شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

نحو : «ما قامت هند».

ويجعل علامة رفع الفعل بعد الفاعل فى نحو : «تفعلان» و «تفعلون».

فالأصل أن يكونا غير مفصولين بمفعول ولا غيره.

وليس المفعول من الفعل بتلك المنزلة ، بل هو فضلة ؛ ولذلك جاز تقديمه ، والاستغناء عنه لفظا.

والأصل فيه إذا ذكر أن يفصل بالفاعل.

فإن اتصل بالفعل فهو منوى التأخير ، والفاعل منوى الاتصال إذا أخر.

فلذلك حسن تقديم المفعول متصلا به ضمير يعود إلى الفاعل ؛ نحو : «خاف ربّه عمر».

ولم يحسن تقديم الفاعل متصلا به ضمير عائد إلى المفعول ؛ نحو : «زان نوره الشّجر».

ومع كونه لا يحسن فليس ممتنعا وفاقا لأبى الفتح (١) ؛ لأن الفعل المتعدى يدل على فاعل ومفعول ، فشعور الذهن بهما مقارن لشعوره بمعنى الفعل.

فإذا افتتح كلام بفعل ، ووليه مضاف إلى ضمير ـ علم أن صاحب الضمير فاعل إن كان المضاف منصوبا ، ومفعول إن كان المضاف مرفوعا.

فلا ضرر فى تقديم الفاعل المضاف إلى ضمير المفعول ؛ كما لا ضرر فى تقديم المفعول المضاف إلى ضمير الفاعل ، وكلاهما وارد عن العرب.

فمن تقديم الفاعل المضاف إلى ضمير المفعول قول حسان بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ يمدح مطعم بن عدى : [من الطويل]

ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا

من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما (٢)

__________________

(١) قال ابن جنى : فى باب «فى نقض المراتب إذا عرض هناك عارض» من ذلك امتناعهم من تقديم الفاعل فى نحو : (ضرب غلامه زيدا) ، فهذا لم يمتنع من حيث كان الفاعل ليس رتبته التقديم ، وإنما امتنع لقرينة انضمت إليه ... ثم يقول : وأجمعوا على أن ليس بجائز (ضرب غلامه زيدا) ... وأما أنا فأجيز ... ينظر : الخصائص ١ / ٢٩٤ ، ٢٩٥.

(٢) البيت فى ديوانه ص ٢٤٣ ، والاشتقاق ص ٨٨ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨٩ ، وتذكرة النحاة ص ٣٦٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٧٥ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٩٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٧ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٣٨ ، ٧٩٦ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥١.

٢٦١

وقال آخر : [من الطويل]

وما نفعت أعماله المرء راجيا

جزاء عليها من سوى من له الأمر (١)

وأنشد ابن جنى : [من الطويل]

ألا ليت شعرى هل يلومنّ قومه

زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب (٢)

وأنشد ـ أيضا ـ : [من البسيط]

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمّار (٣)

[وأنشد شيخنا : [من الطويل]

كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

ورقّى نداه ذا النّدى فى ذرا المجد (٤)] (٥)

فإن كان الفاعل مضافا إلى ضمير يعود إلى ما أضيف إليه المفعول ، نحو : «ساء عبد هند بعلها» ـ لم يجز تقديم الفاعل ؛ لأنه لو قدم فقيل : «ساء بعلها عبد هند» تقدم عائد على مؤخر لفظا ، ورتبة ، مع عدم تعلق الفعل به ، وشدة الحاجة إلى العائد عليه.

فلو عكست العملين ـ أى : لو رفعت «عبد هند» ، ونصبت «بعلها» وقدمته ـ جاز فى رأى قوم دون قوم.

فمن أجاز قال :

لما عاد الضمير على ما أضيف إليه الفاعل ، والمضاف والمضاف إليه كالشىء الواحد ـ كان بمنزلة عود الضمير إلى الفاعل.

وتقديم ضمير عائد إلى الفاعل فى غاية من الحسن ، وتقديم ضمير ما هو والفاعل كشىء واحد جدير بأن يكون له حظ من الحسن.

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٣٦٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٨.

(٢) البيت لأبى جندب الهذلى فى تذكرة النحاة ص ٣٦٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٩١ ، ٢٩٣ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٣٥١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٠٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٨٠ ، والخصائص ٢ / ٤١٥.

(٣) البيت لسليط بن سعد فى الأغانى ٢ / ١١٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، والدرر ١ / ٢١٩ ، ومعجم ما استعجم ص ٥١٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٥ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٤٨٩ ، وتذكرة النحاة ص ٣٦٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٨٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦.

(٤) البيت بلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٤٩٠ ، وتذكرة النحاة ص ٣٦٤ ، والدرر ١ / ٢١٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٨ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٧٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٩٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦.

(٥) ما بين المعكوفين سقط فى «أ».

٢٦٢

ومن لم يجز نظر إلى تأخر مفسر الضمير لفظا ورتبة ، مع تقدم تعلق الفعل به فمنع.

(ص)

وأخّر المفعول إن لبس حذر

أو أضمر الفاعل غير منحصر

وذا انحصار أخرنّ منهما

حتما بـ (إلا) كان أو بـ (إنّما)

وليس ذا حتما لدى الكسائى

إذا المراد كان ذا انجلاء

وسبق غير فاعل إذا حصر

عند ابن الانبارى حكم اغتفر

(ش)

إذا خيف التباس فاعل بمفعول لعدم ظهور الإعراب ، وعدم قرينة ـ وجب تقديم الفاعل وتأخير المفعول ؛ نحو : «أكرم موسى عيسى» ، و «زارت سعدى سلمى»

فلو وجدت قرينة يتبين بها الفاعل من المفعول ، جاز تقديم المفعول ، نحو : «طلّق سعدى يحيى» ، و «أظنت سلمى الحمّى».

