الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

مسائل من هذا الباب

تقول : ضربت القوم حتى زيدا وأوجعت تنصب لأنك جئت بحرف نسق على الأول وكذلك : ضربت القوم حتى زيدا ثم أوجعت وقال قوم : النصب في هذا لا غير لأنك جئت بحرف نسق على الأول تريد حتى ضربت زيدا وأوجعت وثم أوجت.

قال أبو بكر : وهذا عندي على ما يقدر المتكلم أن قدر الإيجاع لزيد فالنصب هو الحسن ، وإذا كان الإيجاع للقوم جاز عندي النصب والخفض وتقول : ضربت القوم حتى زيدا أيضا وحتى زيدا زيادة وحتى زيدا فيما أظن ؛ لأن هذه دلت على المضمر : كأنك قلت : حتى ضربت زيدا فيما أظن ، وحتى ضربت زيدا أيضا ، فإن جعلت : (فيما أظن) من صلة الأول خفضت كأنك قلت : ضربت القوم فيما أظن حتى زيد وتقول : أتيتك الأيام حتى يوم الخميس ولا يجوز : حتى يوم ؛ لأنه لا فائدة فيه وكذلك لو قلت : صمت الأيام إلا يوما ، فإن وقت ما بعد إلا وما بعد (حتى) حسن وكانت فيه فائدة فقلت : صمت الأيام إلا يوم الجمعة وحتى يوم الجمعة.

وقال قوم : إن أردت مقدار يوم جاز فقلت على هذا : أتيتك الأيام حتى يوم.

وقالوا : فإن قلت : أتيتك كل وقت حتى ليلا ، وحتى نهارا وكان الأول غير موقت والثاني غير موقت نصبت الثاني كما نصبت الأول وكان الخفض قبيحا.

وقال أبو بكر : وجميع هذا إنما يراعي به الفائدة واستقامة الكلام صلحا فيه فهو جائز.

ونقول : ضربت القوم حتى إن زيدا لمضروب.

فإذا أسقطت اللام ، فإن كانت (إن) مع ما بعدها بتأويل المصدر فتحتها.

قال سيبويه : قد عرفت أمورك حتى أنك أحمق كأنه قال : حتى حمقك وقال : هذا قول الخليل فهذا ؛ لأن الحمق جاء بتأويل المصدر وقد مضى تفسير ذا.

٣٨١

وتقول : ضربت القوم حتى كان زيد مضروبا وضربت القوم حتى لا مضروب صالحا فيهم جاز في هذا كما جاز الإستئناف والابتداء بعدها فلما جاز الابتداء جاز ما كان بمنزلة الابتداء وتقول : لا آتيك إلى عشر من الشهر.

وحتى عشر من الشهر لأنك تترك الإتيان من أول العشر إلى آخر هذه فتقع هنا (حتى) وإلى ولا تقول : آتيك حتى عشر إلا أن تريد : آتيك وأواظب على إتيانك إلى عشر.

وتقول : كتبت إلى زيد ولا يجوز حتى زيد ؛ لأنه ليس هنا ما يستثني منه زيد على ما بينت لك فيما تقدم.

وقوم يجيزون : ضربت القوم حتى زيدا فضربت إن أردت كلامين وقالوا : يجوز فيه الخفض والنصب والإختيار عندهم الخفض قالوا : وإن اختلف الفعل أدخل في الثاني الفاء ولم تسقط وخفض الأول نحو قولك : ضربت القوم زيد فتركت ولا يكون ضربت القوم حتى تركت زيدا.

وتقول : جلس حتى إذا تهيأ أمرنا قام وأقام حتى ساعة تهيأ أمرنا قطع علينا وانتظر حتى يوم شخصنا مضى معنا فيوم وساعة مجروران ، وإذا في موضع جر وهذا قول الأخفش ؛ لأن قولك : جلس حتى ساعة تهيأ أمرنا ذهب إنما قولك : ذهب جواب لتهيأ وحتى واقع على الساعة وهي غاية له.

وتقول : انتظر حتى إن قسم شيء أخذته منه فقولك : اخذت منه راجع إلى : قسم وهو جوابه وقع الشرط والجواب بعدها كما استؤنف ما بعدها وكما وقع الفعل والفاعل والابتداء والخبر.

وتقول : اقم حتى متى تأكل تأكل معنا.

وأقم حتى أينا يخرج نخرج معه فأي مبتدأه لأنها للمجازاة وكذلك : أجلس حتى أي يخرج تخرج معه.

٣٨٢

وقال الأخفش : يقول لك الرجل : ائتني فتقول : إما حتى الليل فلا وإما حتى الظهر فلا وإما إلى الليل فلا ولا يحسن فيه إلا الجر وقال تقول : كل القوم حتى أخيك وهو الآن غاية ، وذلك أنه لا بد لكل القوم من جر وتقول : كل القوم حتى أخيك فيها لأنك أردت : كل القوم فيها حتى أخيك.

وتقول : كل القوم حتى أخيك ضربت.

وقال الأخفش في كتابه الأوسط : إن قوما يقولون : جاءني القوم حتى أخوك يعطفون الأخ على.

(القوم) وكذلك : ضربت القوم حتى أخاك قال : وليس بالمعروف.

وتقول : ضربت القوم حتى زيد ضربته على الغاية ولو قلت : حتى زيد مضروف فجررت زيدا لم يكن كلاما ؛ لأن مضروبا وحده لا يستغني ؛ لأنه اسم واحد كما استغنى ضربته فعل وفاعل وهو كلام تام.

