الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

وذلك قولك : في عثمان : يا عثم. وفي مروان : يا مرو أقبل. وفي أسماء : يا أسم أقبلي.

وكذلك كل ألفين للتأنيث نحو : حمراء وصفراء وما أشبه ذلك.

إذا سميت به وكذلك ترخيم رجل يقال له : مسلمون تحذف منه الواو والنون وكذلك رجل اسمه مسلمان.

قال سيبويه : فأما رجل اسمه بنون فلا يطرح منه إلا النّون لأنك لا تصير اسما على أقل من ثلاثة احرف ومن قال يا حار قال يا بني ، فإن رخمت اسما آخره غير زائد إلا أن قبل آخره حرفا زائدا ، وذلك الزائد واو ساكنة قبلها ضمة أو ياء ساكنة قبلها كسرة أو ألف ساكنة حذفت الزائد مع الأصلي وشبه بحذف الزائد ولم يكن ليحذف الأصل ويبقى الزائد ، وذلك قولك في منصور : يا منص أقبل تحذف الراء وهي أصل وتحذف الواو وهي زائدة وفي عمار يا عمّ أقبل وفي رجل اسمه عنتريس : يا عنتر أقبل ، فإن كان الزائد الذي قبل حرف الإعراب متحركا ملحقا كان أو زائدا جرى مجرى الأصل.

فأما الملحق فقولك في قنّور : يا قنو أقبل وفي رجل اسمه هبينح يا هبي أقبل ؛ لأن هذا ملحق بسفرجل وسنبين لك هذا في موضعه من التصريف إن شاء الله.

وأما الزائد غير الملحق فقولك في رجل سميته بحولايا وبردرايا يا حولاي أقبل ويا بردراي أقبل ؛ لأن الحرف الذي قبل آخره متحركا فأشبهت الألف التي للتأنيث الهاء التي للتأنيث فحذفت الألف وحدها كما تحذف الهاء وحدها ؛ لأن الهاء بمنزلة اسم ضم إلى إسم ولا يكون ما قبلها ألا مفتوحا والهاء لا تحذف إلا وحدها كان ما قبلها أصليا أو زائدا أو ملحقا أو منقوصا وحذف الهاء في ترخيم الاسم العلم أكثر في كلام العرب من الترخيم فيما لا هاء فيه وكذلك إن كان اسما عاما غير علم.

والعلم قولهم في سلمة : يا سلم أقبل تريد يا سلمة وقالت الجهنية في هوذة بن علي الحنفي وكان كسرى أقطعه وتوجّه بتاج :

يا هوذ ذا التّاج إنّا لا نقول سوى

يا هوذ يا هوذ إما فادح دهما

٣٢١

وأما العام فنحو قول العجاج :

جاري لا تستنكري عذيري (١)

أي : حالي ، وأما ما كان منقوصا وكان مع الهاء على ثلاثة أحرف فقولهم : يا شاء ادجني.

قال أبو علي : إذا وصلت سقطت همزة الوصل فالتقت الألف وهي ساكنة مع الراء مع ادجني وهي ساكنة أيضا فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ووليت الشين المفتوحة الراء ، وإذا وقفت قلت : يا أدجني مثل أقبلي فلم يحذف الألف رخم شاة ويا ثبت أقبلي تريد : ثبة وناس من العرب يثبتون الهاء فيقولون : يا سلمة أقبلي يقحمون الهاء ويدعون الاسم مفتوحا على لفظ الترخيم والذين يحذفون في الوصل الهاء إذا وقفوا قالوا : يا سلمه ويا طلحه لبيان الحركة ولم يجعلوا المتكلم بالخيار في حذف الهاء عند الوقف والشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف لأنهم إذا اضطروا يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلا منها قال ابن الخرع :

وكادت فزارة تشقى بنا

فأولى فزارة أولى فزارا

والضم جائز في البيت وكذلك إن رخمت اسما مركبا من اسمين قد ضم أحدهما إلى الآخر فحكم الثاني حكم الهاء في الحذف وذلك.

__________________

(١) جاري ، لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري

على أن العذير هنا بمعنى الحال التي يحاولها المرء يعذر عليها ، وقد بين بقوله : سيري وإشفاقي ، الحال التي ينبغي أن يعذر فيها ولا يلام عليها.

ومثله لابن الشجري في أماليه فإنه قال : العذير : الأمر الذي يحاوله الإنسان فيعذر فيه. أي : لا تستنكري ما أحاوله معذورا فيه. وقد فسره بالبيت الثاني. وعليه فعذيري مفعول تستنكري ، وسيري : عطف بيان له أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو سيري ... ويجوز أن يكون عذيري مبتدأ خبره سيري ـ كما قال بن الحاجب في الإيضاح ـ وعلى هذا فمفعول تستنكري محذوف.

قال الزجاج : العذير : الحال. وذلك أن العجاج كان يصلح حلسا لجمله ، فأنكرته وهزئت منه ؛ فقال لها هذا. قال علي بن سليمان الأخفش : العذير : الصوت. كأنه كان يرجز في عمله بحلسه فأنكرت عليه ذلك ، أي :لا تستنكري صوتي ورفعه بالحديث ، لأني قد كبرت. والحلس للبعير ، وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة ، وهو بكسر المهملة وسكون اللام. انظر خزانة الأدب ١ / ٢٠٣.

٣٢٢

نحو : حضر موت ومعدي كرب ومار سرجس ومثل رجل سميته بخمسة عشر تحذف الثاني وتبقي الصدر على حاله فتقول : يا حضر أقبل ويا معدي أقبل ويا خمسة أقبل.

قال سيبويه : وإن وقفت قلت : يا خمسة بالهاء وإنما قال ذلك ؛ لأن تاء التأنيث لا ينطق بها إلا في الوصل.

فإذا وقفت عليها وقفت بالهاء ومما شبه بحضر موت : عمرويه زعم الخليل : أنه يحذف الكلمة التي ضمت إلى الصدر فيقول : يا عمر أقبل قال : أراه مثل الهاء لأنهما كانا بائنين فضم أحدهما إلى الآخر.

واعلم أن من قال : يا حار فإنه لا يعتد بما حذف ويجعل حكم الاسم حكم ما لم تحذف منه شيئا.

