الأصول في النحو - ج ١

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ١

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

وكل اسم فاعل فهو يجري مجرى مضارعه ثلاثيا كان أو رباعيا مزيدا كان فيه أو غير مزيد فمكرم جار على أكرم ومدحرج على دحرج ومستخرج على استخرج.

وقد بيّنا أن الفعل المضارع أعرب لمضارعته الاسم إذ كان أصل الإعراب للأسماء وأن اسم الفاعل أعمل بمضارعته الفعل إذ كان أصل الأعمال للأفعال وأصل الإعراب للأسماء.

وتقول : مررت برجل ضارب أبوه زيدا كما تقول : مررت برجل يضرب أبوه زيدا ومررت برجل مدحرج أبوه كما تقول : يدحرج أبوه وتقول : زيد مكرم الناس أخوه كما تقول :زيد يكرم الناس أخوه وزيد مستخرج أبوه عمرا كما تقول : يستخرج والمفعول يجري مجرى الفاعل كما كان (يفعل) يجري مجرى (يفعل) فتقول : زيد مضروب أبوه سوطا وملبس ثوبا.

وقد بينت لك هذا فيما مضى.

ومما يجري مجرى (فاعل) مفعل نحو : قطع فهو مقطع وكسر فهو مكسر. يراد به المبالغة والتكثير.

فمعناه معنى : (فاعل) إلا أنه مرة بعد مرة.

وفعال يجري مجراه ، وإن لم يكن موازيا له ؛ لأن حق الرباعي وما زاد على الثلاثي أن يكون أول (اسم) الفاعل ميما فالأصل في هذا (مقطع) والحق به قطّاع ؛ لأنه في معناه.

ألا ترى أنك إذا قلت : زيد قتال أو : جراح لم تقل هذا لمن فعل فعلة واحدة كما أنك لا تقل : قتلت إلا وأنت تريد جماعة فمن ذلك قوله تعالى : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [يوسف : ٢٣] ولو كان بابا واحدا لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرة.

ومن كلام العرب : أما العسل فأنت شرّاب. ومثل ذلك (فعول) لأنك تريد به ما تريد (بفعّال) من المبالغة قال الشاعر (١) :

ضروب بنصل السيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنك عاقر

(وفعال) نحو : (مطعان ومطعام) ؛ لأنه في التكثير بمنزلة ما ذكرنا.

__________________

(١) هذا مثال لإعمال فعول وهو قول أبي طالب.

١٢١

ومن كلام العرب : أنه لمنحاز بوائكها.

وقد أجرى سيبويه : (فعيلا) (كرحيم) و (عليم) هذا المجرى وقال : معنى ذلك المبالغة وأباه النحويون من أجل أن (فعيلا) بابه أن يكون صفة لازمة للذات وأن يجري على (فعل) نحو : ظرف فهو ظريف وكرم فهو كريم وشرف فهو شريف والقول عندي كما قالوا.

وأجاز أيضا مثل ذلك في (فعل).

وأباح النحويون إلا أبا عمر الجرمي فإنه يجيزه على بعد فيقول : أنا فرق زيدا وحذر عمرا والمعنى : أنا فرق من زيد وحذر من عمرو.

قال أبو العباس رحمه الله : لأن (فعل) الذي فاعله على لفظ ماضيه إنما معناه ما صار كالخلقة في الفاعل نحو : بطر زيد فهو بطر وخرق فهو خرق.

١٢٢

مسائل من هذا الباب

تقول : هذا ضارب زيدا إذا أردت (بضارب) ما أنت فيه أو المستقبل كمعنى الفعل المضارع له.

فإذا قلت هذا ضارب زيد تريد به معنى المضي فهن بمعنى : غلام زيد وتقول : هذا ضارب زيد أمس وهما ضاربا زيد وهن ضاربو زيد وهو ضاربات أخيك.

كل ذلك إذا أردت به معنى المضي لم يجز فيه إلا هذا يعني الإضافة (و) الخفض ؛ لأنه بمنزلة قولك : غلام عبد الله وأخو زيد.

ألا ترى أنك لو قلت : (غلام زيدا) كان محالا فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضيا ؛ لأنه اسم وليست فيه مضارعة للفعل لتحقيق الإضافة ، وإن الأول يتعرّف بالثاني.

ولا يجوز أن تدخل عليه الألف واللام وتضيفه كما لم يجز ذلك في (الغلام) وإنما يعمل اسم الفاعل الذي يضارع (يفعل) كما أنه يعرب من الأفعال ما ضارع اسم الفاعل الذي يكون للحاضر والمستقبل.

فأما اسم الفاعل الذي يكون لما مضى فلا يعمل كما أن الفعل الماضي لا يعرف وتقول : هؤلاء حواج بيت الله أمس ومررت برجل ضارباه الزيدان ومررت بقوم ملازموهم أخوتهم.

فيثنى ويجمع ؛ لأنه اسم كما لو تقول : مررت برجل أخواه الزيدان وأصحابه وأخوته فإذا أردت اسم الفاعل الذي في معنى المضارع جرى مجرى الفعل في عمله وتقديره فقلت : مررت برجل ضاربه الزيدان كما تقول : مررت برجل يضربه الزيدان ومررت بقوم : ملازمهم أخوتهم كما تقول : مررت بقوم يلازمهم أخوتهم وتقول : أخوآك آكلان طعامك وقومك ضاربون زيدا وجواريك ضاربات عمرا إذا أردت معنى المضارع.