وإذا أضمر الفاعل ولم يقصد حصره ، وجب تقديمه وتأخير المفعول نحو : «أكرمتك وأهنت زيدا».

فلو قصد حصره وجب تأخيره مع كونه مضمرا ؛ نحو : «ما ضرب زيدا إلا أنت».

وكل ما قصد حصره استحق التأخير ، فاعلا كان أو مفعولا ، أو غيرهما ، سواء كان الحصر بـ «إلا» ، أو بـ «إنّما» ؛ نحو : «إنّما ضرب زيد عمرا» ، و «ما ضرب زيد إلا عمرا»

هذا على قصد الحصر فى المفعول.

فلو قصد الحصر فى الفاعل لقيل : «إنّما ضرب عمرا زيد» ، و «ما ضرب عمرا إلا زيد».

وأجاز الكسائى ـ وحده ـ تقديم المحصور بـ «إلا» ؛ لأن المعنى مفهوم معها ، قدم المقترن بها أو أخر.

بخلاف المحصور بـ «إنّما» فإنه لا يعلم حصره إلا بالتأخير ؛ فلذلك لم يختلف فى منع تقديمه.

وغير الكسائى يلتزم تأخير المحصور بـ «إلا» ؛ ليجرى الحصرين على سنن واحد.

ووافق الكسائى أبو بكر بن الأنبارى فى تقديم المحصور إذا لم يكن فاعلا ؛ نحو :

٢٦٣

«ما ضرب إلا زيدا عمرو»

ولم يوافقه فى تقديمه إذا كان فاعلا ؛ نحو : «ما ضرب إلا زيد عمرا» ، وأنشد مستشهدا على ما أجازه : [من الطويل]

تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة

فما زاد إلا ضعف ما بى كلامها (١)

(ص)

ويرفع الفاعل فعل حذفا

إن استبان بدليل عرفا

نحو : (بلى زيد) لقائل (لم يقم

شخص) و (عمرو) فى جواب (من يقم) (٢)؟

ومثل قوله (يزيد ضارع)

(يبكيه) من بعد (يزيد) رافع

(ش) إذا قلت : «بلى زيد» لمن قال لك : «لم يقم شخص» ـ فـ «زيد» فاعل فعل محذوف تقديره : بلى قام زيد. وكذا إذا قلت : «عمرو» لمن قال لك : «من يقم»؟ فـ «عمرو» فاعل فعل محذوف تقديره : يقم عمرو.

وكذا إذا كان الاسم جواب سؤال مقدر ؛ كقولك : «قتل كافر ، مسلم».

كأنه قيل : من قتله؟ فقلت : مسلم. ومنه قراءة ابن عامر وشعبة عن عاصم (٣)(يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧]

ومثله قول الشاعر : [من الطويل]

ليبك يزيد : ضارع (٤) لخصومة

ومختبط (٥) ممّا تطيح الطّوائح (٦)

__________________

(١) البيت للمجنون في ديوانه ص ١٩٤ ، والدرر ٢ / ٢٨٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٢٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨٦ ، والدرر ٣ / ١٧٢ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦١ ، ٢٣٠ ويروى عمز البيت هكذا : فما زادني إلا غراما كلامها.

(٢) فى ط : من نقم.

(٣) عاصم بن أبى النجود ، الكوفى ، الأسدى بالولاء ، أبو بكر ، أحد القراء السبعة ، تابعى من أهل الكوفة ، كان ثقة فى القراءات ، صدوقا فى الحديث. توفى سنة ١٢٧ ه‍.

ينظر : الأعلام (٣ / ٢٤٨) ، طبقات القراء (١ / ٣٤٦) ، تقريب التهذيب ت (٣٠٧١).

(٤) ضرع الرجل ضراعة ، إذا ذل. (مقاييس اللغة ـ ضرع).

(٥) يقال : اختبطنى فلان : إذا جاء يطلب المعروف من غير آصرة ووسيلة. (اللسان ـ خبط).

(٦) طاح طوحا : هلك. (الوسيط ـ طاح).

والبيت للحارث بن نهيك فى خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والكتاب ١ / ٢٨٨ ، وللبيد بن ربيعة فى ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ، ولنهشل بن حرى فى خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، ولضرار بن نهشل فى الدرر ٢ / ٢٨٦ ،

٢٦٤

فـ «رجال» فاعل «يسبّحه» مقدرا ، و «ضارع» فاعل «يبكيه» مقدرا وكذا ما أشبههما.

(ص)

وتاء تأنيث تلى الماضى إذا

كان لأنثى كـ (أبت هند الأذى)

وإنّما تلزم فعل مضمر

أو ظاهر من المجاز قد عرى

وقد يبيح الفصل ترك التّاء فى

نحو : (أتى القاضى بنت الأحنف)

والحذف مع فصل بـ (إلا) فضّلا

ك (ما زكا إلا فتاة ابن العلا)

والحذف قد يأتى بلا فصل ومع

ضمير ذى المجاز كـ (الشّمس طلع)

ونحو ذا على اضطرار قصروا

إلا ابن كيسان فلا يقتصر

(ش) تاء التأنيث الساكنة مختصة من الأفعال بالماضى ؛ نحو : «أبت هند الأذى» ؛ لأن الأمر مستغن عنها بالياء.

والمضارع مستغن عنها بتاء المضارعة إذا أسند إلى غائبة ، وكان حقها ألا تلحق الفعل ؛ لأن معناها فى الفاعل ، إلا أن الفاعل كجزء من الفعل ؛ فجاز أن يدل على معنى فيه ما اتصل بالفعل.

كما جاز أن يتصل بالفاعل علامة رفع الفعل فى : «تفعلان» و «تفعلون» و «تفعلين».

ولأن تأنيث لفظ الفاعل غير موثوق به ؛ لجواز أن يكون لفظا مؤنثا سمى به مذكر.

فاحتاطوا فى الدلالة على تأنيث الفاعل بوصل الفعل بالتاء المذكورة ؛ ليعلم من أول وهلة أن الفاعل مؤنث.

