الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

باب كسر ألف إن وفتحها

ألف إن تكسر (١) في كل موضع يصلح أن يقع فيه الفعل والابتداء جميعا ، وإن وقعت في موضع لا يصلح أن يقع فيه إلا أحدهما لم يجز لأنها إنما تشبه فعلا داخلا على جملة وتلك الجملة

__________________

(١) يجوز كسر همزة" إن" وفتحها في تسعة مواضع :

(١) أن تقع بعد فاء الجزاء نحو : (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الآية : ٥٤ سورة الأنعام) قرئ بكسر" إن" وفتحها ، فالكسر على معنى : فهو غفور رحيم ، والفتح على تقدير أنها ومعموليها مفرد خبره محذوف ، أي فالغفران والرّحمة حاصلان.

(٢) أن تقع بعد" إذا" الفجائية كقول الشاعر وأنشده سيبويه :

وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا

إذا أنّه عبد القفا واللهازم

(" أرى" بضم الهمزة : بمعنى أظن يتعدى إلى اثنين و" الهّهازم" جمع لهزمة بكسر اللام : طرف الحلقوم فكسر" إن" على معنى" فإذا هو عبد القفا" والفتح على معنى" فإذا العبودية" أي حاصلة.

(٣) أن تقع في موضع التّعليل ، نحو : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) أءنه (قرأ نافع والكسائي بفتح" أن" على تقدير لام العلة ، وقرأ الباقون بالكسر ، على أنه تعليل مستأنف) (هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الآية : ٢٨ سورة الطور) ومثله قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (الآية : ١٠٣ سورة التوبة) ومثله" لبّيك إأنّ الحمد والنّعمة لك" بفتح" إن" وكسرها.

(٤) أن تقع بعد فعل قسم ، ولا لام بعدها كقول رؤبة :

أو تحلفي بربّك العليّ

إأنّي أبو ذيّالك الصّبيّ

يروى بكسر" إأنّ" وفتحها ، فالكسر على الجواب للقسم (والبصريون يوجبونه) والفتح بتقدير" على أني" و" أنّ" مؤوّلة بمصدر عند الكسائي والبغداديين.

(٥) أن تقع خبرا عن قول ، ومخبرا عنها بقول (المراد من القول الأول : لفظ القول والمراد بالثاني : أن اللفظ مما يقال قولا مثلا : ، " إني أحمد الله" فإنها تقال قولا عملا ، بخلاف" إني مؤمن" فالإيمان تصديق بالقلب لا قول باللفظ.) ، والقائل واحد ، نحو" قولي أإني أحمد الله" بفتح إنّ وكسرها فإذا فتحت فعلى مصدرية" قوليط؟؟

أي قولي حمداص؟؟ لله ، وإذا كسرت فعلى معنى المقول ، أي" مقولي إني أحمد الله" فالخبر على الأول : مفرد ، وعلى الثاني جملة مستغنية عن العائد لأنها نفس المبتدأ في المعنى.

ولو انتفى القول الأوّل وجب فتحها نحو" عملي أنّي أحمد الله" ولو انتفى القول الثاني وجب كسرها نحو" قولي إني مؤمن". فالقول الثاني" إني مؤمن" والإيمان لا يقال ؛ لأنه عقيدة في القلب.

٢٤١

مبتدأ وخبر والجملة التي بعد (إنّ) لا موضع لها من الإعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف ألا ترى أنك تقول : إن عمرا منطلق فهذا موضع يصلح أن يبتدأ الكلام فيه فتقول : عمرو منطلق ويصلح أن يقع الفعل موقع المتبدأ فتقول : انطلق عمرو وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب لأنها غير مبنية على شيء.

و (إنّ) المكسورة تكون مبتدأة ولا يعمل فيها ما قبلها وهي كلام تام مع ما بعدها وتدخل اللام في خبرها ولا تدخل اللام في خبر (إن) إذا كانت (إن) محمولة على ما قبلها.

واللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل فلم تعمل نحو قولك : قد علمت إن زيدا لمنطلق وأظن إن زيدا لقائم فهذا إنما يكون في العلم والظن ونحوه.

ولا يجوز في غير ذلك من الأفعال لا تقول : وعدتك إنك لخارج إنما تدخل في الموضع الذي تدخل فيه أيهم فتعلق الفعل ألا ترى أنك تقول : قد علمت أيهم في الدار وكل موضع تقع فيه (إن) بمعنى اليمين وصلة القسم فهي مكسورة فمن ذلك قولهم إذا أرادوا معنى

__________________

ولو أختلف القائل وجب كسرها نحو : " قولي إنّ هشاما يسّبح ربّه".

(٦) أن تقع بعد" واو" مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ) (قرأ نافع وأبو بكر بكسر" إن" إمّا على الاستئناف ، وإما بالعطف على جملة" إن" الأولى ، وقرأ الباقون بالفتح عطفا على" ألّا ـ تجوع" والتقدير : إنّ لك عدم الجوع وعدم الظمإ. (لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (الآية : ١١٩ ـ ١٢٠ سورة طه)

(٧) الأكثر أن تكسر" إن" بعد حتى ، وقد تفتح قليلا إذا كانت عاطفة ، تقول : " عرفت أمورك حتى أنّك حسن الطّويّة" كأنّك قلت : عرفت أمورك حتّى حسن طويّتك ، ثمّ وضعت أنّ في هذا الموضع.

(٨) أن تقع بعد" أما" (أنظر" أما" في حرفها) نحو" أما أإنّك مؤدّب" فالكسر على أنّها حرف استفتاح بمنزلة" ألا" والفتح على أنها بمعنى" أحقا" وهو قليل.

