شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

وبالرفع على إضمار المطاوع ، والتقدير : لا تجزعى إن هلك منفسأ هلكته.

ولا يجوز فى نحو «زيد» من قولك : «زيد غيب عنه ، أو ذهب به» إلا الرفع ؛ لأن الجار والمجرور فى موضع رفع ، فلو فسر عامله عاملا فيما تقدم لم يكن المفسر إلا رافعا ؛ فإن عمل المفسر مثل عمل المفسر.

وقد أجاز ابن السراج (١) ، والسيرافى أن يقدر إسناد «ذهب» ونحوه إلى ما يدل عليه من مصدر ؛ فيكون المجرور على هذا فى موضع نصب ، وينصب الاسم السابق.

وهذا قول يلزم منه جواز الاقتصار على «ذهب» ؛ لأنه على قولهما مسند إلى منوى ، والجار والمجرور فضلة. ومثل هذا لا يوجد فى كلام العرب فلا يلتفت إليه.

__________________

(١) قال ابن السراج : ... فى «سير بزيد» ثلاثة أوجه : أجودها أن تقيم «بزيد» مقام الفاعل ، فيكون موضعه رفعا ، وإن كان مجرورا فى اللفظ ...

والوجه الثانى : ... أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.

والوجه الثالث : وهو أبعدها أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.

ينظر : الأصول فى النحو ١ / ٨٠.

٢٨١

باب تعدى الفعل ولزومه

(ص)

إن تمّ للفعل اسم مفعول نعت

ب (واقع) أو (متعدّ) كـ (مقت)

فانصب به ـ مدلول ذاك الوصف

إن لم ينب عن فاعل ذى حذف

وما بنوا منه اسم مفعول بلا

تمام انسب للّزوم كـ (امثلا)

(ش) الفعل الذى يصلح أن يصاغ منه اسم مفعول تام يسمى متعديا ، ومجاوزا ، وواقعا كـ «مقت فهو ممقوت» ، و «نعت فهو منعوت». والمراد بالتمام : الاستغناء عن حرف جر.

فلو صيغ منه اسم مفعول مفتقر إلى حرف جر سمى الفعل «لازما» ، وقد يقال فيه «متعدّ بحرف جرّ» وذاك مثل : «غضب زيد على عمرو فهو مغضوب عليه» ، و «زهد فيه فهو مزهود فيه» ، و «عجب منه فهو معجوب منه».

فهذه أفعال لازمة ؛ لأن اسم المفعول المبنى منها لا يستغنى عن اقترانه بحرف جر.

بخلاف الأول كـ «نعت فهو منعوت» فإن اسم مفعوله تام ؛ أى : غنى عن اقترانه بحرف جر.

(ص)

والتزموا لزوم ما على (فعل)

وما جرى مجراه معنى كـ (بخل)

وما اقتضى تكوّنا أو عرضا

أو كان مثل (ازورّ) وزنا و (انقضى)

كذا (افعللّ) والمضاهى (افعنللا)

وما بإلحاق كذين جعلا

وهكذا ما طاوع المعدّى

لواحد كـ (مدّه فامتدّا)

(ش) حاصل هذه الأبيات : التنبيه على ما لا يوجد من الأفعال متعديا بنفسه.

فمنه ما يستدل عليه بمجرد وزنه.

ومنه ما يستدل عليه بمعناه ، وإن كان على وزن صالح للتعدية.

فالأول ما كان على «فعل» كـ «ظرف» و «عذب» و «جنب» ، أو على «فعل» أو «فعل» ، بشرط كون الوصف منهما على «فعيل» كـ «بخل فهو بخيل» و «ذلّ فهو ذليل».

أو على «افعلّ» كـ «ازورّ» و «احمرّ». أو على «انفعل» كـ «انقضى» و «انصرف».

٢٨٢

أو على «افعللّ» كـ «اقشعرّ» و «اشمأزّ». أو على «افعنلل» كـ «احرنجم» (١) و «اثعنجر» (٢).

وكذا ما ألحق بـ «افعللّ» و «افعنلل» كـ «اكوهدّ الفرخ» ـ إذا ارتعد ـ أو «احرنبى الدّيك» إذا انتفش.

فهذه الأوزان دلائل على عدم التعدى من غير حاجة إلى الكشف عن معانيها.

وأما الذى يستدل على عدم تعديه بمعناه : فما اقتضى تكونا كـ «حدث» و «نبت» ، أو عرضا كـ «مرض» و «برئ».

ومنه الاستدلال لمطاوعة المتعدى إلى واحد كـ «ضاعفت الحساب فتضاعف» ، و «دحرجت الشّىء فتدحرج» ، و «نعّمته فتنعّم» ، ومنه «ثلمته فثلم» (٣) ، و «ثرمته فثرم» (٤).

(ص)

وعدّ لازما بحرف جرّ

ك (انقد لزيد واقربن من عمرو)

وحذف حرف الجرّ مع (أنّ) و (أن)

مطّرد إلّا إذا ما اللّبس عن

وفى محلّ نحو (أن) هذا نظر

أذو انتصاب هو أم ممّا يجرّ؟

وأثبت الأخفش فى عطف على

نحو (أن) المذكور جرّا نقلا

وانصب لحذف ما يجرّ غير (أن)

و (أنّ) والمجرور ليس بالحسن

والحذف مع سواهما لا تستبح

إن لم يؤيّده سماع متّضح

وابن سليمان اطّراده رأى

إن لم يخف لبس كـ (من زيدا نأى)

(ش) يجوز أن يعدى الفعل اللازم بحرف الجر إلى «أن» و «أنّ» وغيرهما ؛ نحو : «عجبت من أنّك ذاهب» ، و «من أن قام زيد» ، و «من قعود عمرو».