وجعلوا لحاقها لازما إذا كان التأنيث حقيقيا ؛ كتأنيث «امرأة» و «نعجة» وغيرهما من إناث الحيوان ، فيقال : «قامت المرأة» ، و «ثغت النّعجة».

وقد تحذف التاء لوجود فصل ، وإن كان التأنيث حقيقيّا ؛ كقول الشاعر : [من البسيط]

__________________

ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ، وللحارث بن ضرار فى شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ، ولنهشل ، وللحارث ، أو لضرار ، أو لمزرد بن ضرار ، أو للمهلهل فى المقاصد النحوية ٢ / ٤٥٤ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٥ ، ٧ / ٢٤ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٤٤٧ ، ٧٨٩ ، وأوضح المسالك ٢ / ٩٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٣٩ ، والخصائص ٢ / ٣٥٣ ، ٤٢٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧١ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والشعر والشعراء ص ١٠٥ ، ١٠٦ ، والكتاب ١ / ٣٦٦ ، ٣٩٨ ، ولسان العرب (طوح) ، والمحتسب ١ / ٢٣٠ ، ومغنى اللبيب ص ٦٢٠ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠.

٢٦٥

إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة

بعدى وبعدك فى الدّنيا لمغرور (١)

وقد يحذف بلا فصل مع كون التأنيث حقيقيا.

من ذلك ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب : «قال فلانة».

والتزموا لحاق التاء إن كان الفاعل مضمرا ، ولو كان مجازى التأنيث ؛ نحو : «الشّمس طلعت».

ولا يجوز : «الشّمس طلع» إلا فى الشعر ؛ كقوله : [من المتقارب]

فلا مزنة (٢) ودقت (٣) ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (٤)

ولا يجوز مثل هذا فى غير الشعر إلا عند ابن كيسان ، ويختار حذف التاء عند الفصل بـ «إلا» ، نحو : «ما قام إلا هند».

وإذا كان التأنيث مجازيّا ، ولم يكن الفاعل مضمرا ، ولا مفصولا بـ «إلا» ـ جاز حذف التاء وثبوتها ، لكن ثبوتها مع عدم فصل أحسن.

(ص)

والتّاء مع جمع سوى السّالم من

مذكّر كالتّاء مع إحدى اللّبن

ونحو (مسلمين) حتما ذكّرا

واجعل (بنين) مثل ما قد كسّرا

وفعل (هندات) ونحوه (٥) على

رأى كفعل (هند) فى التّاء يجعلا

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى الإنصاف ١ / ١٧٤ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨١ ، والخصائص ٢ / ٤١٤ ، والدرر ٦ / ٢٧١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٢٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٩٣ ، ولسان العرب (غرر) ، واللمع ص ١١٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٧٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٧١.

(٢) المزن : السحاب ، والقطعة مزنة. (مقاييس اللغة ـ مزن).

(٣) الودق : المطر. (مقاييس اللغة ـ ودق).

(٤) البيت لعامر بن جوين فى تخليص الشواهد ص ٤٨٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥ ، ٤٩ ، ٥٠ ، والدرر ٦ / ٢٦٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٩ ، ٤٦٠ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٤٣ ، والكتاب ٢ / ٤٦ ، ولسان العرب (أرض) ، (بقل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٤ ، وتاج العروس (ودق) ، (بقل) ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٣٥٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٠٨ ، وجواهر الأدب ص ١١٣ ، والخصائص ٢ / ٤١١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٤ ، والرد على النحاة ص ٩١ ، ورصف المبانى ص ١٦٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٥٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٩٤ ، ولسان العرب (خضب) ، والمحتسب ٢ / ١١٢ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٥٦ ، والمقرب ١ / ٣٠٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٧١.

(٥) فى أ: ونحوها.

٢٦٦

والحذف فى (نعم الفتاة) استحسنوا

لأنّ قصد الجنس فيه بيّن

وحيث قلت : (فعلت) ملتزما

فالتّاء فى مضارع قد حتما

وحيث جاز (فعلت) و (فعلا)

فالتّا أو اليا فى المضارع اجعلا

(ش) كل جمع سوى المذكر السالم يجوز تذكيره باعتبار الجمع ، وتأنيثه باعتبار الجماعة ؛ نحو : «قام الرّجال» ، و «قامت الرّجال».

ولم يعتبر التأنيث فى «مسلمين» ؛ لأن سلامة نظمه تدل على التذكير ، وأما «البنون» فإن نظم واحده متغير ؛ فجرى مجرى التكسير فيقال : «جاء البنون» ، و «جاءت البنون» كما يقال مع «الأبناء».

وبعض النحويين يلتزم تأنيث «هندات» ونحوه لسلامة نظم واحده ؛ فاستويا فى حكم التاء.

ومثل جمع التكسير فى ذا الحكم : ما دل على جمع ، ولا واحد له من لفظه كـ «نسوة».

ويعامل بهذه المعاملة ـ أعنى : فى ثبوت التاء وسقوطها ـ «نعم» و «بئس» مسندين إلى مؤنث ، وإن كان حقيقى التأنيث ؛ نحو : «نعمت المرأة فلانة» ، و «بئست المرأة فلانة».

لأن الجنس مقصود بفاعلى «نعم» و «بئس» على سبيل المبالغة فى المدح والذم ، فكان حكم التاء مع ما يسند منهما حكم التاء مع المسند إلى أسماء الأجناس المقصود بها الشمول.

وكل ما لزم فى الماضى المسند إليه «فعلت» لزم فى المضارع المسند إليه «تفعل».

فإن المقصود من التاءين الدلالة على تأنيث الفاعل ؛ فكل ما جاز أن يقال فى الماضى المسند إليه : «فعلت» بتاء و «فعل» بلا تاء ـ جاز أن يقال فى المضارع المسند إليه : «تفعل» بالتاء و «يفعل» بالياء.