(٩) أن تقع بعد" لا جرم" (انظر" لا جرم" في حرفها) والغالب الفتح نحو (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) (الآية : ٢٣ سورة النحل) فالفتح على أنّ جرم فعل ماض معناه وجب و" أنّ" وصلتها فاعل ، أي وجب أنّ الله يعلم ، و" لا" زائدة ، وإمّا على أنّ" لا جرم" ومعناها" لا بدّ" و" من" بعدهما مقدّرة ، والتّقدير : لا بدّ من أنّ الله يعلم. انظر معجم القواعد العربية ٢ / ١٢٢.

٢٤٢

اليمين : أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك وهؤلاء الذين إن أجبتهم لأشجع من شجعائكم قال الله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : ٧٦] (فإن) تدخل صلة (للذي) ؛ لأن صلة الذي لا موضع لها من الإعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف جر.

فإذا وقعت إن بعد القول حكاية فهي أيضا مكسورة لأنك تحكي الكلام مبتدأ والحكاية لا تغير الكلام عما كان عليه تقول : قال عمرو : إن زيدا خير منك.

قال سيبويه : كان عيسى يقرأ هذا الحرف : (فدعا ربّه إنّي مغلوب) [القمر : ١٠]. أراد أن يحكي كما قال : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) [الزمر : ٣] كأنه قال والله اعلم قالوا : ما نعبدهم فعلى هذا عندي قراءة : (فدعا ربّه إني مغلوب) أي : دعا ربه فقال : إني مغلوب.

وتكسر أيضا بعد إلا في قولك : ما قدم علينا أمير إلا إنّه مكرم لي ؛ لأنه ليس هنا شيء يعمل في (إن) ولا يجوز أن تكون عليه.

قال : قال سيبويه : ودخول اللام هاهنا يدلك على أنه موضع ابتداء.

قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(١) [الفرقان : ٢٠] ، فإن زال ما بعد إلا عن الابتداء وبنيته على شيء فتحت تقول : ما غضبت عليك إلا أنك فاسق كأنك قلت : إلا لأنك فاسق ، وأما قوله تعالى : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ) [التوبة : ٥٤].

__________________

(١) في باب الحصر بالنّفي وإلّا ، بمعنى الأمثلة الآتية تقول : " ما قدم علينا أمير إلّا إنّه مكرم لنا". ؛ لأنه ليس ههنا شيء يعمل فيإنّ ولا يجوز أن تكون أنّ ، وإنّما تريد أن تقول : ما قدم علينا أمير إلّا هو مكرم لنا.

وقال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) (الآية : ٢٠ سورة الفرقان) ومثل ذلك كثّيرّ :

ما أعطياني ولا سألتهما

إلّا وإني لحاجزي كرمي

وبغير معنى ما تقدّم من الحصر تقول : " ما غضبت عليك إلا أنّك فاسق" وهذا بفتح همزة أن. انظر معجم القواعد العربية ٢ / ١٢٢.

٢٤٣

فإنما حمله على (منعهم) أي : ما منعهم إلا أنهم كفروا فموضع : أنهم كفروا رفع أي : ما منعهم لا كفرهم فلما صار لها موضع فتحت.

و (حتى) : تبتدأ بعدها الأسماء وهي معلقة لا تعمل في (إن) ، وذلك قولك : قد قاله القوم حتى إن زيدا يقوله : وانطلق الناس حتى إن عمرا لمنطلق.

وأحال سيبويه أن تقع المفتوحة هاهنا وكذلك إذا قلت : مررت فإذا إنّه يقول ذاك قال :وسمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرتك به :

وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا

إذا إنّه عبد القفا واللهازم (١)

وإذا ذكرت (إن) بعد واو الوقت كسرت ؛ لأنه موضع ابتداء نحو قولك : رأيته شابا وإنه يومئذ يفخر.

__________________

(١) يجوز فتح إن وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية نحو خرجت فإذا إن زيدا قائم فمن كسرها جعلها جملة والتقدير خرجت فإذا زيد قائم ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية والتقدير فإذا قيام زيد أي ففي الحضرة قيام زيد ويجوز أن يكون الخبر محذوفا والتقدير خرجت فإذا قيام زيد موجود ومما جاء بالوجهين قوله :

وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا

إذا أنه عبد القفا واللهازم

انظر شرح ابن عقيل ١ / ٣٥٦.

٢٤٤

ذكر أن المفتوحة

أن المفتوحة الألف مع ما بعدها بتأويل المصدر وهي تجعل الكلام : شأنا وقصة وحديثا ألا ترى أنك إذا قلت : علمت أنك منطلق فإنما هو : علمت انطلاقك فكأنك قلت : علمت الحديث ويقول القائل : ما الخبر فيقول المجيب : الخبر أن الأمير قادم.

فهي لا تكون مبتدأة ولا بد من أن تكون قد عمل فيها عامل أو تكون مبنية على قبلها لا تريد بها الابتداء تقول : بلغني أنك منطلق (فأن) في موضع اسم مرفوع كأنك قلت : بلغني انطلاقك وتقول : قد عرفت أنك قادم (فأن) في موضع اسم منصوب كأنك قلت : عرفت قدومك وتقول : جئتك ؛ لأن كريم (فأن) في موضع اسم مخفوض كأنك قلت : جئت لكرمك.

و (أن) إذا كانت مكسورة بمنزلة الفعل. وإذا كانت مفتوحة بمنزلة الاسم والفعل لا يعمل في الفعل فلذلك لا يعمل الفعل في (إن) المكسورة ويعمل في (أن) المفتوحة لما صارت بمعنى المصدر والمصدر اسم.

قال سيبويه : يقبح أن تقول : أنك منطلق بلغني أو عرفت.

وإنما استقبح ذلك ، وإن أردت تقديم الفعل لامتناعهم من الابتداء بأن المفتوحة لأنها إنما هي بمنزلة (أن) الخفيفة التي هي مع الفعل بمعنى المصدر.