وتقول مررت برجل ضارب زيدا الآن أو غدا إذا أردت الحال أو الإستقبال فتصفه به ؛ لأنه نكرة مثله أضفت أو لم تضف كما تقول : مررت برجل يضرب زيدا ولا تقول مررت برجل ضارب زيد أمس ؛ لأنه معرفة بالإضافة دالا على البدل.

١٢٣

وتقول : مررت بزيد ضاربا عمرا إذا أردت الذي يجري مجرى الفعل.

فإن أردت الأخرى أضفت فقلت : مررت بزيد ضارب عمرو. على النعت والبدل ؛ لأنه معرفة كما تقول : مررت بزيد غلام عمرو.

واعلم أنه يجوز لك أن تحذف التنوين والنون من أسماء الفاعلين التي تجري مجرى الفعل.

وتضيف استخفافا ولكن لا يكون الاسم الذي تضيفه إلا نكرة ، وإن كان مضافا إلى معرفة لأنك إنما حذفت النون استخفافا فلما ذهبت النون عاقبها الإضافة والمعنى معنى ثبات النون.

فمن ذلك قول الله سبحانه : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] فلو لم يرد به التنوين لم يكن صفة (لهدي) وهو نكرة ، ومثله : (عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] و (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) [القمر : ٢٧] وأنشدوا :

هلّ أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد رب أخا عون بن مخراق (١)

أراد : بباعث التنوين.

ونصب الثاني ؛ لأنه أعمل فيه الأول مقدرا تنوينه كأنه قال : أو باعث عبد رب ولو جره على ما قبله كان عربيا جيدا إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير.

__________________

(١) يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة : الجرّ مراعاة للّفظ ، والنصب مراعاة للمحل ، أو بإضمار وصف منوّن ، أو فعل نحو" العاقل مبتغي دين ودنيا" أي ومبتغ دنيا ، أو يبتغي دنيا ، ومنه قوله :

هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق

(دينار وعون بن مخراق كلها أعلام والمعنى : هل أنت باعث لحاجتنا دينارا أو عبد رب الذي هو أخو عون بن مخراق).

نصب عبد عطفا على محل دينار ، ولو جر" عبد رب" لجاز ، بل هو الأرجح ، فإن كان الوصف غير عامل تعيّن إضمار فعل للمنصوب نحو قوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) (الآية : ١ سورة فاطر)

(إنما لم يعمل" جاعل" في الآية وهو اسم فاعل ؛ لأنه بمعنى الماضي و" رسلا" مفعول لجمل مقدرة). انظر معجم القواعد العربية ٢ / ٤٣.

١٢٤

تقول : هذا معطي زيد الدراهم وعمرا الدنانير ولو قلت : هذا معطي زيد اليوم الدراهم وغدا عمرا الدنانير لم يصلح فيه إلا النصب لأنك لم تعطف الاسم على ما قبله وإنما أوقعت الواو على (غد) ففصل الظرف بين الواو وعمرو.

فلم يقو الجر فإذا أعملته عمل الفعل جاز ؛ لأن الناصب ينصب ما تباعد منه والجار ليس كذلك وتقول : هذا ضاربك وزيدا غدا لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر المجرور حملته على الفعل كقوله تعالى : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) [العنكبوت : ٣٣] كأنه قال : منجون أهلك ولم تعطف على الكاف والمجرورة.

واعلم أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى فقلت : هذا ضارب زيد وعمرو ومعطى زيد الدراهم أمس وعمرو.

جاز لك أن تنصب (عمرا) على المعنى لبعده من الجار فكأنك قلت : وأعطى عمرا فمن ذلك قوله سبحانه : (وجاعل (اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) وتقول : مررت برجل قائم أبوه فترفع الأب وتجري (قائما) على رجل ؛ لأنه نكرة وصفته بنكرة فصار كقولك مررت برجل يقوم أبوه.

فإذا كانت الصفة لشيء من سببه فهي بمزلتها إذا خلصت لرجل.

وتقول : زيدا عمرو ضارب كما تقول : زيدا عمرو يضرب.

فإذا قلت : عبد الله جاريتك أبوها ضارب فبين النحويين فيه خلاف فبعض يكره النصب لتباعد ما بين الكلام وبعض يجيزه.

وأبو العباس يجيز ذلك ويقول : إنّ (ضاربا) يجري مجرى الفعل في جميع أحواله في العلم في التقديم والتأخير.

وإنما يكره الفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه نحو قولك : كانت زيدا الحمى تأخذ.

١٢٥

وتقول : هذا زيد ضارب أخيك إذا أردت المضي لأنك وصفت معرفة بمعرفة وتقول هذا زيد ضاربا أخاك غدا فتنصب (ضاربا) ؛ لأنه نكرة وصفت بها معرفة.

