شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

وقوله ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) [الفرقان : ٢٠]

ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

وتشرب أسآرى (١) القطا الكدر بعد ما

سرت قربا أحناؤها تتصلصل (٢)

وندر الخلو من الواو والضمير فى قول الشاعر : [من الكامل]

نصف النّهار الماء غامره

ورفيقه بالغيب لا يدرى (٣)

أراد : بلغ النهار نصفه ، والماء غامر هذا الغائص لالتماس هذا اللؤلؤ.

فحذف الواو مع كون الجملة لا ضمير فيها يرجع إلى صاحب الحال وهو النهار.

ولو كانت الجملة مشتملة على ضمير لا يجهل عند حذفه استغنى بالعلم به عن الواو كقولك : «بعت اللّحم الرّطل بدرهم» أى : الرطل منه بدرهم ، فحذف «منه» للعلم به ، وأغنى استحضاره فى الذهن عن واو الحال.

وقد مثل سيبويه بنحو من هذا فى بعض أبواب الحال ، ولم يظهر منه فى إيراده استقباح.

وإلى مثل هذا أشرت بقولى :

 ...

وليس إن لم يلتبس ممتنعا

(ص)

وإن تصدّر بمضارع ولم

[ينف فبعده ضمير يلتزم] (٤)

__________________

(١) أسآر : جمع سؤر ، والسؤر : البقية والفضلة. (القاموس ـ سأر).

(٢) صلّ : صوّت. (القاموس ـ صلل).

والبيت للشنفرى فى ديوانه ص ٦٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٤٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٠٦ ، ونوادر القالى ص ٢٠٥ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ٢١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٤٥.

(٣) البيت للمسيب بن علس فى أدب الكاتب ص ٣٥٩ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤١ ، ٢٥٠ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٧٨ ، ولسان العرب (نصف) ، وللأعشى فى جمهرة اللغة ص ١٢٦٢ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٣٣ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، والدرر ٤ / ١٧ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٦٨٣ ، وجمهرة اللغة ص ٨٩٣ ، ورصف المبانى ص ٤١٩ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٤٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٦٠ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٥ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٠٥ ، ٦٣٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٦.

(٤) فى أ: لم تلف فالضمير فيها يلتزم.

٣٤١

كـ (جئت أعدو) واجتنب واوا وقد

يأتى فينوى اسم له الفعل استند

وجملة الحال سوى ما قدّما

بواو او بمضمر أو بهما

(ش) أى : وإن تصدر الجملة الحالية بمضارع غير منفى بـ «لم» التزم فيها ضمير عائد على صاحب الحال كقولى :

 ... «جئت أعدو»

 ...

وتجتنب الواو عند ذلك إلا فى نادر من الكلام كقول الشاعر : [من المتقارب]

فلمّا خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا (١)

أى : نجوت راهنا مالكا. والأجود أن يجعل «أرهنهم» خبر مبتدأ محذوف ؛ لتكون الواو داخلة على جملة اسمية.

وإنما استحق [المضارع الذى لم ينف بـ «لم»] (٢) التجرد عن الواو ؛ لشدة شبهه باسم الفاعل ، واسم الفاعل الواقع حالا مستغن عنها ، فكان هو كذلك. أو المضارع المنفى بـ «لا» بمنزلة اسم الفاعل المضاف إلى «غير» فأجرى مجراه فى الاستغناء عن الواو ؛ ألا ترى أن قوله ـ تعالى ـ : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [الصافات : ٢٥] ، معناه : ما لكم غير متناصرين ، فكما لا يقال : ما لكم وغير متناصرين ، لا يقال : ما لكم ولا تناصرون.

وأشرت بقولى :

 ... سوى ما قدّما

 ...

إلى الجملة المصدرة بمضارع منفى بـ «لم» أو بماض مثبت أو منفى : فإن وقع شىء من ذلك حالا جاز أن تصحبه الواو والضمير معا ، أو أحدهما ، ولم يجز أن يخلو منهما معا ، وأمثلة ذلك بينة.

(ص)

وعامل الحال جوازا يحذف

إن بان معناه بشىء يعرف

أو كان مفهوما بذكر قدّما

والحذف ـ أيضا ـ قد يرى ملتزما

__________________

(١) البيت لعبد الله بن همام السلولى ، فى إصلاح المنطق ص ٢٣١ ، ٢٤٩ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٦ ، والدرر ٤ / ١٥ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٥٥ ، ولسان العرب (رهن) ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٨٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٩٠ ، ولهمام بن مرة فى تاج العروس (رهن) ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ١٦٤ ، ورصف المبانى ص ٤٢٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٥٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٤٠ ، والمقرب ١ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٦.

(٢) فى ط : المضارع المثبت.

٣٤٢

والحال جوّز حذفها إن لم تفد

نيابة عن خبر لفظا فقد

أو كان حذفها يفيت الغرضا

كنحو : (لم أعده إلّا حرضا)

(ش) إذا دل دليل على عامل الحال جاز حذفه كما جاز حذف عامل الظرف وعامل المفعول المطلق ، والمفعول به.

فمن ذلك قولك لمن يحدثك : «صادقا». ومن يسافر : «ناجيا» ، بإضمار : «تقول» و «تذهب» ، وإلى مثل هذا أشرت بقولى :

 ...

إن بان معناه بشىء ...

وأشرت بقولى :

أو كان مفهوما بذكر قدّما

 ...

إلى نحو أن يقال لك : «كيف جئت؟» فتقول : «راكبا» بإضمار : «جئت» ، أو يقال لك : «هل لقيت فلانا؟» ، فتقول : «بلى محرما» ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (بَلى قادِرِينَ) [القيامة : ٤] أى : نجمع عظامه قادرين.

وأشرت بقولى :

 ...

والحذف ـ أيضا ـ قد يرى ملتزما

إلى مثل قولهم : «أخذته بدرهم فصاعدا».

التقدير : فذهب الثمن صاعدا.

ومثله فى التزام حذف العامل قولهم : «أتميميّا مرّة وقيسيّا أخرى؟!».

بتقدير : «أتتحول»؟! وكقول الشاعر : [من البسيط]

أفى الولائم أولادا لواحدة

وفى العيادة أولادا لعلّات (١)؟!

وأصل الحال أن تكون جائزة الحذف ؛ لأنها كالظرف ، ويعرض لها ما يوجب التزامها مثل : كونها جوابا ، أو مقصودا حصرها ، أو نائبة عن خبر :

فالأول مثل : «جئت راكبا» فى جواب من قال : «كيف جئت؟»

والثانى نحو : «لم أعده إلّا حرضا».