٣٨٣

باب الأسماء المخفوضة في القسم

أدوات القسم والمقسم به خمس : الواو والباء والتاء واللام ومن فأكثرها الواو ثم الباء وهما يدخلان على محلوف تقول : والله لأفعلن وبالله لأفعلن فالأصل الباء كما ذكرت لك ألا ترى أنك إذا كنيت عن المقسم به رجعت إلى الأصل فقلت : به آتيك ولا يجوزوه لا آتيك ثم التاء ، وذلك قولك : تالله لأفعلن ولا تقال مع غير الله قال الله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) وقد تقول : تالله وفيها معنى التعجب وبعض العرب يقول في هذا المعنى فتجيء باللام ولا يجيء إلا أن يكون فيه معنى التعجب وقال أمية بن عائذ :

لله يبقى على الأيّام ذو حيد

بمشمخر به الظيّان والآس

يريد : والله لا يبقى إلا أن هذا مستعمل في حال تعجب.

وقد يقول بعض العرب : لله لأفعلن.

ومن العرب من يقول : من ربي لأفعلن ذاك ومن ربي إنك لا شر كذا حكاه سيبويه وقال : ولا يدخلونها في غير (ربي) ولا تدخل الضمة في (من) إلا هاهنا.

وقال الخليل : جئت بهذه الحروف لأنك تضيف حلفك إلى المحلوف به كما تضيف به بالباء إلا أن الفعل بيجيء مضمرا يعني أنك إذا قلت : والله لأفعلن وبالله لأفعلن فقد أضمرت : أحلف وأقسم وما أشبهه مما لا يتعدى إلا بحرف والقسم في الكلام إنما تجيء به للتوكيد وهو وحده لا معنى له لو قلت : والله وسكت أو بالله ووقفت لم يكن لذلك معنى حتى تقسم على أمر من الأمور وكذا إن أظهرت الفعل وأنت تريد القسم فقلت : أشهد بالله وأقسم بالله فلفظه لفظ الخبر إلا أنه مضمر بما يؤكده.

ويعرض في القسم شيئان : أحدهما : حذف حرف الجر والتعويض أو الحذف فيه بغير تعويض.

فأما ما حذف منه حرف الجر وعوض منه فقولهم : أي ها الله ثبتت ألف ها ؛ لأن الذي بعدها مدغم ومن العرب من يقول : أي هلله فيحذف الألف التي بعد الهاء.

٣٨٤

قال سيبويه : فلا يكون في المقسم به هاهنا إلا الجر ؛ لأن قولهم (ها) صار عوضا من اللفظ بالواو فحذفت تخفيفا على اللسان ألا ترى أن الواو لا تظهر هاهنا.

ويقولون : أي ها الله للأمر هذا فحذف الأمر لكثرة استعمالهم وقدم (ها) كما قدم قوم : ها هو ذا وها أنذا قال زهير :

تعلمن ها لعمر الله ذا قسما

فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك (١)

ومن ذلك ألف الاستفهام قالوا : الله ليفعلن فالألف عوض من الواو ألا ترى أنك لا تقول : او الله.

وقال سيبويه : ومن ذلك ألف اللام ، وذلك قولهم : أفالله لتفعلن : وقال : ألا ترى أنك إن قلت : أفو الله لم تثبت هذا قول سيبويه وللمحتج لسيبويه أن يقول : إن الألف كما جعلت عوضا قطعت وهي لا تقطع مع الواو.

الثاني : ما يعرض في القسم وهو حذف حرف الجر بغير تعويض : اعلم أن هذا يجيء على ضربين : فربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الفعل في المقسم فنصبوه.

وربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الحرف في الاسم مضمرا.

فالضرب الأول قولك : الله لأفعلنّ وقال ذو الرمة :

ألا ربّ من قلبي له الله ناصح

ومن قلبه لي في الظّباء السّوانح

__________________

(١) قال الأعلم : الشاهد فيه تقديم ها التي للتنبيه على ذا ، وقد حال بينهما بقوله : لعمر الله ، والمعنى :

تعلمن لعمر الله هذا ما أقسم به. ونصب قسما على المصدر المؤكد ما قبله ، لأن معناه أقسم ، فكأنه قال : أقسم لعمر الله قسما. ومعنى تعلمن اعلم ، ولا يستعمل إلا في الأمر.

وقوله : فاقصد بذرعك ، أي : اقصد في أمرك ، ولا تتعد طورك. ومعنى تنسلك : تندخل.

يقول : هذا للحارث بن ورقاء الصيداوي ، وكان قد أغار على قومه ، وأخذ إبلا وعبدا ، فتوعده بالهجاء إن لم يرد عليه ما أخذ منه. انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٦١.

٣٨٥

وقال الآخر :

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثريد

أراد : وأمانة الله.

ووالله فلما حذف أعمل الفعل المضمر ولكنه لا يضمر ما يتعدى بحرف جر.

وتقول : أي الله لأفعلنّ ومنهم من يقول : أي الله لأفعلن فيحرك أي بالفتح لالتقاء الساكنين ومنهم من يدعها على سكونها ولا يحذفونها ؛ لأن الساكن الذي بعدها مدغم.

والضرب الثاني : وهو إضمار حرف الجر وهو قول بعض العرب : الله لأفعلن.

قال سيبويه : جاز حيث كثر في كلامهم فحذفوه تخفيفا كما حذف ربّ قال : وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم : لاه أبوك حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى ليخفوا الحرف على اللسان ، وذلك ينوون قال : وقال بعضهم : لهي أبوك فقلب العين وجعل اللام ساكنة إذا صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر (أين) مفتوحا وإنما فعلوا ذلك به لكثرته في كلامهم فغيروا إعرابه كما غيروه.