فإن كان قبل الطرف حرفا يعتل في أواخر الأسماء وينقلب أعل وقلب نحو : رجل سميته بعرقوة إن رخمت فيمن قال يا حار قلت : يا عرقي أقبل ولم يجز أن تقول : يا عرقوا ؛ لأن الاسم لا يكون آخره واوا قبلها حرف متحرك وهذا يبين في التصريف ومن قال : يا حار فإنما يجعل الراء حرف الإعراب تقدير ما لا فاء فيه فيجب عليه أن لا يفعل ذاك إلا بما مثله في الأسماء فمن رخم اسما فكان ما يبقى منه على مثال الأسماء فجائز ، وإن كان ما يبقى على غير مثال الأسماء فهو غير جائز وكذلك إن كان قبل المحذوف للترخيم شيء قد سقط لالتقاء الساكنين فإنك إذا رخمت وحذفت رجع الحرف الذي كان سقط لالتقاء الساكنين نحو : رجل سميته (بقاضون) كان الواحد (قاضي) قبل الجمع فلما جاءت واو الجمع سقطت الياء لالتقاء الساكنين ، فإن رخمت (قاضين) وهو في الأصل قلت : يا قاضي فرجع ما كان سقط لالتقاء الساكنين وشبيه بهذا وقفك على الهاء إذا رخمت رجلا اسمه : خمسة عشر ؛ لأن التاء إنما جلبها الوصل فلما زال الوصل رجعت الهاء وكذلك إن كنت أسكنت حرفا متحركا للإدغام في حرف مثله وقبله ساكن فحذفت الأخير للترخيم فإنك ترد الحركة لالتقاء الساكنين ، وذلك قولك لرجل اسمه (راد) يا راد أقبل إذا رخمت وفي محمارّ أقبل ؛ لأن الأصل : رادد ومحمارر ، وأما مفر فإذا سميت به ورخمته قلت : يا مفر أقبل ولم تحرك الراء ؛ لأن ما قبلها متحرك ، وأما

٣٢٣

محمر إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخمته تركت الراء الأولى مجزومة ؛ لأن ما قبلها متحرك فقلت : يا محمر أقبل ولقائل أن يقول : هلّا رددت الحركة فقلت : يا محمر أقبل إذ كان الأصل محمررا كما رددت الياء في (قاضي) فالجواب في ذلك : أنك إنما رددت الياء في (قاضي) لأنك لم تبن الواحد على حذفها كما بنيت (دم) على الحذف ومحمر لم تلحق الراء الأخيرة بعد إن تم بالأولى ولم يتكلم بأصله.

فإن كان آخر الاسم حرفا مدغما بعد الألف وأصل الأول منهما السكون أعني الحرفين المدغم أحدهما في الآخر حركته إذا رخمته بحركة ما قبله ، وذلك نحو : اسحارّ يا هذا تقول : يا اسحار فتحركه بحركة أقرب المتحركات منه.

وكذلك تفعل بكل ساكن احتيج إلى حركته من هذا الضرب.

قال رجل من أزد السراة :

ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان (١)

ففتح الدال بحركة الياء لما احتاج إلى تحريكها ؛ لأن الفتحة قريبة منها وأسحار اسم وقع مدغما آخره وليس لرائه الأولى نصيب في الحركة.

واعلم أن الأسماء التي ليست في أواخرها هاء أن لا يحذف منها أكثر.

__________________

(١) معنى" ربّ" التّكثير ، وتأتي للتّقليل فالأوّل كقوله عليه الصلاة والسّلام : (يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة). والثاني كقول رجل من أزد السّراة :

ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

(سكنت اللام من يلده تشبيها بكتف فالتقى ساكنان حركت الدال بالفتح اتباعا للياء)

وقد تحذف" ربّ" ويبقى عملها بعد الفاء كثيرا كقول امرئ القيس :

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول

(طرق : أتى ليلا ، " التمائم" التعاويذ ، " محول" أتى عليه حول)

وبعد الواو أكثر كقول امرئ القيس :

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

(السدول : الستائر واحدها : سدل ، ليبتلي : ليختبر). انظر معجم القواعد ١١ / ٢٠.

٣٢٤

قال سيبويه : وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر قال :وكل اسم خاص رخمته في النداء فالترخيم فيه جائز ، وإن كان في هذه الأسماء الثلاثة أكثر وكل اسم على ثلاثة أحرف لا يحذف منه شيء إذا لم يكن آخره الهاء ؛ لأن أقل الأصول ثلاثة فإنما يرخم من الأربعة وما زاد ؛ لأن ما بقي في الأسماء على عدته والفراء يرخم من ذلك ما كان محرك الثاني نحو : قدم وعضد وكتف إذا سمى به رجلا وقال : إن من الأسماء ما يكون على حرفين كدم ويد ولم يجز أن تقول في بكر : يا بك أقبل ؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين ثانيه ساكن إلا مبهما نحو من وكم وليس من الأسماء اسم نكرة ليس في آخره هاء تحذف منه شيء إذا لم يكن اسما غالبا إلا أنهم قد قالوا : يا صاح أقبل وهم يريدون : يا صاحب ، وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف والفراء إذا رخم : قمطر حذف الطاء مع الراء لأنها حرف ساكن والنحويون على خلافه في حذف الطاء وما أشبهها من السواكن الواقعة ثالثة ويجيز الفراء في حمار : يا حما أقبل يصير مثل رضا : وفي سعيد يا سعى يصير مثل عمى ولا يجيز : يا ثمود في ثمود ؛ لأنه ليس له في الأسماء نظير.

واعلم أن الشعراء يرخمون في غير النداء اضطرارا فمن ذلك قول الأسود ابن يعفر :

أودى ابن جلهم عبّاد بصرمته

إنّ ابن جلهم أمسى حيّة الوادي

أراد : جلهمه والعرب يسمون الرجل جلهمة والمرأة جلهم.

٣٢٥

باب مضارع للنداء

اعلم أن كل منادى مختص ، وإن العرب أجرت أشياء لما اختصتها مجرى المنادى كما أجروا التسوية مجرى الاستفهام إذ كان التسوية موجودة في الاستفهام ، وذلك قولهم : أما أنا فأفعل كذا وكذا أيها الرجل أو : نفعل نحن كذا وكذا أيها القوم واللهم أغفر لنا أيتها العصابة.

قال سيبويه : أراد أن يؤكذ ؛ لأنه اختص إذ قال : إنه لكنه أكد كما تقول لمن هو مقبل عليك كذا كان الأمر يا فلان ولا يدخل في هذا الباب لأنك لست تنبه غيرك.

ومن هذا الباب قول الشاعر :

إنّا بني نهشل لا ننتمي لأب

عنه ولا هو بالأبناء يشرينا (١)

نصب بني مختصا على فعل مضمر كما يفعل في النداء نحو (أعني) وما أشبه ذلك.