وما كان بمنزلة الشيء فليس هو ذلك الشيء بعينه فلا يجوز أن يتصرف تصرف (أن) الخفيفة الناصبة للفعل في جميع أحوالها.

فأما (أن) الخفيفة التي تنصب الفعل فإنها يبتدأ بها ؛ لأن الفعل صلة لها وقد نابت هي والفعل عن مصدر ذلك الفعل ولا يلي أن الخفيفة الناصبة للفعل إلا الفعل و (أنّ) الشديدة ليست كذلك ؛ لأنه لا يليها إلا الاسم وهي بعد للتأكيد كما إن (إن) المكسور للتأكيد تقول : إن يقوم زيد خير لك ولا يجوز : أن زيد قائم خير لك قال الله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] وتقول : ليت أن زيدا منطلق فأصل هذا الابتداء والخبر فينوب عن خبر (ليت) ولا يجوز : أن يقوم زيد حتى يأتي بخبر وأنت مع (أن) تلفظ بالفعل ومع (أن) المشددة قد يجوز أن لا تلفظ بالفعل نحو قولك : قد علمت أن زيدا أخوك والمواضع التي تقع فيها أن المفتوحة

٢٤٥

لا تقع فيها (إن) المكسورة فمتى وجدتهما يقعان في موقع واحد فاعلم أن المعنى والتأويل مختلف (١).

وإذا وقعت أن موقع المصدر الذي تدخل عليه لام الجر فتحتها نحو : جئتك أنك تريد الخير ، ويقول الرجل للرجل : لم فعلت ذلك فيقول : لم أنه ظريف ، تريد : لأنه.

قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون : ٥٢] فقال : إنما هو على حذف اللام ، وقال عز وجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [هود : ٢٥] إنما أراد : بأني ، وإذا عطفت (إن) على أن وقد عمل في الأولى الفعل ففتحها فتحت المعطوف أيضا إلا أن تريد أن تستأنف ما بعد حرف العطف وتأتي بجملة نحو قولك : قد عرفت أنه ذاهب ثم إنه معجل فتحت الثانية ؛ لأن (عرفت) قد عمل فيها وتقول قد عرفت أنه منطلق ثم إنني أخبرتك أنه معجل لأنك ابتدأت (بأني).

وإن جئت بها بعد واو الوقت كسرت كما أخبرتك وتقع بعد (لو) مفتوحة فتقول : لو أنك في الدار لجئتك.

قال سيبويه : (فأن) مبنية على (لو) كما كانت مبنية على (لو لا) تقول : لو لا أني منطلق لفعلت (فأن) مبنية على (لو لا) كما تبنى عليها الأسماء وقال في لو كأنك قلت : لو ذاك وهذا تمثيل ، وإن كانوا لا يبنون على (لو) غير أن كما كان (تسلم) في قولك بذي تسلم في موضع اسم.

__________________

(١) أن المفتوحة أشبه بالفعل من المكسورة ؛ لأن لفظها كلفظ عض مقصودا به الماضي أو الأمر.

والمكسورة لا تشبه إلا الأمر كجد فلذلك أوثرت أن المفتوحة المخففة ببقاء عملها على وجه يبين فيه الضعف.

وذلك بأن جعل اسمها محذوفا لتكون بذلك عاملة كلا عاملة. ومما يوجب مزيتها على المكسورة أن طلبها لما تعمل فيه من جهة الاختصاص ومن جهة وصليتها بمعمولها ولا تطلب المكسورة ما تعمل فيه إلا من جهة الاختصاص فضعفت بالتخفيف وبطل عملها بخلاف المفتوحة (وإن يكن) صدر الجملة الواقعة خبر أن المفتوحة المخففة (فعلا ولم يكن) ذلك الفعل (دعا ولم يكن تصريفه ممتنعا فالأحسن) حينئذ (الفصل) بين أن وبينه (بقد) نحو : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) (المائدة : ١١٣). انظر شرح الأشموني ١ / ١٥٣.

٢٤٦

قال أبو العباس رحمه الله : إن (لو) إنما تجيء على هيئة الجزاء فإذا قلت : لو أكرمتني لزرتك فلا بد من الجواب ؛ لأن معناها : إن الزيارة امتنعت لإمتناع الكرامة فلا بد من الجواب ؛ لأنه علة الإمتناع و (إن) المكسورة لا يجوز أن تقع هنا كما لا يجوز أن تقع بعد حروف الجزاء لأنها إنما أشبهت الفعل في اللفظ والعمل لا في المعنى و (أن) المفتوحة مع صلتها مصدر في الحقيقة فوقوعها على ضربين :

أحدهما : أن المصدر يدل على فعله فيجري منه ويعمل عمله فقد صح معناها في هذا الوجه.

فإن قال قائل إذا قلت : لو أنك جئتني لأكرمتك فلم لا تقول : لو مجيئك لأكرمتك قيل له : لأن الفعل الذي قد لفظت به من صلة (أن) والمصدر ليس كذلك ألا ترى أنك تقول :

ظننت أنك منطلق فتعديه إلى (أن) وهي وصلتها اسم واحد ؛ لأنه قد صار لها اسم وخبر فدلت بهما على المفعولين وغيرهما من الأسماء لا بد معه من مفعول ثان.

والوجه الآخر : أن الأسماء تقع بعد (لو) على تقديم الفعل الذي بعدها فقد وليتها على حال ، وإن كان ذلك من أجل ما بعدها فلذلك وليتها (أن) لأنها اسم وامتنعت المكسورة لأنها حرف جاء لمعنى التوكيد والحروف لا تلي (لو) فمما وليها من الأسماء قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) [الإسراء : ١٠٠].

