الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

أما الوصف فقولك : يا زيد الطويل والطويل فترفع على اللفظ وتنصب على الموضع ، فإن وصفته بمضاف نصبت الوصف لا غير ؛ لأنه لو وقع موقع زيد لم يكن إلا منصوبا تقول : يا زيد ذا الجمة وكذلك إن أكدته تقول : يا زيد نفسه ويا تميم كلكم ويا قيس كلكم.

فأما يا تميم أجمعون فأنت فيه بالخيار إن شئت رفعت ، وإن شئت نصبت حكم التأكيد حكم النعت إلا أن الصفة يجوز فيها النصب على إضمار (أعني) ولا يجوز في أجمعين ذلك ، وأما البدل فقولك : يا زيد زيد الطويل ويا زيد أخانا ؛ لأن تقدير البدل أن يقوم الثاني مقام الأول فيعمل فيه ما عمل في الأول فقولك : يا زيد أخانا كقولك : يا أخانا.

واعلم أن عطف البيان كالنعت سواء لا يلزمك فيه طرح التنوين كما لا يلزمك في النعت طرح الألف واللام تقول : يا زيد زيدا فتعطف على الموضع ويا زيد زيد وأمر البدل وعطف البيان سنذكرهما مع ذكر توابع الأسماء وهذا البيت ينشد على ضروب :

إني وأسطار سطرن سطرا

لقائل : يا نصر نصرا نصرا (١)

فمن قال : يا نصر نصرا فإنه جعل المنصوبين تبيينا للمضموم وهو الذي يسميه النحويون عطف البيان وسأفرق لك عطف البيان من البدل في موضعه ومجرى العطف للبيان مجرى الصفة فأجريا على قولك : يا زيد الظريف وتقديره : يا رجل زيدا أقبل على قول من نصب الصفة. وينشد :

يا نصر نصرا ...

جعلهما تبيينا وأجرى أحدهما على اللفظ والآخر على الموضع كما تقول : يا زيد الظريف العاقل ولو نصبت (العاقل) على (أعني) كان جيدا ومنهم من ينشده :

يا نصر نصر نصرا ...

فجعل الثاني بدلا من الأول وتنصب الثالث على التبيين فكأنه قال :

يا نصر نصر نصرا ...

__________________

(١) هذا قول الراجز وهو ذو الرمة.

٣٠١

وأما العطف فقولك : يا زيد وعمرو أقبلا ويا هند وزيد أقبلا ولا يجوز عطف الثاني على الموضع لما ذكرناه في باب العطف وهو أن حكم الثاني حكم الأول ؛ لأنه منادى مثله وكل مفرد منادى فهو مضموم.

وقد قالوا على ذلك : يا زيد والحرث لما دخلت الألف واللام (ويا) لا تدخل عليهما فاعلم وإنما يبني الأول ؛ لأنه منادى مخاطب باسمه وعلة الثاني وما بعده كعلة الأول لا فرق بينهما في ذلك ألا ترى أنهم : يقولون : يا عبد الله وزيد فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة ولو لا ذلك لم يجز قال جميع ذلك ابن السراج أيضا ، فإن عطفت اسما فيه ألف ولام على مفرد ، فإن فيه إختلافا.

أما الخليل وسيبويه والمازني : فيختارون الرفع يقولون : يا زيد والحارث أقبلا وقرأ الأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز : (يا جبال اوبي معه والطّير) (١) [سبأ : ١٠].

وأما أبو عمرو وعيسى ويونس وأبو عمر الجرمي فيختارون النصب وهي قراءة العامة.

وكان أبو العباس يختار النصب في قولك : يا زيد والرجل ويختار الرفع في الحارث إذا قلت : يا زيد والحراث ؛ لأن الألف واللام في (الحارث) دخلت عنده للتفخيم والألف واللام في الرجل دخلتا بدلا من (يا) ؛ لأن قولك : النضر والحارث ونصر وحارث بمنزلة ومثل ذلك اختلافهم في الاسم المنادى إذا لحقه التنوين اضطرارا في الشعر ، فإن الأولين يؤثرون رفعه أيضا ويقولون : هو بمنزلة مرفوع لا ينصرف يلحقه التنوين فيبقى على لفظه وأبو عمرو بن

__________________

(١) عن الحسن (يا جِبالُ أَوِّبِي) بوصل الهمزة ، وسكون الواو ، مخففة من (آب : رجع) والابتداء حينئذ بضم الهمزة.

والجمهور بقطع الهمزة ، وتشديد الواو ، من (التأويب) وهو (الترجيع) ، أي : يسبح هو وترجع هي معه التسبيح.

وأما ما روي عن روح من رفع الراء من (وَالطَّيْرَ) نسقا على لفظ (جِبالُ) أو على الضمير المستكن في (أوبي) للفصل بالظرف فهي انفراده لابن مهران ، عن هبة الله بن جعفر ، عن أصحابه عنه ، لا يقرأ بها ، ولذا أسقطها صاحب الطيبة على عادته رحمه الله تعالى ، والمشهور عن روح النصب كغيره ، عطفا على محل (جِبالُ)[إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٨٣].

٣٠٢

العلاء وأصحابه يلزمون النصب ويقولون هو بمنزلة قولك : مررت بعثمان يا فتى فإذا لحقه التنوين رجع إلى الخفض.

فإن كان المنادى مبهما فحكمه حكم غيره إلا أنه يوصف بالرجل وما أشبهه من الأجناس وتقول : يا أيها الرجل أقبل فيكون (أي) ورجل كاسم واحد (فأي) مدعو والرجل نعت له ولا يجوز أن يفارقه نعته ؛ لأن (أيا) اسم مبهم ولا يستعمل إلا بصلة إلا في الجزاء والاستفهام فلما لم يوصل ألزم الصفة لتبينه كما كانت تبينه الصلة.

و (ها) تبينه وكذلك إذا قلت : يا هذا الرجل فإذا قلت : يا أيها الرجل لم يصلح في (الرجل) إلا الرفع ؛ لأنه المنادى في الحقيقة و (أي) مبهم متوصل إليه به.

