الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

قال أبو بكر : وقد مضى ذكر الأسماء التي تعمل عمل الفعل بعد أن ذكرنا الأسماء المرتفعة فلم يبق اسم يرتفع إلا أن يكون تابعا لإسم من الأسماء التي قدمنا ذكره وأن تكون مبنيا مشبها بالمعرب.

فأما التوابع فنحو : النعت والتأكيد والبدل والعطف ونحن نذكرها بعد ذكر الأسماء المنصوبات والمجرورات ، وأما ما كان من الأسماء مبنيا مشبها للمعرب فنداء المفرد نحو قولك : يا زيد ويا حكم العاقل والعاقل ويا حكمان ويا حكمون فهذا موضعه نصب وليس بمعرب وإنما حقه أن يذكر مع ذكر المبنيات من أجل أنه مبني وينبغي أيضا أن يذكر مع المنصوبات من أجل أن موضعه منصوب فنحن نعيده إذا ذكرنا النداء إن شاء الله.

وقبل أن نذكر المنصوبات نقدم ذكر المعرفة والنكرة للإنتفاع بذلك فيها وفي المرفوعات أيضا إن شاء الله.

١٤١

باب المعرفة والنكرة

كل اسم عم اثنين فما زاد فهو نكرة وإنما سمي نكرة من أجل أنك لا تعرف به واحدا بعينه إذا ذكر.

والنكرة (١) تنقسم قسمين : فأحد القسمين : أن يكون الاسم في أول أحواله نكرة مثل : رجل وفرس وحجر وجمل وما أشبه ذلك.

والقسم الثاني : أن يكون الاسم صار نكرة بعد أن كان معرفة وعرض ذلك في الأصل الذي وضع له غير ذلك نحو أن يسمى إنسان بعمرو فيكون معروفا بذلك في حيه ، فإن سمي باسم آخر لم نعلم إذا قال القائل : رأيت عمرا أي العمرين هو ومن أجل تنكره دخلت عليه الألف واللام إذا ثنى وجمع.

وتعتبر النكرة بأن يدخل عليها (ربّ) فيصلح ذلك فيها أو ألف ولام فيصير بعد دخول الألف واللام معرفة أو تثنيها وتجمعها بلفظها من غير إدخال ألف ولام عليها فجميع هذا وما أشبهه نكرة والنكرة قبل المعرفة ألا ترى أن الإنسان اسمه إنسان يجب له هذا الاسم بصورته قبل أن يعرف باسم وأكثر الأسماء نكرات وهذه النكرات بعضها أنكر من بعض فكلما كان أكثر عموما فهو أنكر مما هو أخص منه فشيء أنك من قولك : حي وحي أنكر من قولك : إنسان فكلما قل ما يقع عليه الاسم فهو أقرب إلى التعريف وكلما كثر كان أنكر فاعلم.

__________________

(١) النكرة ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف أو يقع موقع ما يقبل أل فمثال ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف رجل فتقول الرجل واحترز بقوله وتؤثر فيه التعريف مما يقبل أل ولا تؤثر فيه التعريف كعباس علما فإنك تقول فيه العباس فتدخل عليه أل لكنها لم تؤثر فيه التعريف ؛ لأنه معرفة قبل دخلوها عليه ومثال ما وقع موقع ما يقبل أل ذو التي بمعنى صاحب نحو جاءني ذو مال أي صاحب مال فذو نكرة وهي لا تقبل أل لكنها واقعة موقع صاحب وصاحب يقبل أل نحو الصاحب. انظر شرح ابن عقيل ١ / ٨٦.

١٤٢

ذكر المعرفة

والمعرفة (١) خمسة أشياء : الاسم المكنى والمبهم والعلم وما فيه الألف واللام وما أضيف إليهن.

فأما المكني : فنحو قولك : هو وأنت وإياك والهاء في (غلامه وضربته) والكاف في غلامك وضربك والتاء في (قمت) وقمت وقمت يا هذا.

فأما المبهم : فنحو : هذا وتلك وأولئك المكنيات والمبهمات موضع يستقصي ذكرها فيه إن شاء الله.

وأما العلم : فنحو : زيد وعمر وعثمان.

واعلم أن اسم العلم على ثلاثة أضرب إما أن يكون منقولا من نكرة أو مشتقا منها أو أعجميا أعرب.

فأما المنقول (٢) : فعلى ضربين : أحدهما من الاسم والآخر من صفة.

__________________

(١) عدها ابن مالك ستة فقال :

وغيره معرفة كهم وذي

وهند وابني والغلام والذي

أي غير النكرة المعرفة وهي ستة أقسام المضمر كهم واسم الإشارة كذي والعلم كهند والمحلى بالألف واللام كالغلام والموصول كالذي وما أضيف إلى واحد منها كابني وسنتكلم على هذه الأقسام

فما لذي غيبة أو حضور

كأنت وهسنم بالضمير

يشير إلى أن الضمير ما دل على غيبة كهو أو حضور وهو قسمان أحدهما ضمير المخاطب نحو أنت والثاني ضمير المتكلم نحو أنا

وذو اتصال منه ما لا يبتدا

ولا يلي إلا اختيارا أبدا

كالياء والكاف من ابني أكرمك

والياء والها من سليه ما ملك

الضمير البارز بنقسم إلى متصل ومنفصل فالمتصل هو الذي لا يبتدأ به كالكاف من أكرمك ونحوه ولا يقع بعد إلا في الاختيار فلا يقال ما أكرمت إلاك وقد جاء شذوذا في الشعر كقوله :

أعوذ برب العرش من فئة بغت

علي فما لي عوض إلاه ناصر

انظر شرح ابن عقيل ١ / ٨٦ ٩٠.

١٤٣

أما المنقول من الاسم النكرة فنحو : حجر وأسد فكل واحد من هذين نكرة في أصله فإذا سميت به صار معرفة ، وأما المنقول من صفة فنحو : هاشم وقاسم وعباس وأحمر ؛ لأن هذه أصولها صفات تقول : مررت برجل هاشم ورجل قاسم وبرجل عباس.