فمثال ما لا يجوز فيه إلا وجه واحد : «قامت هند» ، و «تقوم جمل».

ومثال ما يجوز فيه الوجهان : «طلعت الشّمس» ، و «تهبّ الرّيح».

(ص)

وحذف فاعل ، وفعله ظهر

جوازه عن الكسائى اشتهر

٢٦٧

ولدليل حذفا معا بلا

خلف ، وكلّ سيرى مفصّلا

(ش) أجاز الكسائى ـ وحده ـ حذف الفاعل إذا دل عليه دليل ومنع غيره ذلك ؛ لأن كل موضع ادعى فيه الحذف فالإضمار فيه ممكن ، فلا ضرورة تحوج إلى الحذف.

فمن المواضع التى توهم الحذف : قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) [يوسف : ٣٥] وقوله ـ تعالى ـ : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) [إبراهيم : ٤٥]

وقول الشاعر : [من الطويل]

فإن كان لا يرضيك حتّى تردّنى

إلى قطرىّ لا إخالك راضيا (١)

فتقدير الأول : ثم بدا لهم البداء.

وتقدير الثانى : وتبين لكم العلم.

وتقدير الثالث : فإن كان لا يرضيك ما تشاهد منى. فهذا كله من إضمار ما دل عليه مقال أو حال.

وكذلك قولهم : «إذا كان غدا فإيتنى» ؛ أى : إذا كان غدا ما أنا عليه الآن فإيتنى.

والكسائى يرى أن هذا حذف.

وأما حذف الفعل وفاعله معا لدليل يدل عليهما ـ فلا خلاف فى جوازه وذلك كثير.

كقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) [البقرة : ١٣٥] أى : نتبع ملة إبراهيم.

وقوله ـ تعالى ـ : (بَلى قادِرِينَ) [القيامة : ٤] أى : بلى نجمعها قادرين. والله أعلم.

__________________

(١) البيت لسوار بن المضرب فى شرح التصريح ١ / ٢٧٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٥١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٩٠ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٧٩ ، والخصائص ٢ / ٤٣٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦٩ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والمحتسب ٢ / ١٩٢.

٢٦٨

باب النائب عن الفاعل

(ص)

ينوب عن فاعل المفعول به

فى كلّ ما له كـ (حيز المشتبه)

بشرط حذف فاعل وتهيئه

تكون فى الفعل بهذا منبئه

فالأوّل اضمم مطلقا وما يلى

آخره اكسر فى مضى كـ (ملى)

واجعله من مضارع مفتتحا

ك (ينتحى) المقول فيه (ينتحى)

والثّانى التّالى تا المطاوعه

كالأوّل اجعله بلا منازعه

وثالث الّذى بهمز الوصل

كالأوّل اجعلنّه كـ (استحلى)

(ش) قد يحذف الفاعل لكونه معلوما ، أو مجهولا ، أو عظيما ، أو حقيرا أو لغير ذلك.

فينوب عنه ـ فيما كان له من رفع ، واعتناء وغير ذلك ـ المفعول به مسندا إليه فعل مهيأ بهيئة تنبئ عن النيابة ، أو اسم فى معناها.

وتهيئة الفعل لذلك بضم أوله ـ مطلقا ـ وفتح ما قبل آخره إن كان مضارعا ، وبكسره إن كان ماضيا.

ويشترك فى الضم ثانى ما أوله تاء المطاوعة كـ «تعلّم العلم» و «تسربل القميص».

وثالث ما أوله همزة وصل كـ «انطلق بزيد» ، و «استمع الحديث» ، و «استخرج الشّيء» ، و «استحلى المشروب».

(ص)

واكسر أو اشمم فا ثلاثى أعلّ

عينا ، وضمّ جا كـ (بوع) فاحتمل

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لـ (باع) قد يرى لنحو : (حبّ)

وتلو ساكن (افتعلت) و (انفعل)

للكسر والإشمام والضّمّ محلّ

إن تعتلل عيناهما فـ (اعتيدا)

فى (اعتاد) قل و (انقاد) ردّ (انقيدا)

(ش) إذا قصد بناء الفعل الماضى لما لم يسم فاعله ، وهو ثلاثى معتل العين ـ كسر أوله ، ووليه ياء ساكنة ؛ كقولك فى «باع» و «قال» : «بيع» و «قيل» ، والأصل : بيع وقول.

فحركت الفاء بكسرة العين وسكنت تخفيفا ؛ فسلمت الياء لسكونها بعد حركة تجانسها.

٢٦٩

وانقلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة ، فصار اللفظ بما أصله الواو كاللفظ بما أصله الياء.

وكثير من العرب يشير إلى الضم مع التلفظ بالكسرة ، ولا يغير الياء وقد قرأ بهذه اللغة : نافع وابن عامر والكسائى فى بعض الأفعال ويسمى إشماما.

وبعض العرب يخلص ضمة الفاء ؛ فتنقلب الياء واوا لسكونها بعد ضمة ، وتسلم الواو لسكونها بعد حركة تجانسها ، مثال ذلك فى الياء قول الراجز أنشده الفراء : [من الرجز]

ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت (١)

ومثال ذلك فيما أصله واو فسلمت قول الراجز : [من الرجز]

حوكت (٢) على نيرين إذ تحاك

تختبط الشّوك ولا تشاك (٣)

وقد يعرض بالكسرة أو الضمة التباس فعل المفعول بفعل الفاعل ، فيجب حينئذ إخلاص الضمة ؛ نحو : «خفت» مقصودا به : «خشيت» ، والإشمام وإخلاص الكسرة فى «طلت» مقصودا به : «غلبت» ، فى المطاولة.

ويجوز فى فاء الثلاثى المضعف من الكسر والضم والإشمام ما جاز فى فاء الثلاثى المعتل العين ؛ نحو : «حبّ الشّىء» و «حبّ» ، ومن أشم أشمّ.

