شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

عمرو ، وغير عمرو» و «جاء غير محمّد القوم» ، و «ما بها إنسان غير وتد» ـ على لغة أهل الحجاز ـ و «غير وتد» ـ على لغة بنى تميم ـ كما تقول : «قاموا إلّا زيدا» و : «ما ساروا إلّا عمرا وإلّا عمرو» و : «جاء إلّا محمّدا القوم» ، و : «ما بها إنسان إلّا وتدا ، وإلّا وتد» ؛ [تعرب «غيرا» بإعراب الواقع بعد «إلّا»].

ويجوز فى تابع ما استثنى بـ «غير» : الجر على اللفظ ، وغير الجر بحسب ما كان يستحق لو وقع بعد «إلّا» : فمراعاة اللفظ ظاهرة ، ومراعاة المحل على تقدير «إلّا» كقولك : «قاموا غير زيد وعمرا» و «ما قام غير زيد وعمرو» ؛ لأن المعنى «قاموا إلّا زيدا وعمرا» و «ما قاموا إلّا زيد وعمرو» ، وعلى ذلك فقس والله أعلم.

(ص)

(سوى) كـ (غير) فى جميع ما ذكر

وعدّه من الظّروف مشتهر

ومانع تصريفه من عدّه

ظرفا ، وذا القول الدّليل ردّه

فإنّ إسنادا إليها كثرا

وجرّها نثرا ونظما شهرا

(ش) «سوّى» المشار إليه اسم يستثنى به ، ويجر ما يستثنى به لإضافته إليه ، ويعرب هو تقديرا ؛ كما تعرب «غير» لفظا ؛ خلافا لأكثر البصريين فى ادعاء لزومها النصب على الظرفية ، وعدم التصرف.

وإنما اخترت خلاف ما ذهبوا إليه لأمرين :

أحدهما : إجماع أهل اللغة على أن معنى قول القائل : «قاموا سواك» و «قاموا غيرك» واحد ، وأنه لا أحد منهم يقول : «إن «سوى» عبارة عن مكان أو زمان» ، وما لا يدل على مكان ، ولا زمان فبمعزل عن الظرفية.

الثانى : أن من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك ، وأنها لا تتصرف ؛ والواقع فى كلام العرب نثرا ونظما خلاف ذلك ؛ فإنها قد أضيف إليها وابتدئ بها ، وعمل فيها نواسخ الابتداء وغيرها من العوامل اللفظية.

فمن ذلك قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سألت ربّى ألّا يسلّط على أمّتى عدوّا من سوى أنفسهم» (١) ، وقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «ما أنتم فى سواكم من الأمم إلّا

__________________

(١) أخرجه أحمد (٥ / ٢٧٨ ـ ٢٨٤) ، ومسلم (٤ / ٢٢١٥) : كتاب الفتن : باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض ، (١٩ ـ ٢٨٨٩) ، وأبو داود (٤ / ٩٨) : كتاب الفتن : باب ذكر الفتن ـ

٣٢١

كالشّعرة البيضاء فى جلد الثّور الأسود» (١).

ومن ذلك قول الشاعر : [من البسيط]

وكلّ من ظنّ أنّ الموت مخطئه

معلّل بسواء الحقّ مكذوب (٢)

ومن الإسناد إليها مرفوعة بالابتداء قول الشاعر : [من الكامل]

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشترى (٣)

وقال آخر فى رفعها بـ «ليس» : [من الطويل]

__________________

ـ ودلائلها ، (٤٢٥٢) ، والترمذى (٤ / ٤٧٢) : كتاب الفتن : باب ما جاء فى سؤال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا فى أمته ، (٢١٧٦) ، وابن حبان (٧٢٣٨) ، من حديث ثوبان مرفوعا : «إن الله زوى لى الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زوى لى منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإنى سألت ربى لأمتى ألا يهلكها بسنة عامة. وألا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم. فيستبيح بيضتهم. وإن ربى قال : يا محمد! إنى إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإنى أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة ، وألا أسلط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ...

وقد جاءت الرواية بلفظ «وألا يسلط عليهم عدوّا من غيرهم ...».

أخرجها ابن حبان (٤ / ٦٧) ، والحاكم (٤ / ٤٤٩) ، والبيهقى (٩ / ١٨١).

(١) أخرجه مسلم (١ / ٢٠١) : كتاب الإيمان : باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة ، (٣٧٨ ـ ٢٢١) ، وأبو يعلى (٥٣٨٦) من حديث عبد الله بن مسعود : قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسند ظهره إلى قبة أدم ، فقال : «ألا ، لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. اللهم : هل بلغت اللهم اشهد. أتحبون أنكم ربع أهل الجنة؟» فقلنا : نعم يا رسول الله. فقال : «أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» قالوا : نعم يا رسول الله. قال : «إنى لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، ما أنتم فى سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء فى الثور الأسود».

والرواية المتفق عليها ، ليس فيها موضع الشاهد ، ولفظها : «وما أنتم فى أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود ، أو كالشعرة السوداء فى جلد الثور الأحمر».

أخرجها البخارى (١٣ / ١٨٨). كتاب الرقاق : باب الحشر ، (٦٥٢٨) ، ومسلم (٣٧٧ ـ ٢٢١).

(٢) البيت لأبى دؤاد الإيادى فى ديوانه ص ٢٩٤ ، والإنصاف ص ٢٩٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٤ ، وبلا نسبة فى الدرر ٣ / ٩٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٣٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٢.

(٣) البيت لابن المولى محمد بن عبد الله فى الدرر ٣ / ٩٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٧٦١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٥ ، وبلا نسبة فى الأغانى ١٠ / ١٤٥ ، والحيوان ٦ / ٥٠٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٣٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٢.

٣٢٢

أأترك ليلى ليس بينى وبينها

سوى ليلة إنّى إذا لصبور (١)

وقال آخر فى نصبها بـ «أنّ» : [من الطويل]

فآخ لحال السّلم من شئت واعلمن

بأنّ سوى مولاك فى الحرب أجنب (٢)

وقال آخر فى وقوعها فاعلة : [من الهزج]

فلمّا صرّح الشّرّ

فأمسى وهو عريان

ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا (٣)

وقال آخر فى الإضافة إليها : [من المنسرح]

فإنّنى والذى يحجّ له الن

ناس بجدوى سواك لم أثق (٤)

وقال آخر : [من الرجز]

يا أسم لا يحلى بعينى أبدا

مرأى سواك منذ مرآك بدا

وإلى هذه الشواهد وأمثالها أشرت بقولى :

فإنّ إسنادا إليها كثرا

وجرّها نثرا ونظما شهرا

(ص)

واستثن ناصبا بـ (ليس) و (خلا)

وب (عدا) وب (يكون) بعد (لا)

واجرر بسابقى (يكون) إن ترد

وبعد (ما) عن انتصاب لا تحد

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان

وبعد (ما) : الجرمى جرّا بهما

أجاز ناسبا زيادة لـ (ما)

__________________

(١) البيت لمجنون ليلى فى ديوانه ص ١٠٨ ، وجواهر الأدب ص ٢٨٢ ، والدرر ٣ / ٩٣ ، ومصارع العشاق ٢ / ١٠٠ ، ولأبى دهبل الجمحى فى ديوانه ص ٢٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣١٩ ، وللمجنون أو لأبى دهبل فى أمالى المرتضى ١ / ١١٨ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٣٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٢.