__________________

(١) هو ما نقل عن غيره ، وهو :

(أ) إمّا منقول عن : "ظرف" نحو "وراءك" بمعنى تأخّر ، و "أمامك" بمعنى تقدّم ، و "دونك" بمعنى خذ ، "مكانك" بمعنى اثبت.

(ب) وإما منقول عن "جارّ ومجرور" نحو "عليك" بمعنى الزم ، ومنه : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (الآية : ١٠٥ سورة المائدة) و "أليك" بمعنى تنحّ ، ولا يقاس على هذه الظروف غيرها. ولا تستعمل إلّا متّصلة بضمير المخاطب ، لا الغائب ، ولا غير الضمير ، وموضع الضمير حرّ بالإضافة مع الظروف ، وجرّ بالحرف مع المنقول من الحروف ، وإذا قلت : "عليكم ك لّكم أنفسكم" جاز رفع "كل" توكيدا للضمير المستكنّ ، ودرّه توكيدا للمجرور.

(ج) وإمّا منقول عن مصدر وهو على قسمين :

(الأول) مصدر استعمل فعله ، نحو"رويد بكرا" أن أمهله ، فإنهم قالوا : " أروده إروادا" بمعنى أمهله إمهالا ، ثم صغّروا المصدر بعد حذف زوائده ، وأقاموه مقام فعله ، واستعملوه تارة مضافا إلى مفعوله ، فقالوا :

" رويد محمد" وتارة منونا ناصبا للمفعول ، فقالوا : " رويدا عليا" (" رويد" في المثالين : مصدر نائب عن أرود وفاعله مستتر وجوبا و" محمد" في الأول مفعول به مدرور بإضافة المصدر إلى مفعوله و" عليا" في الثاني مفعول به منصوب).

(الثاني) مصدر أهمل فعله نحو" بله" فإنه في الأصل مصدر فعل مهمل مرادف ل" دع" و" اترك" يقال" بله عليّ" بنصب المفعول ، وبناء" بله" على الفتح على أنّه أسم فعل. وتستعمل" بله" بمعنى" كيف" فتكون خبرا مقدّما ، وما بعدها مبتدأ مؤخّر. وقد روي بالأوجه الثلاثة (الإضافة والنصب على أنه مفعول به والرفع على أنه مبتدأ مؤخر) قول كعب بن مالك في وقعة الأحزاب : تذر الجماجم ضاحيا هاماتها بله الأكفّ كأنّها لم تخلق (فاعل" تذر" يعود على السيوف في البيت قبله وهو قوله :

نصل السوف إذا قصرنا بخطونا

قدما ونلحقها إذا لم تلحق

والجماجم جمع جمجمة : وهو عظم الرأس ، وضاحيا من ضحا يضحى : إذا ظهر وبرز ، والهامة : وسط الرأس ومعظمه). انظر معجم القواعد العربية ٢ / ٤٦.

١٤٤

وأما الأسماء المشتقة : فنحو : عمر وعثمان فهذان مشتقان من عامر وعاثم وليسا بمنقولين ؛ لأنه ليس في أصول النكرات عثمان ولا عمر إلا أن تريد جمع عمرة.

فأسماء الأعلام لا تكاد تخلو من ذلك ، فإن جاء اسم عربي لا تدري ممّ نقل أو اشتق فاعلم إن أصله ذلك ، وإن لم يصل إلينا علمه قياسا على كثرة ما وجدناه من ذلك.

ولا أدفع أن يخترع بعض العرب في حال تسميته اسما غير منقول من نكرة ولا مشتق منها ، ولكن العام والجمهور ما ذكرت لك.

وأما الأعجمية فنحو : إسماعيل وإبراهيم ويعقوب فهذه أعربت من كلام العجم.

وأما ما فيه الألف واللام ، فإن الألف واللام يدخلان على الأسماء النكرات على ضربين : إمّا إشارة إلى واحد معهود بعينه أو إشارة إلى الجنس فأما الواحد المعهود : فأن يذكر شيء فتعود لذكره فتقول : الرجل وكذلك الدار والحمار وما أشبهه كأن قائلا قال : كان عندي رجل من أمره ومن قصته.

فإن أردت أن يعود إلى ذكره قلت : ما فعل الرجل للعهد الذي كان بينك وبين المخاطب من ذكره ، وأما دخولها للجنس فأن تقول : أهلك الناس الدينار والدرهم لا تريد دينارا بعينه ولا درهما بعينه ولكن كقوله عز وجل : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [العصر]. يدلك الاستثناء على أن الإنسان في معنى الناس ، وأما ما أضيف إليهن فنحو قولك : غلامك وصاحبك وغلام ذاك وصاحب هذه وغلام زيد وصاحب عمرو وغلام الرجل وصاحب الإمام ونحو ذلك.

١٤٥

مسائل في المعرفة والنكرة

تقول : (هذا عبد الله).

فـ (هذا) اسم معرفة. و (عبد الله) اسم معرفة. و (هذا) مبتدأ. و (عبد الله) خبره.

فإن جئت بعد عبد الله بنكرة نصبتها على الحال فقلت : هذا عبد الله واقفا وكذلك كل اسم علم يجري مجرى عبد الله وتقول : هذا أخوك فهذا معرفة وأخوك فهذا معرفة بالإضافة إلى الكاف.

فإن جئت بنكرة قلت : هذا أخوك قائما قال الله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢].

