شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإنّ قومى لم تأكلهم الضّبع (١)

وقال آخر : [من البسيط]

أمّا أقمت وأمّا أنت مرتحلا

فالله يكلأ (٢) ما تأتى وما تذر (٣)

التقدير :

لأن كنت ذا نفر ، ولأن كنت مرتحلا.

وفى الحديث : «المرء مجزى بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ (٤).

وفيه أربعة أوجه ، هذا أجودها.

وتقديره : إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير.

وعكسه أضعف الوجوه ؛ وتقديره : إن كان فى عمله خير ، فيكون جزاؤه خيرا.

والوجه الثالث ، والرابع : نصبهما ورفعهما.

وتقدير نصبهما : إن كان عمله خيرا فيكون جزاؤه خيرا.

__________________

(١) الضبع : وهى معروفة ، ... ثم يستعار ذلك فتشبه السنة المجدبة به (مقاييس اللغة ـ ضبع).

والبيت فى ديوانه ص ١٢٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١١٣ ، والاشتقاق ص ٣١٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣ ، ١٤ ، ١٧ ، ٢٠٠ ، ٥ / ٤٤٥ ، ٦ / ٥٣٢ ، ١١ / ٦٢ ، والدرر ٢ / ٩١ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٤٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٧٩ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١١٦ ، ١٧٩ ، وشرح قطر الندى ص ١٤٠ ، ولجرير فى ديوانه ١ / ٣٤٩ ، والخصائص ٢ / ٣٨١ ، وشرح المفصل ٢ / ٩٩ ، ٨ / ١٣٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٤١ ، والكتاب ١ / ٢٩٣ ، ولسان العرب (خرش) ، ٨ / ٢١٧ (ضبع) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٥ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٤٧ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٤١١ ، ٤٤٢ ، والإنصاف ١ / ٧١ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٦٥ ، وتاج العروس (ما) ، وتخليص الشواهد ص ٢٦٠ ، والجنى الدانى ص ٥٢٨ ، وجواهر الأدب ١٩٨ ، ٤١٦ ، ٤٢١ ، ورصف المبانى ص ٩٩ ، ١٠١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١١٩ ، وشرح ابن عقيل ص ١٤٩ ، ولسان العرب (أما) ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٥ ، والمنصف ٣ / ١١٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣.

(٢) الكلاءة : الحفظ. (مقاييس اللغة ـ كلأ).

(٣) البيت بلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٤١٠ ، ٤١١ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٩ ، ٢٠ / ٢١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١١٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٩٨ ، ولسان العرب (أما) ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٧.

(٤) الحديث مذكور فى مجمع الأمثال (٢ / ٢٦٨) ، والكتاب (١ / ١٣٠ ، ٤٥٨ ، ٤٧٤) بلفظ «الناس مجزيون بأعمالهم» والحديث ذكره (الملا على القارى) فى «الأسرار المرفوعة» رقم (٩٩٥) وقال : «عزاه السخاوى إلى النحويين» ونقل أن السيوطى قال فى «درره» : «ذكره ابن جرير فى «تفسيره» عن ابن عباس موقوفا».

١٨١

وتقدير رفعهما : إن كان فى عمله خير فجزاؤه خير.

وأما قول الراجز : [من الرجز]

أو ثلّة من غنم إمّا لا (١)

فتقديره : إن كنت لا تجدين غيرها ؛ وكذا قول العرب : «افعل ذلك إمّا لا» تقديره : إن كنت لا تفعل غيره.

(ص)

واقرن إذا شئت بـ (إلا) بعد ما

ينفى جوازا خبرا قد سلما

من كونه لا يقبل الإيجابا

نحو (يعيج) فاعرف الأسبابا

وفه إذا أوجبت ما (ليس) نفى

كمثل : (ليس الحرّ إلا من وفى)

ونحو : (لم يزل) ينافى ذاكا

فاستعمل التّأويل إن أتاكا

و (يك) فى (يكن) أجز ما لم تصل

بساكن والحذف نزرا قد نقل

(ش) إذا دخل على غير «زال» وأخواتها من أفعال هذا الباب ناف ـ فالمنفى هو الخبر نحو : «ما كان زيد عالما».

فإن قصد الإيجاب قرن الخبر بـ «إلا» نحو : «ما كان زيد إلا جاهلا».

فإن كان الخبر من الكلمات الملازمة للنفى نحو : «يعيج» لم يجز أن يقرن بـ «إلا» ، فلا يقال فى : «ما كان زيد يعيج بدواء» : «ما كان زيد إلا يعيج» ؛ لأن «يعيج» من الكلمات التى تلازم النفى ؛ ومعنى «يعيج» : ينتفع.

وحكم «ليس» حكم «ما كان» فى كل ما ذكرناه.

وأما «زال» وأخواتها فنفيها إيجاب ، فلا يقترن خبرها بـ «إلا» كما لا يقترن بها خبر «كان» الخالية من نفى ؛ لتساويهما فى اقتضاء ثبوت الخبر.

وما أوهم خلاف ذلك فمؤول ؛ كقول الشاعر : [من الطويل]

حراجيج (٢) ما تنفكّ إلا مناخة

على الخسف (٣) أو نرمى بها بلدا قفرا (٤)

__________________

(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (مرع) ، وتخليص الشواهد ص ٣٨١ ، والدرر ٢ / ٩٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٢.

(٢) الحراجيج : جمع حرجوج : الناقة الجسيمة الطويلة على وجه الأرض ، وقيل : الشديدة ، وقيل : هى الضامرة. (اللسان ـ حرج).

(٣) يقال : بات على الخسف : إذا بات جائعا. (مقاييس اللغة ـ خسف).

(٤) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ١٤١٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٧٠ ، وخزانة الأدب ـ

١٨٢

أى : ما تنفصل عن الإتعاب إلا فى حال إناختها على الخسف إلى أن نرمى بها بلدا قفرا.

فـ «تنفكّ» هنا تامة لا ناقصة ، ويجوز أن تكون الناقصة ، وخبرها «على الخسف».

و «مناخة» منصوب على الحال فيكون التقدير :

لا تنفك على الخسف ، أو نرمى بها بلدا قفرا إلا فى حال إناختها.

وإلى هذا الإشارة بقولى :

 ...

فاستعمل التّأويل إن أتاكا

ثم بينت اختصاص «كان» فى حال الجزم بسقوط نونها ؛ فإن ذلك جائز فيها لكثرة استعمالها ؛ وذلك نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل : ١٢٧]

فإن وصلت بساكن ردت نونها كقوله ـ تعالى ـ : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [البينة : ١]

ولا يجيز سيبويه سقوط النون عند ملاقاة ساكن.

وقد أجازه يونس ، وهو قليل ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

فإن لم تك المرآة أبدت وسامة

فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم (١)

(ص)

والخبر المنفى ـ غالبا ـ يجرّ

ك (لست بابنى حيث لم تكن ببرّ)

وذكر (إلا) مانع كـ (ليس ذا

إلا امرؤ لم يخل من كفّ الأذى)

(ش) الخبر المنفى : يعم خبر «ليس» وخبر «ما» الحجازية ، وخبر «كان» وأخواتها إذا دخل عليها نفى.