وقال جرير :

لو غيركم علق الزّبير بحبله

أدى الجوار إلى بني العوّام

وفي المثل : لو ذات سوار لطمتني (١).

__________________

(١) تختصّ" لو" مطلقا بالفعل ، ويجوز أن يليها قليلا : اسم معمول لفعل محذوف وجوبا يفسّره ما بعده ، إمّا مرفوع كقول الغطمّش الضّبيّ :

أخلّاي لو غير الحمام أصابكم

عتبت ولكن ما على الدّهر معتب

وقولهم في المثل : " لو غير ذات سوار لطمتني" (قاله حاتم الطائي ، وكان قد أسر فلطمته جارية من جواري الحي الذي أسر فيه ، ويضرب للوضيع يهين الشريف).

٢٤٧

وكذلك : لو أنك جئت أي : لو وقع مجيئك ؛ لأن المعنى عليه.

قال سيبويه : سألته ـ يعني : الخليل ـ عن قول العرب : ما رأيته مذ أنّ الله خلقني؟

فقال : إن في موضع اسم كأنك قلت : مذ ذاك ، فإن كان الفعل أو غيره يصل باللام جاز تقديمه وتأخيره ؛ لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى ، وذلك نحو قول تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن : ١٨] أي : ولأن المساجد وإنما جاز ذلك ؛ لأن اللام مقدرة قبل (أن) وهي العاملة في (أن) لا الفعل وكل موضع تقع فيه (أن) تقع فيه (إنما) وما ابتدئ بعدها صلة لها كما أن ما ابتدئ بعد الذي صلة له ول تكون هي عاملة فيما بعدها كما لا يكون الذي عاملا فيما بعده فمن ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [الأنبياء : ١٠٨].

فلو قلت : يوحي إلي أن إلهكم إله واحد كان حسنا فأما إنما مكسورة فلا تكون اسما وإنما هي فيما زعم الخليل بمنزلة فعل ملغى مثل : أشهد لزيد خير منك.

والموضع الذي لا يجوز أن يكون فيه (أن) لا تكون (إنما) إلا مبتدأة مكسورة مثل قولك :وجدتك إنما أنت صاحب كل خنيّ لأنك لو قلت : وجدتك أنك صاحب كل خنيّ لم يجز.

(وإنما وأن) يصيّران الكلام : شأنا وقصة وحديثا ولا يكون الحديث الرجل ولا زيدا ولا ما أشبه ذلك من الأسماء.

ويجوز أن تبدل مما قبلها إذا كان ما قبلها حديثا وقصة تقول : بلغتني قصتك أنك فاعل وقد بلغني الحديث أنهم منطلقون فقولك : (أنهم منطلقون) هو الحديث.

__________________

ـ أو منصوب نحو" لو محمدا رايته أكرمته" ، أو خبر ل " كان" محذوفة مع اسمها نحو" التمس ولو حاتما من حديد" أي ولو كان الملتمس خاتما ويليها كثيرا" أنّ" وصلتها ، نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) (الآية : ٥ سورة الحجرات). والمصدر المؤوّل فاعل ب" ثبت" مقدر ، أي ولو ثبت صبرهم ، ومثله قول تميم بن أبيّ بن مقبل :

ما أنعم العيش لو أنّ الفتى حجر

تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

أي لو ثبتت حجريّته. انظر معجم القواعد العربية ٤ / ٣٨.

٢٤٨

وقد تبدل من شيء ليس هو الحديث ولا القصة لإشتمال المعنى عليه نحو قول عز وجل :(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)(١) [الأنفال : ٧].

(فأن) مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعة في مكانها كأنك قلت : وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم وهذا يتّضح إذا ذكرنا البدل في موضعه إن شاء الله.

__________________

(١) يجب الفتح في ثمان مسائل :

إحداها : أن تقع فاعلة نحو (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) أي إنزالنا.

الثانية : أن تقع نائبة عن الفاعل نحو (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ).

الثالثة : أن تقع مفعولا لغير القول نحو (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ).

الرابعة : أن تقع في موضع رفع بالابتداء نحو (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً).

الخامسة : أن تقع في موضع خبر عن اسم معنى نحو اعتقادي أنّك فاضل.

السادسة : أن تقع مجرورة بالحرف نحو (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ).

السابعة : أن تقع مجرورة بالإضافة نحو (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).

الثامنة : أن تقع تابعة لشيء مما ذكرنا نحو (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ونحو (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) فإنها في الأولى معطوفة على المفعول وهو نعمتي وفي الثانية بدل منه وهو إحدى. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٢٦٩.

٢٤٩

ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن المفتوحة والمكسورة والتأويل والمعنى مختلف

تقول : إمّا أنه ذاهب وإمّا أنه منطلق. فتفتح وتكسر.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن ذاك فقال : إذا فتحت فإنك تجعله كقولك : حقا أنه منطلق ، وإذا كسرت فكأنه قال : إلا أنه ذاهب.

وتقول : أما والله إنه ذاهب كأنك قلت : قد علمت والله إنه ذاهب.

وأما والله أنه ذاهب كقولك : إلا أنه والله ذاهب.

قال : وسألته عن قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)(١) [الأنعام : ١٠٩] ما يمنعه أن يكون كقولك : ما يدريك أنه يفعل فقال : لا يحسن ذا في هذا

__________________

(١) اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جل وعز : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها.)

فقرأ ابن كثير : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) مكسورة الألف.

قرأ أبو عمرو بالكسر أيضا ، غير أن أبا عمرو كان يختلس حركة الراء من : (يُشْعِرُكُمْ.)

وقرأ نافع ، وعاصم في رواية حفص ، وحمزة ، والكسائي ـ وأحسب ابن عامر ـ : (أنها) بالفتح.