ويجوز حذف حرف الجر مع «أنّ» و «أن» فيقال : «عجبت أنّك ذاهب» ، و «أن قام زيد».

ولا يجوز حذفه من غيرهما فلا يقال : «عجبت قعود عمرو».

__________________

(١) احرنجم القوم : ازدحموا. (اللسان ـ حرجم).

(٢) ثعجر الشىء والدم : صبه. (اللسان ـ ثعجر).

(٣) الثلم : تشرم يقع فى طرف الشىء. (مقاييس اللغة ـ ثلم).

(٤) ثرمه : ضربه على فيه فكسر سنه. (الوسيط ـ ثرم).

٢٨٣

فإن ورد الحذف مع غير «أنّ» و «أن» عد نادرا ، ولم يقس عليه إلا أن يكون من الأفعال التى جمع لها التعدى واللزوم كثيرا مع اتفاق المعنى ، كما سيأتى بيان ذلك ، إن شاء الله تعالى.

ومذهب الخليل والكسائى فى «أنّ» و «أن» : أنهما فى محل جر بعد حذف حرف الجر.

ومذهب سيبويه (١) والفراء : أنهما فى محل نصب. ويؤيد قول الخليل قول الشاعر ـ أنشده الأخفش ـ : [من الطويل]

وما زرت ليلى أن تكون حبيبة

إلى ولا دين بها أنا طالبه (٢)

فجر المعطوف على «أن» فعلم أن «أن» فى محل جر.

وحكم ما سوى «أنّ» و «أن» إذا حذف ما يجره أن ينصب ؛ كقوله : [من الكامل]

لدن (٣) بهزّ الكفّ يعسل (٤) متنه

فيه كما عسل الطّريق الثّعلب (٥)

ورأى على بن سليمان الأخفش اضطراد الحذف والنصب فيما لا لبس فيه ؛ كقول الشاعر : [من الطويل]

تحنّ فتبدى مابها من صبابة

وأخفى الّذى لو لا الأسى لقضانى (٦)

__________________

(١) ينظر الكتاب (٣ / ١٢٦ ، ١٢٧).

(٢) البيت للفرزدق فى ديوانه ١ / ٨٤ ، والإنصاف ص ٣٩٥ ، وتخليص الشواهد ص ٥١١ ، والدرر ٥ / ١٨٣ ، وسمط اللآلى ص ٥٧٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٨٥ ، والكتاب ٣ / ٢٩ ، ولسان العرب (حنطب) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٦٦٥ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ١٩٧ ، ومغنى اللبيب ص ٥٢٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨١.

(٣) لدّن الشىء : لينه. (الوسيط ـ لدن).

(٤) العسلان : شدة اهتزاز الرمح إذا هززته. (مقاييس اللغة ـ عسل).

(٥) البيت لساعدة بن جؤية الهذلى فى تخليص الشواهد ص ٥٠٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٨٣ ، ٨٦ ، والدرر ٣ / ٨٦ ، وشرح أشعار الهذليين ص ١١٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٥٥ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٨٥ ، والكتاب ١ / ٣٦ ، ٢١٤ ، ولسان العرب (وسط) ، (عسل) والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٤ ، ونوادر أبى زيد ص ١٥ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٨٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٧٩ ، وجمهرة اللغة ص ٨٤٢ ، والخصائص ٣ / ٣١٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٩٧ ، ومغنى اللبيب ص ١١ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٠.

(٦) البيت لعروة بن حزام فى خزانة الأدب ٨ / ١٣٠ ، والدرر ٤ / ١٣٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤١٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٥٢ ، ولرجل من بنى حلاف فى تخليص الشواهد ص ٥٠٤ ، وللكلابى فى لسان العرب (غرض) ، (قضى) وبلا نسبة فى الجنى الدانى ـ

٢٨٤

وقد يحذف الجار ويبقى الجر ؛ كقوله :

إذا قيل أى النّاس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (١)

أراد : أشارت إلى كليب ؛ فحذف «إلى» وأبقى عملها.

(ص)

وجمع اللّزوم والتّعدّى

لواحد مع اتّحاد القصد

وجمعا مع اختلاف المعتبر

نحو : (فغرت الفم) و (الفم فغر)

(ش) من الأفعال أفعال استعملت بوجهين والمعنى واحد كـ «نصحت» ، و «شكرت» و «كلت» و «وزنت» يقال : «شكرته» و «شكرت له» و «نصحته» و «نصحت له» و «كلته» و «كلت له» و «وزنته» و «وزنت له» ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين : ٣]

ومن الأفعال أفعال جمع لها التعدى واللزوم مع اختلاف المعنى كـ «فغر زيد فاه ، وشجاه» بمعنى : فتحه ، و «فغر الفم ، وشجا» بمعنى : انفتح.

ومن ذلك «زاد» و «نقص» يكونان متعديين ولازمين ، وإذا تعديا تعديا إلى مفعولين ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [البقرة : ١٠]

(ص)

وما إلى اثنين تعدّى غير ما

ذكرته حيث ذكرت (علما)

فاجمعهما له ، أو اتركنهما

معا أو اترك ما أردت منهما

(ش) حاصل ما أشير إليه هنا أن كل فعل يتعدى إلى مفعولين وليس هو من باب «ظنّ» لك أن تذكر مفعوليه معا كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١]

وأن تتركهما معا كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) [الليل : ٥]

__________________

ـ ص ٤٧٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٢٠ ، والدرر ٥ / ١٨٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٣٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٤٢ ، ٢ / ٥٧٧.