__________________

ـ ٩ / ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢١٩ ، والكتاب ٣ / ٤٨ ، ولسان العرب (فكك) ، والمحتسب ١ / ٣٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٠ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٤٢ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٣ ، والإنصاف ١ / ١٥٦ ، والجنى الدانى ص ٥٢١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢١ ، ومغنى اللبيب ١ / ٧٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٠.

(١) البيت للخنجر بن صخر الأسدى فى خزانة الأدب ٩ / ٣٠٤ ، والدرر ٢ / ٩٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٤٢ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٦ ، ولسان العرب (كون) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٦٣ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٢٦٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٦٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٠.

١٨٣

ولا يدخل فى ذلك خبر «ما زال» وأخواتها ؛ لأن نفيها أوجب ثبوت أخبارها.

فدخول الباء بعد «ليس» و «ما» كثير.

وأما دخولها بعد «كان» المنفية فكقول الشنفرى : [من الطويل]

وإن مدّت الأيدى إلى الزّاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (١)

وقد دخلت ـ أيضا ـ على ثانى المفعولين فى باب «ظنّ» لكونه منفيّا كقول الشاعر : [من الطويل]

دعانى أخى والخيل بينى وبينه

فلمّا دعانى لم يجدنى بقعدد (٢)

فإن انتقض النفى بـ «إلا» امتنعت الباء نحو : «ليس زيد إلا قائما».

(ص)

ومبطل (إلا) لدى تميم

إعمال (ليس) فارو ذا تتميم

يقال : (ليس البرّ إلا ذو التّقى)

والنّصب مختار فكن محقّقا

(ش) حكى أبو محمد بن السيد : أن أبا عمرو بن العلاء أخبر : أن بنى تميم يقولون : «ليس الطّيب إلا المسك» ـ بالرفع ـ وأن تكلمهم بذاك وأمثاله ذائع.

وقد أشار سيبويه إلى أن من العرب من يجرى «ليس» مجرى «ما» فى (باب حروف أجريت مجرى حروف الاستفهام). فقال فى ذلك الباب :

وقد زعم (٣) بعضهم أن «ليس» يجعل كـ «ما» وذلك قليل ؛ يجوز أن يكون منه :

__________________

(١) البيت فى ديوانه ص ٥٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٤٠ ، والدرر ٢ / ١٢٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٩٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١١٧ ، ٤ / ٥١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٤ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٥ ، والجنى الدانى ص ٥٤ ، وجواهر الأدب ص ٥٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٣ ، وشرح ابن عقيل ص ١٥٧ ، وشرح قطر الندى ص ١٨٨ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٧.

(٢) البيت لدريد بن الصمة فى ديوانه ص ٤٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٦ ، وجمهرة أشعار العرب ١ / ٥٩٠ ، والدرر ٢ / ١٢٥ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، ولسان العرب (قعد) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٢١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٢٩٩ ، وجواهر الأدب ص ٥٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٧.

(٣) (زعم) قال الإمام الواحدى المفسر ـ رحمه‌الله تعالى ـ فى قول الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) قال الزعم والزعم لغتان وأكثر ما يستعمل بمعنى القول فيما لا يتحقق قال ابن المظفر أهل العربية يقولون زعم فلان إذا شك فيه ولم يدر لعله كذب أو باطل. وعن الأصمعى الزعم الكذب. وقال شريح زعموا كنية الكذب وقال ثعلب عن ـ

١٨٤

«ليس خلق الله أشعر منه» و «ليس قالها زيد».

(ص)

وما على المجرور بالبا نسقا

فانصب وإن تجرره فهو المنتقى

وحيث يتلو سببى ما عطف

فزد مع الوجهين رفع المنعطف

ك (ليس عامر بمستهام

ولا ملمّ قلبه بذام)

وربّما قدرت البا فولى

معطوف الّذ مع لفظها يلي

وقبل أجنبى ارفع بعد (ما)

وبعد (ليس) مطلقا فيه احكما

من بعد با كـ (لست بالوانى ولا

غمرا أنا) والجرّ عمرو حظلا

(ش) المعطوف على الخبر المجرور بالباء الزائدة التى تقدم ذكرها ـ يجوز جره حملا على اللفظ وهو المختار ، ويجوز نصبه على المحل ، فيقال : «ليس زيد بقائم ، ولا نائم ، ولا نائما».

فإن تلا المعطوف سببى ؛ أى : ملابس لضمير المخبر عنه ـ جاز فيه مع الوجهين : الرفع على أن يكون خبرا مقدما ، وما بعده مبتدأ نحو : «ما زيد قائما ، ولا نائما أبوه» ، ومثله : [من الرجز]

(... ليس عامر بمستهام

ولا ملمّ قلبه بذام)

يجوز جر «ملمّ» ، ونصبه ، ورفعه.

فلو كان المعطوف عليه منصوبا لجاز فى المعطوف عليه ما جاز فى [المعطوف على] (١) المجرور.

أما غير الجر فظاهر.

وأما الجر فعلى تقدير وجود الباء ، ومنه قول زهير : [من الطويل]

__________________

ـ ابن الأعرابى الزعم القول يكون حقا ويكون باطلا وأنشد فى الزعم الذى هو حق لأمية بن أبى الصلت :

وإنى أذين لكم أنه

سينجزكم ربكم ما زعم

ومثل ذلك قال شمر وأنشد للجعدى ـ رضى الله عنه ـ فى الزعم الذى هو حق يذكر نوحا ـ عليه الصلاة والسّلام ـ :

نودى قم واركبن بأهلك

إن الله موف للناس ما زعما

وهذا بمعنى التحقيق. ينظر تهذيب الأسماء واللغات (١ / ١٣٤).

(١) سقط فى أ.

١٨٥

بدا لى أنّى لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (١)

يروى بجر «سابق» ونصبه. وأمثاله كثيرة.

ولو كان بعد ما يلى العاطف مخبر عنه أجنبى ، جاز جعله مبتدأ مقدم الخبر.

واسما لـ «ليس» والخبر : ما يلى العاطف ، والجملة معطوفة على الجملة.

ويجوز جر الخبر الثانى إذا جر الأول عند الأخفش (٢) ، لا عند سيبويه (٣).

والقول فى ذلك قول الأخفش ؛ لاستعمال العرب إياه كقول الشاعر : [من الطويل]

وليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكر أن تعقّرا (٤)

فإن كان العامل «ما» تعين جعل الأجنبى ، وما قبله مبتدأ وخبرا.

