شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

وإما فعلية : فإن كان الفعل دعاء ، أو غير متصرف باشرته «أن» كقوله ـ تعالى ـ : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) [النور : ٩]

وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩]

وإن كان غيرهما قرن بـ «قد» كقوله ـ تعالى ـ : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) [المائدة : ١١٣]

وكقول الشاعر : [من الطويل]

شهدت بأن قد خطّ ما هو كائن

وأنّك تمحو ما تشاء وتثبت (١)

أو بنفى نحو قوله ـ تعالى ـ : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) [البلد : ٧]

أو بحرف تنفيس نحو قوله ـ تعالى ـ (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] أو بـ «لو» نحو قوله ـ تعالى ـ : (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) [سبأ : ١٤]

وعلى كل حال لا تقع «أن» المذكورة ـ غالبا ـ إلا بعد علم أو ظن ؛ فلذلك قلت :

وقبل (أن) ذى علم او ظنّ لزم

وبشذوذ ما سوى هذا وسم

فمن الشاذ قول كثير : [من الطويل]

تمنّيك نفس أن ستدنو ولو دنت

دنت وهى لا بالوصل يدنو سرورها

وقول الفرزدق : [من الطويل]

أبيت أمنّى النّفس أن سوف نلتقى

وهل هو مقدور لنفسى لقاؤها (٢)

فأوقعا «أن» المخففة بعد فعل التمنى وهو غريب.

ومن الشاذ ـ أيضا ـ قوله : [من الطويل]

رأيتك أحييت النّدى بعد موته

فعاش النّدى من بعد أن هو خامل

ومثله : [من الطويل]

فكان لها ودّى وريقة (٣) ميعتى (٤)

وليدا إلى أن رأسى اليوم أشيب

فأوقعا «أن» المخففة غير مسبوقة بعلم ولا ظن.

__________________

ـ نسبة فى خزانة الأدب ١٠ / ٣٩١ ، ورصف المبانى ص ١١٥ ، وشرح المفصل ٨ / ٧١ ، والمقتضب ٣ / ٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٢.

(١) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ١٤٦.

(٢) ينظر ديوانه (١ / ٧).

(٣) الريق : القوة. القاموس (ريق).

(٤) ميعة الشباب والنهار : أوله. القاموس (ميع).

٢٢١

وكذلك إن وقع الفعل بعدها متصلا بها ولم يكن دعاء ، ولا غير متصرف ـ فهو جائز بضعف.

وقد يكون الفعل المتصل بها مضارعا ، وقد يكون ماضيا. فالمضارع كقول الشاعر : [من الخفيف]

علموا أن يؤمّلون فجادوا

قبل أن يسألوا بأعظم سؤل (١)

وكقول الآخر : [من مجزوء الكامل]

إنّى زعيم يا نوى

قة إن أمنت من الرّزاح (٢)

ونجوت من عرض المنو

ن من الغدوّ إلى الرّواح (٣)

أن تهبطين بلاد قو

م يرتعون من الطّلاح (٤)

والماضى : كقول أبى ذؤيب : [من الطويل]

فلمّا رأوا أن أحكمتهم ولم يكن

يحلّ لهم إكراهها وغلابها (٥)

دعانى إليها القلب إنّى لأمره

سريع فما أدرى أرشد طلابها (٦)

وليس المراد بالعلم والظن لفظهما ، بل معناهما بأى لفظ كان.

فمن وقوع «أن» المخففة بعد مفهم علم قول ابن أبى ربيعة : [من الكامل]

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٣٧٣ ، وتخلص الشواهد ص ٣٨٣ ، والجنى الدانى ص ٢١٩ ، والدرر ٢ / ١٩٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٣٣ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩٦ ، وشرح قطر الندى ص ١٥٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٩٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٣.

(٢) يقال : رزح إذا أعيا. مقاييس اللغة (رزح).

والبيت بلا نسبة فى تهذيب اللغة ٤ / ٣٨٣.

(٣) ينظر : العينى (٢ / ٢٩٧) ، واللسان (أنن).

(٤) الطلاح : جنس من الشجر ، رباب من الهذال وما أشبهه. مقاييس اللغة : (طلح).

والبيت للقاسم بن معن فى المقاصد النحوية ٢ / ٢٩٧ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٦٥ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٢١ ، ورصف المبانى ص ١١٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٩ ، ولسان العرب (طلح) ، (صلف) ، (أنن).

(٥) ينظر : شرح أبيات مغنى اللبيب (١ / ٢١) ، والدرر (٢ / ١٧٦) ، وديوان الهذليين (١ / ٧١).

(٦) البيت فى تخليص الشواهد ص ١٤٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٥١ ، والدرر ٦ / ١٠٢ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٤٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٥٥ ، وشرح شواهد المغنى ص ٢٦ ، ١٤٢ ، ٢ / ٦٧٢ ، ومغنى اللبيب ص ١٣ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٣٧١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٢.

٢٢٢

ثمّ انصرفت وكان آخر عهدنا

أن سوف يجمعنا إليك الموسم (١)

ومنه قول الأحوص (٢) : [من الطويل]

وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى

إذا لم يزر لا بدّ أن سيزور

ومنه قول جرير : [من الطويل]

وآية لؤم التّيم أن لو عددتم

أصابع تيمى نقصن عن العشر (٣)

ولذلك قال الفراء (٤) فى (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) [آل عمران : ٤١ ، مريم : ١٠] : «قرئ نصبا ، ولو رفع كان صوابا» (٥).

(ص)

وخفّفت (إنّ) فقلّ العمل

وإن تلا فعل فممّا يعزل

عمل الابتدا وشذّ نحو : (إن

قتلت) والثّانى بلام يقترن

فارقة إن لم يكن يستغنى

عن ذكرها بعمل أو معنى

(ش) إهمال «إنّ» المكسورة بالتخفيف أكثر من إعمالها ، ولذا قلت :

 ... فقلّ العمل

 ...

ثم أشرت إلى أنه إذا تلاها فعل ، فحقه أن يكون بعض نواسخ الابتداء نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) [البقرة : ١٤٣]

ثم أشرت إلى أنه قد يليها فعل غير ناسخ للابتداء على سبيل الشذوذ ؛ كقول عاتكة (٦) امرأة الزبير ـ رضى الله عنه ـ : [من الكامل]

__________________

(١) ينظر : ديوانه (٢٢٧).

(٢) هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصارى ، الشهير بالأحوص ، شاعر هجاء ، من طبقة جميل بن معمر ، كان معاصرا لجرير والفرزدق ، كان حماد الراوية يقدمه فى النسيب على شعراء زمانه ولقب بالأحوص لضيق فى مؤخرة عينيه. له ديوان شعر ، وأخبار كثيرة. مات سنة ١٠٥ ه‍.