وإذا كان الاسم الذي توقع عليه (ضاربا) وما أشبهه مضمرا أسقطت النون والتنوين منه فعل أو لم يفعل ؛ لأن المضمر وما قبله كالشيء الواحد فكرهوا زيادة التنوين مع هذا الزيادة نحو قولك : هذا ضاربي وضاربك وهذان ضارباك غدا ولو كان اسما ظاهرا لقلت : ضاربان زيدا غدا ولكنك لما جئت بالمضمر أسقطت النون وأضفته وتقول : هذا الضارب زيدا أمس ، وهذا الشاتم عمرا أمس لا يكون فيه غير ذلك ؛ لأن الألف واللام بمنزلة التنوين في معنى الإضافة وأنت إذا نونت شيئا من هذا نصبت ما بعده.

وتقول : هؤلاء الضاربون زيدا وهذان الضاربان زيدا ، وإن شئت : ألقيت هذه النون وأضفت ؛ لأن النون لا تعاقب الألف واللام كما تعاقب الإضافة ألا ترى أنك تقول : هذان الضاربان وهؤلاء الضاربون فلا تسقط النون والتنوين ليس كذلك لا تقول : هذا الضارب بالتنوين فاعلم ولذلك جازت الإضافة فيما تدخله النون مع الألف واللام نحو قولك : هما الضاربا زيد ؛ لأن النون تعاقب الإضافة فكما تثبت النون مع الألف واللام كذلك تثبت الإضافة مع الألف واللام ولا يجوز : هذا الضارب زيد أمس ، فإن أضفته إلى ما فيه ألف ولام جاز كقولك : هو الضارب الرجل أمس تشبيها بالحسن الوجه فكل اسم فاعل كان في الحال أو لم يكن فعل بعد فهو نكرة نونت أو لم تنون ، وإن كان قد فعل فأضفته إلى معرفة ، وإن أضفته إلى نكرة فهو نكرة.

١٢٦

شرح الثاني وهو : الصفة المشبهة باسم الفاعل

الصفات المشبهات بأسماء الفاعلين (١) : هي أسماء ينعب بها كما ينعت بأسماء الفاعلين وتذكر وتؤنث ويدخلها الالف واللام وتجمع بالواو والنون كاسم الفاعل وأفعل التفضيل كما يجمع الضمير في الفعل فإذا اجتمع في النعت هذه الأشياء التي ذكرت أو بعضها شبهوها بأسماء الفاعلين ، وذلك نحو : حسن وشديد وما أشبه تقول : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه لأنك تقول : حسن وجهه وشديد وشديدة فتذكر وتؤنث وتقول : الحسن والشديد فتدخل الألف واللام وتقول حسنون كما تقول : ضارب مضاربة وضاربون والضارب والضاربة فحسن يشبه بضارب وضارب يشبه بيضرب وضاربان مثل : يضربان وضاربون مثل يضربون ولا يجوز : مررت برجل خير منه أبوه على النعت ولكن ترفعه على الابتداء والخبر ، وذلك لبعده من شبه الفعل والفاعل من أجل أن (خير منه) لا يؤنث ولا يذكر ولا تدخله الألف واللام ولا يثنى ولا يجمع فبعد من شبه الفاعل فكل (أفعل منك) بمنزلة : (خير منك) (وشر منك) وما لم يشبه اسم الفاعل فلا يجوز أن ترفع به إسما ظاهرا البتة ، وأما الصفات كلها فهي ترفع المضمر وما كان بمنزلة المضمر ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل أفضل منك ففي (أفضل) ضمير الرجل ولو لا ذلك لم يكن صفة له.

ولكن لا يجوز أن تقول : مررت برجل أفضل منك أبوه لبعده من شبه اسم الفاعل والفعل ولكن لو قلت : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه وبرجل قاعد عمرو إليه لكان جائزا وكذلك : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه.

__________________

(١) علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها نحو حسن الوجه ومنطلق اللسان وطاهر القلب والأصل حسن وجهه ومنطلق لسانه وطاهر قلبه فوجهه مرفوع بحسن على الفاعلية ولسانه مرفوع بمنطلق وقلبه مرفوع بطاهر وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات فلا تقول زيد ضارب الأب عمرا تريد ضارب أبوه عمرا ولا زيد قائم الأب غدا تريد زيد قائم أبوه غدا وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه فتقول زيد مضروب الأب وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة. انظر شرح ابن عقيل ٣ / ١٤٠.

١٢٧

واعلم أن سائر الصفات مما ليس بإسم فاعل ولا يشبهه فهي ترفع الفاعل إذا كان مضمرا فيها وكان ضمير الأول الموصوف وترفع الظاهر أيضا إذا كان في المعنى هو الأول.

أما المضمر فقد بينته لك وهو نحو : مررت برجل خير منك وشر منك ففي (خير منك) ضمير رجل وهو رفع بأنه فاعل.

وأما الظاهر الذي هو في المعنى الأول فنحو قولك : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ؛ لأن المعنى في الحسن لزيد فصار بمنزلة الضمير إذ كان الوصف في الحقيقة له ومثل ذلك : ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة.

واعلم أن قولك : زيد حسن وكريم من حسن يحسن وكرم يكرم كما أنك إذا قلت : زيد ضارب وقاتل وقائم فهو من : ضرب وقتل وقام إلا أن هذه أسماء متعدية تنصب حقيقة.