وكذلك : يا هذا الرجل إذا جعلت هذا سببا إلى نداء الرجل ولك أن تقيم الصفة مقام الموصوف فتقول : يا أيها الطويل ويا هذا القصير كقوله تعالى : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) [يوسف : ٨٨] ، فإن قدرت الوقف على هذا ولم تجعله وصلة إلى الصفة وكان مستغنيا بإفراده كنت في صفته بالخيار : إن شئت رفعت ، وإن شئت نصبت كما كان ذلك في نعت زيد فقلت : يا هذا الطويل والطويل.

وأما (أي) فلا يجوز في وصفها النصب لأنها لا تستعمل مفردة ، فإن وصفت الصفة بمضاف فهو مرفوع لأنك إنما تنصب صفة المنادى فقط.

قال الشاعر :

يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي ... (١)

__________________

(١) ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أن المرفوع بعد أي خبر لمبتدأ محذوف وأي موصولة بالجملة ، ورد بأنه لو كان كذلك لجاز ظهور المبتدأ بل كان أولى ولجاز وصلها بالفعلية والظرف. الثالث : ذهب الكوفيون وابن كيسان إلى أن ها دخلت للتنبيه مع اسم الإشارة فإذا قلت يأيها الرجل تريد يأيها ذا الرجل ثم حذف ذا اكتفاء بها. الرابع : يجوز أن توصف صفة أي ولا تكون إلا مرفوعة مفردة كانت أو مضافة كقوله :

يأيّها الجاهل ذو التّنزّي

لا توعدنّي حيّة بالنّكز

انظر شرح الأشموني ١ / ٢٤٣.

٣٠٣

فوصف (الجاهل) وهو صفة ب (ذو) ويجوز النصب على أن تجعله بدلا من (أي) فتقول : يا أيها الجاهل ذا التنزي ولا يجوز أن تقول : هذا أقبل وأنت تناديه تريد : يا هذا كما تقول : زيد أقبل وأنت تريد يا زيد ولا : رجل أقبل ؛ لأن هذين نعت لأي ، فإن جاء في الشعر فهو جائز ولك أن تسقط (يا) فتقول : زيد أقبل وإنما قبح إسقاط حرف النداء من هذا ورجل لأنهما يكونان نعتا لأي فلا يجمع عليها حذف المنعوت وحرف النداء فاعلم.

فأما قولهم : اللهّم اغفر لي ، فإن الخليل كان يقول : الميم المشددة في آخره بدل من (يا) التي للنداء لأنهما حرفان مكان حرفين.

قال أبو العباس : الدليل على صحة قول الخليل : أن قولك : اللهم لا يكون إلا في النداء لا تقول : غفر اللهم لزيد ولا : سخط اللهم على زيد كما تقول : سخط الله على زيد وغفر الله لزيد وإنما تقول : اللهم اغفر لنا اللهم اهدنا وقال : فإن قال الفراء : هو نداء معه (أم) قيل : له فكيف تقول : اللهم اغفر لنا واللهم أمنا بخير فقد ذكر (أم) مرتين قال : ويجب على قوله أن تقول : يا اللهم لأنه : يا الله أمنا ولا يلزم ذلك الخليل : لأنه يقول الميم بدل من يا.

وإذا وصفت مفردا بمضاف لم يكن المضاف إلا منصوبا تقول : يا زيد ذا الجمة ، فأما : يا زيد الحسن الوجه ، فإن سيبويه : يجيز الرفع والنصب في الصفة ؛ لأن معناه عنده الإنفصال فهو كالمفرد في التقدير ؛ لأن حسن الوجه بمنزلة حسن وجهه فكما أن يجيز : يا زيد الحسن والحسن فكذلك يفعل إذا أضاف ؛ لأنه غير الإضافة يعني به وأنشد :

يا صاح يا ذا الضّامر العنس

يريد : يا ذا الضامرة عنسه وتقول : يا زيد أو عبد الله ويا زيد أو خالد وقال سيبويه : أو ولا في العطف على المنادى بمنزلة الواو.

٣٠٤

شرح الاسم المنادى الثاني وهو المضاف :

اعلم أن كل اسم مضاف منادى فهو منصوب على أصل النداء الذي يجب فيه كما بينا تقول : يا عبد الله أقبل ويا غلام زيد افعل ويا عبد مرة تعال ويا رجل سوء تب المعرفة والنكرة في هذا سواء وقال عز وجل : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) [الأحقاف : ٣١].

وذكر سيبويه : أن ذلك منصوب على إضمار الفعل المتروك إظهاره.

وقال أبو العباس : أن (يا) بدل من قولك : أدعو أو أريد لا أنك تخبر أنك تفعل ولكن بها علم أنك قد أوقعت فعلا يا عبد الله وقع دعاؤك بعبد الله فانتصب على أنه مفعول تعدى إليه فعلك ، فإن أضفت المنادى إلى نفسك فحكم كل اسم تضيفه إلى نفسك أن تحذف إعرابه وتكسر حرف الإعراب وتأتي بالياء التي هي اسمك فتقول : يا غلامي وزيدي فإذا ناديت قلت : يا غلام أقبل لا تثبت (ياء) الإضافة كما تثبت التنوين في المفرد تشبيها به وثبات الياء فيما زعم يونس في المضاف لغة وكان أبو عمرو يقول : (يا عبادي اتقون).

وقد يبدلون مكان الياء الألف لأنها أخف عليهم نحو : يا ربا تجاوز عنا ويا غلاماه لا تفعل فإذا وقفت قلت : يا غلاما وعلى هذا يجوز : يا أباه ويا أماه.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن قولهم : يا أبه ويا أبة لا تفعل ويا أبتاه ويا أمتاه فزعم الخليل : أن هذه الهاء مثل الهاء في عمة وخالة وزعم : أنه سمع من العرب من يقول : يا أمة لا تفعلي ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة أنك تقول في الوقت : يا أمة ويا أبه كما تقول : يا خالة إنما يلزمون هذه في النداء إذا أضفت إلى نفسك خاصة كأنهم جعلوها عوضا من حذف الياء قال : وحدثنا يونس : أن بعض العرب يقول : يا أم لا تفعلي ولا يجوز ذلك في غيرها من المضاف.

