الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

يستحسنوا ذلك في لام الفعل ؛ لأنه موضع لا يدخله الجر وقالوا : إنني ولعلني ولكنني ؛ لأن هذه حروف مشبهة بالفعل.

قال سيبويه : قلت له : يعني الخليل ما بال العرب قالت : إني وكأني ولعلي ولكني فزعم :أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة من كلامهم وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا النون التي تلي الياء قال : فإن قلت : (لعلي) ليس فيها تضعيف فإنه زعم : أن اللام قريبة من النون يعني في مخرجها من الفم وقد قال الشعراء في الضرورة : ليتي.

وقال : سألته عن قولهم : عني وقطني ولدني : ما بالهم جعلوا علامة المجرور هاهنا كعلامة المنصوب فقال : إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة إلا كان متحركا مكسورا ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في (قط) ولا النون التي في (من) فجاءوا بالنون ليسلم السكون وقدني بهذه المنزلة وهذه النون لا ينبغي أن نذكرها في غير ما سمع من العرب لا يجوز أن تقول : قدي كما قلت مني وقد جاء في الشعر (قدي) قال الشاعر :

قدني من نصر الخبيبين قدي (١) ...

__________________

(١) هذا ضرورة ، والقياس قدني بالنون.

قال سيبويه : وسألته رحمه الله ، يعني الخليل بن أحمد ، عن قولهم قطني ومني وعني ولدني ما بالهم جعلوا علامة المجرور هاهنا كعلامة المنصوب؟ فقال : إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة ، إلا كان متحركا مكسورا ، ولم يريدوا أن يحركوا الطاء ولا النونات ، لأنها لا تذكر أبدا ، إلا وقبلها حرف متحرك مكسور ، وكانت النون أولى ، لأن من كلامهم أن تكون النون والياء علامة المتكلم ، فجاؤوا بالنون لأنها إذا كانت مع الياء لم تخرج هذه العلامة من علامات الإضمار ، وكرهوا إن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علامات الإضمار.

وإنما حملهم على أن لم يحركوا الطاء والنونات كراهية أن يشبه الأسماء نحو : يد ، وهن. وأما ما يحرك آخره فنحو مع ولد ، كتحريك أواخر هذه الأسماء ، لأنه إذا تحرك آخره فقد صار كأواخر الأسماء ، فمن ثم لم يجعلوها بمنزلتها ، فمن ذلك معي ولدي في مع ولد ، وقد جاء في الشعر قدي.

قال الشاعر

٥٠١

فقال : قدي لما اضطر شبهه بحسبي كما قال : ليتي حيث اضطر.

وقال سيبويه : لو أضفت إلى الياء الكاف تجر بها لقلت : ما أنت كي لأنها متحركة قال الشاعر لما اضطر :

وأمّ أو عال كها أو أقربا (١) ...

__________________

قدني من نصر الخبيبين قدي

لما اضطر شبهه بحسبي وهني ، لأن ما بعد حسب ، وهن مجرور ، كما أن ما بعد قط مجرور ، فجعلوا علامة الإضمار فيهما سواء ، كما قال : ليتي حيث اضطر. انتهى كلام سيبويه.

ورده صاحب الكشاف والبيضاوي عند قوله تعالى : "قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً" على قراءة نافع بتحريك نون لدن والاكتفاء بها عن نون الوقاية ، كما في :

قدني من نصر الخبيبين قدي

وعند ابن مالك نون الوقاية في قدني وقطني غير لازمة ، بل يجوز ذكرها وحذفها. انظر خزانة الأدب ٣ / ٢٣٣.

(١) هو من أرجوزة للعجاج ، مطلعها :

ما هاج دمعا ساكبا مستسكبا

من أن رأيت صاحبيك أكأبا

أي : دخلا في الكآبة ، وهي الحزن. ثم وصف فيها حمار الوحش وأتنه ، أراد أن يرد الماء فرأى الصياد ، فهرب بأتنه.

إلى أن قال :

نحى الذنابات شمالا كثبا

وأم أوعال كها أو أقربا

ذات اليمين غير ما أن ينكبا

نحاه تنحية : أبعده عنه ، وجعله في ناحية. وفاعل نحى ضمير يعود إلى حمار وحش ذكره. يعني أنه مضى في عدوه ناحية ، فجعل الذنابات في جانب شماله ، وأم أوعال في ناحية يمينه. وروى خلى الذنابات ، وشمالا على الأول ظرف ، وعلى الثاني ظرف أيضا في وضع المفعول الثاني ، لتضمين خلى معنى جعل.

٥٠٢

وقال آخر لما اضطر :

فلا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا (١)

فهذا قاله سيبويه قياسا وهو غير معروف في الكلام واستغنى عن (كي) بمثلي.

ولام الإضافة تفتح مع المضمر إلا مع الياء ؛ لأن الياء تكسر ما قبلها تقول : له ولك ثم تقول : لي فتكسر ؛ لأن هذه الياء لا يكون ما قبلها حرف متحرك إلا مكسورا وهي مفارقة لأخواتها في هذا ألا ترى أنك تقول : هذا غلامه فتصرف فإذا أضفت غلاما إلى نفسك قلت : هذا غلامي فذهب الإعراب وإنما فعلوا ذلك ؛ لأن الضم قبلها لا يصلح فلما غير لها الرفع وهو أول غير لها النصب إذا كان ثانيا وألزمت حالا واحدا فقلت : رأيت غلامي.

__________________

والذنابات ، قال الأندلسي في شرح المفصل : هو جمع ذنابة بكسر الذال ، وهي آخر الوادي ، ينتهي إليه السيل. وكذلك آخر النهر. ووجدتها في موضع آخر : الذبابات بالموحدتين ، وهي الجبال الصغار. انتهى.

وقال غيره : الذنابات بالذال والنون : اسم موضع. ولم أره في المعجم لأبي عبيد البكري ولا في معجم البلدان لياقوت الحموي ولا في كتب اللغة المدونة.

وفسره شارح اللباب بالجبال الصغار ، وقيده العيني بفتح الذال ، وقال : اسم موضع بعينه. والكثب ، بفتح الكاف والمثلثة : القرب وأراد القريب ، وهو صفة الشمال.

