شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

الذى ذكره ابن برهان ـ رحمه‌الله ـ يؤيد ما ذهب إليه ابن السراج من إجراء عوامل هذا الباب على سنن واحد قياسا ، وإن لم يثبت سماع فى إعمال جميعها ، وبقوله :

أقول فى هذه المسألة ؛ ومن أجل هذا قلت : القياس سائغ.

ب ـ وضع كلّ من المفرد والمثنى والجمع موضع الآخر ، قال السّيوطىّ فى كتابه : «همع الهوامع شرح جمع الجوامع» (١) : الأصل فى كلام العرب دلالة كل لفظ على ما وضع له ، وقد يخرج عن هذا الأصل ، وذلك قسمان : مسموع ومقيس :

فالأول : ما ليس جزءا مما أضيف إليه ؛ سمع : ضع رحالهما ، أى : رحليهما ، وديناركم مختلفة أى : دنانيركم ، وعيناه حسنة ، أى : حسنتان ، ومنه : لبّيك وأخواته ، وشابت مفارقه ، وليس له إلا مفرق واحد ، فكل هذا مسموع لا يقاس عليه ، وقاسه الكوفيون ، وابن مالك ، إذا أمن اللّبس ، وهو ماش على قاعدة الكوفيين ؛ من القياس على الشاذّ والنادر» ا ه.

وقال أثير الدين أبو حيّان : «ولو قيس شىء من هذا لالتبست الدلالات ، واختلطت الموضوعات» ، وقد ناقش ابن مالك هذه المسألة فى كتابه : «شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح» (٢) ، فأورد لها الشواهد العديدة من القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، والشعر ، وكلام العرب ؛ بما لا يدع مجالا لقول السيوطى ؛ إنه من القياس على الشاذ والنادر ، وقول أبى حيان بالتباس الدلالات واختلاط الموضوعات.

جـ ـ قال فى باب العدد من : «شرح التّسهيل» (٣) بعد كلامه على قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً :) وأجاز بعض العلماء أنّ قول القائل : «عندى عشرون دراهم ، لعشرين رجلا» قاصدا أن لكلّ منهم عشرين درهما.

قلت : وهذا إن دعت الحاجة إليه فاستعماله حسن ، وإن لم تستعمله العرب ؛ لأنه استعمال لا يفهم معناه بغيره ، ولا يجمع مميّز «عشرين» وبابه فى غير هذا النوع ، فإن وقع موقع تمييز شىء منها جمع ، فهو حال أو تابع [أى : والتمييز محذوف] ،

__________________

(١) همع الهوامع ١ / ١٧١ وما بعدها.

(٢) شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح البحث الرابع عشر ص ٦٠ وما بعدها فى توجيه قول : «أمرنا أن نخرج الحيّض يوم العيد» والأصل : «يومى العيد».

(٣) شرح التسهيل ٢ / ٣٩٣.

٤١

كبنى مخاض فى قول ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى دية الخطإ عشرين بنت مخاض ، وعشرين بنى مخاض ، وعشرين ابنة لبون ، وعشرين حقّة ، وعشرين جذعة» ف ـ «بنى مخاض» نعت أو حال» ا هـ.

رابعا : الأصول العامّة المستصحبة عند ابن مالك :

إن المتتبّع لنحو ابن مالك يلمس أنّه كان يرى أن النحو يسير على قواعد عامّة ، وقوانين معينة من شأنها أن تجعله أكثر دقّة ، وأبعد عن التناقض ، وأنّ هذه القوانين أو الأصول تكاد تكون مطّردة ، فمن الأصول التى قال بها :

أ) يفصّل الفرع على الأصل.

ب) حذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه.

ج) حذف ما يؤمن بحذفه حذف أولى من حذف ما لا يؤمن بحذفه حذف.

د) تغيير يؤمن معه تغيير أولى من تغيير لا يؤمن معه تغيير.