أما إذا قلت : زيد حسن الوجه وكريم الحسب فأنت ليس تخبر أن زيدا فعل بالوجه ولا بالحسب شيئا والحسب والوجه فاعلان كما ينصب الفعل وحسن وشديد وكريم وشريف أسماء غير متعدية على الحقيقة وإنما تعديها على التشبيه ألا ترى أنك إذا قلت : زيد ضارب عمرا فالمعنى : أن الضرب قد وصل منه إلى عمرو ، وإذا قلت : زيد حسن الوجه أو كريم الأب فأنت تعلم أن زيدا لم يفعل بالوجه شيئا ولا بالأب والأب والوجه فاعلان في الحقيقة وأصل الكلام زيد حسن وجهه وكريم أبوه حسبه ؛ لأن الوجه هو الذي حسن والأب هو الذي كرم.

١٢٨

مسائل من هذا الباب

تقول : زيد كريم الحسب لأنك أضمرت اسم الفاعل في (كريم) فنصبت ما بعده على التشبيه بالمفعول والدليل على أن الضمير واقع في الأول قولك : هند كريمة الحسب ولو كان على الآخر لقلت : كريم حسبها كما تقول : قائم أبوها وإنما جاز هذا التشبيه ، وإن كان الحسب غير مفعول على الحقيقة بل هو في المعنى فاعل ؛ لأن المعنى مفهوم غير ملبس ومن قال : زيد ضارب الرجل وهو يريد التنوين إلا أنه حذفه قال : زيد حسن الوجه إلا أن الإضافة في الحسن الوجه والكريم الحسب وجميع بابهما هو الذي يختار ؛ لأن الأسماء على حدها من الإضافة إلا أن يحدث معنى المضارعة ، وإذا قلت : زيد حسن وجهه وكريم أبوه وفاره عبده فهذا هو الأصل وبعده في الحسن : زيد حسن الوجه وكريم الحسب ويجوز : زيد كريم الحسب وحسن الوجه ويجوز : زيد حسن وجها وكريم حسبا ويجوز : زيد كريم حسب وحسن وجه والأصل ما بدأنا به.

واعلم أنك إذا قلت : حسن الوجه فأضفت (حسنا) إلى الألف واللام فهو غير معرفة ، وإن كان مضافا إلى ما فيه الألف واللام من أجل أن المعنى حسن وجهه فهو نكرة فكما أن الذي هو في معناه نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه فقلت : الحسن الوجه ولا يجوز الغلام الرجل وجاز الحسن الوجه وقولك : مررت برجل حسن الوجه يدلك على أن حسن الوجه نكرة لأنك وصفت به نكرة واعلم أن (حسنا) وما (أشبهه) إذا أعلمته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى ولا لما يأتي فلا تريد به إلا الحال ؛ لأنه صفة وحق الصفة صحبة الموصوف ومن قال : هذا حسن وجه وكريم حسب حجته أن الأول لا يكون معرفة بالثاني أبدا فلما كان يعلم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه ولم تكن الألف واللام بمعرفتين للأول كان طرحهما أخف.

ومن كلام العرب : هو حديث عهد بالوجه. قال الراجز :

لا حق بطن بقرا سمين

١٢٩

ومن قال هذا القول قال : الحسن وجها ؛ لأن الألف واللام يمنعان الإضافة (١) فلا يجوز أن تقول : هذا الحسن وجه من أجل أن هذه إضافة حقيقة على بابها لم تخرج فيه معرفة إلى نكرة ولا نكرة إلى معرفة فالألف واللام لا يجوز أن يدخلا على مضاف إلى نكرة ولو قلت ذلك لكنت قد ناقضت ما وضع عليه الكلام ؛ لأن الذي أضيف إلى نكرة يكون به نكرة وما دخلت عليه الألف واللام يصير بهما معرفة فيصير معرفة نكرة في حال ، وذلك محال.

وإنما جاز : الحسن الوجه (وما أشبهه) وإدخال الألف واللام على حسن الوجه ؛ لأن (حسنا) في المعنى منفصل فإضافته غير حقيقية والتأويل فيه التنوين فكأنك قلت : حسن وجهه فلذلك جاز فإذا قلت : حسن وجه ثم أدخلت الألف واللام قلت : الحسن وجها فتنصب الوجه الى التمييز أو الشبه بالمفعول به لّما امتنعت الإضافة كما تقول : ضارب رجل ثم تقول : الضارب رجلا وتقول هو الكريم حسبا والفاره عبدا ويجوز : الحسن الوجه ؛ لأنه مشبه بالضارب الرجل ؛ لأن الضارب بمعنى الذي ضرب والفعل واصل منه إلى الرجل على الحقيقة وقد قالوا : الضارب الرجل فشبهوه بالحسن الوجه كما شبهوا الحسن الوجه به في النصب وعلى هذا أنشد :

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّي خلفها أطفالها

والوجه : النصب في هذا وتقول هو الحسن وجه العبد كما تقول هو الحسن العبد ؛ لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام وتقول : على التشبيه بهذا (الضارب أخي الرجل) كما تقول : الضارب الرجل وتقول : مررت بالحسن الوجه الجميلة ومررت بالحسن العبد النبيلة فأما قولهم : الواهب المائة الهجان وعبدها فإنما أردوا : عبد المائة كما تقول : كل شاة وسخلها بدرهم ورب رجل وأخيه لما كان المضمر هو الظاهر جرى مجراه.

وقال أبو العباس رحمه الله في إنشادهم :

__________________

(١) يجب أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة نحو الحسن وجها وحسن وجها. انظر شرح ابن عقيل ٣ / ١٤٥.

