شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

ومن نحو «قضاة» فإن تاءه مزيدة وألفه منقلبة عن أصل.

(ص)

وهو لذى التّا ـ مطلقا ـ [وما خلا

منها الانثى] (١) علما نحو (حلى)

(ش) الضمير من «وهو لذى التّا» عائد إلى الجمع بالتاء والألف.

(ص)

وما خلا منها اسم جنس أنّثا

لغير نقل فيه لا تنبعثا

وقسه فى ذى ألف التّأنيث لا

شبها لـ (حمراء) و (سكرى) واعدلا

ولا مذكّر المسمّى علما

بل مثل (صحراء) (حبارى) (أدمى)

وقس على (دريهمات) وعلى

نحو (جبال راسيات) واقبلا

(ش) إذا كان المؤنث اسم جنس وخلا من علامة التأنيث ، لم يجز جمعه بالألف والتاء إلا فيما سمع كـ «خود» (٢) و «خودات» ، و «ثيّب» و «ثيّبات» ، و «سماء» و «سماوات» ، و «شمال» (٣) و «شمالات».

وما لم يسمع فلا يجمع بالألف والتاء.

فلا يقال فى «عين» : «عينات» ، ولا فى «دار» : «دارات» ، ولا فى «شمس» : «شمسات».

وإن كان فى الاسم ألف التأنيث جاز جمعه بالألف والتاء مطلقا.

ما لم يكن علم مذكر كـ «سلمى» و «ورقاء» اسمى رجلين.

ولا «فعلاء» مؤنث «أفعل» كـ «حمراء» و «صفراء».

أو «فعلى فعلان» كـ «سكرى» و «غضبى».

واطرد هذا الجمع فى تصغير غير الثلاثى من أسماء المذكرات التى لا تعقل نحو : «دريهمات».

وفى صفات المذكرات التى لا تعقل كقوله ـ تعالى ـ : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [البقرة : ١٩٧] وقوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) [البقرة : ٢٠٣]

__________________

(١) فى أ: واسم خلا منها لأنثى.

(٢) الخود : الحسنة الخلق ، والشابة أو الناعمة. القاموس (خود).

(٣) الشّمال : بالفتح ، ويكسر : الريح التى تهب من قبل الحجر ، وما مهبّه بين مطلع الشمس وبنات نعش ، أو من مطلع النعش إلى مسقط النسر الطائر ، ويكون اسما وصفة ، ولا تكاد تهب ليلا. القاموس : (شمل).

٨١

وعلى هذا نبهت بقولى :

 ... وعلى

جمعك راسيا تريد الجبلا

(ص)

وما به سمّى من ذا الباب

فهو على ما كان من إعراب

وترك تنوين قليل ، وجعل

 ـ أيضا ـ كـ (أرطاة) لإنسان نقل

وجاء فى نحو (ثبات) فتح

فى النّصب نزرا ، لا عداك نجح

(ش) أى : إذا سمى بـ «أولات» أو بنحو «هندات» من المجموع ـ فإعرابه بعد التسمية به كإعرابه قبل التسمية به.

فتقول فى رجل اسمه «هندات» : «هذا هندات» ، و «رأيت هندات» ، و «مررت بهندات» ؛ كما كنت تقول إذ كان جمعا.

هذه اللغة الجيدة.

قال الله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) [البقرة : ١٩٨].

ومن العرب من يزيل التنوين ويبقى الكسرة فى جره ونصبه ، ومنهم من يزيل التنوين ويمنعه الكسرة ؛ فيقول : «هذه عرفات مباركا فيها» ، و «رأيت عرفات» ، و «مررت بعرفات».

وإلى هذه اللغة أشرت بقولى :

 ... وجعل

 ـ أيضا ـ كـ (أرطاة) (١) ...

وأما «ثبات» ونحوه من جمع المحذوف اللام المعوض منها التاء ـ فالمشهور جريه مجرى «هندات».

ومن العرب من ينصبه بفتحة ، ومنه قول بعض العرب : «سمعت لغاتهم».

وأنشد الفراء (٢) لأبى ذؤيب (٣) : [من الطويل]

__________________

(١) الأرطاة : نبات شجرى من الفصيلة البطاطية ، ينبت فى الرمل ، ويخرج من أصل واحد كالعصى ، ورقه دقيق ، وثمره كالعنّاب. الوسيط : (أرطت).

(٢) ينظر : معانى القرآن (٢ / ٩٣).

(٣) هو خويلد بن خالد بن محرث ، أبو ذؤيب الهذلى ، الشاعر. شاعر مخضرم ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وعاش إلى أيام عثمان ، وهو أشعر هذيل من غير مدافعة ، وفد على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة ـ

٨٢

فلمّا جلاها بالأيام تحيّزت

ثباتا عليها ذلّها واكتئابها (١)

إعراب ما اتصل به من الفعل

ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة

(ص)

بالنّون رفع نحو (تذهبونا)

و (تذهبان) ثمّ (تذهبينا)

واحذف إذا جزمت أو نصبتا

ك (لم تكونا لتروما سحتا)

وحذفها فى الرّفع قبل (نى) أتى

والفكّ والإدغام ـ أيضا ـ ثبتا

وقلّ حذف دون «فى» نثرا كما

لا تؤمنوا حتّى ، ومما نظما

أبيت أسرى وتبيتى تدلكى

وجهك بالعنبر والمسك الذّكى

(ش) إذا اتصل بالفعل المضارع ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة ـ فعلامة رفعه نون مكسورة بعد الألف ؛ نحو : «تذهبان» ، ومفتوحة بعد الواو والياء ؛ نحو : «تذهبون» و «تذهبين».

وحذف هذه النون علامة للجزم ؛ نحو : «لم يذهبا».

وعلامة للنصب ؛ نحو : «لن تذهبا».

وإذا اتصل بهذه النون نون الوقاية جاز حذفها تخفيفا وإدغامها فى نون الوقاية والفك.

وبالوجه الأول قرأ نافع : (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤].

وقرأ ابن عامر : (تأمروننى) بالفك.

وقرأ الباقون بالإدغام.

وزعم قوم : أن المحذوف فى نحو : «تأمرونى» هو الثانى وليس كذلك ؛ بل المحذوف هو الأول ؛ نص على ذلك سيبويه (٢).