ه) ما يؤدّى إلى عدم النظير لا يصحّ قبوله.

و) الأصل عدم الزيادة.

ز) اجتماع مرفوعين بفعل واحد لا يجوز.

ح) الاستثقال يبيح التغيير.

ط) لا يجمع بين عوض ومعوّض منه.

ى) من الفرع ما يفوق الأصل.

ك) العلامة اللفظية مرجّحة على العلامة المعنوية.

ل) إلحاق النظير بنظيره أولى.

م) ما لا يوقع فى لبس أولى مما يوقع فيه.

ن) الحمل على الأكثر ، وعلى المجمع عليه ، وعلى المقطوع به أولى.

س) الحمل على الأصل أولى من الحمل على الفرع.

ع) ما لا يحوج إلى تقدير أولى ممّا يحوج إليه.

ف) الأصل عدم الاشتراك.

ولنذكر بعض تطبيقاته لهذه الأصول :

إذا اجتمعت نون الرفع ونون الوقاية فى الأفعال الخمسة فحذفت إحدى النونين ، فالصحيح أنّ المحذوف فى التخفيف نون الرفع ؛ كما ذهب إلى ذلك سيبويه ،

٤٢

والأخفش ، وإن ذهب أكثر المتأخرين إلى أن المحذوفة فى التخفيف نون الوقاية ؛ قال ابن مالك فى : «شرح التسهيل» (١) عن الأول : وهو الصحيح لوجوه :

أحدها : أنّ نون الرفع قد تحذف دون سبب مع عدم ملاقاتها لنون الوقاية ، ولا تحذف نون الوقاية المتصلة بفعل محض غير مرفوع بالنون ، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه. وأيضا ، فإن نون الرفع نائبة عن الضمة ، وقد حذفت الضمة تخفيفا فى الفعل ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ)(٢) و (وَما يُشْعِرُكُمْ)(٣) فى قراءة للسّوسىّ. وفى الاسم ؛ كقراءة بعض السّلف (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(٤) بسكون اللام و (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُ)(٥) بسكون التاء.

فحذف النون النائبة عنها ، (أى نون الرفع النائبة عن الضمّة) تخفيفا ـ أولى ، وليؤمن تفضيل الفرع على الأصل.

وأيضا ، فإن حذف نون الرفع يؤمن معه حذف نون الوقاية ، إذ لا يعرض لها سبب آخر يدعو إلى حذفها ، وحذف نون الوقاية أوّلا لا يؤمن معه حذف نون الرفع عند الجزم والنصب ، وحذف ما يؤمن بحذفه حذف ـ أولى من حذف ما لا يؤمن بحذفه حذف.

وأيضا لو حذفت نون الوقاية لاحتيج إلى كسر نون الرّفع بعد الواو والياء ، وإذا حذفت نون الرفع لم تحتج إلى تغيير ثان ، وتغيير يؤمن معه تغيير أولى من تغيير لا يؤمن معه تغيير» ا ه.

وقال عند الكلام على المجموع بالألف والتاء (٦) : وزعم أبو على أن قول من قال : «سمعت لغاتهم» بالفتح لا يحمل على أنه جمع ، بل على أنه مفرد ردّ لامه ، فقلب ألفا ، وهذا الذى ذهب إليه مردود من أربعة أوجه :

أحدها : أن جمعيّة «لغات» فى غير «سمعت لغاتهم» ثابتة بإجماع ، والأصل عدم

__________________

(١) شرح التسهيل ١ / ٥٢.

(٢) سورة البقرة آية ٦٧.

(٣) سورة الأنعام آية ١٠٩ ، وينظر الإتحاف ص ٢١٥.

(٤) سورة الزخرف آية ٨٠.

(٥) سورة البقرة آية ٢٢٨ لمسلمة بن محارب ، وينظر شواذ ابن خالويه ١٤.

(٦) شرح التسهيل ١ / ٨٨.

٤٣

الاشتراك ، ولا سيما بين إفراد وجمع.