وقرأ بعض القراء (٤) : (هذه بضاعتنا ردّت إلينا) [يوسف : ٦٥] ـ بكسر الراء ـ

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧١ ، والدرر ٤ / ٢٦ ، ٦ / ٢٦٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨١٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢٤ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٩٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٥٥ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨١ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٣٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٨ ، ٢ / ١٦٥.

(٢) حاك الثوب حوكا : نسجه. (القاموس ـ حوك).

(٣) الرجز بلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٥٦ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٥ ، والدرر ٦ / ٢٦١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨١ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢٦ ، والمنصف ١ / ٢٥٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٦٥.

(٤) قرأ علقمة ويحيى والأعمش «ردت» بكسر الراء على نقل حركة الدال المدغمة إلى الراء بعد توهم خلوها من حركتها وهى لغة بنى ضبة على أن قطربا حكى عن العرب نقل حركة العين إلى الفاء فى الصحيح فيقولون : ضرب زيد. ينظر : الدر المصون (٤ / ١٩٥).

٢٧٠

وهذا معنى قولى :

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو : (حبّ)

فإن كان المعتل العين على «افتعل» كـ «اعتاد» ، أو على «انفعل» كـ «انقاد» ـ فعل بثالثه فى بنائه لما لم يسم فاعله ما فعل بأول «باع» و «قال».

ولفظ بهمزة الوصل على حسب اللفظ بما قبل حرف العلة ؛ كقولك فى «اعتاد» و «انقاد» : «اعتيد» و «انقيد».

(ص)

وناب مصدر وظرف صرّفا

وخصّصا عن فاعل قد حذفا

كذاك حرف الجرّ والمجرور

ك (سير بى) و (اليوم) و (المسير)

ولا ينوب بعض هذى إن وجد

فى اللّفظ مفعول به ، وقد يرد

كقول بعض الفصحاء منشدا

(لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا)

ومثل ذا أيضا (ليجزى قوما)

فاصدع بحقّ وتوقّ اللّوما

وعلما الكوفة مع أبى الحسن

فى الحكم فى اطّراد هذا حيث عن

(ش) لما ذكرت نيابة المفعول به عن الفاعل أخذت فى بيان ما يشاركه فى النيابة عنه وهو : المصدر ، والظرف المتصرفان المخصصان والجار والمجرور ؛ كقولك : «سير بى» ، و «سير اليوم» ، و «سير المسير».

واحترزت بالتصرف مما لا يتصرف من المصادر ؛ نحو : «معاذ الله» ، ومن الظروف ؛ نحو : «إذا».

واحترزت بالتخصيص من المبهم منهما ؛ نحو : «سرت سيرا ووقتا» فإن نيابتهما عن الفاعل لا تفيد ؛ إذ لا يحصل بذكرهما مزيد على ما فهم من الفعل.

بخلاف ما يكون مختصا ؛ نحو : «سرت سيرا شديدا ، ووقتا مباركا» فإن ذكرهما يبين معنى لا يفهم بمجرد ذكر الفعل ، فإسناده إليهما غير خال من فائدة.

وينبغى أن يفهم من الإشارة فى قولى :

كذاك حرف الجرّ والمجرور

 ...

أن الصالح للنيابة من حروف الجر هو ما لا يلزم وجها واحدا فى الاستعمال ؛ كـ «الباء» و «اللام» و «من» و «إلى» و «عن» و «على» و «فى». لا ما يلزم وجها واحدا كـ «منذ» و «ربّ» و «الكاف» وما خص بقسم ، أو استثناء.

٢٧١

ولا يجيز غير الأخفش من البصريين أن ينوب غير المفعول به وهو موجود.

وأجاز ذلك الأخفش والكوفيون ، ويؤيد مذهبهم قراءة أبى جعفر (١) : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤].

فأسند «ليجزى» إلى الجار والمجرور. ونصب «قوما» وهو مفعول به.

ومثل هذه القراءة قول الراجز : [من الرجز]

لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا

ولا شجا ذا الغى إلا ذو هدى (٢)

ومنه قول الآخر : [من الرجز]

ليس منيبا امرؤّ منبّه

للصّالحات متناس ذنبه

وإنّما يرضى المنيب ربّه

ما دام معنيّا بذكر قلبه (٣)

__________________

(١) قرأ ابن عامر والأخوان «لنجزى» بنون العظمة أى لنجزى نحن وباقى السبعة ليجزى بالياء من تحت مبنيا للفاعل أى ليجزى الله وأبو جعفر بخلاف عنه وشيبة وعاصم فى رواية كذلك إلا أنه مبنىّ للمفعول هذا مع نصب «قوما» وفى القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :

أحدها : ضمير المفعول الثانى عاد الضمير عليه لدلالة السياق تقديره : ليجزى هو أى الخير قوما والمفعول الثانى من باب أعطى يقوم مقام الفاعل بلا خلاف ونظيره : الدرهم أعطى زيدا.

الثانى : أنّ القائم مقامه ضمير المصدر المدلول عليه بالفعل أى ليجزى الجزاء. وفيه نظر لأنه لا يترك المفعول به ويقام المصدر لا سيّما مع عدم التصريح به.

الثالث : أنّ القائم مقامه الجار والمجرور وفيه حجّة للأخفش والكوفيين حيث يجيزون نيابة غير المفعول به مع وجوده وأنشدوا :

 ...

لسبّ بذلك الجرو الكلابا

لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا

 ...

والبصريون لا يجيزونه. ينظر : الدر المصون (٦ / ١٢٧ ، ١٢٨).

وفى ط : قراءة بعض القراء.

(٢) الرجز لرؤية فى ملحق ديوانه ص ١٧٣ ، والدرر ٢ / ٢٩٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٥٠ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨٤ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٥٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٢.

(٣) الرجز بلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٤٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩١ ، وشرح قطر الندى ص ١٨٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥١٩.

