شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

يريد : «ليس من البر الصيام فى السفر». ومنه قول الشاعر : [من البسيط]

ذاك خليلى ، وذو يواصلنى

يرمى ورائى بامسهم وامسلمه (١)

ومن علامات الاسم المحتاج إليها كثيرا قبوله لأن يجعل سندا.

أى : لأن يسند إليه اسم آخر ، أو فعل.

فبذلك عرفت اسمية «أنا» و «التاء» فى نحو : «أنا فعلت».

فـ «فعل» مسند إلى التاء ؛ لأنها عبارة عن الفاعل.

و «فعل» والتاء جملة مسندة إلى «أنا» ؛ فثبت كونه اسما.

(ص)

للفعل تا الفاعل ، أو ياه علم

و (قد) وتاء التّأنيث ساكنا و (لم)

__________________

قال سفيان : فذكر لى أن الزهرى كان يقول : ولم أسمع أنا منه (ليس من امبر امصيام فى امسفر).

قال الألبانى فى إرواء الغليل (٤ / ٥٨) : وهذه الزيادة من سفيان شاذة ـ بل منكرة تفرد بها شيخ الطحاوى محمد بن أبى النعمان السقطى وهو شيخ مجهول كما قال أبو حاتم وتبعه الذهبى فى «الميزان» ثم الحافظ فى اللسان.

قلت : وهم الألبانى ـ رحمه‌الله ـ فى قوله تفرد بها شيخ الطحاوى ، فإن الرواية ثابتة فى مسند الحميدى المطبوع فلا دخل لشيخ الطحاوى فيها ولا تعل به بل هى صحيحة الإسناد رواها الحميدى وهو ثقة حافظ روى له الشيخان وغيرهما.

والحديث رواه الطيالسى فى «مسنده» (٩١١ ـ منحة) وأحمد (٥ / ٤٣٤) ، والنسائى ٤ / ١٧٤ كتاب الصيام ، باب : ما يكره من الصيام فى السفر ، وابن ماجة ١ / ٥٣٢ كتاب الصيام ، باب : ما جاء فى الإفطار فى السفر حديث ١٦٦٤ والدارمى ١٧١٧ ، ١٧١٨ ، وابن خزيمة فى صحيحه ٢٠١٦ والبيهقى فى ٤ / ٢٤٢ والطبرانى فى الكبير (١٩ / ١٧١ ـ ١٧٢) (٣٨٥ ، ٣٨٦ ، ٣٨٨ ، ٣٨٩) من طرق عن الزهرى بإسناده بلفظ «ليس من البر الصيام فى السفر».

(فائدة) قال الحافظ ابن حجر فى تلخيص الحبير (٢ / ٣٩٣) : هذه لغة لبعض أهل اليمن ، يجعلون لام التعريف ميما ، ويحتمل أن يكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاطب بها هذا الأشعرى كذلك لأنها لغته ، ويحتمل أن يكون الأشعرى هذا نطق بها على ما ألف من لغته فحملها عنه الراوى عنه ، وأداها باللفظ الذى سمعها به وهذا الثانى أوجه عندى ـ والله أعلم.

والحديث رواه البخارى وغيره من حديث جابر باللفظ الثانى «ليس من البر الصيام فى السفر».

(١) البيت لبجير بن غنمة فى الدرر ١ / ٤٤٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٥١ ، ٤٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٥٩ ، ولسان العرب (خندم) ، (سلم) ، (ذو) ، والمؤتلف والمختلف ص ٥٩ ، والمقاصد النحويّة ١ / ٤٦٤ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ١٤٣ ، والجنى الدانى ص ١٤٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ٧٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ١٢١ ، وشرح قطر الندى ص ١١٤ ، وشرح المفصل ٩ / ١٧ ، ٢٠ ، ولسان العرب (أمم) ، ومغنى اللبيب ١ / ٤٨ ، وهمع الهوامع ١ / ٧٩.

٦١

(ش) تاء الفاعل هى المضمومة فى نحو : «فعلت»

والمفتوحة فى نحو : «فعلت»

والمكسورة فى نحو : «فعلت»

وهى علامة تخص الموضوع للمضى ، ولو كان مستقبل المعنى نحو : «إن قمت قمت».

وتقييد هذه التاء بإضافتها إلى الفاعل أولى من تقييدها بالإضافة إلى المتكلم ، أو المخاطب ؛ لأن الفاعل يعمهما. وذكره مانع من دخول تاء الخطاب اللاحقة فى «أنت» و «أنت» فإنها حرف ، وقد اتصل باسم.

فلو قيل بدل تاء الفاعل : تاء الخطاب أو المخاطب ، لدخلت تاء «أنت» و «أنت» للزم كون ما اتصلت به فعلا.

وتقييد ياء المؤنثة بإضافتها إلى الهاء العائدة إلى الفاعل أولى من تقييدها بالإضافة إلى الضمير ؛ لأن ياء الضمير تعم ياء المتكلم وياء المؤنثة.

بخلاف ياء الفاعل فإنها لا تقع على غير ياء المؤنثة.

ويشترك فى لحاقها الفعل المضارع ، وفعل الأمر فى نحو : «تفعلين» و «افعلى».

ويشترك فى لحاق «قد» الماضى والمضارع ، إلا أنها مع الماضى لتقريبه من الحال ، ومع المضارع لتقليل معناه ؛ كقولك : «قد يعطى البخيل» ، و «قد يمنع الكريم». وتاء التأنيث الساكنة مثل تاء الفاعل فى الاختصاص بالموضوع للمضى.

وقد انفردت بلحاقها «نعم» و «بئس» ؛ كما انفردت تاء الفاعل بلحاقها «تبارك».

واحترز بتقييدها بالسكون من تاء التأنيث اللاحقة الأسماء و «لا» و «ربّ» و «ثمّ».

فإن اللاحقة الأسماء المتمكنة متحركة بحركة الإعراب كـ «مسلمة» ، واللاحقة «لا» و «ربّ» و «ثمّ» مفتوحة ، وقد تسكن مع «ربّ» و «ثمّ».

وأما «لم» فعلامة مختصة بالمضارع ، وتشاركها فى الاختصاص به «لن» و «كى» وحرفا التنفيس وهما «السين» ، و «سوف» فأغنى ذكر «لم» عنهن.

(ص)

مضارعا سم الّذى «لم» أتبعا

وماضيا ما يقبل التّا كـ «دعا»

وميّزن بالياء ـ إن لم يتّصل

بنون رفع ـ فعل أمر نحو : (صل)

٦٢

(ش) الذى يصحب «لم» من الأفعال هو ما أوله همزة المتكلم أو إحدى أخواتها المجموعة فى «نأتى» ؛ نحو : «أفعل» و «نفعل» و «تفعل» و «يفعل»

ولا يغنى عن قولنا : ما أوله همزة المتكلم أو إحدى أخواتها أن يقال : ما أوله أحد حروف «نأتى» ؛ لأن أحد هذه الحروف قد يكون أول غير المضارع ؛ نحو : «أكرم» و «تعلّم» و «نرجس الدّواء» : إذا جعل فيه نرجسا ، و «يرنأ الشّيب» : إذا خضبه باليرناء ، وهو : الحناء.