وبعض العرب يقول : يا ربّ أغفر لي ويا قوم لا تفعلوا ، فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت : يا غلام غلامي ويا ابن أخي فتثبت الياء ؛ لأن الثاني غير منادى فإنما تسقط الياء في

٣٠٥

الموضع الذي يسقط فيه التنوين وقالوا : يا ابن أم ويا ابن عم فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لكثرته في كلامهم.

قال أبو العباس رحمه الله : سألت أبا عثمان عن قول من قال : يا ابن أم لا تفعل فقال :عندي فيه وجهان : أحدهما أن يكون أراد : يا ابن أمي فقلب الياء ألفا فقال : يا ابن أما ثم حذف الألف استخفافا من (أما) كما حذف الياء من (أمي).

ومثل ذلك : يا أبة لا تفعل والوجه الآخر أن يكون : ابن عمل في أم عمل خمسة عشر فبني لذلك قلت : فلم جاز في الوجه الأول قلب الياء ألفا فقال : يجوز في النداء والخبر وهو في النداء أجود قلت : وأمّ قال : لأن النداء يقرب من الندبة وهو قياس واحد ، وذلك قولك : وا أماه قلت : فنجيزه في الخبر في الشعر فقال : في الشعر وفي الكلام جيد بالغ أقول : هذا غلاما قد جاء فأقلبها ؛ لأن الألف أخف من الياء.

وقد قال الشاعر :

وقد زعموا أنّي جزعت عليهما

وهل جزع إن قلت : وا بأباهما

يريد : وا بأبي هما. وأنشد سيبويه لأبي النجم :

يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي (١)

__________________

(١) قال في شرح الكافية : إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبني قيل يا بني أو يا بني لا غير فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارا من توالي الياآت مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل ثبوت الثنتين وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه. والفتح على وجهين : أحدهما أن تكون ياء المتكلم أبدلت ألفا ثم التزم حذفها لأنها بدل مستثقل. الثاني : أن ثانية ياءي بني حذفت ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت ؛ لأن أصلها الفتح كما فتحت في يدي ونحوه اه. وقد تقدمت بقية الأحكام في باب المضاف إلى ياء المتكلم (وفتح أو كسر وحذف اليا) والألف تخفيفا لكثرة الاستعمال (استمر في) قولهم (يا ابن أمّ) ويا ابنة أم و (يا ابن عمّ) ويا ابنة عم (لا مفر) أما الفتح ففيه قولان : أحدهما أن الأصل أما وعما بقلب الياء ألفا فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها. الثاني أنهما جعلا اسما واحدا مركبا وبني على الفتح والأول قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش والثاني قيل هو مذهب سيبويه والبصريين ، وأما الكسر فظاهر مذهب الزجاج

٣٠٦

فإن أضفت اسما مثنى إليك : نحو عبدين وزيدين قلت : يا عبدي ويا زيد ففتحت الياء من قبل أن أصل الإضافة إلى نفسك الفتح تقول : هذا بني وغلامي يا فتي ثم تسكن إذا شئت استخفافا فلما التقى ساكنان في عبدي واحتجت إلى الحركة رددت ما كان للياء إليها فإذا صغرت ابنا فقلت بني ثم أضفته إلى نفسك قلت : يا بني أقبل ولم تكن هذه الياء كياء التثنية ؛ لأن هذه حرف إعراب كما يتحرك دال عبد تقول : هذا بني كما تقول : هذا عبد فإذا أضفتهما إلى نفسك كسرت حرف الإعراب إرادة للياء وكان الأصل في : يا بني أن تأتي بياء بعد الياء المشددة فحذفتها واستغنيت بالكسر عنها وتقول : يا زيد عمرو ويا زيد زيد أخينا ويا يزد زيدنا.

قال سيبويه وزعم الخليل ويونس : أن هذا كله سواء وهي لغة للعرب جيدة ، وذلك لأنهم قد علموا : أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصبا ؛ لأنه مضاف فلما كرروه تركوه على حاله قال الشاعر :

يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم

لا يلقينّكم في سوأة عمر

وإن شئت قلت : يا تيم تيم عدي ويا زيد زيد أخينا فكل اسمين لفظهما واحد والآخر منهما مضاف فالجيد الضم في الأول والثاني منهما منصوب ؛ لأنه مضاف ، فإن شئت كان بدلا من الأول ، وإن شئت كان عطفا عليه عطف البيان والوجه الآخر نصب الأول بغير تنوين

__________________

وغيره أنه مما اجتزى فيه بالكسرة عن الياء المحذوفة من غير تركيب. قال في الارتشاف : وأصحابنا يعتقدون أن ابن أم وابنة أم وابن عم وابنة عم حكمت لها العرب بحكم اسم واحد وحذفوا الياء كحذفهم إياها من أحد عشر إذا أضافوه إليها. ، وأما إثبات الياء والألف في قوله :

يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي

وقوله :

يا ابنة عمّا لا تلومي واهجعي

فضرورة. أما ما لا يكثر استعماله من نظائر ذلك نحو يا ابن أخي ويا ابن خالي فالياء فيه ثابتة لا غير ، ولهذا قال في يا ابن أم يا ابن عم ولم يقل في نحو يا ابن أم يا ابن عم. انظر شرح الأشموني ١ / ٢٤٦.

٣٠٧

لأنك أردت بالأول : يا زيد عمرو فأما أقحمت الثاني توكيدا للأول ، وأما حذفت من الأول المضاف استغناء بإضافة الثاني فكأنه في التقدير : يا زيد عمرو زيد عمرو ويا تيم عدي تيم عدي.

