شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

فرفع «زهرا» عطفا على الضمير المستكن فى «أقبلت» مع التمكن من جعله مفعولا معه.

وإذا كان المعطوف عليه ضمير جر لزم ـ ولأنها فى الأصل : عند غير يونس والأخفش وقطرب والكوفيين ووافقهم أبو على الشلوبين وهو اختيارى ـ إعادة الجار كقوله ـ تعالى ـ : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ) [فصلت : ١١] وقوله : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [المؤمنون : ١٢] وقوله : (يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام : ٦٤].

وللملتزمين إعادة الجار حجتان :

إحداهما : أن ضمير الجر شبيه بالتنوين ، ومعاقب له فلم يجز العطف عليه كما لم يجز العطف على التنوين.

الثانية : أن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصلحا لحلول كل واحد منهما محل الآخر ، وضمير الجر غير صالح لحلوله محل ما يعطف عليه ؛ فامتنع العطف إلا مع إعادة الجار.

وكلتا الحجتين ضعيفة.

أما الأولى : فيدل على ضعفها أن شبه ضمير الجر بالتنوين لو منع من العطف عليه لمنع من توكيده ، والإبدال منه ؛ لأن التنوين لا يؤكد ولا يبدل منه ، وضمير الجر يؤكد ويبدل منه بإجماع ؛ فللعطف أسوة بهما.

وأما الثانية : فيدل على ضعفها أنه لو كان حلول كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه ـ يعنى فى محل الآخر ـ شرطا فى صحة العطف لم يجز : «ربّ رجل وأخيه» ولا : [من الطويل]

أى فتى هيجاء أنت وجارها

 ... (١)

__________________

ـ نسبة فى الإنصاف ٢ / ٧٩ ، والخصائص ٢ / ٣٨٦ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠١ ، والكتاب ٢ / ٣٧٩.

(١) صدر بيت ، وعجزه :

 ...

إذا ما رجال بالرجال استقلت

ينظر : الكتاب (٢ / ٥٥).

٥٦١

ولا «كلّ شاة وسخلتها بدرهم» ، ولا : [من الكامل]

الواهب المائة الهجان وعبدها

 ... (١)

ولا : «لا رجل وامرأة فى الدّار».

وأمثال ذلك من المعطوفات الممتنع تقديمها ، وتأخير ما عطفت عليه كثيرة.

فكما لم يمتنع فيها العطف لا يمتنع فى نحو : «مررت بك وزيد».

وإذا بطل كون ما تعللوا به مانعا ، وجب الاعتراف بصحة الجواز.

ومن مؤيدات الجواز قوله ـ تعالى ـ : (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ٢١٧] بالعطف على الهاء لا بالعطف على «سبيل» لاستلزامه الفصل بأجنبى بين جزأى الصلة.

وتوقى هذا المحذور حمل أبا على الشلوبين على موافقة الكوفيين فى هذه المسألة. وقد غفل الزمخشرى وغيره عن هذا.

ومن مؤيدات الجواز ـ أيضا ـ قراءة حمزة (٢) : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ

__________________

(١) صدر بيت للأعشى وعجزه :

 ...

عوذا تزجى بينهما أطفالها

ينظر : ديوانه ص ٧٩ ، وأمالى المرتضى ٢ / ٣٠٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٥٦ ، ٢٦٠ ، ٥ / ١٣١ ، ٦ / ٤٩٨ ، والدرر ٥ / ١٣ ، والكتاب ١ / ١٨٣ ، والمقتضب ٤ / ١٦٣ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٣٩ ، وجمهرة اللغة ص ٩٢٠ ، والدرر ٦ / ١٥٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٢٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٧ ، والمقرب ١ / ١٢٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٨ ، ١٣٩.

(٢) قوله : «والأرحام» الجمهور على نصب ميم «والأرحام» ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه عطف على لفظ الجلالة ، أى : واتقوا الأرحام ، أى : لا تقطعوها. وقدّر بعضهم مضافا ، أى : قطع الأرحام ، ويقال : «إنّ هذا فى الحقيقة من عطف الخاص على العام ؛ وذلك أن معنى اتقوا الله : اتقوا مخالفته ، وقطع الأرحام مندرج فيها».

والثانى : أنه معطوف على محل المجرور فى «به» نحو : مررت بزيد وعمرا ، لمّا لم يشركه فى الإتباع على اللفظ تبعه على الموضع. ويؤيد هذا قراءة عبد الله : «وبالأرحام». وقال أبو البقاء : «تعظّمونه والأرحام ؛ لأنّ الحلف به تعظيم له».

وقرأ حمزة (وَالْأَرْحامَ) بالجر ، وفيها قولان :

أحدهما : أنه عطف على الضمير المجرور فى «به» من غير إعادة الجار ، وهذا لا يجيزه البصريون ، وقد تقدّم تحقيق القول فى هذه المسألة ، وأنّ فيها ثلاثة مذاهب ، واحتجاج كل فريق فى قوله تعالى : (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ).

وقد طعن جماعة على هذه القراءة كالزجاج وغيره ، حتى يحكى عن الفراء الذى مذهبه

٥٦٢

وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] ـ بخفض الأرحام ـ.

وهى ـ أيضا ـ قراءة ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ والحسن البصرى ومجاهد (١) ، وقتادة (٢) ، والنخعى (٣) ، والأعمش (٤) ، ويحيى بن وثاب (٥) ، وأبى رزين (٦).

__________________

جواز ذلك أنه قال : «حدّثنى شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم قال : «والأرحام».

بخفض الأرحام. هو كقولهم : و «أسألك بالله والرحم» قال : «وهذا قبيح» ؛ لأنّ العرب لا تردّ مخفوضا على مخفوض قد كنى عنه».

والثانى : أنه ليس معطوفا على الضمير المجرور بل الواو للقسم ، وهو خفض بحرف القسم مقسم به ، وجواب القسم : «إنّ الله كان عليكم رقيبا». وضعّف هذا بوجهين :

أحدهما : أن قراءتى النصب وإظهار حرف الجر فى «بالأرحام» يمنعان من ذلك ، والأصل توافق القراءات.