واعلم أنه يجيء كلام عامل بعضه في بعض : إما مبتدأ وخبر وإما فعل وفاعل ومعنى ذلك القسم فالمبتدأ والخبر قولك : لعمر الله لأفعلن وبعض العرب يقول : وأيمن الكعبة وأيم الله فقولك : لعمر الله اللام : لام الابتداء وعمر الله : مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف كأنه قال :لعمر الله المقسم به وكذلك : أيم الله. وأيمن.

وتقول العرب : (عليّ عهد الله لأفعلن) فـ (عهد) مرتفعة ، و (عليّ) مستقر لها وفيها معنى اليمين وزعم يونس : أن ألف أيم موصولة وحكوا : أيم وإيم وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرجل وكذلك أيمن قال الشاعر :

فقال فريق القوم لمّا نشدتهم

نعم وفريق ليمن الله ما ندري

وأما الفعل والفاعل فقولهم : يعلم الله لأفعلن وعلم الله لأفعلن فإعرابه كإعراب : يذهب زيد والمعنى : والله لأفعلن.

٣٨٦

قال سيبويه : وسمعنا فصحاء العرب يقولون في بيت امرئ القيس :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي (١)

قال : جعلوه بمنزلة أيمن الكعبة وأيم الله وقالوا : تتلقى اليمين بأربعة أحرف من جوابات الأيمان في القرآن وفي الكلام ما ولا ، وإن واللام فأما : ما فتقول : والله ما قام. وما يقوم وما زيد قائما.

ولا تدخل اللام على (ما) ؛ لأن اللام تحقيق وما نفي فلا يجتمعان.

قال : وقول الشاعر :

لما أغفلت شكرك فاصطنعني

فكيف ومن عطائك جلّ مالي (٢)

__________________

(١) نسب هذا الشعر إلى شهاب بن العيف محمد بن حبيب ، والآمدي أيضا في كتاب أشعار بني شيبان ، ووقع في كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم أن هذا الشعر لعامر بن العيف ، أخي شهاب بن العيف. والله أعلم.

وأنشد بعده :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

على أنه يجوز حذف حرف النفي من المضارع الواقع جواب القسم كما هنا ، وأصله : لا أبرح ، فحذف لا.

وأما حذف النافي من الماضي ، ومن الجملة الاسمية فغير جائز اطرادا ، وقل الحذف منهما.

أما الأول فنحو قول أمية بن أبي عائذ الهذلي :

فإن شئت آليت بين المقا

م والركن والحجر الأسود

نسيتك ما دام عقلي معي

أمد به أمد السرمد

أي : لا نسيتك. قال ابن مالك : ويكثر ذلك إن تقدم نفي على القسم ، كقوله :

فلا والله نادى الحي ضيفي

أي : لا نادى. وأما الثاني ، فكقول عبد الله بن رواحة :

فو الله ما نلتم ولا نيل منكم

بمعتدل وفق ولا متقارب

انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٧٦.

(٢) لم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على ما النافية ، لو لا ما ذكرت من الشبه اللفظي. انتهى.

٣٨٧

فإنه توهم الذي والصلة.

وأما : لا فتقول : والله لا يقوم.

وتلغي (لا) من بين أخواتها جوابات الأيمان فتقول : والله أقوم إليك أبدا تريد : لا أقوم إليكم أبدا.

__________________

وظاهر كلام الشارح أن إن في البيت مكسورة لوجود اللام ، ولو كانت مفتوحة لقال أشذ ، لدخولها في خبر أن المفتوحة ، وعلى حرف النفي ، فلما لم يقل أشذ عرف أنها مكسورة.

وبه صرح ابن هشام في شرح أبيات ابن الناظم ، قال : إن بالكسر ، لدخول اللام في الخبر ومثله : " والله يعلم إنك لرسوله".

والرواية فيه فتح أن ، نقله ابن عصفور في كتاب الضرائر عن الفراء. فيكون شذوذ اللام فيه من جهتين ، كما بيناه.

قال ابن هشام : تكرار لا هنا واجب ، لكون الخبر الأول مفردا. وإفراد سواء واجب ، وإن كان خبرا عن متعدد ، لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء ، فحذف زائده ، ونقل إلى معنى الوصف.

ومثله قول السموءل :

سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول

وربما ثني ، كقول قيس بن معاذ :

فيا رب إن لم تقسم الحب بيننا

سواءين فاجعلني على حبها جلدا

ومعنى البيت أن التسليم على الناس ، وعدمه ليسا مستويين ، ولا قريبين من السواء. وكان حقه لو لا الضرورة أن يقول : للاسواء ولا متشابهان. انتهى.

قال العيني : وقد قيل إن المعنى : أعلم أن تسليم الأمر لكم ، وتركه ليسا متساويين ولا متشابهين. انتهى.

قال ابن جني في المحتسب : مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته ، من حيث كان في كل جزء منه معنى ما في جملته.

ألا ترى إلى قوله :

واعلم أن تسليما وتركا البيت

فهذا في المعنى كقوله : إن التسليم والترك لا متشابهان ولا سواء. انتهى.

ونسب ابن جني في سر الصناعة هذا البيت إلى أبي حزام العكلي ، واسمه غالب بن الحارث. وعكل بضم العين وسكون الكاف : قبيلة. انظر خزانة الأدب ٤ / ٤٧.