واعلم أن المضاف إذا وصفته بمفرد وبمضاف مثله مل يكن نعته إلا نصبا لأنك إن حملته على اللفظ فهو نصب والموضع موضع نصب فلا يزال ما كان على أصله إلى غيره ، وذلك نحو قولك : يا عبد الله العاقل ويا غلامنا الطويل والبدل يقوم مقام المبدل منه تقول : يا أخانا زيد أقبل ، فإن لم ترد البدل وأردت البيان قلت : يا أخانا زيدا أقبل ؛ لأن البيان يجري مجرى النعت.

شرح الثالث : وهو الاسم المنادى المضارع للمضاف لطوله :

إذا ناديت أسما موصولا بشيء هو كالتمام له فحكمه حكم المضاف إذا كان يشبهه في أنه لفظ مضموم إلى لفظ هو تمام الاسم الأول ويكون معرفة ونكرة ، وذلك قولك : يا خيرا من زيد أقبل. ويا ضاربا رجلا ، ويا عشرون رجلا ، ويا قائما في الدار وما أشبهه جميع هذا منصوب أقبلت على واحد فخاطبته وقدرت التعريف ، وإن أردت التنكير فهو أيضا منصوب وقد كنت عرفتك أن المعارف على ضربين : معرفة بالتسمية ومعرفة بالنداء.

وقال الخليل : إذا أردت النكرة فوصفت أو لم تصف فهي منصوبة ؛ لأن التنوين لحقها فطالت فجعلت بمنزلة المضاف لما طال نصب ورد إلى الأصل كما تفعل ذلك بقبل وبعد وزعموا : أن بعض العرب يصرف قبلا فيقول : أبدأ بهذا قبلا فكأنه جعلها نكرة ، وأما قول الأحوص :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (١)

فإنما لحقه التنوين كما لحق ما لا ينصرف.

__________________

(١) إذا كان المنادى مفردا معرفة أو نكرة مقصودة يجب بناؤه على الضم وذكر هنا أنه إذا اضطر شاعر إلى تنوين هذا المنادى كان له تنوينه وهو معصوم وكان له نصبه وقد ورد السماع بهما فمن الأول قوله :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

انظر شرح ابن عقيل ٣ / ٢٦٢.

٣٠٨

وكان عيسى بن عمر يقول : يا مطرا يشبهه بيا رجلا. قال سيبويه : ولم نسمع عربيا يقوله وله وجه من القياس إذا نون فطال كالنكرة فالتنوين في جميع هذا الباب كحرف في وسط الاسم وكذلك : لو سميت رجلا : بثلاثة وثلاثين لقلت : يا ثلاثة وثلاثين أقبل وليس بمنزلة قولك للجماعة : يا ثلاثة وثلاثون لأنك أردت في هذا : يا أيها الثلاثة والثلاثون ولو قلت أيضا وأنت تنادي الجماعة : يا ثلاثة والثلاثين لجاز الرفع والنصب في الثلاثين كما تقول : يا زيد والحارث والحارث ولكنك أردت في الأول : يا من يقال له ثلاثة وثلاثون.

وإن نعت الاسم المفرد بابن فلان أو ابن أبي فلان وذكرت اسمه الغالب عليه وأضفته إلى اسم أبيه أو كنيته ، فإن الاسمين قد جعلا بمنزلة اسم واحد ؛ لأنه لا ينفك منه ونصب لطوله تقول : يا زيد بن عمرو كأنك قلت : يا زيد عمرو فجعلت زيدا وابنا بمنزلة اسم واحد ولا تنون زيدا كما لم تكن تنونه قبل النداء إذا قلت : رأيت زيد بن عمرو ، فإن قلت : يا زيد ابن أخينا ضممت الدال من (زيد) ؛ لأن ابن أخينا نعت غير لازم وكذلك : يا زيد ابن ذي المال ويا رجل ابن عبد الله ؛ لأن رجلا اسم غير غالب فمتى لم يكن المنادى اسما غالبا والذي يضيف إليه ابنا سما غالبا لم يجز فيه ما ذكرنا من نصب الأول بغير تنوين ، وإذا قلت : يا رجل ابن عبد الله فكأنك قلت : يا رجل يا ابن عبد الله وعلى هذا ينشد هذا البيت :

يا حكم بن المنذر بن الجارود

ولو قلت : يا حكم بن المنذر كان جيدا وقياسا مطردا وكان أبو العباس رحمه الله يقول : إن نصب : يا حسن الوجه لطوله لا لأنه مضاف ؛ لأن معناه : حسن وجهه.

قال أبو بكر : والذي عندي أنه نصب من حيث أضيف فما جاز أن يضاف ويخفض ما أضيف إليه ، وإن كان المعنى على غير ذلك كذلك نصب كما ينصب المضاف ؛ لأنه على لفظه.

٣٠٩

باب ما خص به النداء من تغيير بناء الاسم المنادى

والزيادة في آخره والحذف فيه

أما التغيير فقولهم : يا فسق ويا لكع عدل عن فاعل إلى فعيل للتكثير والمبالغة كما عدل :عمر عن عامر ولم يستعمل فسق إلا في النداء وهو معرفة فيه ويقوى أنه كذلك ما حكى سيبويه عن يونس : أنه سمع من العرب من يقول : يا فاسق الخبيث فلو لم يكن فاسق عنده معرفة ما وصفه بما فيه الألف واللام وكذلك : يا لكاع ويا فساق ويا خباث معدول عن معرفة كما صارت جعار اسما للضبع وكما صارت : حذام ورقاش اسما للمرأة وجميع ذلك مبني على الكسر لأنك عدلته من اسم معرفة مؤنث غير منصرف وليس بعد ترك الصرف إلا البناء فبني على كسر ؛ لأن الكسرة والتاء من علامات التأنيث.

ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله ، فإن لم ترد العدل قلت : يا لكع ويا لكعاء ، وأما ما لحقه الزيادة من آخره فقولهم : يا نومان ويا هناه وقال بعض المتقدمين في النحو : يا هناه هو فعال في التقدير وأصله هن فزيد هذا في النداء وبنى هذا البناء.

ويلزم قائل هذا القول أن يقول في التثنية : يا هنانان أقبلا ولا أعلم أحدا يقول هذا.