ويدل على صحة قوله : أن نون الوقاية لا يجوز حذفها مفردة مع فعل غير

__________________

ـ وفاته ، فأدركه وهو مسجى ، وشهد دفنه ، له ديوان أبى ذؤيب. ينظر : الأغانى (٦ / ٥٦) ، الشعر والشعراء (٢٥٢) ، الأعلام (٢ / ٣٢٥).

(١) انظر : ديوان الهذليين القسم الأول (٧٩) ، اللسان «جلا» ، شرح المفصل ٥ / ٤ ، ٨ ، شرح التسهيل ١ / ٨٧.

(٢) ينظر : الكتاب (٣ / ٥١٩).

٨٣

«ليس».

وأن الأول قد حذف دون ملاقاة مثل ، مع عدم الجازم والناصب فحذفها عند ملاقاة مثل أولى.

وأيضا فلو حذف نون الوقاية وأبقى نون الرفع لتعرض بذلك إلى حذف نون الرفع ، عند دخول الجازم والناصب ، وإذا حذف نون الرفع لم يعرض لنون الوقاية ما يقتضى حذفها ؛ وحذف ما لا يحوج إلى حذف أولى من حذف ما يحوج إلى حذف.

وقولى :

ودون «نى» ...

 ....

أى : ودون اتصال نون الوقاية بنون الرفع قد حكى حذفها.

ومثال ذلك فى النثر ما روى من قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والّذى نفس محمّد بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا» (١).

والأصل : لا تدخلون ولا تؤمنون ؛ لأن «لا» نافية و «لا» النافية لا تعمل فى الفعل شيئا.

ومثال ذلك فى النظم قول الراجز : [من الرجز]

أبيت أسرى وتبيتى تدلكى (٢)

وجهك بالعنبر والمسك الذّكى

__________________

(١) رواه الترمذى فى سننه (٥ / ٥٢) كتاب الاستئذان ، باب : ما جاء فى إفشاء السّلام حديث (٢٦٨٨) من حديث أبى هريرة مرفوعا باللفظ المذكور.

وهو عند أحمد فى المسند (٢ / ٤٧٧) والبخارى فى الأدب المفرد (٩٨٠) وأبو داود فى «سننه» (٤ / ٣٥٠) كتاب الأدب ، باب : فى إفشاء السّلام حديث (٥١٩٣) وابن ماجة (١ / ٢٦) المقدمة باب : فى الإيمان ، حديث (٦٨) ـ وفى (٢ / ١٢١٧) كتاب الأدب ، باب إفشاء السّلام ، (٣٦٩٢) من حديث أبى صالح عن أبى هريرة مرفوعا.

ورواه مسلم فى (١ / ٤٧) كتاب الإيمان باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون حديث (٥٤) عن أبى هريرة مرفوعا بلفظ «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ...» الحديث.

وفى رواية له «والذى نفسى بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ...) الحديث.

وورد باللفظ المذكور أيضا عند الترمذى (٢٥١٠) من حديث الزبير بن العوام.

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (دلك) ، (ردم) ، والأشباه والنظائر ١ / ٨٢ ، ٣ / ٩٥ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٤٢٥ ، والخصائص ١ / ٣٨٨ ، والدرر ١ / ١٦٠ ، ورصف المبانى ص ٣٦١ ، وشرح التصريح ١ / ١١١ ، والمحتسب ٢ / ٢٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٥١.

٨٤

والأصل : «تبيتين» و «تدلكين» فحذف النونين دون جازم ولا ناصب. ومن ذلك قول أبى طالب : [من الطويل]

فإن يك قوم سرّهم ما صنعتم

سيحتلبوها لاقحا (١) غير باهل (٢)

أراد : فسيحتلبونها.

فحذف الفاء والنون للضرورة.

ولا يجوز اعتقاد حذف النون للجزم على ما يستحقه المضارع المجرد من حرف التنفيس إذا وقع جوابا ؛ لأن شرط جزم الجواب أن يصلح لمباشرة حرف الشرط ؛ فإن لم يصلح لها ، وجب اقترانه بالفاء ولا تحذف إلا فى ضرورة.

ولا شك فى أن المقترن بالسين لا يباشره حرف الشرط.

إعراب المعتل من الأسماء والأفعال

(ص)

آخر ذى الإعراب حرفه فإن

يعتلّ فالإعراب فيه مستكنّ

والاعتلال فى حروف المدّ

ك (المرتضى يقضى) و (يزكو المهدى)

ففى الثّلاث الرّفع ينوى وكذا

ينوى انجرار نحو (شاف) من (أذى)

كذاك نصب نحو (لن تخشى العشا)

تقديره فى كلّ حال قد فشا

وجازما حذف الثّلاث الزم كـ (من

يسع ويرض يرج توفير المنن)

(ش) ذو الإعراب يتناول الاسم المتمكن والفعل المضارع.

وحروف الإعراب من كل واحد منهما آخره كالهاء والميم من قولك : «الله يعلم».

فإن يعتل الآخر فالإعراب فيه مستكن ؛ أى : مستتر. وحروف الاعتلال حروف المد وهى :

الألف ولا تكون إلا بعد فتحة ؛ نحو : «المرتضى يرضى».

والياء الخفيفة بعد كسرة ؛ نحو : «القاضى يقضى».

__________________

(١) اللاقح من الإبل : التى قبلت اللقاح. ينظر : القاموس (لقح).

(٢) الباهل : الناقة التى لا صرار عليها ، ولا خطام ولا سمة ، وأبهل الناقة : تركها وأهملها.

القاموس : (بهل). وانظر عناية المطالب ٢٧ ، وشرح التسهيل ١ / ٥٣.

٨٥

والواو الخفيفة بعد ضمة ، ولا يوجد ذلك إلا فى فعل ؛ نحو : «يزكو» و «يدعو».

وهذا مثال لتقدير الرفع فى الواو.

وتقديره فى الألف وفى الياءات (١) ؛ نحو : «المرتضى يرضى» و «القاضى يقضى».

ومثال تقدير الجر فى الياء والألف : «أعوذ بالله من أذى كلّ مؤذ».

ومثال تقدير النصب فى الألف : «إنّ الأتقى لن يشقى».

والحاصل : أن حرف الإعراب إذا كان ألفا لم يظهر فيه رفع ولا نصب ولا جر لتعذر تحريك الألف.

وإذا كان ياء خفيفة بعد كسرة قدر فيها الرفع والجر.