١٣٠

أنا ابن التّارك البكريّ بشر

عليه الطّير ترقبه عكوفا (١)

أنه لا يجوز عنده في (بشر) إلا النصب لأنهم إنما يخفضونه على البدل وإنما البدل أن توقع الثاني موقع الأول وأنت إذا وضعت (بشرا) في موضع الأول لم يكن إلا نصبا فأما نظير هذا قولك : يا زيد أخانا على البدل.

وقال النحويون : (بشر).

واعلم أن كل ما يجمع بغير الواو والنون نحو : حسن وحسان ، فإن الأجود فيه أن تقول : مررت برجل حسان قومه من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجمع ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد لا كإعراب التثنية والجمع السالم الذي على حد التثنية.

فأما ما كان يجمع مسلما بالواو والنون نحو : (منطلقين) ، فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم فتقول : مررت برجل منطلق قومه وأسماء الفاعلين وما يشبهها إذا ثنيتها أو جمعتها الجمع الذي على حد التثنية بالواو والياء والنون لم تثن وتجمع إلا وفيها ضمير الفاعلين مستترا تقول : الزيدان قائمان فالألف والنون إنما جيء بهما للتثنية وتقول : الزيدون قائمون فالواو والنون إنما جيء بهما للجمع وليست بأسماء الفاعلين التي هي كناية كما هي في (يفعلان ويفعلون) ؛ لأن الألف في (يفعلان) والواو في (يفعلون) ضمير الفاعلين.

فإن قلت : الزيدان قائم أبواهما لم يجز أن تثني (قائما) ؛ لأنه في موضع (يقوم أبواهما) إلا في قول من قال : أكلوني البراغيث فإنه يجوز على قياسه مررت برجل قائمين أبوه. فاعلم.

__________________

(١) قد يضاف اسم الفاعل مع وجود أل الموصولة ، وقد قال قوم ترضى عربيّتهم : " هذا الضارب الرجل". شبّهوه بالحسن الوجه ، وإن كان ليس مثله في المعنى. قال المرّار الأسدي :

أنا ابن التّارك البكريّ بشر

عليه الطّير ترقبه وقوعا

فالبكريّ : مفعول للتّارك ، فأضيف إليه تخفيفا ، ومن ذلك إنشاد بعض العرب قول الأعشى :

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّي بينها أطفالها

انظر معجم القواعد العربية ٢ / ٤١.

١٣١

شرح الثالث : وهو المصدر

اعلم أن المصدر يعمل عمل الفعل ؛ لأن الفعل اشتق منه وبني مثله للأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل نقول من ذلك : عجبت من ضرب زيد عمرا إذا كان زيد فاعلا ، وعجبت من ضرب زيد عمرو إذا كان زيد مفعولا ، وإن شئت نونت المصدر وأعربت ما بعده بما يجب له لبطلان الإضافة فاعلا كان أو مفعولا فقلت : عجبت من ضرب زيد بكرا ومن ضرب زيدا بكر وتدخل الألف واللام على هذا فتقول عجبت من الضرب زيدا بكرا ولا يجوز أن تخفض (زيدا) من أجل الألف واللام لأنهما لا يجتمعان والإضافة كالنون والتنوين.

وقال قوم : إذا قلت : أردت الضرب زيدا إنما نصبته بإضمار فعل ؛ لأن الضرب لا ينصب وهو عندي قول حسن.

واعلم أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر ؛ لأنه في صلته وكذلك إن وكد ما في الصلة أو وصف لو قلت : دارك أعجب زيدا دخول عمرو فتنصب الدار بالدخول كان خطأ.

وقال قوم إذا قلت : أعجبني ضرب زيدا فليس من كلام العرب أن ينونوا ، وإذا نونت عملت بالفاعل والمفعول ما كنت تعمل قبل التنوين قالوا : فإن أشرت إلى الفاعل نصبت فقلت : أعجبني ضرب زيدا ، وإن شئت رفعت وأردت : أعجبني أن ضرب زيد.

١٣٢

مسائل من هذا الباب

تقول : أعجب ركوبك الدابة زيدا فالكاف في قولك : (ركوبك) مخفوضة بالإضافة وموضعها رفع والتقدير : أعجب زيدا أن ركبت الدابة فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلا كان أو مفعولا ويجري ما بعده على الأصل وإضافته إلى الفاعل أحسن ؛ لأنه له : كقول الله تعالى :(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)(١) [البقرة : ٢٥١] وإضافته إلى المفعول حسنة ؛ لأنه به اتصل وفيه حل وتقول : أعجبني بناء هذه الدار وترى المجلود فتقول : ما أشد جلده وما أحسن خياطة هذا الثوب فعلى هذا تقول أعجب ركوب الدابة عمرو زيدا إن أردت : أعجب أن ركب الدابة عمرو زيدا فالدابة وعمرو وركب في صلة (أن) وزيد منتصب (بأعجب) وبين خارج من الصلة فقدمه إن شئت قبل أعجب ، وإن شئت جعلته بين (أعجب) ، بين الركوب وكذلك : عجبت من دق الثوب القصار ومن أكل الخبز زيد ومن أشباع الخبز زيدا ، فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفا ولاما امتنعت الإضافة فجرى كل شيء على أصله فقلت : أعجب ركوب زيد الدابة عمرا ، فإن شئت قلت : أعجب ركوب الدابة زيد عمرا ولا يجوز أن تقدم الدابة ولا زيدا قبل الركوب لأنهما من صلته فقد صارا منه كالياء والدال من (زيد) وتقول : ما أعجب شيء شيئا إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو ونصبت (إعجابا) ؛ لأنه مصدر وتقديره : ما أعجب شيء شيئا إعجابا مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك : (أعجب) ؛ لأن معناه : كما أعجب زيدا أن ركب الفرس عمرو وتقول : أعجب الأكل الخبز زيد عمرا كما وصفت لك وعلى هذا قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) [البلد : ١٤ ـ ١٥]