باب (ما) و (لا) و (إن) المشبهات بـ (ليس)

(ص)

أهل الحجاز ألحقوا بـ (ليس) (ما)

إن عدمت (إلا) و (إن) وقدّما

ذو خبر ، وإن تؤخّره بطل

إعمال (ما) ، كذاك يبطل العمل

بكون الاسم بعد معمول الخبر

وبعد ظرف أبقه ، أو حرف جرّ

(ش) ألحق أهل الحجاز «ما» النافية بـ (ليس) فى العمل ، فجعلوا لها اسما

__________________

(١) البيت فى ديوانه ص ٢٨٧ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٢ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٩٢ ، ٤٩٦ ، ٥٥٢ ، ٩ / ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١٠٤ ، والدرر ٦ / ١٦٣ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٨٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٢ ، ٧ / ٥٦ ، والكتاب ١ / ١٦٥ ، ٣ / ٢٩ ، ٥١ ، ١٠٠ ، ٤ / ١٦٠ ، ولسان العرب (نمش) ، ومغنى اللبيب ١ / ٩٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٦٧ ، ٣ / ٣٥١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤١ ، ولصرمة الأنصارى فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٧٢ ، والكتاب ١ / ٣٠٦ ، ولصرمة أو لزهير فى الإنصاف ١ / ١٩١ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٥٤ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٧ ، وجواهر الأدب ص ٥٢ ، وخزانة الأدب ١ / ١٢٠ ، ٤ / ١٣٥ ، ١٠ / ٢٩٣ ، ٣١٥ ، والخصائص ٢ / ٣٥٣ ، ٤٢٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٩ ، والكتاب ٢ / ١٥٥.

(٢) قال المبرد : وأما الخفض فيمتنع ؛ لأنك تعطف بحرف واحد على عاملين ، وهما : الباء وليس ، فكأنك قلت : زيد فى الدار ، والحجرة عمرو ، فتعطف على (فى) والمبتدأ ، وكان أبو الحسن الأخفش يجيزه.

ينظر : المقتضب : ٤ / ١٩٥.

(٣) ينظر : الكتاب (١ / ٦٤).

(٤) البيت للنابغة الجعدى فى ديوانه ص ٥٠ ، وأمالى المرتضى ١ / ٢٦٨ ، وجمهرة أشعار العرب ٢ / ٧٨٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٤١ ، والكتاب ١ / ٦٤ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٧ / ١٨١ ، والمقتضب ٤ / ١٩٤ ، ٢٠٠.

١٨٦

مرفوعا ، وخبرا منصوبا ، وبلغتهم نزل القرآن ، قال الله ـ تعالى ـ : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] وقال ـ تعالى ـ : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢] وشرط فى إلحاقها بـ «ليس» أربعة شروط :

أحدها : بقاء النفى ، فلا عمل لها عند زواله ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران : ١٤٤] والثانى : عدم «إن» ، فلا عمل لها عند وجودها ؛ كقول الشاعر : [من البسيط]

بنى غدانة ما إن أنتم ذهب

ولا صريف (١) ، ولكن أنتم خزف (٢)

والثالث : تأخر الخبر ، فلا عمل لها ـ غالبا ـ عند تقدمه كقولك : «ما قائم زيد».

والرابع : عدم تقدّيم معمول الخبر ، فلا عمل لها إذا تقدم ، ولم يكن ظرفا ، ولا جارّا ومجرورا كقولك : «ما طعامك زيد آكل».

فلو كان المعمول ظرفا ، أو جارّا ومجرورا لم يبال بتقدمه نحو قولك : «ما عندك زيد مقيما».

(ص)

ورفع (ما بها زيد) بـ (ما)

وموضع المجرور نصب زعما

وذاك فيه نظر ، والمنعطف

هنا على المنصوب إن بـ (بل) عطف

أو (لكن) ارفعه ، ونصب ربّما

جاء هنا فى خبر تقدّما

(ش) من النحويين من يرى بقاء عمل «ما» إذا تقدم خبرها وكان ظرفا أو جارّا ومجرورا ؛ وهو اختيار أبى الحسن بن عصفور ، فإلى هذا المذهب أشرت بقولى :

ورفع (ما بها زيد) بـ (ما)

وموضع المجرور نصب ...

وإذا عطف على خبر «ما» بـ «بل» أو «لكن» وجب رفع المعطوف ؛ لأنه مثبت كالمقرون بـ «إلا» فاشتركا فى الرفع نحو :

__________________

(١) الصريف : الفضة الخالصة. ينظر : القاموس (صرف).

(٢) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ٣٤٠ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٧٤ ، وتخليص الشواهد ص ٢٧٧ ، والجنى الدانى ص ٣٢٨ ، وجواهر الأدب ص ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ١١٩ ، والدرر ٢ / ١٠١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢١ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٧ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٨٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢١٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٤٣ ، ولسان العرب (صرف) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩١ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٣ ، وتاج العروس (صرف).

١٨٧

«ما زيد قائما بل قاعد» ، و «ما عمرو كريما لكن بخيل».

ومن العرب من ينصب الخبر متقدما ؛ أشار إلى ذلك سيبويه (١) ، وسوى بينه وبين قول من قال : «ملحفة جديدة» بالتاء ، وبين قول من قال : «ولات حين مناص» بالرفع (٢).

__________________

(١) ينظر : الكتاب (١ / ٦٠).

(٢) وقرأ العامة «لات» بفتح التاء وحين منصوبة وفيها أوجه :

أحدها : وهو مذهب سيبويه : أن لا نافية بمعنى ليس والتاء مزيدة فيها كزيادتها فى ربّ وثم ، كقولهم : ربّت وثمّت وأصلها «ها» وصلت بلا فقالوا «لاه» كما قالوا «ثمّة» ولا يعمل إلا فى الزمان خاصة نحو : لات حين ، ولات أوان كقوله :

طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن ليس حين بقاء

وقول الآخر :

ندم البغاة لآت ساعة مندم

والبغى مرتع مبتغيه وخيم

والأكثر حينئذ حذف مرفوعها تقديره : ولات الحين حين مناص. وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع. وقد قرأ هنا بذلك بعضهم لقوله :

من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

أى لا براح لى. ولا تعمل فى غير الأحيان على المشهور ، وقد تمسك بإعمالها فى غير الأحيان فى قوله :

حنّت نوار ولات هنّا حنّت

وبدا الّذى كانت نوار أجنّت

فإن «هنّا» من ظروف الأمكنة ، وفيه شذوذ من ثلاثة أوجه :

أحدها : عملها فى اسم الإشارة وهو معرفة ولا تعمل إلا فى النكرات.

الثاني : كونه لا ينصرف.

الثالث : كونه غير زمان. وقد رد بعضهم هذا بأن «هنا» قد خرجت عن المكانية واستعملت فى الزمان كقوله تعالى : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) [الأحزاب : ١١] ، وقوله :

وإذا الأمور تعاظمت وتشاكلت

فهناك يعترفون أين المفزع

إلا أن الشذوذين الأخيرين باقيان.