فإذا قيل : ما أوله همزة المتكلم ، أو إحدى أخواتها ـ أمن ذلك.

وتمييز المضارع بـ «لم» مغن عن علاماته الأخر ، وإن تساوت فى الاختصاص به.

ومن علاماته ـ أيضا ـ دخول اللام أو «لا» الطلبيتين عليه ؛ نحو : «لتعن بحاجتى» ، و «لا تكسل».

ومن علاماته ـ أيضا ـ قبول ياء المخاطبة موصولة بنون الرفع ؛ نحو : «تفعلين».

وسمى مضارعا ؛ لأن المضارعة : المشابهة ، وقد شابه الاسم فى أشياء منها :

قبول اللام المؤكدة بعد «إنّ» ؛ نحو «إنّك لمحسن» و «إنّك لتحسن».

ومنها : الاختصاص بعد الإبهام ، فإنك إذا قلت : «يصلّى زيد» كان مبهما لاحتمال الحال ، والاستقبال.

فإذا قلت : «الآن» أو «غدا» ثبت الاختصاص ، وارتفع الإبهام ، فكان فى ذلك بمنزلة الاسم ، فإنه مبهم فى تنكيره ، مختص فى تعريفه.

وتمييز الفعل الموضوع للمضى بتاء الفاعل ، وتاء التأنيث الساكنة أولى من تمييزه : بأن يحسن معه «أمس» ؛ لأن من الموضوع للمضى ما لا يحسن معه «أمس» «عسى» و «إن فعلت فعلت».

وقد يعرض لغيره أن تحسن معه «أمس» نحو : «لم يفعل زيد» ، و «لو يفعل زيد فعلت».

ولحاق إحدى التاءين ليس كذلك ؛ فإنه لا يشارك الموضوع للمضى فيه غيره. ولا يمتنع منه فعل ماض إلا «أفعل» فى التعجب ، وفى فعليته خلاف.

والصحيح أنه فعل بدلالة اتصاله بنون الوقاية على سبيل اللزوم نحو : «ما أكرمنى» ؛ لأن لحاق هذه النون على سبيل الجواز يشترك فيه أسماء كـ «لدنى» و «لدنّى».

٦٣

وحروف نحو : «لعلّى» و «لعلّنى». وأما لحاقها على سبيل اللزوم فمخصوص بالأفعال. فبهذا ، وبما تقدم من العلامات يكمل تمييز الفعل المضارع والفعل الماضى.

وأما فعل الأمر : فيتميز بلحاق ياء المخاطبة الممتنع اتصالها بنون الرفع ؛ كقولك فى «صلّ» : «صلّى».

وقد تقدم أن لحاقها متصلة بنون الرفع من علامات المضارع ؛ نحو : «تفعلين».

وبلحاق هذه الياء وأخواتها من ضمائر الرفع المتصلة البارزة يتميز ما يدل على الأمر وهو فعل كـ «أدرك» مما يدل على الأمر وليس فعلا كـ «دراك».

كما أن لحاق إحدى التاءين يميز ما يدل على حدث فى زمان ماض ، وهو فعل كـ «بعد» مما يدل على ذلك وليس بفعل كـ «هيهات».

ومن علامات فعل الأمر جواز توكيده بالنون ـ مطلقا ـ فإن المضارع يؤكد بها مقيدا بسبب كوقوعه مثبتا بعد قسم ، واقترانه بما يقتضى طلبا.

وأما الأمر فيؤكد بها دون تقييد.

(ص)

وما اقتضى أمرا وليس يقبل

ذى الياء فهو اسم كـ (صه يا رجل)

والحرف ما من العلامات خلا

ك (هل) و (بل) و (إن) و (ليت) و (إلى)

(ش) ما اقتضى أمرا ، وليس قابلا لياء المخاطبة ، ولا لنون التوكيد فذلك دليل على انتفاء فعليته ، وثبوت اسميته ؛ نحو : «صه» و «نزال» و (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤].

بمعنى : اسكت ، وانزل ، واضربوا الرقاب.

فهذا منتهى القول فى امتياز الاسم من الفعل.

فلم يبق إلا تمييز الحرف ، وهو يميز بخلوه من علامات الاسم والفعل.

وأشرت فى التمثيل إلى أصناف الحرف.

فمنها : غير عامل ، ولا متبع كـ «هل».

ومنها : متبع غير عامل كـ «بل» ؛ فإنها تشرك الثانى فى إعراب ما قبلها نحو : «ما قام زيد بل عمرو».

ومنها : ما هو عامل فى الاسم عمل الفعل كـ «ليت» ، وعملا غير عمل الفعل كـ «إلى».

ومنها : ما هو عامل فى الفعل كـ «إن». فلذلك مثل بهذه الأحرف دون غيرها.

٦٤

باب الإعراب والبناء وما يتعلق بذلك

(ص)

من الثّلاث معرب ومنها

صنف هو المبنى فابحث عنها

فالمعرب اسم لا يضاهى الحرفا

وفعل امتاز بـ (لم) كـ (يخفى)

ما لم يباشر نون توكيد ، ولا

نون إناث كـ (يسرن الخوزلى)

(ش) «من الثلاث» أى : من الكلمات الثلاث معرب ، ومنها مبنى.

فالمعرب : اسم لا يضاهى الحرف ؛ أى : لا يشابهه ، وسيأتى بيان وجوه شبه الحرف المانعة من الإعراب الموجبة للبناء.

وقولى :

 ...

وفعل امتاز بـ «لم»

أى : أحد نوعى المعرب اسم سالم من شبه الحرف ، وثانيهما الفعل الذى يصلح أن تدخل عليه «لم» وهو المضارع ؛ لقولى فى الباب الأول :

مضارعا سم الّذى «لم» أتبعا

وقولى :

ما لم يباشر نون توكيد ...

أى : استحقاق المضارع للإعراب مشروط بألا يباشر نون توكيد ؛ فإنه يبنى معها على الفتح ، ولا نون إناث ؛ فإنه يبنى معها على السكون.

ولتأكيد الفعل بالنون باب يبين فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ ما يحتاج إليه.

وفى ذكر المباشرة إشعار بأن المؤكد بالنون لا يبنى ـ مطلقا ـ بل إذا باشر آخره نون التوكيد ؛ نحو : «هل تفعلنّ».

فإن لم يباشرها فهو معرب تقديرا ؛ نحو : «هل تفعلانّ» ؛ لأن سبب البناء هو تركيب الفعل مع النون ، وتنزله منها منزلة الصدر من العجز فى [نحو] «بعلبكّ».

فإذا حال بينهما ألف الضمير ، أو واوه ، أو ياؤه لم يبق تركيب ؛ لأن ثلاثة أشياء لا تجعل شيئا واحدا.

ولذلك اعتبروا التركيب فى : «لقيته صحرة بحرة» لا فى : «لقيته صحرة بحرة

٦٥

نحرة» (١).

وإذا ثبت أن «تفعلان» وأخواته (٢) بواق على الإعراب ـ فليعلم أن أصل «تفعلان» : «تفعلاننّ» ، فاستثقل توالى الأمثال ؛ فحذفت نون الرفع.