(٢) ينظر ديوان الحماسة ١ / ٣٨٦.

(٣) للبيت للفند الزمانى (شهل بن شيبان) فى أمالى القالى ١ / ٢٦٠ وحماسة البحترى ص ٥٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣١ ، والدرر ٣ / ٩٢ ، وسمط اللآلى ص ٩٤٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٦٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٤٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٢٨١ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٣٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٢.

(٤) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٣٥.

٣٢٣

(ش) من أدوات الاستثناء «ليس» و «يكون» مسبوقة بـ «لا» وهما على فعليتهما ، وعملهما ؛ إلا أن المرفوع بهما لا يكون إلا مستترا ؛ لأنهم قصدوا ألا يليهما إلا ما يلى «إلّا» ؛ لأنها أصل أدوات الاستثناء.

والمستثنى بهما واجب النصب بمقتضى الخبرية.

ومن الاستثناء بـ «ليس» قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يطبع المؤمن على كلّ خلق ليس الخيانة والكذب» (١) ، أى : ليس بعض خلقه الخيانة والكذب ، هذا التقدير الذى يقتضيه الإعراب.

والتقدير المعنوى : يطبع على كل خلق إلا الخيانة والكذب.

ومن أدوات الاستثناء : «خلا» و «عدا» وإياهما عنيت :

... بسابقى «يكون»

وإذا جر ما استثنى بهما فهما حرفا جر ، وإذا نصب فهما فعلان مضمر فاعلاهما لما أضمر له مرفوع «ليس» و «يكون».

فإن قرنا بـ «ما» تعينت فعليتهما ، ونصب ما استثنى بهما لمفعوليته.

وإنما تعينت الفعلية مع «ما» لأنها مصدرية ، ووصلها بفعل متعين فى غير ندور.

ومثال تعين النصب للاقتران بـ «ما» قول لبيد : [من الطويل]

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة (٢) زائل

[وتعين النصب مع «ما» هو مذهب الجمهور.

__________________

(١) أخرجه ابن عدى (١ / ٣٠) ، (٤ / ٣٢٣) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (٤ / ٤٨١١) من حديث ابن عمر مرفوعا به. وفيه عبيد الله بن الوليد الوصّافى ضعيف ، قاله الحافظ فى التقريب. وقد أخرجه ابن أبى عاصم فى السنة (١ / رقم ١١٥) من حديث ابن عمر بلفظ :

يطبع المؤمن على شىء إلا الخيانة والكذب.

وقد جاء من حديث أبى أمامة بلفظ «إلا» مكان «ليس» أخرجه أحمد (٥ / ٢٥٢) ، وابن أبى عاصم فى السنة (١ / ١١٤). وقد جاء أيضا بلفظ «إلا» مكان «ليس» من حديث سعد بن أبى وقاص. أخرجه البيهقى فى السنن (١٠ / ١٩٧) ، وفى شعب الإيمان ، (٤ / ٤٨٠٩).

وقد جاء بلفظ «غير» مكان «ليس» من حديث سعد بن أبى وقاص أيضا ، أخرجه البزار (١٠٢ ـ كشف الأستار) ، وأبو يعلى كما فى مجمع الزوائد (١ / ٩٢).

(٢) البيت فى ديوانه ص ٢٥٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٨٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٥٥ ، ٢٥٧ ، والدرر ١ / ٧١ ، وديوان المعانى ١ / ١١٨ ، وسمط اللآلى ص ٢٥٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ١١ ، شرح التصريح ١ / ٢٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٣٩ ، وشرح شواهد المغنى

٣٢٤

وحكى الجرمى الجر مع «ما» عن بعض العرب ، حكاه فى كتاب «الفرخ»] (١).

ونبهت على موضع حرفية «خلا» و «عدا» بقولى :

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان

وانفرد الجرمى بإجازة الجر بـ «عدا» و «خلا» مقرونتين بـ «ما» على أن تكون زائدة.

(ص)

وك (خلا) : (حاشا) ولا تصحب (ما)

وفى (سوى) (سوى) (سواء) علما

وما يلى (لا سيّما) فاجرر ولو

رفعت لم تمنع ، وعن نصب نهوا

[فى غير ظرف ، ورووا (لا سيّما

يوم) بالأحوال الثّلاث فاعلما] (٢)

(ش) المشهور جر ما استثنى بـ (حاشا) ، والحكم عليها بالحرفية.

وروى المبرد نصب المستثنى بها على أنها حينئذ فعل كـ «خلا» و «عدا» حين ينصب بهما.

وفى قولى :

وك «خلا» : «حاشا» ...

إشعار بأنها حرف إذا جرت ، وفعل إذا نصبت.

ولا يتقدمها «ما» فيقال : «ما حاشا زيدا» كما يقال «ما خلا زيدا».

و «حاش» و «حشا» لغتان فى «حاشا» ، و «سوى» و «سواء» لغتان فى «سوى».

وجرت عادة النحويين أن يذكروا «لا سيّما» مع أدوات الاستثناء مع أن الذى بعدها منبه على أولويته بما نسب إلى ما قبلها كقولك «أحبّ العلماء لا سيّما العاملين» بالجر ، وإن شئت رفعت فقلت : «لا سيّما العاملون». فالجر بإضافة «سى» ـ وهو بمعنى «مثل» ـ و «ما» حينئذ زائدة ، والرفع على أن «ما» موصولة ، والتقدير : ولا مثل الذين هم العاملون.

__________________

١ / ١٥٠ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ٣٩٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٧٨ ، والعقد الفريد ٥ ، ٢٧٣ ، ولسان العرب (رجز) والمقاصد النحوية ١ / ٥ ، ٧ ، ٢٩١ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٣٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٣ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٢١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٨٩ ، والدرر ٣ / ١٦٦ ، ورصف المبانى ص ٢٦٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٣١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٣ ، وشرح قطر الندى ص ٢٤٨ ، واللمع ص ١٥٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٦.