__________________

(١) قال ابن هشام : المنادى نوع من أنواع المفعول به وله أحكام تخصه فلهذا أفردته بالذكر وبيان كونه مفعولا به أن قولك يا عبد الله أصله يا أدعو عبد الله ف يا حرف تنبيه وأدعو فعل مضارع قصد به الإنشاء لا الإخبار وفاعله مستتر وعبد الله مفعول به ومضاف اليه ولما علموا أن الضرورة داعية الى استعمال النداء كثيرا أوجبوا فيه حذف الفعل اكتفاء بأمرين أحدهما دلالة قرينة الحال والثاني الاستغناء بما جعلوه كالنائب عنه والقائم مقامه وهو يا وأخواتها

وقد تبيّن بهذا أن حقّ المناديات كلها أن تكون منصوبة لأنها مفعولات ولكن النصب انما يظهر اذا لم يكن المنادى مبنيا وانما يكون مبنيا اذا أشبه الضمير بكونه مفردا معرفة فإنه حينئذ يبنى على الضمة أو نائبها نحو يا زيد ويا زيدان ويا زيدون ، وأما المضاف

والشبيه بالمضاف والنكرة غير المقصودة فإنهن يستوجبن ظهور النصب وقد مضى ذلك كله مشروحا ممثلا في باب البناء فمن أحبّ الوقع عليه فليرجع اليه. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٢٨٤.

٣٢٦

مسائل من هذا الباب

تقول : يا هذا الطويل أقبل في قول من قال : يا زيد الطويل ومن قال : يا زيد الطويل قال : يا هذا الطويل وليس الطويل بنعت لهذا ولكنه عطف عليه وهو الذي يسمى عطف البيان ؛ لأن هذا وسائر المبهمات إنما تبين بالأجناس ألا ترى أنك إذا قلت : جاءني زيد فخفت أن يلتبس الزيدان على السامع أو الزيود قلت : الطويل وما أشبه لتفصل بينه وبين غيره ممن له مثل اسمه ، وإذا قلت : جاءني هذا فق أو مأت له إلى واحد بحضرتك وبحضرتك أشياء كثيرة وإنما ينبغي لك أن تبين له عن الجنس الذي أو مأت له إليه لتفصل ذلك عن جميع ما بحضرتك من الأشياء ألا ترى أنك لو قلت له : يا هذا الطويل وبحضرتك إنسان ورمح وغيرهما لم يدر إلى أي شيء تشير.

وإن لم يكن بحضرتك إلا شيء طويل واحد وشيء قصير واحد فقلت : يا هذا الطويل جاز عندي ؛ لأنه غير ملبس والأصل ذاك وأنت في المبهمة تخص له ما يعرفه بعينه وفي غير المبهمة تخص له ما يعلمه بقلبه.

وتقول في رجل سميته بقولك : زيد وعمرو يا زيدا وعمرا أقبل تنصب لطول الاسم ولو سميته : طلحة وزيدا لقلت : يا طلحة وزيدا أقبل ، فإن أردت بطلحة الواحدة من الطلح قلت :يا طلحة وزيدا أقبل لأنك سميته بها منكورة ولم تكن ولم تكن جميع الاسم فتصير معرفة إنما هي في حشو الاسم كما كانت فيما نقلتها عنه وتقول : يا زيد الظريف على أصل النداء عند البصريين وقال الكوفيون : يراد بها يا أيها الظريف فلما لم يأت (بيا أيها) نصبته وربما نصبوا المنعوت بغير تنوين فأتبعوه نعته وينشدون :

فما كعب بن مامة وابن سعدى

بأجود منك يا عمر الجوادا (١)

__________________

(١) انتصاب المنادى لفظا أو محلا عند سيبويه على أنه مفعول به وناصبه الفعل المقدر ، فأصل يا زيد عنده أدعو زيدا ، فحذف الفعل حذفا لازما لكثرة الاستعمال ولدلالة حرف النداء عليه وإفادته فائدته ، وأجاز المبرد نصبه بحرف النداء لسده مسد الفعل ، فعلى المذهبين يا زيد جملة وليس المنادى أحد جزأيها فعند سيبويه جزآها

٣٢٧

والنصب عند الكوفيين في العطف على (أيها) كما كان في النعت فلما لم يأتي (يا أيها) نصب ويجيزون : يا عبد الله وزيدا ويقولون : يا أبا محمد زيد أقبل وهو عند البصريين بدل وهو عند الكوفيين من نداء ابن.

وإذا قلت : زيدا فهو عند الكوفيين نداء واحد ويسميه البصريون عطف البيان ويجيز الكوفيون : يا أيها الرجل العاقل على تجديد النداء كذا حكي لي عنهم ويجيز البصريون : يا رجلا ولا يجيز الكوفيون ذاك إلا فيما كان نعتا نحو قوله :

فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا

__________________

ـ جزآها أي الفعل والفاعل مقدران ، وعند المبرد حرف النداء سد مسد أحد جزأي الجملة أي الفعل والفاعل مقدر والمفعول ههنا على المذهبين واجب الذكر لفظا أو تقديرا إذ لا نداء بدون المنادى (ونحو زيد ضمّ وافتحنّ من نحو أزيد بن سعيد لاتهن) أي إذا كان المنادى علما مفردا موصوفا بابن متصل به مضاف إلى علم نحو يا زيد بن سعيد جاز فيه الضم والفتح ، والمختار عند البصريين غير المبرد الفتح ، ومنه قوله :

يا حكم بن المنذر بن الجارود

سرادق المجد عليك ممدود

تنبيه : شرط جواز الأمرين كون الابن صفة كما هو الظاهر ، فلو جعل بدلا أو عطف بيان أو منادى أو مفعولا بفعل مقدر تعين الضم ، وكلامه لا يوفى بذلك ، وإن كان مراده (والضّمّ إن لم يل الابن علما ويل الابن علم قد حتما) الضم مبتدأ خبره قد حتما ، وإن لم يل شرط جوابه محذوف ، والتقدير فالضم متحتم أي واجب.

ويجوز أن يكون قد حتما جوابه والشرط وجوابه خبر المبتدأ. واستغنى بالضمير الذي في حتم رابطا ؛ لأن جملة الشرط والجواب يستغنى فيهما بضمير واحد لتنزلهما منزلة الجملة الواحدة ، وعلى هذا فلا حذف. ومعنى البيت أن الضم متحتم أي واجب إذا فقد شرط من الشروط المذكورة كما في نحو يا رجل ابن عمرو ، ويا زيد الفاضل ابن عمرو ، ويا زيد الفاضل لانتفاء علمية المنادى في الأولى ، واتصال الابن به في الثانية والوصف به في الثالثة ، ولم يشترط هذا الكوفيون كقوله :

فما كعب بن مامة وابن أروى

بأجود منك يا عمر الجوادا

بفتح عمر ، وعلى هذه الثلاثة يصدق صدر البيت. ونحو يا زيد ابن أخينا لعدم إضافة ابن إلى علم وهو مراد عجز البيت. انظر شرح الأشموني ١ / ٢٣٨.