وإذا كان واوا خفيفة بعد ضمة قدر فيها الرفع خاصة ؛ لأنها لا تكون حرف إعراب إلا فى فعل ، والفعل لا يجر.

وسكت عن النصب حين بينت ما ينوى فى الياء والواو ؛ فعلم أن النصب فيهما ظاهر ؛ نحو : «إنّ المتّقى لن يبغى ولن يجفو».

ولما سبق اختصاص الجزم بالفعل ، لم يحتج هنا إلى ذكر الفعل إذ قيل :

وجازما حذف الثّلاث الزم ...

 ...

أى : حذف الألف والياء والواو ؛ نحو : «من يسع ويرض يرج توفير المنن».

والأصل : «يسعى» و «يرضى» و «يرجو» فحذفت ألف «يسعى» ؛ لأنه جواب الشرط.

وياء «يرضى» لأنه معطوف على الشرط.

وواو «يرجو» لأنه جواب الشرط.

(ص)

وك (الفتى) المقصور فاعلم والّذى

سمّوه منقوصا كـ (شاك) و (أذى)

والاسم يبنى شبه حرف معنى او

إهمالا او وضعا كـ (رحنا) أو (غدوا)

أو فى افتقاره أو ايجاب العمل

دون تأثّر بعامل حصل

ك (أين) والتّا من فعلت و (الّذى)

و (بله) (هيهات) و (حا) وشبه ذى

ما لم يعارض شبه الحرف بما

يحمى عن البنا كـ (أى) فاعلما

(ش) المقصور : هو الاسم المتمكن الذى آخره ألف لازمة كـ «الفتى».

احترز بـ «المتمكن» عن «ذا» ونحوه من المبنيات التى آخرها ألف.

__________________

(١) فى أ: وفى الياء.

٨٦

واحترز باللزوم من المثنى المضاف المرفوع ، ومن الأسماء الستة فى حال النصب ؛ لأن آخرها حينئذ ألف لكنها غير لازمة.

والمنقوص : هو الاسم المتمكن الذى آخره ياء خفيفة لازمة بعد كسرة.

فاحترز بـ «المتمكن» من نحو : «الذى» وشبهه من المبنيات التى آخرها ياء.

واحترز بـ «خفيفة» من نحو : «صبى».

وب «لازمة» من نحو : «بنيك» و «أبيك».

ولما كمل الكلام على المعرب بإعراب ظاهر وإعراب مقدر ـ شرعت فى ذكر المبنى من الأسماء وسبب بنائه :

أما شبه الحرف فى المعنى كـ «أين» فإنها متضمنة معنى حرف الشرط إذا قصد بها الشرط ، ومعنى حرف الاستفهام إذا قصد بها الاستفهام.

وأما شبه الحرف فى الإهمال ـ والإشارة بذلك إلى ما يورد من الأسماء دون تركيب كحروف الهجاء المفتتح بها السور ـ فإنها مبنية لشبهها الحروف المهملة فى أنها لا عاملة ، ولا معمولة.

وبعضهم يجعلها معربة ؛ لأنها تتأثر بالعوامل لو دخلت عليها ؛ وهذا اختيار الزمخشري (١) فى «الكشاف».

وأما شبه الحرف فى الوضع ، والإشارة به إلى ما وضع على حرف واحد كواو «غدوا» وتاء «فعلت» ، أو على حرفين كالنون والألف من «رحنا».

__________________

(١) هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمى جار الله ، أبو القاسم الزمخشرى ، إمام من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والأدب كان واسع العلم ، كثير الفضل غاية فى الذكاء وجودة القريحة ، معتزليا قويا فى مذهبه ، مجاهرا به ، حنفيّا.

من تصانيفه : الكشاف ، الفائق فى غريب الحديث ، المفصّل فى النحو ، الأنموذج ، شرح أبيات الكتاب ، وغيرها.

مات سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ، ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠) ، نزهة الألبا (٤٦٩) وفيات الأعيان (٢ / ٨١) ، الأعلام (٧ / ١٧٨).

قال الزمخشرى : فإن قلت : هل لهذه الفواتح محل من الإعراب؟ قلت : نعم ، لها محل فيمن جعلها أسماء للسور ؛ لأنها عنده كسائر الأسماء الأعلام ، فإن قلت : ما محلها؟ قلت : يحتمل الأوجه الثلاثة ، أما الرفع : فعلى الابتداء ، وأما النصب والجر ؛ فلما مر من صحة القسم بها وكونها بمنزلة الله. يقول قبل ذلك : فإن قلت : من أى قبيل هى من الأسماء ، أمعربة أم مبنية؟ قلت : بل هى أسماء معربة.

ينظر الكشاف : (١ / ٢١ ، ٣١).

٨٧

وأشير يكون هذا النوع شبيها فى الوضع إلى أن الموضوع على حرف أو حرفين حقه ألا يكون إلا حرفا ؛ [لأن الحرف] (١) يجاء به لمعنى فى غيره فهو كجزء لما دل على معنى فيه.

فإذا وضع على حرف أو حرفين ناسب ذلك معناه ؛ بخلاف الاسم والفعل.

فأى اسم وضع على حرف أو حرفين فقد أشبه الحرف فى وضعه.

ولا يدخل فى هذا ما عرض له النقص كـ «دم» ؛ فإن له ثالثا يعود إليه فى التصغير كـ «دمى» ، وفى التكسير «دماء» ، وفى الاشتقاق كـ «دمى العضو».

ومن شبه الحرف : الشبه فى الافتقار إلى جملة على سبيل اللزوم ؛ كافتقار «إذا» و «الّذى» إليها ؛ فإنه افتقار لازم كافتقار الحرف إليها ؛ فلذلك بنيا.

ومن شبه الحرف الموجب للبناء : ما فى أسماء الأفعال من الشبه بـ «إنّ» وأخواتها فى أنها تعمل عمل الفعل ، ولا يعمل فيها عامل لا لفظا ، ولا تقديرا.

وهذا معنى قولنا :

 ... أو ايجاب العمل

دون تأثّر بعامل ...

وبهذا امتاز اسم الفعل من المصدر النائب عن فعل الأمر.

فإن قوله ـ تعالى ـ : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] واقع موقع : «اضربوا الرّقاب» ؛ كما أن «دراك زيدا» واقع موقع «أدرك زيدا».

إلا أن «فضرب الرّقاب» متأثر بعامل مقدر صار هو بدلا من اللفظ به ، ولم يمنع من تقديره.

