرح شذور الذهب ١ / ٣٢٥.

٢٩٣

ويجيز البغداديون : خمسة دراهمك ودرهمك ينوي في الأول الإضافة وهذا إنما يجوز عندي مثله في ضرورة الشاعر قالوا : وقد سمع : برئت إليك من خمسة وعشري.

النخاسين قالوا : ولا يجوز مع المكنى وتقول : عندي خمسة وزنا تنصب وترفع من نصب فعلى المصدر ومن رفع جعله نعتا.

كأنه قال : خمسة موزونة ، وإذا قالوا : عندي عشرون وزن سبعة نصبوا ورفعوا مثل ذلك وكذلك إن أدخلوا الألف واللام قالوا : عندي العشرون وزن السبعة ووزن السبعة النصب والرفع وكان الأخفش يجيز : كم رجلا عندك وعبيده يعطف (عبيده) على المضمر الذي في (عندك) ويرفعه قال : ولو قلت : كم رجلا وعبيده عندك على التقديم والتأخير جاز كأنك قلت : كم رجلا عندك وعبيده قال الشاعر :

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام

وقال يزيد بن الحكم الثقفي :

جمعت وبخلا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوي (١)

__________________

(١) اختصاص الواو العاطفة : تختصّ الواو من سائر حروف العطف بواحد وعشرين حكما :

(١) أنّها تعطف اسما لا يستغنى عنه ك" اختصم عمرو وخالد" واصطفّ بكر وعليّ و" اشترك محمّد وأخوه" و" جلست بين أخي وصديقي" ؛ لأن الاختصام والاصطفاف والشّركة والبيّنيّة من المعاني التي لا تقوم إلا بإثنين فصاعدا.

(٢) عطف سببيّ على أجنبيّ في الاشتغال ونحوه ، نحو" زيدا أكرمت خالدا وأخاه" (الأجنبي هو" خالدا والسببي هو" أخاه".

(٣) عطف ما تضمّنه الأوّل إذا كان المعطوف ذا مزيّة نحو : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (الآية : ٢٣٨ سورة البقرة).

(٤) عطف الشّيء على مرادفه نحو (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (الآية : ٣٨ سورة المائدة).

(٥) عطف عامل قد حذف وبقي معموله نحو (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) (الآية : ٩ سورة الحشر) وكلمة الإيمان في الآية ، وإن كانت في الظاهر معطوفة على الدار ولكن فعل" تبوؤوا" لا يصح للإيمان ؛ لأن

٢٩٤

قال : وقد فسروا الآية في كتاب الله جل وعز : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ٦٢] والصابئون كذلك وتقول : كم يسيرك أن لك درهما.

فتنصب الدرهم وتعني : درهما واحداص ولو قلت : كم يسرك أن لك من (درهم) لم يجز ؛ لأن (أن) لا اسم لها وكذلك لو قلت : كم درهما يسرك أن لك لم يجز وتصحيح المسألة :

كم يسرك أنه لك من درهم تريد : كم من درهم يسرك أنه لك وتقول : كم تزعم أن إلى زيد درهما قد دفع تنصب درهما (بأن) ودرهم هاهنا واحد وكم مرار ترد : كم مرة تزعم وتقول : كم عندك قائما رجلا تنصب (قائما) على الحال وتجعل خبر (كم) (عندك) وهو قبيح لأنك قد فصلت بين (كم) وبين ما عملت فيه وتقول : كم مالك إلا درهمان إذا كنت تستقله وكم عطاؤك إلا خمسون كأنك قلت : كم درهما مالك إلا درهمان وكم درهما عطاؤك إلا خمسون فهذا في الاستقلال كقول القائل : هل الأمير إلا عبد الله وهل الدنيا إلا شيء زائل وتقول : كم

__________________

تبوؤ في الأماكن فلا بدّ لها من تقدير فعل يناسبها مثل" اعتفدوا" وهذا هو العامل المحذوف على نحو قول الشاعر :

علفتها تبنا وماء باردا ،

المعنى : وسقيتها ماء باردا.

(٦) جواز فصلها من معطوفها بظرف أو عديله ، نحو فجعلنا (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) (الآية : ٩ سورة يس).