(١) البيت للفرزدق فى ديوانه ١ / ٤٢٠ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ١١٣ ، ١١٥ ، والدرر ٤ / ١٩١ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٧٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١ ، والدرر ٥ / ١٨٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٩٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٧٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ٦١ ، ٢ / ٦٤٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٦ ، ٨١.

٢٨٥

ولك أن تذكر أحدهما ، وتترك الآخر كقوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥]

(ص)

والأصل سبق فاعل معنى كـ (من)

من (ألبسن من زارنا نسج اليمن)

ويلزم الأصل لموجب عرا

وترك ذاك الأصل حتما قد يرى

وقس على المحصى بباب الفاعل

واحكم بحكم الشّكل للمشاكل

فنحو : (ألبس ثوبه زيدا) قبل

ونحو : (أسكن ربّها الدّار) حظل

(ش) ذو الفاعلية فى المعنى كـ «زيد» من قولك. «أعطيت زيدا درهما» فإنه آخذ.

و «عمرو» من قولك : «ألبست عمرا جبّة» فإنه لابس.

و «من» من قولى :

 ...

 .. ألبسن من زارنا نسج اليمن

فالأصل تقديم ما كان كـ «من» فى المثال المنظوم.

فإذا كان ذو الفاعلية فى المعنى متميزا من الآخر لم يمتنع تأخيره نحو : «أعطيت درهما زيدا».

وإذا خيف التباسه بالآخر وجب تقديمه نحو : «أعطيت زيدا عمرا» فإن هذا فى ذا الباب كـ «ضرب موسى عيسى» فى باب الفاعل.

وإذا أضيف العارى من الفاعلية إلى ضمير عائد على ذى الفاعلية جاز تأخيره نحو : «ألبس ثوبه زيدا».

فإن هذا فى ذا الباب كـ «ضرب غلامه زيد» فى باب الفاعل.

وإذا أضيف ذو الفاعلية إلى ضمير العارى منها وجب تقديمه نحو : «أسكن الدّار ربّها».

لأنك لو قلت : «أسكن ربّها الدّار» ، لزم تقديم الضمير على مفسر متأخر لفظا ورتبة فلم يجز كما لم يجز : «ضرب غلامه زيدا» ومن أجاز هذا أجاز ذلك.

وقد تقدم فى ذلك ما لا يحتاج إلى بيانه.

(ص)

وحذف مفعول أجز إن سلما

من سبب يوجب أن يلتزما

كما إذا كان جوابا ، أو قصد

حصر به كـ (إنّما لمت النّكد)

٢٨٦

(ش) المفعول إذا لم يكن من باب «ظنّ» فضلة ، فحذفه جائز [إن لم يعرض له ما يمنع] (١) من ذلك.

كما إذا كان جوابا كقولك «زيدا» لمن قال : «من ضربت»؟ وكما إذا كان مقصودا بحصر نحو : «ما ضربت إلّا زيدا» فلو حذف فى الأول لم يحصل جواب ، ولو حذف فى الثانى لزم نفى الضرب مطلقا ، والمقصود نفيه مقيدا ؛ فلزم ذكر المفعول لذلك.

والله أعلم.

باب التنازع فى العمل

(ص)

إن عاملان اقتضيا فى اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

والثّانى أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

(ش) إنما قلت :

 ... عاملان

 ...

ولم أقل : «فعلان» ؛ ليدخل فى قولى : تنازع فعلين ، نحو : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] وتنازع اسم وفعل نحو : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، وتنازع اسمين نحو قول الشاعر : [من الطويل]

عهدت مغيثا مغنيا من أجرته

فلم أتّخذ إلّا فناءك موئلا (٢)

ومثله عند بعضهم قول الآخر : [من الطويل]

قضى كلّ ذى دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنى غريمها (٣)

وقلت :

 ... اقتضيا

 ...

__________________

(١) فى أ: بأن لم يعرض له مانع.

(٢) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٨٩ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٢ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢.

(٣) البيت لكثيرة عزة فى ديوانه ص ١٤٣ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٢٣ ، والدرر ٥ / ٣٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٠ ، وشرح المفصل ١ / ٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٥ / ٢٨٢ ، ٧ / ٢٥٥ ، والإنصاف ١ / ٩٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٩٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٤١ ، ولسان العرب (ركا) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤١٧.

٢٨٧

فنسب الاقتضاء لهما ؛ لأخرج بذلك العاملين المؤكد أحدهما بالآخر نحو قول الشاعر : [من الطويل]

فأين إلى أين النّجاء ببغلتى

أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس (١)

ف «أتاك أتاك» عاملان فى اللفظ ، والثانى منهما لا اقتضاء له إلا التوكيد.

ولو اقتضى عملا لقيل : أتاك أتوك ، أو أتوك أتاك.

وقلت :

 ...

قبل ...

تنبيها على أن التنازع لا يتأتى بين عاملين متأخرين نحو : «زيد قام وقعد» ؛ لأن كل واحد من المتأخرين مشغول بمثل ما شغل به الآخر من ضمير الاسم السابق ؛ فلا تنازع بينهما.

بخلاف المتقدمين نحو : «قام وقعد زيد» ؛ فإن كل واحد من الفعلين موجه فى المعنى إلى «زيد» ، وصالح للعمل فى لفظه ؛ فأعمل أحدهما فى ظاهره ، والآخر فى ضميره ، وإلى هذا أشرت بقولى :

 ...

 ... فللواحد منهما العمل

والمختار عند البصريين إعمال الثانى ، وعند الكوفيين إعمال الأول.