وأم أوعال ، قال البكري : على لفظ جمع وعل : هضبة في ديار بني تميم ، ويقال لها : ذات أوعال. انظر خزانة الأدب ٤ / ٩.

(١) شبهوه بقوله : له ولهن. ولو اضطر شاعر فأضاف الكاف إلى نفسه ، قال : كي. وكي خطأ ، من قبل أنه ليس من حرف يفتح قبل ياء الإضافة. انتهى.

قال النحاس : هذا عند سيبويه قبيح. والعلة له أن الإضمار يرد الشيء إلى أصله. فالكاف في موضع مثل ، فإذا أضمرت ما بعدها ، وجب أن تأتي بمثل. وأبو العباس ، فيما حكى لنا علي بن سليمان ، يجيز الإضمار في هذا على القياس ، لأن المضمر عقيب المظهر ، وقد نطقت به العرب.

وقد ذكرنا قبل ما ذكره بعض النحويين من إجازتهم : أنا كأنت ، وكإياك ، ورد أبي العباس لذلك. انتهى كلامه. وقال ابن عصفور في كتاب الضرورة : ومنه أ، يستعمل الحرف للضرورة ، استعمالا لا يجوز مثله في الكلام. انظر خزانة الأدب ٤ / ٧.

٥٠٣

واعلم أن الذي حكي من قولهم : لولاي ولو لا شيء شذ عن القياس كان عند شيخنا يجري مجرى الغلط والكلام الفصيح ما جاء به القرآن : لو لا أنت.

كما قال عز وجل : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١] والذين قالوا : لولاك ولولاي قالوا : لأنها أسماء مبنية يؤكد المرفوع منها المخفوض فكأنهم إنما يقتصرون العبارة عن المتكلم والمخاطب والغائب لا بأي لفظ كان ؛ لأنه غير ملبس ولكنهم لا يجعلون غائبا مكان مخاطب لا يقولون : لولاه مكان لولاك فأما قولهم : عساك فالكاف منصوبة لأنك تقول : عساني فعساك مثل رماك وعساني مثل رماني.

واعلم أن علامة الإضمار قد ترد أشياء إلى أصولها فمن ذلك قولك : لعبد الله مال ثم تقول : لك وله إنما كسرت مع الظاهر في قولك لزيد مال كيلا يلتبس بلام الابتداء إذا قلت :لهذا أفضل منك ألا تراهم قالوا : يا لبكر حين أمنوا الالتباس فمن ذلك : أعطيكموه في قول من قال : أعطيتكم ذاك فأسكن ردوه بالإضمار إلى أصله كما ردوا بالألف واللام حين قالوا : أعطيتكموه اليوم فكان الذين وقفوا بإسكان الميم كرهوا الوقف على الواو.

فلما وصلوا زال ما كرهوا فردوا وزعم يونس أنه يقول : أعطيتكمه بإسكان الميم كما قال في الظاهر أعطيتكم زيدا.

واعلم أنّ أنت وأنا ونحن وأخواتهن يكن فصلا ومعنى الفصل أنهن يدخلن زوائد على المبتدأ المعرفة وخبره وما كان بمنزلة الابتداء والخبر ليؤذن بأن الخبر معرفة أو بمنزلة المعرفة ولا يكون الفصل إلا ما يصلح أن يكون كناية عن الاسم المذكور فأما ما الخبر فيه معرفة واضحة فنحو قولك : زيد هو العاقل وكان زيد هو العاقل ، وأما ما الخبر فيه يقرب من المعرفة إذا أردت المعرفة وكان على لفظه فنحو قولك حسبت زيدا هو خيرا منك وكان زيد هو خيرا منك وتقول : إن زيدا هو الظريف فيكون فصل ، وإن زيدا هو الظريف وتقول : إن كان زيد لهو الظريف ، وإن كنا لنحن هي (نا) في كنا ولو قلت كان زيد أنت خيرا منه لم يجز أن تجعل أنت فصلا ؛ لأن أنت غير زيد ، فإن قلت : كنت أنت خيرا من زيد جاز أن يكون فصلا وأن يكون تأكيدا فجميع هذه لمسائل الاسم فيها معرفة والخبر معرفة أو قريب منها مما لا يجوز أن يدخل

٥٠٤

عليه الألف واللام ولو قلت : ما أظن أحدا هو خير منك لم يجز أن تجعل (هو) فصلا ؛ لأن واحدا نكرة ولكن تقول : ما أظن أحدا هو خير منك فجعل : هو مبتدأ و (خير منك) خبره وهذا الباب يسميه الكوفيون العماد وقال الفراء : ادخلوا العماد ليفرقوا بين الفعل والنعت لأنك لو قلت : زيد العاقل لأشبه النعت فإذا قلت : زيد هو العاقل قطعت (هو) عن توهم النعت فهذا الذي يسميه البصريون فصلا ويسميه الكوفيون عمادا وهو ملغى من الإعراب فلا يؤكد ولا ينسق عليه ولا يحال بينه وبين الألف واللام وما قاربهما ولا يقدم قبل الاسم المبتدأ ولا قبل (كان) ولا يجوز كان هو القائم زيد ولا هو القائم كان زيد وقد حكي هذا عن الكسائي ؛ لأنه كان يجعل العماد بمنزلة الألف واللام في كل موضع يجوز وضعه معهما فإذا قلت : كنت أنت القائم جاز أن يكون أنت فصلا وجاز أن يكون تأكيدا ويجوز أن يبتدأ به فترفع القائم.

ولك أن تثني الفعل وتجمعه وتؤنثه فتقول : كان الزيدان هما القائمين وكان الزيدون هم القائمين وكانت هند هي القائمة والظن ، وإن وجميع ما يدخل على المبتدأ والخبر يجوز الفصل فيه تقول : ظننت زيدا هو العاقل ، وإن زيدا هو العاقل فإذا قلت كان زيد قائمة جاريته فأدخلت الألف واللام على (قائمة) وجعلتها لزيد قلت : كان زيدق القائمة جاريته ، فإن كانت الألف واللام للجارية صار المعنى : كان زيد التي قامت جاريته فقلت : كان زيد القائمة جاريته حينئذ وهذا لا يجوز عندي ولا عند الفراء من قبل أنه ينبغي أن يكون الألف واللام هي الفصل بعينه وأن يصلح أن يكون ضميرا للأول.