وأما أبو بكر بن عياش فقال يحيى عنه : لم نحفظ عن عاصم كيف قرأ أفتحا أم كسرا؟ وقال حسين الجعفي ، عن أبي بكر ، عن عاصم : إنها مكسورة ، أخبرني به موسى بن إسحاق ، عن هارون بن حاتم ، عن حسين الجعفي بذلك ، وحدثني موسى بن إسحاق ، عن أبي هشام محمد بن يزيد ، قال : سمعت أبا يوسف الأعشى قرأها على أبي بكر : إنها كسرا ، (لا يُؤْمِنُونَ) بالياء ، وكذلك روى داود الأودي أنه سمع عاصما يقرؤها : إنها كسرا.

قال سيبويه : سألته ـ يعني : الخليل ـ عن قوله عز وجل : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ما منعها أن تكون كقولك : ما يدريك أنه لا يفعل؟

فقال : لا يحسن ذلك في هذا الموضع ، إنما قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ ،) ثم ابتدأ فأوجب ، فقال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ،) ولو قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) كان ذلك عنه عذرا لهم ، وأهل المدينة يقولون : (أنها) ، فقال الخليل : هي بمنزلة قول العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا ؛ أي : لعلك ، فكأنه قال :لعلها إذا جاءت لا يؤمنون [الحجة للقراء السبعة : ٣ / ٣٧٧].

٢٥٠

الموضع إنما قال : وما يشعركم ثم ابتدأ فأوجب فقال : إنها إذا جاءت لا يؤمنون قال : ولو كان :(وما يشعركم أنها) كان ذلك عذرا لهم وأهل المدينة يقرأون : (أنّها).

فقال الخليل : هي بمنزلة قول العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا أي : لعلك.

فكأنه قال : لعلها إذا جاءت لا يؤمنون.

وتقول : إن لك هذا على وأنك لا تؤذي فكأنه قال : وإن لك أنك لا تؤذي ، وإن شاء ابتدأ.

وقد قرئ هذا الحرف على وجهين : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(١) [طه : ١١٩].

وتقول : إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم أي : إني نجد إذا ابتدأت كما تقول : أنا نجد ، وإذا شئت قلت أي : أني نجد. كأنك قلت : أي : لأني نجد.

وتقول : ذاك ، وإن لك عندي ما أحببت قال الله تعالى : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) [الأنفال : ١٤]. كأنه قال : يعلى الأمر ذلك ، وإن لك.

قال سيبويه : ولو جاءت مبتدأة لجاز.

__________________

(١) هناك مواضع يجوز فيها الوجهان : الأول أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو : (إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) (طه : ١١٩) ، قرأ نافع وأبو بكر بالكسر إما على الاستئناف أو العطف على جملة أن الأولى والباقون بالفتح عطفا على أن لا تجوع. الثاني أن تقع بعد حتى فتكسر بعد الابتدائية نحو مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه ، وتفتح بعد الجارة والعاطفة نحو عرفت أمورك حتى أنك فاضل. الثالث أن تقع بعد أما نحو أما أنك فاضل فتكسر إن كانت أما استفتاحية بمنزلة ألا ، وتفتح إن كانت بمعنى حقا كما تقول حقا أنك ذاهب ومنه قوله :

أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا

أي أفي حق هذا الأمر؟ الرابع أن تقع بعد لا جرم نحو : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) (النحل : ٢٣) ، فالفتح عند سيبويه على أن جرم فعل وأن وصلتها فاعل ، أي وجب أن الله يعلم ولا صلة ، وعند الفراء على أن لا جرم بمنزلة لا رجل ومعناه لا بد ، ومن بعدها مقدرة والكسر على ما خكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول لا جرم لآتينك (وبعد ذات الكسر تصحب الخبر) جوازا (لام ابتداء نحو إنّي لوزر) أي ملجأ ، وكان حق هذه اللام أن تدخل على أول الكلام ؛ لأن لها الصدر ، لكن لما كانت للتأكيد ، وإن للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد فزحلقوا اللام إلى الخبر. انظر شرح الأشموني على الألفية ١ / ١٤٦.

٢٥١

قال : وسألت الخليل عن قوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون : ٥٢]. فقال : إنما هو على حذف اللام قال : ولو قرأها قارئ : (وأنّ) كان جيدا.

وتقول : لبيك إنّ الحمد والنعمة لك ، وإن شئت قلت : أنّ الحمد قال ابن الأطنابة :

أبلغ الحارث بن ظالم الموعد

والناذر النذور عليّا

إنما تقتل النّيام ولا تقتل

يقظان ذا سلاح كميا

وإن شئت قلت : إنما تقتل النيام على الابتداء زعم ذلك الخليل.

وقال الخليل : في قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) [التوبة : ٦٣] قال : ولو قال : فإن كانت عربية جيدة.

وتقول : أول ما أقول إني أحمد الله كأنك قلت : أول ما أقول الحمد لله.

و (إن) في موضعه ، فإن أردت أن تحكي قلت : أول ما أقول : إني أحمد الله وتقول : مررت فإذا إنه عبد ، وإذا أنه عبد تريد : مررت فإذا العبودية به واللؤم.

وقد عرفت أمورك حتى إنك أحمق كأنه قال : حتى حمقكم وهذا قول الخليل.

٢٥٢

مسائل في فتح ألف (أن) وكسرها

تقول : قد علمت أنك إذا فعلت ذاك أنك سوف تغبط ويجوز أن تكسر تريد معنى الفاء وتقول : أحقا أنك ذاهب والحق نك ذاهب وأكبر ظنك أنك ذاهب وأجهد رأيك أنك ذاهب وكذلك هما إذا كانا خيرا غير استفهام حملوه على : أفي حق أنك ذاهب قال العبدي :

أحقّا أن جيرتنا أستقلّوا

فنيّتنا ونيّتهم فريق

قال : فريق ولم يقل فريقان كما يقال للجماعة : هم صديق.