٢٧٢

(ص)

وباتّفاق قد ينوب الثّان من

باب (كسا) فيما التباسه أمن

فى باب (ظنّ) و (أرى) المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا المعنى ظهر

وقول قوم قد ينوب خبر

من باب (كان) مفرد لا ينصر

وناب تمييز لدى الكسائى

لشاهد عن القياس نائى

(ش) نيابة المفعول الأول من كل باب جائزة بلا خلاف ؛ وكذا نيابة الثانى من باب «كسا».

وأما نيابة الثانى من باب «ظنّ» فأكثر النحويين يمنعها ، والصحيح إجازة ذلك إذا أمن اللبس.

وكذلك الثانى من باب «أعلم».

وحكى ابن السراج (١) أن قوما يجيزون نيابة خبر «كان» المفرد.

وهو فاسد ؛ لعدم الفائدة ، ولاستلزامه إخبارا عن غير مذكور ، ولا مقدر.

وحكى الكسائى : «خذه مطيوبة به نفس» ، و «الموجوع رأسه ، والمسفوه رأيه».

وأجاز فى «امتلأت الدّار رجالا» : «امتلئ رجال».

(ص)

وما سوى النّائب ممّا علّقا

بالرّافع النّصب له محقّقا

ك (أعلم النّعمان بشرا محرما)

و (أعطى المكسوّ ثوبا درهما)

ورفع مفعول به لا يلتبس

مع نصب فاعل رووا فلا تقس

__________________

(١) قال ابن السراج : وقد أجاز قوم فى (كان زيد قائما) أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله ، فيقولون : «كين قائم».

قال أبو بكر : وهذا عندى لا يجوز من قبل أن (كان) فعل غير حقيقى ، وإنما يدخل على المبتدأ والخبر ، فالفاعل فيه غير فاعل فى الحقيقة ، والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول يقوم مقام الفاعل ؛ لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شىء واحد ؛ لأن الثانى هو الأول فى المعنى. ينظر : الأصول فى النحو : ١ / ٨١.

وابن السراج هو محمد بن السرى البغدادى النحوى أبو بكر بن السراج ، كان من أصحاب المبرد ، وكان المبرد يقربه فقرأ عليه كتاب سيبويه ، وعوّل على مسائل الأخفش والكوفيين ، وخالف أصول البصريين فى مسائل كثيرة ، ويقال : ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله. من تصانيفه : الأصول الكبير ، الموجز ، شرح سيبويه ، الاشتقاق ، احتجاج القراءة ، الشعر والشعراء ، الجمل ، وغيرها. توفى سنة (٣١٦ ه‍).

ينظر : بغية الوعاة (٢ / ١٠٩ ـ ١١٠) ، إنباه الرواة (٣ / ١٤٧).

٢٧٣

(ش) كما لا يكون للفعل إلا فاعل واحد ، كذلك لا ينوب عن الفاعل إلا شىء واحد إما ظاهر ، وإما مضمر.

وما سواه مما يتعلق بالرافع ـ فمنصوب لفظا ، إن لم يكن جارا ومجرورا ، وإن يكنه فمنصوب محلا.

وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر ؛ كقولهم : «خرق الثّوب المسمار».

ومنه قول الأخطل : [من البسيط]

مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوآتهم هجر (١)

* * *

__________________

(١) البيت فى ديوانه ص ١٧٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٤٧ ، والدرر ٣ / ٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٧٢ ، ولسان العرب (نجر) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٧ ، وأمالى المرتضى ١ / ٤٦٦ ، ورصف المبانى ص ٣٩٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٦ ، والمحتسب ٢ / ١١٨ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٩٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٥.

٢٧٤

باب اشتغال العامل عن المعمول

(ص)

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه بنصب لفظه أو المحل

فالسّابق انصبه بفعل أضمرا

حتما موافقا لما قد أظهرا

والنّصب حتم إن تلا السّابق ما

يختصّ بالفعل كـ (إن) و (حيثما)

(ش) حاصل ما فى هذه الأبيات : أنه إذا تقدم اسم على فعل صالح لنصبه لفظا ، أو محلا وشغل الفعل عن عمله فيه بعمله فى ضميره ـ فذلك الاسم السابق ينصب بفعل لا يظهر موافق للمشغول معنى.

والنصب لازم بعد ما يختص بالأفعال ؛ نحو : «إن زيدا لقيته فاضربه» ، و «حيثما عمرا لقيته فأهنه».

(ص)

وإن تلا السّابق ما بالابتدا

يختصّ فالرّفع التزمه أبدا

كذا إذا الفعل تلا ما لا يرد

ما قبل معمولا لما بعد وجد

(ش) حاصل ما أشير إليه هنا : الإعلام بما يمنع من نصب الاسم الذى شغل عنه الفعل بضميره.

والمانع من ذلك شيئان :

أحدهما : أن يتقدم على الاسم ما هو مختص بالابتداء كـ «إذا» المفاجأة ، و «ليتما» كقولك : «أتيت فإذا زيد يضربه عمرو» ، و «ليتما بشر زرته».

فلو نصبت «زيدا» أو «بشرا» لم يجز ؛ لأن «إذا» المفاجأة لا يليها فعل ولا معمول فعل ظاهر ولا مضمر ؛ وإنما يليها مبتدأ أو خبر مبتدإ ، أو «أنّ» المفتوحة مؤولة بمبتدأ أو «إنّ» المكسورة.

لأن الكلام معا بمنزلة مبتدأ وخبر ، فلو نصب الاسم المذكور بعدها لكانت الجملة التى وليتها فعلية ، وذلك مخالف لاستعمال العرب.

وقد غفل عن هذا كثير من النحاة ؛ فأجاز النصب فى نحو : «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» ولا سبيل إلى جوازه.