ينظر : الأعلام (٤ / ١١٦) ، الأغانى (٤ / ٤٠ ـ ٥٨) ، الشعر والشعراء (٢٠٤).

(٣) ينظر : ديوانه (٢١٤).

(٤) قال الفراء : وقوله : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ) (أن) فى موضع رفع أى : آيتك هذا ، و (تكلم) منصوبة بـ (أن) ولو رفعت كما قال : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) كان صوابا.

ينظر : معانى القرآن : ٢ / ١٦٢.

(٥) ينظر الدر المصون (٤ / ٤٩٤).

(٦) هى عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، القرشية ، العدوية ، شاعرة صحابية ، من المهاجرات

٢٢٣

يا عمرو لو نبّهته لوجدته

لا طائشا رعش الجنان ولا اليد

شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد (١)

وحكى الكوفيون (٢) : «إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه».

وسمع سيبويه (٣) بعض العرب يقول : «أما إن جزاك الله خيرا» ـ بالكسر ـ وجعل تقديره : أما إنك جزاك الله خيرا.

والفتح أشهر.

وإذا أعملت وهى مخففة ، فالمتكلم بالخيار فى الإتيان باللام وتركها ، كما كان قبل التخفيف.

ومن إعمالها مخففة قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١]

قال سيبويه (٤) : «وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول : (إن عمرا لمنطلق)».

وقال الأخفش فى كتاب (المعانى) له :

«وزعموا أن بعضهم يقول : «إن زيدا لمنطلق» وهى مثل :

__________________

إلى المدينة ، تزوجها عبد الله بن أبى بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم الزبير بن العوام. ماتت سنة ٤٠ ه‍. ينظر : الأعلام (٣ / ٢٤٢) ، الإصابة ت (١١٤٥٢).

(١) البيت فى الأغانى ١٨ / ١١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، ٣٧٨ ، والدرر ٢ / ١٩٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٣١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٧١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٧٨ ، ولأسماء بنت أبى بكر فى العقد الفريد ٣ / ٢٧٧ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٤٩ ، والإنصاف ٢ / ٦٤١ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٦٨ ، وتخليص الشواهد ص ٣٧٩ ، والجنى الدانى ص ٢٠٨ ، ورصف المبانى ص ١٠٩ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٤٨ ، ٥٥٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٣٦ ، وشرح المفصل ٨ / ٧١ ، ٩ / ٢٧ ، واللامات ص ١١٦ ، ومجالس ثعلب ص ٣٦٨ ، والمحتسب ٢ / ٢٥٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٤ ، والمقرب ١ / ١١٢ ، والمنصف ٣ / ١٢٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٢.

(٢) قال الفراء : كلام العرب أن يولوها الماضى. قالوا : وقد حكى : إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه ...». ينظر : الأصول فى النحو : ١ / ٢٦٠.

(٣) قال سيبويه : أما إن جزاك الله خيرا ، شبهوه بأنّه ، فلما جازت «إنّ» كانت هذه أجوز. ينظر : الكتاب (٣ / ١٦٨).

(٤) وأهل المدينة يقرءون : «وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم» يخففون وينصبون ... ينظر : الكتاب (٢ / ١٤٠).

٢٢٤

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ـ يقرأ بالنصب والرفع». هذا نصه (١).

فإذا أهملت لزمت اللام ثانى الجزأين ؛ لئلا يتوهم كونها نافية.

فإن كان المحل غير صالح للنفى لم تجب اللام نحو : «إن كادت نفس الخائف تزهق» ، و «إن كان الكريم يرتاح للعطاء» و «إن وجدت الله لطيفا بعباده».

وفى صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين ـ رضى الله عنها ـ : «إن كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يحبّ التّيمّن فى طهوره إذا تطهّر ، وفى ترجّله إذا ترجّل ، وفى انتعاله إذا انتعل» (٢).

ومنه قراءة بعض السلف (٣) : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ) [الزخرف : ٣٥]

ذكرها ابن جنى (٤) فى (المحتسب) ، وعزاها إلى أبى رجاء (٥).

__________________

(١) عبارة الأخفش : «وقد زعموا أن بعضهم يقول : «إن زيدا لمنطلق» يعملها على المعنى وهى مثل : «إن كل نفس لما عليها حافظ» يقرأ : بالنصب والرفع. اه. ينظر : معانى القرآن للأخفش : ١ / ٢٩٠ ، ٢٩١.

(٢) رواه مسلم فى صحيحه (١ / ٢٢٦) كتاب الطهارة ، باب : التيمن فى الطهور وغيره حديث (٦٦ / ٢٦٨) من حديث عائشة باللفظ المذكور.

ورواه البخارى فى صحيحه (١ / ٣٦٢) كتاب الوضوء ، باب : التيمن فى الوضوء والغسل حديث (١٦٨) ، وأطرافه فى (٤٢٦) ، (٥٣٨٠) ، (٥٨٥٤) ، (٥٩٢٦) ومسلم فى (٦٧ / ٢٦٨) وأبو داود (٤ / ٧٠) كتاب اللباس ، باب : فى الانتعال ، حديث (٤١٤٠) ، والترمذى كتاب الوتر ، باب : ما يستحب من التيمن فى الطهور حديث (٦٠٨) ، وابن ماجه (١ / ١٤١) كتاب الطهارة وسننها حديث (٤٠١) والنسائى فى (١ / ٧٨) ، (٨ / ١٨٥) وأبو يعلى (٤٨٥١) وابن خزيمة (١٧٩) ، (٢٤٤) وابن حبان (١٠٩١) ، (٥٤٥٦) والبيهقى (١ / ٢١٦) ، والبغوى (١١٦) من حديث مسروق عن عائشة ، ولفظ الترمذى وابن ماجه مثل لفظ مسلم وهو اللفظ الذى استشهد به المصنف وهو عند البخارى وبعضهم بلفظ «كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعجبه التيمن فى تنعله وترجله وطهوره وفى شأنه كله».

(٣) وقرأ بها أبو رجاء وأبو حيوة «لما» بكسر اللام على أنها لام العلة دخلت على ما الموصولة وحذف عائدها وإن لم تطل الصلة ، والأصل : للذى هو متاع ، كقوله : «تماما على الذى أحسن» برفع النون و «إن» هى المخففة من الثقيلة و «كل» مبتدأ ، والجار بعده خبره ، أي : وإن كل ما تقدم ذكره كائن للذى هو متاع الحياة ، وكان الوجه أن تدخل اللام الفارقة لعدم إعمالها ، إلا أنها لما دل الدليل على الإثبات جاز حذفها. ينظر الدر المصون (٦ / ٩٧).