__________________

(١) الأصل في الفاعل الرفع ، وقد يجرّ لفظا بإضافة المصدر نحو :(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) (الآية : ٢٥١ سورة البقرة) أو بإضافة اسم المصدر نحو قول عائشة (رض) " من قبلة الرّجل ـ امرأته الوضوء" (القبلة : مصدر قبل و" الرجل" فاعله وهو مجرور لفظا بالإضافة و "امرأته" مفعول به "الوضوء" مبتدأ مؤخر وخبره "من قبلة الرجل").

ويجب حذف فعله إذا فسّر بعد الحروف المختصّة بالفعل نحو "إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ" (الآية : ١ سورة الانشقاق). انظر معجم القواعد العربية ٥ / ٢١.

١٣٣

فالتقدير : أو أن يطعم لقوله : وما أدراك فعلى هذا يجري ما ذكرت لك ولو قلت : عمرا أعجبني أن ضرب خالدا كان خطأ ؛ لأن عمرا من الصلة.

ومن قال : هذا الضارب الرجل لم يقل : عجبت من الضرب الرجل ؛ لأن الضرب ليس بنعت والضارب نعت كالحسن وهو اسم الفاعل من (ضرب) كما أن حسنا اسم الفاعل من (حسن) ويحسن وهما نعتان مأخوذان من الفعل للفاعل وتقول : أعجبني اليوم ضرب زيد عمرا (إن جعلت اليوم) نصبا بأعجبني فهو جيد ، وإن نصبته بالضرب كان خطأ ، وذلك ؛ لأن الضرب في معنى (أن ضرب) وزيد وعمرو من صلته فإذا كان المصدر في معنى (إن فعل) أو (أن يفعل) فلا يجوز أن ينصب ما قبله ولا يعمل إلا فيما كان من تمامه فيؤخر بعض الاسم ولا يقدم بعض الاسم على أوله ، فإن لم يكن في معنى (إن فعل) وصلتها أعملته عمل الفعل إذا كان نكرة مثله فقدمت فيه وأخرت ، وذلك قولك ضربا زيدا ، وإن شئت : زيدا ضربا ؛ لأنه ليس فيه معنى (أن) إنما هو أمر وقولك ضربا زيدا ينتصب بالأمر كأنك قلت : اضرب زيدا إلا أنه صار بدلا من الفعل لما حذفته وحكى قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصادر فقالوا : عجبت من طعامك طعاما يريدون : من إطعامك وعجبت من دهنك لحيتك يريدون : من دهنك قال الشاعر :

أظليم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحية ظلم (١)

أراد : إن إصابتكم.

ومنه قوله :

وبعد عطائك المئة الرّتاعا ... (٢)

__________________

(١) الهمزة للنداء وظلوم اسم امرأة منادى ومصابكم اسم ان وهو مصدر بمعنى اصابتكم ويسمى اسم مصدر مجازا ورجلا مفعول بالمصدر وأهدى السّلام جملة في موضع نصب على أنها صفة لرجلا وتحية مصدر لأهدى السّلام من باب قعدت جلوسا وظلم خير انّ ولهذا البيت حكاية شهيرة عند أهل الأدب. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٥٢٧.

(٢) من إعمال اسم المصدر قوله :

١٣٤

أراد : بعد إعطائك وقال هؤلاء القوم : إذا جاءت الأسماء فيها المدح والذم وأصلها ما لم يسم فاعله رفعت مفعولها فقلت : عجبت من جنون بالعلم فيصير كالفاعل وإنما هو مفعول.

هذا مع المدح والذم ولا يقال ذلك في غير المدح والذم.

__________________

أكفرا بعد رد الموت عنى

وبعد عطائك المائة الرتاعا

ف (المائة) منصوب ب (عطائك) ومنه حديث الموطأ من قبلة الرجل امرأته الوضوء فـ (امرأته) منصوب ب (قبلة) وقوله :

إذا صح عون الخالق المرء لم يجد

عسيرا من الآمال إلا ميسرا

انظر شرح ابن عقيل ٣ / ٩٩.

١٣٥

شرح الرابع وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها :

موضع هذه الأسماء من الكلام في الأمر والنهي فما كان فيها في معنى ما لا يتعدى من الأفعال فهو غير متعد وما كان منها في معنى فعل متعد تعدى وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب : فمنها اسم مفرد واسم مضاف واسم استعمل مع حرف الجر.

فالضرب الأول : قولك : هلم زيدا وعندك زيدا. ورويد زيدا وحيّ هل الثريد وزعم أبو الخطاب : أن بعض العرب يقول : حي هل الصلاة.