وأجاز أصحابنا الرفع في مثل هذه المسألة على أربعة أوجه : أحدهما : أن تجعل (أخاك) بدلا من (هذا) وتجعل قائما خبر (هذا) والآخر : أن تجعل (أخاك) خبرا لـ (هذا) وتضمر (هذا) من الأخ كأنك قلت : هذا أخوك هذا قائم ، وإن شئت أضمرت (هو) كأنك قلت : هذا أخوك هو قائم ، وإن شئت كان (أخوك) وقائم خبرا واحدا كما تقول : هذا حلو حامض أي : قد جمع الطعمين ومثل هذا لا يجوز أن يكون (حلو) الخبر وحده ولا حامض الخبر وحده حتى تجمعهما ، وإذا قلت : هذا الرجل ولم تذكر بعد ذلك شيئا وأردت بالألف واللام العهد فالرجل خبر عن (هذا) ، فإن جئت بعد (الرجل) بشيء يكون خبرا جعلت (الرجل) تابعا لـ (هذا) كالنعت ؛ لأن المبهمة توصف بالأجناس وكان ما بعده خبرا عن (هذا) فقلت : هذا الرجل عالم وهذه المرأة عاقلة هذا الباب جديد فترفع (هذا) بالابتداء وترفع ما فيه الألف واللام بأنه صفة وتجعلهما كاسم واحد.

ومنه قول النابغة الذبياني :

توهّمت آيات لها فعرفتها

لستّة أعوام وذا العام سابع

فإن أردت بالألف واللام المعهود (١) جاز نصب ما بعده فقلت : هذه المرأة عاقلة وهذا الرجل عالما فإذا كانت الألف واللام في اسم لا يراد به واحد من الجنس وهو كالصفة الغالبة

__________________

(١) أي المعهود في ذهن السامع.

١٤٦

نصبت ما بعد الاسم على الحال ، وذلك قولك : هذا العباس مقبلا ، وإن كان الاسم ليس بعلم ولكنه واحد ليس له ثان كان أيضا الخبر منصوبا كقولك : هذا القمر منيرا وهذه الشمس طالعة وكذلك إن أردت بالاسم أن تجعله يعم الجنس كله ويكون إخبارك عن واحده كإخبارك عن جميعه كان الخبر منصوبا كقولك : هذا الأسد مهيبا وهذه العقرب مخوفة إذا لم ترد عقربا تراها ولا أسدا تشير إليه من سائر الأسد ولا يجوز : هذا أنا وهذا أنت لأنك لا تشير للإنسان إلى نفسه ولا تشير إلى نفسك ، فإن أردت التمثيل أي : هذا يقوم مقامك ويغني غناءك جاز أن تقول : هذا أنت وهذا أنا والمعنى : هذا مثلك وهذا مثلي ، وأما قولك : هذا هو فبمنزلة قولك : هذا عبد الله إذا كان هو إنما يكون كناية عن عبد الله وما أشبهه ألا ترى أنك تكون في حديث إنسان فيسألك المخاطب عن صاحب القصة من هو فتقول : هذا هو وقال قوم : إن كلام العرب أن يجعلوا هذه الأسماء المكنية بين (ها وذا) وينصبون أخبارها على الحال فيقولون : ها هو ذا قائما وها أنذا جالسا وها أنت ذا ظالما وهذا الوجه يسميه الكوفيون التقريب وهو إذا كان الاسم ظاهرا جاء بعد (هذا) مرفوعا ونصبوا الخبر معرفة كان أو نكرة فأما البصريون فلا ينصبون إلا الحال وتقول : هذا هذا على التشبيه وهذا ذاك وهذا هذه.

واعلم أن من الأسماء مضافات إلى معارف ولكنها لا تتعرف بها لأنها لا تخص شيئا بعينه فمن ذلك : مثلك وشبهك وغيرك تقول : مررت برجل مثلك وبرجل شبهك وبرجل غيرك فلو لم يكن نكرات ما وصف بهن نكرة وإنما نكرهن معانيهن ألا ترى أنك إذا قلت : مثلك.

جاز أن يكون (مثلك) في طولك أو لونك أو في علمك ولن يحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء لكثرتها وكذلك شبهك ، وأما غيرك فصار نكرة ؛ لأن كل شيء مثل الشيء عداك فهو غيرك ، فإن أردت بمثلك وشبهك المعروف بشبهك فهو معرفة ، وأما شبيهك فمعرفة ولم يستعمل كما استعمل (شبهك) المعروف بأنه يشبهك وتقول هذا واقفا زيد وهذا واقفا رجل فتنصب (واقفا) على الحال ، وإن شئت رفعت فقلت هذا واقف رجل فتجعل (واقف) خبر (هذا) ورجل بدل منه وكذلك زيد وما أشبهه وينشد هذا البيت على وجهين :

أترضى بأنّا لم تجفّ دماؤنا

وهذا عروس باليمامة خالد

فينصب (عروس) ويرفع.

١٤٧

وتقول : هذا مثلك واقف وهذا غيرك منطلق لما خبرتك به من نكرة مثلك وغيرك وقد يجوز أن تنصب فيكون النصب أحسن فيها منه في سائر النكرات لأنها في لفظ المعارف.

وإن كانت نكرات فيقول : هذا مثلك منطلقا وهذا حسن الوجه قائما وقد عرفتك أن (حسن الوجه) نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه وأفضل منك وخير منك نكرة أيضا إلا أنه أقرب إلى المعرفة من حسن وفاضل فتقول : هذا أفضل منك قائما ، فإن قلت : (زيد هذا) فزيد مبتدأ وهذه خبره والأحسن أن تبدأ (بهذا) ؛ لأن الأعرف أولى بأن يكون مبتدأ ، فإن قلت زيد هذا عالم جاز الرفع والنصب فالرفع على أن تجعل (هذا) معطوفا على (زيد) عطف البيان وترفع (عالما) بأنه خبر الابتداء ، وإن جعلت (هذا) خبرا لزيد نصبت (عالم) على الحال.

واعلم أن (ذلك) مثل (هذا) تقول : إن ذلك الرجل عالم كما تقول : إن هذا الرجل عالم.

وإن ذلك الرجل أخوك كما تقول : إن هذا الرجل أخوك.