٣٢٨

ولا يكادون يحذفون (يا) من النكرة ويقولون : وا زيد في النداء ويقولون : وأ أي زيد.

قال أبو العباس : إنما قالوا : هذا ابنم ورأيت ابنما ومررت بابنم فكسروا ما قبل الميم إذا انكسرت وفعلوا ذلك في الضم والنصب ؛ لأن هذه الميم زيدت على اسم كان منفردا منها وكان الإعراب يقع على آخره فلما زيدت عليه ميم أعربت الميم إذ كانت طرفا وأعربت ما قبلها إذ كانت تسقط فرجع الإعراب إليه وقولك وقد يخفف الهمز فتقول : مر فيقع الإعراب على الراء فلذلك تبعت الهمزة وكذلك إذا قلت : يا زيد بن عمرو جعلتهما بمنزلة واحدة اسم واحد واتبعت الدال حركة ابن فهو مثل ابنم وقال في قولهم : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة.

لا يجوز : اللهم اغفر لهم أيتها العصابة.

وقال : قلت لأبي عثمان : ما أنكرت من الجال للمدعو قال : لم أنكر منه إلا أن العرب لم تدع على شريطة لا يقولون يا زيد راكبا أي ندعوك في هذه الحال ونمسك عن دعائك ماشيا ؛ لأنه إذا قال : يا زيد فقد وقع الدعاء على كل حال.

قال : قلت : فإنه إن احتاج إليه راكبا ولم يحتج إليه في غير هذه الحال فقال : يا زيد راكبا أي أريدك في هذه الحال قال : ألست قد تقول : يا زيد دعاء حقا قلت : بلى قال : علام تحمل المصدر قلت ؛ لأن قولي : يا زيد كقولي : أدعو زيدا فكأني قلت : أدعو دعاء حقا قال : فلا أرى بأسا بأن تقول على هذا : يا زيد قائما وألزم القياس.

قال أبو العباس : ووجدت أنا تصديقا لهذا قول النابغة :

قالت بنو عامر خالوا بني أسد

يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (١)

__________________

(١) على أن المبرد أجاز أن ينصب عامل المنادى الحال ، نحو : يا زيد قائما ، إذا ناديته في حال قيامه. قال : ومنه يا بؤس للجهل ... والظاهر أن عامله بؤس الذي هو بمعنى الشدة ، وهو مضاف إلى صاحب الحال ، أعني الجهل تقديرا لزيادة اللام.

أقول : من جعل عامل الحال النداء جعل الحال من المضاف ؛ وفيه مناسبة جيدة ، فإن الجهل ضار وبؤسه ضرار ، ومن جعل ضرارا حالا من المضاف إليه جعل العامل المضاف. وممن جعله من المضاف إليه الأعلم ،

٣٢٩

وقال الأخفش : لو قلت : يا عبد الله صالحا لم يكن كلاما.

وقال أبو إسحاق يعني الزيادي : كان الأصمعي : لا يجيز أن يوصف المنادى بصفة البتة مرفوعة ومنصوبة.

وقال أبو عثمان لا أقول : يا زيد وخيرا من عمرو أقبلا إذا أردت بخير من عمرو المعرفة لأني أدخل الألف واللام إذا تباعد المنادى من حرف النداء كما أقول : يا زيد والرجل أقبلا ولكن أقول : يا زيد والأخير أقبلا ، ويا زيد ويا خيرا من عمرو أقبلا إذا أردت حرف النداء كان ما بعده معرفة.

ولم يجىء معه الألف واللام كما تقول : يا خيرا من زيد العاقل أقبل فتنصب العاقل ؛ لأنه صفة له وكذلك : يا زيد ويا أخير أقبلا وقال أبو عثمان : أنا لا أرى أن أقول : يا زيد الطويل وذا الجمة إن عطفت على زيد والنحويون جميعا في هذا على قول.

قال : وأرى إن عطفت (ذا الجمة) على (الطويل) أن أرفعه كما فعلت في الصفة والنحويون كلهم يخالفونه ولا يجيزون إلا نصب ذي الجمة وهذا عنده كما تقول : يا زيد الطويل ذو الجمة إذا جعلته صفة للطويل.

وإن كان وصفا لزيد أو بدلا منه نصبته وكان أبو عثمان يجيز يا زيد أقبل على حذف ألف الإضافة ؛ لأنه يجوز في الإضافة : يا زيد أردت : يا زيدى فأبدلت من الياء ألفا.

__________________

قال : ونصب ضرارا على الحال من الجهل. وإنما كان يرد هذا الاستظهار على المبرد لو جعل ضرارا حالا من المضاف إليه. وقد أجاز ابن جني في قوله بقرى من قول الحماسي :

ألهفى بقرى سحبل حين أجلبت

الوجهين ، قال : يجوز أن تجعل بقرى حالا من لهفي ، وذلك أنها ياء ضمير المتكلم فأبدلت ألفا تخفيفا فيكون معنى هذا : تلهفت وأنا بقرى أي : كائنا هناك ، كما أن معنى الأول لو أنثته : يا لهفتي كائنة في ذلك الموضع.

فيكون بقرى في هذا الأخير حالا من المنادى المضاف كقوله :

يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام

أي : يا بؤس الجهل ، أي : أدعوه ضرارا. وإذا جعلته حالا من الياء المنقلبة ألفا كان العامل نفس اللهف ، كقولك يا قيامي ضاحكا ؛ تدعو القيام ، أي : هذا من أوقاتك. انظر خزانة الأدب ١ / ٢٠٥.

٣٣٠

وعلى هذا قرئ : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ) [مريم : ٤٢] و (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ) [هود : ٥١](١) قال : ومن زعم أنه على حذ ألف الندبة فهذا خطأ ؛ لأن من كان من العرب لا يلحق الندبة ألفا فهي عنده نداء فلو حذفوها لصارت بدلا على غير جهة الندبة.

وقال أبو العباس : لا أرى ما قال أبو عثمان في حذف الألف إذا جعلتها مكان ياء الإضافة صوابا نحو : يا غلاما أقبل لا يجوز حذف الألف لخفتها كما تحذف الياء إذا قلت : يا غلام أقبل.