(١) ما بين المعكوفين سقط فى «أ».

(٢) فى أ :

فى غير ظرف أو منكر وفى

«لا سيما يوم» سبيل ذا اقتض

٣٢٥

وروى : [من الطويل]

 ...

ولا سيّما يوم بدارة جلجل (١)

بالرفع والجر على الوجهين المذكورين.

وروى ـ أيضا ـ النصب على أن «ما» موصولة. و «بدارة جلجل» صلة. و «يوما» منصوب على الظرفية بما فى «بدارة» من معنى الاستقرار.

فإن وقع بعد «لا سيّما» غير ظرف امتنع نصبه إلا أن يكون نكرة ؛ فيجوز نصبه على التمييز ، وجعل «ما» عوضا من الإضافة ؛ ليكون التمييز بعدها كالتمييز فى : «على التّمرة مثلها زبدا». وقد تخفف ياء «لا سيّما».

باب الحال

(ص)

مبين هيئة كظرف فضله

حال كـ (مرّوا قاصدين دجله)

وذا اشتقاق وانتقال غالبا

يأتى ، ولا تذكره إلّا ناصبا

وربّما جرّ بباء إن نفى

عامله كـ (لم أعد بمخلف)

(ش) مبين هيئة : يعم الحال و «فعلة» الموضوعة للهيئة كقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» (٢) ، والاسم الدال على نوع المصدر نحو : «رجع القهقرى» ، وبعض الأخبار والنعوت نحو : «زيد راكب» و «جاء رجل راكب».

__________________

(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص ١٠ ، والجنى الدانى ص ٣٣٤ ، ٤٤٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٤ ، ٤٥١ ، والدرر ٣ / ١٨٣ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤١٢ ، ٢ / ٥٥٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٦ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٥٥ ، ولسان العرب (سوا) ، وتاج العروس (سوى) ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٩٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٤١ ، ومغنى اللبيب ص ١٤٠ ، ٣١٣ ، ٤٢١ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٤.

(٢) أخرجه أحمد (٢ / ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥) ، ومسلم (٣ / ١٥٤٨) : كتاب الصيد والذبائح : باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة ، (٥٧ ـ ١٩٥٥). وأبو داود (٣ / ١٠٠) : كتاب الأضاحى : باب فى النهى عن أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة (٢٨١٥) ، والترمذى (٤ / ٢٣) : كتاب الديات : باب ما جاء فى النهى عن المثلة ، (١٤٠٩) ، والنسائى (٧ / ٢٢٧) : كتاب الضحايا : باب الأمر بإحداد الشفرة ، وابن ماجه (٢ / ١٠٥٨). كتاب الذبائح : باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، (٣١٧٠) ، والطبرانى فى الكبير (٧١١٤) ، وابن حبان (٥٨٨٣ ، ٥٨٨٤) ، وابن الجارود (٨٣٩ ، ٨٩٩) ، والبيهقى (٩ / ٢٨٠) من حديث شدّاد بن أوس مرفوعا : «إن الله كتب الإحسان على كل شىء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحدّ أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته».

٣٢٦

فيخرج «فعلة» واسم نوع المصدر والخبر ، والنعت بقولى :

 ... كظرف ...

 ...

لأن المراد به : التقدير بـ «فى» ومعلوم أن هذه المذكورات غير مقدرة بـ «فى».

ويخرج بذكر الفضلة : الخبر المشبه للظرف نحو : «كيف زيد؟» ؛ فإنه بمعنى :

فى أى حال زيد؟ إلا أنه عمدة لا فضلة بخلاف الحال.

والأكثر فى الحال أن يكون دالا على معنى منتقل ، وبلفظ مشتق كـ «قاصدين» من قولى :

 ...

 ... مرّوا قاصدين دجله

وقد تدل على ما لا ينتقل كقوله ـ تعالى ـ : (قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ١٨] ، وقوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] ، وكقول العرب : «خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها» ، وأمثال ذلك كثيرة.

وقد يكون الحال جامدا ، وسيأتى بيان ذلك.

وحق الحال ـ لشبهه بالظرف ـ النصب.

وقد يجر بباء زائدة إذا كان عامله منفيا كقول الشاعر : [من البسيط]

كائن دعيت إلى بأساء داهمة

فما انبعثت بمزءود (١) ولا وكل (٢)

وقال آخر : [من الوافر]

وما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيّب منتهاها (٣)

أى : فما انبعثت مزءودا ، ولا وكلا.

والمزود : المذعور ، والوكل : الذى يكل أموره إلى غيره.

__________________

(١) الزأد : الفزع. (مقاييس اللغة ـ زأد).

(٢) الوكل : الرجل الضعيف. (مقاييس اللغة ـ وكل).

والبيت بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٥٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٤٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤١٩ ، ومغنى اللبيب ١ / ١١٠.

(٣) البيت للقحيف العقيلى فى خزانة الأدب ١٠ / ١٣٧ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ١٧٧ ، والجنى الدانى ص ٥٥ ، وجواهر الأدب ص ٥٤ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٧٨ ، والدرر ٢ / ١٢٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٣٩ ، ولسان العرب (منى) ، ومغنى اللبيب ١ / ١١٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٧.

٣٢٧

(ص)

ويكثر الجمود فى سعر وفى

تشبيه ، او تفاعل غير خفى

ك (بعه مدّا بكذا يدا بيد)

و (كرّ زيد أسدا) أى : كأسد

كذاك فى تقسيم ، او ترتيب او

تنويع ، او ما مثل ذا به عنوا

ك (اقسمه أثلاثا) و (بابا بابا

تعلّم المحاسب الحسابا)

و (قد زكا ذا عنبا وعنجدا)

و (ما لك اقبض فضّة وعسجدا)

و (أحمد طفلا أجلّ من على

كهلا) ومعنى كلّ هذا منجلى

(ش) يغتفر فى الحال من الجمود ما لا يغتفر فى النعت ؛ لأن الحال شبيهة بالخبر ، وكثيرا ما يسميها سيبويه خبرا.

ويكثر الجمود فيها إذا بين بها سعر نحو : «بيع البرّ مدّا بنصف ، واللّحم رطلا بدرهم».

وكذا إذا بين بها تشبيه كقولك : «كرّ زيد أسدا» أى : مثل أسد و «بدت الجارية قمرا ، وتثنّت غصنا» ومنه قول العرب : «وقع المصطرعان عدلى عير».

ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

أفى السّلم أعيارا جفاء وغلظة

وفى الحرب أمثال النّساء العوارك (١)؟!

أى : مثل أعيار.