فإن اقتضى رفعا دون الثانى تعين عند الفراء إعماله. والله أعلم.

(ص)

وأعمل المهمل فى ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

ك (يحسنان ويسىء ابناكا)

و (قد بغى واعتديا عبداكا)

ونحو : (أعطى وسألت الله) قد

أباه يحيى والكسائى اعتقد

جوازه بشرط حذف المرتفع

ومن يؤخّره فيحيى يتّبع

كذاك عازى الرّفع للفعلين

فى نحو : (يمشى ويشى ابن القين)

(ش) المراد بالمهمل هنا : الذى لم يسلط على الاسم الظاهر نحو «أعطى» من

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ٢٦٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٩٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٥٨ ، والخصائص ٣ / ١٠٣ ، ١٠٩ ، والدرر ٥ / ٣٢٣ ، ٦ / ٤٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٨٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٩٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١١ ، ١٢٥.

٢٨٨

قولنا : «أعطى وسألت الله».

ففى «أعطى» ضمير مفسر بما بعده.

فنحو هذا مما أعمل فيه الثانى ، وأضمر فيه مع الأول ضمير مرفوع ـ أجازه البصريون.

ولم يجزه الكوفيون ؛ تجنبا لإضمار قبل ذكر المفسر.

والذى تجنبوه قد استعملت العرب مثله كقول رجل من فصحاء طيئ : [من الطويل]

جفونى ولم أجف الأخلّاء إنّنى

لغير جميل من خليلى مهمل (١)

وكقوله : [من البسيط]

هويننى وهويت الغانيات (٢) إلى

أن شبت وانصرفت عنهنّ آمالى (٣)

فتقدمت الواو من «جفونى» والنون من «هويننى» على مفسريهما ؛ فعلم أن ذلك وأمثاله جائز.

وقد حكى ابن كيسان أن الكوفيين وافقوا البصريين فى جواز تقديم الضمير على مفسره المبدل منه نحو : «يقومون الزّيدون» و «رأيتهم العمرين» مع أن البدل تابع ، وتأخير التابع واجب.

فيلزمهم تجويز ما منعوا من نحو : «ضربونى وضربت الزّيدين» فإنه مساو لما أجازوه فى الاشتمال على ضمير مذكور قبل مفسر واجب التأخير.

وإذا ثبت هذا فليعلم أن مثل : «يحسنان ويسىء ابناك» جائز عند البصريين ، ممتنع عند الكوفيين ؛ لما فيه من تقديم فاعل «يحسن» ـ أعنى : الألف ـ على مفسره المؤخر وهو «ابناك».

فلو حذفت الألف صحت المسألة عند الكسائى ، ولم يبال بحذف الفاعل لثبوت الدلالة عليه.

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ٧٧ ، ٥ / ٢٨٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٠٠ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٥ ، وتذكرة النحاة ص ٣٥٩ ، والدرر ١ / ٢١٩ ، ٥ / ٣١٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٩ ، ٢٠٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٨٧٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٧ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٨٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦ ، ٢ / ١٠٩.

(٢) الغانية : المرأة الغنية بحسنها عن الزينة. (القاموس ـ غنى).

(٣) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٥ / ٢٨٣ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣١.

٢٨٩

والفراء يمنع ذلك مع الإثبات ، ومع الحذف.

فلو جىء بضمير الفاعل مؤخرا صحت المسألة عنده نحو : «يحسن ويسىء ابناك هما»

ذكر ذلك ابن كيسان.

وأجاز الفراء ـ أيضا ـ أن يقال : «يحسن ويسىء ابناك» ، على أن يكون الفاعل مرتفعا بالفعلين معا.

وإلى هذين الوجهين أشرت بقولى :

 ...

 ... ومن يؤخّره ...

أى : الفاعل.

 ...

 ... فيحيى يتّبع

كذاك عازى الرّفع للفعلين

فى نحو : «يمشى ويشى ابن القين»

أى : الذى يعزو رفع الفاعل إلى الفعلين معا متبع للفراء ؛ فإن ذلك مذهبه (١).

(ص)

ولا تجئ مع أوّل قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا

بل احذفنه إن يكن غير خبر

وجئ به مؤخّرا أعنى الخبر

ونحو : (ترضيه ويرضيك) ندر

ومثله لو شاع لم يعد النّظر

وأظهر ان يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسّرا

نحو : (أظنّ ويظنّانى أخا

زيدا وعمرا أخوين فى الرّخا)

والحذف والإضمار غير ممتنع

فى المذهب الكوفى فاسمع وأطع

لكن لدى الإضمار طابق مخبرا

عنه مخالفا لما قد فسّرا

(ش) إذا أهمل الأول من المتنازعين ، ومطلوبه غير رفع لم يجز عند الأكثرين أن يجاء معه بضمير المتنازع فيه.

بل يحذف إن كان غير خبر نحو : «ضربت وضربنى زيد».

وإن كان خبرا جىء به مؤخرا ؛ ليؤمن حذف ما لا يجوز حذفه ، وتقديم ضمير منصوب على مفسر لا تقدم له بوجه.

__________________

(١) قال ابن يعيش : ... وكان الفراء لا يرى الإضمار قبل الذكر.

ينظر : شرح المفصل : ١ / ٧٧.

٢٩٠

مثال ذلك «ظنّنى وظننت زيدا عالما إيّاه».

فـ «إيّاه» مفعول ثان لـ «ظنّنى» ولا يجوز تقديمه عند الجميع ، ولا حذفه عند البصريين.

وأما عند الكوفيين فيجوز حذفه ؛ لأنه مدلول عليه بثانى مفعولى الفعل الآخر.