وتأول بعضهم البيت أيضا بتأويل آخر وهو أن «لات» هنا مجملة لا عمل لها ، و «هنا» ظرف خبر مقدم و «حنت» مبتدأ بتأويل حذف «أن» المصدرية تقديره «أن حنّت» نحو : «تسمع بالمعيدى خير من أن تراه». وفى هذا تكلف وبعد إلا أن فيه الاستراحة من الشذوذات المذكورة أو الشذوذين. وفى الوقف عليها مذهبان : أشهرهما عند علماء العربية وجماهير القراء السبعة بالتاء المجبورة اتباعا لمرسوم الخط ، والكسائى وحده من السبعة بالهاء.

والأول : مذهب الخليل وسيبويه والزجاج والفراء وابن كيسان.

والثاني : مذهب المبرد.

١٨٨

__________________

وأغرب أبو عبيد فقال : الوقف على «لا» والتاء متصلة بـ «حين» فيقولون : قمت تحين قمت وتحين كان كذا فعلت كذا ، وقال : رأيتها فى الإمام كذا «ولا تحين» متصلة ، وأنشد على هذا أيضا قول أبى وجزة السعدي :

العاطفون تحين ما من عاطف

والمطعمون زمان لا من مطعم

ومنه حديث ابن عمر وسأله رجل عن عثمان فذكر مناقبه ثم قال : «اذهب تلان إلى أصحابك» يريد «الآن» والمصاحب إنما هى «لات حين». وحمل العامة ما رآه على أنه مما شذ عن قياس الخط كنظائر له مرت. فأما البيت فقيل فيه : إنه شاذ لا يلتفت إليه.

وقيل : إنه إذا حذف الحين المضاف إلى الجملة التى فيها «لات حين» جاز أن يحذف (لا) وحدها ويستغنى عنها بالتاء ، والأصل : العاطفون حين لات حين لا من عاطف ، فحذف الأول ولا وحدها كما أنه قد صرح بإضافة حين إليها فى قول الآخر :

وذلك حين لات أوان حلم

 ...

ذكر هذا الوجه ابن مالك ؛ وهو متعسف جدا. وقد يقدر إضافة «حين» إليها من غير حذف لها كقوله :

تذكّر حبّ ليلى لات حينا

 ...

أى حين لات حين. وأيضا فكيف يصنع أبو عبيد بقوله : «ولات ساعة مندم ، ولات أوان» فإنه قد وجدت التاء من «لا» دون حين؟!

الوجه الثانى من الأوجه السابقة : أنها عاملة عمل «أن» يعنى أنها نافية للجنس فيكون «حين مناص» اسمها ، وخبرها مقدر تقديره : ولات حين مناص لهم ، كقولك : لا غلام سفر لك. واسمها معرب لكونه مضافا.

الثالث : أن بعدها فعلا مقدرا ناصبا لحين مناص بعدها أى لات أرى حين مناص لهم بمعنى لست أرى ذلك ، ومثله : «لا مرحبا بهم ولا أهلا ولا سهلا» أى لا أتوا مرحبا ولا وطئوا سهلا ولا لقوا أهلا.

وهذان الوجهان ذهب إليهما الأخفش ، وهما ضعيفان وليس إضمار الفعل هنا نظير إضماره فى قوله :

ألا رجلا جزاه الله خيرا

 ...

لضرورة أن اسمها المفرد النكرة مبنى على الفتح فلما رأينا هنا معربا قدرنا له فعلا خلافا للزجاج فإنه يجوز تنوينه فى الضرورة ويدعى أن فتحته للإعراب ، وإنما حذف التنوين للتخفيف ويستدل بالبيت المذكور وقد تقدم تحقيق هذا.

الرابع : أن لات هذه ليست هى «لا» مرادا فيها تاء التأنيث. وإنما هى ليس فأبدلت السين تاء ، وقد أبدلت منها فى مواضع قالوا : النات ـ يريدون الناس ـ ومنه ست وأصله سدس ، وقال :

يا قاتل الله بنى السّعلات

عمرو بن يربوع شرار النّات

ليسوا بأخيار ولا أكيات

١٨٩

__________________

وقرئ شاذا : قل أعوذ برب النات إلى آخرها [الناس : ١ ـ ٦] يريد شرار الناس ولا أكياس فأبدل ، ولما أبدل السين تاء خاف من التباسها بحرف التمنى فقلب الياء ألفا فبقيت تاء «لات» وهو من الاكتفاء بحرف العلة ، لأن حرف العلة لا يبدل ألفا إلا بشرط منها أن يتحرك ، وأن ينفتح ما قبله فيكون «حين مناص» خبرها والاسم محذوف على ما تقدم والعمل هنا بحق الأصالة لا الفرعية.

وقرأ عيسى بن عمر : ولات حين مناص بكسر التاء وجرّ «حين» ، وهى قراءة مشكلة جدا ، زعم الفراء أن لات يجر بها وأنشد :

ولتندمنّ ولات ساعة مندم

وأنشد غيره :

طلبوا صلحنا ولات أوان

وقال الزمخشرى : ومثله قول أبى زبيد الطائى :

طلبوا صلحنا ...

البيت. قال : فإن قلت : ما وجه الجر فى أوان؟.

قلت : شبّه بإذ فى قوله :

وأنت إذ صحيح

فى أنه زمان قطع عنه المضاف إليه وعوض منه التنوين لأن الأصل : ولات أوان صلح. فإن قلت : فما تقول فى «حين مناص والمضاف إليه قائم؟ قلت : نزل قطع المضاف إليه من «مناص» لأن أصله حين مناصهم ـ منزلة قطعه من حين لاتحاد المضاف والمضاف إليه وجعل تنوينه عوضا عن المضاف المحذوف ، ثم بين الجهة لكونه مضافا إلى غير متمكن. انتهى.

وخرجها أبو حيان على إضمار «من» والأصل ولات من حين مناص فحذفت «من» وبقى عملها نحو قولهم : «على كم جذع بنيت بيتك» أى من جذع فى أصح القولين.

وفيه قول آخر : أنّ الجر بالإضافة مثل قوله :

ألا رجل جزاه الله خيرا

أنشدوه بجرّ رجل أى ألا من رجل.

وقد يتأيد بظهورها فى قوله :

 ...

وقال ألا لا من سبيل إلى هند

قال : ويكون موضع (من حين مناص) رفعا على أنه اسم لات بمعنى ليس ، كما تقول :

ليس من رجل قائما والخبر محذوف ، وهذا على قول سيبويه ، (و) على أنه مبتدأ ـ والخبر محذوف ـ على قول الأخفش ، وخرج الأخفش ولات أوان على حذف مضاف يعنى أنه حذف المضاف وبقى المضاف إليه مجرورا على ما كان والأصل ولات حين أوان.

وقدر هذا الوجه مكى بأنه كان ينبغى أن يقوم المضاف إليه مقامه فى الإعراب فيرفع.