(٧) جواز تقديمها وتقديم معطوفها في الضّرورة نحو قوله :

جمعت وفحشا غيبة ونميمة

خصالا ثلاثا لست عنها بمرعوي

(٨) جواز العطف على الجوار في الجرّ خاصة نحو (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (الآية : ٦ سورة المائدة) : والمراد بالجوار هنا : أن كلمة برؤوسكم مجرورة فجرّ ما بعدها وهي أرجلكم لمجاورةها ما قبلها ، وهذه قراءة من جرّ أرجلكم ، والقراءة الثانية : وأرجلكم بفتح الام عطفا على الوجوه ، على الأصل) ، في قراءة أبي عمرو وأبي بكر وابن كثير وحمزة.

(٩) جواز حذفها إن أمن اللّبس كقوله : " كيف أصبحت كيف أمسيت". انظر معجم القواعد ٣ / ٢٨.

٢٩٥

ثلاثة ستة إلا ثلاثتان وكم خمسة عشرة إلا خمستان وكم رجلا أصحابك إلا خمسون إذا كنت تستقل عددهم ويكون ما بعد إلا تفسيرا (لكم) وترفعه إذا كانت (كم) رفعا وتنصب إذا كانت (كم) نصبا وتجره إذا كانت (كم) جرا يقول : كم ثلاثة وجدت ستة إلا ثلاثين وبكم درهما أرضك إلا ألف وكذلك : كم ثلاثة ستة إلا ثلاثتان وكم عشرون خمسة إلا أربع خمسات.

هذا على الاستثناء تجعل ما بعد إلا بدلا من (كم) كأنك قلت : هل بشيء أرضك إلا ألف وهل شيئا وجدت ستة إلا ثلاثين فاعتبر هذا بهذا.

قال أبو بكر : قد فرغنا من ذكر المرفوعات والمنصوبات وذكرنا في كل باب من المسائل مقدارا كافيا فيه دربة للمتعلم ودرس للعالم بحسب ما يصلح في هذا الكتاب ؛ لأنه كتاب أصول ونحن نفرد كتابا لتفريع الأصول ومزج بعضها ببعض ونسمية كتاب الفروع ليكون فروع هذه الأصول إن أخر الله في الأجل وأعان ، وإذا فرغنا من الرفع والنصب فلنذكر الضم والفتح اللذين يضارعانهما إن شاء الله.

ذكر الاسم المضموم والمفتوح اللذين يضارعان المعرب

اعلم أن الضم الذي يضارع الرفع هو الضم الذي يطرد في الأسماء ولا يخص اسما بعينه كما أن الفعل هو الذي يرفع الأسماء ولا يخص اسما بعينه وهذا الضرب إنما يكون في النداء ، وأما الفتح الذي يشبه النصب فما كان على هذا المنهاج مطردا في الأسماء ولا يخص اسما بعينه وهذا الضرب إنما يكون في النفي (بلا) وسنذكر كل واحد منهما في بابه إن شاء الله.

٢٩٦

باب النداء

الحروف التي ينادى بها خمسة : يا وأيا وهيا وأي وبالألف وهذه ينبه بها المدعو إلا أن أربعة غير الألف يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخي عنه أو للإنسان المعروض أو النائم المستثقل وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع الألف ولا يستعملون الألف في هذه المواضع التي يمدون فيها ويجوز أن تستعمل هذه الخمسة إذا كان صاحبك قريبا مقبلا عليك توكيدا ، وإن شئت حذفتهن كلهن استغناء إلا في المبهم والنكرة فلا يحسن أن تقول : هذا وأنت تريد : يا هذا ولا رجل وأنت تريد : يا رجل ويجوز حذف : يا من النكرة في الشعر.

والندبة يلزمها : يا ووا (ووا) يخص بها المندوب.

وأصل النداء تنبيه المدعو ليقبل عليك وتعرض فيه الاستغاثة والتعجب والمدح والندبة وسنذكر ذلك في مواضعه والأسماء المناداة تنقسم على ثلاثة أضرب : مفرد ومضاف ومضارع للمضاف بطوله.

شرح الأول : وهو الاسم المفرد في النداء الاسم المفرد

ينقسم على ضربين : معرفة ونكرة فالمعرفة : هو المضموم في النداء والمعرفة المضمومة في النداء على ضربين : إحداهما : ما كان اسما علما قبل النداء نحو : زيد وعمرو فهو على معرفته.

وضرب كان نكرة فتعرف بالنداء نحو : يا رجل أقبل صار معرفة بالخطاب وأنه في معنى : يا أيها الرجل.

فهذان الضربان هما اللذان يضمّان في النداء تقول : يا زيد ويا عمرو ويا بكر ويا جعفر ويا رجل أقبل ويا غلام تعال.