والثانى : أنه نهى أن يحلف بغير الله تعالى ، والأحاديث مصرحة بذلك.

وقدّر بعضهم مضافا فرارا من ذلك ، فقال : «تقديره : وربّ الأرحام» قال أبو البقاء :

وهذا قد أغنى عنه ما قبله» يعنى : الحلف بالله تعالى.

ولقائل أن يقول : «إنّ لله تعالى أن يقسم بما شاء كما أقسم بمخلوقاته كالشمس والنجم والليل ، وإن كنا نحن منهيين عن ذلك» ، إلا أنّ المقصود من حيث المعنى ليس على القسم ، فالأولى حمل هذه القراءة على العطف على الضمير ، ولا التفات إلى طعن من طعن فيها ، وحمزة بالرتبة السّنيّة المانعة له من نقل قراءة ضعيفة.

وقرأ عبد الله أيضا : «والأرحام» رفعا وهو على الابتداء ، والخبر محذوف ، فقدّره ابن عطية : «أهل أن توصل» ، وقدّره الزمخشرى : و «الأرحام ممّا يتقى ، أو : مما يتساءل به» ، وهذا أحسن ؛ للدلالة اللفظية والمعنوية ، بخلاف الأول ؛ فإنه للدلالة المعنوية فقط ، وقدّره أبو البقاء : «والأرحام محترمة» أى : واجب حرمتها.

ينظر : الدر المصون (٢ / ٢٩٦ ، ٢٩٧).

(١) هو مجاهد بن جبر ، أبو الحجاج المكى ، تابعى مفسر ، شيخ القراء والمفسرين ، أخذ التفسير عن ابن عباس ، قرأه عليه ثلاث مرات ، تنقل فى الأسفار ثم استقر بالكوفة ، وكان لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب إليها. يقال : إنه مات ساجدا سنة (١٠٤ ه‍). وله «تفسير مجاهد».

ينظر : الأعلام (٥ / ٢٧٨) ، غاية النهاية (٢ / ٤١) ، وسير أعلام النبلاء (٤ / ٤٤٩).

(٢) هو قتادة بن دعابة بن قتادة بن عزيز ، أبو الخطاب السدوسى البصرى ، مفسر ، حافظ ، قال الإمام أحمد بن حنبل : قتادة أحفظ أهل البصرة ، كان ضريرا أكمه ، وكان رأسا فى العربية وأيام العرب والنسب ، ومات بـ «واسط» فى الطاعون سنة ١١٨ ه‍.

ينظر : الأعلام (٥ / ١٨٩) ، تذكرة الحفاظ (١ / ١١٥).

(٣) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود ، أبو عمران النخعى ، من أكابر التابعين صلاحا وصدق رواية ، وحفظا للحديث ، من أهل الكوفة ، كان إماما مجتهدا له مذهب ، ولما بلغ الشعبى موته ، قال : والله ما ترك بعده مثله ، مات سنة ٩٦ ه‍.

ينظر : الأعلام (١ / ٨٠) ، وحلية الأولياء (٤ / ٢١٩) ، طبقات ابن سعد (٦ / ١٨٨).

(٤) هو سليمان بن مهران الأسدى بالولاء ، أبو محمد الأعمش ، كان عالما بالقرآن والحديث ـ

٥٦٣

ومثل هذه القراءة قول بعض العرب : «ما فيها غيره وفرسه» ـ رواه قطرب بجر «فرسه» ـ.

ومثله ما أنشده سيبويه (١) من قول الشاعر : [من البسيط]

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٢)

وأنشد ـ أيضا ـ : [من الرجز]

آبك أيّه بى أو مصدّر

من حمر الجلّة جأب (٣) حشور (٤)

وأنشد الفراء : [من الطويل]

نعلّق فى مثل السّوارى سيوفنا

وما بينها والكعب غوط (٥) نفانف (٦)

__________________

ـ والفرائض ، وكان رأسا فى العلم النافع والعمل الصالح ، وكان مع شدة حاجته وفقره لا يهاب أحدا ولا يخاف من أحد. مات سنة ١٤٨ ه‍.

ينظر : الأعلام (٣ / ١٣٥) ، الوفيات (١ / ٢١٣) ، سير أعلام النبلاء (٦ / ٢٢٦).

هو يحيى بن وثاب الأسدى بالولاء ، الكوفى ، إمام أهل الكوفة فى القرآن ، تابعى ثقة ، قليل الحديث ، من أكابر القراء ، مات سنة (١٠٣ ه‍).

ينظر : الأعلام (٨ / ١٧٦) ، غاية النهاية (٢ / ٣٨٠) ، سير أعلام النبلاء (٤ / ٣٧٩).

هو مسعود بن مالك ، أبو رزين الأسدى ، الكوفى ، ثقة ، فاضل ، أخذ عن عبد الله بن عباس ، وابن مسعود ، وعلى بن أبى طالب ، وغيرهم ، وروى عنه الأعمش وعاصم بن أبى النجود ، وغيرهما. مات سنة ٨٥ ه‍.

ينظر : تهذيب الكمال ت (٦٥٠٤) ، تقريب التهذيب ت (٦٦٥٦) ، غاية النهاية (٢ / ٢٩٦).

(١) ينظر : الكتاب (٢ / ٣١).

(٢) البيت بلا نسبة فى الإنصاف ص ٤٦٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٢٣ ـ ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٠ ، والدرر ٢ / ٨١ ، ٦ / ١٥١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٢ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٨ ، ٧٩ ، والكتاب ٢ / ٣٩٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٩.

(٣) الجأب : الغليظ ينظر : القاموس (جأب).

(٤) الحشور من الرجال : العظيم الخلق أو البطن. ينظر : مقاييس اللغة (حشر).

والرجز بلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص ٦٤٤ ، والكتاب ٢ / ٣٨٢ ، ولسان العرب (أوب) ، والمعانى الكبير ص ٨٣٢.

(٥) الغوط : الأرض المنخفضة. ينظر : الوسيط (غوط).

(٦) والنفنف : ما بين أعلى الحائط إلى أسفل. ينظر : اللسان (نفنف).