والثالث نحو : «ضربى زيدا قائما».

__________________

(١) تقدم تخريج هذا البيت.

٣٤٣

باب التمييز

(ص)

مزيل إبهام منكّر حوى

معنى (من) التّمييز نحو (كم لوى)

وأكثر استعماله بعد العدد

كذا كثيرا بعد مقدار ورد

ك (شبر ارضا) و (قفيز برّا)

و (منوين عنجدا وتمرا)

واجرره بعد ذى ونحوها إذا

أضفتها كـ (مدّ برّ كال ذا)

(ش) «مزيل إبهام» يصدق على المفعولات ، والنعت الرافع للاشتراك والحال.

فخرج بـ «منكّر» ما سوى الحال.

وخرج الحال بقولى :

 ... حوى

معنى «من» ...

وخرج بقولى :

مزيل إبهام ...

 ...

اسم «لا» التبرئة ؛ فإن فيه معنى «من» لكنه ليس مزيلا لإبهام.

و «لوى» من قولى :

 ...

 ... «كم لوى» (١)

منصوب المحل على التمييز ، وهو من قول الشاعر : [من الطويل]

حثثنا (٢) مطايانا فلم ندر كم لوى

قطعنا فهل يقضى لنا بعد ذا قرب؟!

ولما كان الغرض بالتمييز رفع الإبهام ، وكان الإبهام بعد العدد والوزن والكيل والمساحة أكثر منه بعد ما سوى ذلك قوى داعى التمييز مع هذه فوقع بعدها أكثر من وقوعه بعد غيرها.

والعدد أولى به لوجهين :

أحدهما : أن العدد قد يميز بالكيل والوزن والمساحة ؛ نحو : «عشرين مدّا» ، و «ثلاثين رطلا» ، و «أربعين شبرا».

والثانى : أن من مميز العدد ما يجب انتصابه على التمييز كـ «عشرين درهما» ، وليس من مميز الثلاثة ما يجب انتصابه ، بل مميز الثلاثة يجوز نصبه على التمييز ، وجره

__________________

(١) اللوّى : ما التوى من الرمل ، أو مسترقه. (القاموس ـ لوى).

(٢) فى أ: حثيثا.

٣٤٤

بالإضافة إليه.

ولذا لما مثلت بـ «شبر أرضا» ، و «قفيز برّا» ، و «منوين عنجدا وتمرا» قلت :

واجرره بعد ذى ونحوها إذا

أضفتها ...

وذلك كقولك : «لا تحقرن ظلامة ولو شبر أرض ، ولا برّا ولو مدّ بر ، أو رطل ملح».

(ص)

وكالثّلاثة اجعلن كلّ وعا

مميّزا بالجرّ والنّصب معا

والنّصب إن لم ينو مقدار منع

ك (ظرف سمن فيه ماله صنع)

(ش) المراد بالثلاثة : الكيل ، والوزن ، والمساحة. وقد أجرت العرب الأوعية مجراها فى الافتقار إلى مميز يستعمل تارة منصوبا ، وتارة مجرورا بشرط أن يراد المقدار ؛ تقول : «عندى راقود (١) خلّا ، وراقود خل» «وظرف سمنا ، وظرف سمن» ، «وحبّ (٢) ماء ، وحبّ ماء».

والنصب أولى من الجر ؛ لأن النصب يدل على أن المتكلم أراد : أن عنده ما يملأ الوعاء المذكور ، من الجنس المذكور.

وأما الجر : فيحتمل أن يكون مراد المتكلم كمراده حين نصب ، ويحتمل أن يكون مراده بيان أن عنده الوعاء الصالح للمذكور ، دون ما هو وعاء له كقولك : «اشتريت ظرف سمن فارغا» و «بعت سقاء لبن مملوءا عسلا».

(ص)

والنّصب حتم بعد ما أضيف إن

لم يغن عمّا بالمضاف قد قرن

(ش) مميز المضاف إن لم يغن عن المضاف إليه تعين نصبه ، وإن أغنى عنه جاز أن يجر بإضافة المميز إليه :

فالأول نحو : «لى ملؤه عسلا».

والثانى نحو : «هو أشجع النّاس رجلا» ، فلك فى هذا أن تقول : «هو أشجع رجل».

وليس لك فى الأول أن تقول : «لى ملء عسل».

__________________

(١) الراقود : دنّ كبير ، أو طويل الأسفل يسّيع داخله بالقار. (القاموس ـ رقد).

(٢) الحبّ : الخشبات الأربع التى توضع عليها الجرة ذات العروتين. (اللسان : حبب).

٣٤٥

(ص)

وانصبه بعد أفعل التّفضيل

إن وافق الفاعل بالتّأويل

وانصبه بعد ما بـ (مثل) جرّ أو

(ملء) وما ضاهاهما كما قضوا

وبعد كلّ ما اقتضى تعجّبا

فشا (أكرم بأبى بكر أبا)

إذا حسن موضع أفعل التفضيل المذكور بعده نكرة ـ فعل من لفظه ومعناه ، وصلح أن يسند إلى النكرة ـ فهى تمييز. فإن حسن موضعه «بعض» مضاف إلى جمع قائم مقام النكرة جرت بالإضافة :

فالأول نحو : «زيد أكمل فقها» فتنصب النكرة على التمييز لأنه بمعنى : كمل فقه.

والثانى نحو : «زيد أفضل فقيه» فتضيفه لأنه يحسن أن تجعل موضعه «بعضا» مضافا إلى جمع قائم مقام النكرة فتقول : «زيد بعض الفقهاء».

فمن نحو هذا احترزت بقولى :

وانصبه ...

 ...

أى : التمييز.

 ... بعد أفعل التّفضيل

إن وافق الفاعل بالتّأويل

أى : إن كان ما بعد «أفعل» فاعلا فى المعنى ، كما كان «الفقه» بعد «أكمل» حين وضع موضعه «كمل».

وتقول : «لى مثل الغنم خيلا» و «ملء الحبّ (١) زيتا» و «مقدار الكثيب دقيقا».

فإلى هذا ونحوه أشرت بقولى :

وانصبه بعد ما بـ «مثل» جرّ أو

(ملء) وما ضاهاهما ...