٥٠٥

الباب الثالث من المبنيات وهو الاسم الذي يشار به إلى المسمى

وفيه من أجل ذلك معنى الفعل وهي : ذا وذه وتثنى ذا وذه فتقول : ذان في الرفع وذين في النصب والجر وتثنية (تا) تان وتجمع ذا وذه وتا أولى وأولاء والمذكر والمؤنث فيه وسواء فذا اسم تشير به إلى المخاطب إلى كل ما حضر كما يدخلون عليه هاء التنبيه فيقولون : هذا زيد وهذي أمة الله فإذا وقفوا على الياء أبدلوا منها هاء في الوقف فإذا وصلوا أسقطوا الهاء وردوا الياء ويبدلون من الياء فيقولون : هذه أمة الله فإذا وصلوا قالوا : هذي أمة الله فإذا وقفوا حذفوا الهاء وردوا الياء ومنهم من يقول : هذه أمة الله.

وهؤلاء تمد وتقصر ، وإذا مدوا بنوه على الكسر لالتقاء الساكنين ، فإن أدخلوا كاف المخاطبة فأول كلامهم لما يشار إليه وآخره للمخاطب والكاف هاهنا حرف جيء به للخطاب وليس باسم ؛ لأن إضافة المبهمة محال من قبل أنها معارف فلا يجوز تنكيرها وكل مضاف فهو نكرة قبل إضافته فإذا أضيف إلى معرفة صار بالإضافة معرفة وهو قولك : ذاك ، وذلك واللام في (ذلك) زائدة والأصل (ذا) والكاف للخطاب فقط ومحال أن تكون هنا اسما لما بينت لك فإنما زدت الكاف على (ذا) وكانت (ذا) لما يومي إليه بالقرب.

فإذا قلت ذلك دلت على أن الذي يومي إليه بعيد وكذلك جميع الأسماء المبهمة إذا أردت المتراخي زدت كافا للمخاطبة لحاجتك أن تنبه بالكاف المخاطب ونظير هذا هنا وهاهنا وهناك وهنالك إذا أشرت إلى مكان ، فإن سألت رجلا عن رجل قلت : كيف ذاك الرجل ، فتحت الكاف.

فإن سألت امرأة عن رجل قلت : كيف ذاك الرجل فكسرت الكاف قال الله عز وجل : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [آل عمران : ٤٧] ، فإن سألت رجلا عن امرأة قلت : كيف تلك المرأة ، فإن سألت المرأة عن امرأة قلت : كيف تلك المرأة تكسر الكاف ، فإن سالت رجلا عن رجلين قلت : كيف ذانك الرجلان ومن قال في الرجل ذلك : قال في الاثنين : ذانّك بتشديد

٥٠٦

النون أبدلوا من اللام نونا وأدغمت إحدى النونين في الأخرى كما قال عز وجل : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [القصص : ٢٣] ، فإن سألت عن جماعة رجلا قلت : كيف أولئك الرجال وأولاك الرجال ، فإن سألت رجلا عن امرأتين قلت : كيف تانك المرأتان ، وإن سألت امرأة عن رجلين قلت : كيف ذانك الرجلان يا امرأة ، وإن سألتها عن جماعة قلت : كيف أولئك الرجال يا امرأة ، فإن سألت رجلين عن رجلين قلت : كيف ذانكما الرجلان يا رجلان ، وإن سألتهما عن جماعة قلت : كيف أولئكما الرجال يا رجلان ، وإن سألتهما عن امرأة قلت : كيف تيكما وتلكما المرأة يا رجلان ، وإن سألتهما عن امرأتين قلت : كيف تانكما المرأتان يا رجلان ، وإن سألت جماعة عن واحد قلت : كيف ذاكم الرجل يا رجال ، وإن سألتهم عن رجلين قلت : كيف ذانكم الرجلان يا رجال ، وإن سألتهم عن جماعة قلت : كيف أولئك الرجال يا رجال ، وإن سألتهم عن امرأة قلت : كيف تلكم المرأة يا رجال ، وإن سألتهم عن امرأتين قلت : كيف تانكم المرأتان يا رجال ، وإن سألت امرأتين فعلامة المرأتين والرجلين في الخطاب سواء ، فإن سألت نساء عن رجل قلت : كيف ذاكنّ الرجل يا نساء وباللام : كيف ذلكن الرجل يا نساء قال الله عز وجل : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف : ٣٢] ، فإن سألتهن عن رجلين قلت : كيف تيكن ، وإن سألتهن عن جماعة قلت : كيف أولئكنّ النساء مثل المذكر.

واعلم أنه يجوز لك أن تجعل مخاطب الجماعة على لفظ الجنس أو تخاطب واحدا عن الجماعة فيكون الكلام له والمعنى يرجع إليهم كما قال الله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء : ٣] ولم يقل : ذلكم ؛ لأن المخاطب النبي والدليل على أن في هذا معنى فعل قولهم : هذا زيد منطلقا ؛ لأن منطلقا انتصب على الحال والحال لا بد من أن يكون العامل فيها فعل أو معنى فعل.

٥٠٧

باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل

وذلك قولهم : (صه ومه ورويد وإيه) وما جاء على فعال نحو : (حذار ونزال وشتان).

فمعنى صه : اسكت. ومعنى مه : أكفف. فهذان حرفان مبنيان على السكون سمى الفعل بهما فأما رويد : فمعناه : المهلة وهو مبني على الفتح ولم يسكن آخره ؛ لأن قبله ساكنا فاختير له الفتح للياء قبله تقول : رويد زيدا فتعديه فأما قولك : رويدك زيدا ، فإن الكاف زائدة للمخاطبة وليست باسم وإنما هي بمنزلة قولك : التجاءك يا فتى وأرأيتك زيدا ما فعل ويدلك على أن الكاف ليست باسم في التجاءك دخول الألف واللام والألف واللام والإضافة لا يجتمعان وكذلك الكاف في : أرأيتك زيدا زائدة للخطاب وتأكيده ألا ترى أن الفعل إنما عمل في زيد ، فإن قلت : إرودّ كان المصدر إروادا وتصرف جميع المصادر ، فإن حذفت الزوائد على هذه الشريطة صرفت : رويد فقلت : رويدا يا فتى ، وإن نعت به قلت : ضعه وضعا رويدا وتضيفه ؛ لأنه كسائر المصادر تقول : رويد زيد كما قال الله عز وجل : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] ورويدا زيدا كما تقول ضربا زيدا في الأمر فأما إيه وآه فمعنى إيه الأمر بأن : يزيدك من الحديث المعهود بينكما فإذا نونت قلت : إيه والتنوين للتنكير كأنك قلت : هات حديثا وذاك كأنه قال : هات الحديث قال ذو الرمة :

وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم

وما بال تكليم الدّيار البلاقع (١)

__________________

(١) ابن السكيت والجوهري ، قالا : إنما جاء ذو الرمة هنا ب إيه غير منون ، مع أنه موصول بما بعده ، لأنه نوى الوقف. هذا الكلام نقله الجوهري عن ابن السكيت ، ثم نقل عن ابن السري الزجاج أنه قال : إذا قلت : إيه يا رجل ، فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما ، كأنك قلت : هات الحديث. فإن قلت : إيه بالتنوين فكأنك قلت : هات حديثا ما ؛ لأن التنوين تنكير. وذو الرمة أراد التنوين فتركه للضرورة. انتهى.

وإنما كان ترك التنوين ضرورة لأنه أراد من الطلل أن يخبره عنها أي حديث كان ، وليس فيه ما يقتضي أن يحدثه حديثا معهودا. كذا قيل ، وفيه أنه إنما طلب حديثا مخصوصا ، وهو الحديث عن أم سالم. وبه يسقط قول ثعلب في أماليه : تقول العرب : إيه بالتنوين بمعنى حدثنا. وأما قول ذي الرمة فإنه ترك التنوين وبنى على الوقف ، ومعناه إيه ، أي : حدثنا. قال ابن جني في سر الصناعة : تنوين التنكير لا يوجد في معرفة ، ولا إلا تابعا لحركات

٥٠٨

فإذا فتحت فهي زجر ونهي كقولك : إيه يا رجل إني جئتك فإذا لم ينون فالتصويت يريد الزجر عن شيء معروف ، وإذا نونت فإنما تريد الزجر عن شيء منكور قال حاتم :

إيها فدى لكم أمّي وما ولدت

حاموا على مجدكم واكفوا من اتّكلا

ومن ينون إذا فتح فكثير والقليل من بفتح ولا ينون وجميع التنوين الذي يدخل في هذه الأصوات إنما يفرق بين التعريف والتنكير تقول : صه يا رجل هذا الأصل في جميع هذه المبنيات ومنها ما يستعمل بغير تنوين البتة فما دخله التنوين ؛ لأنه نكرة قولهم : فدى لك يريدون به الدعاء والدعاء حقه أن يكون على لفظ الأمر فمن العرب من يبني هذه اللفظة على الكسر وينونها لأنها نكرة يريد بها معنى الدعاء.

ومن هذا الباب قولهم : هاء يا فتى ويثنى فيقول هائما وهائم للجميع كما قال عز وجل :(هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] وللمؤنث هاء بلا ياء مثل هاك والتثنية هاؤما مثل المذكرين وهاؤن تقوم الهمزة في جميع ذا مقام الكاف ولك أن تقول : هاء يا قوم كما قال عز وجل : (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ) [المجادلة : ١٢] وأصل الكلام (ذلكم) هذا في الخطاب يجوز ؛ لأن كل واحد منهم يخاطب وقال : هاك وهاكما وهاكم والمؤنث هاك ، وأما ما كان على مثال فعال مكسور الآخر فهو على أربعة أضرب والأصل واحد.

٥٠٩

واعلم أنه لا يبني شيء من هذا الباب على الكسر إلا وهو مؤنث معرفة ومعدول عن جهته وإنما يبنى على الكسر ؛ لأن الكسر مما يؤنث به تقول للمرأة : أنت فعلت وإنك فاعلة وكان أصل هذا إذا أردت به الأمر السكون فحركت لالتقاء الساكنين فجعلت الحركة الكسر للتأنيث ، وذلك قولك : نزال وتراك ومعناه : أنزل واترك فهما معدولان عن المتاركة والمنازلة قال الشاعر :

ولنعم حشو الدّرع أنت إذا

دعيت نزال ولجّ في الذّعر (١)

__________________

(١) قوله : ولنعم حشو الدرع إلخ ، جعل لابس الدرع حشوا لها لاشتمالها عليه ، كما يشتمل الإناء على ما فيه. وهو العامل في إذا ، لأنه بمعنى لابس ، وقيل : متعلق بنعم لما فيه من معنى الثناء كما فيما قبله. والجل ، بالضم : الحادث العظيم كالجلى. وقوله : على ظهر ، أي : ظهر حمول قوي. والذمار : ما يجب عليه أن يحميه من حرمه. والجلى : النائبة الجليلة وجمعها جلل ، وقيل هنا بمعنى : جماعة العشيرة. وقوله : أمين مغيب الصدر ، أي :لا يضمر إلا الجميل ، ولا ينطوي إلا على الوفاء والخير وحفظ السر ، فهو مأمون على ما غاب في صدره.

والحدب : المتعطف المشفق. والمولى : ابن العم. والضريك : الفقير والمحتاج. والدسيعة : العطية الجزيلة. وجز الناصية تكون في الأسير ، إذا أنعم عليه وأطلق جزت ناصيته وأخذت للافتخار. وراغمهم : نابذهم وهجرهم وعاداهم. وقوله : ومرهق النيران ، أي : تغشى ناره ؛ يقال : رهقت الرجل ، إذا غشيته وأحطت به ؛ والمشدد للتكثير. يصف أنه يوقد النار بالليل للطبخ وإطعام الناس ، وليعشو إليها الضيف والغريب. وكثرة النيران ، للإخبار عن سعة معروفة. والأواء : شدة الزمان والقحط. وقوله : غير ملعن القدر ، أي : لا يؤكل ما فيها دون الضيف ، والجار ، واليتيم ، والمسكين ، فهو محمود القدر ، لا مذمومها. وأوقع اللعن على القدر مجازا ، وهو يريد صاحبها. وقوله : ويقيك ما وقي الأكارم إلخ ، وقي بالبناء للمفعول. والحوب : الإثم ، أي : إن الأكارم وقوا أن يسبوا فيقيك ذلك أنت أيضا ، أي : إنه لا يغدر ، ولا يسب ، فبأتي بإثم. وروي : ما وقى الأكارم بالبناء للفاعل ونصب الأكارم. وقوله : وإذا برزت به ، أي : برزت إليه ، يعني : إذا صرت إليه صرت إلى رجل واسع الخلق طيب الخبر. وقوله : متصرف للمجد إلخ ، أي : يتصرف في كل باب من الخير ، لاكتساب المجد. والمعترف : الصابر ، أي : يصبر لما نابه من الأمر ، ويحتمله. وقوله : يراح ، أي : يخش ويخف ويطرب ، لأن يفعل فعلا كريما يذكر به ، ويمدح من أجله. وقوله : جلد يحث إلخ ، أي : قوي العزم ، مجتهد فيما ينفع العشيرة من التآلف والاجتماع ، فهو يحث على ذلك ويدعو إليه ، إذا كره الظنون الاجتماع والتآلف ، لما يلزمه عند ذلك ، من المشاركة والمواساة بماله ونفسه. والظنون : الذي لا يوثق بما عنده ، لما علم من قلة خيره. وجوامع الأمر : ما