و «دراك» نائب عن «أدرك» ومنع من تقديره ، فهو مؤثر غير متأثر كالحروف العاملة.

كما أن أسماء الحروف التى افتتح بها غير مؤثرة ، ولا متأثرة كالحروف المهملة.

ومعنى «بله» : دع ، وهو اسم فعل لا فعل ؛ لأن كل ما دل على الأمر لا تثبت فعليته حتى يصلح لياء المخاطبة ، ونون التوكيد ؛ وإلا فهو اسم.

و «هيهات» بمعنى : بعد ، وليس بفعل ، بل هو اسم فعل ؛ لأن كل ما دل على حدث ماض لا تثبت فعليته حتى يصلح لتاء التأنيث الساكنة ، أو تاء الفاعل ؛ وإلا فهو اسم.

ونبهت بـ «حا» على أسماء الحروف كألف لام ميم.

__________________

(١) سقط فى أ.

٨٨

وقولى :

ما لم يعارض شبه الحرف بما

يحمى عن البنا ...

أشير به إلى نحو «أى» فإنها إن كانت استفهامية ففيها شبه حرف الاستفهام ، وإن كانت شرطية ففيها شبه حرف الشرط ، وإن كانت موصولة فهى كالحرف فى الافتقار إلى جملة.

إلا أن شبه الحرف فى «أى» معارض بما فيها من شبه الأسماء المتمكنة بالإضافة التى انفردت بها من بين أخواتها ، مع أنها بمعنى «كلّ» إذا أضيفت إلى نكرة ، وبمعنى «بعض» إذا أضيفت إلى معرفة.

فحمى «أيّا» عن التأثر بشبه الحرف شبهها بـ «بعض» و «كلّ» فى المعنى ، والإضافة.

وكان اعتبار شبه «بعض» و «كل» أولى من اعتبار شبه الحرف لوجهين :

أحدهما : أن شبه الحرف مخرج عن حكم الأصل ، وشبه البعض والكل مبق على الأصل ؛ والمبقى على الأصل غالب للمخرج عنه.

الثانى : أن حمل أى على «كلّ» و «بعض» من باب حمل الشىء على ما هو من نوعه ؛ للاشتراك فى الاسمية.

وهذا أولى من حمل «أى» على الحرف لتخالفهما فى النوعية. والله الموفق.

* * *

٨٩

باب النكرة والمعرفة

(ص)

ما شاع فى جنس كـ (عبد) نكره

وغيره معرفة كـ (عنتره)

فمضمر أعرفها ثمّ العلم

واسم إشارة وموصول متمّ

وذو أداة أو منادى عيّنا

أو ذو إضافة بها تبيّنا

(ش) ما كان شائعا فى جنسه كـ «حيوان» ، أو فى نوعه كـ «إنسان» فهو نكرة.

وما ليس شائعا فهو معرفة ما لم يكن مقدر الشياع.

وجملة المعارف سبعة :

المضمر والعلم واسم الإشارة والموصول والمعرف بالأداة والمعرف بالنداء والمعرف بالإضافة.

ولكل واحد منها موضع يبين فيه.

ووصف الموصول بـ «متمّ» تنبيها على أنه لا يحكم عليه بالتعريف إلا بعد تمامه بتمام صلته.

وقيد المنادى بالتعيين تنبيها على أن المراد من المناديات ما تجدد له التعيين بالنداء ؛ فلا يدخل فى ذلك نحو : «يا زيد» فإنه لم يتجدد له التعيين بالنداء ، بل كان معينا ثم ازداد بالنداء وضوحا.

ولا يدخل ـ أيضا ـ المنادى الباقى على شياعه ؛ كقول الأعمى : «يا رجلا خذ بيدى».

وقيد ذو الإضافة بأن يكون بها مستبينا تنبيها على أن من الإضافة ما لا يعرف المضاف ؛ كالمضاف إلى نكرة أو المضاف إضافة غير محضة ؛ نحو : «هذا ضارب زيد غدا أو الآن» ، و «هو أحسن الوجه».

فصل فى المضمر

(ص)

ما صيغ قصد حاضر أو غائب

فهو ضمير نحو تا المخاطب

وما يلى لام (فعلنا) واليا

فى نحو (واصلنى وهب لى) حذيا

وقبل ذى اليا النّون واقيا لزم

مع كلّ فعل غير نادر علم

٩٠

كذا (لدن) و (من) و (عن) و (قط)

و (قد) و (ليت) باقى أخواتها ورد

مخيّرا فيه وتجريد (لعلّ)

أولى ومن (لعلّنى) (ليتى) أقلّ

ومنه فاعلا (فعلت) و (افعلى)

وكاف (أهواك) و (فيك أملى)

كذاك (ها) (أكرمه غلامه)

وقد يرى مشتركا إفهامه

ك (انطلقا) و (انطلقوا) و (افعلنه)

و (ليذهبا) و (ليذهبوا) و (سرنه)

ذو الرّفع قد يخفى كمثل (قس أقس)

لأنّ معنى ما نووا لم يلتبس

(ش) المضمر والضمير : اسمان لما وضع من الأسماء لمتكلم أو مخاطب أو غائب متميزا بنفسه كـ «إنّك» و «إنّه».

أو بمصحوبه كـ «أنا» و «أنت» و «إيّاى» و «إيّانا» و «فعلت» و «فعلت» و «فعلت» و «اذهبا» و «ذهبا».

فإن مصحوب الألف الدالة على حاضرين : الأمر والمضارع ذو تاء الخطاب.

ومصحوب الألف الدالة على غائبين : الفعل الماضى والمضارع ذو الياء.

ومن الضمائر ما معناه واحد وإعرابه مختلف ؛ وهو «نا» يشترك فيه الرفع والنصب والجر.

فعلامة رفعه كون مصحوبه فعلا ماضيا مسكن الآخر.

واشترك النصب والجر فى الياء التى للمتكلم.

فإن كان ناصبها فعلا متصرفا ، وجب فصلها منه بنون الوقاية ؛ نحو : «أكرمنى».

وإن كان ناصبه «إنّ» أو إحدى أخواتها جاز حذف النون.

ويقل مع «ليت» ويكثر مع «لعلّ».

ولا تثبت هذه النون فى الخفض إلا مع «من» و «عن» و «لدن» و «قطّ» و «قد» بمعنى : حسب.