وأشرت بقولى :

ونحو (ترضيه ويرضيك)

ندر ...

إلى قول الشاعر : [من الطويل]

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن فى الغيب أحفظ للودّ

وألغ أحاديث الوشاة (١) فقلّما

يحاول واش غير هجران ذى ودّ (٢)

ومثله قول الآخر : [من المتقارب]

ألا هل أتاها على نأيها

بما فضحت قومها غامد (٣)

وقولى :

 ...

ومثله لو شاع لم يعد النّظر

أى : لو شاع إثبات الضمير المنصوب مع المتقدم المهمل لكان له وجه من النظر ؛ لأنه تقديم مفسر على مفسر فيغتفر ؛ كما اغتفر تقديم غيره من المفسرات على مفسراتها.

بل كما اغتفر ذلك فى المرفوع.

فإن اعتذر عن المرفوع بأنه لا يجوز حذفه قيل : فمن المنصوب ما لا يجوز حذفه ، وهو ما كان خبر مبتدأ فى الأصل نحو : «ظنّنى إيّاه» و «ظننت زيدا عالما».

وأيضا فإن الاهتمام بذكر مفسر الشىء بحسب الاهتمام بذكره ، ومعلوم أن الاهتمام بذكر المرفوع أشد من الاهتمام بذكر غيره.

__________________

(١) وشى به وشيا : نم به. (اللسان ـ وشى).

(٢) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٥ / ٢٨١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٠٣ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٤ ، والدرر ٥ / ٣١٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٢٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٤٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٧٩ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٣٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٠.

(٣) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٥ / ٢٧٩ ، ولسان العرب (غمد).

٢٩١

ومن الاهتمام بالضمير تقديم مفسره ، وقد ترك ذلك فى المرفوع الذى هو أقوى ، فتركه فى المنصوب لكونه أضعف أحقّ وأولى.

والإشارة بقولى :

(وأظهر ان يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسرا)

إلى نحو : «ظننت وظنّانى عالما الزّيدين عالمين» على إعمال الأول.

فإن «الزّيدين» و «عالمين» مفعولا «ظننت».

و «عالما» ثانى مفعولى «ظنّانى» ، وهو والياء من «ظنّانى» مبتدأ وخبر فى الأصل.

وعدل إلى إظهار «عالم» ؛ لأنه لو أضمر : فإما أن يجعل مطابقا للمفسر : وهو ثانى مفعولى «ظننت».

أو لأول مفعولى «ظنّانى» وهو الياء. وكلاهما عند البصريين غير جائز.

أما الأول : فلأن فيه إخبارا عن مفرد بمثنى.

وأما الثانى : فلأن فيه إعادة ضمير مفرد على مثنى.

وأجاز الكوفيون فى مثل هذا : الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه فيقولون : «ظننت وظنّانى إيّاه الزّيدين عالمين».

وأجازوا أيضا «ظننت وظنّانى الزّيدين عالمين» بالحذف ، وهذا حاصل الأبيات التى آخرها.

 ...

 ... لما قد فسّرا

والكلام على «أظنّ ويظنّانى أخا زيدا وعمرا أخوين» كالكلام على «ظننت وظنّانى عالما الزّيدين عالمين».

* * *

٢٩٢

باب المفعول المطلق وهو المصدر

(ص)

المصدر اسم مفهم معنى صدر

أو قام بالشّىء كـ (ضرب) و (حذر)

والفعل منه اشتقّ والوصف معا

فى قولنا ، والعكس غيرنا ادّعى

(ش) «الضّرب» : مثال لما يفهم منه معنى صدر عن فاعل.

و «الحذر» : مثال لما يفهم منه معنى قام بالشىء ؛ لأن الحذر لا يفعله الإنسان بنفسه ، فيوصف بصدور ؛ بل هو معنى يحدث فى نفسه ، ويقوم بها.

والفعل مشتق من المصدر ؛ لأن المشتق فرع ، والمشتق منه أصل ، وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه.

ولا شك فى أن الفعل يتضمن المصدر والوقت المعين ؛ فثبتت فرعيته وأصلية المصدر ؛ لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل.

وهذا مذهب البصريين ؛ وهو الصحيح.

وبنفس ما ثبتت فرعية الفعل ثبتت فرعية أسماء الفاعلين ، وأسماء المفعولين :

فإن «ضاربا» مثلا يتضمن المصدر ، وزيادة الدلالة على ذات الفاعل للضرب ، و «مضروب» يتضمن المصدر ، وزيادة الدلالة على ذات الموقع به الضرب ؛ فهما مشتقان من «الضّرب» ، وكذلك سائر الصفات المشبهة بـ «ضارب» و «مضروب».

(ص)

بمثله أو فرعه ينتصب

ك (سيرك السّير الحثيث متعب)

وعدّا او توكيدا او تنويعا

به أبانوا كـ (اركعوا ركوعا)

أو (ركعتين) أو (ركوعا حسنا)

و (اخشع خشوع التّاركين للونى)

(ش) ناصب المصدر :

إما مثله ، كـ «سيرك السّير الحثيث متعب».

وإما فرعه ، والإشارة بذلك إلى الفعل نحو : «قم قياما» ، وإلى اسم الفاعل نحو : «زيد قائم قياما» ، وإلى اسم المفعول نحو : «هو مضروب ضربا».

والحامل على ذكره مع عامله :

٢٩٣

إما مجرد التوكيد «اركع ركوعا».

وإما بيان العدد «اركع ركعتين».

وإما بيان النوع كـ «اركع ركوعا حسنا».

 ...

و «اخشع خشوع التّاركين للونى»

والونى : الفتور ، يقصر ويمد.