الثانى : أن التاء فى هذا الجمع عوض من اللام المحذوفة ؛ فلو ردّت لكان ذلك جمعا بين عوض ومعوّض منه ؛ وذلك ممنوع.

خامسا : الاصطلاحات عند ابن مالك :

موقف ابن مالك من اصطلاحات النحاة هو موقفه من جميع مسائل النحو ، موقف الباحث المجتهد المتحرر من عبودية التقليد لكلّ قديم ، وقد مرّ بنا خروجه على ما اصطلح عليه النحاة فى مسألة الاحتجاج بالحديث ، ومن أبرز المواضع التى يظهر فيها اجتهاد ابن مالك فى هذا الصدد عناوين مسائل النحو ، فقد غيّر كثيرا من عناوين سيبويه وغيره من النحاة السّابقين ، وبخاصة العناوين الوصفية المطوّلة التى امتاز بها سيبويه فى كتابه.

ومن العناوين التى استحدثها ابن مالك :

أ) باب النّائب عن الفاعل (١) :

وهو الذى يسميه الجمهور المفعول الّذى لم يسمّ فاعله ، ومصطلح المصنّف أولى وأخصر من مصطلح الجمهور ؛ لأنّ هذا الأخير لا يشمل غير المفعول به ممّا ينوب كالظرف ؛ إذ المفعول به هو المراد عند إطلاق لفظ المفعول ؛ ولأنه يشمل المفعول الثانى فى نحو «أعطى زيد دينارا» ، وليس هذا مرادا بالنائب عن الفاعل.

ب) البدل المطابق :

بدلا من قولهم : «بدل كلّ من كلّ» ، وذكل المطابقة أولى ؛ لأنها عبارة صالحة لكلّ بدل يساوى المبدل منه فى المعنى ، كان ذا أجزاء أو لم يكن ؛ بخلاف العبارة الأخرى «بدل كل من كل» فإنها لا تصلح إلا لذى أجزاء ، وذلك غير مشترط لإجماع النحاة على إثبات هذا البدل فى أسماء الله تعالى كقراءة غير نافع وابن عامر : «إلى صراط العزيز الحميد. الله ...» (٢).

__________________

(١) شرح التسهيل ٢ / ١٢٤.

(٢) سورة إبراهيم آية ١ ، ٢.

٤٤

جـ) المعرّف بأداة التّعريف (١) :

وهو أولى من تعبير النحاة بـ «أل» ؛ لجريانه على كل الأقوال الواردة فى أداة التعريف ؛ كالتعريف بـ «أم» عند حمير ؛ كما فى الحديث : «ليس من امبرّ امصيام فى امسفر» ، وفى قول الشاعر : [من المنسرح]

ذاك خليلى وذو يواصلنى

يرمى ورائى بامسهم وامسلمه

د) لغة : يتعاقبون فيكم ملائكة :

استعمل ابن مالك هذا الاصطلاح بدلا من قولهم : «لغة أكلونى البراغيث» وقد أوضح ابن مالك هذا الاصطلاح ، وشرحه فى كتابه «شواهد التوضيح والتصحيح» (٢) عند حديثه عن قول من روى الحديث : «كنّ نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الفجر» ، قال : وعلى هذه اللغة قول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «يتعاقبون فيكم ملائكة» ، وساق أحاديث وأشعارا للتدليل.

وإن كان لبعض العلماء اعتراض على تسمية هذه اللغة ـ لغة : «يتعاقبون فيكم ملائكة» ـ ، وأن المصطلح المطابق لهذه اللغة ـ وهى لغة : طيّىء ، وقيل : لغة أزد شنوءة ـ أنها لغة : أكلونى البراغيث.

* * *

__________________

(١) شرح التسهيل ١ / ٢٥٣.