وكانت أولى بالحذف ؛ لأنها جزء كلمة ، والمؤكدة كلمة قائمة مقام تكرير الفعل ، وحذف جزء أسهل من حذف ما ليس جزءا.

ولأن المؤكدة تدل أبدا على معنى ، ونون الرفع لا تدل ـ فى الغالب ـ على معنى ، وبقاء ما يدل أبدا أولى من بقاء ما يدل فى بعض الأحوال.

وإنما بنى المتصل بنون الإناث كـ «يسرن» حملا على الماضى المتصل بها ؛ لأنهما مستويان فى أصالة السكون ، وعروض حركة البناء فى الماضى ، وحركة الإعراب فى المضارع. وقد روجع الأصل بالنون فى الماضى ، فروجع الأصل بها فى المضارع.

و «الخوزلى» : مشية عجب وتبختر (٣).

(ص)

رفعا ونصبا أعرب النّوعان

والجرّ ما للاسم فيه ثان

والجزم للفعل ، وكلّ مجتلب

بعامل يأتى به فهو السّبب

فارفع بضمّ ، وانصبن بفتح

واجرر بكسر كـ (ابغ نيل الرّبح)

واجزم بتسكين ، ونائبا يرد

غير الّذى ذكرته فلا تزد

(ش) النوعان هنا [هما] (٤) : الاسم السالم من شبه الحرف ، والفعل المضارع ، وهما فى الرفع والنصب مشتركان.

والجر مخصوص بالاسم فلا حظ للفعل فيه ؛ لامتناع دخول عامله عليه.

والجزم مخصوص بالفعل فلا حظ للاسم فيه ؛ لامتناع دخول عامله عليه.

 ... وكلّ مجتلب

بعامل يأتى به ...

أى : كل واحد من وجوه الإعراب الأربعة له عامل يجىء به ، ويتغير بتغيره ؛ نحو : «جاء زيد» و «رأيت زيدا» و «مررت بزيد».

__________________

(١) لقيه حجرة بحرة نحرة ، ويضم الكل ، أى بلا حجاب وأبرز له الأمر صحارا : جاهره به جهارا ينظر : القاموس (صحر).

(٢) فى ط : وأخويه.

(٣) ينظر : الوسيط (خزل).

(٤) سقط فى أ.

٦٦

فكل واحد من «جاء» و «رأيت» و «الباء» : عامل جلب من الإعراب غير ما جلبه الآخر.

وكذا إعراب الفعل ؛ نحو : «أقوم» و «لن أقوم» و «لم أقم».

فـ «أقوم» مرفوع لتجرده من ناصب وجازم ، و «أقوم» منصوب بـ «لن» ، و «أقم» مجزوم بـ «لم».

ونبه على الأصل ، والنائب فى كل واحد من وجوه الإعراب ؛ فالضمة فى الرفع أصل ، وتنوب عنها : الواو والألف والنون.

والفتحة فى النصب أصل ، وتنوب عنها : الألف ، والياء ، والكسرة ، وحذف النون.

والكسرة فى الجر أصل ، وتنوب عنها : الياء ، والفتحة.

والسكون فى الجزم أصل، وينوب عنه الحذف. وسيأتى ذلك مفصلا، إن شاء الله تعالى.

(ص)

وجرّ بالفتح الّذى لا ينصرف

ما لم تصدّره بـ (أل) ولم تضف

(ش) ما لا ينصرف : هو الاسم الذى لا ينون ؛ لكونه ذا سببين كـ «أحمد» و «إبراهيم» و «طلحة» و «عمر» و «رضوان» و «بعلبكّ» و «أحمر» و «سكران» و «ثلاث».

أو سبب يقوم مقام سببين كـ «زلفى» (١) و «صحراء» و «دراهم» و «دنانير».

وسيأتى تفصيل ذلك فى بابه.

فهذا النوع يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة كقوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) [النساء : ١٦٣]. فإن أضيف ، أو دخلت عليه الألف واللام ـ التحق بالمنصرف فى الجر بالكسرة.

وسواء كانت الألف واللام للتعريف كما فى قوله ـ تعالى ـ : (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) [هود : ٢٤]

أو زائدة كالداخلة على «يزيد» فى قوله : [من الطويل]

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأحناء الخلافة كاهله (٢)

__________________

(١) زلفى : قربى ومنزلة. الوسيط (زلف).

(٢) البيت لابن ميّادة فى ديوانه ص ١٩٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٢٦ ، والدرر ١ / ٨٧ ، وسرّ صناعة ـ

٦٧

أو موصولة كالداخلة على «يقظان» فى قوله : [من الطويل]

وما أنت باليقظان ناظره إذا

نسيت بما تهواه ذكر العواقب (١)

فلذلك قيل : بـ «أل» ، ولم يقل بحرف التعريف.

ومن العرب من يجعل مكان اللام الميم ، ويعامل ما تدخل عليه معاملة ما دخلت عليه اللام ؛ كقول الشاعر : [من الطويل]

أئن شمت من نجد بريقا تألّقا

تبيت بليل امأرمد اعتاد أولقا (٢)

أراد : (بليل الأرمد) فجره بالكسرة ، وإن كان لا ينصرف ؛ لما ذكرت لك.

(ص)

(ذو) المعرب ارفعه بواو والألف

لنصبه ، وجرّه باليا عرف

كذا (فم) إن دون ميم وصلا

بغير يا النّفس مضافا فاقبلا

وهكذا (أب) (أخ) (حم) (هن)

أو أجره كاليد فهو أحسن

وفى (أب) وتالييه يندر

وقصرها من نقصهنّ أشهر

(ش) قيد «ذو» بـ «المعرب» ؛ احترازا من «ذو» بمعنى «الّذى» فإنه مبنى.

وبعض طيئ تعربه فيكون مقصودا.

وقدم ذكره على ذكر أخواته ؛ لأن الإعراب لا يفارقه وسائر أخواته قد تفرد فتعرب بالحركات.

ولا يكون «فم» مثله فى الإعراب بالحروف ، ولزوم الإضافة إلا دون ميم.

وشرط فى الإضافة المصححة لذلك أن يكون المضاف إليه غير ياء النفس ؛ فإن المضاف إلى ياء النفس لا يظهر إعرابه إلا أن يكون مثنى أو مجموعا على حده فى غير رفع.

__________________

ـ الإعراب ٢ / ٤٥١ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٦٤ ، ولسان العرب (زيد) ، والمقاصد النحويّة ١ / ٢١٨ ، ٥٠٩ ، ولجرير فى لسان العرب (وسع) ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٣٢٢ ، والأشباه والنظائر ١ / ٢٣ ، ٨ / ٣٠٦ ، والإنصاف ١ / ٣١٧ ، وأوضح المسالك ١ / ٧٣ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٤٧ ، ٩ / ٤٤٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ٨٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٥٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٣٦ ، وشرح قطر الندى ص ٥٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٥٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤.

(١) البيت بلا نسبة فى المقاصد النحوية ١ / ٢١٥.

(٢) البيت لبعض الطائيين فى المقاصد النحويّة ١ / ٢٢٢ ، وبلا نسبة فى الدرر ١ / ٨٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٤٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤.