قال شهاب الدين : قد جاء بقاء المضاف إليه على جره وهو قسمان قليل وكثير :

فالكثير أن يكون فى اللفظ مثل المضاف نحو قوله :

أكلّ امرىء تحسبين امرءا

ونار توقّد بالليل نارا

١٩٠

فإن المشهور : «ملحفة جديد» ـ بلا تاء ـ و «لات حين مناص» ـ بالنصب ـ وأنشد سيبويه للفرذدق شاهدا على ذلك : [من البسيط]

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (١)

(ص)

وما لـ (ما) عند تميم عمل

لأنّها حرف لديهم مهمل

وبعد بالبا قد يجرّون الخبر

كغيرهم وذا كثير اشتهر

وجاء مجرورا بباء بعد (إن)

ك (ما إن الله بغافل) فدن

وجرّت البا خبرا من بعد (هل)

وذو انتصار من بهذين استدلّ

(ش) لغة بنى تميم فى تركهم إعمال «ما» أقيس من لغة أهل الحجاز ؛ كذا قال سيبويه (٢).

وهو كما قال ؛ لأن العامل حقه أن يمتاز من غير العامل بأن يكون مختصّا بالأسماء إن كان من عواملها كحروف الجر ، ومختصّا بالأفعال إن كان من عواملها كحروف الجزم ، وحق ما لا يختص كـ «ما» النافية ألا يكون عاملا.

إلا أن شبهها بـ (ليس) سوغ إعمالها إذا لم يعرض مانع من الصانع المذكورة.

وزعم أبو على أن دخول الباء الجارة على الخبر مخصوص بلغة أهل الحجاز ،

__________________

ـ أى وكل نار ، والقليل أن لا يكون كقراءة من قرأ : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) بجر الآخرة فليكن هذا منه. على أن المبرد رواه بالرفع على إقامته مقام المضاف ، وقال الزجاج : الأصل ولات أواننا ، فحذف المضاف إليه فوجب ألا يعرف وكسره لالتقاء الساكنين.

وقال أبو حيان : وهذا هو الوجه الذى قرره الزمخشرى أخذه من أبى إسحاق يعنى الوجه الأول وهو قوله ولات أوان صلح. هذا ما يتعلق بجر «حين» وأما كسرة لات فعلى أصل التقاء الساكنين كحين إلا أنه لا يعرف تاء تأنيث إلا مفتوحة وقرأ عيسى أيضا بكسر التاء فقط ونصب حين كالعامة وقرأ أيضا ولات حين بالرفع مناص بالفتح ، وهذه قراءة مشكلة جدا لا تبعد عن الغلط من راويها عن عيسى ؛ فإنه بمكان من العلم المانع له من مثل هذه القراءة. وقد خرجها أبو الفضل الرازى فى لوامحه على التقديم والتأخير وأن «حين» أجرى مجرى «قبل وبعد» فى بنائه على الضم عند قطعه عن الإضافة بجامع ما بينه وبينها من الظرفية الزمانية و «مناص» اسمها مبنى على الفتح فصل بينه وبينها بـ «حين» المقطوع عن الإضافة والأصل : ولات مناص حين كذا ، ثم حذف المضاف إليه حين وبنى على الضم وقدم فاصلا بين ولات واسمها قال : وقد يجوز أن يكون لذلك معنى لا أعرفه. وقد روى فى تاء «لات» الفتح والكسر والضم.

(١) تقدم تخريج هذا البيت.

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ٥٩).

١٩١

وتبعه فى ذلك الزمخشري (١).

والأمر بخلاف ما زعماه ؛ لوجوه :

أحدها : أن أشعار بنى تميم تتضمن دخول الباء على الخبر كثيرا ، منه قول الفرزدق أنشده سيبويه (٢) : [من الطويل]

لعمرك ما معن بتارك حقّه

ولا منسئ معن ولا متيسّر (٣)

ولو كان دخولها على الخبر مخصوصا بلغة أهل الحجاز ـ ما وجد فى لغة غيرهم.

الثانى : أن الباء إنما دخلت على الخبر بعد «ما» لكونه منفيّا ، لا لكونه خبرا منصوبا.

يدل على ذلك دخولها فى نحو : «لم أكن بقائم» ، وامتناع دخولها نحو : «كنت قائما».

وإذا ثبت كون المسوغ لدخولها النفى ، فلا فرق بين منفى منصوب المحل ، ومنفى مرفوع المحل.

الثالث : أن الباء المذكورة قد ثبت دخولها بعد بطلان العمل بـ «إن» كقول الشاعر : [من المتقارب]

لعمرك ما إن أبو مالك

بواه ولا بضعيف قواه (٤)

فكما دخلت على الخبر المرفوع بعد «إن» لكونه منفيّا كذلك تدخل على الخبر المرفوع دون وجود «إن» وهو ما أردناه.

وقد دخلت ـ أيضا ـ على الخبر المرفوع بعد «هل» ؛ كقوله : [من الطويل]

__________________

(١) قال الزمخشرى : «ودخول الباء فى الخبر نحو قولك : ما زيد بمنطلق ، إنما يصح على لغة أهل الحجاز ؛ لأنك لا تقول : زيد بمنطلق». ينظر : شرح المفصل : ٢ / ١١٤.

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ٦٣).

(٣) البيت فى ديوانه ١ / ٣١٠ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٥ ، ٣٧٩ ، ٤ / ١٤٢ ، والدرر ٢ / ١٢٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٠ ، والكتاب ١ / ٦٣ ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ١ / ١٢٨.

(٤) البيت للمتنخل الهذلى فى الأغانى ٢٣ / ٢٦٥ ، وأمالى المرتضى ١ / ٣٠٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٤٦ ، والدرر ٢ / ١٢٣ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٧٦ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٦٤ ، ولذى الإصبع العدوانى فى خزانة الأدب ٤ / ١٥٠ برواية :

وما إن أسيد أبو مالك

بوان ولا بضعيف قواه

وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٥٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٤٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٧.

١٩٢

يقول إذا اقلولى عليها وأقردت

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم (١)

وإذا دخلت على الخبر بعد «هل» لكون «هل» تشبه النافى ، فلأن تدخل على الخبر بعد النافى نفسه أحق وأولى.