ويغتفر جمود الحال ـ أيضا ـ فيما دل على تفاعل كقولهم : «بعته يدا بيد» ، و «كلّمته فمّا لفم» أى : متناجزين ، ومتشافهين.

ويغتفر جمود الحال ـ أيضا ـ فى التقسيم والترتيب نحو : «اقسم المال بينهم أثلاثا وأخماسا» ، و «تعلّم الحساب بابا بابا» ، و «دخل القوم رجلا رجلا».

ويغتفر جمودها ـ أيضا ـ فيما دل على النوع نحو : «هذا خاتمك فضّة» ، و «هذه جبّتك خزّا» ؛ وهما من أمثلة الكتاب. ويقارب هذا قولك : «زكا ثمرنا عنبا وعنجدا» و «حبّذا المال فضة وعسجدا». والعنجد : الزبيب ، والعسجد : الذهب.

__________________

(١) العوارك : جمع عارك ، والعارك : الحائض (مقاييس اللغة ـ عرك).

والبيت لهند بنت عتبة فى خزانة الأدب ٣ / ٢٦٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٤٢ ، وبلا نسبة فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٨٢ ، والكتاب ١ / ٣٤٤ ، ولسان العرب (عور) ، (عير) ، (عرك) ، والمقتضب ٣ / ٢٦٥ ، والمقرب ١ / ٢٥٨ ، وتاج العروس (عرك).

٣٢٨

ويغتفر الجمود ـ أيضا ـ فى نحو : «خط هذا الثّوب قميصا» ، و «ابر هذه القصبة قلما» ، ومثله قوله ـ تعالى ـ : (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) [الأعراف : ٧٤] وهى حال مقدرة.

ذكر ذلك الزمخشرى فى الكشاف (١) ، وهو من جيد كلامه.

واختلف فى الحال المتوسط بينه وبين حال بعده آخر أفعل التفضيل كقولى :

 ... أحمد طفلا أجلّ من على

كهلا ...

فقال بعضهم : العامل فيه مقدر. وقال بعضهم : العامل فيه «أفعل» وهو الصحيح ؛ لأنه وإن ضعف بالنسبة إلى اسم الفاعل ، فقد قوى بالنسبة إلى العامل الظرفى ، وقد تقدم الحال عليه كقراءة من قرأ : والسماوات مطويت بيمينه [الزمر : ٦٧] ـ بنصب مطويات ـ فتقدمها على أفعل التفضيل أولى ؛ لأنه متضمن لمعنى الفعل ، وحروفه ، بخلاف العامل الظرفى ؛ فإنه متضمن لمعنى الفعل دون حروفه.

ومن تقدم الحال على العامل الظرفى قول الشاعر : [من الكامل]

رهط ابن كوز محقبى أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار (٢)

(ص)

والحال إن عرّف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى كـ (وحدك اجتهد)

و (أسرعوا خمستهم) قد نقلا

بالنّصب حالا ، وبرفع بدلا

(ش) حق الحال أن يكون نكرة.

فإن وقعت معرفة فى اللفظ أولت بنكرة ، ومثال ذلك : «اجتهد وحدك» أى : منفردا. و «أرسلها العراك» أى : معتركة. و «جاءوا الجمّاء الغفير» أى : جميعا.

وروى فى نحو : «جاءوا خمستهم» : النصب على الحال ، والرفع على البدل من الواو.

__________________

(١) قال الزمخشرى : «فإن قلت : علام انتصب (بيوتا)؟ قلت : كما تقول : خط هذا الثوب قميصا ، وابر هذه القصبة قلما ، وهى من الحال المقدرة ؛ لأن الجبل لا يكون بيتا فى حال النحت ...

ينظر : الكشاف : ٢ / ١٢٢.

(٢) البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ٥٥ ، وجمهرة اللغة ص ٨٢٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٤٧ ـ ٥٥٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٧٠ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٥٢.

٣٢٩

(ص)

ومصدر منكّر حالا يقع

بكثرة كـ «جاء ركضا اليسع»

وهو بنقل ، وأبو العبّاس فى

[نوع من الفعل قياسا يقتفى] (١)

(ش) ورود المصدر المعرفة حالا قليل نحو : «أرسلها العراك» و «جاءوا قضهم بقضيضهم» ؛ وقد تقدم التنبيه عليه ، وأنه مؤول بنكرة.

وورود المصدر النكرة حالا كثير : كقوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [الرعد : ١٥] ، وكقول العرب : «جاء فلان ركضا» و «جاء الأمير (٢) بغتة وفجاءة»

ولا يجوز استعماله عند سيبويه (٣) إلا بسماع.

وأجاز أبو العباس (٤) القياس على ما كان نوعا من الفعل كـ «جئت ركضا» فيقيس عليه : «جئت سرعة ، ورجلة» ؛ وليس ذلك ببعيد.

(ص)

وألزموا ذا الحال حيث نكّرا

تخصيصا ، او تأخيرا ، او أن يذكرا

من بعد نفى أو مضاهيه ولا

تمنع تنكّر الّذى من ذا خلا

(ش) للحال شبه بالخبر ، ولصاحبها شبه بالمبتدأ ؛ فمن ثم لم يكن صاحب الحال نكرة إلا بمسوغ ؛ كما لم يكن المبتدأ نكرة إلا بمسوغ.

__________________

(١) فى أ: ألحق نوع الفعل بالقياس.

(٢) فى أ: جاء الأمر.

(٣) هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب لأنه مرفوع فيه الأمر ، وذلك قولك : قتلته صبرا ، ولقيته فجاءة ومفاجأة ، وكفاحا ومكافحة ، ولقيته عيانا ، وكلّمته مشافهة ، وأتيته ركضا وعدوا ومشيا ، وأخذت ذلك عنه سمعا وسماعا. وليس كلّ مصدر وإن كان فى القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع ؛ لأن المصدر ههنا فى موضع فاعل إذا كان حالا. ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا أتانا رجلة ، كما أنّه ليس كلّ مصدر يستعمل فى باب سقيا وحمدا.

واطّرد فى هذا الباب الذى قبله لأنّ المصدر هناك ليس فى موضع فاعل.

ينظر الكتاب (١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١).

(٤) قال المبرد : واعلم أن من المصادر مصادر تقع فى موضع الحال ، وتغنى غناءه ، فلا يجوز أن تكون معرفة ؛ لأن الحال لا تكون معرفة ، وذلك قولك : جئتك مشيا ، وقد أدى عن معنى قولك : جئتك ماشيا ... وهذا قول عامة النحويين.

ينظر : المقتضب : ٣ / ٢٦٨ ، ٢٦٩. ـ قال الزمخشرى : وقد يقع المصدر حالا كما تقع الصفة مصدرا ... وأجازه المبرد فى كل ما دل عليه الفعل. شرح المفصل : ٢ / ٥٩.