قال الأخفش : تقول : يا هناه أقبل ويا هنانيه أقبلا ويا هنوناه أقبلوا.

وإن شئت قلت : يا هن ويا هنان أقبلا ويا هنون أقبلوا ، وإن أضفت إلى نفسك لم يكن فيه إلا شيء واحد يأتي فيما بعده.

قال أبو بكر : والمنكر من ذا تحريك الهاء من هناه وإلا فالقياس مطرد كهاء الندبة وألفها.

وقال أيضا الأخفش : تقول : يا هنتاه أقبلي ويا هنتانيه أقبلا ويا هناتوه أقبلن.

وتقول للمرأة بغير زيادة يا هنت أقبلي ويا هنتان أقبلا ويا هنات أقبلن وتقول في الإضافة : إليك : ياهن أقبل وياهني أقبلا وياهنى أقبلوا.

٣١٠

وللمرأة في الإضافة يا هنت أقبلي ويا هنتي أقبلا وللجمع : يا هنات أقبلن وتزاد في آخر الاسم في النداء

الألف التي تبين بالهاء في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدا أو تندب هالكا ؛ لأن المندوب في غاية البعد وللندبة باب مفرد نذكره بعون الله تعالى.

تقول : يا زيداه إذا ناديت بعيدا هذا إذا وقفت على الهاء وهي ساكنة وإنما تزاد في الوقف لخفاء الألف كاتزاد لبيان الحركة في قولك غلاميه وما أشبه ذلك.

إذا وصلت ألف النداء بشيء أغنى ما بعد الألف من الهاء فقلت : يا زيدا أقبل ويا قوما تعالوا.

فأما لام الاستغاثة والتعجب فتدخل على الاسم المنادى من أوله وهي لام الجر فتخفضه ولذلك أيضا باب يذكر فيه إلا أنها تزاد إذا أردت أن تسمع بعيدا ، وأما ما حذف من آخره في النداء فقولهم في فلان : يا فل أقبل.

وذكر سيبويه أن : هناه ونومان وفل أسماء اختص بها النداء.

وقال : قول العرب : يا فل أقبل لم يجعلوه اسما حذفوا منه شيئا يثبت في غير النداء ولكنهم بنوا الاسم على حرفين وجعلوه بمنزلة دم والدليل على ذلك أنه ليس أحد يقول : يا فلا.

فإن عنوا امرأة قالوا : يا فلة وإنما بني على حرفين ؛ لأن النداء موضع تخفيف ولم يجز في غير النداء ؛ لأنه جعل اسما لا يكون إلا كناية لمنادى نحو : يا هناه ومعناه. يا رجل. ، وأما فلان.

فإنما هو كناية عن اسم سمى به المحدث عنه خاص غالب قال : وقد اضطر الشاعر فبناه على هذا المعنى قال أبو النجم :

في لجّة أمسك فلانا عن فل (١)

__________________

(١) وكثر استعمال فعل في النداء خاصة مقصودا به سب الذكور نحو يا فسق ويا غدر ويا لكع ولا ينقاس ذلك. وأشار بقوله وجر في الشعر فل إلى أن بعض الأسماء المخصوصة بالنداء قد تستعمل في الشعر في غير النداء كقوله :

تضل منه إبلى بالهوجل

في لجة أمسك فلانا عن فل

انظر شرح ابن عقيل ٣ / ٢٧٨.

٣١١

قوله : (في لجة) أي : في كثرة أصوات ومعناه : أمسك فلانا عن فلان.

فأما ما حذف آخره للترخيم فله باب وإنما أخرجنا (فل) عن الترخيم ؛ لأنه لا يجوز أن يرخم اسم ثلاثي فينقص في النداء ولم يكن منقوصا في غير النداء ولأنّه ليس باسم علم وللترخيم باب يفرد به إن شاء الله.

٣١٢

باب اللام التي تدخل في النداء للاستغاثة والتعجب

اعلم أن اللام التي تدخل للاستغاثة (١) هي لام الخفض وهي مفتوحة إذا أدخلتها على الاسم المنادى كأن المنادى كالمكنى.

وقد بينا هذا فيما مضى فانفتحت مع المنادى كما تنفتح مع المكنى إلا ترى أنك تقول : لزيد ولبكر فتكسر.

فإذا قلت : لك وله فتحت وقد تقدم قولنا في أن المبني كالمكنى فلذلك لم يتمكن في الإعراب وبني فتقول : يا لبكر ويا لزيد ويا للرجال ويا للرجلين إذا كنت تدعوهم.

__________________

(١) ١ ـ تعريف المستغاث : هو ما طلب إقباله ليخلّص من شدّة أو يعين على مشقّة.

٢ ـ ما يتعلق به من أحكام : يتعلّق بالمستغاث أحكام هي :

١ ـ اختصاصه ب" يا" من بين أدوات النّداء ، مذكورة وجوبا.

٢ ـ غلبة جرّه ب" لام" مفتوحة في أوّله ، وإن اقترن ب" أل" ، وهي لام الجرّ ، فتحت للفرق بينها وبين لام" المستغاق من أجله" في نحو" يا لله لعليّ".

٣ ـ ذكر مستغاث من أجله بعده جوازا إمّا مجرور باللام المكسورة ، سواء أكان منتصرا عليه ، نحو" يا لعليّ لظالم لا يخاف الله" أم منتصرا له يحو" يا لعمر للمسكين".

وإما مجرور ب" من" نحو :

يا للرّجال ذوي الألباب من نفر

لا يبرح السفه المردي لهم دينا

٤ ـ أنه إذا عطف على المستغاث ، ، فإن أعيدت" يا" معه فتحت لامه نحو :

يا لقومي ويا لأمثال قومي

لأناس عتوّهم في ازدياد

وإن لم تعد" يا" معه كسرت لامه نحو :

قول الشاعر :

يبكيك ناء بعيد الدّار مغترب

يا للكهول وللشبان للعجب

٥ ـ ويجوز أن لا يبتدأ المستعاث باللام فالأكثر حينئذ أن يحتم بالألف عوضا عن اللام ، ولا يجتمعان كقوله :

يا يزيدا لآمل نيل عزّ

وغنى بعد فاقة وهوان

(ف" يزيدا" مستغاث والألف فيه عوض من اللام و" لآمل" مستغاث له وهو اسم فاعل و" نيل" مفعول به) انظر معجم القواعد ٢ / ٢٣.