(٤) قال ابن جنى : ومن ذلك قراءة أبى رجاء : «لما متاع» قال أبو الفتح : (ما) هنا بمنزلة الذى ، والعائد إليها من صلتها محذوف ، وتقديره : «وإن كل ذلك للذى هو متاع الحياة الدنيا ... ينظر : المحتسب : (٢ / ٢٥٥).

(٥) هو عمران بن ملحان ، ويقال ابن تيم ، أبو رجاء العطاردى ، مشهور بكنيته ، مخضرم ثقة ، معمر ، مات سنة ١٠٥ ه‍. ـ ينظر : تقريب التهذيب ت (٥٢٠٦) ، سير أعلام النبلاء (٤ / ٢٥٣).

٢٢٥

و «ما» موصولة ، وعائدها محذوف.

والتقدير : وإن كل ذلك للذى هو متاع الحياة الدنيا. ومنه قول الطرماح (١) :

[من الطويل]

أنا ابن أباة الضّيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المعادن (٢)

(ص)

ونصب ما على اسم ذا الباب عطف

أجز بلا قيد ، وبالرّفع اعترف

ل (إنّ) بعد خبر ، وقبل أن

نويت تأخيرا ، و (أنّ) مثل (إنّ) (٣)

والرّفع ـ مطلقا ـ رأى الكسائى

وإن يك الإعراب ذا خفاء

وقدّم المعطوف فالفرّاء قد

يرفع عموما ، وبفتواه ورد

«يا ليتنى وأنت يا لميس

فى بلد ليس به أنيس»

وصحّ «أجمعون ذاهبونا»

«وإنّهم» من قبل «أجمعون»

وناصب يحيى بـ (ليت) الخبرا

وبعضهم عمّ ، وممّا سطّرا

«كأنّ أذنيه إذا تشوّفا

قادمة أو قلما محرّفا»

(ش)

يجوز نصب المعطوف على اسم «إنّ» وأخواتها متقدما على الخبر ، ومتأخرا.

فالتقدم كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] والتأخر كقول الراجز : [من الرجز]

إنّ الرّبيع الجود (٤) والخريفا

يدا أبى العبّاس والصّيوفا (٥)

__________________

(١) هو الطرماح بن حكيم بن الحكم ، شاعر إسلامى فحل ، اعتقد مذهب «الشراة» من «الأزارقة» ، وكان هجاءا ، معاصرا للكميت وصديقه لا يكادان يفترقان ، له ديوان شعر ، مات سنة ١٢٥ ه‍. ينظر : الأعلام (٣ / ٢٢٥) ، الأغانى (١٠ / ١٤٨) ، الشعر والشعراء (٢٢٨).

(٢) البيت فى ديوانه ص ٥١٢ ، والدرر ٢ / ١٩٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٧٦ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٣٦٧ ، وتخليص الشواهد ص ٣٧٨ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، والجنى الدانى ص ١٣٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٣٧ ، وشرح قطر الندى ص ١٦٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤١.

(٣) فى أ: نويت تأخيرا و (لكن) كـ (إن).

(٤) الجود : المطر الغزير. مقاييس اللغة (جود).

(٥) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٩ ، وتخليص الشواهد ص ٣٦٨ ، وشرح التصريح

٢٢٦

ويجوز الرفع مع «إنّ» و (لكنّ) ـ خصوصا ـ بعد الخبر بإجماع.

ومثال ذلك مع (إنّ) قوله : [من الطويل]

فمن يك لم ينجب أبوه وأمّه

فإنّ لنا الأمّ النّجيبة والأب (١)

ومثاله مع «لكنّ» قوله : [من الطويل]

وما زلت سبّاقا إلى كلّ غاية

بها يقتضى فى النّاس مجد وإجلال

وما قصّرت بى فى التّسامى خئولة

ولكنّ عمّى الطّيّب الأصل والخال (٢)

وأجاز ذلك الكسائى مطلقا ، والفراء (٣) فى سائر عوامل الباب بشرط خفاء إعراب الاسم.

ومن حجج الفراء قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [المائدة : ٦٩]

ومن حججه ـ أيضا ـ قول الشاعر : [من الطويل]

فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّى وقيّار بها لغريب (٤)

__________________

١ / ٢٢٦ ، والكتاب ٢ / ١٤٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٦١ ، وللعجاج فى الدرر ٦ / ١٨١ ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٣٥١ ، والمقتضب ٤ / ١١١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٤.

(١) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك (١ / ٣٥٣) ، وتخليص الشواهد (٣٧٠) ، والدرر (٦ / ١٧٩) ، وشرح الأشمونى (١ / ١٤٣) ، وشرح التصريح (١ / ٢٢٧) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٢٦٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٤٤).

(٢) ينظر أوضح المسالك ١ / ٣٥٥ ، وتخليص الشواهد ص ٣٧٠ ، والدرر ٦ / ١٨٦ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٢٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٤.

(٣) قال ابن السراج : والفراء يجيز : إن هذا وزيد قائمان ، وإن الذى عندك وزيد قائمان ، وإنك وزيد قائمان ، إذا كان اسم (إن) لا يتبين فيه الإعراب. ينظر الأصول فى النحو ١ / ٢٥٦.

(٤) البيت لضابئ بن الحارث البرجمى فى الأصمعيات ص ١٨٤ ، والإنصاف ص ٩٤ ، وتخليص الشواهد ص ٣٨٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٢٦ ، ١٠ / ٣١٢ ، ٣١٣ ، ٣٢٠ ، والدرر ٦ / ١٨٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٦٩ ، وشرح التصريح ١ / ٢٢٨ وشرح شواهد المغنى ص ٨٦٧ ، وشرح المفصل ٨ / ٨٦ ، والشعر والشعراء ص ٣٥٨ ، والكتاب ١ / ٧٥ ، ولسان العرب (قير) ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٨٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٨ ، ونوادر أبى زيد ص ٢٠ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ١٠٣ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٥٨ ، ورصف المبانى ص ٢٦٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ٣٧٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٤ ، ومجالس ثعلب ص ٣١٦ ، ص ٥٩٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٤.

٢٢٧

ويصلح أن يكون هذا وشبهه حجة للكسائى.

ويقول : بناء الاسم فى الآية والبيت وقع اتفاقا ، ورفع المعطوف هو الحجة ، والأصل التسوية بين المعرب والمبنى فى إجراء التوابع عليهما.

وسيبويه (١) يحمل الآية والبيت على أن المعطوف فيهما منوى التأخير.

ويلحق فى ذلك «أنّ» بـ «إنّ» إذا كان موضعها موضع جملة نحو : «علمت أنّ زيدا منطلق ، وعمرو».