٤٥

خاتمة

من هذا العرض السابق نستطيع أن نطمئنّ إلى علوّ مكانة ابن مالك ، ورفعة قدره فى العربيّة وفروعها ، وبخاصة النحو واللغة ، وإلى أن ما أخذه عليه أبو حيّان الأندلسى من : «أنه لم يكن له نسج مشهور يعتمد عليه ، ويرجع فى حل المشكلات إليه ؛ وأنه لهذا كان يحتمل المباحثة ، ولا يثبت للمناقشة ؛ لأنه إنما أخذ هذا العلم بالنظر فيه بخاصّة نفسه».

أقول : إن ما أخذه أبو حيّان ، كان مأخذا مردودا لم يقبله أحد من معاصريه ؛ كما لم يقبله أحد من اللاحقين ؛ لأن علم ابن مالك ، وفضله ، وما كان له من مكانة بين علماء عصره ، وما تركه بعده من مصنفات قيّمة شغلت العلماء بها شرحا وإيضاحا وإبانة وتعليقا ، وشغلت الطلاب بها ؛ دراسة وفهما ومناقشة وتتبّعا ، وما خلفهم من تلاميذ ومريدين حملوا بعده العبء ، وتصدوا للتعليم والهداية ـ كان خير ردّ على أبى حيّان ، وأقوى برهان ضدّه.

ولقد اعترف أبو حيّان نفسه بما كان لابن مالك من فضل ، وما أسداه إلى اللغة من يد ، فهو يقول : «إن ابن مالك نظم فى هذا العلم كثيرا ونثر ؛ وجمع باعتكافه ومراجعته غرائب ، وحوت مصنفاته نوادر وعجائب ، وإنّ من عرف ما فى تسهيله لا يكون تحت السماء من هو أنحى منه».

* * *

٤٦

نسخ الكتاب ومنهجنا فى التحقيق

اعتمدنا فى تحقيق هذا الكتاب على أربع نسخ ، اثنتين مخطوطتين ، وأخريين مطبوعتين.

أما المخطوطتان :

١ ـ المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٢٦٤) نحو ، بخط ابن النقيب. ورمزنا لها بالرمز (أ).

٢ ـ المخطوطة المحفوظة بالأزهر الشريف تحت رقم (٣٢٧٩) نحو.

وأما المطبوعتان :

١ ـ النسخة المطبوعة بتحقيق الدكتور : عبد المنعم أحمد هريدى وقد اعتمدنا عليها وأفدنا منها فى تحقيق وضبط النص ، وهى المشار إليها بالرمز «ط».

وكان لها أثر طيب فى إخراج الكتاب على هذه الصورة مع ما استدركناه من أبيات سقطت من طبعته.

٢ ـ النسخة المطبوعة بهامش حاشية الشيخ يس العليمى على خلاصة ابن مالك وقد استفدنا منها فى بعض السقط.

وقد اتبعنا فى تحقيق الكتاب الآتى :

أولا : مقابلة النسخ واثبات ما كان صوابا فى نص الكتاب وأشرنا إلى الفروق فى الحاشية ، وقد أغفلنا إثبات كثير من الفروق التى لا فائدة من ذكرها.

ثانيا : عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها.

ثالثا : تخريج الأحاديث النبوية.

رابعا : توثيق الأشعار الواردة فى الكتاب ، وعزوها إلى قائليها.

خامسا : تراجم الأعلام الواردة فى الكتاب.

سادسا : التعليق على بعض المسائل النحوية.

سابعا : توضيح الألفاظ الغريبة من المعاجم اللغوية.

ثامنا : عمل مقدمة لتحقيق الكتاب.

تاسعا : عمل فهارس عامة للكتاب.

٤٧

٤٨

٤٩

٥٠

٥١

٥٢

٥٣
٥٤

باسمك اللهم

هذا كتاب «شرح الكافية الكبرى» لأوحد الفضلاء ، تذكرة أبى عمرو وسيبويه والفراء ، وحيد الدهر ، فريد العصر ، جمال الدين أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الجيانى الطائى الشافعى النحوى صاحب التصانيف المفيدة ، رحمه‌الله رحمة واسعة وغفر له ولنا ولسائر المسلمين أجمعين آمين (١).