٣١٣

وقال أصحابنا : إنما فتحتها لتفصل بين المدعو والمدعو إليه.

ووجب أن تفتحها ؛ لأن أصل اللام الخافضة إنما كان الفتح فكسرت مع المظهر ليفصل بينها وبين لام التوكيد ألا ترى أنك تقول : إن هذا لزيد إذا أردت : إن هذا زيد فاللام هنا مؤكدة وتقول : إن هذا لزيد إذا أردت أنه في ملكه.

ولو فتحت لالتبسا ، فإن وقعت اللام على مضمر فتحتها على أصلها فقلت : أن هذا لك ، وإن هذا لأنت ؛ لأنه ليس هنا لبس وتقول : يا للرجال للماء ويا للرجال للعجب ويا لزيد للخطب الجليل قال الشاعر :

يا للّرجال ليوم الأربعاء أما

ينفكّ يحدث لي بعد النّهى طربا

وقال آخر :

تكنّفني الوشاة فأزعجوني

فيا للناس للواشي المطاع

فالذي دخلت عليه اللام المفتوحة هو المدعو والمستغاث به والذي دخلت عليه اللام المكسورة هو الذي دعي له ومن أجله.

واعلم أنه لا يجوز أن تقول : يا لزيد لمن هو قريب منك ومقبل عليك.

وذكر سيبويه : أن هذه اللام التي للإستغاثة بمنزلة الألف التي تبين بها في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدا ، فإن قلت : يا لزيد ولعمرو.

كسرت اللام في (عمرو) وهو مدعو ؛ لأنه يسوغ في المعطوف على المنادى ما لا يسوغ في المنادى.

ألا ترى أن الألف واللام تدخل على المعطوف على المنادى ويجوز فيه النصب وإنما يتمكن في باب النداء ما لصق (بيا) يعني بحرف النداء.

وأما أبو العباس رحمه الله فكان يقول في قولهم : يا لزيد ولعمرو إنما فتحت اللام في (زيد) ليفصل بين المدعو والمدعى إليه فلما عطفت على (زيد) استغنيت عن الفصل لأنك إذا عطفت عليه شيئا صار في مثل حاله وقال الشاعر :

٣١٤

يبكيك ناء بعيد الدار مغترب

يا للكهول وللشّبان للعجب

وأما التي في التعجب فقول الشاعر :

لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم

أدلّ وأمضى من سليك المقانب

وقالوا : يا للعجب ويا للماء لما رأوا عجبا أو رأوا ماء كثيرا كأنه يقول : تعال يا عجب وتعال يا ماء فإنه من أيامك وزمانك وأبانك ومثل ذلك قولهم : يا للدواهي أي : تعالين فإنه لا يستنكر لكن ؛ لأنه من أحيانكن وكل هذا في معنى التعجب والإستغاثة فلا يكون موضع (يا) سواها من حروف النداء نحو : أي وهيا وأيا.

وقد يجوز أن تدعو مستغيثا بغير لام فتقول : يا زيد وتتعجب كذلك كما أن لك أن تنادي المندوب ولا تلحق آخره ألفا ؛ لأن النداء أصل لهذه أجمع وقد تحذف العرب المنادى المستغاث به مع (يا) ؛ لأن الكلام يدل عليه فيقولون : يا للعجب ويا للماء كأنه قال : يا لقوم للماء ويا لقوم للعجب وقال أبو عمرو قولهم : يا ويل لك ويا ويح لك كأنه نبه إنسانا ثم جعل الويل له ومن ذلك قول الشاعر :

يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصالحين على سمعان من جار

فيا لغير اللعنة ولغير الويل كأنه قال : يا قوم لعنة الله على فلان.

٣١٥

باب الندبة

الندبة (١) تكون بياء أو بواو ولا بد من أحدهما وتلحق الألف آخر الاسم المندوب إن شئت ، وإن شئت ندبت بغير ألف والألف أكثر من هذا الباب.

__________________

(١) النّدبة : تفجّع ونوح مشن حزن وغمّ يلحق النّادب على المندوب عند فقده.

١ ـ المندوب : هو المتفجّع عليه لفقده حقيقة كقول جرير يندب عمر بن عبد العزيز :

" وقمت فيه بأمر الله يا عمرا" أو تنزيلا كقول عمر بن الخطّاب ، وقد أخبر بجدب أصاب بعض العرب :" واعمراه" (واعمراه : وا : حرف ندبة عمراه منادى مندوب مبني على الضم المقدّر منع من ظهوره الفتحة المناسبة للألف في محل نصب ، والألف للنّدبة ، والهاء للسكت).

أو المتوجّع له كقول قيس العامري :

فوا كبدا من حبّ من لا يحبّني

ومن عبرات ما لهنّ فناء

أو المتوجّع منه نحو" وا مصيبتاه".

٢ ـ أدوتها : أدوات النّدبة حرفان : " يا" و" وا" ويكونان قبل الاسم.

٣ ـ أحكام المندوب : للمندوب أحكام :

(أحدها) أنّه كالمنادى غير المندوب فيبنى على الضّم في نحو : " وا خليفة رسول الله" ، وإذا اضطرّ إلى التنوينه في الشّعر جاز ضمّه ونصبه ، نحو : " وا فقعسا وأين منّي فقعس".

(الثاني) أنّه يختصّ من بين الأدوات ب" وا" مطلقا وب" يا" إن أمن اللّبس كما في قول جرير المتقدّم" يا عمرا".