فأما : يا زيد فزيد وما أشبهه من المعارف معارف قبل النداء وهو في النداء معرفة كما كان ولو كان تعريفه بالنداء لقدر تنكيره قبل تعريفه ويحيل قول من قال : أنه معرفة النداء فقط إنك

٢٩٧

قد تنادي بإسمه من لا تعلم له فيه شريكا كما تقول : يا فرزدق أقبل ولو كنت لا تعرف أحدا له مثل هذا الاسم ولو لم يكن عرف أن هذا اسمه فيما تقدم لما أجابك إذا دعوته به.

ومن قال إذا قلت : يا زيد أنه معرفة بالنداء فهذا الكلام من وجه حسن ومن وجه قبيح عندي أما حسنة : فأن يعني : أن أول ما يوضع الاسم ليعرف به الإنسان أنه ينادي به فيقول له أبوه أو من سماه مبتدأ : يا فلان ، وإذا كرر ذلك عليه علم أنه اسمه ولو لا التكرير أيضا ما علم فمن قال : أن الاسم معرفة بالنداء أي : أصله أنه به صار يعرف المسمى فحسن ، وإن كان أراد :

أن التعريف الذي كان فيه قد زال وحدث بالنداء تعريف آخر فقد بينا وجه الإحالة فيه ويلزم قائل هذا القول شناعات أخر عندي.

وأما قولك : يا رجل. فهذا كان نكرة لا شك فيه قبل النداء وإنا صار بإختصاصك له وإقبالك عليه في معنى : يا أيها الرجل فرفع وإنما ادعى من قال : أن : يا زيد معرفة بالنداء لا بالتعريف الذي كان له.

قيل : أنه وجد الألف واللام لا يثبتان مع (يا) في التعريف في التثنية ألا ترى أنك تقول يا زيدان أقبلا ولو لا يا لقلت : الزيدان إذا أردت التعريف وإنما حذفت الألف واللام استغناء بيا عنهما إذ كانتا آلة للتعريف كما حذفنا من النكرة في النداء أيضا.

ووجدنا ما ينوب عنهما فليس ينادي شيء مما فيه الألف واللام إلا الله عز وجل.

قال سيبويه : وذلك من أجل أن هذا الاسم لا تفارقه الألف واللام وكثر من كلام العرب.

وأما الاسم النكرة الذي بقي على نكرته فلم يتعرف بتسمية ولا نداء فإذا ناديته فهو منصوب تقول : يا رجلا أقبل ويا غلاما تعال وكذلك إن قلت : يا رجلا عاقلا تعالى فالنكرة منصوبة وصفتها أو لم تصفها ومعنى هذا أنك لم تدع رجلا بعينه فمن أجابك فقد أطاعك ألا ترى أنه يقول : من هو وراء حائط ولا يدري من وراؤه من الناس : يا رجلا أغثني ويا غلاما كلمني كما يقول : الضرير يا رجلا خذ بيدي فهو ليس يقصد واحدا بعينه بل من أخذ بيده فهو بغيته قال الشاعر :

٢٩٨

فيا راكبا إما عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا (١)

وإنما أعربت النكرة ولم تبن لأنها لم تخرج عن بابها إلى غير بابها كما خرجت المعرفة ، فإن قال قائل : ما علمنا أن قولهم : يا زيد مبني على الضم وليس بمعرب مرفوع قيل : يدل على أنه غير معرب أن موضعه نصب والدليل على ذلك أن المضاف إذا وقع موقع المفرد نصب تقول : يا عبد الله وأن الصفة قد تنصب على الموضع تقول : يا زيد الطويل فلو كانت الضمة إعرابا لما جاز أن تنصبه إذا أضفناه ولا أن تنصب وصفه لكنا نقول : أنه مضموم مضارع للمرفوع

__________________

(١) ما يجب نصبه من المنادى ثلاثة أنواع :

(١) النكرة غير المقصودة كقول الأعمى لغير معيّن" يا رجلا خذ بيدي".

(٢) المضاف سواء أكانت الإضافة محضة ، نحو : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) (الآية : ١٤٧ سورة آل عمران) ، أن غير محضة نحو" يا مالك يوم الدين".