والكوفيون يقولون : هذا عبد الله أفضل رجل وأي رجل فيستحسنون رفع ما كان فيه مدح أو ذم ورفعه عندهم على الإستئناف وعلى ذلك يتأولون قول الشاعر :

من يك ذا بثّ فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي (١)

وهذه عند البصريين : من باب حلو حامض أي : قد جمع أنه مقيظ وأنه مصيف مشتي ففيه هذا الخلال.

__________________

(١) مواضع وجوب حذف المبتدأ أربعة : الأول ما أخبر عنه بنعت مقطوع للرفع في معرض مدح أو ذم أو ترحم ، الثاني ما أخبر عنه بمخصوص نعم وبئس المؤخر ، نحو نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو إذا قدر المخصوص خبرا ، فإن كان مقدما نحو زيد نعم الرجل فهو مبتدأ لا غير ، وقد ذكر الناظم هذين في موضعهما من هذا الكتاب. الثالث ما حكاه الفارسي من قولهم في ذمتي لأفعلن التقدير في ذمتي عهد أو ميثاق ، الرابع ما أخبر عنه بمصدر مرفوع جيء به بدلا من اللفظ بفعله نحو سمع وطاعة ، أي أمري سمع وطاعة. ومنها قوله :

من يك ذا بت فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي

وقوله :

ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي

بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم

انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ١١٠.

١٤٨

واعلم أن من كلام العرب أسماء قد وضعتها موضع المعارف وليست كالمعارف التي ذكرناها وأعربوها وما بعدها إعراب المعارف ، وذلك نحو قولهم للأسد : أبو الحارث وأسامة وللثعلب : ثعالة وأبو الحصين وسمسم وللذئب : دألان وأبو جعدة وللضبع : أم عامر وحضاجر وجعار وجيأل وأم عنتل وقئام ويقال للضبعان قثم وهو الذكر منها وللغراب : ابن بريح.

قال سيبويه : فإذا قلت : هذا أبو الحارث فأنت تريد : هذا الأسد أي هذا الذي سمعت باسمه أو هو الذي عرفت أشباهه ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدا وعمرا ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس ألا تراهم قد اختصوا الخيل والإبل والغنم والكلاب وما يثبت معهم بأسماء : كزيد وعمرو ومن ذلك : أبو جخادب وهو شيء يشبه الجندب غير أنه أعظم منه وهو ضرب من الجنادب كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة وابن قترة ضرب من الحيات وابن آوى معرفة.

ويدلك على أنه معرفة أن آوى غير مصروف وابن عرس وسامّ أبرص.

وبعض العرب يقول : أبو بريص وحمار قبان : دويبة كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب هذا الذي يعرف من أحناش الأرض بصورة كذا فاختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسما على معنى يعرفها بها فعلى هذا تقول : هذا ابن آوى مقبلا ولا تصرف آوى ؛ لأنه معرفة ولأنه على وزن (افعل) وتنصب مقبلا كما نصبته في قولك : هذا زيد مقبلا وحكم جمعها حكم زيد إلا أن منها ما ينصرف وما لا ينصرف كما تكون الأسماء المعارف وغيرها.

وقد زعموا : أن بعض العرب يقول : هذا ابن عرس مقبل فيرفعه على وجهين فوجه مثل : هذا زيد مقبل ووجه على أنه جعل عرسا نكرة فصار المضاف إليه نكرة وما ابن مخلص وابن لبون وابن ماء فنكرة لأنها تدخلها الألف واللام.

واعلم أن في كلامهم أسماء معارف بالألف واللام وبالإضافة غلبت على أشياء فصارت لها كالأسماء والأعلام مثل : زيد وعمرو نحو : النجم تعني الثريا وابن الصّعق ابن رألان وابن كراع ، فإن أخرجت الألف واللام من النجم وابن الصعق تنكر.

١٤٩

وزعم الخليل : أن الذين قالوا : الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه كأنه وصف غلب عليه ومن قال : حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيدا.

وأما السّماك والدّبران والعيّوق وهذا النحو فإنما يلزمه الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه كالصفات الغالبة وإنما أزيل عن لفظ السامك والدابر والعايك فقيل : سماك ودبران وعيوق للفرق كما فصل بين العدل والعديل وبناء حصين وامرأة حصان.

قال سيبويه : فكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة ، فإن كان عربيا تعرفه ولا تعرف الذي اشتق منه فإنما ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا أو يكون الآخر لم يصل إليه علم ما وصل إلى الأول المسمى.

قال : وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء يعني : أنه أريد به الثالث والرابع فأزيل لفظه كما فعل بالسماك.

وتقول : هذان زيدان منطلقان فمنطلقان صفة للزيدين وهو نكرة وصفت به نكرة قال وتقول : هؤلاء عرفات حسنة وهذان أبانان بينين والفرق بين هذا وبين زيدين أن زيدين لم يجعلا اسما لرجلين بأعينهما وليس هذا في الأناس ولا في الدواب إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك من قبل أن الأماكن لا تزول فصار أبانان وعرفات كالشيء الواحد.

والذي والتي : معرفة ولا يتمان إلا بصلة ومن وما يكونان معرفة ونكرة ؛ لأن الجواب فيهما يكون بالمعرفة والنكرة وأيهم وكلهم وبعضهم معارف بالإضافة وقد تترك الإضافة وفيهن معناها قائم وأجمعون وما أشبهها معارف لأنك لا تنعت بها إلا معرفة ولا يدخل عليها الألف واللام.

وقال الكسائي : سمعت : (هو أحسن الناس هاتين) يريد : عينين فجعله نكرة. وهذا شاذ غير معروف.

ويكون (ذا) في موضع الذي فتقول : ضربت هذا يقوم وليس بحاضر تريد : الذي يقوم قالوا : وقد جاء هذا في الشعر.

١٥٠

ذكر الأسماء المنصوبات

الأسماء المنصوبات تنقسم قسمة أولى على ضربين : فالضرب الأول هو العام الكثير : كل اسم تذكره بعد أن يستغني الرافع بالمرفوع وما يتبعه في رفعه إن كان له تابع وفي الكلام دليل عليه فهو نصب.