٥١٠

فقال : دعيت لما ذكر ذلك في التأنيث.

وقالوا : تراكها وحذار ونظار فهذا ما سمي الفعل به باسم مؤنث ويكون (فعال) صفة غالبة تحل محل الاسم نحو قولهم : للضبع جعار يا فتى وللمنية : حلاق ويكون في التأنيث نحو يا فساق.

والثالث : أن تسمي امرأة أو شيئا مؤنثا باسم مصوغ على هذا المثال نحو : حذام ورقاش.

والرابع : ما عدل من المصدر نحو قوله :

جماد لها جماد ولا تقولي

طوال الدّهر ما ذكرت حماد (١)

قال سيبويه : يريد : قولي لها جمود ولا تقولي لها حمدا ومن ذلك فجار يريدون : الفجرة ومسار يريدون : المسرة وبداو يريدون : البدو وقد جاء من بنات الأربعة معدولا مبني قرقار وعرعار وهي لغية وشتان : مبني على الفتح ؛ لأنه غير مؤنث فهو اسم للفعل إلا أن الفعل هنا غير أمر وهو خبر ومعناه : البعد المفرط ، وذلك قولك : شتان زيدق وعمرو فمعناه : بعد ما بين

__________________

يجمع الناس في شأنهم. وقوله : ولأنت تفري إلخ ، هذا مثل ضربه. والخالق : الذي يقدر الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه. والفري : القطع. والمعنى : إنك إذا تهيأت لأمر مضيت له ، وأنفذته ولم تعجز عنه ، وبعض القوم يقدر الأمر ويتهيأ له ، ثم لا يعزم عليه ولا يمضيه ، عجزا وضعف همة. قال ابن قتيبة في أدب الكتاب : فرى الأديم : قطعه على جهة الإصلاح ، وأفراه : قطعه على جهة الإفساد. وقال ابن السيد : هذا قول جمهور اللغويين ، وقد وجدنا فرى مستعملا في القطع على جهة الإفساد. انظر خزانة الأدب ٢ / ٣٧٢.

(١) قالوا : معناه قولي لها : جمودا ، ولا تقولي : حمدا ، بالتنكير والتذكير. وهذا وارد على قولهم إن فعال معدول عن معرف مؤنث. وممن قال كذا ابن السراج في الأصول فإنه قال بعد ما أنشد البيت : قال سيبويه : يريد قولي لها : جمودا ، ولا تقولي لها : حمدا. ومنهم ابن الشجري ، قال في أماليه : جماد : اسم للجمود ، وحماد : اسم للحمد في هذا البيت. أراد قولوا لها : جمودا ، ولا تقولوا لها : حمدا. وهذا لا يرد عليهم ؛ فإنهم قالوا : لا بد من التعريف والتأنيث في فعال بالمعاني الأربعة. وقولهم : معناه جمودا وحمدا وما أشبهه ، فإنما هو تساهل في التعبير عنه. وكذلك فعل سيبويه ، إلا أنه اعتبر التأنيث في المعدول عنه ، إما تحقيقا أو تقديرا ، قال : وأما ما جاء اسما للمصدر ، فنحو فجار معدولة عن الفجرة ويسار معدولة عن الميسرة. انظر خزانة الأدب ٢ / ٢٧٨.

٥١١

زيد وعمرو جدا وهو مأخوذ من شتّ والتشتت التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء فتقدير : شتان زيد وعمرو تباعد زيد وعمرو ولأنه اسم لفعل ما تم به كلام قال الشاعر :

شتّان هذا والعناق والنّوم

والمشرب البارد في ظلّ الدّوم (١)

فجميع هذه الأسماء التي سمي بها الفعل إنما أريد بها المبالغة ولو لا ذلك لكانت الأفعال قد كفت عنها.

__________________

(١) وهذا مما يرد على الأصمعي ، ويؤيد قول غيره أن شتان لا يكتفي بواحد ، لأنه وضع لاثنين فصاعدا.