واستشهد سيبويه (٢) بقول الله ـ تعالى ـ : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣]

وبقول الشاعر : [من الوافر]

وإلا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا فى شقاق (٣)

وقال : التقدير : فاعلموا أنا بغاة ما بقينا وأنتم كذلك. ولموافقة سيبويه قلت :

 ...

 ... و «أنّ» مثل «إنّ»

ولم يخص الفراء (٤) رفع المعطوف بـ «إنّ» و «لكنّ» بل أجازه عموما وأنشد مستشهدا : [من الرجز]

يا ليتنى وأنت يا لميس

فى بلد ليس به أنيس (٥)

ومما يصلح الاحتجاج به للفراء والكسائى على رفع المعطوف قبل الخبر ـ قول بعض العرب : «إنّهم أجمعون ذاهبون».

فرفع التوكيد حملا على معنى الابتداء فى المؤكد مع أنهما شيء واحد فى المعنى.

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٢ / ١٥٥).

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ٢٣٨).

(٣) البيت لبشر بن أبى خازم فى ديوانه ص ١٦٥ ، والإنصاف ١ / ١٩٠ ، وتخليص الشواهد ص ٣٧٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٩٣ ، ٢٩٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٢٨ ، والكتاب ٢ / ١٥٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٧١ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٥٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٩.

(٤) ينظر : معانى القرآن (٣ / ٢٧٣).

(٥) الرجز للعجاج فى الدرر ٦ / ١٨٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٣٠ ، وليس فى ديوانه ، ولرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٦ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٣٦٤ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣١٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٤.

٢٢٨

فأن يكون ذلك فى المعطوف والمعطوف عليه لتباينهما فى المعنى أحق وأولى.

ونسب سيبويه (١) قائل : «إنّهم أجمعون ذاهبون» إلى الغلط مع أنه من العرب الموثوق بعربيتهم.

وليس ذلك من سيبويه ـ رحمه‌الله ـ بمرضى ، بل الأولى أن يخرج على أن قائل ذاك أراد : إنهم هم أجمعون ذاهبون.

على أن يكون «هم» مبتدأ مؤكدا بـ «أجمعون» مخبرا عنه بـ «ذاهبون».

ثم حذف المبتدأ ، وبقى توكيده ، كما يحذف الموصوف ، وتبقى صفته.

وأكثر ما يكون ذلك فى صلة الموصول نحو : «قدم الّذين فارقت أجمعين» ؛ أى : الذين فارقتهم أجمعين.

وقد أجاز الفراء (٢) نصب جزأى الابتداء بـ «ليت» ومن شواهده قول الشاعر : [من الكامل]

ليت الشّباب هو الرّجيع إلى الفتى

والشّيب كان هو البدىء الأوّل (٣)

ولا حجة فيه لإمكان تقدير «كان» ، وجعل «الرّجيع» خبرها.

وأنشد أبو العباس ثعلب : [من الوافر]

فليت غدا يكون غرار شهر

وليت اليوم أيّاما طوالا (٤)

ومن الكوفيين من ينصب الجزأين بـ «ليت» وغيرها من أخواتها (٥).

ويستشهد بقول الراجز العمانى : [من الرجز]

كأنّ أذنيه إذا تشوّفا

قادمة أو قلما محرّفا (٦)

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٢ / ١٥٥).

(٢) ينظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٣٥٢).

(٣) البيت بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٤٩٣.

(٤) ينظر مجالس ثعلب ص ٢٣٦.

(٥) قال ابن يعيش : وكان بعضهم ينصب الاسم والخبر بعد (ليت) تشبيها لها بوددت وتمنيت ؛ لأنها فى معناهما ، وهى لغة بنى تميم ، يقولون : ليت زيدا قائما ، كما يقولون : ظننت زيدا قائما ، وعليه الكوفيون ، والأول أقيس ، وعليه الاعتماد ، وهو رأى البصريين.

ينظر : شرح المفصل : ١ / ١٠٤.

(٦) الرجز لمحمد بن ذؤيب فى خزانة الأدب ١٠ / ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، والدرر ٢ / ١٦٨ ، وللعمانى فى سمط اللآلى ص ٨٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥١٥ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ـ

٢٢٩

وبحديث يروى وهو : «إنّ قعر جهنّم سبعين خريفا» (١).

ورد جميع ذلك إلى الأصول المجمع عليها أولى.

فيخرج «كأنّ أذنيه» على تقدير كأن أذنيه يحاكيان أو نحو ذلك.

ويخرج «إنّ قعر جهنّم» على أن «قعر» مصدر من قولهم : قعرت البئر (٢) ؛ أى : بلغت قعرها.

و «سبعين» منصوب على الظرفية ، وقد وقع خبرا ؛ لأن الاسم مصدر والإخبار عن المصدر بظرف الزمان مطرد.

ومما يستشهد به ناصب الجزأين قول الشاعر : [من الطويل]

إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن

خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا (٣)

باب (لا) العاملة عمل (إن)

(ص)

إذا منكّر بمعنى (من) يلى

(لا) فب (إنّ) ألحقت فى العمل

وتلوها انصبن بها اسما إن يضف

أو يك كالّذ بالإضافة اتّصف

كمثل (لا صاحب برّ مسلم)

و (لا كريما أصله متّهم)

والمفرد افتح معها مركّبا

ك (لا صلاح لمسيء أدبا)

وإن عطفت مثله عليه

فالرّفع والنّصب انسبن إليه

والفتح ـ أيضا ـ زد إذا كرّرت (لا)

وكنت بالفتح وسمت الأوّلا

وإن رفعته فما للثّانى

فى النّصب حظّ بل له الوجهان

__________________

ـ ص ١٧٣ ، والخصائص ٢ / ٤٣٠ ، وديوان المعانى ١ / ٣٦ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٣٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٩٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٤.

(١) رواه مسلم فى صحيحه (١ / ١٨٧) كتاب الإيمان ، باب : أدنى أهل الجنة منزلة حديث (٣٢٩ / ١٩٥) موقوفا على أبى هريرة عقب حديث رواه من طريق أبى مالك الأشجعى عن أبى حازم عن أبى هريرة وأبى مالك عن ربعى عن حذيفة مرفوعا فى ذكر الشفاعة وفى آخره «والذى نفس أبى هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا».

والحديث تفرد به مسلم دون أصحاب الكتب الستة.

(٢) فى أ: قعر البئر.