(الثالث) أنّه لا يندب إلا العلم المشهور ونحوه ، كالضاف إضافة توضّح المندوب توضيح العلم ، والموصول الذي اشتهر بصلة تعيّنه نحو" وا حسيناه" و" وا دين محمّداه" و" وامن هاجر إلى مديناه" فلا يندب العلم غير المشور ، ولا النّكرة ك" رجل" ولا المبهم ك" أي" واسم الإشارة ، والموصول غير المشتهر بالصّلة".

الغالب أن يختم بالألف الزّائدة وهاء السّكت ، ويحذف لها ما قبلها من ألف في آخر الاسم نحو" وا مواساه" أو من تنوين في صلة نحو" وا من فتح قلباه" أو تنوين في مضاف إليه ، نحو" وا غلام محمّداه" أو ضمّة نحو" وا محمّداه" أو كسرة نحو" وا حاجب الملكاه" ، فإن أوقع حذف ، الضّمّة ، أو الكسرة في لبس أبقيتا ، وجعلت الألف واوا بعد الضّمة ، نحو" وا غلامهمو" أو" وا غلامكمو" (فلو قيل : وا غلامها ، أو وا غلامكما ، التبس المذكر بالمؤنث في الأولى والجمع بالمثنى في الثانية) ، وياء بعد الكسرة نحو" وا غلامكي" (فلو قيل" وا غلامكا" التبس بالمذكر).

٣١٦

قال سيبويه : لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها ومن شأنهم أن يزيدوا حرفا إذا نادوا بعيدا ولا أبعد من المندوب فإذا وقفوا قالوا : يا زيداه وا عمراه فيقفون على هاء لخفاء الألف ، فإن وصلوا النداء بكلام أسقطوا الهاء ، وإذا لم تلحق الألف قلت : وا زيد بكر والألف تفتح ما قبلها مضموما كان أو مكسورا تقول وا زيد فتضم ، فإن أدخلت الألف قلت : وا زيداه ، فإن أضفت إلى أسم ظاهر غير مكنى قلت : وا غلام زيد ، فإن أدخلت الألف قلت وا غلام زيداه وحذفت التنوين ؛ لأنه لا يلتقي ساكنان.

قال سيبويه : ولم يحركوها يعني التنوين في هذا الموضع ؛ لأن الألف زيادة فصارت تعاقب التنوين وكان أخف عليهم ، فإن أضفت إلى نفسك قتل وأزيد فكسرت الدال ، فإن أدخلت الأل قلت : وا زيداه يكون إذا أضفته إلى نفسك ، وإذا لم تضفه سواء ومن قال : يا غلامي قال :

وا زيدياه فيحرك الياء في لغة من أسكن الياء للألف التي بعدها ؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا.

__________________

٤ ـ المندوب المضاف للياء :

إذا ندب المضاف للياء الجائز فيه اللغات الست (انظر هذه اللغات الست في مبحث" النداء" رقم (٧ / ٣)) ، فعلى لغة من قال" يا غلام" بالكسر ، أو" يا غلام" بالضم ، أو" يا غلاما" بالألف ، أو يا" غلامي" بالإسكان يقال"" وا غلاما" وعلى لغة من قال : " يا غلامي" بالفتح ، أو" يا غلامي" بالإسكان بإبقاء الفتح على الأوّل : وباجتلابه على الثاني (قد استبان أن لمن سكّن الياء أن يحذفها أو يفتحها).

وإذا قيل" يا غلام غلامي" لم يجز في النّدبة حذف الياء ؛ لأن المضاف إلى الياء غير منادى ، ولّما لم يحذف في النّداء لم يحذف في النّدبة.

٥ ـ ألف النّدبة تابعة لما قبلها :

وإنّما جعلوها تابعة ليفرّقوا بين المذكّر والمؤنّث ، وبين الاثنين والجمع ، وذلك قولك : " واظهرهوه" إذا أضفت الظهر إلى مذكّر ، وإنّما جعلتها واوا لتفرّق بين المذكّر والمؤنّث إذا قلت : واظهرهاه للمؤنّث.

وتقول : " واظهرهموه" وإنما جعلت الألف واوا لتفرّق بين الاثنين والجميع إذا قلت : " واظهرهماه" للاثنين. وتقول : " وا غلا مكيه" إذا أضفت الغلام إلى مؤنّث ، وإنّما فعلوا ذلك ليفرّقوا بينها وبين المذكر إذا قلت : " وا غلامكاه". وتقول : " وا انقطاع ظهرهوه" في قول من قال : " مررت بظهرهو قبل" ، وتقول : " وانقطاع ظهرهيه" في قول من قال : " مررت بظهر هي قبل". انظر معجم القواعد ٩ / ٢٦.

٣١٧

قال أبو العباس : ولك في وا غلامي في لغة من أسكن الياء وجهان : أن تحرك الياء لدخول الألف فقتول : وا غلامياه وأن تسقطها لالتقاء الساكنين فتقول : وا غلاماه كما تقول جاء غلام العاقل فتحذف الياء فأما من كان يحرك الياء قبل الندبة فليس في لغته إلا إثباتها مع الألف تقول : وا غلاماه وذكر سيبويه : أنه يجوز في الندبة : وا غلاميه فيبين الياء بالهاء كما هي في غير النداء ، فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت : وا غلام غلامي ، فإن أدخلت الألف قلت : وا غلام غلامياه لا يكون إلا ذلك ؛ لأن المضاف الثاني غير منادى وقد بيناه لك فيما تقدم.

وكذلك وانقطاع ظهرياه لا بد من إثبات الياء ، وإذا وافقت ياء الإضافة الياء الساكنة في النداء لم يجدوا بدا من فتح ياء الإضافة ولم يكسر ما قبلها كراهية للكسرة في الياء ولكنهم يفتحون ياء الإضافة ويجمعون على ذلك لئلا يلتقي ساكنان.

فإذا ناديت فأنت في إلحاق الألف بالخيار أيضا ، وذلك قولك : وا غلامياه ووا قاضياه ووا غلاميّ في تثنية غلام ووا قاضيّ.