(ص)

وقد ينوب عنه وصف أو عدد

أو (كلّ) او (بعض) كـ (كلّ الجدّ جد)

كذا الّذى رادف كـ (ادّلج سرى)

أو كان نوعا كـ (رجعت القهقرى)

أو آلة أو عائدا عليه

أو ما يشيرون به إليه

(ش) يقوم مقام المصدر :

وصفه كـ «سرت أحسن السّير».

وعدده كـ «ضربته عشر ضربات»

أو «كلّ» أو «بعض» كـ «جدّ فى أمره كلّ الجدّ ، ورفق بعض الرّفق»

وما رادفه أو دل على نوع منه كـ «ادّلج سرى» ، و «رجع القهقرى» ، أو كان اسم آلته كـ «ضربته سوطا».

أو كان ضميره نحو قوله تعالى : (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ١١٥].

أو كان مشارا به إليه كـ «اضربه ذاك الضّرب المعروف».

(ص)

وما لتوكيد فوحّد أبدا

وثنّ واجمع غيره حيث بدا

ك (قلت قولين وأقوالا أخر)

كذلك (الأقدار) فى جمع (القدر)

(ش) ما جىء به لمجرد التوكيد فهو بمنزلة تكرير الفعل ، والفعل لا يثنى ولا يجمع فكذلك ما هو بمنزلته.

وأما ما جىء به لبيان العدد أو الأنواع ، فلا بد من قبوله للتثنية والجمع.

(ص)

وعامل الّذى أتى مؤكّدا

سقوطه امنع أبدا فتعضدا

وحذف ما لغيره أجز كما

مع غير مصدر ، وحذف حتما

مع كلّ مصدر يكون بدلا

من فعله كـ (ندلا) الّذ كـ (اندلا)

٢٩٤

واعز لهذا النّوع ما من عمل

يليه ، أو قل : فعله ذو العمل

وبعض ما عن ناصب ناب التزم

إهمال فعله فوضعه عدم

ك (بله) ذا إضافة بمعنى

(ترك) ويبنى إن عن (اترك) أغنى

(ش) المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله ، وتقرير معناه ، وحذفه مناف لذلك فلم يجز.

بخلاف المصدر المبين عددا ، أو نوعا فإنه يدل على معنى زائد على معنى الفعل فأشبه المفعول به ؛ فجاز حذف عامله كما جاز حذف عامل المفعول به.

وحذف عامل المصدر المبين على ضربين : جائز وواجب :

فمن الجائز قولك لمن قال : «أى سير سرت؟» : «سيرا سريعا» ، ولمن قال : «ما تجدّ فى الأمر» : «بلى جدّا كثيرا» ، ولمن تهيأ لاعتكاف ، أو فرغ منه : «اعتكافا مقبولا» ، ولمن قدم من سفر : «قدوما مباركا».

ومن الحذف الواجب : حذف عامل المصدر الذى يذكر بدلا من اللفظ بفعله.

وهو على ضربين : خبر وطلب.

فالخبر نحو قولك عند تذكر نعمة : «حمدا لا كفرا».

والطلب كقوله ـ تعالى ـ : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] ، وكقول الشاعر : [من الطويل]

يمرّون بالدّهنا (١) خفافا عيابهم (٢)

ويرجعن من دارين بجر (٣) الحقائب

على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم

فندلا زريق المال ندل الثّعالب (٤)

__________________

(١) الدهناء : موضع وهو رمل لين. (مقاييس اللغة ـ دهن).

(٢) العيبة : عيبة الثياب وغيرها. (مقاييس اللغة ـ عيب).

(٣) البجر : يقال للرجل الذى تخرج سرته وتتجمع عندها العروق : الأبجر. (مقاييس اللغة ـ بجر).

(٤) البيتان لأعشى همدان فى الحماسة البصرية ٢ / ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ولشاعر من همدان فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير فى المقاصد النحوية ٣ / ٤٦ ، وهما فى ملحق ديوان الأحوص ص ٢١٥ ، وملحق ديوان جرير ص ١٠٢١ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٢٩٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢١٨ ، وجمهرة اللغة ص ٦٨٢ ، والخصائص ١ / ١٢٠ ، وسر صناعة الإعراب ص ٥٠٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣١ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٨٩ ، والكتاب ١ / ١١٥ ، ولسان العرب (خشف) ، (ندل).

٢٩٥

وإلى هذا البيت (١) أشرت بقولى :

 ...

 .. كـ «ندلا» الّذ كـ «اندلا»

يقال : ندل الشىء ندلا ؛ إذا اختطفه.

واختلف فيما ينتصب بعد هذا النوع من المصادر :

فمذهب جماعة من كبار النحويين : أن العامل هو المصدر ؛ لأنه خلف عن فعله ، وفعله قد صار نسيا منسيا.

ومذهب آخرين : أن العامل هو الفعل نفسه ؛ لأنه لا غنى عن نسبة نصب المصدر نفسه إليه ، وذلك موجب للاعتماد عليه ، وعدم الإعراض عنه.

وبعض هذه المصادر المجعولة بدلا من اللفظ بالفعل لا فعل له أصلا كـ «بله» إذا استعمل مضافا فإنه حينئذ منصوب نصب «ضرب الرّقاب» وجىء به بدلا من اللفظ بـ «اترك» كما جىء بـ «ضرب الرّقاب» بدلا من اللفظ بـ «اضربوا الرّقاب».

ولما لم يكن لـ «بله» فعل من لفظه احتيج إلى تقدير فعل من معناه وهو «اترك» ؛ لأن «بله الشّيء» بمعنى : ترك الشىء.