(٣) البيت لعمر بن أبى ربيعة فى الجنى الدانى ص ٣٩٤ ، والدرر ٢ / ١٦٧ ، وشرح شواهد المغنى ص ١٢٢ ، ولم أقع عليه فى ديوانه. وهو بلا نسبة فى خزانة الأدب ٤ / ١٦٧ ، ١٠ / ٢٤٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٣٥ ، ومغنى اللبيب ص ٣٧.

٢٣٠

وفتح معطوف بناء قد يرد

بقصد تركيب و (لا) لفظا فقد

والأوجه الثّلاثة الوصف أنل

إن كان مع إفراده لم ينفصل

والفتح ممنوع إذا لم يتّصل

أو كان غير مفرد ولو وصل

والثّانى من (لا ماء ماء باردا)

نون أو اجعلنهما اسما واحدا

ونحو : (لا ابنين) و (لا أب) اطّرد

ونحو (لا أبا) و (لا ابنى) قد ورد

بشرط كون اللام بعد مقحما

ونحو (لا أباك) نزرا علما

وإن أتاك علم وهو اسم (لا)

فكن له بشائع مؤوّلا

كقولهم فى رجز مروى

(لا هيثم اللّيلة للمطى)

وأعط (لا) مع همز الاستفهام

فى غير عرض ما بلا استفهام

وفى تمنّ بـ (ألا) لا تلغ (لا)

وغير نصب تابع اسمها احظلا

وشاع فى ذا الباب إسقاط الخبر

إذا المراد مع سقوطه ظهر

وذاك فى عرف تميم يلزم

والاسم للعلم به قد يعدم

ولازم فى سعة تكرير (لا)

إذا بذى التّعريف محضا وصلا

كذا إذا يتلوه نعت أو خبر

أو حال الا فى اضطرار من شعر

(ش) إذا قصد بـ «لا» نفى الجنس على سبيل الاستغراق اختصت بالاسم ؛ لأن قصد الاستغراق على سبيل التنصيص يستلزم وجود «من» لفظا أو معنى ، ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات ، فوجب لـ «لا» عند ذلك القصد عمل فيما يليها ، وذلك العمل إما : جر ، وإما رفع ، وإما نصب.

فلم يكن جرّا لئلا يعتقد أنه بـ «من» المنوية ، فإنها فى حكم الموجودة لظهورها فى بعض الأحيان ؛ كقول الشاعر : [من الطويل]

فقام يذود النّاس عنها بسيفه

وقال : ألا لا من سبيل إلى هند (١)

ولم يكن رفعا لئلا يعتقد أنه بالابتداء فتعين النصب ؛ ولأن فى ذلك إلحاق «لا»

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى كتاب العين ٨ / ٣٥٢ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٤٢٣ ، وتاج العروس (ألا) ، (لا) ، وأوضح المسالك ٢ / ١٣ ، وتخليص الشواهد ص ٣٩٦ ، والجنى الدانى ص ٢٩٢ ، والدرر ٢ / ٢٢١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٣٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٥ ، ولسان العرب (ألا) ، (لا) ، ومجالس ثعلب ص ١٧٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٣٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٦.

٢٣١

بـ «إنّ» لمشابهتها إياها فى التوكيد ، فإن «لا» لتوكيد النفى ، و «إنّ» لتوكيد الإثبات ، ولفظ «لا» مساو للفظ «إنّ» إذا خففت فى تضمن متحرك بعده ساكن.

فلما ناسبت «لا» : «إنّ» من هذه الجهات ، عملت عملها بشرط أن يكون ما تعمل فيه متصلا بها قابلا لـ «من» الجنسية.

فإن كان مفردا ؛ أى : غير مضاف ، ولا شبيه به ـ بنى معها على الفتح تشبيها بـ «خمسة عشر».

وحكم على موضعه بالنصب اعتبارا بعمل «لا» ، وبالرفع اعتبارا بعمل الابتداء.

وجاز اعتبار عمل الابتداء مع العامل اللفظى الذى هو «لا» كما جاز اعتباره مع «من» فى نحو : «هل فيها من أحد» ؛ لأن «لا أحد فيها» جواب «هل فيها من أحد».

والجواب يجرى مجرى ما هو جواب له.

وإن كان اسم «لا» مضافا ، أو شبيها به نصب بها ولم يبن ؛ لئلا يركب أكثر من شيئين.

ومثال المضاف قولى :

 ... لا صاحب برّ مسلم

 ...

أى : مخذول.

ومثال الشبيه بالمضاف قولى :

 ...

لا كريما أصله متّهم

وإلى بناء المفرد على الفتح أشرت بقولى :

والمفرد افتح معها مركّبا

ك «لا صلاح لمسيء أدبا»

ثم نبهت على ما يكون من الوجوه فى العطف ، فقلت :

وإن عطفت مثله عليه

 ...

أى : إن عطفت على المستحق للفتح مثله فى الإفراد ، والتنكير ـ جاز فى المعطوف : النصب والرفع ، كررت «لا» مع العاطف أو لم تكررها.

فمثال ذلك مع تكرر «لا» : «لا حول ولا قوّة إلا بالله» ، و «لا حول ولا قوّة إلا بالله».

ومثال ذلك مع عدم تكرر «لا» : «لا حول وقوّة إلا بالله» و «لا حول وقوّة إلا بالله».

٢٣٢

ثم قلت :

والفتح ـ أيضا ـ زد إذا كرّرت «لا»

وكنت بالفتح وسمت الأوّلا

أى : زد فى المعطوف المكرر معه «لا» الفتح إن كان المعطوف عليه مفتوحا :

فيقال : «لا حول ولا قوّة إلا بالله» كما قيل : «لا حول ولا قوّة» ـ بالنصب ـ و «لا قوّة» بالرفع.

ثم قلت :

وإن رفعته ...

 ...

أى : وإن رفعت الأول ، وكررت «لا» لم يجز نصب الثانى ؛ لأن نصبه عند فتح الأول إنما كان على اعتقاد عمل «لا» فى المفتوح نصبا مقدرا ، والثانى معطوف عليه.

فإذا رفع لم يبق لها عمل ، يحمل عليه المعطوف لكنه يرفع حملا على رفع الأول ، ويفتح على أنه مركب مع «لا» الثانية

كقول الشاعر : [من الوافر]

فلا لغو ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به أبدا مقيم (١)

ورفع الأول فى الوجهين إما : بالابتداء ، و «لا» مهملة.

وإما بـ «لا» على أنها محمولة على «ليس الرفع».

وحكى الأخفش : «لا رجل وامرأة» ـ بفتح التاء بلا تنوين ـ على تقدير : لا رجل ولا امرأة على تركيب المعطوف مع «لا» الثانية ثم حذفت ونويت ، واستصحب مع نيتها ما كان مع اللفظ بها.