٣٣٠

فمن مسوغات تنكير صاحب الحال : تخصيصه بوصف كقولك : «جاءنى رجل من قومك شاكيا» ، وكقراءة بعض القراء : ولما جاءهم كتب من عند الله مصدقا [البقرة : ٨٩] ، أو إضافة كقوله ـ تعالى ـ : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) [الدخان : ٤ ، ٥] ، وقوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [فصلت : ١٠] ، وقرئ «سواء» ـ على النعت (١) ـ حكاها سيبويه (٢).

ومن مسوغات تنكيره تقديم الحال عليه كقولك «جاءنى راكبا رجل» ؛ ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

وما لام نفسى مثلها لى لاثم

ولا سدّ فقرى مثل ما ملكت يدى (٣)

وقال الآخر : [من الطويل]

وبالجسم منّى بيّنا لو علمته

شحوب (٤) ، وإن تستشهدى العين تشهد (٥)

__________________

(١) العامة على النصب وفيه أوجه :

أحدها : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدّر أى استوت استواء قاله مكى. وأبو البقاء.

والثانى : أنه حال من هاء فى «أقواتها» أو من هاء فى «فيها» العائدة على «الأرض» أو من «الأرض» قاله أبو البقاء وفيه نظر لأنّ المعنى إنما هو وصف الأيّام بأنها سواء لا وصف الأرض بذلك وعلى هذا جاء التفسير ويدل على ذلك قراءة «سواء» بالجرّ صفة للمضاف والمضاف إليه. وقال السّدّى وقتادة : سواء معناه لمن سأل عن الأمر واستفهم من حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده كما قال تعالى ، إلا أن ابن زيد وجماعة قالوا شيئا يقرب من المعنى الذى ذكره أبو البقاء فإنهم قالوا : معناه : مستو مهيّأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر ، فعبّر بالسائلين عن الطالبين.

وقرأ زيد بن على والحسن وابن أبى إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد «سواء» بالخفض على ما تقدم ، وأبو جعفر بالرفع وفيه وجهان :

أحدهما : أنه على خبر ابتداء مضمر ، أى : هى سواء ، لا زيد ولا نقص. وقال مكى : هى مرفوع بالابتداء ، وخبره «للسائلين» ، وفيه نظر من حيث الابتداء بنكرة من غير مسوغ. ثم قال : بمعنى : مستويات لمن سأل فقال : فى كم خلقت؟ وقيل : للسائلين :

لجميع الخلق ، لأنهم يسألون الرزق وغيره من عند الله تعالى.

ينظر : الدر المصون (٦ / ٥٧).

(٢) ينظر الكتاب (٢ / ١١٩).

(٣) البيت بلا نسبة فى شرح ابن عقيل ص ٣٢٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢١٣.

(٤) شحب جسمه شحوبا : تغير وهزل. (الوسيط ـ شحب).

(٥) البيت بلا نسبة فى شرح ابن عقيل ص ٣٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٢ ، والكتاب ٢ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٤٧.

٣٣١

والأصل : شحوب بين ـ بالرفع ـ على الوصفية ، فلما قدمه نصبه على الحال لتعذر الوصفية (١).

وكذا يفعل بكل صفة نكرة إذا قدمت عليها.

ومن مسوغات تنكير صاحب الحال اعتماده على نفى ، أو نهى ، وهو المراد ب

 ... مضاهيه

 ...

فمثال النفى قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] ، فواو «ولها كتاب» واو حالية ، والجملة بعدها فى موضع نصب على الحال. وصاحب الحال «قرية» ، وسوغ كونها صاحبة حال النفى الذى قبلها ؛ كما سوغ الابتداء بالنكرة اعتمادها على النفى.

ومثال تنكير صاحب الحال بعد النهى قول «قطرى بن الفجاء» : [من الكامل]

لا يركنن أحد إلى الإحجام (٢)

يوم الوغى (٣) متخوّفا لحمام (٤)

وقد يجىء صاحب الحال نكرة خالية من جميع ما ذكر من المسوغات ، ذلك ما حكى يونس : أن ناسا من العرب يقولون : «مررت بماء قعدة رجل» ، وروى سيبويه عن الخليل إجازة : «فيها رجل قائما» وعن عيسى إجازة : «هذا رجل منطلقا» ، قال سيبويه : ومن ذلك «عليه مائة بيضا» (٥).

__________________

(١) فى أ: لتعذر جعله نعتا.

(٢) أحجم : كف ونكص. (الوسيط ـ حجم).

(٣) الوغى : الحرب. (الوسيط ـ وغى).

(٤) الحمام : قضاء الموت وقدره. (الوسيط ـ حمم).

والبيت فى ديوانه ص ١٧١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٦٣ ، والدرر ٤ / ٥ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٥٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٣١٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٤٧ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٠.

(٥) وقد يجوز نصبه على نصب : هذا رجل منطلقا ، وهو قول عيسى.

وزعم الخليل أنّ هذا جائز ، ونصبه كنصبه فى المعرفة ، جعله حالا ولم يجعله وصفا.

ومثل ذلك : مررت برجل قائما ، إذا جعلت الممرور به فى حال قيام. وقد يجوز على هذا : فيها رجل قائما ، وهو قول الخليل رحمه‌الله.

ومثل ذلك : عليه مائة بيضا ؛ والرفع الوجه. وعليه مائة عينا ؛ والرفع الوجه.

ينظر الكتاب (٢ / ١١٢).

٣٣٢

(ص)

والأصل فى ذى الحال أن يقدّما

وليس ذاك عندهم ملتزما

ما لم يضف إليه نحو : (سرّنى

مسير زيد مسرعا لليمن)

أو يقصد الحال بحصر نحو : (لم

يشك اللّبيب الجلد إلا ذا ألم)

والتزموا تأخيره فى نحو (لن

يفوز فذّا بالمنى إلّا الحسن)

ونحو : (حلّ ضيف زيد صاحبه)

و (سار منقادا لعمرو طالبه)

(ش) قد تقدم أن لصاحب الحال شبها بالمبتدأ ، وأن لها شبها بالخبر ؛ فأصل الحال أن تتأخر ويتقدم صاحبها ؛ كما أن أصل الخبر أن يتأخر ويتقدم المبتدأ ، ومخالفة الأصل فى البابين جائزة ما لم يعرض مانع :

فمن موانع تقديم الحال على صاحبها الإضافة إليه نحو : «سرّنى مسير زيد مسرعا».