بل قد دخلت على الخبر المرفوع بعد «لكنّ» ؛ كقول الشاعر : [من الطويل]

ولكنّ أجرا لو فعلت بهيّن

وهل ينكر المعروف فى النّاس والأجر (٢)

وبعد «إنّ» ؛ كقول امرئ القيس : [من الطويل]

فإن تنأ عنها حقبة (٣) لا تلاقها

فإنّك ـ ممّا أحدثت ـ بالمجرّب (٤)

وبعد «أنّ» المفتوحة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى) [الأحقاف : ٣٣]

(ص)

وأعملوا فى النّكرات (لا) كـ (ما)

مثاله : (لا متعد مسلما)

و (لا أنا باغيا) آت عن ثقه

وفيه بحث بارع من حقّقه

واسما لـ (لات) : (الحين) محذوفا جعل

ونصب (حين) خبرا بعد نقل

وقد يرى المحذوف بعد خبرا

والثّابت اسما حيث مرفوعا جرى

فى (لات هنّا) ما لـ (لات) عمل

وبعضهم (هنّا) لها اسما يجعل

__________________

(١) البيت للفرزدق فى ديوانه ص ٨٦٣ ، والأزهية ص ٢١٠ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٦ ، وجمهرة اللغة ص ٦٣٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٤٢ ، والدرر ٢ / ١٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٧٢ ، ولسان العرب (قلا) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٣٥ ، ١٤٩ ، وبلا نسبة فى أساس البلاغة ص ٣٦١ (قرد) ، والأشباه والنظائر ٣ / ١٢٦ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٩ ، والجنى الدانى ص ٥٥ ، وجواهر الأدب ص ٥٢ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٤ ، والدرر ٥ / ١٣٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٤ ، ولسان العرب (قرد) ، (هلل) ، والمنصف ٣ / ٦٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٧ ، ٢ / ٧٧ ، وتاج العروس (هلل).

(٢) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٦ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٣ ، والدرر ٢ / ١٢٧ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٢٣ ، ١٣٩ ، ولسان العرب (كفى) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٣٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٧.

(٣) الحقبة من الدهر : المدة لا وقت لها أو السنة. الوسيط (حقب).

(٤) البيت فى ديوانه ص ٤٢ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٦ ، والدرر ١ / ٢٩٣ ، ٢ / ١٢٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٢ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٠٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٢٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٥ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٧ ، وجواهر الأدب ص ٥٤ ، ورصف المبانى ص ٢٥٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٨ ، ١٢٧.

١٩٣

(ش) إلحاق «لا» بـ «ليس» فى العمل عند من قال به ـ وهم البصريون ـ مخصوص بالنكرات ؛ كقولك : «لا رجل خيرا من زيد» و «لا عمل أنفع من طاعة الله».

ومنه قول رجل من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ يقال له سواد بن قارب (١) : [من الطويل]

وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (٢)

ومثله : [من الطويل]

[تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (٣)] (٤)

وذكر الشجري (٥) أنها عملت فى معرفة (٦) ، وأنشد للنابغة الجعدى : [من الطويل]

__________________

(١) سواد بن قارب الدوسى ، أو السدوسى قال البخارى وأبو حاتم والدارقطنى : له صحبة. وقصته ذكرها الحافظ ابن حجر فى الإصابة ، وفيها هذا البيت ، وأصلها فى صحيح البخارى.

ينظر ترجمته فى : الإصابة ت (٣٥٩٦) ، أسد الغابة ت (٢٣٣٤) ، الاستيعاب ت (١١١٤).

(٢) البيت فى الجنى الدانى ص ٥٤ ، والدرر ٢ / ١٢٦ ، ٣ / ١٤٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠١ ، ٢ / ٤١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢١٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١١٤ ، ٣ / ٤١٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٥ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٣٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٥٦ ، ومغنى اللبيب ص ٤١٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٧ ، ٢١٨.

(٣) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٢٨٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٩٤ ، والجنى الدانى ص ٢٩٢ ، وجواهر الأدب ص ٢٣٨ ، والدرر ٢ / ١١١ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٤٧ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٥٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦١٢ ، وشرح ابن عقيل ص ١٥٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢١٦ ، وشرح قطر الندى ص ١١٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٣٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٠٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٥.

(٤) ما بين المعكوفين سقط فى ط.

(٥) هو هبة الله بن على بن محمد بن على بن عبد الله ، أبو السعادات المعروف بابن الشجرى ، كان أوحد زمانه وفرد أوانه فى علم العربية ومعرفة اللغة وأشعار العرب وأيامها وأحوالها ، متضلعا من الأدب ، كامل الفضل. من تصانيفه : الأمالى ، الحماسة ، شرح اللمع لابن جنى ، شرح التصريف الملوكى ، وغير ذلك. مات سنة ٥٤٢ ه‍.

ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٣٢٤).

(٦) قال ابن الشجرى : وجاء فى شعر أبى الطيب أحمد بن الحسين إعمال (لا) فى المعرفة ، فى قوله :

إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا

ووجدت أبا الفتح عثمان بن جنى غير منكر لذلك. ومر بى بيت للنابغة الجعدى ، فيه مرفوع (لا) معرفة ، وذكر البيت. ينظر : الأمالى (١ / ٤٣١ ، ٤٣٢).

١٩٤

وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ولا فى حبّها متراخيا (١)

ويمكن عندى أن يجعل «أنا» مرفوع فعل مضمر ناصب «باغيا» على الحال ؛ تقديره : لا أرى باغيا ، فلما أضمر الفعل برز الضمير ، وانفصل.

ويجوز أن يجعل «أنا» مبتدأ ، والفعل المقدر بعده خبرا ناصبا «باغيا» على الحال.

ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه.

ونظائره كثيرة ، منها قولهم : «حكمك مسمّطا» ؛ أى : حكمك لك مسمطا ؛ أى : مثبتا. فجعل «مسمّطا» ـ وهو حال ـ مغنيا عن عامله مع كونه غير فعل ، فأن يعامل «باغيا» بذلك وعامله فعل أحق وأولى.

وأما «لات» فإنهم يرفعون بها «الحين» اسما ، ولا يكادون يلفظون به بل بآخر منصوب خبرا كقوله ـ تعالى ـ : (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣]

أى : وليس الحين حين مناص.

ولا بد من تقدير المحذوف معرفة ؛ لأن المراد نفى كون الحين الحاضر حينا ينوصون فيه ؛ أى : يهربون ، أو يتأخرون.

وليس المراد نفى جنس حين المناص ؛ ولذلك كان رفع الحين الموجود شاذّا ؛ لأنه محوج إلى تكلف مقدر يستقيم به المعنى ، مثل أن يقال : معناه ليس حين مناص موجودا لهم عند تناديهم ونزول ما نزل بهم.

إذ قد كان لهم قبل ذلك حين مناص ، فلا يصح نفى جنسه مطلقا ، بل مقيدا.

وقد نبهت على شذوذ رفع الحين ـ الثابت ـ اسما ، وجعل المحذوف خبرا بقولى :

وقد يرى المحذوف بعد خبرا

والثّابت اسما حيث مرفوعا جرى

لأن «قد» تدل مع المضارع على التقليل.

وقد تقع «ساعة» و «أوان» بعد «لات» : فوقوع «ساعة» كقول الشاعر : [من الكامل]

__________________

(١) البيت فى ديوانه ص ١٧١ ، والأشباه والنظائر ٨ / ١١٠ ، وتخليص الشواهد ص ٢٩٤ ، والجنى الدانى ص ٢٩٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٣٧ ، والدرر ٢ / ١١٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦١٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٤٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٤١ ، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٢٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ١٥٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٥.