٣٨٨

فإذا قلت : والله لا قمت إليك أبدا تريد : أقوم جاز ، وإن أردت : المضي كان خطأ فأما (إن) فقولك : والله إن زيدا في الدار وإنك لقائم وقوله عز وجل : (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ) [الدخان].

قال الكسائي : إنا أنزلنا استئناف وحم والكتاب كأنه قال : حق والله.

وقال الفراء : قد يكون جوابا.

وأما اللام فتدخل على المبتدأ والخبر ، فتقول : والله لزيد في الدار هذه التي تدخل على المبتدأ والخبر.

وأما التي تدخل على الأفعال : فإن كان الفعل ماضيا قلت والله : لقد فعل وكذلك : والله لفيك رغبت.

وأما اللام التي تدخل على المستقبل ، فإن النونين : الخفيفة والثقيلة يجيئان معها نحو : والله ليقومنّ ولتقومن يا هذا ولهما باب يذكران فيه.

٣٨٩

مسائل من هذا الباب

تقول : وحياتي ثم حياتك لأفعلنّ. فـ (ثم) : بمنزلة الواو.

وتقول : والله ثم الله لأفعلن ، وبالله ثم الله لأفعلن.

وإن شئت قلت : والله لآتينك ثم الله لأضربنك ، وإن شئت قلت : والله لآتينك لأضربنك.

قال سيبويه : وهذه الواو بمنزلة الواو التي في قولك : مررت بزيد وعمرو خارج يعني أن الواو في قولك : وعمرو خارج عطفت جملة على جملة كأنك قلت : بالله لآتينك الله لأضربنك ، مبتدأ ثم عطفت هذا الكلام على هذا الكلام فإذا لم تقطع جررت قلت : وإلا لآتينك ثم والله لأضربنك صارت بمنزلة قولك : مررت بزيد ثم بعمرو ، وإن قلت : والله لآتينك ثم لأضربنك الله لم يكن إلا النصب ؛ لأنه ضم الفعل إلى الفعل ثم جاء بالقسم على حدته.

وإذا قلت : والله لآتينك ثم الله فإنما أحد الاسمين مضموم إلى الآخر ، وإن كان قد أخر أحدهما ولا يجوز في هذا إلا الجر ؛ لأن الآخر معلق بالأول ؛ لأنه ليس بعده محلوف عليه.

قال سيبويه : ولو قال : وحقّك وحقّ زيد على وجه الغلط والنسيان جاز يريد بذلك أنه لا يجوز لغير كساه من عري وسقاه من العيمة فهذا بين أنها في هذا الموضع حرف لأنهم أجمعوا على أن (من) حرف وعن أيضا لفظة مشتركة للإسم والحرف.

قال أبو العباس : إذا قال قائل : على زيد نزلت وعن زيد أخذت فهما حرفان يعرف ذلك ضرورة لأنهما أوصلا الفعل إلى زيد كما تقول : بزيد مررت ، وفي الدار نزلت ، وإليك جئت ، فهذا مذهب الحروف ، وإذا قلت : جئت من عن يمينه فعن اسم ومعناها ناحية وبنيت لمضارعتها الحروف.

وأما الموضع الذي هي فيه اسم فوقلهم : من عن يمينك ؛ لأن (من) لا تعمل إلا في الأسماء.

٣٩٠

قال الشاعر :

فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها

يمينا ومهوى النّجم من عن شمالك

وأما كاف التشبيه فقولك : أنت كزيد ومعناها معنى : مثل وسيبويه يذهب إلى أنها حرف.

وكذلك البصريون ويستدلون على أنه حرف بقولك : جاءني الذي كزيد كما تقول : جاءني الذي في الدار ولو قلت : جاءني الذي مثل زيد لم يصلح إلا أن تقول : الذي هو مثل زيد حتى يكون لهذا الخبر ابتداء ويكون راجعا في الصلة إلى الذي ، فإن أضمرته : جاز على قبح ، وإذا قلت : جاءني الذي كزيد لم تحتج إلى هو ومما يدلك على أنها حرف مجئها زائدة.

والأسماء لا تقع موقع الزوائد إنما تزاد الحروف قال الله عز وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] فالكاف زائدة ؛ لأنه لم يثبت له مثلا تبارك وتعالى عن ذلك والمعنى : ليس مثله شيء.

وقد جاءت في الشعر واقعة موقع مثل موضوعة موضعها قال الشاعر :

وصاليات ككما يؤثفين ...

أراد كمثل ما.

وقال الآخر :

فصيروا مثل كعصف مأكول (١)

__________________

(١) قال ابن جني في سر الصناعة : وأما قوله :

فصيروا مثل كعصف مأكول

فلا بد من زيادة الكاف ، فكأنه قال : فصيروا مثل عصف مأكول ، فأكد الشبه بزيادة الكاف كما أكد الشبه بزيادة الكاف في قوله تعالى : "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" إلا أنه في الآية أدخل الحرف على الاسم ، وهذا سائغ ، وفي البيت أدخل الاسم على الحرف ، فشبه شيئا بشيء. انتهى.

وأنشده سيبويه على أنها فيه اسم لضرورة الشعر ، قال : إن ناسا من العرب إذا اضطروا في الشعر جعلوها بمنزلة مثل. قال الراجز :

فصيروا مثل كعصف مأكول

٣٩١

فإضافته مثل إلى الكاف يدل على أنه قدرها اسما ، وهذا إنما جاء على ضرورة الشاعر.