والضرب الآخر : كل اسم تذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة وقد تما بالإضافة والنون وحالت النون والإضافة بينهما ولولاهما لصلح أن يضاف إليه فهو نصب.

والضرب الأول : ينقسم على قسمين : مفعول ومشبه بمفعول.

والمفعول ينقسم على خمسة أقسام : مفعول مطلق ومفعول به ومفعول فيه ومفعول له ومفعول معه.

شرح الأول :

وهو المفعول المطلق (١) ويعني به المصدر.

المصدر اسم كسائر الأسماء إلا أنه معنى غير شخص.

والأفعال مشتقة منه وإنما انفصلت من المصادر بما تضمنت معاني الأزمنة الثلاثة بتصرفها.

__________________

(١) هو اسم يؤكّد عامله ، أو يبيّن نوعه أو عدده ، وليس خبرا ولا حالا (بخلاف نحو قولك" فضلك فضلان" و" علمك علم نافع" فإنه ، وإن بين العدد في الأول والنوع في الثاني ، فهو خبر عن" فضلك" في الأول ، وخبر عن" علمك" في الثاني ، وبخلاف نحو" ولّى مدبرا" فإنه كان توكيدا لعامله فهو حال من الضمير المستتر في" ولّى") ، نحو" اسع للمعروف سعيا" و" سر سير الفضلاء" و" افعل الخير كلّ يوم مرّة أو مرّتين".

كونه مصدرا ، وغير مصدر : أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا ، وليس قولك : " اغتسل غسلا" و" أعطى عطاء" مصدرين فإنهما من أسماء المصادر ، لأنها لم تجر على أفعالها لنقص حروفها عنها ، وقد يكون غير مصدر. انظر معجم القواعد العربية ٢٥ / ٦٨.

١٥١

والمصدر : هو المفعول في الحقيقة لسائر المخلوقين فمعنى قولك : قام زيد وفعل زيد قياما سواء ، وإذا قلت : ضربت فإنما معناه أحدثت ضربا وفعلت ضربا فهو المفعول الصحيح.

ألا ترى أن القائل يقول : من فعل هذا القيام فتقول : أنا فعلته ومن ضرب هذا الضرب الشديد فتقول : أنا فعلته. تريد : أنا ضربت هذا الضرب.

وقولك : ضربت هذا الضرب ، وقولك : ضربت زيدا لا يصلح أن تغيره بأن تقول : فعلت زيدا ؛ لأنه ليس بمفعول لك فإنما هو مفعول لله تعالى فإذا قلت : ضربت زيدا فالفعل لك دون زيد وإنما أحللت الضرب به وهو المصدر فعلى هذا تقول : قمت قياما وجلست جلوسا وضربت ضربا وأعطيت إعطاء وظننت ظنا واستخرجت استخراجا وانقطعت انقطاعا واحمررت احمرارا فلا يمتنع من هذا فعل منصرف البتة.

ومصدر الفعل الذي يعمل فعله فيه يجيء على ضروب : فربما ذكر توكيدا نحو قولك :قمت قياما وجلست جلوسا فليس في هذا أكثر من أنك أكدت فعلك بذكرك مصدره وضرب ثان تذكره للفائدة نحو قولك : ضربت زيدا ضربا شديدا والضرب الذي تعرف.

وقمت قياما طويلا فقد أفدت في الضرب أنه شديد وفي القيام أنه طويل وكذلك إذا قلت : ضربت ضربتين وضربات فقد أفدت المرار وكم مرة ضربت.

وقال سيبويه : تقول : قعد قعدة سوء وقعد قعدتين لما عمل في الحدث يعني المصدر عمل في المرة منه والمرتين وما يكون ضربا منه ، وإن خالف اللفظ.

فمن ذلك : قعد القرفصاء (١) واشتمل الصمّاء ورجع القهقري ؛ لأنه ضرب من فعله الذي أخذ منه.

__________________

(١) قد ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق (وهو منصوب بالفعل المذكور ، وهو مذهب المازني والسّيرافي والمبرّد واختاره ابن مالك لاطّراده ، أما مذهب سيبويه والجمهور فينصب بفعل مقدّر من لفظه ولا يطّرد هذا في نحو" حلفت يمينا" إذ لا فعل له) ، ما دلّ على المصدر ، وذلك أربعة عشر شيئا : أحد عشر للنّوع ، وثلاثة للمؤكّد.

أمّا الأحد عشر للنّوع فهي :

١٥٢

قال أبو العباس قولهم : القرفصاء واشتمل الصمّاء ورجع القهقري هذه حلى وتلقيبات لها وتقديرها : اشتمل الشمل التي تعرف بهذا الاسم وكذلك أخواتها.

قال : وجملة القول : إن الفعل لا ينصب شيئا إلا وفي الفعل دليل عليه فمن ذلك المصادر لأنك إذا قلت : قام ففي (قام) دليل على أنه : فعل قياما فلذلك قلت : قام زيد قياما فعديته إلى المصدر وكذلك تعديه إلى أسماء الزمان ؛ لأن الفعل لا يكون إلا في زمان وتعديه إلى المكان ؛

__________________

(١) كلّيّته ، نحو : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) (الآية : ١٢٨ سورة النساء).

(٢) بعضيّته ، نحو" أكرمته بعض الإكرام".

(٣) نوعه ، نحو" رجع القهقرى" و" قعد القرفصاء".

(٤) صفته نحو" سرت أحسن السّير".

(٥) هيئته ، نحو" يموت الجاحد ميتة سوء".

(٦) المشار إليه ، نحو" علّمني هذا العلم أستاذي".