وقال : يا أبت. لا يجوز عندي إلا على الترخيم كما قال سيبويه مثل : يا طلحة أقبل وقال : زعم أبو عثمان أنه يجيز : يا زيد وعمرا أقبلا على الموضع كما أجاز : يا زيد زيدا أقبل فعطف زيد الثاني على الموضع عطف البيان وأهل بغداد يقولون : يا الرجل أقبل ويقولون لم نر موضعا يدخله التنوين يمتنع من الألف واللام وينشدون :

فيا الغلامان اللّذان فرّا

إيّاكما أن تكسبانا شرّا (٢)

وقال أبو عثمان : سألت الأخفش كيف يرخم طيلسان فيمن كسر اللام على قولك : يا حار فقال : يا طيلس أقبل قلت : أرأيت فيعل اسما قط في الصحيح إنما يوجد هذا في المعتل نحو : سيد وميت.

__________________

(١) قال أبو عثمان : ووضع الألف مكان الياء في الإضافة مطرد ، وأجاز : يا زيد أقبل ؛ إذا أردت الإضافة ، قال : وعلى هذا قراءة من قرأ : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ) و (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ) ، وأنشد أبو عثمان :

وقد زعموا أني جزعت عليهما

وهل جزع إن قلت وابأباهما

فهذا الوجه أوجه من الإسكان ، وقد أجازه أبو عثمان ورآه مطردا ، فعلى رأي أبي عثمان يكون ما رواه حفص عن عاصم أنه قرأ في كل القرآن : (يا بَنِي) إذا كان واحدا [الحجة للقراء السبعة : ٤ / ٣٤١].

(٢) خرجه ابن الأنباري في" الإنصاف" على حذف المنادى وإقامة صفته مقامه قال : " التقدير فيه وفي الذي قبله ، فيا أيها الغلامان ، ويا حبيبتي التي ؛ وهذا قليل بابه الشعر".

و" إياكما" : تحذير. و" أن تكسبانا" : أي : من أن تكسبانا ؛ وماضيه كسب يتعدى إلى مفعولين ، يقال :" كسبت زيدا مالا وعلما أي : أنلته".

قال ثعلب : كلهم يقول : كسبك فلان خيرا ، إلا ابن الأعرابي فإنه يقول : " أكسبك بالألف" كذا في" المصباح".

وهذا البيت شائع في كتب النحو ، ولم يعرف له قائل ولا ضميمة. انظر خزانة الأدب ١ / ٢٥٧.

٣٣١

قال : فقال : قد علمت أني قد أخطأت لا يجوز ترخيمه إلا على قولك يا حار قال : وكان الأخفش لا يجوز عنده ترخيم حبلوى اسم رجل فيمن قال : يا حار ، وذلك ؛ لأنه يلزمه أن يحذف يائي النسب ويقلب الواو ألفا لإنفتاح ما قبلها فيقول : يا حبلى فتصير ألف فعلى منقلبة وهذا لا يكون أبدا إلا للتأنيث.

فلهذا لا يجوز ؛ لأن ألف التأنيث لا تكون منقلبة أبدا من شيء وهذا البناء لا يكون للمذكر أبدا وقال : كان الأخفش يقول : إذا رخمت سفيرج اسم رجل في قول من قال : يا حار ..

فحذفت الجيم لزمك أن ترد اللام التي حذفتها لطول الاسم وخروجه من باب التصغير فتقول : يا سفيرل أقبل ؛ لأنه لما صار إسما على حياله فحذفت الجيم على أن يعتد بها وتجعله بمنزلة (قاضون) اسم رجل إذا قلت : يا قاضي الياء التي كانت ذهبت لالتقاء الساكنين لما حذفت ما حذفت من أجله.

قال أبو العباس : وليس هذا القول بشيء.

ووجه الغلط فيه بيّن ، وذلك لأنك لم تقصد به إلى سفرجل فتسميه به ولا هو منه في شيء إنما قصدت إلى هذا الذي هو سفيرج ولا لام فيه فهو على مثال ما يرخم فرخمته بعد أن ثبت إسما ألا ترى أنك تقول : في تصغير سفرجل : سفيرج وسفيريج للعوض ولو سميته : سفيريج لم يجز أن تقول فيه : سفرجل واسمه سفيريج لأنك لست تقصد إلى ما كان يجوز في سفرجل وكذلك فرزدق.

لو سميته بتصغيره فيمن قال : فريزد لم يجز في اسمه أن تقول : فريزق ، وإن كان ذلك يجوز في تصغير فرزدق لأنك سميته بشيء بعينه فلزمه.

وتقول : يا زيد وعمرو الطويلين والطويلان ؛ لأنه بمنزلة قولك : يا زيد الطويل وتقول بلا هؤلاء وزيد الطوال ؛ لأن كله رفع والطوال عطف عليهم ولا يجوز أن يكون صفة لإفتراق الموصوفين وتقول : يا هذا ويا هذان الطّوال ، وإن شئت قلت : الطّوال ؛ لأن هذا كله مرفوع والطوال عطف عليهم هنا وليس الطوال بمنزلة : يا هؤلاء الطوال ؛ لأن هذا يقبح من جهتين :من جهة أن المبهم إذا وصفته بمنزلة اسم واحد فلا يجوز أن تفرق بينه وبينه والجهة الأخرى

٣٣٢

أن حق المبهم أن يوصف بالأجناس لا بالنعوت وتقول : يا أيها الرجل وزيد الرجلين الصالحين تنصب ولا ترفع من قبل أن رفعهما مختلف ، وذلك أن زيدا على النداء والرجل نعت (لأي) وتقول في الندبة : يا زيد زيداه ويا زيدا زيداه وقوم يجيزون : يا زيدا زيداه وقوم يجيزون :يا زيدا يا زيداه ويا زيداه يا زيداه وقد مضى تفسير ما يجوز من ذا وما لا يجوز وقالوا : من قال يا هناه ويا هناه بالرفع والجر من رفع توهم أنه طرف للإسم ويكسر ؛ لأنه جاء بعد الألف.

والتثنية : يا هنانيه ويا هناناه ويا هنوتاه في الجمع وهنتاه في المؤنث وهنتانيه في التثنية وهنتاناه ويا هناتوه في الجمع لا غير والفراء لا ينعت المرخم إلا أن يريد نداءين ونعت المرخم عندي قبيح كما قال الفراء من أجل أنه لا يرخم الاسم إلا وقد علم ما حذف منه وما يعني به.

فإن احتيج إلى النعت للفرق فرد ما سقط منه أولى كقول الشاعر :

أضمر بن ضمرة ما ذا ذكرت

من صرمة أخذت بالمرار

أراد : يا ضمر يا ابن ضمرة.

والكوفيون يجيزون : يا جرجر في جرة وفي حولايان يا حول فيحذفون الزوائد كلها وهذا إخلال بالاسم يسقطون فيه ثلاثة أحرف فيها حرف متحرك ولا نظير لهذا في كلام العرب ويقولون للمرأة : يا ذات الجمة أقبلي ويا ذواتي الجمم للإثنين وللجماعة يا ذوات الجمم بكسر التاء وقد يقال : يا ذواتي الجمة ويا ذوات الجمة.