وذكر سيبويه : أنه لا يجوز الإضمار معها إذا قلت : أنت كزيد لم يجز أن تكني عن زيد.

استغنوا بمثل وشبه فتقول : أنت مثل زيد وقال : مثل ذلك في حتى ومذ.

وقال أبو العباس : فأما الكاف وحتى فقد خولف فيهما قال : وهذا حسن والكاف أشد تمكنا فأما امتناعهم من الكاف ومذ وحتى فلعلة واحدة.

يقولون : كل شيء من هذه الحروف غير متمكن في بابه ؛ لأن الكاف تكون اسما وتكون حرفا فلا تضيفها إلى المضمر مع قلة تمكنها وضعف المضمر إلا أن يضطر شاعر.

و (منذ) تكون اسما وتكون حرفا.

و (حتى) تكون عاطفة وتكون جارة فلم تعط نصيبها كاملا في أحد البابين وقال : الكاف معناها معنى مثل فبذلك حكم أنها اسم ؛ لأن الأسماء إنما عرفت بمعانيها وأنت إذا قلت : زيد كعمرو أو زيد مثل عمرو فالمعنى واحد فهذا باب المعنى.

قال : وأما اللفظ فقد قيل في الكلام والأشعار ما يوجب لها أنها اسم.

قال الأعشى :

__________________

وقال الآخر :

وصاليات ككما يؤثفين

قال الأعلم : أدخل مثلا على الكاف إلحاقا لها بنوعها من الأسماء ضرورة. وجاز الجمع بينهما جوازا حسنا لاختلاف لفظيهما مع ما قصده من المبالغة في التشبيه. ولو كرر المثل لم يحسن.

وقال صاحب الكشاف عند قوله : " ليس كمثله شيء" : ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد ، كما كررها من قال. وأنشد البيت وما بعده.

وأورد عليه أن الكاف تفيد كونها التشبيه لا تأكيد النفي ، ونفي المماثلة المهملة أبلغ من نفي المماثلة المؤكدة ، فليست الآية نظيرا للبيت. وأجيب بأنها تفيد تأكيد التشبيه ، إن سلبا فسلب ، وإن إثباتا فإثبات. انظر خزانة الأدب ٤ / ٣.

٣٩٢

أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل (١)

__________________

(١) الأبيات محل الشاهد هي :

إني لعمر الذي حطت مناسمها

تخدي وسيق إليه الباقر الغيل

لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا

لنقتلن مثله منكم فنمتثل

وإن منيت بنا عن غب معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل

لا تنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل

حتى يظل عميد القوم مرتفقا

يدفع بالراح عنه نسوة عجل

أصابه هندواني فأقصده

أو ذابل من رماح الخط معتدل

قوله : إني لعمر الذي ... إلخ ، اللام للتوكيد ، وعمر بالفتح مبتدأ خبره محذوف يقدر بعد تمام البيت ، تقديره قسمي. وعمر مضاف إلى الذي بتقدير موصوف ، أي : لعمر الله الذي. ومعنى لعمر الله : أحلف ببقاء الله ودوامه.

والبيت الذي بعده جواب القسم ، والقسم وجوابه خبر إني. وحطت ، بالحاء المهملة ، بمعنى اعتمدت.

ومناسمها فاعله ، والمناسم : جمع منسم كمجلس ، وهو طرف خف الإبل. والضمير المؤنث ضمير الإبل وإن لم يجر لها ذكر ، لأن المناسم تدل عليها.

والعائد إلى الذي محذوف تقديره إليه ، أي : إلى بيته ؛ ويدل عليه ما بعده. وتخدي بالخاء المعجمة والدال المهملة ، أي : تسير سيرا شديدا ، وفاعله ضمير المناسم فيه ، والجملة حال من المناسم. وإسناد الخدي إلى المناسم مجاز عقلي ، وفي الحقيقة إنما هو للإبل.

وروى أبو عبيدة : له بدل تخدي ، فالعائد حينئذ مذكور.

وقوله : وسيق عطف على حطت ، أي : وعمر الذي سيق إليه. والباقر نائب فاعل سيق ، وهو اسم جمع معناه جماعة البقر.

والغيل بضمتين : جمع غيل ، بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية ، بمعنى الكثير.

يريد : إني أقسم بالله الذي تسرع الإبل إلى بيته ، ويساق إليه الهدي.

والخطيب التبريزي لم يأت في شرح هذا البيت بشيء ، مع أنه اختلفت الرواة فيه ، وخطأ العلماء بعضهم بعضا فيه.

٣٩٣

فالكاف هي الفاعلة فإنق قال قائل : إنما هي نعت قيل له : إنما يخلف الاسم ويقوم مقامه ما كان اسما مثله نحو : جاءني عاقل ومررت بظريف وليس بالحسن.

__________________

وقد روى أبو القاسم علي بن حمزة البصري في أول كتابه : التنبيهات على أغلاط الرواة. ما وقع للأئمة الأعلام من الردود ، وتخطئة بعضهم بعضا ، فلا بأس بإيراده ، قال : ونقل إلينا من غير وجه أن أبا عمرو الشيباني ، قال : روى أبو عبيدة بيت الأعشى : وسيق إليه الباقر العثل ، أي : بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحتين ، فأرسلت إليه : صحفت ، إنما هو الغيل ، أي : الكثير ، يقال : ماء غيل ، إذا كان كثيرا.

وروى عنه أيضا أنه قال : الغيل : السمان ، من قولهم : ساعد غيل. وكان أبو عبيدة يروي هذا البيت.