١٩٥

ندم البغاة ولات ساعة مندم

والبغى مرتع مبتغيه وخيم (١)

وأنشد الفراء (٢) والأخفش (٣) : [من الخفيف]

طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن ليس حين بقاء (٤)

أى : ليس الأوان أوان صلح ، فحذف المضاف إليه «أوان» منوى الثبوت ، وبنى كما فعل بـ «قبل» و «بعد».

إلا أن «أوانا» لشبهه بـ «نزال» وزنا بنى على الكسر ، ونون اضطرارا.

وأما «لات» الواقع بعدها (هنا) كقوله : [من الكامل]

حنّت نوار ولات هنّا حنّت

وبدا الّذى كانت نوار أجنّت (٥)

فللنحويين فيها مذهبان :

أحدهما : أن «لات» مهملة لا اسم لها ولا خبر.

__________________

(١) البيت لمحمد بن عيسى بن طلحة ، أو للمهلهل بن مالك الكنانى فى المقاصد النحوية ٢ / ١٤٦ ، ولأحدهما أو لرجل من طيئ أو لمحمد بن عيسى أو للمهلهل فى خزانة الأدب ٤ / ١٧٥ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٢٩٤ ، وجواهر الأدب ص ٢٥٠ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٨٧ ، والدرر ٢ / ١١٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٦٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٦.

(٢) ينظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٣٩٧).

(٣) قال الأخفش معلقا على هذا البيت : فجرّ «أوان» وحذف وأضمر «الحين» وأضاف إلى «أوان» ؛ لأن (لات) لا تكون إلا مع (الحين).

ينظر : معانى القرآن للأخفش (٢ / ٦٧٠).

(٤) البيت لأبى زبيد الطائى فى ديوانه ص ٣٠ ، والإنصاف ص ١٠٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٩٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٣٤ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٨٣ ، ١٨٥ ، ١٩٠ ، والدرر ٢ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٤٠ ، ٩٦٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٥٦ ، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٢٤٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٦٩ ، ٦ / ٥٣٩ ، ٥٤٥ ، والخصائص ٢ / ٣٧٠ ، ورصف المبانى ص ١٦٩ ، ٢٦٢ ، وسر صناعة الإعراب ص ٥٠٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٣٢ ، ولسان العرب (أون) ، (لا) ، (لات) ، ومغنى اللبيب ص ٢٥٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٦.

(٥) أجنت : أخفت وسترت. مقاييس اللغة (جن).

والبيت لشبيب بن جعيل فى الدرر ١ / ٢٤٤ ، ٢ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٩١٩ ، والمؤتلف والمختلف ص ٨٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤١٨ ، ولحجل بن نضلة فى الشعر والشعراء ص ١٠٢ ، ولهما معا فى خزانة الأدب ٤ / ١٩٥ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ١٣٠ ، وتذكرة النحاة ص ٧٣٤ ، والجنى الدانى ص ٤٨٩ ، وجواهر الأدب ص ٢٤٩ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٦٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ٦٦ ، ١٢٦ ، ومغنى اللبيب ص ٥٩٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٧٨ ، ١٢٦.

١٩٦

و «هنّا» فى موضع نصب على الظرفية ؛ لأنه إشارة إلى مكان.

و «حنّت» مع «أن» مقدرة قبلها فى موضع رفع بالابتداء ،

والتقدير : حنت نوار ولات هنالك حنين ؛ وهذا توجيه الفارسى.

والوجه الثانى : أن يكون «هنّا» اسم «لات» ، و «حنّت» : خبرها على حذف مضاف ؛ والتقدير : وليس ذلك الوقت وقت حنين.

وهذا الوجه ضعيف ؛ لأن فيه إخراج «هنّا» عن الظرفية وهو من الظروف التى لا تتصرف.

وفيه ـ أيضا ـ إعمال «لات» فى معرفة ظاهرة وإنما تعمل فى نكرة ؛ وهو اختيار ابن عصفور.

(ص)

وملحق بـ (ما) : (إن) النّافى لدى

محمّد فيه الكسائى أنشدا

إن هو مستوليا ـ اعلم ـ وأبو

بشر بإيماء إلى ذا يذهب

وب (إن الّذين) مع (عبادا

أمثالكم) تلفى لذا اعتضادا

(ش) لـ «إن» النافية ـ أيضا ـ اسم مرفوع ، وخبر منصوب إلحاقا بـ «ما».

نص على ذلك أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (١) ، وأومأ سيبويه إلى ذلك دون تصريح بقوله فى «باب عدة ما يكون عليه الكلم» :

__________________

(١) قال المبرد : وأما (إن) المكسورة فإن لها أربعة أوجه ... وتكون فى معنى (ما) ...

وكان سيبويه لا يرى فيها إلا رفع الخبر ... وغيره يجيز نصب الخبر على التشبيه بـ (ليس) كما فعل ذلك فى (ما) وهذا هو القول ؛ لأنه لا فصل بينها وبين (ما) فى المعنى.

ينظر : المقتضب : ٢ / ٣٥٩.

والمبرد هو : محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدى البصرى ، أبو العباس المبرد ، إمام العربية ببغداد فى زمانه ، أخذ عن المازنى وأبى حاتم السجستانى ، وروى عنه إسماعيل الصفار ونفطويه والصولى.

كان فصيحا بليغا مفوها ، ثقة أخباريا علامة ، صاحب نوادر وظرافة ، وكان جميلا.

وقيل : كان الناس بالبصرة يقولون : ما رأى المبرد مثل نفسه.

ومن تصانيفه : معانى القرآن ، الكامل ، المقتضب ، القوافى ، إعراب القرآن ، الرد على سيبويه ، وغيرها. مات سنة ست وثمانين ومائتين (٢٨٦ ه‍).

ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧١) ، تاريخ بغداد (٣ / ٣٨٠) ، الأعلام (٧ / ١٤٤) ، سير أعلام النبلاء (١٣ / ٥٧٦).

١٩٧

«وتكون «إن» كـ «ما» فى معنى «ليس» ؛ فلو أراد النفى دون العمل ، لقال : (وتكون «إن» كـ «ما» فى النفى) ؛ لأن النفى من معانى الحروف فـ «ما» به أولى من «ليس» ؛ لأن «ليس» فعل ، وهى حرف.

بخلاف العمل فإن «ليس» فيه هى أصل لـ «ما» و «لا» و «إن» لأنها فعل ، وهن حروف.

ومما يقوى إعمال «إن» إذا نفى بها ما أنشده الكسائى من قول الشاعر : [من المنسرح]

إن هو مستوليا على أحد

إلا على أضعف المجانين

ويروى :

 ...

إلا على حزبه الملاعين (١)

وإلى هذا أشرت بقولى :

 ...

 ... فيه الكسائى أنشدا

إن هو مستوليا ...

 ...

وذكر أبو الفتح فى المحتسب أن سعيد بن جبير (٢) قرأ إن الذين يدعون من دون الله عبادا أمثالكم [الأعراف : ١٩٤] على أن «إن» نافية (٣) ، رفعت «الّذين» اسما.