وربما حذفت مع هذه الخمسة ومع ليس ، ومع فعل التعجب ؛ كقول بعض العرب : «ما أقربى وما أحسبى» وعلى هذه النوادر نبهت بقولى :

 ...

غير نادر علم

واشترك النصب والجر ـ أيضا ـ فى كاف الخطاب وهاء الغيبة على حسب مدلولهما.

٩١

وانفرد الرفع : بالتاء على حسب أحوالها وبياء المؤنثة وبما للخطاب (١) والغيبة من ألف وواو ونون ؛ نحو : «تفعلان» و «فعلا» و «تفعلون» و «فعلوا» و «تفعلن» و «فعلن».

هذه تسمى متصلة ؛ لأنها لا ينطق بها إلا وهى كجزء لما قبلها لفظّا وخطّا.

والمنفصل ما ليس كذلك كـ «أنّا» و «أنت» و «هو» وفروعهن وهذه مرفوعة الموضع.

ومن المنفصل : «إيّاى» و «إيّاك» و «إيّاه» وفروعهن.

وخص ذو الرفع بالخفاء وجوبا فى نحو : «افعل» و «نفعل» و «أفعل» و «تفعل يا رجل».

وجوازا فى نحو : «زيد فعل».

والمراد بالواجب الخفاء : ما لا يغنى عنه ظاهر ، ولا يقع موقعه ضمير بارز إلا وهو توكيد للمنوى. وقد نبه على تخصيص ضمير الرفع بالخفاء إذ قلت :

 ....

لأنّ معنى ما نووا لم يلتبس

(ص)

وما مضى وشبهه متّصل

و (هو) و (أنت) و (أنا) منفصل

كذاك (إيّاى) و (إيّاك) وزد

(إيّاه) والفروع عنها لا تحد

والأوّل المرفوع موضعا وما

يليه منصوب المحلّ فاعلما

ولا انفصال إن تأتّى متّصل

ونحو (ها) (سلنيه) صل وقد فصل

فى : (كنته) وخلتنيه المتّصل

يختار ، والمختار عندى المتّصل

وقدّم الأخصّ فى اتصال

وقدّمن ما شئت فى انفصال

وفى اتحاد الرتبة الزم فصلا

وقد يبيح الغيب فيه وصلا

مع اختلاف ما ونحو (ضمنت

إيّاهم الأرض) ، الضّرورة اقتضت

(ش) الإشارة بـ «ما مضى» إلى تاء المخاطب ، والنون والألف من «فعلنا» ، وياء المتكلم وتاء المخاطبة ويائها وكاف المخاطب وهاء الغائب وألف الاثنين وواو الجماعة ونونها.

والإشارة بشبهه إلى بقية الفروع ؛ نحو : «فعلتما» و «فعلتم» و «فعلتنّ».

و «رأيتكما» و «رأيتكم» و «رأيتكنّ».

__________________

(١) فى أ: وكاف الخطاب.

٩٢

و «رأيتهما» و «رأيتهم» و «رأيتهنّ».

ولما كملت الكلام على المتصل ، شرعت فى الكلام على المنفصل ؛ وهو ضربان :

مرفوع المحل ومنصوبه :

فالمرفوع المحل : «أنا» و «أنت» و «هو» وفروعها :

«نحن» و «أنت» و «أنتما» و «أنتم» و «أنتنّ» و «هى» و «هما» و «هم» و «هنّ».

وفروع المنصوب المنفصل : «إيّانا» و «إيّاك» و «إيّاكما» و «إيّاكم» و «إيّاكنّ» و «إيّاها» و «إيّاهما» و «إيّاهم» و «إيّاهنّ».

والمراد بالفرع : ما دل على أنثى أو اثنين أو جماعة ذكور أو إناث.

ولما كان وضع الضمير لقصد الاختصار ، لم يجز أن يؤتى بمنفصل إذا وجد سبيل إلى متصل ؛ لكونه أخصر إلا فى مواضع مخصوصة.

كثانى ضميرين أولهما غير مرفوع ؛ نحو : «سلنيه».

أو مرفوع بـ «كان» أو إحدى أخواتها ؛ نحو : «الصّديق كنته».

وكان حق هذا أن يمتنع انفصاله لشبهه بهاء «ضربته» ، ولكنه نقل فقبل. وبقى الاتصال راجحا لوجهين :

أحدهما : الشبه بما يجب اتصاله ؛ وإذ لم يساوه فى الوجوب ، فلا أقل من الترجيح.

الثانى : أن الانفصال لم يرد إلا فى الشعر ، والاتصال وارد فى أفصح النثر ؛ كقول النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعمر ـ رضى الله عنه ـ فى ابن صياد : «إن يكنه فلن تسلّط عليه ، وإلا يكنه فلا خير لك فى قتله» (١).

__________________

(١) رواه البخارى فى «صحيحه» (٣ / ٥٨٢) كتاب الجنائز ، باب : إذا أسلم الصبى فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبى الإسلام حديث (١٣٥٤) ، وفى (٦ / ٢٨٥) كتاب الجهاد والسير ، باب : كيف يعرض الإسلام على الصبى؟ حديث (٣٠٥٥) ، وفى (١٢ / ١٩٩) ، كتاب الأدب ، باب : قول الرجل للرجل : اخسأ حديث (٦١٧٣) ومسلم فى (٤ / ٢٢٤٤) كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب : ذكر ابن صياد حديث (٢٩٣٠).

والحديث رواه البخارى فى (١٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠) كتاب الأدب ، باب قول الرجل للرجل : اخسأ حديث (٦١٧٣) ، وفى (١٣ / ٣٥٦) فى القدر ، باب يحول بين المرء وقلبه حديث (٦٦١٨) ، من حديث ابن عمر بلفظ «دعه إن يكن هو فلا تطيقه وإن لم يكن هو فلا خير لك فى قتله. وهو عند أبى داود (٤٣٢٩) ، (٤٧٥٧) ، والترمذى (٢٢٣٥) ، (٢٢٤٩) لكن ليس باللفظ موضع الشاهد.

٩٣

وقوله ـ عليه‌السلام ـ لعائشة : «إيّاك أن تكونيها يا حميراء» (١).

وكقول بعض فصحاء العرب : «عليه رجلا ليسنى».

وقد حكموا ـ أيضا ـ لثانى مفعولى ؛ نحو : «ظننتكه» بترجيح الانفصال.