ومن انتصابه بعد «مثل» قول الشاعر : [من الطويل]

فإن خفت يوما أن يلج (٢) بك الهوى

فإنّ الهوى يكفيكه مثله صبرا (٣)

وتقول : «ويل لزيد رجلا ، وويحه إنسانا» و «حسبك بعمرو فارسا ، وما أكرمه فتى»

__________________

(١) الحبّ : وعاء الماء ، كالزير والجرة. ينظر : الوسيط (حبب).

(٢) من الملاجّة : وهى التمادى. (مختار الصحاح ـ لجج).

(٣) البيت بلا نسبة فى لسان العرب (ظنب) ، وتاج العروس (ظنب).

٣٤٦

وإلى هذا ونحوه أشرت بقولى :

وبعد كلّ ما اقتضى تعجّبا

فشا (أكرم بأبى بكر أبا)

والمراد بـ «أبى بكر» : صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رضى الله عنه ، وأرضاه.

(ص)

واجرر بـ (من) إن شئت تمييزا سوى

معدود او ما الفاعليّة اقتضى

لذاك (برّ) من «قفيز برّا)

يجوز كونه بـ (من) منجرّا

ونحو (نفس) من (تطيب نفسا)

جنّب (من) كذاك (شبت رأسا)

(ش) كل منصوب على التمييز فيه معنى «من» وبعضه يصلح لمباشرتها ، وبعضه لا يصلح ؛ كما أن كل ظرف فيه معنى «فى» وبعضه يصلح لمباشرتها ، وبعضه لا يصلح.

وقد جعلت علامة ما لا يصلح لمباشرة «من» وقوعه بعد عدد «أحد عشر درهما» ، وكونه فاعلا فى المعنى نحو : «تطيب نفسا» و «شبت رأسا» ؛ فإن معناهما : تطيب نفسك ، وشاب رأسك.

(ص)

وعامل التّمييز قدّم وهو ما

لو أسقط التّمييز كان مبهما

وإن يؤخّر ، وهو فعل صرّفا

فابن يزيد بالجواز مقتفى

من ذاك (ماء) بعده (تحلّبا)

و (نفسا) الّذ بـ (يطيب) انتصبا

(ش) عامل التمييز ما قبله من المبهمات المفتقرة إليه ، ولا يتقدم على شىء منها إذا كان غير فعل نحو «عشرين درهما» ، أو فعلا غير متصرف نحو : «نعم رجلا زيد».

فإن كان الفعل متصرفا : فمذهب سيبويه (١) منع التقديم ـ أيضا ـ نظرا إلى أنه فى

__________________

(١) وقد جاء من الفعل ما قد أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوّة غيره مما قد تعدّى إلى مفعول ، وذلك قولك : امتلأت ماء وتفقّأت شحما ، ولا تقول : امتلأته ولا تفقّأته. ولا يعمل فى غيره من المعارف ، ولا يقدّم المفعول فيه فتقول : ماء امتلأت ، كما لا يقدّم المفعول فيه فى الصّفة المشبّهة ، ولا فى هذه الأسماء ؛ لأنها ليست كالفاعل ؛ وذلك لأنّه فعل لا يتعدّى إلى مفعول ، وإنّما هو بمنزلة الانفعال ، لا يتعدّى إلى مفعول ، نحو كسرته فانكسر ، ودفعته فاندفع. فهذا النحو إنما يكون فى نفسه ولا يقع على شىء ، فصار امتلأت من هذا الضرب ، كأنك قلت : ملأنى فامتلأت. ومثله : دحرجته فتدحرج. وإنما أصله امتلأت من الماء

٣٤٧

الأصل فاعل وقد أوهن بزوال رفعه ، وإلحاقه لفظا بالفضلات ؛ فلا يزاد وهنا بتقديمه على الفعل (١).

ومذهب المازنى (٢) ، والمبرد (٣) ، والكسائى جواز تقديمه ؛ لأن الفعل عامل قوى بالتصرف ؛ فمنع تقديم معموله ، وليس فاعلا فى اللفظ لا موجب له.

ولو كانت الفاعلية الأصلية موجبة للتأخير مانعة من التقدم لعمل بمقتضى ذلك فى نحو : «أذهبت زيدا».

فكان لا يجوز أن يقال : «زيدا أذهبت» ؛ لأن أصله : ذهب زيد ؛ ولا خلاف فى

__________________

وتفقّأت من الشّحم ، فحذف هذا استخفافا.

ينظر الكتاب (١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥).

(١) قال ابن جنى : ومما يقبح تقديمه الاسم المميز ، وإن كان ناصبه فعلا متصرّفا ، فلا نجيز شحما تفقأت ، ولا عرقا تصبّبت. فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبل :

أتهجر ليلى للفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق يطيب

فنقابله برواية الزّجاجىّ وإسماعيل بن نصر وأبى إسحاق أيضا :

وما كان نفسى بالفراق تطيب

فرواية برواية ، والقياس من بعد حاكم. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل فى المعنى.

ينظر : الخصائص (٣ / ٣٨٦).

(٢) المازنى هو : بكر بن محمد بن بقية ، أبو عثمان المازنى ، بصرى روى عن أبى عبيدة والأصمعى وأبى زيد ، وروى عنه المبرد والفضل بن محمد اليزيدى وجماعة ، وكان إماما فى العربية ، متسعا فى الرواية وناظر الأخفش فى أشياء كثيرة فقطعه.

قال المبرد : لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبى عثمان ، وأخذ عن الأخفش.

من تصانيفه : كتاب فى القرآن ، علل النحو ، تفاسير كتاب سيبويه ، ما تلحن فيه العامة ، التصريف ، القوافى ، وغيرها. مات سنة ٢٤٩ ه‍ على خلاف.

ينظر : بغية الوعاة (١ / ٤٦٣ ـ ٤٦٦) ، معجم الأدباء (٧ / ١٠٧).

(٣) قال المبرد : واعلم أن التبيين إذا كان العامل فيه فعلا جاز تقديمه : لتصرّف الفعل. فقلت :

تفقّأت شحما. وتصبّبت عرقا. فإن شئت قدّمت ؛ فقلت : شحما تفقّأت. وعرقا تصبّبت وهذا لا يجيزه سيبويه ؛ لأنّه يراه كقولك : عشرون درهما. وهذا أفرههم عبدا ، وليس هذا بمنزلة ذلك ؛ لأنّ (عشرين درهما) إنّما عمل فى الدرهم ما لم يؤخذ من الفعل.