٦٨

ثم قلت :

وهكذا «أب» «أخ» «حم» «هن»

أى : يشترط فى هذه الأربعة أن تضاف إلى غير ياء النفس إذا أعربت بالحروف.

ثم قلت :

 ...

أو أجره كالبد ...

أى : أجر ال «هن» مجرى «يد» فى لزوم النقص ، والإعراب بالحركات فهو أحسن من جريه مجرى هذه الأسماء فى الإعراب بالحروف.

ثم بينت أن هذا الذى هو فى «هن» أحسن نادر فى «أب» و «أخ» و «حم».

ومن مجيء ذلك فى «هن» قول النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من تعزّى بعزاء الجاهليّة فأعضّوه بهن أبيه ، ولا تكنوا» (١). ولم يقل : بهنى أبيه.

ومن مجيء ذلك فى غير الهن وهو نادر قول الراجز : [من الرجز]

بأبه اقتدى عدى فى الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم (٢)

ثم بينت أن القصر فى هذه الثلاثة أشهر من النقص ؛ ومنه قول الراجز : [من الرجز]

إنّ أباها ، وأبا أباها

قد بلغا فى المجد غايتاها (٣)

__________________

(١) رواه النسائى فى الكبرى (٥ / ٢٧٢) كتاب السير ، باب : إعضاض من تعزى بعزاء الجاهلية ، حديث (٨٨٦٤) والبخارى فى «الأدب المفرد» (٩٦٣) وابن حبان (٧ / ٤٢٤) (٣١٥٣) وأحمد فى مسنده (٥ / ١٣٦) ـ والبغوى فى شرح السنة (٣٤٣٥) من طرق عن الحسن عن عتى بن ضمرة السعدى عن أبى بن كعب به مرفوعا.

ورواه النسائى فى الكبرى ٦ / ٢٤٢ كتاب عمل اليوم والليلة ، باب عزاء الجاهلية حديث (١٠٨١٠) من طريق أشعث عن الحسن عن أبى بن كعب مرفوعا بلفظ «إذا اعتزى أحدكم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا» ورواه فى (١٠٨١١) من طريق يحيى عن الحسن عن عتى عن أبى بلفظ «من سمعتموه يدعو بدعوى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا».

ورواه فى (١٠٨١٢) بلفظ : «من رأيتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا».

وانظر تخريج الحديث فى الصحيحة للألبانى رقم (٢٦٩).

(٢) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ١٨٢ ، والدرر ١ / ١٠٦ ، وشرح التصريح ١ / ٦٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٢٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٤٤ ، وتخليص الشواهد ص ٥٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٩.

(٣) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٦٨ ، وله أو لأبى النجم فى الدرر ١ / ١٠٦ ، وشرح التصريح ١ / ٦٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٢٧ ، والمقاصد النحويّة ١ / ١٣٣ ، ٣ / ٦٣٦ ، وله أو لرجل من بنى الحارث فى خزانة الأدب ٧ / ٤٥٥ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٤٦ ، والإنصاف ص ١٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٤٦ ، وتخليص الشواهد ص ٥٨ ، وخزانة ـ

٦٩

إعراب المثنى والمجموع على حده وما يتعلق بذلك

(ص)

مثنّى او شبيهه ارفع بالألف

وغير رفع فيهما باليا ألف

ك (ابنيك سل كليهما) وإن تضف

(كلا) لظاهر ، فألزمها الألف

إلّا قليلا ، والمثنّى قد يرد

بألف فى كلّ حال ، فاعتمد

(ش) المثنى : ما دل على اثنين بزيادة ، صالحا للتجريد وعطف مثله عليه دون اختلاف معنى كـ «رجلين». وشبه المثنى : ما أعرب إعرابه غير صالح لذلك ، وكذا إن صلح له واختلف معناه.

فـ «ابنان» مثنى ؛ لقولك فيه : «ابن وابن» بلا اختلاف معنى.

و «اثنان» شبيه مثنى ؛ لأنه لا يصلح لما قلنا.

وكذا نحو «القمرين» فى : الشمس والقمر ؛ لأنه لا يغنى عنه «قمر وقمر».

وكذا المقصود به التكثير كقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤]

لأن المراد به : ارجع البصر كرات لقوله ـ تعالى ـ : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك : ٤]

أى : مزدجرا وهو كليل.

وكذا قول الشاعر : [من الكامل]

فاعمد لما تعلو فما لك بالّذى

لا تستطيع من الأمور يدان (١)

المراد : نفى اليد فما فوقها.

ومما يتناوله شبيه المثنى «كلا» المضاف إلى مضمر ؛ نحو : «جاء كلاهما» ، و «رأيت كليهما» ، و «مررت بكليهما».

فإذا أضيف إلى ظاهر ، كان بالألف على كل حال فى اللغة المشهورة ؛ فيقال :

__________________

ـ الأدب ٤ / ١٠٥ ، ٧ / ٤٥٣ ، ورصف المبانى ص ٢٤ ، ٢٣٦ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٠٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٦٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣ ، وشرح المفصل ١ / ٥٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٨ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٩.

(١) البيت لكعب بن سعد الغنوى فى لسان العرب (يدى) ، وتاج العروس (يدى) ، ولعلى بن الغدير الغنوى فى لسان العرب (علا) ، وتاج العروس (علا) ، ولسويد بن الصامت فى أساس البلاغة (علو).

٧٠

«جاء كلا أخويك» ، و «رأيت كلا أخويك» ، و «مررت بكلا أخويك».

وأشرت بقولى :

إلا قليلا ...

إلى لغة حكاها الفراء (١) منسوبة إلى كنانة (٢).

فيقال على لغتهم : «جاء كلا أخويك» ، و «رأيت كلى أخويك» ، و «مررت بكلى أخويك».

فيجرون «كلا» مجرى المثنى مع الظاهر ، كما يجريه الجميع مجراه مع المضمر.

و «كلتا» فى جميع ما ذكر مثل «كلا».

وقولنا :

 ... والمثنّى قد يرد

بألف فى كلّ حال ...

أشير به إلى لغة بنى الحارث بن كعب (٣) ؛ فإنهم يجرون المثنى وشبهه مجرى المقصور ، فتثبت ألفه فى النصب والجر ، كما تثبت فى الرفع. ومنه قراءة من قرأ : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(٤) [طه : ٦٣]

__________________

(١) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمى ، أبو زكريا المعروف بالفراء. إمام من أئمة العربية.

كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائى ، أخذ عنه ، وعليه اعتمد ، وأخذ عن يونس.

وكان يحب الكلام ، ويميل إلى الاعتزال ، وكان متدينا متورعا ، على تيه وعجب وتعظم وكان زائد العصبية على سيبويه ، وكتابه تحت رأسه.

من مصنفاته : معانى القرآن ، البهاء فيما تلحن فيه العامة ، اللغات ، المصادر فى القرآن ، الجمع والتثنية فى القرآن ، أكثر الكتاب ، النوادر ، المقصور والممدود ، وغيرها.