وقال تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : ١٧] ولم يقل : قعيدان والرفع في جميع هذا قويّ إن شئت قلت : أحق أنك ذاهب وأكبر ظني أنك ذاهب تجعل الآخر هو الأول.

قال أبو العباس : سألت أبا عثمان لم لا تقول : يوم الجمعة أنك منطلق قال : هذا يجيزه قوم وهم قليل على التقديم والتأخير يجيزون : أنك منطلق يوم الجمعة وإنما كان الوجه : يوم الجمعة أنك منطلق لأنهم يريدون : في يوم الجمعة انطلاقك قلت : فلم أجازوا : أما يوم الجمعة فإنك منطلق قال : لأن ما بعد الفاء مبتدأ ونصب (يوم الجمعة) بالمعنى الذي أحدثته أما كأنه قال : مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك منطلق وهو نحو قولك : زيد في الدار (اليوم) نصبت اليوم بمعنى الاستقرار في قولك : في الدار قلت : أتجيز كيف إنك صانع على قولك : كيف أنت صانع قال : من أجازه في يوم الجمعة أجازه هاهنا.

قال أبو العباس : لا يجوز هذا في (كيف) ؛ لأن كيف لا ناصب لها قال : قال أبو عثمان : قرأ سعيد بن جبير : (إلا أنهم ليأكلون الطعام) (١) ففتح إن وجعل اللام زائدة كما زيدت في قوله :

أم الحليس لعجوز شهربه (٢)

__________________

(١) أجاز المبرد دخولها في خبر أن المفتوحة وقد قرىء شاذا إلا أنهم ليأكلون الطعام بفتح أن ويتخرج أيضا على زيادة اللام. انظر شرح ابن عقيل ١ / ٣٦٧.

(٢) قال الأشموني معقبا : تنبيه : اقتضى كلامه أنها لا تصحب خبر غير إن المكسورة وهو كذلك ، وما ورد من ذلك يحكم فيه بزيادتها ، فمن ذلك قراءة بعض السلف : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) (الفرقان : ٢٠) ، بفتح الهمزة وأجازه المبرد ، وما حكاه الكوفيون من قوله :

٢٥٣

وتقول : قد علمت أن زيدا لينطلقن فتفتح ؛ لأن هذه لام القسم وليست لام (إن) التي في قولك : قد علمت إن زيدا ليقوم ؛ لأن هذه لام الابتداء والأولى لام اليمين فليست من (إن) في شيء.

قال أبو عثمان : في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣] إن (مثل) و (ما) جعلا اسما واحدا مثل : خمسة عشر ، وإن كانت ما زائدة وأنشد :

وتداعى منخراه بدم

مثل ما أثمر حماض الجبل

قال سيبويه والنحويون يقولون : إنما بناه يعني مثل ؛ لأنه أضافه إلى غير متمكن وهو قوله : إنكم ، وإن شاء أعرب (مثلا) لأنها كانت معربة قبل الإضافة فترفع فتقول : مثل ما أنكم كما تقول في (يومئذ) من النباء والإعراب فتعربه كما كان قبل الإضافة ويبينه لما أضافه إليه من أجل أنه غير متمكن وأن الأول كان مبهما فإنما حصر بالثاني.

وكذلك :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا (١)

__________________

(١) الأسماء المضافة إلى الجملة على قسمين أحدهما ما يضاف إلى الجملة لزوما والثاني ما يضاف إليها جوازا. ـ وأشار في هذين البيتين إلى أن ما يضاف إلى الجملة جوازا يجوز فيه الإعراب والبناء سواء أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض أو جملة فعلية صدرت بمضارع أو جملة اسمية نحو هذا يوم جاء زيد ويوم يقوم عمرو أو يوم بكر قائم وهذا مذهب الكوفيين وتبعهم الفارسي والمصنف لكن المختار فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض البناء وقد روى بالبناء والإعراب قوله :

على حين عاتبت المشيب على الصبا

بفتح نون حين على البناء وكسرها على الأعراب. انظر شرح ابن عقيل ٣ / ٥٩.

٢٥٤

وكذلك :

لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال (١)

__________________

(١) البناء ، وذلك في ثلاثة أبواب :

(أ) أن يكون المضاف مبهما ك" غير ومثل ودون" فمثل" غير" قول أبي قيس بي الأسلت :

لم يمنع الشّرب فيها غسر أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال

و" غير" فاعل ب" لم يمنع" وقد بنيت على الفتح. ومثال" مثل" قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الآية : ٣٣ سورة الذاريات). الأكثر على فتح" مثل" وهي صفة ل" لحقّ" مبنية على الفتح ، ومثال" بين" قوله سبحانه : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (الآية : ٩٤ سورة الأنعام). فيمن فتح" بيتا" ويؤيده قراءة الرفع.

(ب) أن يكون المضاف زمانا مبهما ، والمضاف إليه" إذ" يحو (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) (الآية : ٦٦ سورة هود) يقرآن بجرّ يوم وفتحه.

(ج) أن يكون زمانا مبهما والمضاف إليه فعل مبنيّ بناء أصليّا أو بناء عارضا ، أمّا الأصلي كقول النابغة :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألّما أصح والشّيب وازع

وأمّا العارض فكقول الشاعر :

لأجتذبن منهنّ قلبي تحلّما

على حين يستصبيبن كلّ حليم

فإن كان المضاف إليه فعلا معربا ، أو جملة اسمية وجب الإعراب عند البصريين ، ولكنّ قراءة نافع في قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) (الآية : ١١٩ سورة المائدة) بفتح" يوم" وقراءة (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) (الآية : ١٩ سورة الانفطار) بفتح" يوم" تجعلان جواز البناء صحيحا. انظر معجم القواعد العربية ٢ / ٦٤.