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وبه ثقتى

قال الشيخ الإمام العالم العلامة ترجمان الأدب ولسان العرب الفاضل ، المتقن ، البارع ، أوحد الفضلاء جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك ، الطائى ، الجيانى ؛ تغمده الله برحمته ونفع الله به ، وأعاد من بركته ـ حامدا ، ومصليا ، ومثنيا : ـ

سألنى بعض الألباء (٢) المعتنين بحقائق الأنباء أن أتلو «الكافية الشافية» بشرح تخف به المئونة ، وتحف به المعونة ، ويكون به الغناء مضمونا ، والعناء مأمونا ، فأجبت دعوته دون توقف ، وأنجزت عدته دون تخلف ، واستوهبت من الله التمكين من التلطف فى حسن التصرف ، والتأمين من التعسف (٣) والتكلف ، وأن يجعل ذلك مفتتحا بخلوص النية مختتما بحصول الأمنية ؛ إنه واهب كل خير ، وكافى كل ضير (٤).

خطبة الكافية الشافية

قال ابن مالك محمّد وقد

نوى إفادة بما فيه اجتهد

الحمد لله الذّى من رفده (٥)

توفيق من وفّقه لحمده

تبارك اسمه وتمّت كلمه

وعمّ حكمه ، وجمّت (٦) حكمه

__________________

(١) المثبت من ط.

(٢) الألباء جمع لبيب ، وهو العاقل. ينظر : القاموس (لبب).

(٣) التعسف : الميل والعدول عن الطريق القاموس : (عسف).

(٤) الضير : مصدر ضاره يضيره ويضوره إذا أضر به ، والضير هو الضرر ، ينظر : الوسيط (ضاره).

(٥) الرفد : العطاء ، والصلة القاموس (رفد).

(٦) جمت : كثرت. الوسيط (جمم).

٥٥

ثمّ على خير الهداة أحمدا

منه صلاة تستدام أبدا

تعم آله ، وصحبه الألى

بحفظهم عهوده نالوا العلى

وتسعد الّذى بها قد اعتنى

سعادة منيلة أقصى المنى

وبعد : فالنّحو صلاح الألسنه

والنّفس إن تعدم سناه فى سنه

به انكشاف حجب المعانى

وجلوة المفهوم ذا إذعان

ومن يعن طالبه بسبب

فهو حر بنيل كلّ أرب

وقد جمعت فيه كتبا جمّه

مفيدة يعنى بها ذو الهمّة

وهذه أرجوزة مستوفيه

عن أكثر المصنّفات مغنيه

تكون للمبتدئين تبصره

وتظفر الّذى انتهى بالتّذكره

فليكن النّاظر فيها واثقا

بكونه إذا يجارى سابقا

فمعظم الفنّ بها مضبوط

والقول فى أبوابها مبسوط

وكم بها من شاسع تقرّبا

ومن عويص (١) انجلى مهذّبا

فمن دعاها قاصدا بالكافيه

مصدّق ، ولو يزيد الشّافيه

فالله يحظينا (٢) بخير سعى

وباجتناء ثمرات الوعى

ومنتهى أبياتها ألفان مع

مئين سبع وثمانين تبع

باب شرح الكلام وما يتألف منه

(ص)

قول مفيد : طلبا أو خبرا

هو الكلام كـ (استمع وسترى)

(ش) «الكلام» عند النحويين : [عبارة عن كل لفظ مفيد] (٣).

والمراد بـ «المفيد» : ما يفهم منه معنى يحسن السكوت عليه.

و «القول» : يطلق على الكلمة المفردة ، وعلى المركبة بلا فائدة ، وعلى المركب المفيد.

فكل كلام قول ، وليس كل قول كلاما ، فلذلك لم نكتف فى حد الكلام بالقول ، بل قيدناه بـ «مفيد» ؛ ليخرج بذلك الكلمة المفردة نحو : «زيد» فإن الاقتصار عليها لا يفيد.