مات رحمه‌الله سنة سبع ومائتين ، عن سبع وستين سنة ، ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٣٣٣) ، رقم (٢١١٥) ، نزهة الألبا (١٢٦) ، مراتب النحويين (٨٦) ، الأعلام للزركلى (٨ / ١٤٥).

(٢) قال الفراء : وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف فى (كلا الرجلين) فى الرفع ، والنصب والخفض إلا بنى كنانة ، فإنهم يقولون (رأيت كلى الرجلين) و (مررت بكلى الرجلين) ، وهى قبيحة قليلة ، مضوا على القياس ، ينظر : معانى القرآن : ٢ / ١٨٤.

(٣) وهو الحارث بن كعب بن عمرو بن علة ، من مذحج ، من كهلان ، جد جاهلى ، من نسله : بنو الديان ، وشريح بن هانئ ، ومطرف بن طريف ، وآخرون.

ينظر : الروض الأنف (٢ / ٤٥) ، جمهرة الأنساب (٣٩١) ، الأعلام (٢ / ١٥٧).

(٤) اختلف القراء فى هذه الآية الكريمة فقرأ ابن كثير وحده : «إن هذان» بتخفيف «إن» والألف وتشديد النون. وحفص كذلك إلا أنه خفف نون «هذان». وقرأ أبو عمرو «إن» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيف النون. والباقون كذلك إلا أنهم قرءوا «هذان» بالألف.

فأما القراءة الأولى ، وهى قراءة ابن كثير وحفص فأوضح القراءات معنى ولفظا

٧١

__________________

وخطا ، وذلك أنهما جعلا (إن) المخففة من الثقيلة فأهملت ، ولما أهملت كما هو الأفصح من وجهها خيف التباسها بالنافية فجىء باللام فارقة فى الخبر ، فـ «هذان» مبتدأ ، و «لساحران» خبره ، ووافقت خط المصحف ، فإن الرسم «هذان» دون ألف ولا ياء (وسيأتى بيان ذلك).

وأما تشديد نون «هذان» فعلى ما تقدم فى سورة النساء متقنا ، وأما الكوفيون فيزعمون أن «إن» نافية (بمعنى (ما) واللام (بمعنى) إلا وهو خلاف مشهور ، وقد وافق تخريجهم هنا قراءة بعضهم «ما هذان إلا ساحران».

وأما قراءة أبى عمرو فواضحة من حيث الإعراب والمعنى ، أما الإعراب فـ (هذين) اسم «إنّ) وعلامة نصبه الياء ، و «لساحران) خبرها ، ودخلت اللام توكيدا ، وأما من حيث المعنى فإنهم أثبتوا لهما السحر بطريق تأكيدى من طرفيه ، ولكنهم استشكلوها من حيث خط المصحف ، وذلك أنه رسم «هذان» بدون ألف ولا ياء ، فإتيانه بالياء زيادة على خط المصحف.

قال أبو إسحاق : لا أجيز قراءة أبى عمرو لأنها خلاف المصحف.

وقال أبو عبيد : رأيتها فى الإمام مصحف عثمان يعنى «هذان» ليس فيها ألف وهكذا رأيت رفع الاثنين فى ذلك المصحف بإسقاط الألف ، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها.

قال شهاب الدين : وهذا لا ينبغى أن يرد به على أبى عمرو ، وكم جاء فى الرسم أشياء خارجة عن القياس ، وقد نصّوا على أنه لا يجوز القراءة بها ، فليكن هذا منها ؛ أعنى : مما خرج عن القياس ، فإن قلت ما نقلته عن أبى عبيد مشترك فى الإلزام بين أبى عمرو وغيره ، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادة الياء يعترض عليهم بزيادة الألف ، فإن الألف ثابتة فى قراءتهم ساقطة من خط المصحف.

فالجواب ما تقدم من قول أبى عبيد إنه رآهم يسقطون الألف من رفع الاثنين فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ، وذهب جماعة ؛ منهم : عائشة ـ رضى الله عنها ـ وأبو عمرو إلى أن هذا مما لحن فيه الكاتب وأفهم بالصواب يعنون أنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل ، فلم يقرأه الناس إلا بالياء على الصواب. وأما قراءة الباقين ففيها أوجه :

أحدها : أنّ «إنّ» بمعنى نعم ، و «هذان» مبتدأ ، و «لساحران» خبره ، ومن ورود «إنّ» بمعنى نعم قوله :

بكر العواذل فى المشي

ب يلمننى وألومهنّه

يقلن شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت إنّه

أى فقلت : نعم ، والهاء للسكت ، وقال رجل لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتنى إليك. فقال إنّ صاحبها أى نعم ولعن صاحبها. وهذا رأى المبرد وعلى بن سليمان.

وهو مردود من وجهين :

أحدهما : عدم ثبوت «إنّ» بمعنى «نعم» وما أوردوه يؤول ، أما البيت فإن الهاء اسمها ، والخبر محذوف لفهم المعنى تقديره : إنه كذلك ، وأما قول ابن الزبير فذاك من حذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف ، وحذف خبر «إنّ» للدلالة عليه تقديره : إنها

٧٢

__________________

وصاحبها ملعونان وفيه تكلف لا يخفى.

والثاني : دخول اللام على خبر المبتدأ دون المؤكد بإنّ المكسورة ، لأن مثله لا يقع إلا ضرورة ، كقوله :

أمّ الحليس لعجوز شهربة

ترضى من اللّحم بعظم الرّقبة

وقد يجاب عنه بأنّ «لساحران» يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف دخلت عليه هذه اللام تقديره لهما ساحران ، وقد فعل ذلك الزجاج كما سيأتى حكايته عنه.

الثانى : أنّ اسمها ضمير القصة وهو «ها» التى قبل «ذان» ، وليست بـ «ها» التى للتنبيه الداخلة على أسماء الإشارة ، والتقدير : إنها القصة ذان لساحران.

وقد ردوا هذا من وجهين :

أحدهما : من جهة الخط (وهو أنه) لو كان كذلك لكان ينبغى أن يكتب إنها ، فيصلوا الضمير بالحرف قبله كقوله تعالى : «فإنّها لا تعمى الأبصار) فكتبهم إياها مفصولة من «إنّ» متصلة باسم الإشارة يمنع كونها ضميرا وهو أوضح.

الثانى : أنه يؤدى إلى دخول لام الابتداء فى الخبر غير المنسوخ وقد يجاب عنه بما تقدم.

الثالث : أن اسمها ضمير الشأن محذوف والجملة من المبتدأ والخبر بعده فى محل رفع خبر لأن التقدير : إنه أى : الأمر والشأن. وقد ضعف هذا بوجهين :

أحدهما : حذف اسم «إنّ» وهو غير جائز إلا فى شعر بشرط أن لا تباشر «إنّ» فعلا ، كقوله :

إنّ من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباءا

والثانى : دخول اللام فى الخبر ، وقد أجاب الزجاج بأنها داخلة على مبتدأ محذوف تقديره : لهما ساحران ، وهذا قد استحسنه شيخه المبرد أعنى جوابه بذلك.

الرابع : أنّ «هذان» اسمها و «لساحران» خبرها.