والبيت لمسكين الدارمىّ فى ديوانه ص ٥٣ ، (وفيه «تنائف» مكان «نفائف») ، والحيوان ٦ / ٤٩٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٤ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٤٦٥ ، وشرح الأشمونى

٥٦٤

وأنشد الفراء (١) ـ أيضا ـ : [من الكامل]

هلّا سألت بذى الجماجم عنهم

وأبى نعيم ذى اللّواء المحرق (٢)

وأجاز الفراء أن يكون من هذا قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) [الحجر : ٢٠] ثم قال : «وما أقل ما ترد العرب حرفا مخفوضا على مخفوض قد كنى عنه».

وقال العباس بن مرداس : [من الوافر]

أكرّ على الكتيبة لا أبالى

أحتفى كان فيها أم سواها (٣)

وقال آخر : [من الطويل]

إذا أوقدوا نارا لحرب عدوّهم

فقد خاب من يصلى بها وسعيرها (٤)

وقال آخر : [من الطويل]

بنا أبدا لا غيرنا تدرك المنى

وتكشف غمّاء الخطوب الفوادح (٥)

وقال آخر : [من البسيط]

لو كان لى وزهير ثالث وردت

من الحمام عدانا شرّ مورود (٦)

وأجاز الأخفش جر «الضّحّاك» من قول الشاعر : [من الطويل]

 ...

فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد (٧)

ولأجل القراءة المذكورة ، والشواهد لم أمنع العطف على ضمير الجر ، بل نبهت على أن عود حرف الجر مع المعطوف مفضل على عدم عوده.

__________________

٢ / ٤٣٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٣ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٩ ، ولسان العرب (غوط) ، وتاج العروس (غوط).

(١) ينظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٨٦).

(٢) البيت بلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٤٦٦ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٢٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٢.

(٣) البيت فى خزانة الأدب ٢ / ٤٣٨ ، شرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٥٨ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٢٩٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣٨.

(٤) البيت بلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص ٦٦٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٦.

(٥) البيت بلا نسبة فى المقاصد النحوية ٤ / ١٦٦.

(٦) البيت بلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص ٦٦٤.

(٧) عجز بيت وصدره :

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا

 ...

وهو لجرير فى ذيل الامالى ص ١٤٠ ؛ وليس فى ديوانه ؛ وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٧ / ٥٨١ ، وسمط اللآلى ص ٨٩٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ٤٢٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٧٤.

٥٦٥

وكذا حكم المعطوف على ظاهر مجرور بعيد. والنصب فيهما عند عدم العود ، وعدم رفع المحل أجود من الجر ، ولذلك قرأ الأكثرون بنصب : «والأرحام» ، وأجمع على نصب : (مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) [العنكبوت : ٣٣] ، وعلى نصب : ورسلا قد قصصنهم [النساء : ١٦٤] مع أن من جهة المعنى معطوف على الموحى إليهم ، إلا أنه بعد إذ فصل بـ (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [النساء : ١٦٣] ؛ فنصب حملا على المعنى.

ولو جر لجاز ، كما جر : (وَقَوْمَ نُوحٍ) فى «الذّاريات» [٤٦] أبو عمرو وحمزة والكسائى ، مع أن بعده من المعطوف عليه أشد ، ومع ذلك فالنصب فيه وفى «الأرحام» أحق.

وقرأ أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد : «والأرحام» بالرفع على الابتداء (١) ، أى : والأرحام مما يجب أن تتقوه وتحتاطوا لأنفسكم فيه.

وعلى هذه القراءة وشببها نبهت بقولى :

 ...

وقد يرى للرّفع عند ذاك حق

وأشرت بقولى :

وإن يك المجرور مرفوع المحلّ

فالنّصب فى حكم النّحاة لن يحلّ

إلى نحو قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) [الأنعام : ٥٩] ، وقرئ بالرفع عطفا على موضع «من ورقة» (٢).

ثم بينت أنه لا حجر فى العطف على ضمير النصب المتصل ، أى : لا يشترط فى العطف عليه ما اشترط فى ضميرى الرفع والجر.

ثم بينت أن الأخفش يرى زيادة الواو والفاء و «ثمّ».

قال ابن برهان : «واعلم أن الفاء تكون زائدة عند أصحابنا جميعا نحو قوله :

[من الكامل]

لا تجزعى إن منفسا أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى (٣)

__________________

(١) قال أبو الفتح : ينبغى أن يكون رفعه على الابتداء وخبره محذوف ، أى : والأرحام مما يجب أن تتقوه ، وأن تحتاطوا لأنفسكم فيه ، وحسن رفعه ؛ لأنه أوكد فى معناه. ينظر : المحتسب (١ / ١٧٩).

(٢) قرأها ابن أبى إسحاق وابن السميفع. ينظر : الدر (٣ / ٧٩).

(٣) البيت للنمر بن تولب فى ديوانه ص ٧٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٩ ، وخزانة الأدب

٥٦٦

وكذا قال أبو عثمان ، وأبو الحسن فى قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : ٨].

ومن زيادة الفاء قول الشاعر : [من الطويل]

يموت أناس أو يشبّ فتاهم

ويحدث ناس والصّغير فيكبر (١)

ومنه قول الآخر : [من الطويل]

وحتّى تركن العائدات يعدننى

وقلن : فلا تبعد ، فقلت : ألا ابعد (٢)

قال أبو الحسن : «وقد زادوا «ثمّ» وأنشد : [من الطويل]

أرانى إذا ما بتّ بتّ على هوى

فثمّ إذا أصبحت أصبحت غاديا (٣)

وعليه تأول قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [التوبة : ١١٨].