وإلى هذا أشرت بقولى :

وفتح معطوف بناء قد يرد

لقصد تركيب و (لا) لفظا فقد

ثم نبهت على أن نعت اسم «لا» المفتوح يجوز فيه إذا كان مفردا متصلا بالمنعوت ثلاثة أوجه :

__________________

(١) البيت لأمية بن أبى الصلت فى ديوانه ص ٥٤ ، وتخليص الشواهد ص ٤٠٦ ، ٤١١ ، والدرر ٦ / ١٧٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٤١ ، ولسان العرب (أثم) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٤٦ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٩ ، وجواهر الأدب ص ٩٣ ، ٢٤٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٩٤ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٢ ، وشرح شذور الذهب ص ١١٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٠٣ ، ولسان العرب (فوه) ، واللمع ص ١٢٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٤.

٢٣٣

ـ الفتح على تركيبه مع المنعوت نحو : «لا رجل ظريف عندك».

ـ والنصب حملا على عمل «لا» المقدر.

ـ والرفع حملا على عمل الابتداء ؛ لأن «لا» عامل ضعيف فلم تنسخ عمل الابتداء لفظا وتقديرا ، فيمتنع اعتباره وحمل النعت عليه ، كما امتنع ذلك مع «إنّ».

ثم بينت أن تركيب النعت يمتنع بفصله من المنعوت ، وإن كان مفردا وبعدم إفراده ، وإن كان متصلا ؛ لأن جزأى المركب لا ينفصلان ؛ ولأن أكثر من شيئين لا يركب.

وإذا امتنع التركيب جاز النصب حملا على عمل «لا» ، والرفع حملا على عمل الابتداء.

وإذا كررت اسم «لا» المفتوح ، فلك أن تركب المؤكّد والمؤكّد تركيب النعت والمنعوت نحو : «لا ماء ماء باردا».

ولك أن تنصب المؤكد ، وتنونه فتقول : «لا ماء ماء باردا».

وتقول : «لا غلامين لك» ، و «لا نعلين لزيد» ، و «لا أب لعمرو» ، و «لا أخ له».

فتجعل «غلامين» و «نعلين» اسمين مركبين ، وما بعدهما من الجار والمجرور خبرا. وكذا «لا أب» و «لا أخ».

وقد تسقط النون ، وتثبت الألف فيقال : «لا غلامى لك» ، و «لا نعلى لزيد» و «لا أبا لعمرو» ، و «لا أخا له».

ولا يفعل هذا إلا مع لام الجر.

والوجه فيه أنه مشبه بالمضاف فعومل معاملته فى حذف النون ، وإثبات الألف.

ووجه شبهه بالمضاف أن اللام وما جر بها صفة ، والصفة مكملة للموصوف كتكميل المضاف إليه للمضاف.

ولو جعلت اللام ، وما جر بها خبرا لثبتت النون ، وسقطت الألف ؛ لزوال شبه الإضافة.

وقد شذ سقوط اللام فى قول الشاعر : [من الوافر]

أبالموت الّذى لا بدّ أنّى

ملاق لا أباك تخوّفيني (١)

__________________

(١) البيت لأبى حية النميرى فى ديوانه ص ١٧٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٠٠ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ، والدرر

٢٣٤

أراد : لا أبا لك.

وقد يتأول العلم بنكرة فتجعل اسم «لا» مركبا معها إن كان مفردا كقول الشاعر : [من الوافر]

أرى الحاجات عند أبى خبيب

نكدن ولا أميّة فى البلاد (١)

وكقول الراجز : [من الرجز]

لا هيثم اللّيلة للمطئ (٢)

ومنصوبا بها إن كان مضافا ؛ كقولهم : «قضيّة ولا أبا حسن لها».

ولا بد من نزع الألف واللام مما هما فيه ؛ ولذلك قالوا : «ولا أبا حسن» ولم يقولوا : «ولا أبا الحسن».

فلو كان المضاف مضافا إلى ما يلازمه الألف واللام كـ «عبد الله» لم يجز فيه هذا الاستعمال.

وللنحويين فى تأويل العلم المستعمل هذا الاستعمال قولان :

أحدهما : أنه على تقدير إضافة «مثل» إلى العلم ، ثم حذف «مثل» فخلفه المضاف إليه فى الإعراب والتنكير.

والثانى : أنه على تقدير : لا واحد من مسميات هذا الاسم.

وكلا القولين غير مرض :

أما الأول : فيدل على فساده أمران :

أحدهما : التزام العرب تجرد المستعمل ذلك الاستعمال من الألف واللام ، ولو كانت إضافة «مثل» منوية لم يحتج إلى ذلك.

__________________

٢ / ٢١٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١١ ، ولسان العرب (خعل) ، (أبى) ، (فلا) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٢ ، والخصائص ١ / ٣٤٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٥٠١ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٢٤ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٥ ، واللامات ص ١٠٣ ، والمقتضب ٤ / ٣٧٥ ، والمقرب ١ / ١٩٧ ، والمنصف ٢ / ٣٣٧ ، وهمع الهوامع ٣٣٧.

(١) البيت بلا نسبة فى لسان العرب (نكد).

(٢) الرجز لبعض بنى دبير فى الدرر ٢ / ٢١٣ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٥٠ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٨٢ ، ٨ / ٩٨ ، وتخليص الشواهد ١٧٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٥٧ ، ٥٩ ، ورصف المبانى ص ٢٦٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٥٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٤٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٥ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٢ ، ٤ / ١٢٣ ، والكتاب ٢ / ٢٩٦ ، والمقتضب ٤ / ٣٦٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٥.

٢٣٥

الثانى : إخبار العرب عن المستعمل ذلك الاستعمال بـ «مثل» كقول الشاعر : [من الطويل]

تبكّى على زيد ولا زيد مثله

بريء من الحمّى سليم الجوانح (١)

فلو كانت إضافة «مثل» منوية لكان التقدير : ولا مثل زيد مثله ؛ وذلك فاسد.

وأما القول الثانى فضعفه بين ؛ لأنه يستلزم ألا يستعمل هذا الاستعمال إلا علم مشترك فيه كـ «زيد».

وليس ذلك لازما لقولهم : «لا بصرة لكم» ، و «لا قريش بعد اليوم».

ولقول النبى ـ عليه‌السلام ـ : «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده» (٢).

وإنما الوجه فى هذا الاستعمال أن يكون على قصد : لا شيء يصدق عليه هذا الاسم كصدقه على المشهور به ؛ فضمن العلم هذا المعنى ، وجرد لفظه مما ينافى ذلك.

وإذا دخلت همزة الاستفهام على «لا» فحكمها مع ما وليها حكمها معه عارية من الهمزة نحو قولك : «ألا حلم (٣) لك»؟ و «ألا صديق لزيد»؟.