ألا ترى أنّه يقول : هذا زيد قائما ، ولا يجيز : قائما هذا زيد ؛ لأنّ العامل غير فعل.

وتقول : راكبا جاء زيد ؛ لأنّ العامل فعل ؛ فلذلك أجزنا تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا وهذا رأى أبى عثمان المازنى.

وقال الشاعر ، فقدّم التمييز لمّا كان العامل فعلا :

أتهجر ليلى للفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب

ينظر : المقتضب (٣ / ٣٦ ، ٣٧).

٣٤٨

أن ذلك جائز ، فكذلك ينبغى أن يحكم بجواز «صدرا ضاق زيد» وما أشبهه. ومن شواهد ذلك قول الشاعر : [من الطويل]

ولست إذا ذرعا أضيق بضارع

ولا يائس عند التّعسّر من يسر (١)

ومثله قول الآخر : [من الطويل]

وواردة كأنّها عصب القطا

تثير عجاجا (٢) بالسّنابك (٣) أصهبا (٤)

رددت بمثل السيد (٥) نهد (٦) مقلّص (٧)

كميش (٨) إذا عطفاه ماء تحلّبا (٩)

ومثله قول الآخر : [من الطويل]

أتهجر ليلى للفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق يطيب (١٠)

وإلى هذين أشرت بقولى :

من ذاك (ماء) بعده (تحلّبا)

و (نفسا) الّذ بـ (يطيب) انتصبا

[ومثلهما : [من الرجز]

ونارنا لم ير نارا مثلها

قد علمت ذاك معدّ كلّها (١١)

نارا : تمييز] (١٢). والله أعلم.

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى المقاصد النحوية ٣ / ٢٣٣.

(٢) العجاج : الغبار والدخان. (مختار الصحاح ـ عجج).

(٣) السّنبك : طرف الحافر. (القاموس ـ سنبك).

(٤) الصهوبة : احمرار الشعر. (المصباح المنير ـ صهب).

(٥) السّيد : الذئب. (مقاييس اللغة ـ سيد).

(٦) نهد : مرتفع. (المصباح المنير ـ نهد).

(٧) فرس مقلّص : طويل القوائم منضم البطن. (اللسان ـ قلص).

(٨) فرس كميش : صغير الجردان. (مقاييس اللغة ـ كمش).

(٩) البيت لربيعة بن مقروم فى شرح شواهد المغنى ص ٨٦٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٧٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٦٦ ، ومغنى اللبيب ص ٤٦٢.

(١٠) البيت للمخبل السعدى فى ديوانه ص ٢٩٠ ، والخصائص ٢ / ٣٨٤ ، ولسان العرب (حبب) ، وللمخبل السعدى ، أو لأعشى همدان ، أو لقيس بن الملوح فى الدرر ٤ / ٣٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٣٥ ، وللمخبل السعدى أو لقيس بن معاذ فى شرح شواهد الإيضاح ص ١٨٨ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٩٧ ، والإنصاف ص ٨٢٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٦٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣٣٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٤٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٧٤ ، والمقتضب ٣ / ٣٦ ، ٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٥٢.

(١١) الرجز بلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٦٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٣٩.

(١٢) ما بين المعكوفين سقط فى «أ».

٣٤٩

باب حروف الجر

(ص)

هاك حروف الجرّ وهى (من) (إلى)

(حتّى) (خلا) (حاشا) (عدا) (فى) (عن) (على)

(مذ) (منذ) (ربّ) اللّام والكاف و (تا)

والواو والبا (كى) (لعلّ) و (متى)

ونحو يا (لولاى) مجرور لدى

عمرو ورفعه سعيد أيدا

وأنكر استعماله المبرّد

وللمجيز حجج لا تجحد

قد تقدم فى باب الاستثناء التنبيه على أن «خلا» و «عدا» و «حاشا» أفعال إذا نصبت ، وحروف إذا جرت ، ثم ذكرت هنا لأنه موضع استقصاء.

ولكل حرف منها تفصيل يأتى إلا «كى» و «لعلّ» و «متى» و «لو لا» فقل من يذكرهن لقلة استعمالهن وغرابتهن ، وللخلاف فى «لو لا» هل هو من جملتها أم لا؟

ولنبدأ بالكلام على هذه الأربعة فنقول :

أما «كى» فإنها استعملت حرف جر فى موضعين :

أحدهما : قولهم فى الاستفهام عن علة الشىء «كيمه؟» بمعنى : «لمه»؟ فـ «كى» هنا عند جميع البصريين حرف جر دخل على «ما» فحذفت ألفها وزيدت هاء السكت وقفا ؛ كما يفعل مع سائر حروف الجر الداخلة على «ما» الاستفهامية.

والموضع الثانى : قولهم : «جئت كى أراك» بمعنى : «لأن أراك» ، فـ «أن» المضمرة والفعل فى موضع جر بـ «كى» ؛ كما يكون ذلك إذا قلت : «لأراك».

ويدل على إضمار «أن» بعد «كى» ظهورها عند الضرورة كقول الشاعر :

[من الطويل]

فقالت : أكلّ النّاس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (١)

__________________

(١) البيت لجميل بثينة فى ديوانه ص ١٠٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٨١ ، ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، ٤٨٨ ، والدرر ٤ / ٦٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣ ، ٢٣١ ، وشرح المفصل ٩ / ١٤ ، ١٦ ، وله أو لحسان ابن ثابت فى شرح شواهد المغنى ١ / ٥٠٨ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ١١ ، وخزانة الأدب ص ١٢٥ ، وجواهر الأدب ص ١٢٥ ، والجنى الدانى ص ٢٦٢ ، ورصف المبانى ص ٢١٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٧٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٧ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٨٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥.

٣٥٠

وقد وقعت حرف جر فى موضع ثالث وهو قول الشاعر : [من الطويل]

إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما

يراد الفتى كيما يضرّ وينفع (١)

أى : لضر من يستحق الضر ، ولنفع من يستحق النفع ، فـ «ما» مصدرية ، وهى وصلتها فى موضع جر بـ «كى».

وأما «لعلّ» فإنها حرف جر فى لغة بنى عقيل [كقول الشاعر : [من الوافر]

لعلّ الله يمكننى عليها

جهارا من زهير أو أسيد (٢)] (٣)

روى ذلك عنهم أبو زيد ، وحكى الجر بها ـ أيضا ـ الفراء وغيره.