وقد أجاز ثعلب ما منعه الأصمعي ، قال في فصيحه : وتقول : شتان زيد وعمرو ، وشتان ما هما ، نون شتان مفتوحة. إن شئت قلت شتان ما بينهما. والفراء يخفض نون شتان. انتهى. ومحصل الكلام فيها أن شتان يكون مرفوعها شيئين اتفاقا ، وأكثر عند غير الأصمعي ، ويكون معهما ما الزائدة وبدونها. والصحيح جواز شتان ما بينهما ، خلافا للأصمعي. ولم يتعرض ابن السراج في الأصول لهذا. قال : قولك شتان زيد وعمرو ، معناه بعد ما بين زيد وعمرو جدا. وهو مأخوذ من شت. والتشتيت : التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء ، فتقديره تباعد زيد وعمرو. انتهى. وهي عند الشارح قسمان : أحدهما : ما ذكر من أنه لا بد لها من مرفوعين فصاعدا. والثاني : جواز الاكتفاء بمرفوع واحد. وهو في شتان ما بينهما لكونهما بمعنى واحد. وبقي استعمالها مع ما الموصولة بفعل ، ولم يذكروه. وهو ما أورده الفراء في الشعر المذكور ، وهو لشتان ما أنوي. وينبغي أن تقدر ما الموصولة في الفعل الثاني ، ليكون مرفوعها شيئين. وهي اسم فعل على الصحيح. قال ابن عصفور في شرح الإيضاح :وهو ساكن في الأصل ، إلا أنه حرك لالتقاء الساكنين ، وكانت الحركة فتحة إتباعا لما قبلها وطلبا للخفة ، ولأنه واقع موضوع الماضي مبنيّ على الفتح ، فجعلت حركته كحركته. وزعم المرزوقي والهروي في شرح الفصيح أنها مصدر. قال الأول : شتان مصدر لم يستعمل فعله. وهو مبنيّ على الفتح ، لأنه موضع فعل ماض ، وزيد :فاعل له. وقال الثاني : معنى شتان البعد المفرط بين الشيئين ، وهو اسم وضع موضع الفعل الماضي ، تقديره :شت زيد وعمرو ، أي : تشتتا وتفرقا جدا. وسبقهما الزجاج كما نقل الشارح المحقق. قال ابن عصفور : وزعم الزجاج أنه مصدر واقع موقع الفعل جاء على فعلان فخالف أخواته ، فبني لذلك ، فإن قيل : لنا فعلان في المصادر ، قالوا : لوى يلوي ليانا ، وشنئته شنآنا. وأن لو وضعت ليانا وشنآنا موضع الفعل ، لبقيا على إعرابهما ولم يبنيا. فالجواب : أنهما مصدران قد استعملا بعد فعلهما وتمكنا ، فإذا وقعا موقع فعلهما بقيا على إعرابهما ، وليس كذلك شتان ؛ لأنك لا تقول شت يشت شتاتا ، وإنما استعمل في أول أحواله موضوعا موضع الفعل المبني ، فبني لذلك. انتهى. قال ناظر الجيش في شرح التسهيل : مقتضى هذا الجواب أن تبنى المصادر الملتزم إضمار ناصبها ، كسبحان الله ومعاذ الله. انتهى. انظر خزانة الأدب ٢ / ٣٦٠.

٥١٢

باب الاسم الذي قام مقام الحرف

وذلك : (كم ، ومن ، وما ، وكيف ، ومتى ، وأين).

فأما (كم) فبنيت لأنها وقعت موقع حرف الاستفهام وهو الألف وأصل الاستفهام بحروف المعاني لأنها آلة إذا دخلت في الكلام أعلمت أن الخبر استخبار : و (كم) اسم لعدد مبهم.

فقالوا : كم مالك فأوقعوا (كم) موقف الألف لما في ذلك من الحكمة والإختصار إذ كان قد أغناهم عن أن يقولوا أعشرون مالك أثلاثون مالك أخمسون والعدد بلا نهاية فأتوا باسم ينتظم العدد كلّه.

وأما (من) فجعلون سؤالا عن من يعقل نحو قولك : من هذا ومن عمرو فاستغني بمن عن قولك : أزيد هذا أعمرو هذا أبكر هذا والأسماء لا تحصى فانتظم بمن جميع ذلك ووقعت أيضا موقع حرف الجزاء وهو (إن) في قولك : من يأتني آته.

وأما (ما) فيسأل بها عن الأجناس والنعوت تقول : ما هذا الشيء فيقال : إنسان أو حمار أو ذهب أو فضّة ففيها من الإختصار مثل ما كان في (من) وتسأل بها عن الصفات فتقول : ما زيد فيقال : الطويل والقصير وما أشبه ذلك ولا يكون جوابها زيد ولا عمرو ، فإن جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم جاز أن تقع على من يعقل.

ومن كلام العرب : سبحان ما سبح الرعد بحمده وسبحان ما سخركن لنا وقال الله عز وجل : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس : ٥] فقال قوم : معناه : ومن بناها وقال آخرون : إنما والسماء وبنائها كما تقول : بلغني ما صنعت : أي صنيعك ؛ لأن (ما) إذا وصلت بالفعل كانت بمعنى المصدر.

وأما (كيف) فسؤال عن حال ينتظم جميع الأحوال يقال : كيف أنت فتقول : صالح وصحيح وآكل وشارب ونائم وجالس وقاعد والأحوال أكثر من أن يحاط بها فإذا قلت :(كيف) فقد أغنى عن ذكر ذلك كله وهي مبنية على الفتح ؛ لأن قبل الياء فاء فاستثقلوا الكسر

٥١٣

مع الياء وأصل تحريك التقاء الساكنين الكسر فمتى حركوا بغير ذلك فإنما هو للإستثقال أو لإتباع اللفظ اللفظ.

فأما (متى) فسؤال عن زمان وهو اسم مبنيّ والقصة فيه كقصة (من وكيف) في أنه مغن عن جميع أسماء الزمان أيوم الجمعة القتال أم يوم السبت أم يوم الأحد أم سنة كذا أم شهر كذا فمتى يغني عن هذا كله وكذا (أيان) في معناها : كما قال الله عز وجل : (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) [القيامة : ٦] وقال : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) [النازعات : ٤٢] وبنيت على الفتح ؛ لأن قبلها ألفا فأتبعوا الفتح الفتح.

وأما (أين) فسؤال عن مكان وهي كمتى في السؤال عن الزمان إذا قلت : أين زيد قيل لك : في بغداد أو البصرة أو السوق فلا يمتنع مكان من أن يكون جوابا وإنما الجواب من جنس السؤال فإذا سئلت عن مكان لم يجز أن تخبر بزمان ، وإذا سئلت عن عدد لم يجز أن تخبر بحال ، وإذا سئلت عن معرفة لم يجز أن تخبر بنكرة ، وإذا سئلت عن نكرة لم يجز أن تخبر بمعرفة فهذه المبنيات المبهمات إنما تعرف بأخواتها وتعلم مواضعها من الإعراب بذلك.

٥١٤

باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات

وذلك نحو الآن ومذ ومنذ فأما الآن فقال أبو العباس رحمه الله : إنما بني ؛ لأنه وقع معرفة وهو مما وقعت معرفته قبل نكرته لأنك إذا قلت : الآن فإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان فليس له ما يشركه ليس هو آن وآن فتدخل عليه الألف واللام للمعرفة وإنما وقع معرفة لما أنت فيه من الوقت.