__________________

(١) العويص : الأمر الصعب ، والعويص من الشعر : ما يصعب استخراج معناه ـ القاموس (عوص).

(٢) يحظينا : من الحظوة ، وهى المكانة ، والحظ من الرزق. الوسيط (حظى). (٣) فى أ: عبارة عن كلام مفيد.

٥٦

ويخرج بذلك ـ أيضا ـ : الكلمة المضافة نحو : «غلامك» فإن الاقتصار عليها لا يفيد.

ويخرج بذلك ـ أيضا ـ : الموصول وصلته نحو : «الّذى ضربته» فإن الاقتصار عليه لا يفيد.

ويخرج بذلك ـ أيضا ـ : المركب الذى لا يجهل أحد معناه نحو : «السّماء فوق الأرض» فإنه لا يفيد ؛ فلا يعده النحويون كلاما.

وكان فى الاقتصار على «مفيد» كفاية ، لكن ذكر الطلب والخبر ليعلم أن المستفاد منه على ضربين :

أحدهما : طلب كالمستفاد من قولنا : «استمع».

والثانى : خبر كالمستفاد من قولنا : «سترى».

فـ «استمع» كلام مركب من كلمتين :

إحداهما : ملفوظ بها وهى «استمع».

والثانية : منوية وهى ضمير المخاطب المؤكد بـ «أنت» حين تقصد توكيده.

و «سترى» كلام مركب من ثلاث كلمات :

إحداها : السين وهى بمعنى «سوف» فى تخليص الاستقبال.

والثانية : «ترى» وهى فعل مضارع.

والثالثة : ضمير المخاطب المؤكد بـ «أنت» حين تقصد توكيده.

(ص)

وهو من اسمين كـ (زيد ذاهب)

واسم وفعل نحو (فاز التّائب)

(ش) وهو راجع إلى الكلام المحدود فى البيت المتقدم.

أى : تركيب الكلام إما : من اسمين أسند أحدهما إلى الآخر ؛ كإسناد «ذاهب» إلى «زيد» فى قولنا : «زيد ذاهب».

وإما من اسم وفعل مسند هو إلى الاسم ؛ كإسناد «فاز» إلى «التّائب» فى قولنا : «فاز التّائب».

فـ «زيد ذاهب» وشبهه جملة اسمية لتصديرها باسم. و «فاز التّائب» وشبهه جملة فعلية لتصديرها بفعل.

٥٧

(ص)

كلا المثالين يسمّى جمله

وفيهما الحرف يكون فضله

(ش) المثالان هما : «زيد ذاهب» ، و «فاز التّائب». و «فيهما» أى : قد يضم الحرف إلى كل واحدة من الجملة الاسمية والجملة الفعلية فيكون فيهما فضلة ؛ أى : صالحا للسقوط.

بخلاف ما لا يصلح للسقوط فإنه عمدة.

والحاصل : أن الكلام لا يستغنى عن إسناد.

والإسناد لا يتأتى بدون مسند ، ومسند إليه.

فالاسم يكون مسندا ، ومسندا إليه ؛ فلذلك صح أن يتألف كلام من اسمين دون فعل ولا حرف. والفعل يسند ، ولا يسند إليه. والحرف لا يسند ، ولا يسند إليه.

(ص)

نحو (أساه أنت أم ذكرتا)

و (لا تجر) و (إن تجد شكرتا)

(ش) هذا البيت مبين ؛ لانضمام الحرف إلى كل واحدة من الجملتين ، وأنه لا يكون إلا فضلة.

فـ «أساه أنت» أصله : «ساه أنت» فضمت الهمزة لحاجة المتكلم إلى معناها ؛ وهو الاستفهام. وكذلك أصل «أم ذكرت» : «ذكرت» ثم جيء بـ «أم» للعطف على الجملة الأولى ؛ فلو حذفت الهمزة و «أم» لم يخل ذلك بكون الكلام تاما.