وعندى : أن اتصاله أولى ؛ لأنه ثانى منصوبين بفعل فكان كالثانى فى قوله ـ تعالى ـ : (رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها) [هود : ٢٨]

والذى دعاهم إلى ترجيح الانفصال مع «كان» و «ظننت» كون الضمير فى الصورتين خبرا لمبتدأ فى الأصل ، ولو بقى على ما كان عليه لتعين انفصاله ، فأبقى عليه بعد انتساخ الابتداء ترجيح ما كان متعينا قبل دخول الناسخ.

وهذا الاعتبار يستلزم جواز الانفصال فى الأول ؛ لأنه كان مبتدأ ، وذلك ممتنع بإجماع ، وما أفضى إلى ممتنع ممتنع.

وقد يرجح انفصال ثانى مفعولى «ظنّ» بأنه مع كونه خبر مبتدأ فى الأصل : منصوب بجائز التعليق والإلغاء.

ومع التعليق والإلغاء لا يكون إلا منفصلا ؛ فكان انفصاله مع الإعمال أولى.

وهذا الاعتبار ـ أيضا ـ يستلزم ترجيح انفصال المفعول الأول ، وهو ممتنع بإجماع ؛ وما استلزم ممتنعا فهو حقيق بأن يمتنع.

وأما انفصال ما باشره الفعل أو ولى ضميرا مرتفعا بفعل ليس من باب «كان» ـ فلا يجوز انفصاله إلا فى ضرورة ؛ كقول الشاعر : [من البسيط]

بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت

إيّاهم الأرض فى دهر الدّهارير (٢)

__________________

(١) نقل العجلونى فى كشف الخفاء (١ / ٤٥٠) عن ابن الغرس قال : «رأيت فى الأجوبة على الأسئلة الطرابلسية لابن قيم الجوزية أن كل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق».

(٢) البيت للفرزدق فى ديوانه ١ / ٢١٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، والدرر ١ / ١٩٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٤ ، والمقاصد النحويّة ١ / ٢٧٤ ، ولأميّة بن أبى الصلت فى الخصائص ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ١٩٥ ، ولم أقع عليه فى ديوانه ، ولأميّة أو للفرزدق فى تخليص الشواهد ص ٨٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ، والإنصاف ٢ / ٦٩٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٩٢ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٦ ، ٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٢.

٩٤

فصل فى ضمير الشأن

(ص)

ومضمر الشّأن ضمير فسّرا

بجملة كـ (إنّه زيد سرى)

للابتدا أو ناسخاته انتسب

إذا أتى مرتفعا أو انتصب

وإن يكن مرفوع فعل استتر

حتما وإلا فتراه قد ظهر

فى باب (إنّ) اسما كثيرا يحذف

ك (إنّ من يجهل يسل من يعرف)

وجائز تأنيثه متلو ما

أنّث أو شبيه أنثى أفهما

وقبل ما أنث عمدة فشا

تأنيثها كـ (إنّها هند رشا)

(ش) قد يقصد المتكلم تعظيم مضمون كلامه قبل النطق به ، فيقدم ضميرا كضمير غائب يسمى ضمير الشأن ، ويعمل فيه الابتداء أو أحد نواسخه وهى : «كان» و «إنّ» و «ظنّ» أو إحدى أخواتهن.

وتجعل الجملة بعده متممة لمقتضى العامل نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] فى أحد الوجهين ، و «كان الله أحد» ، و «إنّه الله أحد» ، و «علمته الله أحد».

فموضع الضمير فى المثال الأول رفع بالابتداء.

وفى الثانى رفع بـ «كان» إلا أنه استتر كما يستتر الفاعل إذا كان ضمير غائب.

وموضعه فى الثالث والرابع نصب بـ «إنّ» و «علمت» ، وموضع الجملة فى الأول والثالث رفع ، وفى الثانى والرابع نصب.

ويجوز حذفه مع «إنّ» وأخواتها ، ولا يخص ذلك بالضرورة ، وعليه يحمل قوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» (١).

التقدير : إنه من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون. وأنشد سيبويه (٢) : [من الطويل]

__________________

(١) رواه البخارى فى «صحيحه» (١١ / ٥٨١) كتاب اللباس ، باب : عذاب المصورين يوم القيامة ، حديث (٥٩٥٠) ومسلم فى «صحيحه» (٣ / ١٦٧٠) كتاب اللباس والزينة ، باب : تحريم تصوير صورة الحيوان ، وتحريم اتخاذ ما فيه صور حديث (٢١٠٩ / ٩٨) ، والنسائى (٨ / ٢١٦) كتاب الزينة ، باب ذكر أشد الناس عذابا ، وأحمد فى مسنده (١ / ٢٧٥) من حديث ابن مسعود به مرفوعا ورواه أحمد فى مسنده (١ / ٤٢٦) ، ومن حديث ابن مسعود أيضا بلفظ «إن من أشد أهل النار عذابا يوم القيامة المصورين».

(٢) ينظر الكتاب (٣ / ٧٣).

٩٥

ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه

بعدّته ينزل به وهو أعزل (١)

وإن صدرت الجملة المفسرة لهذا الضمير بمؤنث أو بفعل ذى علامة تأنيث أو بمذكر شبه به مؤنث ـ رجح تأنيثه باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشأن.

ولأن القصة والشأن معناهما واحد ، وفى التأنيث مشاكلة لما بعد فكان أولى.

فالأول : نحو : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٩٧]. والثانى :

نحو : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦].

ونحو قول الشاعر : [من الطول]

على أنّها تعفو الكلوم (٢) وإنّما

توكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي (٣)

والتذكير جائز كما قال أبو طالب (٤) : [من الطويل]

وإن لم يكن لحم غريض (٥) فإنّه

تكبّ على أفواههنّ الغرائر (٦)

والثالث : نحو : «إنّها قمر جاريتك».

[فإن وليه ظرف مسند إلى مؤنث نحو : «إنّه عندك جارية» جاز فيه الوجهان.

__________________

(١) الأعزل : هو من لا سلاح معه. ينظر القاموس (عزل) ، والبيت لأميّة بن أبى الصّلت فى الإنصاف ١ / ١٨١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٥٠ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٠٢ ، والكتاب ٣ / ٧٣ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٨ / ٤٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٩٢.

(٢) الكلوم : جمع الكلم ، وهو الجرح. ينظر القاموس (كلم).