وهذا قول الكوفيين ، وهم يرون زيادة الواو مع ذلك وينشدون : [من الكامل]

حتّى إذا قملت بطونكم

ورأيتم أبناءكم شبّوا

وقلبتم ظهر المجنّ لنا

إنّ اللّئيم الفاجر الخبّ (٤)

__________________

١ / ٣١٤ ، ٣٢١ ، ١١ / ٣٦ ، وسمط اللآلى ص ٤٦٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٠ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٧٢ ، ٢ / ٨٢٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٨ ، والكتاب ١ / ١٣٤ ، ولسان العرب (نفس) ، (خلل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٣٥ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٢٤٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٥١ ، والجنى الدانى ص ٧٢ ، وجواهر الأدب ص ٦٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٢ ، ٩ / ٤١ ، ٤٣ ، ٤٤ ، والرد على النحاة ص ١١٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٦٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٥ ، ولسان العرب (عمر) ، ومغنى اللبيب ١ / ١٦٦ ، ٤٠٣ ، والمقتضب ٢ / ٧٦.

(١) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٦٣ ، وتذكرة النحاة ص ٤٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٦١ ، ٤٩١ ، والدرر ٦ / ٨٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٥٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣١.

(٢) البيت لحاتم الطائى فى ديوانه ص ٢١٥ ، والأزهية ص ٢٤٧ ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ١ / ٢٦٩

ويروى البيت هكذا :

وحتى تركت العائدات يعدنه

يقلن : فلا تبعد وقلت له ابعد

(٣) البيت لزهير بن أبى سلمى فى الأشباه والنظائر ١ / ١١١ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٩٠ ، ٤٩٢ ، والدرر ٦ / ٨٩ ، ورصف المبانى ص ٢٧٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٨٢ ، ٢٨٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٥٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٩٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ١١٧ ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ١ / ٢٦٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤١٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٥٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣١.

(٤) البيتان للأسود بن يعفر فى ديوانه ص ١٩ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٢٣٦ ، والإنصاف ـ

٥٦٧

أراد : قلبتم ، فزاد الواو ، وأنشد أبو الحسن فى زيادة الواو : [من الكامل]

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن

إلّا كلمّة حالم بخيال (١)

ومثله قول أبى كبير : [من الكامل]

فإذا وذلك ليس إلّا حينه

وإذا مضى شيء كأن لم يفعل (٢)

وأشرت بقولى :

 ...

وحذف عاطف قد يلفى

إلى مواضع قصد فيها العطف مع حذف العاطف ؛ منها قول النبى ـ عليه‌السلام ـ : تصدّق رجل من ديناره ، من درهمه ، من صاع برّه ، من صاع تمره» (٣).

وحكى أبو عثمان عن أبى زيد أنه سمع : «أكلت خبزا لحما تمرا» (٤) أراد : ولحما وتمرا.

ومثله قول الشاعر : [من الخفيف]

كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ ممّا

يغرس الودّ فى فؤاد الكريم (٥)

أراد : قول : كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟. فحذف المضاف ، وحذف العاطف.

__________________

ـ ص ٤٥٨ ، وتذكرة النحاة ص ٤٥ ، والجنى الدانى ص ١٦٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٤ ، ٤٥ ، ورصف المبانى ص ٤٢٥ ، وسر صناعة الإعراب ص ٦٤٦ ، ٦٤٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٩ ، وشرح المفصل ٨ / ٩٤ ، ولسان العرب (قمل) ، (وا) ، ومجالس ثعلب ص ٤٧ ، والمعانى الكبير ص ٥٣٣ ، والمقتضب ٢ / ٨١.

(١) البيت لتميم بن مقبل فى ديوانه ص ٢٥٩ ، وخزانة الأدب ١١ / ٥٨ ، ٦٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٥٠ ، ولسان العرب (لمم) ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٤٥ ، والجنى الدانى ص ١٦٥ ، ولسان العرب (وا).

(٢) ينظر : شرح أشعار الهذليين ص ١٠٨٠ ، ولسان العرب (وا) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٧٥ ، والجنى الدانى ص ١٦٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٥٨ ، ٥٩ ، ولتأبط شرا فى الخصائص ٢ / ١٧١ ، وبلا نسبة فى ديوان الأدب ٣ / ٦٧ ، ومجالس ثعلب ص ١٢٦.

(٣) أخرجه أحمد (٤ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩) ، ومسلم (٢ / ٧٠٤) كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة (٦٩. ١٠١٧) ، والنسائى (٥ / ٥٧) كتاب الزكاة ، باب التحريض على الصدقة ، من حديث جرير بن عبد الله البجلى مطولا.

(٤) ينظر : الخصائص (٢ / ٢٨٢) ، وفيه «سمكا» بدلا من «خبزا».

(٥) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٨ / ١٣٤ ، والخصائص ١ / ٢٩٠ ، ٢ / ٢٨٠ ، والدرر ٦ / ١٥٥ ، وديوان المعانى ٢ / ٢٢٥ ، ورصف المبانى ص ٤١٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٠.

٥٦٨

وأشرت بقولى :

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو ...

إلى نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٥] ؛ فإن تقديره عند الأكثرين : فأفطر فعدة ، وهذا مثال حذف الفاء وما عطفت :

وأما مثال حذف الواو وما عطفت ، فقوله ـ تعالى ـ : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] أى : بين أحد وأحد من رسله.

ومنه قول النابغة الذبيانى : [من الطويل]

فما كان بين الخير لو جاء سالما

أبو حجر إلّا ليال قلائل (١)

أى : فما كان بين الخير ، وبينى إلا ليال قلائل.

ويمكن أن يكون من هذا قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] قيل معناه : تقيكم الحر ، والبرد.

ومنه قول امرئ القيس : [من الطويل]

كأنّ الحصى من خلفها وأمامها

إذا نجلته رجلها خذف أعسرا (٢)

أراد : إذا نجلته رجلها ويدها. ومنه قول الآخر يصف أتانا وحمارا يتبعها : [من الطويل]

تواهق رجلاها يداها ورأسه

لها قتب خلف الحقيبة رادف (٣)

أى : تواهق (٤) رجلاها يديها ، ويداها رجليها ، فحذف الواو والمفعولين.

ومنه قول الراجز يصف رجلا خشن القدم صبورا : [من الرجز]

__________________

(١) البيت فى ديوانه ص ١٢٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٧ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٩٦ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٠.

(٢) البيت فى ديوانه ص ٦٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٧ ، ولسان العرب (خذف) ، (نجل) ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٩.