وأما (منذ) فإذا استعملت اسما أن يقع ما بعدها مرفوع أو جملة نحو : ما رأيته منذ يومان ، وإن المعنى : بيني وبين رؤيته يومان وقد فسرت ذلك فيما تقدم وهي مبنية على الضم وإنما حركت لذلك ؛ لأن قبلها ساكنا وبنيت على الضم لأنها غاية عند سيبويه واتبعوا الضّم الضّم وقد يستعمل حرفا يجر ، وأما (مذ) فمحذوفة من (منذ) والأغلب على (مذ) أن تستعمل اسما ولو سميت إنسانا بمذ لقلت منيذ إذا صغرته فرددت ما ذهب وصار (مذ) أغلب على الأسماء لأنها منقوصة ولدن ومن عل.

كما قال الشاعر :

وهي تنوش الحوض نوشا من علا (١)

__________________

(١) قال الأعلم : وصف إبلا وردت الماء في فلاة من الأرض ، فعافته ، وتناولته من أعلاه ، ولم تمعن في شربه. انتهى.

وقال الجواليقي في شرح أبيات أدب الكاتب : يصف إبلا تشرب من ماء الحوض ، وتتناول ما فيه من الماء تناولا من فوق ، تقطع به أرضا بعيدة ، وتستغني به عن المبالغة فيه. والأجواز : جمع جوز بفتح الجيم ، وهو الوسط.

وقال ابن السيد في شحر أبياته أيضا : لا أعلم هذا الرجز لمن هو؟ يصف ناقة شربت الماء من الحوض. وقد يمكن أن يصف أبلا ، ويريد بقوله : به تقطع أجواز الفلا أنهم كانوا إذا حاولوا سفرا سقوا إبلهم الماء على نحو ما يقدرونه من بعد المسافة وقربها ، وكانوا يجعلون أظماء إبلهم ثلثا وربعا وخمسا إلى العشر ، والعشر نهاية الأظماء.

وكانوا ربما احتاجوا في الفلاة إلى الماء ولا ماء عندهم ، فينحرون الإبل ، ويستخرجون ما في أجوافها من الماء ويشربونه. انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٠٣.

٥١٥

وأما الأفعال فنحو : خذ وكل وع كلامي وش ثوبا ، وأما الحروف فلا يلحقها ذلك وكانت مذ ومنذ أغلب على الحروف فكل واحد منهما يصلح في مكان أختها وإنما ذكرنا منذ ومذ في الظروف لأنهما مستعملان في الزمان.

٥١٦

الباب السادس من المبنيات المفردة وهو الصوت المحكى

وذلك نحو : غاق وهي حكاية صوت الغراب وماء وهو حكاية صوت الشاة وعاء وحاء زجر ومن ذلك حروف الهجاء نحو ألف باء تاء ثاء وجميع حروف المعجم إذا تهيجت مقصورة موقوفة وكذلك كاف ميم موقوفة في التهجي أما زاي فيقال : زاي وزي والعدد مثله إذا أردت العدد فقط.

وقال سيبويه تقول : واحد اثنان فتشم الواحد ؛ لأنه اسم ليس كالصوت ومنهم من يقول : ثلاثة أربعة فيطرح حركة الهمزة على الهاء ويفتحها ولم يحولها تاء ؛ لأنه جعلها ساكنة والساكن لا يغير في الإدراج فإذا لم ترد التهجي بهذه الحروف ولم ترد أن تعد بأسماء العدد فررت منها جرت مجرى الأسماء ومددت المقصور في الهجاء فقلت : هذه الباء أحسن من هذه الباء وتقول : هذه الميم أحسن من هذه الميم وكذلك إذا عطفت بعضها على بعض أعربت لأنها قد خرجت من باب الحكاية ، وذلك نحو قولك : ميم وباء وثلاثة وأربعة إنما مددت المقصور من حروف الهجاء إذا جعلته اسما وأعربته ؛ لأن الأسماء لا يكون منها شيء على حرفين أحدهما حرف علة.

ذكر الضرب الثاني من المبنيات وهو الكلم المركب :

هذه الأسماء على ضربين : فضرب منها يبنى فيه الاسم مع غيره وكان الأصل أن يكون كل واحد منهما منفردا من صاحبه والضرب الثاني : أن يكون أصل الاسم الإضافة فيحذف المضاف إليه وهو في النية.

فالضرب الأول على ستة أقسم : اسم مبني مع اسم واسم مبني مع فعل واسم مبني مع حرف واسم مع صوت وحرف بني مع فعل وصوت مع صوت فأما الاسم الذي بني مع الاسم فخمسة عشر وستة عشر ، وكل كلمتين من هذا الضرب من العدد فهما مبنيان على الفتح.

٥١٧

وكان الأصل خمسة وعشرة فحذفت الواو وبني أحدهما مع الآخر اختصارا وجعلا كاسم واحد وكذلك حادي عشر وثالث عشر إلى تاسع عشر والعرب تدع خمسة عشر في الإضافة والألف واللام على حالها ومنهم من يقول : خمسة عشرك وهي رديئة ومن ذلك : حيص بيص بنيا على الفتح وهي تقال عند اختلاط الأمر وذهب شغر بغر وأيادي سبأ ومعناه الإفتراق وقالى قلا بمنزلة خمسة عشر ولكنهم كرهوا الفتح في الياء والألف لا يمكن تحريكها.

ومن ذلك : خاز باز وهو ذباب عند بعضهم وعند بعضهم داء ومنهم من يكسر فيقول خاز باز وبعض يقول : الخاز باز كحضر موت ومنهم من يقول : خاز باز فيضيف وينون ومن ذلك قولهم : بيت بيت وبين بين ومنهم من يبني هذا ومنهم من يضيف ويبني صباح مساء ويوم يوم ومنهم من يضيف جميع هذا ومن ذلك لقيته كفة كفة وكفة كفة.

واعلم أنهم لا يجعلون شيئا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحد إلا إذا أرادا الحال والظرف والأصل والقياس الإضافة فإذا سميت بشيء من ذا أضفته فإذا قلت : أنت تأتينا في كل صباح ومساء أضفت لا غير ؛ لأنه قد زال الظرف وصار اسما خالصا فمعنى قولهم : هو جاري بيت بيت أي ملاصقا ووقع بين بين أي وسطا ، وأما قالى قلا فبمنزلة : حضر موت ؛ لأنه اسم بلد وليس بظرف ولا حال.