وكون الحال محصورة كقوله ـ تعالى ـ : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [الأنعام : ٤٨]

فإن كان المحصور صاحبها وجب تقديمها عليه نحو قولك : «ما جاء راكبا إلّا زيد».

ومثله قولى :

 ... لن

يفوز فذّا بالمنى إلّا الحسن

والإشارة إلى الحسن بن على ـ رضى الله عنهما ـ وإلى ما فاز به من الثواب الجزيل ، والثناء الجميل ؛ إذ أذعن لمصالحة معاوية ـ رضى الله عنه ـ فأغمد الله بفعله سيف الفتن ؛ تصديقا لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه «إنّ ابنى هذا سيّد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (١).

وقد يرد ما يوهم تأخير الحال وصاحبها محصورا فيقدر بعده عامل فى الحال. فمن ذلك قول الراجز : [من الرجز]

ما راعنى إلّا جناح هابطا

__________________

(١) أخرجه الحميدى (٧٩٣) ، وأحمد (٥ / ٣٧ ، ٤٤ ، ٤٩ ، ٥١) ، والبخارى (٥ / ٦٤٧) : كتاب الصلح باب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم للحسن بن على رضى الله عنهما : «ابنى هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين» (٢٧٠٤) ، وأبو داود (٤ / ٢١٦) : كتاب السنة : باب ما يدل على ترك الكلام فى الفتنة ، (٤٦٦٢) ، والترمذى (٥ / ٦٥٨) : كتاب المناقب : باب مناقب الحسن والحسين عليهما‌السلام ، (٣٧٧٣) ، والنسائى (٣ / ١٠٧) : كتاب الجمعة : باب مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر ، وابن حبان (٦٩٦٤) من حديث أبى بكرة مرفوعا.

٣٣٣

على البيوت قوطه العلابطا (١)

فالتقدير : ما راعنى إلا جناح راعنى هابطا. وجناح : اسم رجل. والقوط : قطيع الغنم.

ومن موجبات تقديم الحال على صاحبها اشتماله على ضمير ما اشتملت عليه إضافة نحو : «حلّ ضيف زيد صاحبه» ، وبغير إضافة نحو : «سار منقادا لعمرو طالبه».

(ص)

وسبق حال ما بحرف جرّ قد

أبوا ولا أمنعه فقد ورد

من ذاك : (صاديا إلى) ونقل

(لن تذهبوا فرغا بقتل) فقبل

(ش) إذا كان صاحب الحال مجرورا بالإضافة لم يجز تقديم الحال عليه بإجماع ؛ لأن نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول وما تعلق بالصلة فهو بعضها ؛ فكذلك ما تعلق بالمضاف إليه هو بمنزلة بعض الصلة ؛ فلذلك لم يختلف فى امتناع تقدم حال المضاف إليه على المضاف كقولك : «أعجبنى ذهاب زيد راكبا».

وأكثر النحويين يقيس المجرور بحرف على المجرور بالإضافة فيلحقه به فى امتناع تقدم حاله عليه ؛ فلا يجيزون فى نحو : «مررت بهند جالسة» : «مررت جالسة بهند» ، وأجاز ذلك أبو على فى كلامه فى «المبسوط» ، وبقوله فى ذلك أقول وآخذ ؛ لأن المجرور بحرف مفعول به فى المعنى ؛ فلا يمتنع تقديم حاله عليه كما لا يمتنع تقديم حال المفعول به ، وقد جاء ذلك مسموعا فى أشعار العرب الموثوق بعربيتهم ؛ فمن ذلك ما أنشده يعقوب (٢) : [من الطويل]

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى لسان العرب (جنح) ، (قوط) ، (لعط) ، (هبط) ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٩٨ ، والخصائص ٢ / ٢١١ ، والمنصف ١ / ٢٧ ، ونوادر أبى زيد ص ١٧٣ ، وتهذيب اللغة ٢ / ١٦٥ ، وتاج العروس (جنح) ، (علبط) (قوط) ، (لعط) ، وجمهرة اللغة ص ٣٦٣ ، ٤٠٣ ، ٩٢٥ ، ١١٢٦ ، ١٢٦٢.

(٢) هو يعقوب بن إسحاق ، أبو يوسف بن السكيت ، إمام فى اللغة والأدب ، كان عالما بنحو الكوفيين ، وعلم القرآن واللغة والشعر ، راوية ثقة ، له تصانيف كثيرة فى النحو ومعانى الشعر ، وغيرها ، من تصانيفه : إصلاح المنطق ، الأضداد ، الأجناس ، شرح ديوان قيس بن الخطيم ، وغيرها. مات سنة ٢٤٤ ه‍.

ينظر : الأعلام (٨ / ١٩٥) ، بغية الوعاة (٢ / ٣٤٩).

٣٣٤

فإن تك أذواد (١) أصبن ونسوة

فلن تذهبوا فرغا بقتل حبال (٢)

أراد : فلن تذهبوا بقتل حبال فرغا ، أى : هدرا ، وحبال : اسم رجل.

ومن ذلك قول الآخر : [من الطويل]

لئن كان برد الماء هيمان صاديا

إلىّ حبيبا إنّها لحبيب (٣)

ومثله قول الآخر : [من الطويل]

إذا المرء أعيته المروءة ناشئا

فمطلبها كهلا عليه شديد (٤)

وقد جاء ـ أيضا ـ تقديم حال المجرور عليه ، [وعلى العامل فى قول الشاعر] (٥) :

[من الخفيف]

غافلا تعرض المنيّة للمر

ء فيدعى ولات حين إباء (٦)

(ص)

وحال منصوب وظاهر رفع

فى قول أهل الكوفة السّبق منع

ولنحاة البصرة اعز الغلبه

لقولهم : (شتّى تئوب الحلبه)

(ش) منع الكوفيون تقديم حال المنصوب كقولك : «أبصرت زيدا راكبا» ، لا يجيزون : «أبصرت راكبا زيدا» ؛ لأنه يوهم أن «راكبا» مفعول به ، و «زيدا» : بدل.

فلو كان موضع «راكبا» «يركب» لم يمتنع عند بعضهم لزوال الموهم.

ولم يلتفت البصريون لذلك الموهم لبعده ، فأجازوا التقديم مطلقا ؛ ويؤيد قولهم

__________________

(١) أذواد : جمع ذود : جماعة الإبل. (مقاييس اللغة ـ ذود).

(٢) البيت لطليحة بن خويلد فى المقاصد النحوية ٣ / ١٥٤ ، وتاج العروس (حبل) ، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص ١٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٧.