وإن وافقت ياء الإضافة ألفا لم تحرك الألف وأثبتوا الياء وفتحوها لئلا يلتقي ساكنان وأنت أيضا بالخيار في إلحاق الألف ، وذلك قولك وامثناي ووا مثناه.

فإن لم تضف إلى نفسك قلت : وا مثناي وتحذف الألف الأولى لئلا يلتقي ساكنان ولم يخافوا التباسا ، فإن كان الاسم المندوب مضافا إلى مخاطب مذكر قلت : وا غلامك يا هذا ، فإن ألحقت ألف الندبة قلت : وا غلامكاه ، وإن ثنيت قلت : وا غلامكاه ، وإن جمعت قلت : وغلامكموه فقلبت الف الندبة واوا كيلا يلتبس بالتثنية وتقول للمؤنث : وا غلامكيه.

وكان القياس الألف لو لا اللبس وفي التثنية وا غلامهماه والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وتقول في الجمع : وا غلامكناه وتقول في الواحد المذكر الغائب وا غلامهوه وللاثنين وا غلامهماه وللجميع وا غلامهموه وللمؤنث : وا غلامهاه وفي التثنية : وا غلامهاه وللجميع وا غلامهمناه ، فإن كان المنادى مضافا إلى مضاف نحو : وانقطاع ظهره قلت في قول من قال :مررت بظهرهوه قيل : وانقطاع ظهرهوه وفي قول من قال : بظهر هي قال : وانقطاع ظهرهيه.

٣١٨

وقال قوم من النحويين : كل ما كان في أخره ضم أو فتح وكسر ليس يفرق بين شيء وبين شيء جاز فيه الإتباع والفتح وغير الإتباع مثل قطام تقول : وا قطاميه ويا قطاماه ويقولون : يا رجلانية ويا رجلاناه ويا مسلموناه ويقولون : يا غلام الرجلية والرجلاه فإذا كانت الحركة فرقا بين شيئين مثل : قمت وقمت فالإتباع لا غير نحو : وا قياما قمتوه وقمتاه وقمتيه وقد مر تثنية المفرد وجمعه في النداء في (هن) فقس عليه.

واعلم أن ألف الندبة لا تدخل على الصفة ولا الموصوف إذا اجتمعا ، نحو : وأزيد الظريف والظريف ؛ لأن الظريف غير منادى وليس هو بمنزلة المضاف والمضاف إليه ؛ لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد وأنت في الصفة بالخيار إن شئت وصفت ، وإن شئت لم تصف وهذا قول الخليل.

وأما يونس فيلحق الألف الصفة ويقول : وا زيد الظريفاه ولا يجوز أن تندب النكرة وذلك : وا رجلاه ويا رجلاه ولا المبهم لا تقول : وا هذاه.

قال سيبويه : إنما ينبغي أن تتفجع بأعرف الأسماء ولا تبهم وكذلك قولك : وامن في الداراه في الفتح وذكر يونس : أنه لا يستقبح : وا من حفر زمزماه ؛ لأن هذا معروف بعينه.

وقال الأخفش : الندبة لا يعرفها كل العرب وإنما هي من كلام النساء فإذا أرادوا السجع وقطع الكلام بعضه من بعض أدخلوا ألف الندبة على كلام يريدون أن يسكتوا عليه وألحقوا الهاء لا يبالون أي كلام كان.

٣١٩

باب الترخيم

الترخيم (١) حذف أواخر الأسماء المفردة الأعلام تحقيقا ولا يكون ذلك إلا في النداء إلا أن يضطر شاعر ولا يكون في مضاف إليه ولا مضاف ولا في وصف ولا اسم منون في النداء ولا يرخم مستغاث به إذا كان مجرورا ؛ لأنه بمنزلة المضاف ولا يرخم المندوب هذا قول سيبويه والمعروف من مذاهب العرب.

والترخيم يجري في الكلام على ضربين : فأجود ذلك أن ترخم الاسم فتدع ما قبل آخره على ما كان عليه وتقول في : حارث : يا حار أقبل فتترك الراء مكسورة كما كانت.

وفي مسلمة : يا مسلم أقبل وفي جعفر : يا جعف أقبل تدع الفتحة على حالها وفي يعفر : يا يعف أقبل وفي برثن : يا برث أقبل تترك الضمة على حالها وفي هرقل أقبل تدع القاف على سكونها والوجه الآخر أن تحذف من أواخر الأسماء وتدع ما بقي اسما على حياله نحو : زيد وعمرو فتقول : في حارث يا حار وفي جعفر يا جعف أقبل وفي هرقل : يا هرق أقبل.

وكذلك كل اسم جاز ترخيمه ، فإن كان آخر الاسم حرفان زيدا معا حذفتهما لأنهما بمنزلة زيادة واحدة.

__________________

(١) الترخيم في اللغة ترقيق الصوت وتليينه. يقال صوت رخيم أي سهل لين. ومنه قوله :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر

أي رقيق الحواشي. ، وأما في الاصطلاح فهو حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص. وهو على نوعين : ترخيم التصغير كقولهم في أسود سويد وسيأتي في بابه ، وترخيم النداء وهو مقصود الباب وهو حذف آخر المنادى (كيا سعا فيمن دعا سعادا) وإنما توسع في ترخيم المنادى ؛ لأنه قد تغير بالنداء ، والترخيم تغيير والتغيير يأنس بالتغيير فهو ترقيق.

تنبيه : أجاز الشارح في نصب ترخيما ثلاثة أوجه : أن يكون مفعولا له أو مصدرا في موضع الحال أو ظرفا على حذف مضاف. وأجاز المرادي وجها رابعا وهو أن يكون مفعولا مطلقا وناصبه احذف ؛ لأنه يلاقيه في المعنى. وأجاز المكودي وجها خامسا وهو أن يكون مفعولا مطلقا لعامل محذوف أي رخم ترخيما (وجوّزنه) أي جوز الترخيم (مطلقا في كلّ ما أنّث بالها) أي سواء كان علما أو غير علم ثلاثيا أو زائدا على الثلاثي. انظر شرح الأشموني ١ / ٢٥٦.

٣٢٠