(٣) البيت لأبى خراش الهذلىّ فى أمالى المرتضى ١ / ١٩٨ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٠٥ ، ٤١٥ ، وسمط اللآلى ص ٦٠١ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٣٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٧٨٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٢١ ، وشرح المفصّل ٣ / ١١٧ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٦٨ ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ص ٤٥٣ ، والخصائص ٢ / ١٧٠ ، والمحتسب ٢ / ٢٠٩ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٤٥.

(٤) هو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ، عم النبى ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو سيدنا على ـ رضى الله عنه ـ كان من أبطال بنى هاشم ورؤسائهم ، وخطبائهم ، وشعرائهم ، وهو الذى تولى تربية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وفاة جده عبد المطلب ، ودافع عنه فى أثناء دعوته. ومما ينسب إليه : ديوان شيخ الأباطح أبى طالب. توفى فى العام الثالث قبل الهجرة. ينظر : طبقات ابن سعد (١ / ٧٥) ، خزانة الأدب (١ / ٢٦١) ، الأعلام (٤ / ١٦٦).

(٥) غريض : طرى. القاموس (غرض).

(٦) الغرائر : جمع غرارة ، وهى وعاء من الخيش ونحوه ، يوضع فيه القمح ونحوه ، وهو أكبر الجوالق. الوسيط (غرر).

وانظر : ديوانه ١١ ، وخزانة الأدب ١ / ١٧٧ ، وشرح التسهيل ١ / ١٦٥ ، والعينى ٣ / ٥٣٩.

٩٦

فإن كان المؤنث فضلة كقولك : «إنّه زيد حبّ هند» ، أو كفضلة كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ) [طه : ٧٤] فالمسموع فيه التذكير ويجوز التأنيث] (١).

فصل فى الضمير المسمى فصلا

(ص)

وسمّ فصلا مضمرا طبقا تلا

ذا خبر معرّف كـ (المجتلى)

أوذى تنكّر منافر لأل

ك (كنت أنت مثل زيد أو أجل

فى سبقه حالا وأن يكتنفا

باسمين منكورين خلف عرفا

وماله محلّ إعراب لدى

أئمة البصرة حيث وجدا

وقد يرى مبتدأ وذا انتخب

إن لمغايرة الثانى نسب

ومبتدا يجعله بعض العرب

إذ للّذى من بعده الرّفع انتسب

(ش) من الضمائر الذى يسمى عند البصريين (٢) فصلا ، وعند

__________________

(١) ما بين المعكوفين سقط فى «أ».

(٢) هم علماء البصرة النحويون الذين ينسب إليهم المذهب البصرى فى اللغة ـ وقد كانوا أول من تكلم فى النحو كعلم وقاعدة ، كما كان مذهبهم أول المذاهب النحوية التى أسهمت فى بناء صرح النحو عاليا وشامخا.

وقد قيل عنهم إنهم قد سبقوا الكوفيين فى صناعة النحو بما يقرب من مائة عام كانت الكوفة خلالها منشغلة بعلم الحديث وتدوين الأخبار.

ولقد كان لموقع البصرة الجغرافى أثر كبير فى ارتياد العرب الأقحاح لها مما جعلهم يتخذون منها مستقرّا ومقاما ، وهذا ما أهل أهلها لتدوين النحو والاشتغال به ، يضاف إلى ذلك وجود سوق المربد فيها ، وهو سوق كان أهل البادية يفدون إليه ، ويزجون فيها بضائعهم من شعر وأدب وفصاحة.

وهذا ما جعل من البصريين علماء أفذاذا ، ومن المذهب البصرى مذهبا قويا.

ولقد شهر عن البصريين أنهم كانوا يحرصون على استقاء اللغة من منابعها ، وكانوا يتحرزون عن أخذها من الأعراب الذين وفدوا إلى الحاضرة اعتقادا منهم بأن اللحن قد سرى إلى ألسنتهم ولم يعودوا أهل ثقة مطلقة فى أخذ اللغة عنهم.

ولهذا كانوا هم أول من ابتدع الرحلة إلى الصحراء ومشافهة الأعراب فيها ، والإقامة بينهم سنين طويلة ، وكان ممن رحلوا مثل هذه الرحلات من رجال الطبقة الثالثة أمثال الخليل ويونس والأصمعى (انظر مادة مذهب).

وللبصريات طبقات سبع هى :

١ ـ الأولى ومن رجالها مضر بن عاصم وأبو داود عبد الرحمن بن هرمز ، وعنبسة الفيل ، وأبو الأسود الدؤلى.

٩٧

الكوفيين (١) ، عمادا.

ولفظه لفظ ضمير الرفع المنفصل.

ويتوسط بين مطلوبى الابتداء أو ناسخ من نواسخه بشرط تأخر الخبر وكونه معرفا أو كمعرف فى عدم قبول الألف واللام كـ «مثل» مضاف وأفعل التفضيل.

ولا بد من مطابقته ما قبله فى الإفراد والتذكير والحضور وغير ذلك نحو :

«زيد هو الكريم» أو «أكرم من عمرو» أو «مثله».

و «كنت أنا الخبير» أو (أخبر منك) أو «مثلك».

و «إنّه هو الرّحيم» أو «أرحم من غيره» أو «مثله».

__________________

٢ ـ الثانية : ومن رجالها عبد الله بن أبى إسحق الحضرمى وعيسى بن عمر.

٣ ـ الثالثة : ومن رجالها الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب.

٤ ـ الرابعة : ومن رجالها سيبويه واليزيدى والأصمعى.

٥ ـ الخامسة : ومن رجالها محمد بن المستنير المعروف بقطرب والأخفش الأوسط.

٦ ـ السادسة ومن رجالها صالح بن إسحق المعروف بالجرمى ، وعبد الله بن محمد المعروف بالتوزى والمازنى والسجستانى.

٧ ـ السابعة : ومن رجالها المبرد.

وقد كان للبصريين مناظرات ومساجلات كثيرة مع غيرهم من رجال المذاهب الأخرى كان لهم فيها قصب السبق والقدح المعلى.

ولما كان عليه البصريون من دقة فى نقل اللغة وتدوينها لقى مذهبهم قبولا واسعا فى مختلف الأمصار والأقطار. وسنورد الأسباب التى جعلتهم يتصدرون فى صدد الحديث عن المذاهب النحوية. ينظر : معجم المصطلحات النحوية ص ٢١.