قال أبو بكر : وذلك أن ذات إنما هي ذاة فالتاء زائدة للجمع وإنما صارت الهاء في الواحدة تاء حين أضفتها ووصلتها بغيرها.

وتقول : يا هذا الرجل. والرجل أقبل ويا هذان الرجلان والرجلين مثل : يا زيد الظريف والظريف النصب على الموضع والرفع على اللفظ وتقول : يا أخوينا زيد وعمرو على قولك يا :زيد وعمرو يعني البدل.

وقال الأخفش : وإن شئت قلت : زيد وعمرو على التعويض كأنك قلت أحدهما زيد والآخر عمرو.

٣٣٣

قال أبو بكر : هذا عندي إنما يجوز إذا أراد أن يخبر بذلك بعد تمام النداء.

وتقول : يا أيها الرجل زيد ؛ لأن زيدا معطوف على الرجل عطف البيان يجري عليه كما يجري النعت للبيان ولو جاز أن لا تنون زيدا لجاز أن تقول : يا أيها الجاهل ذا التنزي.

على النعت وإنما هو ذو التنزي وتقول : يا أيها الرجل عبد الله تعطف على الرجل عطف البيان.

قال الأخفش : ولو نصبت كان في القياس جائز إلا أن العرب لا تكلم به نصبا ولكن تحمله على أن تبدله من (أي) ؛ لأن (أي) في موضع نصب على أصل النداء وقال : إذا رخمت رجلا اسمه شاة قلت : يا شا أقبل ومن قال : يا حار فرفع قال : يا شاة أقبل فرد الهاء الأصلية ؛ لأنه لا يكون الاسم على حرفين أحدهما ساكن إلا مبهما وقال : تقول في شية على ذا القياس يا وشي أقبل وفي دية : يا ودي أقبل فترد الواو في أوله لأنها ذهبت من الأول ؛ لأن الأصل : وديت ووشيت وإنما ردت الواو ؛ لأن مثل : شيء لا يكون اسما.

وذلك أن الاسم لا يكون على حرفين أحدهما ساكن قال : وتكسر الواو إذا رددتها ؛ لأن الأصل وشبه كما كانت قالت العرب : وجهة لما أتموا : وقالوا : ولدة والكوفيون وقوم يجيزون : يا رجل قام ويقولون : إن كان تعجبا نصبت كقولك : يا سيدا ما أنت من سيد ويكون مدحا كقولك : يا رجلا لم أر مثله وكذلك جميع النكرات عندهم وتقول : يا أيها الرجل ويا أيها الرجلان ويا أيها الرجال ويا أيها النساء على لفظ واحد والإختيار في الواحدة في المؤنث يا أيتها المرأة ، وإذا قلت : يا ضاربي فأردت به المعرفة كان مثل : يا صاحبي وغلامي ويجوز عندي أن تقول : يا ضارب أقبل كما تقول : يا غلام أقبل ، فإن أردت غير المعرفة لم يجز إلا إثبات الياء وتقول : يا ضاربي غدا وشاتمي لأنك تنوي الإنفصال وتقول : يا قاضي المدينة لك أن تنصبهما ولك أن ترفع الأول وتنصب الثاني والكوفيون يجيزون نصب الأول بتنوين ؛ لأنه يكون خلفا وما لا يكون خلفا فلا يجوز في الأول عندهم التنوين مثل : يا رجل رجلنا لا يجيزون النصب في الأول وقالوا كل ما كان يكون خلفا فلك الرفع بلا تنوين والنصب بتنوين ويقولون : يا قائما أقبل ويا قائم أقبل ويجيزون أن يؤكد ما فيه وينسق عليه ويقطع منه كما يصنع بالخلف

٣٣٤

ويجيزون : يا رجل قائما أقبل على نداءين ، وإن شئت كان في الصلة ويجيزون : يا رجل قائم أقبل. ينوون فيها الألف واللام.

ويحكون عن العرب : يا مجنون مجنون أقبل ويجيزون : يا أيها الذي قمت أقبل ويا أيها الذي قام أقبل وهو جائز ولا يجيزونه في من وكذا ينبغي ويقولون : يا رجلا قمت أقبل ويا رجل قمت أقبل والفراء إذا خاطب رفع لا غير ويقولون : يا قاتل نفسك ويا عبد بطنك وهذا جائز قال أحمد بن يحيى : لو أجزت الرفع لم يكن خطأ قال : وكذلك : يا ضاربنا ولا شاتمنا يختار النصب مع كل ما ظهرت إضافته قال : ويجوز في القياس الرفع وأنت تنوي الألف واللام.

فإذا كان لا يجوز فيه الألف واللام لم يجز إلا النصب مثل : يا أفضل منا ويا أفضلنا ويا غلام زيد ويا غلام رجل إنما يجوز الرفع في القياس مع ضارب زيد وحسن الوجه وقال : أما مثلنا وشبهنا فالنصب لا غير.

وقال الأخفش : تقول : إذا نسبت رجلا إلى حباري وحبنطي قلت : حباريّ وحبنطيّ فإذا رخمت لم ترد الألف وكذلك إذا نسبت إلى مرمى فقلت : مرميّ لم ترد الألف لو رخمته ؛ لأن هذا لم يحذف لالتقاء الساكنين ولو كان حذف لالتقاء الساكنين لبقي الحرف مفتوحا فكان يكون حباريّ وحبنطيّ قال : وإن شئت قلت : إني أرد الألف وأقول ذهب لإجتماع الساكنين ولكنهم كسروا لأنهم رأوا جميع النسب يكسر ما قبله قال : ومن قال : احذفه على أني أبنيه بناء قال : لا أحذفه لإجتماع الساكنين وجب عليه أن لا يرد في : ناحي وقاضي إذا نسب إلى ناحية وقاض وقال : إذا سميت رجلا حبلاوي أو حمراوي إذا رخمته فيمن قال : يا حار فرفع همزت لأنها واو صارت آخرا فتهمزها وتصرفها في المعرفة والنكرة لأنها الآن ليست للتأنيث.

قال أبو بكر : وجميع ما ذكرت من المسائل فينبغي أن تعرضه على الأصول التي قدمتها فما صح في القياس فأجزه وما لم يصح فلا تجزه وإنما أذكر لك قول القائلين كيلا تكون غريبا فيمن خالفك ، فإن الحيرة تقارن الغربة وقد ذكرنا الضم الذي يضارع الرفع ونحو نتبعه الفتح الذي يشبه النصب إن شاء الله.