وروى فى لامها الأخيرة : الفتح والكسر ، وأنشد باللغتين قول الشاعر : [من الوافر]

لعلّ الله فضّلكم علينا

بشىء أنّ أمّكم شريم (٤)

الشريم : هى المفضاة.

وأما «متى» فهى فى لغة هذيل حرف جر بمعنى «من» ؛ ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج (٥) خضر لهنّ نئيج (٦)

__________________

(١) البيت للنابغة الجعدى فى ملحق ديوانه ص ٢٤٦ ، وله أو للنابغة الذبيانى فى شرح شواهد المغنى ١ / ٥٠٧ ، وللنابغة الجعدى أو للنابغة الذبيانى أو لقيس بن الخطيم فى خزانة الأدب ٨ / ٤٩٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٥ ، ولقيس بن الخطيم فى ملحق ديوانه ص ٢٣٥ ، وكتاب الصناعتين ص ٣١٥ ، وللنابغة الذبيانى فى شرح التصريح ٢ / ٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٧٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ١٠ ، وتذكرة النحاة ص ٦٠٩ ، والجنى الدانى ص ٢٦٢ ، والحيوان ٣ / ٧٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٠٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٨٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٥ ، ٣١.

(٢) البيت لخالد بن جعفر فى الأغانى ١١ / ٧٩ ، وأمالى المرتضى ١ / ٢١٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٢٦ ، ٤٣٨ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٥٨٣ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٠٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٩ ، ولسان العرب (علل).

(٣) ما بين المعكوفين سقط فى «أ».

(٤) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٧ ، والجنى الدانى ٥٨٤ ، وجواهر الأدب ص ٤٠٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، ٤٣٠ ، ورصف المبانى ص ٣٧٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥١ ، وشرح قطر الندى ص ٢٤٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤٧ ، والمقرب ١ / ١٩٣.

(٥) اللجة : معظم الماء. (مختار الصحاح ـ لجج).

(٦) النئيج : الصوت المرتفع. (اللسان ـ نأج).

والبيت لأبى ذؤيب الهذلى فى الأزهية ص ٢٠١ ، والأشباه والنظائر ٤ / ٢٨٧ ، وجواهر

٣٥١

ومن كلامهم : «أخرجها متى كمّه» ، يريدون : من كمه (١).

وأما «لو لا» : فإذا وليها مضمر فالمشهور كونه أحد المضمرات المرفوعة المنفصلة ؛ لأنه فى موضع ابتداء ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١].

ومن العرب من يقول : «لولاى» و «لولانا» ... إلى «لولاهنّ» ، وزعم المبرد أنه لا يوجد ذلك فى كلام من يحتج بكلامه (٢) ، وما زعمه مخالف لقول سيبويه ، وأقوال الكوفيين (٣).

__________________

الأدب ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٧ / ٩٧ ـ ٩٩ ، والخصائص ٢ / ٨٥ ، والدرر ٤ / ١٧٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ١٣٥ ، ٤٢٤ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ١٢٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٢١٨ ، ولسان العرب (شرب) ، (مخر) ، (متى) ، والمحتسب ٢ / ١١٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤٩ ، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٥١٥ ، والأزهية ص ٢٨٤ ، وأوضح المسالك ٣ / ٦ ، والجنى الدانى ص ٤٣ ، ٥٠٥ ، وجواهر الأدب ص ٤٧ ، ٣٧٨ ، ورصف المبانى ص ١٥١ ، وشرح الأشمونى ص ٢٨٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٨ ، وشرح قطر الندى ص ٢٥٠ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٧٥ ، ومغنى اللبيب ص ١٠٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٤.

(١) قال ابن الشجرى : حكى الكسائى عن العرب : «أخرجه من متى كمه» ، أى من وسط كمه ، وهى لغة هذيل. ينظر : الأمالى : ٢ / ٦١٤.

(٢) أما قوله «لولاك» فإنّ سيبويه يزعم أنّ «لو لا» تخفض المضمر ويرتفع بعدها الظّاهر بالابتداء ، فيقال : إذا قلت : «لولاك» فما الدليل على أنّ الكاف مخفوضة دون أن تكون منصوبة ، وضمير النّصب كضمير الخفض؟ فيقول : إنّك تقول لنفسك : «لولاى» ، ولو كانت منصوبة لكانت النون قبل الياء ، كقولك «رمانى وأعطانى» ، وقال الشاعر وهو يزيد ابن الحكم الثقّفىّ :

وكم موطن لولاى طحت كما هوى

بأجرامه من قلّة النيق منهوى

«النيق» : أعلى الجبل ، و «جرم» الإنسان : خلقه.

فيقال له : الضمير فى موضع ظاهر ، فكيف يكون مختلفا؟ وإن كان هذا جائزا فلم لا يكون فى الفعل وما أشبهه نحو «إن» وما كان معها فى الباب؟

وزعم الأخفش أنّ الضمير مرفوع ، ولكن وافق ضمير الخفض ، كما يستوى الخفض والنصب. فيقال : فهل هذا فى غير هذا الموضع؟!

قال أبو العباس : والذى أقوله إن هذا خطأ ، لا يصلح أن تقول إلا «لو لا أنت» ، قال الله عزوجل : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) ومن خالفنا فهو لا بد يزعم أن الذى قلناه أجود ، ويدعى الوجه الآخر فيجيزه على بعد.

ينظر : الكامل (٣ / ١٢٧٧ ، ١٢٧٨).

وقال المبرد : وكذلك قول الأخفش : وافق ضمير الخفض ضمير الرفع فى (لولاى) فليس هذا القول بشىء. ينظر : المقتضب : ٣ / ٧٣.

(٣) لتفصيل المذاهب فى وقوع المضمر بعد (لو لا) ـ ينظر : الأمالى : (١ / ٢٧٦ : ٢٧٩).

٣٥٢

وأنشد سيبويه : [من الطويل]

وكم موطن لولاى طحت كما هوى

بأجرامه من قلّة النّيق (١) منهوى (٢)

وأنشد الفراء : [من الطويل]

أتطمع فينا من أراق دماءنا

ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن (٣)

وإلى هذين البيتين وأمثالهما أشرت بقولى :

 ...