(٣) البيت لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٧٣ ، والأشباه والنظائر ٦ / ٣٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٨٣ ، وسمط اللآلى ص ٧٠٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٧٣ ، والكتاب ١ / ٢٨٧ ، ولسان العرب (وهق) ، وبلا نسبة فى الخصائص ٢ / ٤٢٥ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٥.

(٤) المواهقة : من الإعناق فى السير. ينظر : مقاييس اللغة (وهق).

٥٦٩

قد سالم الحيّات منه القدما

الأفعوان والشّجاع الشّجعما (١)

وذات قرنين ضموزا (٢) ضرزما (٣)

أراد : قد سالم الحيات منه القدم ، والقدم الأفعوان.

ثم نبهت بقولى :

 ...

 ... وهى انفردت

بعطف عامل مزال قد بقى

معموله ...

على مثل قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] ؛ فإن «الإيمان» منصوب بفعل معطوف على «تبوّءوا» والتقدير ـ والله أعلم ـ تبوءوا الدار ، واعتقدوا الإيمان.

وكذا قول الشاعر : [من الطويل]

تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وعينيه إن مولاه ثاب له دثر

والتقدير : يجدع أنفه ويفقأ عينيه.

ومثله قول الآخر : [من الوافر]

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا (٤)

والتقدير : وكحلن العيون.

ومثله : [من الكامل]

فعلا فروع الأيهقان وأطفلت

بالجلهتين ظباؤها ونعامها (٥)

__________________

(١) الشجعم : الأسد والطويل وجسد الإنسان أو عنقه. ينظر : القاموس (شجعم).

(٢) ضمز الحيوان ضموزا : أمسك بجرّته فى فيه فلم يجتر من الفزع. ينظر : الوسيط (ضمز).

(٣) الضرزم : يقال : أفعى ضرزم : شديدة العض. ينظر : القاموس (ضرزم).

(٤) البيت للراعى النميرى فى ديوانه ص ٢٦٩ ، والدرر ٣ / ١٥٨ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٧٥ ، ولسان العرب (زجج) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ٢١٢ ، ٧ / ٢٣٣ ، والإنصاف ٢ / ٦١٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٤٧ ، وتذكرة النحاة ص ٦١٧ ، وحاشية يس ١ / ٣٤٢ ، والخصائص ٢ / ٤٣٢ ، والدرر ٦ / ٨٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٣١٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٥ ، وكتاب الصناعتين ص ١٨٢ ، ولسان العرب (رغب) ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٥٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٢ ، ٢ / ١٣٠.

(٥) البيت للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ٢٩٨ ، والإنصاف ٢ / ٦١١ ، ولسان العرب (أهق) ، (طفل) ، (جله) ، (غلا) ، وبلا نسبة فى الخصائص ٢ / ٤٣٢.

٥٧٠

أى : وباضت نعامها ؛ لأن النعام تبيض ولا تطفل.

ومثله : [من الطويل]

حديثا أضعناه كلانا فلن أرى

وأنت نجيّا آخر الدّهر أجمعا

فليس «أنت» معطوفا على مرفوع «أرى» ، بل هو مرفوع بفعل مضمر ؛ لأن ذا همزة المتكلم لا يعمل فى غير ضميره.

وقد يحذف المتبوع فى هذا الباب ، ويترك التابع دليلا عليه كقولك ـ لمن قال : أضربت زيدا؟ ـ : «نعم ، وعمرا» ، تريد : ضربت زيدا وعمرا ، وكقول بعض العرب : «وبك وأهلا وسهلا» لمن قال : مرحبا وأهلا بك» ، والتقدير : وبك مرحبا وأهلا ، فحذف «مرحبا» وعطف عليه «أهلا وسهلا».

ومن ذلك ـ والله أعلم ـ قوله ـ تعالى ـ : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) [آل عمران : ٩١] أى : لو ملكه ، ولو افتدى به.

ومثله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] أى : لترحم ولتصنع على عينى.

ومن حذف ما عطف عليه بالفاء قوله ـ تعالى ـ : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة : ٦٠] ، وقوله ـ تعالى ـ : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] ، أى : فضرب فانفجرت ، فضرب فانفلق.

وقال الزمخشرى فى قوله ـ تعالى ـ : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) [الجاثية : ٣١] : المعنى : ألم يأتكم ، فلم تكن آياتى تتلى عليكم. فحذف المعطوف عليه (١).

وإلى هذا وأمثاله أشرت بقولى :

وقد يسوغ حذف متبوع هنا

إن كان تحصيل المراد ممكنا

ثم بينت بقولى :

ومتبع بالواو قد يقدّم

 ...

أن المعطوف بالواو قد يقع قبل المعطوف عليه إن لم يخرجه التقديم إلى التصدر ، أو إلى مباشرة عامل لا يتصرف ، أو تقدم عليه.

__________________

(١) ينظر : الكشاف (٤ / ٢٩٢).

٥٧١

فلذا قلت :

 ...

موسّطا إن يلتزم ما يلزم

فلا يجوز : «وعمرو زيد قائمان» لتصدر المعطوف ، وفوات توسيطه. ولا «ما أحسن وعمرا زيدا» ، ولا «ما وعمرا أحسن زيدا»؟ لعدم تصرف العامل.

ومثال التقديم الجائز قول ذى الرمة : [من الطويل]

كأنّا على أولاد أحقب لاحها

ورمى السّفا (١) أنفاسها بسهام

جنوب ذوت (٢) عنها التّناهى وأنزلت

بها يوم ذبّاب السّبيب (٣) صيام (٤)

أراد : لاحها جنوب ، ورمى السفا.

ومثله قول الآخر : [من الطويل]

وأنت الغريم لا أظنّ قضاءه

ولا العنزى القارظ الدّهر جائيا (٥)

أراد : لا أظن قضاءه جائيا هو ولا العنزى.

ثم نبهت على عطف الفعل على الفعل بقولى :

وعطفوا فعلا على فعل كـ «من

يجمع ويمنع فهو غير مؤتمن»

ثم نبهت على أن الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر لا يكونان إلا متفقين فى الزمان ؛ فلا يعطف ماض على مستقبل ، ولا مستقبل على ماض.