فعمل «اترك» فيه من جنس قول القائل : «اتركه رفضا» و «ذره ودعا».

ومن نصب ما بعد «بله» جعله اسم فعل بمعنى : «اترك».

وفى البيت إشارة إلى هذا كله.

(ص)

وما له فعل يجىء خبرا

أو طلبا ممّن دعا أو أمرا

وفيهما الفرّا قياسا اتّبع

إن وقعا حيث يرى الفعل يقع

ورأيه فى طلب يقوى ومن

وافقه فى خبر فما وهن

(ش) يستغنى بذكر المصدر الذى له فعل عن فعله فى الخبر والدعاء والأمر والنهى.

فمثال ذلك فى الخبر قول القائل عند تذكر نعمة : «حمدا وشكرا لا كفرا».

وعند تذكر شدة : «صبرا لا جزعا».

وعند ظهور ما يعجب : «عجبا».

وعند خطاب مرضى عنه : «أفعل وكرامة ومسرّة».

__________________

(١) فى أ: وإلى هذا القول.

٢٩٦

وعند خطاب مغضوب عليه : «لا أفعل ولا كيدا ولا همّا» و «لأفعلنّ ورغما وهوانا».

ومثال الدعاء «سعيا» و «رعيا» و «جدعا» و «بعدا».

مثال الأمر والنهى قولهم : «قياما لا قعودا» أى : قم لا تقعد. ومن الأمر قوله ـ تعالى ـ (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] أى : فاضربوا الرقاب.

ومنه قول الشاعر : [من الوافر]

فصبرا فى مجال الموت صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع (١)

فإضمار الناصب فى هذا وما أشبهه لازم ؛ لأن المصدر بدل من اللفظ به ؛ فذكره جمع بين البدل والمبدل منه.

والفراء يرى ذلك مطردا غير متوقف على سماع ، خبرا كان ما يرد فيه ذلك ، أو طلبا بشرط أن يكون الموضع صالحا لوقوع الفعل فيه مجردا.

ورأيه فى ذلك عندى صواب.

إلا أن وقوع ذلك فى الطلب أكثر من وقوعه فى الخبر ؛ لأن دلالة المطلوب على فعل الطلب أقوى وأظهر من دلالة المخبر به على فعله ؛ ولذلك قلت :

ورأيه فى طلب يقوى ...

 ...

(ص)

وناصب المصدر حتما يضمر

أيضا لدى توبيخ من يقصّر

وشبه ذاك كـ (أفترة وقد

تعيّن الجدّ وإظهار الجلد)

كذاك فى نحو : (اجتهد فإمّا

غنما وإمّا أوبة وسلما)

كذا مكرّر وذو حصر ورد

إن ناب عن فعل لعين استند

ك (أنت سيرا سيرا) (انّما أنا

صبرا) و (ما الملهوف إلّا حزنا)

(ش) حال الموبخ على ما لا يرضى منه مشاهدة ؛ فاستغنى بذلك عن إظهار الفعل الموجب لتوبيخه ، وجعل مصدره بدلا من اللفظ به كقولك للمتوانى : «أتوانيا وقد جدّ قرناؤك».

__________________

(١) البيت لقطرى بن الفجاءة فى تخليص الشواهد ص ٢٩٨ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٢٢٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢١٢.

٢٩٧

ومنه قول جرير (١) : [من الوافر]

أعبدا حلّ فى شعبى غريبا

ألؤما لا أبا لك واغترابا (٢)

أى : أتلؤم وتغترب.

وقد يفعل ذلك من يخاطب نفسه كقول عامر بن الطفيل (٣) ـ لعنه الله ـ : «أغدّة كغدّة البعير ، وموتا فى بيت سلوليّة».

ومثل هذا عنيت بقولى :

وشبه ذاك ...

ومن أسباب التزام حذف ناصب المصدر أن يقصد به تبيين عاقبة أمر تقدمه كقوله ـ تعالى ـ : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤].

ومن أسباب ذلك ـ أيضا ـ أن يخبر عن اسم عين بفعل جعل مصدره بدلا من اللفظ به مكررا نحو : «أنت سيرا سيرا». أو إذا حصر بـ (إنما» أو بـ «إلّا» نحو : «إنّما أنا صبرا» ، و «ما الملهوف إلّا حزنا».

والأصل : أنت تسير ، وإنما أصبر ، وما الملهوف إلا يحزن.

فحذف الفعل حذفا لازما ؛ لأجل التكرار والحصر.

وجعل الثانى فى التكرار بدلا منه فامتنع الإظهار ؛ لئلا يجمع بين المبدل منه والبدل.

__________________

(١) هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى بن بدر الكلبى الشاعر ، أشعر أهل عصره ، عاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ، ويساجلهم ، وكان هجّاءا مرّا ، وكان عفيفا ، وهو من أغزل الناس شعرا ، له نقائض مع الفرزدق ، وله ديوان شعر. مات سنة ١٦٠ ه‍.

ينظر : الأعلام (٢ / ١١٩) ، الشعر والشعراء (١٧٩) ، وفيات الأعيان (١ / ١٠٢).

(٢) البيت فى ديوانه ص ٦٥٠ ، وإصلاح المنطق ص ٢٢١ ، والأغانى ٨ / ٢١ ، وجمهرة اللغة ص ١١٨١ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٨٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٩٨ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣١ ، ٢ / ١٧١ ، ٢٨٩ ، والكتاب ١ / ٣٣٩ ، ٣٤٤ ، ولسان العرب (شعب) ، ومعجم ما استعجم ص ٧٩٩ ، ٨٦١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩ ، ٤ / ٥٠٦ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٢٢١ ، ورصف المبانى ص ٥٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢١٢.