وللمجيز حجج لا تجحد

ومذهب سيبويه (٤) فى ياء «لولاى» وأخواتها ـ : أنها فى موضع جر بـ «لو لا» لأن ؛ الياء وأخواتها لا يعرف وقوعها إلا فى موضع نصب أو جر ، والنصب هنا ممتنع ؛ لأن الياء لا تنصب بغير اسم إلا ومعها نون الوقاية واجبة ، أو جائزة ، ولا تخلو منها وجوبا إلا وهى مجرورة ، وياء «لو لا» خالية منها وجوبا ؛ فامتنع كونها منصوبة ، وتعين كونها مجرورة.

وفى ذلك مع شذوذه استيفاء حق لـ «لو لا» كان فترك ؛ وذلك أنها مختصة بالاسم غير مشابهة للفعل ، ومقتضى ذلك : أن تجر الاسم ـ مطلقا ـ لكن منع من ذلك شبهها بما اختص بالفعل من أدوات الشرط فى ربط جملة بجملة ، وأرادوا التنبيه على موجب العمل فى الأصل فجروا بها المضمر المشار إليه.

ومذهب الأخفش (٥) : أن الياء وأخواتها بعد «لو لا» فى موضع رفع ؛ نيابة عن

__________________

(١) قلة النيق : أرفع موضع فى الجبل. (القاموس ـ نيق).

(٢) البيت ليزيد بن الحكم فى الأزهية ص ١٧١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٤٢ ، والدرر ٤ / ١٧٥ ، وسر صناعة الإعراب ص ٣٩٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٢ ، وشرح المفصل ٣ / ١١٨ ، ٩ / ٢٣ ، والكتاب ٢ / ٣٧٤ ، ولسان العرب (جرم) ، (هوا) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٩١ ، والجنى الدانى ص ٦٠٣ ، وجواهر الأدب ص ٣٩٧ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٣٣ ، ورصف المبانى ص ٢٩٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٣ ، ولسان العرب (إما لا) ، والممتع فى التصريف ١ / ١٩١ ، والمنصف ١ / ٧٢.

(٣) البيت بلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٩٣ ، وجواهر الأدب ص ٣٩٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٢٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٣ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢٠ ، ولسان العرب (إما لا).

(٤) قال سيبويه : هذا باب ما يكون مضمرا فيه الاسم متحولا عن حاله إذا أظهر بعده الاسم ، وذلك : لولاك ولولاى ، إذا أضمرت الاسم فيه جر ... إلخ.

ينظر : الكتاب : ٢ / ٣٧٣.

(٥) قال ابن الشجرى : ومذهب الأخفش : أن الضمير المتصل بعد (لو لا) مستعار للرفع ، فيحكم ـ

٣٥٣

ضمائر الرفع المنفصلة ؛ ونظره بنيابة المرفوع عن المجرور فى قول بعضهم : «ما أنا كأنت».

(ص)

بالظّاهر اخصص (منذ) (مذ) و (حتّى)

والكاف والواو و (ربّ) والتّا

والواو والتّا باليمين خصّتا

ومع (ربّ الكعبة) استعمل تا

واخصص بـ (مذ) و (منذ) وقتا وب (ربّ)

منكّرا ، والتّاء لـ (الله) و (ربّ)

ولم يجرّ (الرّبّ) إلّا وهو

أضيف (الكعبة) فيما قد ورد

(ش) لما كان بعض الحروف المذكورة يجر الظاهر دون المضمر ـ وجب التنبيه على ذلك.

فـ «مذ» و «منذ» لابتداء غاية الزمان إن كان ماضيا ، وللظرفية إن كان حاضرا هو أو بعضه ؛ نحو : «ما رأيته مذ يوم الجمعة ، ومذ يومنا ، ومذ يومين».

و «حتّى» للغاية ـ مطلقا ـ نحو : «سرت حتّى الصّباح» ، و «أكلت السّمكة حتّى رأسها».

والكاف للتشبيه ؛ نحو : «زيد كالأسد».

وزائدة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) [البقرة : ٢٥٩] ، وقوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، وكقول رؤبة : [من الرجز]

لواحق (١) الأقراب (٢) فيها كالمقق (٣)

__________________

ـ بأن موضعه رفع بالابتداء ، وإن كان بلفظ الضمير المنصوب أو المجرور ، فيجعل حكمها مع المضمر موافقا حكمها مع المظهر.

ينظر : الأمالى : (١ / ٢٧٧) ، شرح المفصل : (٣ / ١٢١).

ععع ١٦٦

(١) لحق ـ لحوقا : ضمر (القاموس ـ لحق).

(٢) الأقراب : الخواصر (القاموس ـ قرب).

(٣) المقق : الطول (اللسان ـ مقق).

ينظر ديوانه ص ١٠٦ ، وجواهر الأدب ص ١٢٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٨٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢٩٢ ، ٢٩٥ ، ٨١٥ ، سمط اللآلى ص ٣٢٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٦٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٦٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩٠ ، وتاج العروس (كوف) (زهق) ، (الحق) ، (مقق) ، ولسان العرب (كوف) ، (مقق) ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٦٤ ، الإنصاف ١ / ٢٩٩ ، وجمهرة اللغة ص ٨٢٤ ، وشرح الأشمونى

٣٥٤

وللتعليل كقوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨] ، وجعل ابن برهان من هذا قوله ـ تعالى ـ : (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) [القصص : ٨٢] أى : أعجب لأنه لا يفلح الكافرون ؛ كذا قدره ، ثم قال : وحكى سيبويه : «كما أنّه لا يعلم فتجاوز الله عنه» ، والتقدير : لأنه لا يعلم فتجاوز الله عنه ، و «ما» : زائدة بين الكاف و «أنّ». هكذا قال ابن برهان.

ولا يقال : «مذه» ولا «منذه» ولا «حتّاه» ولا «كه» إلا فى الشعر ؛ كقول الراجز : [من الراجز]

ولا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ، ولا كهنّ إلا حاظلا (١)

يقال : «والله» و «تالله». ولا يقال : «وه» ولا «ته».

ولا يجر بـ «مذ» و «منذ» غير وقت ، ولا بـ «ربّ» غير نكرة معنى ولفظا ، أو معنى لا لفظا ؛ نحو : «ربّه رجلا» ، و «ربّ رجل وأخيه» ؛ فإن هاء : «ربه رجلا» لا تدل على معين ، وإن كان لفظها لفظ معرفة ؛ وكذا لفظ «أخيه» بعد «رجل» كلفظ معرفة ، وهو فى المعنى نكرة ؛ لأن معناه : «ربّ رجل ، وأخ له».

ولا يجر بالتاء إلا «الله» إلا ما حكى الأخفش من قول بعضهم : «ترب الكعبة» (٢).