فإن اختلفا فى اللفظ دون الزمان جاز كقوله ـ تعالى ـ : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) [هود : ٩٨] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [الفرقان : ١٠] ، وكقول الشاعر : [من الكامل]

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّنى

فمضيت ثمّت قلت لا يعنينى (٦)

__________________

(١) السفا : التراب. ينظر : مقاييس اللغة (سفا).

(٢) يقال : ذوى العود : أى ذبل. ينظر : المصباح المنير (ذوى).

(٣) السبيب : شعر الذنب والعرف والناصية. ينظر : القاموس (سبب).

(٤) ينظر : ديوانه ص ١٠٧١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٨٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٢ ، والكتاب ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، ولسان العرب (سهم) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٨٦٢.

(٥) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٢.

(٦) البيت لرجل من سلول فى الدرر ١ / ٧٨ ، وشرح التصريح ٢ / ١١١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣١٠ ، والكتاب ٣ / ٢٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨ ، ولشمر بن عمرو الحنفى فى

٥٧٢

ثم نبهت على أن الفعل قد يعطف على الاسم المشابه للفعل ، وأن الاسم المشابه للفعل قد يعطف على الفعل :

فمثال الأول : قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [الحديد : ١٨] ، وقوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك : ١٩] ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً. فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العاديات : ٣ ـ ٤].

ومثال الثانى : قوله ـ تعالى ـ : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) [الأنعام : ٩٥] ، وقول الراجز : [من الرجز]

يا ربّ بيضاء من العواهج (١)

أمّ صبى قد حبا أو دارج (٢)

وكذا قول الآخر : [من الرجز]

بات يعشّيها بعضب (٣) باتر

يقصد فى أسوقها وجائر (٤)

فعطف «دارجا» على «قد حبا». و «جائرا» على «يقصد» ؛ لأن «دارجا» بمعنى : درج و «جائرا» بمعنى : يجور.

__________________

الأصمعيات ص ١٢٦ ، ولعميرة بن جابر الحنفى فى حماسة البحترى ص ١٧١ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٢٦٣ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٩٠ ، والأضداد ص ١٣٢ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٦٣١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٠٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٠٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣ / ٢٠١ ، ٤ / ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٥ / ٢٣ ، ٥٠٣ ، ٧ / ١٩٧ ، ٩ / ١١٩ ، ٣٨٣ ، والخصائص ٢ / ٣٣٨ ، ٣ / ٣٣٠ ، والدرر ٦ / ١٥٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٤١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٧٥ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ٢١٩ ، ولسان العرب (ثم) ، (منن) ، ومغنى اللبيب ١ / ١٠٢ ، ٢ / ٤٢٩ ، ٦٤٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٩ ، ٢ / ١٤٠.

(١) العوهج : الطويل العنق من الظلمان والنوق والظباء. ينظر : القاموس (عوهج).

(٢) الرجز لجندب بن عمرو فى خزانة الأدب ٤ / ٢٣٨ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٩٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٤١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٣ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥٢ ، ولسان العرب (عهج) ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٧٤.

(٣) العضب : السيف. ينظر : مختار الصحاح (عضب).

(٤) الرجز بلا نسبة فى خزانة الأدب ٥ / ١٤٠ ، ١٤٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٦ ، ولسان العرب (كهل) ، و (عشا) ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٧٤.

٥٧٣

باب البدل

(ص)

التّابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمّى بدلا

مطابقا ، أو بعضا ، او ما يشتمل

عليه يلفى أو كمعطوف بـ (بل)

وذا اعز للإضراب إن قصدا صحب

وغيره لغلط قدما نسب

ك (هجرة إساءة حقّ المسى)

و (هو من الذّمّ معرّى مكتسى)

وذو اشتمال شرطه إمكان أن

يبين فى حذف ، وحذفه حسن

وكون ذى اشتمال او بعض صحب

بمضمر أولى ، ولكن لا يجب

كلّ لمتبوع فى الاظهار وفى

تعريف او نقيض ذين يقتفى

وظاهرا من مضمر الحاضر لا

يبدل إذا من شرط الابدال خلا

والشّرط توكيد به أو كشف ما

أريد من مضمون ما تقدّما

ك (جئتم الصّغير والكبير لى

بيتى ، وإنّى باطنى ذو وجل)

ونحو (مستلئم) اثر (بى) ندر

والأخفش القياس فى هذا اعتبر

واقرن بالاستفهام ما أبدل من

ما فيه معناه فإنّه قمن

ك (من أتى؟ أعامر أم معمر)؟

و (ما له؟ أدرهم أم أكثر؟)

وبدل كمستقلّ جعلا

لذا أعادوا معه ما عملا

نحو (لمن) مع اللّذين استضعفوا)

وقد حوت نظير هذا (الزّخرف)

والفعل قد يبدل من فعل كما

قد قال بعض الرّاجزين القدما

(إنّ على الله أن تبايعا

تؤخذ كرها ، أو تجىء طائعا)

(ش) صدرت باب البدل بـ :

التّابع ...

 ...

لأنه يعم المحدود وشركاءه الثلاثة. وذكرت :

 ... المقصود بالحكم ...

 ...

لأنه يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان ؛ فإنهن توابع تكمل المقصود بالحكم.

وقلت :

 ... بلا

واسطة ...

٥٧٤

ليخرج المعطوف بـ «بل» و «لكن» ؛ فإنهما مقصودان بالحكم.

ثم أشرت إلى أقسام البدل فذكرت منها «المطابق». والمراد به : كما يريد النحويون بقولهم : «بدل الكلّ من الكلّ».

وذكر المطابقة أولى ؛ لأنها عبارة صالحة لكل بدل يساوى المبدل منه فى المعنى ؛ بخلاف العبارة الأخرى فإنها لا تصدق إلا على ذى أجزاء ، وذلك غير مشترط ؛ للإجماع على صحة البدلية فى أسماء الله ـ تعالى ـ كقراءة غير نافع وابن عامر : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللهِ) [إبراهيم : ١ ـ ٢].

وأشرت بـ «بعض» إلى نحو : «من» من قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧].