٢٥٥

وكل المبهمات كذلك ولا يدخل في هذا : ضربني غلام خمسة عشر رجلا ؛ لأن الغلام مخصوص معلوم غير مبهم بمنزلة وحين ونحو ذلك وأبو عمرو يختار أن يكون نصب : (مثل ما أنكم تنطقون) على أنه حال للنكرة (لحق) ولا اختلاف في جوازه على ما قال.

وتقول : إن زيدا إنه منطلق. كأنك قلت : إن زيدا هو منطلق.

والمكسورة والمفتوحة مجازهما واحد قال الله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل : ١١٩] وقال عبد الله وهب الفزاري الأسدي جاهلي :

زعمت هنيدة أنها صرمت

حبلي ووصل الغانيات غرور

إني وحالك إنّني لمشيّع

صلب القناة بصرحكن جدير

قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن شد ما أنك ذاهب بمنزلة : حقا أنك ذاهب فقال :هذا بمنزلة حقا إنك ذاهب كما تقول : أما إنك ذاهب بمنزلة : حقا إنك وكما كانت (لو) بمنزلة (لو لا) ولا يبدأ بعدها من الأسماء سوى (إن) نحو : لو أنك ذاهب ولو لا يبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة (لو لا) ، وإن لم يجز فيها ما يجوز فيها ، وإن شئت جعلت : شد ما كنعم ما كأنك قلت : نعم العمل أنك تقول الحق قال : وسألته عن قوله.

كما أنّه لا يعلم ذلك فتجاوز الله عنه ، وذلك حق كما أنك هاهنا فزعم أنّ العاملة في (أنّ) الكاف وما لغو إلا أن (ما) لا تحذف من هاهنا كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ (كأن) التي للتشبيه كما ألزموا النون (لأفعلن) واللام في قولهم : إن كان ليفعل : كراهية أن يلتبس اللفظان ويدلك على أن الكاف هي العاملة قولهم : هذا حق مثل ما أنك هنا ففتحوا (أن) وبعض العرب يرفع (مثل) حدثنا به يونس فما أيضا لغو لأنك تقول : مثل ما أنك هاهنا ولو جاءت (ما) مسقطة من الكاف في الشعر جاز.

قال النابغة الجعدي :

قروم تسامى عند باب دفاعه

كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا

٢٥٦

يريد : كما أنه يؤخذ المرء قال أبو عثمان : أنا لا أنشده إلا (كأن) يؤخذ المرء.

فأنصب يؤخذ لأنها (أن) التي تنصب الأفعال دخلت عليها كاف التشبيه ألا ترى أنه نسق عليه (يقتل) فنصبه لذلك.

قال سيبويه : سألته يعني الخليل هل يجوز : إنه لحق كما أنك هاهنا على حد قولك : كما أنت هاهنا فقال : لا ؛ لأن أن لا يبتدأ بها في كل موضع ألا ترى أنك لا تقول : يوم الجمعة أنك ذاهب ولا : كيف أنك صانع (فكما) بتلك المنزلة قال : وسألت الخليل عن قوله : أحقا أنه لذاهب فقال : لا يجوز كما لا يجوز يوم الجمعة أنه لذاهب.

وقال : يجوز في الشعر : أشهد أنه ذاهب يشبهه بقوله والله أنه ذاهب ؛ لأن معناه معنى اليمين كما أنه إذا قال : أشهد أنت ذاهب ولم يذكر اللام لم يكن إلا ابتداء وهو قبيح ضعيف إلا باللام ومثل ذلك في الضعف : علمت أن زيدا ذاهب كما أنه ضعيف : قد علمت عمرو خير منك ولكنه على إرادة اللام كما قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] ... وهو على اليمين وكان في هذا حسن حين طال الكلام يعني أن التأويل : (والشمس وضحاها لقد أفلح).

قال أبو العباس رحمه الله والبغداديون يقولون : والله إن زيدا منطلق فيفتحون (إن) وهو عندي القياس ؛ لأنه قسم فكأنه قال : أحلف بالله على ذاك أشهد أنك منطلق.

قال : والقول عندي في قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ)(١) [النحل : ٦٢] والله أعلم أن (لا) زائدة للتوكيد وجرم فعل ماض فكأنه قال والله اعلم جرم أن لهم النار وزيادة (لا) في هذا الموضع كزيادتها في قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت : ٣٤] وإنما

__________________

(١) تفتح همزة بعد لا جرم نحو قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) (الآية : ٦٢ سورة النحل) ومعناها : لقد حقّ أنّ لهم النار ، وهناك كثير من التّعابير بمعنى حقا تفتح أنّ بعدها ، فتقول مثلا" أمّا جهد رأيي فأنّك ذاهب" ونحو" شدّ ما أنّك ذاهب" وهذا بمنزلة : حقّا أنّك ذاهب ، وتقول : " أمّا أنّك ذاهب" بمنزلة حقّا أنّك ذاهب ، ومثل ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الآية : ٢٣ سورة الذاريات) وتقبل همزة" إن" الفتح والكسر في مواضع. انظر معجم القواعد العربية ٢ / ١٢٨.

٢٥٧

تقول : لا يستوي عبد الله وزيد ، وكقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ١] ونحوه من الفواتح.

وتقول : أما جهد رأيي فإنك راحل ، وأما يوم الجمعة فإنك سائر ؛ لأن معنى (أما) مهما يكن من شيء فإنك سائر يوم الجمعة فما بعد الفاء يقع مبتدأ ألا ترى أنك تقول : أما زيدا فضربت على التقديم ؛ لأن المعنى : مهما يكن من شيء فزيدا ضربت وفضربت.