ومن ذلك : تراكها ومناعها وهذه متعدية والمعنى : اتركها وامنعها ، وأما ما لا يتعدى فنحو : مه وصه وإيه.

والضرب الثاني : وهي الأسماء المضافة ومنها أيضا ما يتعدى وما لا يتعدى فأما المتعدي فنحو : دونك زيدا وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه بذلك وحذرك زيدا وحذارك زيدا ، وأما ما لا يتعدى فمكانك وبعدك وخلفك إذا أردت تأخر وحذرته شيئا خلفه وفرطك إذا حذرته من بين يديه شيئا وأمرته أن يتقدم وأمامك ووراءك.

والضرب الثالث : ما جاء مع أحرف الجر نحو : عليك زيدا (١) وإليك إذا قلت : تنح.

وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه : أنه سمع من يقال له إليك فيقول : (إليّ) في هذا الحرف وحده كأنه قال له : تنح فقال : أتنحى ولا يجوز مثل هذا في أخوات إليّ ؛ لأن هذا الباب إنما وضع في الأمر مع المخاطب وما أضيف فيه فإنما يضاف إلى كاف علامة المخاطب المتكلم ولا يجوز أن تقول : رويده زيدا ودونه عمرا تريد غير المخاطب.

__________________

(١) من أسماء الأفعال ما هو في أصله ظرف وما هو مجرور بحرف نحو عليك زيدا أي الزمه وإليك أي تنح ودونك زيدا أي خذه ، ومنها ما يستعمل مصدرا واسم فعل كرويد وبله ، فإن ابحر ما بعدهما فهما مصدران نحو رويد زيد أي إرواد زيد أي إمهاله وهو منصوب بفعل مضمر وبله زيد أي تركه ، وإن انتصب ما بعدهما فهما اسما فعل نحو رويدا زيدا أي أمهل زيدا وبله عمرا أي أتركه. انظر شرح ابن عقيل ٣ / ٣٠٣.

١٣٦

وحكي أن بعضهم قال : عليه رجلا ليسي أي : غيري وهذا قليل شاذ.

وجميع هذه الأسماء لا تصرف تصرف الفعل.

وحكي أن ناسا من العرب يقولون : هلمي وهلما وهلموا فهؤلاء جعلوه فعلا والهاء للتنبيه ولا يجوز أن تقدم مفعولات هذه الأسماء من أجل أن ما لا يتصرف لا يتصرف عمله فأما قول الله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] فليس هو على قوله : عليكم كتاب الله ولكنه مصدر محمول على ما قبله ؛ لأنه لما قال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] فأعلمهم : أن هذا مكتوب مفروض فكان بدلا من قول : كتاب الله ذلك فنصب (كتاب الله) وجعل عليكم تبينيا.

١٣٧

مسائل من هذا الباب

تقول : رويدكم أنتم وعبد الله ؛ لأن المضمر في النية مرفوع ورويدكم وعبد الله وهو قبيح إذا لم تؤكده ورويدكم أنتم أنفسكم ورويدكم أجمعون ورويدكم أنتم أجمعون كل حسن وكذلك رويد إذا لم يلحق فيه الكاف تجري هذا المجرى وكذلك الأسماء التي للفعل جمعا إلا أن هلم إذا لحقتها (لك) ، فإن شئت حملت أجمعين ونفسك على الكاف المجرورة فقلت هلم لكم أجمعين وأنفسكم ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الاسم ألا ترى أنه يجوز : هذا لك نفسك ولكم أجمعين ولا يجوز : لك وأخيك ، وإن شئت حملت المعطوف والتأكيد والصفة على المضمر المرفوع في النية فقلت : هلم لكم أجمعون كأنك قلت : تعالوا أجمعون وهلم لك أنت وأخوك كأنك قلت : تعالى أنت وأخوك ، فإن لم تلحق (لك) جرى مجرى رويد ورويد يتصرف على أربع جهات يكون أمرا بمعنى : أرود أي أمهل ويكون صفة نحو : ساروا سيرا رويدا أي سهلا وتكون حالا تقول : ساروا رويدا أي متمهلين وتكون مصدرا نحو : رويد نفسه وذكر سيبويه : أنه حدثه به من لا يتهم : أنه سمع العرب تقول : ضعه رويدا أي وضعا رويدا.

وتلحق (رويد) الكاف وهي في موضع (أفعل) تبينيا لا ضميرا فتقول : رويدك وريدكم وإنما تلحقها لتبين المخاطب المخصوص فقط غير ضمير ، وذلك إذ كانت تقع لكل مخاطب على لفظ واحد.

ولك أن لا تذكرها ومثلها في ذا : حيهل وحيهلك فالكاف للخطاب وليست بإسم ومثل هذا في كلامهم كثير.

قال سيبويه : وقد يجوز عليك أنفسكم وأجمعين وقال : إذا قلت : عليكم زيدا فقد أضمرت فاعلا في النية فإذا قلت : عليك أنت نفسك لم يكن إلا رفعا.

ولو قلت في : عليّ زيدا أنا نفسي لم يكن إلا جرا وإنما جاءت الياء والكاف لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة وكذلك : حذرك بمنزلة عليك والمصدر وغيره في هذا الباب سواء

١٣٨

ومن جعل : رويد مصدرا قال : رويدك نفسك إن حمله على الكاف ، وإن حمله على المضمر في النية رفع.