(٧) وقته ، كقول الأعشى :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وعادكما عاد السّليم مسهّدا

(البيت للأعشى ميمون بن قيس من قصيدة في مدح النبي (ص) و" السّليم" : الملدوغ ، والشّاهد فيه" ليلة أرمدا" حيث نصب" ليلة" بالنيابة عن المصدر والتّقدير : اغتماضا مثل اغتماض ليلة أرمد ، وليس انتصابها على الظرف)

(٨) " ما" الاستفهاميّة ، نحو" ما تضرب الفاجر؟ " (أي : أيّ ضرب تضربه).

(٩) " ما" الشّرطية ، نحو" ما شئت فاجلس" (أي : أيّ جلوس شئته فاجلس).

(١٠) آلته ، نحو" ضربته سوطا" وهو يطّرد في آلة الفعل دون غيرها ، فلا يجوز ضربته خشبة.

(١١) العدد ، نحو : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (الآية : ٤ سورة النور).

أمّا الثّلاثة للمؤكّد فهي :

(١) مزادفه ، نحو" فرحت جذلا" و" ومقته حبّا".

(٢) ملاقيه في الاشتقاق ، نحو : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (الآية : ١٧ سورة نوح) (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (الآية : ٨ سورة المزمل). والأصل : " إنباتا" و" تبتّلا".

(٣) اسم المصدر ، نحو : " توضّأ وضوءا" و" أعطى عطاءا". انظر معجم القواعد العربية ٢٥ / ٦٩.

١٥٣

لأنه فيه يقع وتعديه إلى الحال ؛ لأنه لأفعل إلا في حال واحق ذلك به المصدر ؛ لأنه مشتق من لفظه ودال عليه.

واعلم أنّ (أن) تكون مع صلتها في معنى المصدر وكذلك (ما) تكون مع صلتها في معناه ، وذلك إذا وصلت بالفعل خاصة إلا أن صلة (ما) لا بد من أن تكون فيها ما يرجع إلى (ما) لأنها اسم وما في صلة (أن) لا يحتاج أن يكون معه فيه راجع ؛ لأن (أن) حرف والحروف لا يكنى عنها ولا تضمر فيكون في الكلام ما يرجع إليها والذي يوجب أن (ما) اسم وأنها ليست حرفا (كأن) : أنها لو كانت (كأن) لعملت في الفعل كما عملت (أن) لأنا وجدنا جميع الحروف التي تدخل على الأفعال ولا تدخل على الأسماء تعمل في الأفعال فلما لم نجدها عاملة حكمنا بأنها اسم وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وغيره من النحويين فتقول يعجبني أن يقوم زيد تريد : قيام زيد ويعجبني ما صنعت تريد : صنيعك إلا أن هذين ، وإن كانا قد يكونان في معنى المصادر فليس يجوز أن يقعا موقع المصدر في قولك : ضربت زيدا ضربا لا يجوز أن تقول : ضربت زيدا أن ضربت تريد : ضربا ولا ضربت زيدا ما ضربت تريد : معنى (ضربا) وأنت مؤكد لفعلك ويجوز : ضربت ما ضربت أي : الضرب الذي ضربت كما تقول : فعلت ما فعلت أي : مثل الفعل الذي فعلت وتقول : فعلت ما فعل زيد أي : كالفعل الذي فعل زيد ، فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال ؛ لأن فعلك لا يكون فعل غيرك.

قال الله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة : ٦٩] والتأويل عندهم والله أعلم : كالخوض الذي خاضوا (١).

__________________

(١) " الذي" أكثر ما تكون موصولا اسميّا ، وقد تكون موصولا حرفيا نحو قوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (الآية : ٧٠ سورة التوبة) ، التقدير : وخضتم كخوضهم. (ـ الّذي).

وقد يسمّى الموصول الحرفي : التّأويل بالمصدر ، وحروفه : الحروف المصدريّة. انظر معجم القواعد العربية ٢٥ / ١١٣.

١٥٤

مسائل من هذا الباب

تقول : ضربته عبد الله تضمر الضرب تعني : ضربت الضرب عبد الله ولو قلت ضربت عبد الله ضربا وضربته زيدا ما كان به بأس على أن تضمر المصدر.

واعلم أنه لا يجوز أن تعمل ضمير المصدر لا تقول : سرني ضربك عمرا وهو زيدا وأنت تريد : وضربك زيدا ؛ لأنه إنما يعمل إذا كان على لفطه الذي تشتق الأفعال منه ألا ترى أن (ضرب) مشتق من الضرب فإنما يعمل الضرب وما أشبهه من المصادر إذا كان ظاهرا غير مضمر وإنما يعمل لشبهه بالفعل فكما أن الفعل لا يضمر فكذلك المصدر لا يجوز أن يقع موقع الفعل وهو مضمر وإنما جاز إضمار المصدر ؛ لأنه معنى واحد ولم يجز إضمار الفعل ؛ لأنه معنى وزمان ولو أضمر لصار اسما.

وتقول : مررت بهم جميعا إذا عنيت أنك لم تترك منهم أحدا أو : مررت بهم كلا قال الأخفش كل وجميع هاهنا بمنزلة المصادر كأنك قلت مررت بهم عما ومررت بهم كلا أي : مرورا عما وكلا فكل وجميع هاهنا بمنزلة المصادر كأنك قلت : مررت بهم عما ومررت بهم عما لهم وكأنك قلت : طررتهم طرا وليس الجميع والكل بالقوم كما أن الطر والقاطبة ليس بالقوم يعني إذا قلت : مررت بهم قاطبة وطرا فكأنك قلت : جمعتهم جمعا وكذلك في طر كأنك قلت : طررتم أي أتيت عليهم طرا.

وذكر سيبويه : هذا في باب ما ينتصب ؛ لأنه حال وقع فيه الخبر وهو اسم.

وقال : من ذلك : مررت بهم جميعا وعامة وجماعة وقال : هذه أسماء متصرفة ولا يجوز أن يدخل فيها ألألف واللام.

وزعم الخليل : أن قاطبة (١) وطرا لا يتصرفان في موضع المصدر.