٣٣٥

باب النفي ب (لا)

الفتح الذي يشبه النصب هو ما جاء مطردا في الأسماء النكرات المفردة ولا تخص اسما بعينه من النكرات إذا نفيتها (بلا) ، وذلك قولك : لا رجل في الدار ولا جارية فأي اسم نكرة ولي (لا) وكان جوابا لمن قال : هل من غلام فهو مفتوح ، فإن دخلت (لا) (١) على ما عمل بعضه في بعض من معرفة أو نكرة لم تعمل هي شيئا إنما تفتح الاسم الذي يليها إذا كانت قد نفت ما لم يوجبه موجب.

__________________

(١) لا النافية للجنس (وتسمى" لا" التبرئة) :

[١] شروط عملها :

تعمل عمل" إنّ" بستّة شروط :

(أ) أن تكون نافية.

(ب) أن يكون المنفيّ بها الجنس (ولو كانت لنفي الوحدة عملت عمل

" ليس" نحو" لا رجل قائما بل رجلان" أمّا قولهم في المثل" قضيّة ولا أبا حسن لها" أي لا فيصل لها ، إذ هو كرّم الله وجهه كان فيصلا في الحكومات على ما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم : أقضاكم عليّ ، فصار اسمه كالجنس المفيد لمعنى الفيصل ، وعلى هذا يمكن وصفه بالنكرة ، وهذا كما قالوا : " لكلّ فرعون موسى" أي لكل جبّار قهّار ، فيصرف فرعون وموسى لتنكيرهما بالمعنى المذكور كما في الرضي ج ـ ١ ص ٢٦٠).

(ج) أن يكون نفيه نصّا (وهو الذي يراد به النفي العام ، وقدّر فيه" من" الاسغراقية ، فإذا قلنا" لا رجل في الدار" وأنت تريد نفي الجنس لم يصح إلا بتقدير" من" فكان سائلا سأل : هل من رجل في الدار؟ فيقال : " لا رجل").

(د) ألّا يدخل عليها جار (وإن دخل عليها الخافض لم تعمل شيئا ، وخفضت النكرة بعدها نحو" غضبت من لا شيئ ، وشذ" جئت بلا شيء" بالفتح).

(ه) أن يكون اسمها نكرة متّصلا بها (وإن كان اسمها معرفة ، أو نكرة منفصلا منها أهملت ، ووجب تكرارها ، نحو" لا محمود في الدّار ولا هاشم" ونحو : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) فإنّما لم تتكرّر مع المعرفة في قولهم" لا نولك أن تفعل" من النوال والتّنويل وهو العطية ، وهو مبتدأ ، وأن تفعل سدّ مسدّ خبره لتأول" لا نولك" بلا ينبغي لك أن تفعل).

(و) أن يكون خبرها أيضا نكرة. انظر معجم القواعد ٢ / ٢٤.

٣٣٦

فأما إذا دخلت على كلام قد أوجبه موجب فإنها لا تعمل شيئا وإنما خولف بها إذا كانت تنفي ما لم يوجب وكل منفي فإنما ينفي بعد أن كان موجبا وأنت إذا قلت : لا رجل فيها إنما نفيت جماعة الجنس وكذلك إذا قلت : هل من رجل لم تسأل عن رجل واحد بعينه إنما سألت عن كل من له هذا الاسم ولو أسقطت (من) فقلت : هل رجل لصلح لواحد والجمع فإذا دخلت (من) لم يكن إلا للجنس.

واعلم أن (لا) إذا فتحت ما بعدها فقد يجيء الخبر محذوفا كثيرا تقول : لا رجل ولا شيء تريد في مكان أو زمان وربما لم يحذف خالفت ما وليس ألا ترى أن (ما) تنفي بها ما أوجبه الموجب و (ليس) كذلك وهما يدخلان على المعارف و (لا) في هذا الموضع ليست كذلك وقد اختلف النحويون في تقديرها إختلافا شديدا فقال سيبويه : (لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين ونصبها لما بعدها كنصب (إنّ) لما بعدها وترك التنوين لما تعمل فيه لازم لأنها جعلت وما تعمل فيه بمنزلة اسم واحد نحو : خمسة عشر ، وذلك ؛ لأنه لا يشبه ما ينصب وهو الفعل ولا ما أجرى مجراه لأنها لا تعمل إلا في نكرة (ولا) ما بعدها في موضع ابتدء فلما خولف بها عن حال أخواتها خولف بلفظها كما خولف بخمسة عشر ولا تعمل إلا في نكرة كما أن : ربّ لا تعمل إلا في نكرة فجعلت وما بعدها كخمسة عشر في اللفظ وهي عاملة فيما بعدها كما قالوا : يا ابن أم فهي مثلها في اللفظ وفي أن الأول عامل في الثاني و (لا) : لا تعمل إلا في نكرة من قبل أنها جواب فيما زعم

الخليل كقولك : هل من عبد أو جارية فصار الجواب نكرة كما أنه لا يقع في هذه المسألة إلا نكرة.

(فلا) وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت : هل من رجل فالكلام بمنزلة اسم مبتدأ والذي يبني عليه في زمان أو مكان هو الخبر ولكنك تضمره ، وإن شئت أظهرته.

قال أبو العباس محمد بن يزيد : فإن قال قائل : فهل يعمل في الاسم بعضه فالجواب في ذلك : بلغني أنك منطلق إنما هو بلغني إنطلاقك (فإن) عاملة في الكاف وفي منطلق وكذلك موقعها مفتوحة أبدا ، وكذلك (أن) الخفيفة هي عاملة في الفعل وبه تمت اسما فكذلك (لا) عملت عنده فيما بعدها وهي وما بعدها بمنزلة اسم.

٣٣٧

قال : والدليل على أن (لا) وما عملت فيه اسم أنك تقول : غضبت من لا شيء وجئت بلا مال كما قال :

حنّت قلوصي حين لا حين محن (١)

فجعلها اسما واحدا فالموضع موضع نصب نصبته (لا) وسقوط التنوين ؛ لأنه جعل معها اسما واحداص والدليل على ذلك : أنه إن اتصل بها اسم مفرد سقط منه التنوين وصار اسما واحدا وموضع الاسم بأسره موضع رفع كما كان موضع ما هو جوابه كذلك.

__________________

(١) على أنّ الشاعر أضاف حين الأول إلى الجملة ، كما تقول : حين لا رجل في الدار ، أي : حين لا حين حنين حاصل.

قال الأعلم : الشاهد فيه نصب حين بلا التبرئة" وإضافة حين إلى الجملة" وخبر لا محذوف والتقدير حين لا حين محنّ لها ، أي : حنّت في غير وقت الحنين. ولو جررت الحين على إلغاء لا جاز. و" القلوص" : النّاقة الشّابة بمنزلة الجارية من الأناسيّ. و" حنينها" : صوتها شوقا إلى أصحابها. والمعنى أنّها حنّت إليها على بعد منها ، ولا سبيل لها إليها. انتهى.