وكذلك «ليت» المقرونة بـ «ما» لا يليها فعل ، ولا مفعول فعل ؛ لأن «ما» حين

٢٧٥

قرنت بها لم تزل اختصاصها بالأسماء ؛ فلذا ساغ فيها ـ وحدها ـ الإعمال وترك الإعمال. وقد بينت ذلك فى باب «إنّ».

فإعمالها لبقاء اختصاصها ، وترك إعمالها إلحاق بأخواتها.

فلو نصب الاسم المذكور بعدها بفعل مضمر لكان ذلك تركا لاختصاصها بالأسماء.

وهو خلاف كلام العرب.

والثانى من مانعى النصب : أن يكون بين الاسم والفعل أحد الأشياء التى لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ؛ كالاستفهام ، و «ما» النافية ، ولام الابتداء ، وأدوات الشرط كقولك : «زيد هل رأيته؟» ، و «عمرو متى لقيته؟» ، و «خالد ما صحبته» ، و «بشر لأحبّه» ، و «الحقّ إن ألفته أفلحت».

فالرفع بالابتداء متعين فى «زيد» و «عمرو» و «خالد» و «بشر» و «الحقّ» ؛ لتقدمها على الاستفهام و «ما» النافية ، ولام الابتداء وأداة الشرط.

وجميعها لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وما لا يعمل لا يفسر عاملا ؛ لأن المفسر فى هذا الباب بدل من اللفظ بالمفسر.

(ص)

وتلو الاستفهام لا بالهمز

كتلو (إن) فى الحكم دون فرز

فـ (أين خالدا تراه)؟ مثل (إن

زيدا دعوته يعن ولا يهن)

(ش) قد تقدم أن «إن» مما يختص بالفعل.

وأن نصب الاسم بعدها وبعد غيرها من المختصات بالفعل لازم ؛ فلذلك أحلت هنا محل «إن».

فبينت أن ما يتلو استفهاما بغير الهمزة كالذى يتلو «إن» فى لزوم النصب.

فإذا قلت : «متى زيدا لقيته؟» ، أو «عمرا حدّثته؟» ، و «أين بكرا فارقته؟» ـ تعين النصب.

فلو كان الاستفهام بالهمزة ؛ كقولك : «أزيدا رأيته؟» ـ لم يتعين النصب لكنه يكون مختارا ، هذا هو الصحيح.

ومن حكم بتسوية الهمزة بغيرها فقد خالف سيبويه (١) ، وإن زعم أنه موافقه.

__________________

(١) ... لأن الألف قد يبتدأ بعدها الاسم ... إلخ. ينظر : الكتاب (١ / ١٠١).

٢٧٦

(ص)

واختير نصب قبل فعل ذى طلب

وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم فاعطفن مخيّرا

بغير ترجيح كـ (زيد اقترب

وعمرو او عمرا أراه ذا طرب)

والرّفع فى غير الّذى مرّ رجح

فما أبيح افعل ودع ما لم يبح

(ش) للنصب أسباب يترجح بها على الرفع فى ذا الباب :

منها : أن يكون الفعل المشغول بضمير الاسم السابق فعل أمر ، أو دعاء ، أو نهى ؛ نحو : «زيدا أكرمه» ، و «يا الله ذنوبنا اغفرها ، وآمالنا لا تخيّبها».

ومن مرجحات النصب أن يتقدم على الاسم ما الغالب أن يليه فعل ؛ كالنفى بـ «ما» و «لا» و «إن» ، وكالاستفهام بالهمزة ، وك «حيث» المجردة من «ما»

وإنما خصصت من النوافى «ما» و «لا» و «إن» ؛ لأن غيرها من النوافى هى «لم» و «لمّا» و «لن» وهى مختصة بالأفعال ، فإن اضطر شاعر لأن يولى شيئا منها الاسم المذكور كان حكمه مع ما وليه منها حكمه بعد «إن».

وخصصت الاستفهام بالهمزة ؛ لأن الاستفهام بغيرها قرينة موجبة للنصب مانعة من الرفع. وقد ذكرت ذلك فيما مضى.

ومن مرجحات النصب تقدم «حيث» مجردة من «ما» ؛ نحو : «حيث زيدا تلقاه فأكرمه» لأنها تشبه أدوات الشرط فلا يليها فى الغالب إلا فعل.

وإن اقترنت بـ «ما» صارت أداة شرط واختصت بالفعل.

ومن الأسباب المرجحة للنصب أن يلى الاسم عاطفا قبله معمول فعل ، منصوبا كان المعمول أو غير منصوب ؛ نحو : «قام زيد وعمرا ضربته» ، و «لقيت بشرا ، وخالدا كلّمته».

وإنما رجح النصب هنا ، لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية ، والرافع عاطف جملة اسمية على جملة فعلية ، وتشاكل الجملتين المعطوف إحداهما على الأخرى أحسن من تخالفهما. فإن كان الفعل الذى فى الجملة الأولى خبر مبتدأ سميت : «ذات وجهين» ؛ لأنها من قبل تصديرها بالمبتدأ اسمية.

٢٧٧

ومن قبل كونها مختومة بفعل ومعموله فعلية.

ففى الاسم بعدها النصب والرفع دون ترجيح ؛ لأن فى كل منهما مشاكلة.

فإذا قلت : «زيد اقترب ، وعمرو ألقاه» ـ بالرفع ـ تكون عاطفا مبتدأ وخبرا على مبتدأ وخبر.

وإذا قلت : «وعمرا ألقاه» ـ بالنصب ـ يكون فى اللفظ بمنزلة من عطف جملة فعلية على جملة فعلية ؛ لأن قبل الواو «اقترب» وهو فعل مسند إلى ضمير عائد على «زيد» ، وبعدها «ألقى» مضمرا واقعا على «عمرو» ، فالواو مكتنفة بجملتين فعليتين فى النصب ، وبجملتين ابتدائيتين فى الرفع.

فحاصل ما تقدم أربعة أقسام :

ـ قسم يجب فيه النصب.

ـ وقسم يجب فيه الرفع.