وقد رد هذا بأنه كان ينبغى أن يكون «هذين» بالياء كقراءة أبى عمرو ، وقد أجيب عن ذلك بأنه على لغة بنى الحارث وبنى الصّخم وبنى العنبر وزبيد وعذرة وسراة وخثعم وكنانة ، وحكى هذه اللغة الأئمة الكبار كأبى الخطاب وأبى زيد الأنصارى (والكسائى).

قال أبو زيد : سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا ، يجعلون المثنى كالمقصور ، فيثبتون ألفا فى جميع أحواله ، ويقدرون إعرابه بالحركات ، وأنشدوا قوله :

فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى

مساغا لناباه الشّجاع لصمّما

أى لنابيه.

وقوله :

إنّ أباها وأبا أباها

قد بلغا فى المجد غايتاها

أى غايتيها.

قال الفراء : وحكى بعض بنى أسد قال : هذا خطّ يدا أخى أعرفه وقال قطرب : هؤلاء يقولون : رأيت رجلان ، واشتريت ثوبان قال : وقال رجل من بنى ضبة جاهلىّ : ـ

٧٣

__________________

 ـ أعرف منها الأنف والعينانا

ومنخرين أشبها ظبيانا

وروى ابن جنى عن قطرب :

هيّاك أن تبكى بشعشعان

خبّ الفؤاد مائل اليدان

قال الفراء : وذلك ـ وإن كان قليلا ـ أقيس ؛ لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح فينبغى أن يكون ما بعده ألفا لانفتاح ما قبلها. وذكر قطرب أنهم يفعلون ذلك فرارا إلى الألف التى هى أخف حروف المد ويقولون : كسرت يداه ، وركبت علاه ، يعنى يديه وعليه ، وقال شاعرهم :

تزوّد منّا بين أذناه ضربة

دعته إلى هابى التّراب عقيم

إلى غير ذلك من الشواهد.

واستدل لقراءة أبى عمرو بأنها قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير ، روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها سئلت عن قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وعن قوله : («إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى»)) (فى المائدة) ، وعن قوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) إلى قوله : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ، فقالت : يا ابن أخى هذا خطأ من الكاتب. وروى عن عثمان أنه نظر فى المصحف ، فقال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها.

وعن أبى عمرو أنه قال : إنّى لأستحى أن أقرأ(إِنْ هذانِ لَساحِرانِ).

وقرأ ابن مسعود : «وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران» بفتح «أن» وإسقاط اللام على أنها وما فى خبرها بدل من «النّجوى» كذا قاله الزمخشرى ، وتبعه أبو حيان ولم ينكره ، وفيه نظر لأن الاعتراض بالجملة القولية بين البدل والمبدل منه لا يصح.

وأيضا : فإن الجملة القولية مفسرة للنجوى فى قراءة العامة. وكذا قاله الزمخشرى أولا فكيف يصح أن يجعل «أن هذان ساحران» بدلا من النجوى؟!

وقرأ حفص عن عاصم بتخفيف النونين.

وعن الأخفش : «إن هذان لساحران» خفيفة بمعنى ثقيلة وهى لغة لقوم يرفعون بها ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التى تكون فى معنى (ما).

وروى عن أبى بن كعب «ما هذان إلّا ساحران» ، وروى عنه أيضا «إن هذان إلّا ساحران» ، وعن الخليل بمثل ذلك.

وعن أبىّ أيضا : «إن ذان لساحران».

قال المحققون : هذه القراءات لا يجوز تصحيحها ، لأنها منقولة بطريق الآحاد ، والقرآن يجب أن يكون منقولا بالتواتر ، ولو جوزنا إثبات زيادة فى القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذى هو عندنا كل القرآن ، لأنه لما جاز فى هذه القراءات أنها من القرآن مع كونها ما نقلت بالتواتر جاز فى غيرها ذلك ؛ فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآن يطرق جواز الزيادة والنقصان والتغيير فى القرآن ، وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة ، ولما كان ذلك باطلا فكذلك ما قرئ.

وأما الطعن فى القراءة المشهورة فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله فى جميع القرآن ،

٧٤

ومثله قول الشاعر : [من الطويل]

وأطرق إطراق الشّجاع ولو رأى

مساغا لناباه الشّجاع لصمّما (١)

وذكر ابن درستويه (٢) أن بنى الهجيم (٣) وبنى العنبر (٤) يوافقون بنى الحارث فى لزوم ألف المثنى.

(ص)

وارفع بواو ، وانصبن واجرر بيا

سالم جمع خصّ باسم عريا

من تاء أنثى صفة ، أو علما

لعاقل ، أو شبهه إن أفهما

مذكّرا لا مثل (سكران) ولا

(أحوى) (صبور) ، وفعيل فعلا

وشذّ (أسودون) (أحمرونا)

كذا (علانون) و (عانسونا)

__________________

وذلك يفضى إلى القدح فى التواتر ، وإلى القدح فى كل القرآن ، وهو باطل ، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضا بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة.

وأيضا : فإن المسلمين أجمعوا على أنّ ما بين الدفتين كلام الله ، وكلام الله لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا ولذلك ذكر النحويون وجه تصحيح القراءة المشهورة. انظر اللباب ١٣ / ٢٩٤ ـ ٣٠٣.

(١) البيت للمتلمس فى ديوانه ص ٣٤ ، والحيوان ٤ / ٢٦٣ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٨٧ ، والمؤتلف والمختلف ص ٧١ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٥٧ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٠٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ٣٤ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢٨.

(٢) هو عبد الله بن جعفر بن درستويه ، أبو محمد ، أحد من اشتهر وعلا قدره ، وكثر علمه ، وصحب المبرد ، ولقى ابن قتيبة وأخذ عن الدارقطنى وغيره. كان ينتصر للبصريين فى النحو واللغة ، ومن مصنفاته : الإرشاد فى النحو ، شرح الفصيح ، الرد على المفضل فى الرد على الخليل ، غريب الحديث ، وغير ذلك. توفى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة. ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٣٦) ، تاريخ بغداد (٩ / ٤٢٩) ، الأعلام (٤ / ٧٦).

(٣) الهجيم بن عمرو بن تميم بن مر بن أد جد جاهلى ، تنسب إليه محلة بالبصرة ، بنوه بطن من تميم ، وقد هجاهم جرير الشاعر ، وهم مشهورون بخفة لحاهم.

ينظر جمهرة الأنساب (١٩٨) ، اللباب (٣ / ٢٨٥) ، الأعلام (٨ / ٧٧).

(٤) العنبر بن عمرو ، بطن من تميم ، من العدنانية ، وهم : بنو العنبر بن عمرو بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من أفخاذهم : بنو جندب ، بنو كعب ، بنو مالك ، بنو بشة ، وبنو جهمة.

ومن أوديتهم : الأعزلة ، وفنج (معجم البلدان لياقوت) (١ / ٣١٥) تاج العروس للزبيدى (٨ / ١٥) ، الاشتقاق لابن دريد (ص ١٢٤) الصحاح للجوهرى (١ / ٣٧١) ، لسان العرب لابن منظور (٦ / ٢٨٨) ، نهاية الأرب للنويرى (٢ / ٣٤٥) ، صبح الأعشى للقلقشندى (١ / ٣٤٧) ، العقد الفريد لابن عبد ربه (٢ / ٦٠) ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص (١٩٧ ، ١٩٨) ، معجم قبائل العرب (٢ / ٨٤٥).