إني لعمر الذي حطت مناسمها

تخدي وسيق إليه الباقر العثل

وحكى ابن قتيبة أن أبا حاتم ، قال : سألت الأصمعي عنه ، فقال : لم أسمع بالعثل إلا في هذا البيت. ولم يفسره. قال : وسألت أبا عبيدة عنه ، فقال : العثل : الكثير.

قال ابن قتيبة : وخبرنا غيره أن الأصمعي كان يروي :

وجد عليها النافر العجل

يريد : النفار من منى. والنافر لفظه لفظ واحد ، وهو معنى جمع. وقد اختلف عنه في العجل فقال بعض : العجل بضم العين ، وقال بعض العجل ، أي : فتح فكسر ، وجعله وصفا لواحد.

قال : ورواه أبو عبيدة : حطت مناسمها بالحاء غير معجمة ، وقال : يعني حطاطها في السير ، وهو الاعتماد.

ورواه الأصمعي : خطت مناسمها بالخاء المعجمة ، أي : شقت التراب. انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٠٨.

٣٩٤

المجرور بالإضافة

القسم الثاني من الأسماء المجرورة من القسمة الأولى وهو المجرورة بالإضافة :الإضافة على ضربين : إضافة محضة ، وإضافة غير محضة.

والإضافة المحضة تنقسم إلى قسمين : إضافة اسم إلى اسم غيره بمعنى اللام ، وإضافة اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى (من).

أما التي بمعنى اللام فتكون في الأسماء والظروف.

فالاسم نحو قولك : غلام زيد ومال عمرو وعبد بكر وضرب خالد وكل الدراهم والنكرة إذا أضيفت إلى المعرفة صارت معرفة نحو : غلام زيد ودار الخليفة والنكرة تضاف إلى النكرة وتكون نكرة نحو : راكب حمار فأما مثل وغير وسوى فإنهن إذا أضفن إلى المعارف لم يتعرفن لأنهن لم يخصّصن شيئا بعينه.

وأما الظروف فنحو : خلف وقدام ووراء وفوق وما أشبهه تقول : هو وراءك وفوق البيت وتحت السماء وعلى الأرض.

والإضافة المحضة لا تجتمع مع الألف واللام ولا تجتمع أيضا الإضافة والتنوين ولا يجتمع الألف واللام والتنوين.

الثاني : المضاف بمعنى (من) ، وذلك قولك : هذا باب ساج وثوب خزّ وكساء صوب وماء بحر بمعنى : هذا باب من ساج وكساء من صوف.

الضرب الثاني : الإضافة التي ليست بمحضة.

الأسماء التي أضيفت إليها إضافة غير محضة أربعة أضرب :

الأول : اسم الفاعل إذا أضفته وأنت تريد التنوين نحو : هذا ضارب زيد غدا وهو بمعنى يضرب.

والثاني : الصفة الجاري إعرابها على ما قبلها وهي في المعنى لما أضيفت إليه نحو : مررت برجل حسن الوجه المعنى : حسن وجهه.

٣٩٥

شرح الثالث : وهو إضافة أفعل إلى ما هو بعض له :

إذا قلت : (زيد أفضل القوم) فقد أضفته إلى جماعة هو أحدهم تزيد صفته على صفتهم وجميعهم مشتركون في الصفة تقول : عبد الله أفضل العشيرة فهو أحد العشيرة وهم شركاء في الفضل والمفضل من بينهم يزيد فضله على فضلهم ويدلّك على أنه لا بد من أن يكون أحد ما أضيف إليه أنك لو قلت : زيد أفضل الحجارة لم يجز ، فإن قلت : الباقون أفضل الحجارة صلح وأفضل هذه لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث وهي (أفضل) التي إذا لم تضفها صحبتها (منك) تقول : فلان خير منك وأحسن منك.

وقد اختلف الناس في الإحتجاج لتركيب افعل في هذا الباب وجمعه وتأنيثه فقال بعضهم : لأن تأويل هذا يرجع إلى المصدر كأنه إذا قال : قومك أفضل أصحابنا قد قال : فضل قومك يزيد على فضل سائر أصحابنا ، وإذا قلت : هو أفضل العشيرة فالمعنى أنّ فضله يزيد على فضل كل واحد من العشيرة وكذلك إذا قلت : زيد أفضل منك فمعناه : فضله يزيد على فضلك فجعلنا موضع : يزيد فضله أفضل تضمن معنى المصدر والفعل جميعا وأضفناه إلى القوم وما أشبههم وفيهم أعداد المفضولين لأنك كنت تذكر الفضل مرتين إذا أظهرت (يزيد) فتجعل فضلا زائدا على فضل زائد فصار الذي جمع هذا المعنى مضافا وقال آخرون : (أفعل) إنما لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث ؛ لأنه مضارع للبعض الذي يقع للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع بلفظ واحد وقال الكوفيون وهو رأي الفراء أنه إنما وحّد أفعل هذا ؛ لأنه أضيف إلى نفسه فجرى مجرى الفعل وجرى المخفوض مجرى ما يضمّن في الفعل فكما لا يثنى ولا يجمع الفعل فكذا لا يثنى هذا ولا يجمع.