__________________

(١) أن تكون نكرة لا معرفة ، وذلك لازم ، فإن وردت معرفة أوّلت بنكرة نحو" جاء وحده". أي منفردا ، و" رجع عوده على بدئه". أي عائدا ، ومثله" مررت بالقوم خمستهم" و" مررت بهم ثلاثتهم" (ويجوز بخمستهم وثلاثتهم على البدل ولكن يختلف المعنى) أي تخميسا وتثليثا ، و" جاءوا قضّهم بقضيضهم"

١٥٥

واعلم أن في الكلام مصادر تقع موقع الحال فتغني عنها وانتصابها انتصاب المصادر نحو قولك : أتاني زيد مشيا فقولك : مشيا قد أغنى عن ماش ويمشي إلا أن التقدير : أتاني يمشي مشيا فمن ذلك : قتلته صبرا ، ولقيته فجأة ومفاجأة وكفاحا ومكافحة ولقيته عيانا وكلمته مشافهة وأتيته ركضا وعدوا وأخذت عنه سماعا وسمعا.

قال سيبويه : وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا رجلة.

قال أبو العباس : ليس يمتنع من هذا الباب شيء من المصادر أن يقع موقع الحال إذا كانت قصته هذه القصة وخالف سيبويه وقد جاء بعض هذه المصادر يغني عن ذكر الحال بالألف واللام نحو : أرسلها العراك والعراك لا يجوز أن يكون حالا ولا ينتصب انتصاب الحال وإنما انتصب عندي على تأويل : أرسلها تعترك العراك فـ (تعترك) حال والمصدر الذي عملت فيه الحال هو العراك ودل على (تعترك) فأغنى عنه وكذلك : طلبته جهدك وطاقتك كأنك قلت : طلبته تجتهد جهدك وتطيق طاقتك أي : تستفرغهما في ذلك.

__________________

(في ـ القاموس : بفتح ضاد" قضهم" أي على الحال ـ وبضمها ـ أي جميعهم على التوكيد ، والقضّ : الحصى الصّغار ، والقضيض : الحصى الكبار). أي جميعا ، ومنه أيضا قولهم" فعلته جهدي" و" أسرعت طاقتي" ولا تستعمل إلّا مضافا وهو معرفة ، وفي موضع الحال ، وتأويله : مجتهدا ومطيقا.

ومنه قول لبيد :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدّخال

(الإرسال : التخلية والإطلاق ، وفاعل أرسلها : حمار الوحش ، وضمير المؤنث لأتنه ، والذّود : الطّرد ، أشفق عليه : إذا رحمه ، والنّغص ، مصدر يقال : نغص ينغص : إذا لم يتم مراده ، وكذا البعير إذا لم يتم شربه ، والدّخال : أن يداخل يعير قد شرب مرّة في الإبل التي لم تشرب حتى يشرب معها ، يقول : أورد العير ـ وهو حمار الوحش ـ أتنه الماء دفعة واحدة مزدحمة ولم يشفق على بعضها أن يتنغّص عند الشّرب ، ولم يذدها ؛ لأنه يخاف الصّياد بخلاف الرّعاء الذين يديرون أمر الإبل ، فإنهم إذا أوردوا الإبل جعلوها قطعا حتى تروى)

ومثل فأرسلها العراك ، قولك : " مررت بهم الجمّاء الغفير" أي على الحال على نية طرح الألف واللام وهذا كقولك : " مررت بهم قاطبة" و" مررت بهم طرّا". انظر معجم القواعد العربية ٧ / ٤.

١٥٦

ومذهب سيبويه أن قولهم : مررت به وحده وبهم وحدهم ومررت برجل وحده أي مفرد أقيم مقام مصدر (يقوم) مقام الحال وقال : ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز : مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة.

وزعم الخليل : أنه إذا نصب فكأنه قال : مررت بهؤلاء فقط مثل وحده في معناه أي :أفرقهم.

وأما بنو تميم فيجرونه على الاسم الأول ويعربونه كإعرابه توكيدا له.

قال سيبويه ومثل خمستهم قول الشماخ :

آتتني سليم قضّها بقضيضها ...

كأنه قال : انقض آخرهم على أولهم وبعض العرب يجعل (قضهم) بمنزلة كلهم يجريه على الوجوه فهذا مأخوذ من الإنقضاض فقسه على ما ذكرت لك من قبل.

وزعم يونس : أن وحده بمنزلة عنده وأن خمستهم وقضهم كقولك جميعا وكذلك طرا وقاطبة.

وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت : مررت برجل على حياله فطرحت على فأما :(كلهم وجميعهم وعامتهم وأنفسهم وأجمعون) فلا يكون أبدا إلا صفة إذا أضفتهن إلى المضمرات وتقول : هو نسيج وحده ؛ لأنه اسم مضاف إليه.

قال الأخفش : كل مصدر قام مقام الفعل ففيه ضمير فاعل ، وذلك إذا قلت : سقيا لزيد وإنما تريد : سقى الله زيدا ولو قلت : سقيا الله زيدا كان جيدا لأنك قد جئت بما يقوم مقام الفعل ولو قلت : أكلا زيد الخبز وأنت تأمره كان جائزا كقوله :

فندلا زريق المال

ندل الثّعالب (١) ...

__________________

(١) قال الأشموني : (والأمر) أي اللفظ الدال على الطلب (إن لم يك للنّون محل فيه) فليس بفعل أمر بل (هو اسم) إما مصدر نحو «فند لا زريق المال» أي اندل ، وأما اسم فعل أمر (نحو صه) ، فإن معناه اسكت (وحيّهل) معناه. أقبل. أو قدم. أو عجل ولا محل للنون فيهما. انظر شرح الأشموني ١ / ١٨.

١٥٧

وتقول : ضربتك ضربا عمرو خالدا ومعناه : ضربتك ضرب عمرو خالدا فإذا قلت : ضربتك زيد خالدا فلا تقدم خالدا قبل الضرب ؛ لأنه في صلته.