٧٥

وغير ذى العقل به يلحق إن

يضاهه كـ (ساجدين) فاستبن

وهكذا (أولو) و (عشرون) إلى

(تسعين) مع باب (سنين) بولا

وما لذا الجمع من اعراب ففى

تسمية به على الأولى اقتفى

وقد يجى كـ (الحين) أو كـ (الدّون)

أو لازم الواو ، وفتح النّون

والنّون فى جمع له فتح وفى

تثنية كسر ، وعكس قد يفى

وربّما استعمل مثل (حين)

باب (سنين) نحو (مذ سنين)

(ش) هذا الفصل يشتمل على ما يرفع بالواو ، وينصب ويجر بالياء ، وهو على ضربين :

جمع كـ «زيدين» و «سنين».

وغير جمع كـ «أولى» و «عشرين».

والمراد بالجمع : ما له واحد من لفظه صالح لعطف مثليه أو أمثاله عليه دون اختلاف معنى.

والمطرد منه : ما كان واحده لمذكر عاقل ، أو شبيه به ؛ كقوله ـ تعالى : ـ (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] خاليا من تاء التأنيث ، علما ، أو صفة لا من «أفعل فعلاء» ولا من «فعلان فعلى» كـ «أحوى» ، «وسكران» ، ولا مما يستوى فيه الذكر والأنثى كـ «صبور» و «قتيل».

وإن ورد من هذه الأنواع مجموع بالواو والنون حفظ ولم يقس عليه ؛ كقولهم : «رجل علانية» و «رجال علانون» إذا كانوا مشاهير ؛ فجمعوه بالواو والنون ، وليس خاليا من التاء.

وكذا قول الشاعر : [من البسيط]

منّا الّذى هو ما إن طرّ شاربه

والعانسون ومنّا المرد والشّيب (١)

فجمع «عانسا» بالواو والنون ، وهو مما يستوى فيه الذكر والأنثى كـ «صبور»

__________________

(١) البيت لأبى قيس بن رفاعة فى إصلاح المنطق ص ٣٤١ ، ولسان العرب (عنس) ، ولأبى قيس ابن رفاعة ، أو لأبى قيس بن الأسلت فى الدرر ١ / ١٣١ ، وشرح شواهد المغنى ص ٧١٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٦٧ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٩٧ ، وأمالى القالى ص ٧١٦ ، وسرّ صناعة الإعراب ص ٦٨٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ٣٥ ، ومغنى اللبيب ص ٣٠٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٤٥.

٧٦

و «قتيل».

وكذا قول الآخر : [من الوافر]

فما وجدت نساء بنى نزار

حلائل أسودين وأحمرينا (١)

فجمع «أسود» و «أحمر» الجمع المشار إليه مع أنهما من باب «أفعل فعلاء».

فهذا وأمثاله يحفظ ولا يقاس عليه.

وكثر هذا الاستعمال فى المحذوف اللام ، المؤنث بالتاء بتغير الفاء إن كان مفتوحها ؛ كـ «سنة» و «سنين».

وبسلامتها إن كان مكسورها ؛ كـ «مائة» و «مئين».

وبالوجهين إن كان مضمومها كـ «قلة» و «قلين» و «قلين».

وقد يجعل إعراب هذا النوع فى نونه ، وتلزمه الياء ، ولا تحذف نونه حينئذ للإضافة.

وإلى هذا أشرت بقولى :

وربّما استعمل مثل «حين»

باب «سنين» ...

ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

دعانى من نجد فإنّ سنينه

لعبن بنا شيبا ، وشيّبننا مردا (٢)

وعومل هذا النوع بهذه المعاملة لشبهه بجمع التكسير ؛ لأن تغييره أكثر من سلامته.

وقد يفعل ذلك بـ «بنين» لشبهه بـ «سنين» فى حذف اللام وعدم سلامة [نظم] (٣) الواحد ؛ قال الشاعر : [من الوافر]

__________________

(١) البيت للكميت بن زيد فى ديوانه ٢ / ١١٦ ، والمقرب ٢ / ٥٠ ، وللحكيم الأعور بن عياش الكلبى فى خزانة الأدب ١ / ١٧٨ ، والدرر ١ / ١٣٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٤٣ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٨ / ١٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٣٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ١٧١ ، وشرح المفصل ٥ / ٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٤٥.

(٢) البيت للصمّة بن عبد الله القشيرى فى تخليص الشواهد ص ٧١ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٨ ، ٥٩ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٧٦ ، وشرح التصريح ١ / ٧٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٩٧ ، وشرح المفصل ٥ / ١١ ، ١٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٦٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٥٧ ، وجواهر الأدب ص ١٥٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٣٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩ ، ولسان العرب (نجد) ، (سنه) ، ومجالس ثعلب ص ١٧٧ ، ٣٢٠.

(٣) سقط فى أ.

٧٧

وكان لنا أبو حسن على

أبا برّا ونحن له بنين (١)

واطرد الجمع بالواو والنون فى المشبه بمن يعقل نحو قوله ـ تعالى ـ (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤]

وقريب من هذا إلحاق ما يستعظمون بهذا ؛ كقول الشاعر : [من البسيط]

يلاعب الرّيح بالعصرين قسطله

والوابلون وتهتان التّجاويد (٢)

شبه المطر فى عموم نفعه بالرجل الجواد الكثير الإحسان ، وإن سمى بهذا الجمع على سبيل النقل ، أو على سبيل الارتجال ، ففيه أربعة أوجه :

أحدها : إجراؤه على ما كان له كقوله ـ تعالى ـ : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) [المطففين : ١٨ ـ ١٩]

والثانى : إجراؤه مجرى «غسلين» (٣) فى لزوم الياء ، وكون النون حرف إعراب.

والثالث : إجراؤه مجرى «عربون» (٤) فى لزوم الواو ، وكون النون حرف إعراب.

ولم يتأت فى النظم إلا ذكر «حين» و «دون» ؛ فاستغنيت بهما عن «غسلين» و «عربون».

والرابع : استصحاب الواو على كل حال مع كون النون مفتوحة غير ساقطة فى الإضافة ؛

ذكر هذا الوجه أبو سعيد السيرافي (٥) ، وزعم أنه ثابت فى كلام العرب وأشعارها

__________________

(١) البيت لأحد أولاد علىّ بن أبى طالب فى شرح التصريح ١ / ٧٧ ، والمقاصد النحويّة ١ / ١٥٦ ، ولسعيد بن قيس الهمدانى فى خزانة الأدب ٨ / ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٨ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٥٥ ، وخزانة الأدب ٨ / ٦٠.

(٢) البيت لأبى صخر الهذلىّ فى تخليص الشواهد ص ٦٨ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٢٥ ، ولسان العرب (جود) ، والمقاصد النحوية ١ / ١٦٢.

(٣) الغسلين : ما يغسل من الثوب ونحوه ، وما يسيل من جلود أهل النار ، والشديد الحر ، وشجر فى النار. القاموس (غسل).