قال أبو بكر : وأشبه هذه الإحتجاجات عندي بالصواب الاحتجاج الأول والذي أقوله في ذا أن (أفعل) في المعنى لم يثن ولم يجمع ؛ لأن التثنية والجمع إنما تلحق الأسماء التي تنفرد بالمعاني (وأفعل) اسم مركب يدل على فعل وغيره فلم يجز تثنيته وجمعه كما لم يجز تثنية الفعل ولا جمعه لما كان مركبا يدل على معنى وزمان وإنما فعلت العرب هذا اختصارا للكلام وإيجازا واستغناء بقليل اللفظ الدال على كثير من المعاني ولا يجوز تأنيثه لأنك إذا قلت : هند أفضل

٣٩٦

منك فكان المعنى هند يزيد فضلها على فضلك فكان أفعل ينتظم معنى الفعل والمصدر والمصدر مذكر فلا طريق إلى تأنيثه وإنما وقع (أفعل) صفة من حيث وقع (فاعل) ؛ لأن فاعل في معنى (يفعل) وقد فسر أبو العباس معنى (منك) إذا قلت : زيد أفضل من عمرو أنه ابتداء فضله في الزيادة من عمرو وقد تقدم هذا في ذكرنا معنى (من) ومواضعها من الكلام فقولك :زيد أفضل (منك) وزيد أفضلكما في المعنى سواء إلا أنك إذا أتيت (بمنك) فزيد منفصل ممن فضلته عليه ، وإذا أضفت فزيد بعض ممن فضلته عليه ، فإن أردت (بأفعل) معنى فاعل ثنيت وجمعت وأنّثت فقلت : زيد أفضلكم والزيدان أفضلاكم والزيدون أفضلوكم وأفاضلكم وهند فضلاكم والهندان فضلياكم والهندات فضلياتكم وفضلكم ، وإذا قلت : زيد الأفضل استغنى عن (من) والإضافة وعلم أنه قد بان بالفضل فهو عند بعضهم إذا أضيف على معنى (من) نكرة وهو مذهب الكوفيين ، وإذا أضيف على معنى اللام معرفة وفي قول البصريين هو معرفة بالإضافة على كل حال إلا أن يضاف إلى نكرة.

الرابع : ما كان حقه أن يكون صفة للأول :

فإن يك من الصفة وأضيف إلى الاسم ، وذلك نحو : صلاة الأولى ومسجد الجامع فمن قال هذا فقد أزال الكلام عن جهته ؛ لأن معناه النعت وحده الصلاة الأولى والمسجد الجامع ومن أضاف فجواز إضافته على إرادة : هذه صلاة الساعة الأولى وهذا مسجد الوقت الجامع أو اليوم الجامع وهو قبيح بإقامته النعت مقام المنعوت ولو أراد به نعت الصلاة والمسجد كانت الإضافة إليهما مستحيلة لأنك لا تضيف الشيء إلى نفسه لا تقول : هذا زيد العاقل والعاقل هو زيد وهذا قول أبي العباس رحمه الله.

وسئل عن قولهم : جاءني زيد نفسه ورأيت القوم كلّهم وعن قول الناس : باب الحديد ودار الآخرة وحقّ اليقين وأشباه ذلك فقال : ليس من هذا شيء أضيف إلا قد جعل الأول من الثاني بمنزلة الأجنبي فإضافته راجعة إلى معنى اللام ومن فأنت قد تقول : له نفس وله حقيقة والكل عقيب البعض فهو منسوب إلى ما يتضمنه الشيء فقد صار الاجتماع فيه كالتبعيض ؛ لأنه محيط بذلك البعض الذي كان منسوبا إليه ألا ترى أنك لو قلت : اخترت من العشرة ثلاثة لكانت إضافة ثلاثة إلى العشرة بعضا صحيحا فقلت : أضفت بعضها فإذا أخذتها كلّها فالكل

٣٩٧

إنما هو محيط بالأجزاء المتبعضة وكل جزء منه ما كانت إضافته إلى العشرة جائزة فصار الكل الذي يجمعها إضافته إلى العشرة ؛ لأنه اسم لجميع أجزائها كما جاز أن يضاف كل جزء منها إليها فقيل له : أفلسنا نرجع إلى أنه إذا اجتمعت الأجزاء صار الشيء المجزيء هو كل الأجزاء وصار الشيء هو الكل والكل هو الشيء فقال : لا ؛ لأن الكل منفردا لا يؤدي عن الشيء كما أن البعض منفردا لا يؤدي عن المبعض دون إضافته إليه فكذلك الكلّ الذي جمع التبعيض وليس الكل هو الشيء المجزىء إنما الكل اسم لأجزائه جميعا المضافة إليه فصار هو بأنه اسم لكل جزء منها في الحكم بمنزلتها في إضافتها إلى المجزىء.