ـ وقسم يختار فيه النصب.

ـ وقسم يستوى فيه الرفع والنصب.

وبقى قسم خامس يترجح فيه الرفع وذلك نحو : «زيد لقيته» ؛ لأنه ليس معه موجب النصب كما مع : «إن زيدا رأيته فاضربه» ، وليس معه موجب الرفع كما مع : «أتيت فإذا زيد يضربه عمرو» ، وليس معه مرجح النصب كما مع : «أزيدا لقيته؟» ، وليس معه سبب يسوى النصب والرفع كما مع : «زيد اقترب وعمرا أراه» (١).

(ص)

وفصل مشغول بحرف جرّ او

إضافة كوصله فيما رأوا

تقول : (زيدا عج به) و (عمرا

أكرم أخاه ، وارع فيه الإصرا)

وعلقة قد حصلت بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع

ف (زيدا احترم فتى أحبّه)

كمثل : (زيدا احترم محبّه)

(ش) الأقسام الخمسة المتقدمة مع فعل يباشر الضمير جارية مع ما منع من مباشرته حرف جر ، أو إضافة.

فمثل «إن زيدا رأيته» : «إن زيدا مررت به ، أو رأيت أخاه»

ومثل «أزيدا لقيته؟» : «أزيدا مررت به ، أو لقيت أباه؟» ، وكذلك البواقى.

__________________

(١) فى أ: وعمرا ألقاه.

٢٧٨

وإذا كان لفظ الفعل أجنبيا ، وله تابع سببى ـ فالحكم معه كالحكم مع السببى المحض.

فمثال الأجنبى المتبوع بسببى : «زيدا احترم فتى أحبّه» ، و «عمرا أكرم بشرا وأخاه».

ومثال السببى المحض : «زيدا احترم محبّه» ، و «الصّديق احفظ ودّه». فإلى مثل هذا الإشارة بقولى :

وعلقة قد حصلت بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع

(ص)

وسوّ فى ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل إن لم يك مانع حصل

فل (أزيدا أنت مبتغيه)

ما لـ (أزيدا أنت تبتغيه)

(ش) ذو العمل يخرج اسم الفاعل بمعنى المضى ؛ لأنه وصف لا يعمل. وقولى :

 ...

 ... إن لم يك مانع حصل

يخرج الواقع صلة نحو : «أزيدا أنت المكرمه» فإن الألف واللام موصولة بـ «مكرم» ، والصلة لا تعمل فيما قبل الموصول ، ولا تفسر عاملا فيه.

فلو لم تذكر الألف واللام جاز أن ينتصب «زيد» كما كان ينتصب قبل الفعل فتقول : «أزيدا أنت مكرمه» ؛ كما تقول : «أزيدا أنت تكرمه»

ولهذا قلت :

فل (أزيدا أنت مبتغيه)

ما لـ (أزيدا أنت تبتغيه)

(ص)

وإن يك المشغول رافعا فما

لناصب بمثله له احكما

ففاعل فى نحو (إن زيد سرى)

(زيد) بفعل مضمر لن يظهرا

وقس على بقيّة المسائل

مستحضرا جواب كلّ سائل

(ش) المشغول : هو الفعل العامل فى ضمير الاسم السابق ، أو فيما يلابس ضميره.

فإن كان رافعا نحو : «إن زيد سرى» فسر فعلا يوافقه فى المعنى ، رافعا للاسم السابق ، كما فسر الناصب ناصبا.

وينقسم الرفع على هذا الوجه إلى واجب وغيره ، كما انقسم النصب بالأسباب المذكورة.

٢٧٩

(ص)

ورافعا مطاوعا لما نصب

قد يضمرون ورووا عن العرب

(لا تجزعى (١) إن منفسا أهلكته)

بالنّصب ، والرّفع معا رويته

ونحو : (زيد غيب عنه) لا تحد

عن رفعه ، والنّصب رأى ما حمد

(ش) أى فعلين دل أحدهما على تأثير ، ودل الآخر على القبول لذلك التأثير ـ فالأول مطاوع ، والثانى مطاوع ؛ نحو : «كسرته فانكسر» ، و «أهلكته فهلك» ، و «نفعته فانتفع».

فإذا كان الفعل المشغول مطاوعا جاز أن يفسر به مطاوعه رافعا للاسم السابق ، ومنه قول لبيد : [من الطويل]

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل (٢)

ف «أنت» فاعل فعل مطاوع لـ «ينفعك» تقديره : فإن لم تنتفع بعلمك لم ينفعك علمك.

ولو أضمر الموافق هنا لقيل : فإن إياك لم ينفعك علمك.

وروى «منفس» من قول الشاعر : [من الكامل]

لا تجزعى إن منفسا أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى (٣)

بالنصب على إضمار الموافق.

__________________

(١) الجزع : الحزن. (الوسيط ـ جزع).

(٢) البيت فى ديوانه ص ٢٥٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٤ ، والدرر ١ / ٢٠٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨٨ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٥١ ، والمعانى الكبير ص ١٢١١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٨ ، ٢٩١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٤ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ١٨٨ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٣.

(٣) البيت للنمر بن تولب فى ديوانه ص ٧٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣١٤ ، ٣٢١ ، ١١ / ٣٦ ، وسمط الآلى ص ٤٦٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٠ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٧٢ ، ٢ / ٨٢٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٨ ، والكتاب ١ / ١٣٤ ، ولسان العرب (نفس) ، (خلل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٣٥ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٢٤٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٥١ ، والجنى الدانى ص ٧٢ ، وجواهر الأدب ص ٦٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٢ ، ٩ / ٤١ ، ٤٣ ، ٤٤ ، والرد على النحاة ص ١١٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٦٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٥ ، ولسان العرب (عمر) ، ومغنى اللبيب ١ / ١٦٦ ، ٤٠٣ ، والمقتضب ٢ / ٧٦.

٢٨٠