(ص)

ومضمر الغيبة كاف خفضا

فى الشّعر منه قول بعض من مضى

(ولا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا)

__________________

٢ / ٢٩٦ ، واللمع فى العربية ص ١٥٨ ، والمقتضب ٤ / ٤١٨ ، وجمهرة اللغة ص ٨٢٤ ، تاج العروس (مثل) ، لسان العرب (مثل).

(١) الحظل : الغيرة ومنع المرأة من التصرف والحركة. (المقاييس ـ حظل) والبيت لرؤبة فى ديوانه ص ١٢٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، الدرر ٥ / ٢٦٨ ، ٤ / ١٥٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٤ والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٦ ، وللعجاج فى الكتاب ٢ / ٣٨٤ ، وليس فى ديوانه وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ١٨ ، جواهر الأدب ص ١٢٤ ، ورصف المبانى ص ٢٠٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٠.

(٢) قال الزمخشرى : ... التاء مبدلة عن الواو فى تالله خاصة ، وقد روى الأخفش «ترب الكعبة) ... إلخ». ينظر : شرح المفصل : ٨ / ٣٢. ـ

٣٥٥

و (ربّه عطبا) استندر وقس

عليه إن شئت وحد عن ملتبس

(ش) استغنوا فى جر الضمائر بـ «مثل» عن الكاف ؛ إذ لو لم يستغنوا بـ «مثل» لزمهم دخول الكاف على كاف المخاطب إذا كان مشبها به ؛ وذلك فى غاية من الاستثقال ، فإذا اضطروا والضمير ضمير غائب أدخلوا عليه الكاف ؛ كقول العجاج : [من الرجز]

خلا الذنابات (١) شمالا كثبا (٢)

وأمّ أوعال (٣) كها أو أقربا (٤)

وكقول الآخر فى حمار وحش وأتن : [من الرجز]

ولا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا (٥)

وأنشد ثعلب شاهدا على «ربّه رجلا» : [من البسيط]

واه رأيت وشيكا صدع أعظمه

وربّه عطبا أنقذت من عطبه (٦)

وأشرت بقولى :

 ... (وقس)

عليه إن شئت ...

إلى أن هذا الضمير لا بد من إفراده ، وتذكيره ، وتفسيره بمميز بعده على حسب قصد المتكلم ، فيقال : «ربّه رجلا» ، و «ربّه امرأة» و «ربّه رجلين ، ورجالا» و «ربّه امرأتين ، ونساء» ، فيختلف المميز ، ولا يختلف الضمير ؛ هذا هو المشهور.

__________________

(١) الذنابات : جمع ذنابة : التابع. (المقاييس ـ ذنب).

(٢) الكثب : القرب. (المقاييس ـ كثب).

(٣) الوعل : تيس الجبل. (القاموس ـ وعل).

(٤) الرجز فى ملحق ديوانه ٢ / ٢٦٩ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٦ ، وتاج العروس (وعل) ، وجمهرة اللغة ص ٦١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٥ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٤٥ ، والكتاب ٢ / ٣٨٤ ، ومعجم ما استعجم ص ٢١٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٣ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٢٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٦ ، وشرح المفصل ٨ / ١٦ ، ٤٢ ، ٤٤.

(٥) تقدم قريبا.

(٦) العطب : الهلاك (المقاييس ـ عطب).

والبيت بلا نسبة فى الدرر ٤ / ١٢٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦ ، ٢ / ٢٧.

٣٥٦

وذكر ابن الأنبارى : أن تطابقهما فى التأنيث ، والتثنية ، والجمع ـ جائز.

(ص)

بعّض وعلّل وابتدئ بـ (من) وفى

بدء الزّمان الخلف ليس بالخفى

وبعد نفى ، أو كنفى نكره

(من) جرّ زائدا كـ (ما لى من ذره)

 ـ مطلقا ـ الأخفش زادها ومن

أقسامها تبيين جنس لم يبن

للانتها (حتّى) و (لام) و (إلى)

و (من) وباء يفهمان بدلا

واجعل (إلى) أيضا كـ (عند) أو كـ (مع)

واللّام مثل (عند) أو (مع) قد تقع

واللّام للملك ، وشبهه وفى

تعدية ـ أيضا ـ وتعليل قفى

وزيد مع مفعول ذى الواحد إن

بالسّبق أو تفريغ عامل يهن

بالبا و (فى) التّعليل والظّرفيّه

عنوا فكن ذا فطنة مرضيّه

و (فى) للاستعلاء والمصاحبه

وفى استعانة لها مناسبه

وعدّ بالبا واستعن وألصق

ومثل (مع) و (من) و (عن) بها انطق

(ش) التبعيض بـ «من» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : ٨].

والتعليل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة : ٣٢].

وابتداء الغاية فى المكان ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١].

وابتداء الغاية فى الزمان ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) [التوبة : ١٠٨].

ومنه قول الشاعر فى وصف سيوف : [من الطويل]

تخيّرن من أزمان يوم حليمة

إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب (١)

__________________

(١) البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ٤٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٣١ ، وشرح التصريح ٢ / ٨ ، وشرح شواهد المغنى ص ٣٤٩ ، ٧٣١ ، ولسان العرب (جرب) ، (حلم) ، ومغنى اللبيب ص ٣١٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٢٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٨.

٣٥٧

والمشهور من قول البصريين ـ إلا الأخفش ـ : أن «من» لا تكون لابتداء الغاية فى الزمان ؛ بل يخصونها بالمكان ، ومذهب الكوفيين والأخفش : جواز استعمالها فى ابتداء الغاية ـ مطلقا ـ وهو الصحيح ؛ لصحة السماع بذلك.

وتزاد «من» جارة لنكرة بعد نفى ؛ نحو قوله ـ تعالى ـ : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٦٥].

وأشرت بقولى :

 ... أو كنفى

 ...

إلى النهى ، والاستفهام بـ «هل» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ) [فاطر : ٢].

وأشرت بقولى :

مطلقا ...

 ...

إلى ما روى عن الأخفش من جواز زيادتها ـ مطلقا (١) ـ ومن شواهد ذلك قول الشاعر : [من الطويل]

وكنت أرى كالموت من بين ساعة

فكيف ببين كان موعده الحشر (٢)؟!