قال أبو بكر : وهذا القول الذي قاله حسن ألا ترى أنك لا تقول : رأيت زيدا كله ولا توقع الكلّ إلا على ما كان يجوز فيه التبعيض وسئل عن قولهم : دار الآخرة لم لم نقل الآخر فقال : لأن أول الأوقات الساعة فأكثر ما يجوز في هذا التأنيث كقولهم ذات مرة ولو جرى بالتذكير كان وجها فما جرى منه بالتأنيث حمل على الساعة ألا ترى أنه يسمى يوم القيامة الساعة ؛ لأن الساعة أول الأوقات كلّها ، وأما النفس فهي بمنزلة حقيقة الشيء وكذلك عينه أما أسماؤه الموضوعة عليه الفاصلة بينه وبين خبره فلا يجوز إضافة شيء منها إلى شيء ألا ترى أن رجلا اسمه وهو شاب أو شيخ لا يجوز أن تقول : زيد الشاب فتضيف ولا زيد الشيخ ولا شيخ زيد ولا شاب زيد فقيل له : وقد رأينا العلماء إذا لقب الرجل بلقب ثم ذكر لقبه مع اسمه جاز أن تضيف اسمه إلى لقبه كقولك : زيد رأس وثابت قطنة ولا تجد بين ثابت وقطنة إذا كان قد عرفا فرقا فقال : اللقب مما يشتهر به الاسم حتى يكون هو الأعرف ويكون اسمه لو ذكر على أفراده مجهولا فصار اللقب علما والاسم مجرورا إليه كالمقطوع عن المسمى ؛ لأن الملقب إنما يراد بلقبه طرح اسمه وقد كانت تسميتهم أن يسمى الشيء بالاسم المضاف إلى شيء كقولك :عبد الدار وعبد الله فجعلوا الاسم مع لقبه بمنزلة ما أضيف ثم سمي به وكان اللقب أولى بأن يضاف الاسم إليه ؛ لأنه صار أعرف من الاسم وأصل الإضافة تعريف كقولك : جاءني غلام زيد فالغلام يتعرب بزيد فلذلك جعل الاسم مضافا إلى اللقب.

ومن الإضافة التي ليست بمحضة إضافة أسماء الزمان إلى الأفعال والجمل ونحن نفرد بابا لذلك إن شاء الله.

٣٩٨

باب إضافة الأسماء إلى الأفعال والجمل

اعلم أن حق الأسماء أن تضاف إلى الأسماء وأن الأصل والقياس أن لا يضاف إسم إلى فعل ولا فعل إلى اسم ولكن العرب اتسعت في بعض ذلك فخصت أسماء الزمان بالإضافة إلى الأفعال ؛ لأن الزمان مضارع للفعل ؛ لأن الفعل له بنى فصارت إضافة الزمان إليه كإضافته إلى مصدره لما فيه من الدليل عليهما ، وذلك قولهم : أتيتك يوم قام زيد وأتيتك هو يقعد عمرو فإذا أضفت إلى فعل معرب فإعراب الاسم عندي هو الحسن تقول : هذا يوم يقوم زيد وقوم يفتحون (اليوم) ، وإذا أضفته إلى فعل مبني جاز إعرابه وبناؤه على الفتح وأن يبنى مع المبني أحسن عندي من أن يبنى مع المعرب وهذا سنعيد ذكره في موضع ذكر الأسماء المبنية إن شاء الله.

وقال الكوفيون : تضاف الأوقات إلى الأفعال وإلى كل كلام تم وتفتح في موضع الرفع والخفض والنصب فتقول : أعجبني يوم يقوم ويوم قمت ويوم زيد قائم وساعة قمت ويجوز عندهم أن يعرب إذا جعلته بمنزلة إذ ، وإذا كأنك إذا قلت : يوم قام زيد إذا قام زيد ، وإذا قلت : يوم يقوم زيد قلت : إذا يقوم ولك أن تضيف أسماء الزمان إلى المبتدأ وخبره كقولك : أتيتك زمن زيد أمير كما تقول : إذا زيد أمير والأوقات التي يجوز أن يفعل فيها هذا ما كان حينا وزمانا يكون في الدهر كله لا يختص منه به شيء دون شيء كقولك : أتيتك حين قام زيد وزمن قام ويوم قام وساعة قام وعام وليلة وأزمان وليالي قام وأيام قام ويفتح في الموقتات كقولك :شهر قام وسنة قام وقالوا : لا يضاف في هذا الباب شيء له عدد مثل يومين وجمعه ولا صباح ولا مساء ، وأما ذو تسلم وآية يفعل فقال أبو العباس : هذا من الشواذ قالوا : أفعله بذي تسلم وآية يقوم زيد فأما آية فهي علامة والعلامة تقع بالفعل وبالاسم وإنما هي إشارة إلى الشيء فجعله لك علما لتوقع فعلك بوقوعه ، وأما بذي تسلم فإنه اسم لم يكن إلا مضافا فاحتمل أن يدخل على الأفعال والتأويل : بذي سلامتك وفيه معنى الذي فصرفه إلى الفعل وليس بقياس عليه.

٣٩٩

قال أبو بكر : وللسائل في هذا الباب أن يقول : إذا قلت : آتيك يوم تقوم فإنها بمعنى يوم قيامك فلم لا تنصب الفعل بأضمار (أن) كما فعل باللام ، فإن الإضافة إنما هي في الأسماء فالجواب في ذلك أنّ أن لا تصلح في هذا الموضع لو قلت : أجيئك يوم أن يقوم زيد لم يجز ؛ لأن هذا موضع يتعاقب المبتدأ والخبر والفاعل فيه ويحسن أن يقع موقع اسم إذ ، وإذا وجميع ذلك لا يصلح مع (أن) وليس كل موضع يقع فيه المصدر تصلح فيه (أن) ألا ترى أنك إذا قلت :ضربا زيدا لم يقع هذا الموضع (أن تضرب).

وحكى الكوفيون : أن العرب تضيف إلى (أنّ وأن) فتقول : أعجبني يوم أنّك محسن ويوم أن تقوم ومن أجاز هذا فينبغي أن يجيز : (يوم يقوم) فينصب ولا يجوز أن يبنى اليوم ؛ لأنه قد أضافه إضافة صحيحة وأظن أن الفراء كان ربما أجازه وربما لم يجزه أعني أن يعرب (يوم) أو يبنيه وكان يقيسه على قوله :

هل غير أن كثر الأشد وأهلكت

حرب الملوك أكاثر الأقوام

٤٠٠