وإن عطفت على ما وليها جاز فى المعطوف والمعطوف عليه مع الهمزة ما جاز مع التجرد.

هذا إذا لم يقصد العرض.

فإن كان العرض مقصودا بـ «ألا» اختصت بالفعل ، ووجب إضمار فعل إن لم يكن

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ١٦٦ ، ٤٠٢ ، وتذكرة النحاة ص ٥٢٩ ، ٥٣٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ٥٧ ، والدرر ٢ / ٢١٥ ، والمقرب ١ / ١٨٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٥.

(٢) رواه الشافعى (٢ / ١٨٦) والحميدى (١٠٩٤) وأحمد (٢ / ٢٤٠) ومسلم (٤ / ٢٢٣٧) كتاب الفتن ، باب : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء حديث (٢٩١٨ / ٧٥) والترمذى كتاب الفتن ، باب : ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده حديث (٢٢١٦) والطحاوى فى شرح مشكل الآثار (٥٠٩) والبيهقى (٩ / ١٧٧) وفى الدلائل (٤ / ٣٩٣) والبغوى (٣٨٢٨) من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهرى عن ابن المسيب عن أبى هريرة.

ورواه عبد الرزاق (٤ / ٢٠٨) وأحمد (٢ / ٢٣٣) والبخارى فى المناقب ، باب علامات النبوة فى الإسلام (٣٦١٨) وفى الأيمان والنذور ، باب كيف كانت يمين النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث (٦٦٣٠) ومسلم (٢٩١٨) من طرق عن الزهرى ، به.

ورواه عبد الرزاق (٥ / ٢٠٨) ومن طريقه أحمد (٢ / ٣١٣) والبخارى (٣٠٢٧) ومسلم (٢٩١٨ / ٧٦) عن معمر عن همام عن أبى هريرة وهو فى صحيفة همام برقم (٣٠).

(٣) فى أ: حكم.

٢٣٦

ظاهرا ، كما يجب مع «هلا» ، وذلك كقولك : «ألا تفعل خيرا» ، و «ألا خيرا تفعله».

وقد يضمر الفعل لقرينة معنوية ؛ كقول الشاعر : [من الوافر]

ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصّلة تبيت (١)

على تقدير : ألا يروننى رجلا. هذه هى الرواية المشهورة ، ويروى :

ألا رجل ...

 ...

بالجر ؛ على تقدير : ألا من رجل.

ويجوز أن يكون الشاعر لم يقصد العرض ، ولكنه نون مضطرّا ؛ وهو قول يونس ، والأول أجود ، وهو قول الخليل.

فإذا قصد بـ «ألا» التمنى امتنع الإلغاء ، واعتبار معنى الابتداء عند سيبويه (٢) ، لا عند المازنى والمبرد (٣).

وحذف الخبر فى هذا الباب إذا كان لا يجهل يكثر عند الحجازيين ، ويلتزم عند التميميين.

فإن كان يجهل عند حذفه وجب ثبوته عند جميع العرب.

فمن حذفه لكونه لا يجهل : «لا إله إلا الله» ، و «لا فتى إلا على» ، و «لا سيف إلا ذو الفقار».

ومن الواجب الثبوت لعدم العلم به قوله ـ تعالى ـ : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢]

وقوله ـ تعالى ـ : (لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة : ١٠٩]

__________________

(١) البيت لعمرو بن قعاس (أو قنعاس) المرادى فى خزانة الأدب ٣ / ٥١ ، ٥٣ ، والطرائف الأدبية ص ٧٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٢١٤ ، ٢١٥ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٦٤ ، وإصلاح المنطق ص ٤٣١ ، وأمالى ابن الحاجب ص ١٦٧ ، ٤١٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤١٥ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، والجنى الدانى ص ٣٨٢ ، وجواهر الأدب ص ٣٣٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٨٩ ، ١٨٣ ، ١٩٥ ، ٢٦٨ ، ١١ / ١٩٣ ، ورصف المبانى ص ٧٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٤ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٤١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣١٧ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠١ ، والكتاب ٢ / ٣٠٨ ، ولسان العرب (حصل) ، ومغنى اللبيب ص ٦٩ ، ٢٥٥ ، ٦٠٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٦٦ ، ٣ / ٣٥٢ ، ونوادر أبى زيد ص ٥٦.

(٢) ينظر : الكتاب (٢ / ٣٠٨ ، ٣٠٩).

(٣) قال المبرد : فإن دخلها معنى التمنى ، فالنصب لا غير فى قول سيبويه ، والخليل وغيرهما إلا المازنى وحده ، تقول : ألا ماء أشربه ، ألا ماء وعسلا ، تنون عسلا ، كما كان فى قولك : لا رجل وغلاما فى الدار ...

ينظر : المقتضب : ٤ / ٣٨٢ ، ٣٨٣.

٢٣٧

وقوله : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ) [الأحزاب : ١٣]

وقول النبى ـ عليه‌السلام ـ : «لا أحد أغير من الله» (١). و «لا إله غيرك» (٢).

وزعم قوم منهم الزمخشرى (٣) ، والجزولى (٤) : أن بنى تميم يحذفون خبر «لا» مطلقا ـ على سبيل اللزوم.

إلا أن الزمخشرى قال : «وبنو تميم لا يثبتونه فى كلامهم أصلا». وقال الجزولى : «ولا يلفظ بالخبر بنو تميم إلا أن يكون ظرفا».

وليس بصحيح ما قالاه ، لأن حذف خبر لا دليل عليه يلزم منه عدم الفائدة ؛ والعرب مجمعون على ترك التكلم بما لا فائدة فيه.

قال الشلوبين (٥) :

(ينبغى أن يكون خلاف أهل الحجاز وبنى تميم فيما هو جواب لقول قائل.

__________________

(١) رواه مسلم فى صحيحه (٤ / ٢١١٤) كتاب التوبة ، باب : غيرة الله تعالى ، وتحريم الفواحش ، حديث (٣٣ ، ٣٤ / ٢٧٦٠) باللفظ المذكور من حديث عبد الله بن مسعود. ورواه البخارى فى (١٠ / ٣٩٩) كتاب النكاح باب : الغيرة حديث (٥٢٢٠). رواه البخارى فى صحيحه (٩ / ١٨٣) كتاب التفسير ، باب : قوله (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) حديث (٤٦٣٤) باللفظ المذكور وأطرافه فى (٤٦٣٧) ، (٥٢٢٠) ، (٧٤٠٣) ورواه مسلم فى (٤ / ٢١١٤) كتاب التوبة باب : غيرة الله تعالى ، وتحريم الفواحش حديث (٢٧٦٠ / ٣٣ ، ٣٤) باللفظ المذكور عند المصنف أيضا والحديث رواه النسائى فى الكبرى كما فى تحفة الأشراف (٩٢٥٦) ، (٩٢٨٧) وفى التفسير (١٩٣) ، (٢٠٣) والطبرانى فى الكبير (١٠٤٤١) ، وابن حبان (٢٩٤) ، وأبو يعلى (٥١٦٩) وأبو نعيم فى الحلية (٥ / ٤٣ ـ ٤٤) والبيهقى (١٠ / ٢٢٥) من حديث ابن مسعود.