أراد : وكنت أرى بين ساعة كالموت ، فزاد «من». ومثله قول الآخر : [من الطويل]

يظلّ به الحرباء (٣) يمثل قائما

ويكثر فيه من حنين الأباعر (٤)

أراد : ويكثر فيه حنين الأباعر. فزاد «من» مع الفاعل المعرفة دون نفى ، ولا ما يشبهه. وروى مثل ذلك ـ أيضا ـ عن الكسائى.

ومثال «من» المبينة للجنس : قوله ـ تعالى ـ : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)

__________________

(١) قال الزمخشرى : ... ولا تزاد عند سيبويه إلا فى النفى والأخفش يجوز الزيادة فى الواجب ويستشهد بقوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ*). ينظر : شرح المفصل : (٨ / ١٠).

(٢) البيت لسلمة بن يزيد الجعفى فى الدرر ٤ / ١٨٢ ، وسمط اللآلى ص ٧٠٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٠٨١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٣ ، ولليلى بنت سلمى فى حماسة البحترى ص ٢٧٤ ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ٢ / ٣٥.

(٣) الحرباء : دويبة نحو العظاية (دويبة أبرص) تستقبل الشمس برأسها ...

(٤) البيت بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٣١٦ ، والدرر ٤ / ١٨٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٥.

٣٥٨

[الحج : ٣٠] ، وقوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٨٥].

ودلالة «حتى» و «إلى» على الانتهاء كثير ، إلا أن «إلى» أمكن من «حتى» ؛ ولذلك يقال : «سرى زيد إلى نصف النّهار ، وعمرو إلى الصّباح» ، ولا يجر بـ «حتّى» إلا آخر أو ما اتصل بآخر كقوله ـ تعالى ـ : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر : ٥].

ومثال الانتهاء باللام قوله ـ تعالى ـ : (وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ) [الزمر : ٥].

ومثال «من» الدالة على البدل قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) [الزخرف : ٦٠] أى : بدلكم.

وقول الراجز : [من الرجز]

جارية لم تأكل المرقّقا

ولم تذق من البقول الفستقا (١)

أى : بدل البقول.

ومثال الباء الدالة على البدل قول النبى ـ عليه‌السلام ـ : «لا يسرّنى بها حمر النّعم» (٢) ، وقول الشاعر : [من البسيط]

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ١٨٠ ، ولأبى نخيلة فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٧٣٥ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٠٦ ، ولسان العرب (سكف) ، (فستق) ، (بقل) ، وتاج العروس (فستق) ، ولهميان بن قحامة فى المخصص ١١ / ١٣٩ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١٣٢٩ ، والجنى الدانى ص ٣١١ ، وجواهر الأدب ص ٢٧٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٢٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٦٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٢٠.

(٢) أخرجه أحمد (٥ / ٦٩) ، والبخارى (٣ / ٦٦) : كتاب الجمعة : باب من قال فى الخطبة بعد الثناء : أما بعد ، (٩٢٣) ، و (٦ / ٣٨١) كتاب فرض الخمس : باب ما كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه ، (٣١٤٥) ، و (١٥ / ٤٨٩) : كتاب التوحيد : باب قول الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (٧٥٣٥) من حديث عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أتى بمال ـ أو سبى ـ فقسمه ، فأعطى رجالا وترك رجالا ، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ، فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فوالله إنى لأعطى الرجل وأدع الرجل ، والذى أدع أحب إلىّ من الذى أعطى. ولكن أعطى أقواما لما أرى فى قلوبهم من الجزع والهلع. وأكل أقواما إلى ما جعل الله فى قلوبهم من الغنى والخير ، منهم عمرو بن تغلب». فو الله ما أحبّ أنّ لى بكلمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمر النعم.

وأخرج أحمد (٥ / ٢٤١) من حديث معاذ بن جبل قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٣٥٩

فليت لى بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (١)

وكون «إلى» بمعنى «عند» ؛ كقول الشاعر : [من الكامل]

أم لا سبيل إلى الشّباب ، وذكره

أشهى إلىّ من الرّحيق السّلسل (٢)

وكونها بمعنى «مع» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢].

وكون اللام بمعنى «عند» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف : ١٨٧] ، وكقولهم : «كان ذلك لليلة بقيت من الشّهر».

ومثال كون اللام بمعنى «مع» قول الشاعر : [من الطويل]

فلمّا تفرّقنا كأنّى ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا (٣)

وكونها للملك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٢٨٤].

__________________

يقول : ستهاجرون إلى الشّام ، فيفتح لكم ، ويكون فيكم داء كالدّمّل أو كالحرّة ، يأخذ بمراق الرّجل ؛ يستشهد الله به أنفسهم ، ويزكّى بها أعمالهم».

اللهم إن كنت تعلم أن معاذ بن جبل سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعطه هو وأهل بيته ، الحظّ الأوفر منه ، فأصابهم الطاعون ؛ فلم يبق منهم أحد ، فطعن فى إصبعه السبّابة ؛ فكان يقول : «ما يسرّنى أن لى بها حمر النّعم».

(١) البيت لقريط بن أنيف فى خزانة الأدب ٦ / ٢٥٣ ، والدرر ٣ / ٨٠ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٦٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٧٢ ، ٢٧٧ ، وللعنبرى فى لسان العرب ، (ركب) ، وللحماسى فى همع الهوامع ٢ / ٢١ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٤٠ ، وجواهر الأدب ص ٤٧ ، والدرر ٤ / ١٠٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٩٣ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣١٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٩٥ ، ٣٦١ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٠٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٩٥.

(٢) البيت لأبى كبير الهذلى فى أدب الكاتب ص ٥١٢ ، والجنى الدانى ص ٣٨٩ ، والدرر ٤ / ١٠٢ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٠٦٩ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٢٦ ، ولسان العرب (سلسل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤ ، وتاج العروس (سلسل) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٥ / ٢٣٧ ، والاشتقاق ص ٤٧٩ ، ومغنى اللبيب ١ / ٧٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٠ ، وتاج العروس (باب الألف اللينة «إلى»).

(٣) البيت لمتمم بن نويرة فى ديوانه ص ١٢٢ ، وأدب الكاتب ص ٥١٩ ، والأزهيّة ص ٢٨٩ ، والأغانى ١٥ / ٢٣٨ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٧٢ ، والدرر ٤ / ١٦٦ ، وشرح اختيارات المفضّل ص ١١٧٧ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٦٥ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٤٥ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ١٠٢ ، ورصف المبانى ص ٢٢٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢١٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٨ ، ولسان العرب (لوم) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢١٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٢.

٣٦٠