قال أبو بكر : وليس هذا مثل قولك : ضربا زيدا وأنت تأمره ؛ لأن ذاك قد قام مقام الفعل فيجوز أن يقدم المفعول فتقول : زيدا ضربا وقد مضى تفسير هذا.

وتقول : ضربتك ضرب زيد عمرا وكذلك : ضربتك ضربك زيدا وضربا أنت زيدا إذا جعلته فاعلا وضربتك ضربا إياك زيدا إذا جعلته مفعولا تريد : ضربا زيد إياك.

وقال الأخفش : من رد عليك ضربا زيد عمرا إذا كنت تأمره أدخلت عليه سقيا له فقلت له : ألست إنما تريد سقى الله زيدا فإنه قائل : نعم فتقول.

فكما جاز سقاه له حين أقمت السقي مقام (سقا) فكذلك تقيم الضرب مقام (ليضرب) وتقول : ضرب زيد ضربا وقتل عمرو قتلا فتعدى الفعل الذي بني للمفعول إلى المصدر ن كما تعدى الفعل الذي بني للفاعل لا فرق بينهما في ذلك فأما المفعول الذي دخل عليه حرف الجر نحو : سيرا بعبد الله فأنت في المصادر والظروف بالخيار إن شئت نصبت المصادر نصبها قبل وأقمت المفعول الذي دخل عليه حرف الجر مقام الفاعل فقلت : سير بعبد الله سيرا شديدا أقمت (بعبد الله) مقام الفاعل ونصبت (سيرا) كما تنصبه إذا قلت : سار عبد الله سيرا شديدا وكذلك يجوز في أسماء الزمان والمكان أن تنصبها نصب الظروف في هذه المسألة ويجوز من أجل شغل حرف الجر بعبد الله أن تقيم المصادر والظروف معه مقام الفاعل فترفعها إلا أن الأحسن ألا ترفع إذا نعتت أو أفادت معنى سوى التوكيد وقصد الإخبار عنها فإذا لم يكن فيها إلا التوكيد نصبت والرفع بعيد جدا تقول : سير بعبد الله سير شديد ومر بعبد الله المرور الذي علمته ، وإن شئت نصبت وإنما حسن الرفع لأنك قد وصفت المصدر فصار كالأسماء المفيدة فأما النصب : فعلى أنك أقمت (بزيد) مقام الفاعل فصار كقولك : ضرب عبد الله الضرب الذي يعلم وشتم عبد الله الشتم الشديد وكذلك لو قلت : مر بعبد الله مروان وسير بعبد الله سير شديد لكان مفيدا. وقال الله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : ١٣] ، فإن قلت : سير بعبد الله سير وسيرا وذهب إلى عبد الله ذهابا فالنصب الوجه ؛

١٥٨

لأن المصادر موكدة أما جواز الرفع على بعد إذا قلت : سير بعبد الله ؛ لأنه ليس في قولك : سير من الفائدة إلا ما في (سير) وجوازه على أنك إذا قلت : سير بعبد الله سير فمعناه : سير بعبد الله ضرب من السير ؛ لأنه لو اختلف لكان الوجه أن تقول : سير بعبد الله سيران أي : سير سريع وبطيء أو : قديم وحديث وهذا قول أبي العباس رحمه الله.

واعلم أن قولهم ضرب زيد سوطا أن معناه : ضرب زيد ضربة بسوط فالسوط هنا قد قام مقام المصدر ولذلك لم يجز أن تقيم السوط مقام الفاعل لا يجوز أن تقول : ضرب سوط زيدا كما تقول : أعطى درهم عمرا.

١٥٩

شرح الثاني وهو المفعول به (١)

قد تقدّم قولنا في المفعول على الحقيقة أنه المصدر ولما كانت هذه تكون على ضربين :ضرب فيها يلاقي شيئا ويؤثر فيه.

وضرب منه لا يلاقي شيئا ولا يؤثر فيه فسمي الفعل الملاقي متعديا وما لا يلاقي غير متعد.

فأما الفعل الذي هو غير متعد فهو الذي لم يلاق مصدره مفعولا نحو : قام وأحمر وطال.

إذا أردت به ضد قصر خاصة ، وإن أردت به معنى علا كان متعديا والأفعال التي لا تتعدى هي ما كان منها خلقة أو حركة للجسم في ذاته وهيئة له أو فعلا من أفعال النفس غير متشبث بشيء خارج عنها.

أما الذي هو خلقة فنحو : أسود وأحمر وأعور وأشهاب وطال وما أشبه ذلك.

وأما حركة الجسم بغير ملاقاة لشيء آخر فنحو : قام وقعد وسار وغار ألا ترى أن هذه الأفعال مصوغة لحركة الجسم وهيئته في ذاته ، فإن قال قائل : فلا بد لهذه الأفعال من أن تلاقي المكان وأن تكون فيه قيل : هذا لا بدّ منه لكل فعل والمتعدي وغير المتعدي في هذا سواء وإنما علمنا محيط بأن ذلك كذلك ؛ لأن الفعل يصنع ليدل على المكان كما صيغ ليدل على المصدر والزمان.

وأما أفعال النفس التي لا تتعداها فنحو : كرم وظرف وفكر وغضب وخبر وبطر وملح وحسن وسمح وما أشبه ذلك.

وأما الفعل الذي يتعدى فكل حركة للجسم كانت ملاقية لغيرها وما أشبه ذلك من أفعال النفس وأفعال الحواس من الخمس كلها متعدية ملاقية نحو : نظرت وشممت وسمعت

__________________

(١) هو اسم دلّ على ما وقع عليه فعل الفاعل ، ولم يتغيّر لأجله صورة الفعل ، نحو" يحبّ الله المتقن عمله" ويكون ظاهرا كما مثّل ، وضميرا متّصلا نحو : " أرشدني الأستاذ" ومنفصلا نحو : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (الآية : ٤ سورة الفاتحة). انظر معجم القواعد العربية ٢٥ / ٥٩.

١٦٠