وكذلك لو حذفت «لا» من «لا تجر» ، و «إن» من «إن تجد شكرت» لبقى «تجور» وهو فعل مسند إلى ضمير المخاطب المنوى.

و «تجد» وهو أيضا فعل وفاعل منوى ، و «شكرت» وهو فعل ومفعول قام مقام الفاعل.

(ص)

واسما بجرّ سم ، وصرف ، وندا

وجعله معرّفا ، أو مسندا

(ش) أى : اجعل سمة الاسم قبوله لعامل الجر ، وللصرف ، وللنداء الذى لا يشتبه بما ليس نداء.

وكان ذكر الجر أولى من ذكر حرف الجر ؛ لأن الجر ـ مطلقا ـ يتناول الجر بالإضافة ، والجر بحرف الجر.

٥٨

والصرف أولى من التنوين ؛ لأن التنوين يتناول : تنوين الصرف ، وتنوين التنكير ، وتنوين المقابلة ، وتنوين التعويض ، وتنوين الترنم.

نحو : «رجل» و «صه» و «مسلمات» و «حينئذ». و [من الرجز]

يا أبتا علّك أو عساكن (١)

وهذا الخامس وهو تنوين الترنم لا يختص بالاسم ، بل الذى يختص به ما سواه ، وهو المعبر عنه بـ «الصّرف» ؛ فكان ذكر الصرف أولى من ذكر التنوين.

واعتبار الاسم بالنداء ينبغى أن يكون بغير «يا» من حروفه ؛ كـ «أيا» و «هيا» و «أى» فإنها لا تدخل إلا على الاسم ، ولا ينبه بها إلا منادى مذكور.

بخلاف «يا» فإنها قد ينبه بها غير مذكور فيليها فعل نحو : «يا حبذا»

وحرف نحو : «يا ليتنا» : [من الرجز]

يا ربّ سار بات ما توسّدا (٢)

وقبول اللفظ لأن يجعل معرفا من علامات الاسمية ؛ كقولك فى «غلام» : «الغلام» و «غلامك».

وهذه العبارة أولى من أن تذكر الألف واللام ؛ لأن الألف واللام قد يكونان بمعنى «الذى» فيدخلان على الفعل المضارع كقول الشاعر : [من البسيط]

ما أنت بالحكم التّرضى حكومته

ولا الأصيل ، ولا ذى الرّأى والجدل (٣)

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ملحقات ديوانه ص ١٨١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٦٢ ، ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٤ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٣٣ ، وشرح المفصل ٧ / ١٢٣ ، ٢ / ٩٠ ، والكتاب ٢ / ٣٧٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٢ ، وللعجاج فى ملحق ديوانه ٢ / ٣١٠ ، وتهذيب اللغة ١ / ١٠٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٦ ، والإنصاف ١ / ٢٢٢ ، والجنى الدانى ص ٤٤٦ ، ٤٧٠ ، والخصائص ٢ / ٩٦ ، والدرر ٢ / ١٥٩ ، ورصف المبانى ص ٢٩ / ٢٤٩ ، ٣٥٥ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٠٦ ، ٢ / ٤٩٣ ، ٥٠٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٣٣ ، ٢ / ٤٥٨ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢ ، ٣ / ١١٨ ، ١٢٠ ، ٨ / ، ٨٧ ٩ / ٣٣ ، واللامات ص ١٣٥ ، ولسان العرب (روى) ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٣٠ ، والمقتضب ٣ / ٧١ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٥١ ، ٢ / ٦٩٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٢ ، وتاج العروس (الياء).

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أبى) ، (يدى) ، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٧ ، والجنى الدانى ص ٣٥٦ ، وجواهر الأدب ص ٢٨٩ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٧٧ ، ٤٩٨ ، والدرر ١ / ١١٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٠٤ ، وشرح المفصل ٤ / ١٥٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٩ ، وتاج العروس (يدى).