ونصبت «عبادا أمثالكم» ، خبرا ونعتا.

والمعنى : ليس الأصنام الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم فى الاتصاف بالعقل ، فلو كانوا أمثالكم فعبدتموهم لكنتم بذلك مخطئين ضالين ؛ فكيف حالكم فى عبادة من هو دونكم بعدم الحياة والإدراك؟.

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى الأزهية ص ٤٦ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٩١ ، وتخليص الشواهد ص ٣٠٦ ، والجنى الدانى ص ٢٠٩ ، وجواهر الأدب ص ٢٠٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٦٦ ، والدرر ٢ / ١٠٨ ، ورصف المبانى ص ١٠٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠١ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٦٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢١٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١١٣ ، والمقرب ١ / ١٠٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٥.

(٢) هو سعيد بن جبير الأسدى بالولاء ، الكوفى ، أبو عبد الله ، تابعى من أعلم التابعين أخذ العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر ، كان يقول الحق ، ولا يخاف أحدا إلا الله ، وكانت نهايته أن قتل على يد الحجاج ، سنة ٩٥ ه‍.

ينظر : الأعلام (٣ / ٩٣) ، وفيات الأعيان (١ / ٢٠٤) ، طبقات ابن سعد (٦ / ١٧٨) ، تقريب التهذيب ت (٢٢٩١).

(٣) قال أبو الفتح : ينبغى ـ والله أعلم ـ أن تكون «إن» هنا بمنزلة «ما» فكأنه قال : ما الذين تدعون ـ

١٩٨

باب أفعال المقاربة

(ص)

وهاك أفعالا إلى المقاربه

تعزى ومع (كان) لها مناسبه

وكاسمها اسمهنّ لكنّ الخبر

هنا مضارع ، ومفردا ندر

نحو (عسيت صائما) ونقلا

(عسى الغوير أبؤسا) تمثّلا

وخبر (مرتعها قريب)

ل (جعلت) وبيته غريب

والتزم التّجريد فى أخبار ما

يعنى به الشّروع من تكلّما

ك (هبّ) (أنشأ) (جعلت) و (طفق)

(طبق) بعده (أخذت) و (علق)

واقرن بـ (أن) بعد (حرى) و (اخلولقا)

وقد ترى (أولى) بذين ملحقا

و (أوشك) التّخيير فيها و (كرب)

كذا (عسى) و (كاد) دون (أن) غلب

ول (عسى) عكس وعند ترك (أن)

يعزو إليها خبرا من قد فطن

كذاك غيرها وقد تستغنى

عن خبر بنحو أن تستثني

إن أسندت له كذاك (اخلولقا)

وهكذا (أوشك) حيث اتّفقا

(ش) الأفعال التى تسمى أفعال المقاربة مساوية لـ «كان» وأخواتها فى النقصان ، واقتضاء اسم مرفوع ، وخبر منصوب.

إلا أن الخبر هنا شذ وروده اسما منصوبا ، أو من جملة اسمية مصدرة بـ «إذا» وإنما اطرد مجيء خبرها فعلا مضارعا.

فمن ورود الخبر اسما منصوبا ، قول الراجز : [من الرجز]

أكثرت فى العذل ملحّا دائما

لا تكثرن إنى عسيت صائما (١)

__________________

ـ من دون الله عبادا أمثالكم ، فأعمل إن إعمال (ما) ، وفيه ضعف ؛ لأن إن هذه لم تختص بنفى الحاضر اختصاص (ما) به ، فتجرى مجرى ليس فى العمل ، ويكون المعنى : إن هؤلاء الذين تدعون من دون الله إنما هى حجارة أو خشب ، فهم أقل منكم ؛ لأنكم أنتم عقلاء ومخاطبون ، فكيف تعبدون ما هو دونكم؟!

ينظر : المحتسب : ١ / ٢٧٠.

(١) الرجز لرؤبة فى ملحقات ديوانه ص ١٨٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٢ ، والخصائص ١ / ٨٣ ، والدرر ٢ / ١٤٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٨٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٦١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٥ ، وتخليص الشواهد ـ

١٩٩

ويروى :

لا تلحنى إنّى عسيت صائما

ومنه قول الزباء (١) : [من الرجز]

عسى الغوير (٢) أبؤسا (٣)

وقول تأبط شرّا (٤) : [من الطويل]

فأبت إلى فهم ، وما كدت آيبا

وكم مثلها فارقتها ، وهى تصفر (٥)

وقد يرد خبر «جعل» جملة اسمية ؛ كقول الشاعر : [من الوافر]

وقد جعلت قلوص بنى سهيل

من الأكوار مرتعها قريب (٦)

__________________

ـ ص ٣٠٩ ، والخزانة ٨ / ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، والجنى الدانى ص ٤٦٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٨ ، وشرح شواهد المغنى ص ٤٤٤ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٢٢ ، وشرح المفصل ٧ / ١٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٥٢ ، والمقرب ١ / ١٠٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

(١) هى الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة الملكة المشهورة فى العصر الجاهلى ، صاحبة تدمر ، وملكة الشام والجزيرة ، كانت غزيرة المعارف ، تحسن أكثر اللغات فى عصرها ، وكتبت تاريخا للشرق.

ينظر ترجمتها فى : الأعلام (٣ / ٤١).

(٢) ماء لكلب فى ناحية السماوة معروف. اللسان (غور).

(٣) الرجز فى مجمع الأمثال ٢ / ١٧ ، وتاج العروس ، (غور) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (غور) ، والمخصص ١٧ / ٨٥. والرجز من أمثال العرب. انظر جمهرة الأمثال ٢ / ٥٠ ، وزهرة الأكم ١ / ٢١٠ ، وفصل المقال ص ٤٢٤ ، وكتاب الأمثال ص ٣٠٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٨ / ٣٨٦ ، ٩ / ٣١٦ ، ٣٢٠ ، ٣٢٨.

(٤) هو ثابت بن جابر بن سفيان ، أبو زهير الفهمى ، الشهير بتأبط شرا ، شاعر عداء ، من فتاك العرب فى الجاهلية ، كان من أهل تهامة ، شعره فحل.

ينظر : الأعلام (٢ / ٩٧) ، خزانة الأدب (١ / ٦٦) ، شرح شواهد المغنى (١٨).

(٥) البيت فى ديوانه ص ٩١ ، والأغانى ٢١ / ١٥٩ ، وتخليص الشواهد ص ٣٠٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، ٣٧٦ ، والخصائص ١ / ٣٩١ ، والدرر ٢ / ١٥٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٢٩ ، ولسان العرب (كيد) ، والمقاصد النحوية ٩ / ٣٤٧ ، ورصف المبانى ص ١٩٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٢٢ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

(٦) البيت بلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٣٢٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٢٠ ، ٩ / ٣٥٢ ، والدرر ٢ / ١٥٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٣١٠ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٠٦ ، ومغنى اللبيب ص ٢٣٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

٢٠٠