(١) هم رجال المذهب الكوفى الذين قام على أكتافهم وجهدوا فى سبيله حتى أسسوه مذهبا كاملا يحتوى على الكثير من القواعد الدقيقة التى تستحق الاعتماد عليها والأخذ بها.

وقد خالف الكوفيون البصريين فى أمور كثيرة دعت العلماء إلى التمييز بين آرائهم من ناحية وآراء البصريين من ناحية أخرى. وفى تبيان المسائل الخلافية بين المذهبين ألف ابن الأنبارى كتابه الشهير الذى أسماه : الإنصاف فى مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين.

وللكوفيين طبقات خمسة هى :

الأولى ـ ويمثلها أبو جعفر الرؤاسى وأبو مسلم معاذ بن مسلم الهراء.

الثانية ـ ويمثلها الكسائى.

الثالثة ـ ويمثلها أبو الحسن على بن الحسن بن المبارك المعروف بالأحمر ، وكذلك الفراء وهشام بن معاذ بن الضرير واللحيانى.

الرابعة ـ ويمثلها أبو عبيد الله قاسم بن سلام وابن الأعرابى وابن السكيت.

الخامسة : ويمثلها ثعلب.

ينظر : معجم المصطلحات النحوية ص ١١٨.

٩٨

و «ظننته هو الظّريف» أو «أظرف منك» أو «مثلك».

وقد أشرت إلى هذا كله بقولى :

 .... طبقا تلا

ذا خبر معرّف ...

أى : مطابقا لما تقدم عليه من ذى خبر.

فتناول ذو الخبر المبتدأ ، واسم «كان» و «إنّ» وأخواتهما.

وأول مفعولى «ظننت».

ثم قيدت الخبر بكونه معرفا كـ «المجتلى».

أو ذا تنكر منافر لـ (أل) والإشارة إلى أفعل التفضيل ومثل وغير مضافين فالواقع قبل المعرف كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) [الصافات : ٧٧] والواقع قبل أفعل التفضيل كقوله ـ تعالى ـ (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [الكهف : ٣٩].

فالياء من «ترنى» مفعول أول وهو مبتدأ فى الأصل ؛ لأن المراد : رؤية القلب.

و «أنا» : فصل.

و «أقلّ» : أفعل تفضيل وانتصب بـ «تر» مفعولا ثانيا وهو خبر فى الأصل.

وتسميته فى حال المفعولية خبرا جائز ، وعلى ذلك اعتمدت إذ قلت فى النظم :

 ....

ذا خبر معرّف ...

أو شبهه كأفعل التفضيل أو

مثل مضاف ...

وأجاز قوم وقوعه قبل الحال وجعلوا من ذلك قراءة بعضهم : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)(١) [هود : ٧٨] بالنصب.

وقول بعض العرب : «أكثر أكلى التفّاحة هو نضيجة».

والوجه فى الأول أن ينصب «أطهر» بـ «لكم» على أنه خبر «هنّ» ؛ فيكون من تقديم

__________________

(١) وقرأ الحسن وزيد بن على وسعيد بن جبير وعيسى بن عمر والسدى «أطهر» بالنصب وخرجت على الحال فقيل : «هؤلاء» مبتدأ ، «بناتى هن» جملة فى محل خبر و «أطهر» حال والعامل إما التنبيه وإما الإشارة وقيل : «هن» فصل بين الحال وصاحبها.

وجعل من ذلك قولهم «أكثر أكل التفاحة هى نضيجة كما حكى ذلك المصنف ومنعه بعض النحويين وخرج الآية على أن «لكم» خبر «هن» فلزمه على ذلك أن يتقدم الحال على عاملها المعنوى وخرج المثال المذكور على أن «نضيجة» منصوب بـ «كان» مضمرة. ينظر الدر المصون (٤ / ١١٧ ، ١١٨).

٩٩

الحال على العامل الظرفى نحو قوله ـ تعالى ـ : (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] بنصب مطويات.

وأما نصب «هو نضيجة» فعلى جعل «هو» مبتدأ ثانيا ، و «هو» وخبره خبر المبتدأ الأول.

والتقدير : أكثر أكلى التفاحة هو إذا كانت نضيجة.

وأجاز ـ أيضا ـ قوم وقوعه بين نكرتين كمعرفتين نحو : «حسبت خيرا من زيد هو خيرا من عمرو».

ذكر ذلك سيبويه عن بعض المتقدمين ، وأنكره إنكارا شديدا ، وقد أشرت إلى الخلف فى ذلك.

واختلف فى هذا الضمير المسمى «فصلا» هل له موضع من الإعراب أم لا؟.

فالبصريون (١) على أنه لا موضع له ؛ لأن الغرض به : الإعلام من أول وهلة بكون الخبر خبرا لا صفة ، فاشتد شبهه بالحرف إذ لم يجأ به إلا لمعنى فى غيره فلم يحتج إلى موضع من الإعراب.

ولأنه لو كان له موضع من الإعراب ، لكان «إيّاى» أولى من «أنا» فى نحو : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [الكهف : ٣٩].

ولكان «إيّاه» أولى من «هو» فى نحو : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) [المزمل : ٢٠].

وإذا لم يكن له موضع من الإعراب ، فالحكم عليه بالحرفية غير مستبعد.

كما فعل بكاف «ذلك» ونحوه.

والكوفيون يرون أن له موضعا من الإعراب : فله عند الكسائى (٢) ما لما بعده.

وله عند الفراء ما لما قبله.

__________________

(١) فى ط : فالأكثرون.

(٢) هو على بن حمزة بن عبد الله الأسدى ، الكوفى ، أبو الحسن الكسائى ، إمام فى اللغة والنحو والقراءة. كان مؤدب الرشيد العباسى ، وابنه الأمين. يعد إمام الكوفيين فى النحو واللغة ، وأحد القراء السبعة المشهورين ، قيل عنه : كان أعلم الناس ، ضابطا ، عالما بالعربية ، قارئا صدوقا.

من مصنفاته : معانى القرآن ، القراءات ، النوادر ، المصادر ، الحروف ، وغيرها.

مات سنة تسع وثمانية ومائة ، على خلاف فى سنة موته. ينظر : بغية الوعاة (٢ / ١٦٢ ـ ١٦٤) ، نزهة الألبا (٨١ / ٩٤) تاريخ بغداد (١١ / ٤٠٣) ، الأعلام (٤ / ٢٨٣).

١٠٠