وبما يشتمل عليه ...

إلى نحو : «قتال» من قوله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة : ٢١٧.]

وبقولى :

 ...

 ... كمعطوف بـ «بل»

إلى أن من البدل ما يباين المبدل منه وهو على ضربين :

أحدهما : ما يذكر متبوعه بقصد ، ويسمى بدل البداء ، وبدل الإضراب ؛ ومن أجله مثلت بـ :

هجرة إساءة حقّ المسى

 ...

فـ «حقّ المسىء» : مبتدأ ، و «هجرة» : خبر ، و «إساءة» : بدل إضراب.

فمثل هذا يرد فى الكلام الفصيح ؛ لأنه مساو للمعطوف بـ «بل».

ومنه قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الرّجل ليصلّى الصّلاة وما كتب له نصفها ، ثلثها ... إلى العشر» (١).

__________________

(١) أخرجه أحمد (٤ / ٤٢١) ، وأبو داود (١ / ٢٧١) كتاب الصلاة ، باب ما جاء فى نقصان الصلاة ، (٧٩٦) ، والنسائى فى الكبرى (١ / ٢١١) كتاب السهو ، باب فى نقصان الصلاة (٦١٢) ، والحميدى (١٤٥) ، والبيهقى (٢ / ٢٨١) ، من حديث عمار بن ياسر مرفوعا : «إن الرجل لينصرف ، وما كتب له إلا عشر صلاته ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها».

٥٧٥

وإلى هذا أشرت بقولى :

وذا اعز للإضراب إن قصدا صحب

 ...

والثانى من ضربى البدل : المباين كقولك : «المسىء من الذّمّ معرّى مكتس» ، أردت أن تقول : «المسىء من الذّمّ مكتس» فغلطت بذكر «معرّى» فأبدلت منه الذى كان مرادا.

فهذا النوع لا يرد فى كلام فصيح ، ولا يذكر متبوعه إلا غلطا أو نسيانا.

ثم أشرت بقولى :

وذو اشتمال شرطه إمكان أن

يبين فى حذف ، وحذفه حسن

إلى نحو : «أعجبتنى الجارية حسنها» فإنه جائز ؛ لأن الحسن مشتمل عليه ذكر الجارية اشتمالا مصححا للبدلية ؛ فإنه يفهم معناه فى الحذف مع كون الاقتصار على متبوعه حسنا فى الكلام.

وكذا نحو قولك : «خلع ابنى ابنك ثوبه».

بخلاف ما يفهم معناه فى الحذف ، مع كونه لا يحسن التكلم به نحو قولك : «أسرجت زيدا فرسه» ؛ فإن هذا لا يستجاز ؛ لأنه وإن فهم معناه فى الحذف فلا يستعمل مثله ، ولا يحسن ، فلو ورد مثل هذا فى كلام كان بدل غلط.

واشترط أكثر النحويين مصاحبة بدل البعض ، والاشتمال ضميرا عائدا على المبدل منه.

والصحيح عدم اشتراطه ، لكن وجوده أكثر من عدمه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة : ٢١٧].

وكقول الراجز : [من الرجز]

وذكرت تقتد برد مائها

وعتك البول على أنسائها (١)

ومن الشواهد على الاستغناء عن الضمير قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ

__________________

(١) والنسا : عرق من الورك إلى الكعب. ينظر : القاموس (نسو).

والرجز لجبر بن عبد الرحمن فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٢٨٥ ، ولأبى وجزة السعدى فى معجم البلدان ٢ / ٣٧ (تقتد) ، ولأحد الاثنين فى المقاصد النحوية ٤ / ١٨٣ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٠٢ ، والكتاب ١ / ١٥١.

٥٧٦

الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] ؛ فهذا بدل بعض من كل.

ومن بدل الاشتمال المستغنى عن ضمير قوله ـ تعالى ـ : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج : ٤ ـ ٥].

ومنه قول الشاعر : [من الكامل]

هل تدنينّك من أجارع (١) واسط

أوبات يعملة اليدين حضار

من خالد أهل السّماحة والنّدى

ملك العراق إلى رمال وبار (٢)

فـ «من خالد» بدل من «واسط».

ثم أشرت إلى أن كل بدل يساوى المبدل منه أو يخالفه فى التعريف والتنكير ، والإظهار والإضمار بقولى :

كلّ لمتبوع فى الاظهار وفى

تعريف او نقيض ذين يقتفى

ثم بينت أن الظاهر لا يبدل من مضمر الحاضر ، إلا إذا أفاد توكيدا ؛ كقولى :

جئتم الصّغير والكبير ...

 ...

وكقول عبيدة بن الحارث (٣) ـ رضى الله عنه ـ : [من الطويل]

فما برحت أقدامنا فى مقامنا

ثلاثتنا حتّى أزيروا المنائيا (٤)

وكان بعضا كقول الله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) [الأحزاب : ٢١].

ومنه قول الراجز : [من الرجز]

أو عدنى بالسّجن والأداهم

رجلى فرجلى شثنة (٥) المناسم (٦)

__________________

(١) الجرعاء : الرملة التى لا تنبت شيئا. القاموس (جرع).

(٢) البيتان للطرماح فى ديوانه ص ٢٢٣ ، ٢٢٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٨٤.

(٣) عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أبو الحارث : من أبطال قريش فى الجاهلية والإسلام ، ولد بمكة ، وأسلم قبل دخول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دار الأرقم ، وشهد بدرا ، وقتل فيها.

ينظر : الأعلام (٤ / ١٩٨) ، الإصابة (ت ٥٣٧٧).

(٤) البيت فى المقاصد النحوية ٤ / ١٨٨ ، ولبعض الصحابة فى شرح عمدة الحافظ ص ٥٨٨ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٤٣٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٨٨.

(٥) شئنت الأصابع : غلظت من العمل. ينظر : المصباح المنير (شثن).

(٦) المناسم : جمع منسم وهو باطن الخف. ينظر : المصباح المنير (نسم).

٥٧٧

أو كان كبعض وعنيت به بدل الاشتمال كقولى :

 ...