(٢) رواه مسلم فى صحيحه (١ / ٢٩٩) كتاب الصلاة ، باب : حجة من قال : لا يجهر بالبسملة حديث (٥٢ / ٣٩٩) عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.

(٣) قال الزمخشرى : ... وبنو تميم لا يثبتونه ـ أى خبر (لا) ـ فى كلامهم أصلا.

ينظر : شرح المفصل : ١ / ١٠٧.

(٤) هو عيسى بن عبد العزيز ، المراكشى العلامة أبو موسى الجزولى ، كان إماما لا يشق غباره ، مع جودة التفهيم وحسن العبارة شرح أصول ابن السراج ، وله حواش على الجمل للزجاجى.

من تصانيفه : الأمالى فى النحو ، مختصر شرح ابن جنى لديوان المتنبى. مات سنة ٦٠٧ ه‍.

ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧) ، الأعلام (٥ / ١٠٤).

(٥) هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله ، الأستاذ أبو على الإشبيلى الأزدى المعروف بالشلوبين ، كان إمام عصره فى العربية بلا مدافع ، آخر أئمة هذا الشأن بالمشرق والمغرب ، ذا معرفة بنقد الشعر وغيره ، بارعا فى التعليم ، أبقى الله به ما بأيدى أهل المغرب من العربية. من تصانيفه : شرح المقدمة الجزولية فى النحو ، حواشى على المفصل للزمخشرى ،

٢٣٨

كقولك ـ لمن قال : «هل من رجل أفضل من زيد»؟ ـ : لا رجل.

وأما إذا لم يكن جوابا فلا ينبغى أن يحذف الخبر أصلا ؛ لأنه لا دليل عليه).

وأنكر على الجزولى استثناء الظرف.

ومن حذف الاسم للعلم به قولهم : «لا عليك».

يريدون : لا بأس عليك.

ومثال لزوم التكرار لكون المتصل بـ «لا» معرفة : «لا زيد فيها ولا عمرو».

ونبهت بقولى :

 ...

بذى التّعريف محضا

على أن ذا التعريف المؤول بنكرة لا يجب معه التكرار ، كما لا يجب مع النكرة الصريحة.

ويدخل فيما هو معرفة غير محضة قولهم : «لا نولك أن تفعل».

فإنه بمعنى : لا ينبغى لك ، فلذلك لم تكرر «لا» بعده.

ومثال لزوم التكرار لكون المتصل بـ «لا» خبرا ونعتا ، وحالا : قوله ـ تعالى ـ : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) [الصافات : ٤٧] وقوله : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥].

و «جاء زيد لا خائفا ، ولا آسفا».

وقيدت لزوم التكرار بالسعة ؛ تنبيها على تركه فى الضرورة ، كقول الشاعر : [من الطويل]

وأنت امرؤ منّا خلقت لغيرنا

حياتك لا نفع ، وموتك فاجع (١)

وكقول الآخر : [من الطويل]

بكت جزعا واسترجعت ثمّ آذنت

ركائبها إلا إلينا رجوعها (٢)

__________________

وتعليق على كتاب سيبويه. مات سنة ٦٤٥ ه‍. ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥) ، الأعلام (٥ / ٦٢) ، وفيات الأعيان (١ / ٣٨٢).

(١) البيت للضحاك بن هنام فى الاشتقاق ص ٣٥٠ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢١ ، ولأبى زبيد الطائى فى حماسة البحترى ص ١١٦ ، ولرجل من سلول فى الكتاب ٢ / ٣٠٥ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٦٢ ، والدرر ٢ / ٢٣٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٤ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٢ ، والمقتضب ٤ / ٣٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٨.

(٢) البيت بلا نسبة فى خزانة الأدب ٤ / ٣٤ ، والدرر ٢ / ٢٣٣ ، ورصف المبانى ص ٢٦١ ، ـ

٢٣٩

وكقول الآخر : [من الطويل]

قهرت العدا لا مستعينا بعصبة

ولكن بأنواع الخدائع والمكر (١)

وإلى هذه الأبيات ونحوها أشرت بقولى :

 ...

إلا فى اضطرار من شعر

باب الأفعال التى تنصب المبتدأ والخبر مفعولين

(ص)

بفعل علم لا لعرفان نصب (٢)

مبتدأ وخبر وب (حسب)

كذا مرادفات ذين كـ (يرى)

و (ظنّ) مع (حجا) و (خال) و (درى)

و (عدّ) مع (هب) و (تعلّم) و (سمع)

إن يك باسم غير مسموع تبع

وألحقوا (زعم) (ألفى) و (وجد)

وما لتصيير ، وشبهه كـ (ردّ)

وبعضهم ألحق ـ أيضا ـ (ضربا)

فى مثل والجعل أجدى (وهبا)

فكان منها و (تخذت) و (اتّخذ)

إن أفهما معنى عن الكسب انتبذ

(ش) إذا قصد بـ «علم» معرفة الشىء دون تعرض لمعرفة ما هو عليه ـ تعدى إلى مفعول واحد.

ومن ذلك احترزت بقولى :

... لا لعرفان ...

وإذا قصد به معرفة الشىء ومعرفة ما هو عليه ـ تعدى إلى مفعولين هما مبتدأ وخبر فى الأصل ؛ كقول الشاعر : [من البسيط]

علمتك الباذل المعروف فانبعثت

إليك بى واجفات الشّوق والأمل (٣)

ول «حسب» المتعدية استعمالان :

أحدهما : أن يراد بها الاعتقاد الراجح ـ وهو المشهور ـ كقوله ـ تعالى ـ :

__________________

ـ وشرح الأشمونى ١ / ١٥٥ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٢ ، والكتاب ٢ / ٢٩٨ ، والمقتضب ٤ / ٣٦١ ، والمقرب ١ / ١٨٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٨.

(١) البيت بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٩٩ ، والدرر ٢ / ٢٣٥ ، ٤ / ١١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٤٨ ، ٢٤٥.

(٢) فى أ: ينصب.

(٣) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ١٥٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢١١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤١٩.

٢٤٠