(٤) العربون ، والعربون : ما عقد به المبايعة من الثمن. القاموس (عرب).

(٥) هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان القاضى ، أبو سعيد السيرافى النحوى ، أخذ النحو عن ابن السراج ، ومبرمان ، قال عنه أبو حيان التوحيدى : شيخ الشيوخ ، وإمام الأئمة ، له معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافى والقرآن والفرائض والحديث والكلام والحساب والهندسة. من مصنفاته : شرح كتاب سيبويه ، شرح الدّريدية ، ألفات القطع والوصل ، شواهد سيبويه ، الوقف والابتداء ، وغيرها. ينظر : بغية الوعاة (١ / ٥٠٧ ، ٥٠٨) ، نزهة الألبا (٣٧٩) ، الأعلام (٢ / ١٩٥).

٧٨

بالرواية الصحيحة ، ثم قال :

كأنهم حكوا لفظ الجمع المرفوع فى حال التسمية وألزموه طريقة واحدة ، وأنشد : [من المديد]

ولها بالماطرون إذا

أكل النّمل الّذى جمعا (١)

خلفة حتّى إذا ارتبعت

ذكرت من جلّق بيعا (٢)

ففتح نون «الماطرون» ، وأثبت الواو وهو فى موضع جر. قال :

والعرب تقول «الياسمون» فى حال الرفع ، والنصب ، والجر ، ويقولون : «ياسمون البرّ» فيثبتون النون مع الإضافة ويفتحونها.

ومنهم من يرويه بـ «الماطرون» ويعرب نون «الياسمون» ، ويجريه مجرى «الزّيتون» وهو الأجود ، وأنشد : [من الخفيف]

طال ليلى وبتّ كالمجنون

واعترتنى الهموم بالماطرون (٣)

ولم يذكر سيبويه إلا الوجهين الأولين.

ولو نظّر السيرافى «ياسمون البرّ» ونحوه بـ «عربون» لا بـ «زيتون» ـ لكان أولى بالصواب ؛ لأن نون «عربون» زائدة بلا ريب ؛ لقولهم : «أعرب المشترى» : إذا أعطى العربون.

وأما نون «الزّيتون» فالأكثر على أنها زائدة بناء على أنه من «الزّيت».

والصحيح : أنها غير زائدة ؛ لقول بعض العرب : «أرض زتنة» إذا كانت كثيرة الزيتون.

__________________

(١) البيت لأبى دهبل الجمحى فى ديوانه ص ٨٥ ، والحيوان ٤ / ١٠ ، والمستقصى ١ / ٥١ ، وللأحوص الأنصارى فى ديوانه ص ٢٢١ ، وليزيد بن معاوية فى ديوانه ص ٢٢ ، وشرح التصريح ١ / ٧٦ ، والمقاصد النحويّة ١ / ٤٨ ، وليزيد أو للأحوص فى خزانة الأدب ٧ / ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١١ ، ٣١٢ ، وللأخطل فى لسان العرب (مطرن) ، وبلا نسبة فى سرّ صناعة الإعراب ٢ / ٦٢٦ ، ولسان العرب (مطر) ، والممتع فى التصريف ١ / ١٥٨.

(٢) البيت لأبى دهبل الجمحى فى ديوانه ص ٦٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، ولسان العرب (خصر) ، (سنن) ، ومعجم ما استعجم ص ٤٠٩ ، والمقاصد النحويّة ١ / ١٤١ ، ولعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص ٥٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٥٣ ، وجواهر الأدب ص ١٥٨ ، والخصائص ٣ / ٢١٦ ، وشرح التصريح ١ / ٧٦ ، والممتع فى التصريف ١ / ١٥٧.

(٣) البيت ليزيد بن معاوية فى ديوانه ص ٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٦١٦ ، ومعجم البلدان ٥ / ٤٢ (الماطرون) ، وتاج العروس (مطر) ، وبلا نسبة فى المخصص ١١ / ٩.

٧٩

فوزن «زيتون» ـ على هذا ـ : «فيعول» كـ «قيصوم» (١).

ونون المثنى وشبهه مكسورة ، وفتحها لغة ، أنشد الفراء (٢) ـ رحمه‌الله ـ : [من الطويل]

على أحوذيّين استقلّت عشيّة

فما هى إلا لمحة وتغيب (٣)

ونون الجمع الذى على حد المثنى ، والمحمول عليه مفتوحة ، وكسرها لغة. قال الشاعر : [من الوافر]

عرين من عرينة ليس منّا

برئت إلى عرينة من عرين (٤)

عرفنا جعفرا وبنى رياح

وأنكرنا زعانف (٥) آخرين (٦)

إعراب المجموع بالألف والتاء وما جرى مجراه

(ص)

أولات مع جمع بتاء وألف

زيدا اكسرن نصبا كـ «آيات» أصف

(ش) أولات بمعنى ذوات والواحدة منها ذات ؛ لكن «ذوات» جمع ؛ لأن واحده من لفظه ، و «أولات» اسم جمع ؛ لأن واحده من غير لفظه ، إلا أنه يجرى مجرى الجمع الذى علامته ألف وتاء زائدتان.

وقيدت الألف والتاء بالزيادة ؛ احترازا من نحو «أبيات» فإن ألفه زائدة وتاء أصلية.

__________________

(١) القيصوم : نبات وهو صنفان. أنثى وذكر ، النافع منه أطرافه ، وزهره مرّ جدّا ، ويدلك البدن به للنافض ، فلا يقشعر إلا يسيرا ودخانه يطرد الهوام ، وشرب سحيقه نيئا نافع لعسر النفس ، والبول ، والطمث ، ولعرق النسا ، وينبت الشعر ، ويقتل الدود. القاموس : (قصم).

(٢) ينظر : معانى القرآن (٢ / ٤٢٣).

(٣) البيت لحميد بن ثور فى ديوانه ص ٥٥ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٥٨ ، والدرر ١ / ١٣٧ ، وشرح المفصل ٤ / ١٤١ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٧٧ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٦٣ ، وتخليص الشواهد ص ٧٩ ، وجواهر الأدب ص ١٥٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٨٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٣٩ ، وشرح التصريح ١ / ٧٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٢ ، ولسان العرب (حوذ) ، والمقرب ٣ / ١٣٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٤٩.

(٤) البيت لجرير فى ديوانه ص ٤٢٩ ، ولسان العرب (عرن) ، وتهذيب اللغة ٢ / ٣٤٠ ، وتاج العروس (عرن) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٧٤.

(٥) زعانف : جمع «زعنفة» ، وهى ردىء كل شىء ورذاله ، والطائفة من كل شىء ، وكل جماعة ليس أصلهم واحدا. الوسيط (زعنف). ولعل المراد : التابعون واللاحقون من بعدهم.

(٦) البيت لجرير فى ديوانه ص ٤٢٩ ، والاشتقاق ص ٥٣٨ ، وتلخيص الشواهد ص ٧٢ ، وخزانة الأدب ٨ / ٩٥٦ ، والدرر ١ / ١٤٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٦٧ ، شرح الأشمونى ١ / ٣٩ ، وشرح التصريح ١ / ٧٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٠.

٨٠