 ... وإنّى باطنى ذو وجل

أو كان بدل اشتمال كقولى :

 ... لى

بيتى ...

فـ «بيتى» بدل اشتمال. والمبدل منه الياء من «لى».

ومثله قول الشاعر : [من الطويل]

بلغنا السّماء مجدنا وسناؤنا

وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا (١)

ف «مجدنا» بدل اشتمال ، والمبدل منه فاعل «بلغنا».

ومثله ـ أيضا ـ قول الآخر : [من الوافر]

ذرينى إنّ أمرك لن يطاعا

وما ألفيتنى حلمى مضاعا (٢)

فـ «حلمى» بدل من ياء «ألفيتنى».

وأجاز الأخفش والكوفيون أن يبدل من ضمير الحاضر ظاهر لا توكيد فيه ، ولا تبعيض ، ولا اشتمال ، وعلى مذهبه ومذهبهم فى ذلك جاء قول الشاعر : [من الطويل]

وشوهاء تعدو بى إلى صارخ الوغى

بمستلئم مثل الفنيق المرحّل (٣)

__________________

والرجز للعديل بن الفرخ فى خزانة الأدب ٥ / ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، والدرر ٦ / ٦٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٩٠ ، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص ٢٢٦ ، ٢٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٢١ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٧٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٠ ، ولسان العرب (وعد) ، (رهم) ، ومجالس ثعلب ص ٢٧٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٧.

(١) البيت للنابغة الجعدى فى ديوانه ص ٦٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٦٩ ، ٧ / ٤١٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦١ ، ولسان العرب (ظهر) ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٩٣ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٤٠٦ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٩.

(٢) البيت لعدى بن زيد فى ديوانه ص ٣٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ٢٠٤ ، والدرر ٦ / ٦٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٨٧ ، ولرجل من بجيلة أو خثعم فى الكتاب ١ / ١٥٦ ، ولعدى أو لرجل من بجيلة أو خثعم فى المقاصد النحوية ٤ / ١٩٢ ، وبلا نسبة فى شرح شذور الذهب ص ٥٧٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٥ ، ٧٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٧.

(٣) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ١٤٩٩ ، وشرح عمد الحافظ ص ٥٨٩ ، ولسان العرب

٥٧٨

يريد بـ «مستلئم» : متدرعا ، ولا يعنى إلا نفسه.

وعلى هذا حمل الأخفش «الّذين» من قوله ـ تعالى ـ : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)(١) [الأنعام : ١٢].

وأنشد الكوفيون : [من مجزوء الكامل]

فلأحشأنّك مشقصا

أوسا (٢) أويس من الهباله (٣)

وجعلوا «أوسا» بدلا من كاف «لأحشأنّك» ؛ لأن الذئب يقال له : أوس ، وأويس.

وجعل البصريون «أوسا» مصدر آس أوسة ، بمعنى : عوضة.

ثم بينت أن المبدل من اسم استفهام لا بد من اقترانه بهمزة الاستفهام كقولى :

 ... من أتى؟ أعامر أم معمر؟

وما له؟ أدرهم أم أكثر؟

ومثله ـ أيضا ـ : «كيف أصبحت؟ أفرحا أم ترحا»؟ و «متى سفرك؟ أغدا أم بعده»؟ و «كم مالك؟ أمائة أم مائتان»؟.

ثم أشرت بقولى :

وبدل كمستقلّ جعلا

 ...

إلى أن البدل هو الذى قصد بما نسب إلى المبدل منه ، وأن المبدل منه ذكر توطئة له ؛ ومن أجل ذلك تكثر إعادة العامل مع البدل دون سائر التوابع ؛ ومنه قوله ـ تعالى ـ : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٥] ؛ وكذا قوله ـ تعالى ـ : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) [الزخرف : ٣٣] ؛ فـ «لبيوتهم» بدل اشتمال من : «لمن يكفر» ، و «لمن آمن» بدل بعض من : «للّذين استضعفوا».

ومع كون البدل كمستقل : عامله هو عامل المبدل منه عند سيبويه ، وإن زعم

__________________

(دجل) ، وبلا نسبة فى المقاصد النحوية ٤ / ١٩٥ (وفيه «المرحل» مكان «المدجل»)

(١) قال الأخفش فى هذه الآية : «فنصب لام «ليجمعنكم» ؛ لأن معنى «كتب» كأنه قال : «والله ليجمعنكم» ، ثم أبدل فقال : «الذين خسروا أنفسهم» ، أى : «ليجمعن الذين خسروا أنفسهم». ينظر : معانى القرآن للأخفش (٢ / ٤٨٢).

(٢) الأوس : الإعطاء والتعويض من الشىء. ينظر : القاموس (أوس).

(٣) البيت لأسماء بن خارجة فى لسان العرب (حشأ) ، (أوس) ، (هبل) ، وتاج العروس ، (حشأ) ، (صيق) ، (هبل) ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٥ / ١٣٨ ، ٦ / ٣٠٧ ، ١٣ / ١٣٨ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٥٦ ، وديوان الأدب ١ / ٣٨٦ ، والمخصص ٨ / ٦٦.

٥٧٩

بعض الناس خلاف ذلك.

ومن نصوص سيبويه (١) الدالة على ما قلته قوله : «هذا باب من الفعل المستعمل فى الاسم ، ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر فيعمل فيه ؛ كما عمل فى الأول ، وذلك قولك : رأيت قومك أكثرهم» فصرح باتحاد عامل البدل ، والمبدل منه.

ثم بينت أن الفعل قد يبدل من الفعل ؛ فيشتركان فى الإعراب كقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) [الفرقان : ٦٨ ، ٦٩] فـ «يضاعف» بدل من «يلق» ولذلك جزم.

ومثله قول الراجز : [من الرجز]

إنّ على الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجىء طائعا (٢)

فأبدل «تؤخذ» من «تبايع» فاشتركا فى النصب.

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٢ / ٢٣٠).

(٢) الرجز بلا نسبة فى خزانة الأدب ٥ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٠١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦١ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٩١ ، والكتاب ١ / ١٥٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٩٩ ، والمقتضب ٢ / ٦٣.

٥٨٠