وتمتنع الإضافة في النداء إلى" كاف الخطاب" كقولك" يا غلامك" ؛ لأنه لا يجوز الجمع بين خطابين ، ويجوز في النّدبة ، أمّا الغائب والمتكلّم فيجوز نحو" يا غلامه" لمعهود ، أو" يا غلامي" أو" يا غلامنا" (كما في المقتضب وأمالي الشجري). فإذا أضيف المنادى إلى ضمير المتكلم فأجود الوجوه حذف الياء نحو قوله تعالى : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) (الآية : ٥١ سورة هود) وسيأتي تفصيل ذلك في رقم ٨ من هذا البحث.

(٣) الشّبيه بالمضاف ، وهو ما اتّصل به شيء من تمام معناه ، معمولا له ، نحو" يا ضاحكا وجهه" و" يا سامعا دعاء المظلوم".

(ج) ما يجوز ضمّه وفتحه :

ما يجوز ضمّه على الأصل ، وفتحه على الإتباع ، نوعان :

(١) أن يكون علما مفردا موصوفا بابن متّصل به ، مضاف إلى علم نحو" يا خالد بن الوليد" والمختار الفتح لخفّته ، ومنه قول رؤبة :

يا حكم بن المنذر بن الجارود

سرادق المجد عليك ممدود

فإن انتفى شرط ممّا ذكر تعيّن الضّمّ كما إذا قلت" يا رجل ابن عليّ" و" يا أحمد انن عمّي" لانتفاء علمية المنادى في الأولى ، وعلمية المضاف إليه في الثانية ، وفي نحو" يا خالد الشجاع ابن الوليد" ، لوجود الفصل ، ونحو" يا عليّ الفاضل" ؛ لأن الصفة غير ابن. والوصف ب" ابنة" كالوصف بابن نحو" يا عائشة ابنة صالح" بخلاف" بنت" لقلّة استعمالها في نحو ذلك. انظر معجم القواعد ١١ / ٢٦.

٢٩٩

ويشبهه من أجل أن كل اسم متمكن يقع في هذا الموضع يضم فأشبه من أجل ذلك المرفوع (بقام) يعني الفاعل ؛ لأن كل اسم متمكن يلي (قام) فهو مرفوع فلهذا حسن أن تتبعه النعت فتقول : يا زيد الطويل كما تقول : قام زد الطويل يا زيد وعمرو فتعطف كما تعطف على المرفوع.

وينبغي أن تعلم : أن حق كل منادى النصب من قبل أن قولك : يا فلان ينوب عن قولك : أنادي فلانا ؛ لأن قولك : (يا) هو العمل بعينه وأنه فارق سائر الكلام ؛ لأن الكلام لفظ يغني عن العمل وهذا العمل فيه هو اللفظ.

فإن قلت : ناديت زيدا بعد قولك : يا زيد وهو مثل قولك : ضربت زيدا بعد علمك ذلك به فتأمل هذا فإنه منفرد به هذا الباب.

وأما السبب الذي أوجب بناء الاسم المفرد فوقوعه موقع غير المتمكن ألا ترى أنه قد وقع موقع المضمرة والمكنيات والأسماء إنما جعلت للغيبة لا تقول : قام زيد وأنت تحذف زيدا عن نفسه إنما تقول : قمت يا هذا فلما وقع زيد وما أشبهه بعد (يا) في النداء موقع أنت والكاف وأنتم وهذه مبنيات لمضارعتها الحروف بني وسنبين أمر المبنيات في مواضعها.

وبني على الحركة في النداء ؛ لأن أصله التمكن ففرق بينه وبين ما لا أصل له في التمكن فأما تحريكه بالضم دون غيره فإنهم شبهوه بالغايات نحو قبل وبعد إذ كانت تعرب بما يجب لها من الإعراب إذا أضفتها وهو النصب والخفض دون الرفع وتقول : جئت قبلك ومن قبلك فلما حذف منها الاسم المضاف إليه بني الباقي على الضم وهي الحركة التي لم تكن له قبل البناء فعلم أنها غير إعراب.

فقالوا : جئتك من قبل ومن بعد ومن عل يا هذا فكذلك هذا المنادى لما كان مضافه منصوبا ضم مفرده ألا ترى أنك تقول : يا عبد الله فتنصب ، فإن لم تضف قلت : يا عبد ويا غلام فضممت فكذلك التقدير في كل مفرد ، وإن كنت لم تفرد عن إضافة فهذا تقديره.

واعلم أن لك أن تصف زيدا وما أشبهه في النداء وتؤكده وتبدل منه وتعطف عليه بحرف العطف وعطف البيان.

٣٠٠