(٣) هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر العامرى ، فارس قومه ، وأحد فتاك العرب وشعرائهم وساداتهم فى الجاهلية ، أدرك الإسلام شيخا فوفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو فى المدينة ، بعد فتح مكة ، يريد الغدر به ، فدعاه إلى الإسلام ، فاشترط أن يكون وليّا للأمر من بعده ، فرده ، ولم يسلم ، وهو ابن عم لبيد الشاعر ، توفى سنة ١١ ه‍.

ينظر : الأعلام (٣ / ٢٥٢) ، الشعر والشعراء (١١٨) ، خزانة الأدب (١ / ٤٧١).

٢٩٨

وعومل المحصور فى التزام الإضمار معاملة المكرر ؛ لأن فى الحصر من التوكيد ما يقوم مقام التكرار.

فلو ترك التكرار والحصر جاز الإظهار.

واشترط فى هذا النوع كونه بعد اسم عين ؛ لأنه لو كان بعد اسم معنى لم يحتج إلى إضمار فعل.

بل كان يتعين الرفع بمقتضى الخبرية نحو : «إنّما سيرك سير البريد».

بخلاف كونه بعد اسم عين فإن ذلك يؤمن معه اعتقاد الخبرية ؛ إذ المعنى لا يخبر به عن العين إلا مجازا كقول الشاعر : [من البسيط]

 ...

فإنّما هى إقبال وإدبار (١)

أى : ذات إقبال وإدبار.

(ص)

ومنه توكيد لنفسه كما

(على درهمان عرفا) فاعلما

ومنه نحو : (ذا ابنه حقّا) وسم

مؤكّدا لغيره فلا تهم

ومنه ذو التّشبيه بعد جمله

معناه ، والفاعل حازت قبله

نحو (له بكا بكاء ثكلى)

و (لك وجد وجد صبّ مجلى)

(ش) من المصادر الملتزم إضمار ناصبها المؤكد به كلام يتضمن معناه دون لفظه.

فإن لم يكن للكلام محتمل غيره نحو : «له على درهمان عرفا ، أو اعترافا» سمى مؤكدا لنفسه ؛ لأنه بمنزلة إعادة ما قبله ، فكأن الذى قبله نفسه.

وإن كان له محتمل غيره نحو : «هو ابنى حقّا» سمى مؤكدا لغيره ؛ لأنه يجعل ما قبله نصا بعد أن كان محتملا ؛ فهو مؤثر ، والمؤكد به متأثر ، والمؤثر والمتأثر غيران.

__________________

(١) عجز بيت للخنساء وصدره :

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت

 ...

ينظر ديوانها ص ٣٨٣ ، والأشباه والنظائر ١ / ١٩٨ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٣١ ، ٢ / ٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٨٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٥٤ ، والكتاب ١ / ٣٣٧ ، ولسان العرب (رهط) ، (قبل) ، والمقتضب ٤ / ٣٠٥ ، والمنصف ١ / ١٩٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٣٨٧ ، ٤ / ٦٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢١٣ وشرح المفصل ١ / ١١٥ ، والمحتسب ٢ / ٤٣.

٢٩٩

ومما التزم إضمار ناصبه : المشبه به بعد كلام تام يتضمن معناه مع ما هو فاعل فى المعنى نحو : «له بكاء بكاء ثكلى» و «لك وجد وجد صبّ مجلى» أى : مخرج عن وطنه.

فالهاء من «له» والكاف من «لك» فاعلان فى المعنى.

فلو لم يذكرا لم يجز النصب ، بل كان يقال : «هذا بكاء بكاء ثكلى» ، و «عجبت من وجد وجد صبّ» وكذلك إذا لم تتم الجملة إلا به نحو : «البكاء بكاء ثكلى» ، و «الوجد وجد صبّ مجلى».

(ص)

وناب غير مصدر عن مصدر

يجىء منصوبا بفعل مضمر

كقولهم : (تربا له وجندلا)

و (عائذا بالله من كلّ بلا)

(ش) كما جاز أن يحذف ناصب المصدر ، ويجعل المصدر بدلا من اللفظ به جاز أن يفعل مثل ذلك بما وقع موقع المصدر مما ليس بمصدر.

ولا حاجة إلى أن يتأول بمصدر ، بل يجعل الجامد منه مفعولا به نحو : «تربا» و «جندلا» ، والمشتق حالا نحو : «عائذا بك» ؛ فيكون التقدير : ألزمه الله تربا وجندلا ، واعتصمت عائذا بك.

وهذا التقدير ونحوه هو الظاهر من قول سيبويه (١) ـ رحمه‌الله ـ وما سواه تكلف لا فائدة فيه.

وهو مذهب المبرد (٢) ، واختيار الزمخشرى (٣).

__________________

(١) ينظر الكتاب (١ / ٣١٤ ، ٣١٥).

(٢) قال المبرد : فمما يدعى به أسماء ليست من الفعل ، ولكنها مفعولات. وذلك قولك : تربا ، وحندلا ، إنما يريد : أطعمه الله ، ولقاه الله ، ونحو ذلك.

ينظر : المقتضب : ٣ / ٢٢٢.

(٣) قال الزمخشرى : «وقد تجرى أسماء غير مصادر ذلك المجرى وهى على ضربين : جواهر نحو قولهم : تربا وحندلا وفاها لفيك ، وصفات نحو قولهم : هنيئا مريئا وعائذا بك ...

ينظر : شرح المفصل : ١ / ١٢٣.

٣٠٠