(٣) البيت للفرزدق فى الإنصاف ٢ / ٥٢١ ، وجواهر الأدب ص ٣١٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢ ،

٥٩

وجعله معرفا يتناول تعريف الإضافة والتعريف بحرف التعريف سواء قيل : إنه اللام وحدها على ما ذهب إليه سيبويه (١). أو : إنه الألف واللام معا على ما ذهب إليه الخليل (٢). ويتناول ذلك ـ أيضا ـ التعريف بالألف والميم وهى لغة أهل اليمن.

وقد تكلم بها الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذ قال : «ليس من امبرّ امصيام فى امسفر» (٣).

__________________

والدرر ١ / ٢٧٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٨ ، ١٤٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٢١ ، ولسان العرب (أمس) ، (لوم) ، والمقاصد النحويّة ١ / ١١١ ، وتاج العروس (لوم) ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٢٠ ، وتخليص الشواهد ص ١٥٤ ، والجنى الدانى ص ٢٠٢ ، ورصف المبانى ص ٧٥ ١٤٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٧١ ، وشرح ابن عقيل ص ٨٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٩٩ ، والمقرب ١ / ٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٥ ، وتهذيب اللغة ٣ / ١١٩ ، ١٥ / ٤٦٢.

(١) هو عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين ، أبو بشر ، الملقب سيبويه. هو إمام النحاة ، وأول من بسط علم النحو ، لزم الخليل بن أحمد ، وفاقه ، كان علامة حسن التصنيف ، واشتهر بأنه كان نظيفا جميلا ، وكان فى لسانه حبسة ، وقلمه أبلغ من لسانه. ألف «كتاب سيبويه» فى النحو ، قالوا : لم يصنع مثله ، قبله ولا بعده. ولم يصنف غيره. مات سنة ثمانين ومائة ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠) ، سير أعلام النبلاء (٨ / ٣٥٤) ، البداية والنهاية (١٠ / ١٧٦) ، الأعلام (٥ / ٨١).

(٢) هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم ، الفراهيدى ، البصرى ، أبو عبد الرحمن ، صاحب العربية والعروض ، ومن أوائل أئمة اللغة والأدب ، وهو أستاذ سيبويه كان من الزهاد فى الدنيا ، المنقطعين إلى العلم ، وكان آية فى الذكاء ، وكان يحج سنة ويغزو سنة.

قيل : هو أول من جمع حروف المعجم فى بيت واحد هو :

صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزعت

يحظى الضجيع بها نجلاء معطار

ومن كلامه : ثلاثة تنسينى المصائب : مر الليالى ، والمرأة الحسناء ، ومحادثات الرجال.

من تصانيفه : العين ، الجمل ، العروض ، الإيقاع ، وغيرها.

توفى ـ رحمه‌الله ـ سنة خمس وسبعين ومائة ، وقيل سنة سبعين ومائة. ينظر : بغية الوعاة (١ / ٥٥٧ ـ ٥٦٠) ، وفيات الأعيان (١ / ١٧٢) ، إنباه الرواة (١ / ٣٤١) ، الأعلام (٢ / ٣١٤).

(٣) رواه أحمد فى مسنده (٥ / ٤٣٤) ومن طريقه الطبرانى فى الكبير (١٩ / ١٧٢) (٣٨٧) ، ورواه البيهقى فى سننه (٤ / ٢٤٢) كلهم من طريق عبد الرازق قال أخبرنا معمر عن الزهرى عن صفوان بن عبد الله عن أم الدرداء ـ عن كعب بن عاصم قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول فذكر الحديث باللفظ المذكور.

ورواه الحميدى فى مسنده (٨٦٤) ومن طريقه الطحاوى فى شرح معانى الآثار (٢ / ٦٣) قال حدثنا سفيان قال : سمعت الزهرى يقول أخبرنى صفوان بن عبد الله فذكره بإسناده بلفظ : «ليس من البر الصيام فى السفر».

٦٠