(٣) البيت للمجنون فى ديوانه ص ٤٩ ، وسمط اللآلى ص ٤٠٠ ، ولعروة بن حزام فى خزانة الأدب ٣ / ٢١٢ ، ٢١٨ ، والشعر والشعراء ص ٦٢٧ ، وهو لكثير عزة فى ديوانه ص ٥٢٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٥٦ ، ولقيس بن ذريح فى ديوانه ص ٦٢ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٨.

(٤) البيت للمخبل السعدى فى ملحق ديوانه ص ٣٢٤ ، وله أو لرجل من بنى قريع فى خزانة الأدب ٣ / ٢١٩ ، ٢٢١ ، ولرجل من بنى قريع فى شرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١١٤٨ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٤٩.

(٥) فى أ: وعلى ما يتعلق به الجار كقول الشاعر.

(٦) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٤٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٨ ، وشرح قطر الندى ص ٢٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٦١.

٣٣٥

قول الشاعر : [من الطويل]

وصلت ولم أصرم مسيئين أسرتى

وأعتبتهم (١) حتّى يلاقوا ولائيا (٢)

ومنع الكوفيون ـ أيضا ـ تقدم حال المرفوع عليه إن كان ظاهرا نحو : «جاء زيد راكبا» ، لا يجيزون : «جاء راكبا زيد» مع أنهم يوافقون أهل البصرة فى جواز تقديم حال المرفوع إن كان مضمرا كقوله ـ تعالى ـ : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ) [القمر : ٧] ، وكقول الشاعر : [من الرمل]

مزبدا يخطر ما لم يرنى

وإذا يخلو له لحمى رتع (٣)

ف «خشّعا» : حال صاحبها فاعل «يخرجون».

و «مزبدا» : حال صاحبها فاعل «يخطر».

وبعض النقلة يزعم أن الكوفيين لم يمنعوا تقديم حال المرفوع عليه إلا إذا تأخر هو ورافعه عن الحال نحو : «راكبا جاء زيد» ؛ وأما نحو : «جاء راكبا زيد» فيجيزونه.

وعلى كل حال قولهم مردود بقول العرب : «شتّى تئوب الحلبة» أى : متفرقين يرجع الحالبون ، وهذا كلام مروى عن الفصحاء ، وقد تضمن جواز ما حكموا بمنعه ؛ فتعينت مخالفتهم فى ذلك.

(ص)

ولا تجز حال الذى أضيف له

إلّا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ما له أضيف أو

كجزئه عن غير ذين قد نهوا

فالجائزان كـ (اعتكافى صائما

لى) و (سراته) المدانى (قائما)

(ش) يجوز كون المضاف إليه صاحب الحال إذا كان المضاف عاملا فيها كـ «اعتكافى صائما لى» بلا خلاف.

فإن لم يصلح المضاف للعمل ، ولم يكن بعض المضاف إليه ، ولا كبعضه لم يجز

__________________

(١) العتبى : الرضا. (القاموس ـ عتب).

(٢) البيت بلا نسبة فى همع الهوامع ١ / ٢٤١ ، والدرر اللوامع ١ / ٢٠١.

(٣) البيت لسويد بن أبى كاهل فى الأغانى ١٣ / ٩٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ٥٥٤ ، وشرح اختيارات المفضل ص ٩٠٤ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٢٨ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (رتع) ، والمقتضب ٤ / ١٧٠.

٣٣٦

كون المضاف إليه صاحب حال.

ويجوز ذلك إن كان المضاف جزءا نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ) [الحجر : ٤٧] ، ونحو قول امرئ القيس (١) : [من الطويل]

كأنّ سراته (٢) لدى البيت قائما

مداك عروس أو صراية (٣) حنظل (٤)

وروى : صرابة بالباء.

أو كجزء كقوله ـ تعالى ـ : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر : ٦٦].

(ص)

والحال إن ينصب (بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا

فجائز تقديمه كـ (مسرعا

ذا راحل) و (مخلصا زيد دعا)

ولازم تقديم عامل سوى

ذين كـ (تلك زينب ذات جوى)

ومثل (تلك) : (ليت) (علّ) و (كأن)

وكلّ ما فيه حصول استكن

ك (النّضر فيها أو هناك مكرما)

والخلف فى توسيط ذى قد علما

ك (محقبى أدراعهم فيهم) ومن

ير اطّراد ذا يطع أبا الحسن

ونحو : (زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا) مستباح لا يهن

(ش) إذا كان العامل فى الحال فعلا متصرفا كـ «دعا» ، أو صفة تشبه الفعل المتصرف كـ «راحل» و «مقبول» ـ جاز تقديم الحال عليه كقولك : «زيد مخلصا دعا» و «هو مسرعا راحل» و «أنت شاهدا مقبول».

فلو كان العامل فعلا غير متصرف كفعل التعجب ، أو صفة لا تشبه الفعل المتصرف كـ «مثل» و «شبه» لم يجز تقديم الحال عليه.

__________________

(١) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندى ، من بنى آكل المرار ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يعرف بالملك الضليل ، لاضطراب أمره طول حياته ، وكتب الأدب مشحونة بشعره وأخباره. له ديوان شعر.

ينظر : الأعلام (٢ / ١١ ، ١٢) ، الأغانى (٩ / ٧٧) ، الشعر والشعراء (٣١).

(٢) السّراة : الظهر. (القاموس : سرو).

(٣) الصّراية : الحنظلة إذا اصفرت. (اللسان ـ صرى).

(٤) البيت فى ديوانه ص ٢١ ، ٣٧٣ ، ولسان العرب (صرب) ، (صلا) ، وجمهرة اللغة ص ٣١٣ ، وتاج العروس (صرب) ، (دأك) ، (صرى) ، وخزانة الأدب ٣ / ٩٥ ، ٩ / ١٨٠ ، والدرر ٥ / ٦ ، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة ١ / ٣١٤ ، ٣ / ٣٤٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٦.

٣٣٧

وكذا إذا كان العامل متضمنا معنى الفعل دون حروفه كاسم الإشارة و «ليت» و «لعلّ» و «كأنّ». وكالظروف المتضمنة معنى الاستقرار ، وإياها عنيت بقولى :

 ...

وكلّ ما فيه حصول استكن

ك «النّضر فيها أو هناك مكرما»

 ...

فلو قلت : «النّضر مكرما فيها» فقدمت الحال على العامل الظرفى مع تقدم صاحبها جاز عند أبى الحسن الأخفش ؛ وحجته فى ذلك قراءة من قرأ (١) : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] ، وقول الشاعر : [من الكامل]

رهط ابن كوز محقبى أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار (٢)

فلو قدمت الحال على العامل الظرفى ، أو على صاحبها لم يجز بإجماع.