قال : وأما قول العرب رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرته به ، وأما حيهلك وهاءك وأخواتها فلا يكون الكاف فيها إلا للخطاب ولا موضع لها من الإعراب لأنهن لم يجعلن مصادر.

أما قولك : دونك زيدا ودونكم إذا أردت تأخر فنظيرها من الأفعال جئت يا فتى يجوز أن تخبر عن مجيئك لا غير وجائز أن تعديها فتقول : جئت زيدا وكذلك تقول : عليّ زيدا وعليّ به فإذا قلت : عليّ زيدا فمعناه أعطني زيدا ، وإذا قلت : عليك زيدا فمعناه : خذ زيدا ومعنى (حيهل) أقرب وجائز أن يقع في معنى قرب فأما قولك : أقرب فكقولك : حيهل الثريد أي : أقرب منه وآته وفتح حيهل كفتح خمسة عشر لأنهما شيئان جملا شيئا واحدا.

فأما قول الشاعر :

يوم كثير تناديه وحيّ هله ... (١)

فإنه جعله إسما فصار كحضر موت ولم يأمر أحدا بشيء.

وقد توصل ب (علي) كما وصلت ب (هل) هذه فمن ذلك : حيّ على الصلاة. إنما معناه : أقربوا من الصلاة وإيتوا الصلاة.

__________________

(١) حيّ ـ حيّهلا ـ حيّهل : كلّها أسماء أفعال للأمر بمعنى : هلمّ أو أقبل وعجّل كقول المؤذّن : " حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح" والمعنى : هلمّوا إليها وتعالوا مسرعين وفي حديث ابن مسعود : " إذا ذكر الصّالحون فحيّ هلا (تكتب الكلمتان مفصولتين ومجموعتين بكلمة واحدة) بعمر" أي ابدأ به وعجّل بذكره ، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة. ومثلها : " حيّهل" وأصلهما : حيّ بمعنى اعجل ، وهلا : حثّ واستعجال ، فصارا كلمة واحدة وعليه قول الشاعر :

وهيّج الحيّ من دار فظلّ لهم

يوم كثير تناديه وحيّهله

انظر معجم القواعد العربية ٧ / ٣٩.

١٣٩

وفي (حيهل) ثلاث لغات : فأجودهن أن تقول : جيّهل بعمر فإذا وقفت قلت : حيهلا الألف هاهنا لبيان الحركة كالهاء في قوله : كتابيه وحسابيه ؛ لأن الألف من مخرج الهاء ومثل ذلك قولك : أنا قلت ذاك فإذا وقفت قلت : أناه.

ويجوز : حيهلا بالتنوين تجعل نكرة ويجوز : حيهلا بعمر وهي أردأ اللغات.

قال أبو العباس : وأما (حي هلا) فليست بشيء.

(وهلم) إنما هي لمّ أي أقرب وها للتنبيه إلا أن الألف حذفت فيها لكثرة الاستعمال وأنهما جعلا شيئا واحدا فأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والإثنين والمرأة وللجماعة من الرجال والنساء : هلم على لفظ واحد كما يفعلون ذلك في الأشياء التي هي أسماء للفعل وليس بفعل قال الله عز وجل : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا)(١) [الأحزاب : ١٨] واستجازوا ذلك لإخراجهم إياها عن مجرى الأفعال حيث وصلوها بحرف التنبيه كما أخرجوا خمسة عشر من الإعراب.

فأما بنو تميم فيصرفونها فيقولون للاثنين : هلما وللأنثى هلمي كما تقول : رد وردا وردوا وارددن وردي.

__________________

(١) قال في التسهيل : ولا علامة للمضمر المرتفع بها يعني بأسماء الأفعال ، ثم قال وبروزه مع شبهها في عدم التصرف دليل على فعليته يعني كما في هات وتعال ، فإن بعض النحويين غلط فعدهما من أسماء الأفعال وليسا منها بل هما فعلان غير متصرفين لوجوب اتصال ضمير الرفع البارز بهما كقولك للأنثى هاتي وتعالي ، وللاثنين والاثنتين هاتيا وتعاليا ، وللجماعتين هاتوا وتعالوا وهاتين وتعالين ، وهكذا حكم هلمّ عند بني تميم فإنهم يقولون : هلم هلمي هلما هلموا هلممن ، فهي عندهم فعل لا اسم فعل ، ويدل على ذلك أنهم يؤكدونها بالنون نحو هلمن. قال سيبويه : وقد تدخل الخفيفة والثقيلة يعني على هلم ، قال لأنها عندهم بمنزلة رد وردا وردى وردوا وارددن ، وقد استعمل لها مضارعا من قيل له هلم فقال لا أهلم. ، وأما أهل الحجاز فيقولون هلم في الأحوال كلها كغيرها من أسماء الأفعال. وقال الله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) (الأنعام : ١٥٠) (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) (الأحزاب : ١٨) ، وهي عند الحجازيين بمعنى احضر وتأتي عندهم بمعنى أقبل (وأخّر ما لذي) الأسماء (فيه العمل) وجوبا فلا يجوز زيدا دراك خلافا للكسائي. انظر شرح الأشموني ١ / ٢٧٨.

١٤٠