وقدّر ابن الشجريّ الخبر لنا ، بالنون ، والصواب ما قبله.

وجوّز أبو علي في" المسائل المنثورة" الحركات الثلاث في حين الثاني : النصب على إعمال لا عمل إنّ ، والرفع على إعمالها عمل ليس ، والجرّ على إلغائها وإضافة حين الأوّل إلى الثاني.

وقال أبو عليّ في" التذكرة القصرية" لا يقدّر للا هذه في رواية النصب خبر ، فإنه قال عند الكلام على قولهم : ألا ماء بارد : قال المازنيّ : يرفع بارد على أنه خبر ويجوز على قياس قوله ، أن يرتفع لأنّه صفة ماء ويضمر الخبر.

ويجوز نصبه على قوله أيضا على أنه صفة والخبر مضمر ، ويجوز على قياس سيبويه ومن عدا المازني ألا ماء بارد بلا تنوين ، إلّا أنّك لا تضمر لها خبرا لأنها مع معمولها الآن بمنزلة اللفظة الواحدة ، كقولهم : جئت بلا مال وغضبت من لا شيء ، أي : بفتحهما ، فلا يلزمك إضمار الخبر في هذه المسألة.

ومثله قوله : حنّت قلوصي حين لا حين محن أضاف حين إليهما كما تضيفه إلى المفرد. وقد يحتمل هذا عندي أن يكون إضافة إلى جملة والخبر محذوف ، كما يضاف أسماء الزمان إلى الجمل ، وذلك لأنّ حنت ماض ، فحين بمعنى إذ ، وهي مما يضاف إلى المبتدأ والخبر. فأما قوله حين لا حين فالثاني غير الأوّل ، لأنّ الحين يقع على الكبير واليسير من الزمان. انظر خزانة الأدب ١ / ٤٧٧.

٣٣٨

وأما الكسائي : فإنه يقول : النكرات يبتدأ بأخبارها قبلها لئلا يوهمك أخبارها أنها لها صلات فلما لزمت التبرئة الاسم وتأخر الخبر أرادوا أن يفصلوا بين ما ابتدئ خبره وما لا يكون خبره إلا بعده فغيروه من الرفع إلى النصب لهذا ونصبوه بغير تنوين ؛ لأنه ليس بنصب صحيح إنما هو مغير كما فعلوا في النداء حين خالفوا به نصب المضاف فرفعوه بغير تنوين ولم يكسروه فيشبه ما أضيف إليه.

وقال الفراء : إنما أخرجت (لا) من معنى غير إلى (ليس) ولم تظهر ليس ولا إذا كانت في معنى (غير) عمل ما قبلها فيما بعدها كقولك : مررت برجل لا عالم ولا زاهد و (لا) إذا كانت تبرئة كان الخبر بعدها ففصلوا بهذا الإعراب بين معنيين.

وفي جميع هذه الأقوال نظر وإنما تضمنا في هذا الكتاب الأصول والوصول إلى الإعراب فأما عدا ذلك من النظر بين المخالفين ، فإن الكلام يطول فيه ولا يصلح في هذا الكتاب على أنا ربما ذكرنا من ذلك الشيء القليل.

٣٣٩

ذكر الأسماء المنفية في هذا الباب

واعلم أن المنفي في هذا الباب ينقسم أربعة أقسام : نكرة مفردة غير موصوفة ونكرة موصوفة ونكرة مضافة ومضارع للمضاف (١).

__________________

(١) " لا" النّافية للجنس تعمل عمل" إن" ولكن تارة يكون اسمها مبنيا على الفتح (ويرى الرّضيّ : أن تقول : مبني على ما ينصب به بدل مبنيّ على الفتح ، وعنده أنّ ذاك أولى) في محلّ نصب ، وتارة يكون معربا منصوبا. فالمبني على الفتح من اسم لا يكون" مفردا" نكرة أي غير مضاف ، ولا شبيه بالمضاف (سيأتي قريبا تعريفه) أو" جمع تكسير" نحو" لا طالب مقصّر" و" لا طلّاب في المدرسة" فإذا كان" جمع مؤنث سالما" يبنى على الفتح ، أو على الكسر ، وقد روي بهما قول سلامة بن جندل :

أودى الشّباب الذي مجد عواقبه

فيه نلذّ ولا لذّات للشيب

(" أودى" ذهب" مجد" خبر مقدم عن" عواقبه" وصح الإخبار به عن الجمع ؛ لأنه مصدر).

وأمّا المثّنى فيبنى على ياء المثنّى ، وأما الجموع جمع سلامة لمذكّر فيبنى على ياء الجمع ، كقوله :

تعزّ فلا إلفين بالعيش متّعا

ولكن لورّاد المنون تتابع

(" تعز" تصبر" إلفين" صاحبين ، " الورّاد" جمع وارد) وقوله :

يحشر النّاس لا بنين ولا

آباء إلا وقد عنتهم شؤون

(" عنتهم" أهمتهم" شؤون" جمع شأن وهي : الشواغل) ومثل ذلك في التّثنية والجمع قولهم : " لا يدين بها لك" و" لا يدين اليوم لك" إذا جعلت لك خبرا لهما ، ويصحّ في نحو" لي ولك" أن يكونا خبرا ولو كان قاصدا للإضافة.

وتوكيدها بالّلام الزّائدة نحو قول الشّاعر وهو نهار بن توسعة اليشكري فيما جعله خبرا :

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم

وعلّة البناء تضمّن معنى" من" الاستغراقية ، بدليل ظهورها في قوله :

فقام يذود النّاس عنها بسيفه

وقال ألا لا من سبيل إلى هند

وليس من المنصوب بلا النافية للجنس قولك : لا مرحبا ، ولا أهلا ولا كرامة ، ولا سقيا ، ولا رعيا ، ولا هنيئا ولا مريئا ،. فهذه كلها منصوبة ولكن ليس بلا ، ولكن بفعل محذوف. ومثلها : لا سلام عليك.

وأمّا القسم الثّاني وهو المعرب المنصوب فهو أن يكون اسم" لا" مضافا أو شبيها بالمضاف (الشبيه بالمضاف : هو ما اتّصل به شيء من تمام معناه ، وهذا يصدق على المشتقات مع معمولاتها في الرفع والنصب والجر كقولك : " محمود فعله"" طالع جبلا"" خبير بما تعملون" ، وأما قولهم" لا أبالك" فاللام زائدة لتأكيد

٣٤٠