وهذا الذى اختاره الأخفش فى العامل الظرفى ، لا يجوز فى غيره من العوامل التى لا تتصرف إلا فى «أفعل» المفضل به كون فى حال على كون فى غيرها ، كقولهم : «زيد راكبا أحسن منه ماشيا» فإنه بمنزلة قولك : «زيد فى وقت ركوبه أحسن منه فى وقت مشيه» و «زيد اليوم أفضل منه غدا».

أو إنما اختص بهذا أفعل التفضيل ؛ لأنه قائم مقام فعلين ؛ فإن قولك : «زيد اليوم أفضل منه غدا» بمنزلة قولك : «زيد يزيد فضله اليوم على فضله غدا».

__________________

(١) والعامة على رفع «مطويّات» خبرا و «بيمينه» فيه أوجه :

أحدها : أنه متعلق بمطويّات.

والثانى : أنه حال من الضمير فى مطويّات.

الثالث : أنه خبر ثان ، وعيسى والجحدرى نصباها حالا واستدل بها الأخفش على جواز تقدّم الحال إذا كان العامل فيها حرف جرّ نحو زيد قائما فى الدار وهذه لا حجة فيها لإمكان تخريجها على وجهين :

أحدهما : ـ وهو الأظهر ـ أن يكون «السّموات» عطفا على «الأرض» ويكون قد أخبر عن الأرضين والسموات بأن الجميع «قبضته» حالا من «السّموات» كما كان «جميعا» حالا من الأرض و «بيمينه» متعلق بـ «مطويّات».

والثانى : أن يكون «مطويّات» منصوبا بفعل مقدر و «بيمينه» الخبر و «مطويّات» وعامله جملة معترضة وهو ضعيف.

ينظر : الدر المصون (٦ / ٢٣ ـ ٢٤).

(٢) تقدم تخريج هذا البيت

٣٣٨

(ص)

والحال قد يجىء ذا تعدّد

لصاحب فرد ، وغير مفرد

ك (جاء زيد غادرا ذا مين)

و (زار عمرو عامرا نضوين)

(ش) قد تقدم الإعلام بأن صاحب الحال والحال شبيهان بالمبتدأ والخبر ؛ فلذلك الشبه يجوز أن يكون صاحب الحال واحدا ، ويتعدد حاله ؛ كما كان المبتدأ واحدا وتعدد خبره. وقد يكون التعدد فى اللفظ والمعنى ، وفى اللفظ دون المعنى :

فالأول نحو : «جاء زيد غادرا ذا مين».

والثانى نحو : «اشتريت الرّمّان حلوا حامضا».

وقد تتعدد الحال لتعدد صاحبها بتفرق فى الاختلاف ، وباجتماع فى عدم الاختلاف :

فالأول نحو : «لقيت زيدا مصعدا منحدرا».

والثانى نحو : «زار عمرو عامرا نضوين».

وكقول عنترة : [من الوافر]

متى ما تلقنى فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا (١)

(ص)

وأكّدوا بالحال عاملا كـ (لا

تعثوا فى الارض مفسدين) فاقبلا

وإن تؤكّد جملة فمضمر

عاملها ، ولفظها يؤخّر

مثاله (أنا ابن دارة) الّذى

أولوه (معروفا) فقس كلّا بذي

(ش) يجاء بالحال لقصد التوكيد ، وهى فيه على ضربين :

أحدهما : أن يؤكد بها عاملها كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود : ٨٥] ، وقوله : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥].

والثانى : أن يؤكد بها مضمون جملة ابتدائية ؛ فيلزم تأخيرها ، وإضمار عاملها كقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] ، وكقول الشاعر : [من البسيط]

__________________

(١) البيت فى ديوانه ص ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٩٧ ، ٧ / ٥٠٧ ، ٥٥٣ ، ٨ / ٢٢ ، والدرر ٥ / ٩٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٤ ، وشرح شواهد الشافية ص ٥٠٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٦٠ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٥ ، ولسان العرب ، (طير) ، (ألا) ، (خصا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٧٤ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٩١ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٤٥١ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٣٠١ ، وشرح المفصل ٤ / ١١٦ ، ٦ / ٨٧ ، ولسان العرب (رنف) ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٣.

٣٣٩

أنا ابن دارة معروفا بها نسبى

وهل بدارة يا للنّاس من عار (١)

(ص)

وموضع الحال تجىء جمله

ك (جاء زيد وهو ناو رحله)

وحيث باسم صدّرت فاجمع لها

واوا ومضمرا توافق أصلها

والواو تغنى ، وكذا الضّمير

والواو الاستغنا بها كثير

ويندر الخلوّ منهما معا (٢)

وليس إن لم يلتبس ممتنعا

(ش) تقع الجملة الخبرية حالا.

فإذا كانت اسمية ، فالأكثر أن تكون مقرونة بواو الحال ومشتملة على ضمير ما هى له كقولى :

 ...

«جاء زيد وهو ناو رحله»

وكقوله ـ تعالى ـ : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣].

وقد يستغنى بالواو عن الضمير كثيرا كقول امرئ القيس : [من الطويل]

وقد أغتدى والطّير فى وكناتها

بمنجرد (٣) قيد الأوابد (٤) هيكل (٥)

وكذلك يستغنى بالضمير عن الواو إلا أنه لم يكثر كثرة الاستغناء بالواو ؛ ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [البقرة : ٣٦] ، وقوله ـ تعالى ـ : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٠١] ، وقوله ـ تعالى ـ : (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الأعراف : ٢٤] ،

__________________

(١) البيت لسالم بن دارة فى خزانة الأدب ١ / ٤٦٨ ، ٢ / ١٤٥ ، ٣ / ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، والخصائص ٢ / ٢٦٨ ، ٣١٧ ، ٣٤٠ ، ٣ / ٦٠ ، والدرر ٤ / ١١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٧ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٤ ، والكتاب ٢ / ٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٨٦ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٥٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٢٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣٨ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٥.

(٢) فى أ: من ذين معا.

(٣) يقال : فرس أجرد : قصير الشعر. (القاموس ـ جرد).

(٤) الأوابد : الوحوش. (القاموس ـ أبد).

(٥) الهيكل : الفرس الطويل. (مقاييس اللغة ـ هكل).

والبيت فى ديوانه ص ١٩ ، وإصلاح المنطق ص ٣٧٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٥٦ ، ٢٤٣ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٦ ، ٦٨ ، ٣ / ٥١ ، ولسان العرب (قيد) ، (هكل) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤١٠ ، ٣ / ٤١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٥٠ ، والخصائص ٢ / ٢٢٠ ، ورصف المبانى ص ٣٩٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٦٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٨٧ ، والمحتسب ١ / ١٦٨ ، ٢ / ٢٤٣ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٦٦.

٣٤٠