وأسماء الزمان إذا أضيفت إلى اسم مبني جاز أن تعربها وجاز أن تبنيها وذاك نحو : (يومئذ) تقول : سير عليه يومئذ ويومئذ والتنوين هاهنا مقتطع ليعلم أنه ليس يراد به الإضافة والكسر في الذال من أجل سكون النون فتقرأ على هذا إن شئت : (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) و (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ)(١) [المعارج : ١١] ومذهب أبي العباس رحمه الله في دخول التنوين هنا أنه عوض من حذف المضاف إليه.

__________________

(١) اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله : (يَوْمِئِذٍ) في ثلاثة مواضع : في هود والنمل وسأل سائل.

فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) و (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) وو هم من فزع يومئذ مضافا ثلاثهن بكسر الميم.

٥١٨

الثاني اسم بني مع فعل : وهو قولهم : حبذا هند وحبذا زيد بني حبّ وهو فعل مع ذا وهو اسم.

ومن العرب من يقول في أحبّ : حبّ. وقولهم : محبوب إنما جاء على حبّ ولو كان على أحبّ لكان محب فإذا بنوا أحبّ مع ذا اجتمعوا على طرح الألف والدليل على أن حبذا بمنزلة اسم أنك لا تقول حبذه وأنه لا يجوز أن تقول حبذا وتقف حتى تقول : زيد أو هند فتأتي بخبر فحبذا مبتدأ وهند وزيد خبر ومما يدل على أن حبّ مع ذا بمنزلة اسم أنه لا يجوز لك أن تقول :حبّ في الدار ذا زيد فلا يجوز أن تفصل بينهما وبين (ذا) كما تفصل في باب نعم.

الثالث اسم بني مع حرف : وذلك قولك : لا رجل ولا غلام ويدلك على أن (لا) مع رجل بمنزلة اسم واحد أنه لا يجوز لك أن تفصل رجلا من (لا) لا تقول : لا فيها رحل لك يجوز القول : لا ماء ماء باردا ولا رجل رجل صالحا عندك فبني (ماء مع ماء ورجلا مع رجل).

قال أبو بكر : وقد استقصيت ذكر ذا في بابه ومن ذلك قولهم : يا زيداه ويا أيها الرجل فأي اسم وهاء حرف وهو غير مفارق لأيّ في النداء وقد بينا ذا في باب النداء.

__________________

وقرأ عاصم ، وحمزة : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) و (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) مثل أبي عمرو وأصحابه ، وخالفوهم في قوله : (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ،) فنون عاصم وحمزة ، وفتحا الميم في (يومئذ.)

وقرأ الكسائي : ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ بفتح الميم فيهما مع الإضافة ، وقرأ : وهم من فزع منونا ، يومئذ نصبا.

واختلف عن نافع ، فروى ابن جمّاز وأبو بكر بن أبي أويس ، والمسيبي ، وقالون ، وورش ، ويعقوب بن جعفر ، كل هؤلاء عن نافع بالإضافة في الأحرف الثلاثة وفتح الميم ، وقال إسماعيل بن جعفر عنه : بالإضافة في الثلاثة ، وكسر الميم ، ولا يجوز كسر الميم إذا نونت (مِنْ فَزَعٍ ،) ويجوز فتحها وكسرها إذا لم تنون.

قال أبو علي : قوله : (مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) يوم : من قوله : (يَوْمِئِذٍ) ظرف كسرت أو فتحت في المعنى إلا أنه اتسع فيه ، فجعل اسما. [الحجة للقراء السبعة : ٤ / ٣٤٧].

٥١٩

الرابع اسم بني مع صوت : وذلك نحو سيبويه وعمرويه تقول : هذا سيبويه يا هذا وهذا عمرويه يا فلان وهو مبني على الكسر ، وإن قلت : مررت بعمرويه وعمرويه آخر نونت الثاني ؛ لأنه نكرة.

الخامس : الحرف الذي بني مع الفعل : وذلك : هلمّ مبنيا على الفتح وهو اسم للفعل ومعناه : تعال ويدل على أنه حرف بني مع فعل قول من قال من العرب : هلما للإثنين وهلموا للجماعة وصرفوه تصريف لمّ بكذا والمعنى يدلّ على ذلك.

السادس الصوت الذي بني مع الصوت : وذلك قولهم : حيّ هل الثريد ومعناه : إيتوا الثريد وحكى سيبويه : عن أبي الخطاب أنّ بعض العرب يقول : حيّهل الصلاة.

الضرب الثاني : من القسمة الأولى وهو ما أصله الإضافة إلى اسم فحذف المضاف إليه :فهذه المضافات على قسمين : قسم حذف المضاف إليه البتة وضرب منع الإضافة إلى الواحد وأضيف إلى جملة فأما ما حذف المضاف إليه فيجيء على ضربين : منهما ما بني على الضمة وهي التي يسميها النحويون الغايات فمصروفة عن وجهها قبل وغير وحسب فجميع هذه كان أصلها الإضافة تقول : جئت من قبل هذا ومن بعد هذا وكنت أول هذا أو فوق وغير هذا وهذا حسبك أي كافيك فلما حذف ما أضيفت إليه بنيت وإنما بنيت على الحركة ولم تبن على السكون وفي بعضها ما قبل لامه متحرك لأنها أسماء أصلها التمكن وتكون نكرات معربات فلما بنيت تجنب إسكانها وزادوها فضيلة على ما لا أصل له في التمكن فهذه علة بنائها على الحركة ، وأما بناؤها على الضم خاصة فلأنّ أكثر أحوال هذه الظروف أن تكون منصوبة ، وذلك الغالب عليها فأخرجت إلى الضم ولم تخرج إلى الكسر ؛ لأن الكسر أخو النصب وجعلوا ذلك علامة للغاية ؛ لأن الكسر حقه أن يكون لالتقاء الساكنين فتجنبوه هاهنا ؛ لأنه موضع تحرك لغير التقاء الساكنين.

الثاني : ما بني وليس بغاية من ذلك أمس مبنية على الكسر وكسرت لالتقاء الساكنين وإنما بني ؛ لأنه يقال لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه وهو ملازم لكل يوم من أيام الجمعة ووقع في أول أحواله معرفة فمعرفته قبل نكرته فمتى نكرته أعربته وغد ليس كذلك ؛ لأنه غير

٥٢٠