قال أبو العباس : فيلزم سيبويه أن يقول على هذا : أما زيدا فإنك ضارب.

قال سيبويه : وإذا قلت : أما حقا فإنك قائم ، وأما أكبر ظني فإنك منطلق فعلى الفعل لا على الظرف لأنك لم تضطر إلى أن تجعلها ظرفا إذا كانت (أما) إنما وضعت على التقديم لما بعد الفاء فصار التقدير : مهما يكن من شيء فإنك ذاهب حقا وفيما قال نظر وشغب : ولا يجوز عندي على هذا أن يقول : أما هندا ، فإن عمرا ضارب ؛ لأن تقدير الاسم الذي يلي (أما) أن يلي الفاء ملاصقا لهما.

فما جاز أن يلاصق الفاء جاز أن يلي (أما) وما لم يجز أن يلاصقها لم يجز أن يلي (أما) فلا يجوز أن تقول : مهما يكن من شيء ، فإن هندا عمرا ضارب فتنصب هندا بضارب ويجوز أن تقول : مهما يكن من شيء ، فإن أكبر ظني عمرا ذاهب فيكون : أكبر ظني ظرفا (لذاهب) وهذا إنما أجازه مع إما لأنهم وضعوها في أول أحوالها على التقديم والتأخير صار حكمها حكم ما لا تأخير فيه ولو كان موضع يجوز أن يقدم فيه ولا يقدم لم يجز أن يعمل ما بعد (أن) في ما قبلها وعلى ذلك ففيه نظر كثير والأقيس في قولك : أما حقا فإنك قائم : أن تعمل معنى (أما) في (حقا) كأنك قلت : مهما يكن من شيء حقا فإنك قائم وأحسبه قول المازني.

وتقول : أيقول : إنّ عمرا منطلق إذا أردت معنى : أتظن كأنك قلت : أتظن أن عمرا منطلق ، فإن أردت الحكاية قلت : أتقول : إنّ وتقول : ظننت زيدا أنه منطلق ؛ لأن المعنى : ظننت زيدا هو منطلق ولا يجوز فيه الفتح ؛ لأنه يصير معناه : ظننت زيدا الإنطلاق ولو قلت : ظننت أمرك أنك منطلق جاز كأنك قلت : ظننت أمرك الإنطلاق والأخفش يقول : إذا حسن في موضع (إن) وما عملت فيه (ذاك) فافتحها نحو قولك : بلغني أنه ظريف لأنك تقول : بلغني

٢٥٨

ذاك قال : وما لم يحسن فيه (ذاك) فاكسرها قال : وتقول : أما أنه منطلق ؛ لأنه لا يحسن هاهنا أما ذاك ثم أجازه بعد على معنى : حقا أنه منطلق وقال : لأن أما في المعنى : (حقا) لأنها تأكيد فكأنه ذكر حقا فجعلها ظرفا قال : وقد قال ناس : حقا إنك ذاهب على قولهم : إنك منطلق حقا فتنصب (حقا) على المصدر كأنه قال : أحقّ ذاك حقا قال : وهذا قبيح وهو من كلام العرب.

٢٥٩

ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى

المستثنى يشبه المفعول إذا أتى به بعد استغناء الفعل بالفاعل وبعد تمام الكلام.

تقول : جاءني القوم إلا زيدا فجاءني القوم : كلام تام وهو فعل وفاعل فلو جاز أن تذكر (زيدا) بعد هذا الكلام بغير حرف الاستثناء ما كان إلا نصبا.

لكن لا معنى لذلك إلا بتوسط شيء آخر فلما توسطت (إلا) حدث معنى الاستثناء ووصل الفعل إلى ما بعد إلا فالمستثنى بعض المستثنى منهم ألا ترى أن زيدا من القوم فهو بعضهم فتقول على ذلك : ضربت القوم إلا زيدا ومررت بالقوم إلا زيدا فكأنك قلت في جميع ذلك : أستثني زيدا فكل ما أستثنيه (بإلا) بعد كلام موجب فهو منصوب وألا تخرج الثاني مما دخل فيه الأول فهي تشبه حرف النفي فإذا قلت : قام القوم إلا زيدا فالمعنى : قام القوم لا زيد إلا أن الفرق بين الاستثناء والعطف أن الاستثناء لا يكون إلا بعضا من كلّ والمعطوف يكون غير الأول ويجوز أيضا في المعطوف أن تعطف على واحد نحو قولك : قام زيد لا عمرو ولا يجوز أن تقول في الاستثناء : قام زيد إلا عمرو.

لا يكون المستثنى إلا بعضا من كل وشيئا من أشياء و (لا) إنما تأتي لتنفي عن الثاني ما وجب للأول و (إلا) تخرج الثاني مما دخل فيه الأول موجبا كان أو منفيا ومعناها الاستثناء والاسم المستثنى منه مع ما تستثنيه منه بمنزلة اسم مضاف ألا ترى أنك إذا قلت : جاءني قومك إلا قليلا منهم فهو بمنزلة قولك : جاءني أكثر قومك فكأنه اسم مضاف لا يتم إلا بالإضافة ، فإن فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعدها لأنك إنما تنصب المستثنى إذا كان اسما من الأسماء وهو بعضها فأما إذا فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعد إلا وزال ما كنت تستثني منه ، وذلك نحو قولك : ما قام إلا زيد وما قعد إلا بكر فزيد مرتفع بقام وبكر مرتفع بقعد وكذلك : ما ضربت إلا زيدا وما مررت إلا بعمرو ولما فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيه.

فإذا قلت : ما قام أحد إلا زيد فإنما رفعت لأنك قدرت إبدال زيد من (أحد).

٢٦٠