شرح الكافية الشّافية - ج ١

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

وقد أوقع «ثمّ» موقع الفاء من قال : [من المتقارب]

كهزّ الرّدينى تحت العجاج

جرى فى الأنابيب ثمّ اضطرب (١)

ومن المتبعات لفظا ومعنى : «حتّى» إلا أن المعطوف بها لا يكون إلا بعضا أو كبعض ، وغاية للمعطوف عليه إما فى نقص ، وإما فى زيادة ، فيدخل فيما هو غاية فى نقص : الأضعف ، والأصغر ، والأقل ، وفيما هو غاية فى زيادة : الأقوى ، والأعظم ، والأكثر ؛ نحو : «غلبك النّاس حتّى النّساء» و «أحصيت الأشياء حتّى مثاقيل الذّر» ، ومن كلام العرب : «استنّت الفصال حتّى القريعى» (٢).

وقد اجتمع العطف بـ «حتّى» على غاية القوة وغاية الضعف فى قول الشاعر : [من الطويل]

قهرناكم حتّى الكماة فإنّكم

لتخشوننا حتّى بنينا الأصاغرا (٣)

وجعلت المعطوف بـ «حتّى» بعضا أو شبهه تنبيها على نحو : «أعجبتنى الجارية حتّى حديثها» ؛ فإن «حديثها» ليس بعضا ولكنه كالبعض ؛ لأنه معنى من معانيها.

وقد لا يكون المعطوف بها بعض ما قبلها إلا بتأويل كقول الشاعر : [من الكامل]

ألقى الصّحيفة كى يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها (٤)

__________________

(١) البيت لأبى دؤاد الإيادى فى ديوانه ص ٢٩٢ ، والدرر ٦ / ٩٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٠ ، وشرح شواهد المغنى ص ٣٥٨ ، والمعانى الكبير ١ / ٥٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٣١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٦٣ ، والجنى الدانى ص ٤٢٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤١٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦١٢ ، ومغنى اللبيب ص ١١٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣١.

(٢) تصغير القرعى : وهى التى بها القرع وهو داء ، واستنانها من المرح ؛ يضرب فى الأمر الذى يدخل فيه كل أحد حتى أعجزهم عنه. ينظر : المستقصى فى أمثال العرب (١ / ١٥٨).

(٣) البيت بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٥٤٩ ، والدرر ٦ / ١٣٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٠١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٧٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦١٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٢٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٦.

(٤) البيت للمتلمس فى ملحق ديوانه ص ٣٢٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٧٠ ، ولأبى (أو لابن) مروان النحوى فى خزانة الأدب ٣ / ٢١ ، ٢٤ ، والدرر ٤ / ١١٣ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤١ ، والكتاب ١ / ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٣٤ ، ولمروان بن سعيد فى معجم الأدباء ١٩ / ١٤٦ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٦٩ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٦٥ ، والجنى الدانى ص ٥٤٧ ، ٥٥٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٢ ، والدرر ص ١٨٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٩ ، وشرح قطر الندى ص ٣٠٤ ، وشرح المفصل ٨ / ١٩ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٤ ، ٣٦.

٥٤١

فعطف «النّعل» ، وليست بعضيتها لما قبلها صريحة ، ولكنها بالتأويل ؛ لأن المعنى : ألقى ما يثقله حتى نعله.

وهى بالنسبة إلى الترتيب كالواو ؛ فجائز كون المعطوف بها مصاحبا كقولك : «قدم الحجّاج حتّى المشاة فى يوم كذا أو ساعة كذا» ، وجائز كونه سابقا كقولك : «قدموا حتّى المشاة متقدّمين».

ومن زعم أنها تقتضى الترتيب فى الزمان ، فقد ادعى ما لا دليل عليه ؛ وفى الحديث : «كلّ شيء بقضاء وقدر ، حتّى العجز والكيس» (١) ، وليس فى القضاء ترتيب ، وإنما الترتيب فى ظهور المقضيات.

وقال الشاعر : [من الطويل]

رجالى حتّى الأقدمون تمالثوا

على كلّ أمر يورث المجد والحمدا (٢)

وأما «أم» المعتمد عليها فى العطف فهى المتصلة ؛ وسميت متصلة ؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى أحدهما عن الآخر.

وشرط ذلك : أن يقرن ما يعطف بها عليه بهمزة التسوية ، أو بهمزة يطلب بها وب «أم» ما يطلب بـ «أى» ، وعلامة ذلك : صلاحية الاستغناء بها عنها.

فمن لوازم ذلك : كون الناطق بـ «أم» المذكورة مدعيا العلم بنسبة الحكم إلى أحد المذكورين دون تعيين.

وقد يكون مصحوباها اسمين نحو : «أزيد عندك أم عمرو».

أو فعلين لفاعل واحد فى المعنى نحو : «أقام زيد أم قعد».

أو فعلين لفاعلين متباينين كقول الشاعر : [من الخفيف]

ما أبالى أنبّ بالحزن تيس

أم جفانى بظهر غيب (٣) لئيم

__________________

(١) أخرجه مالك فى الموطأ (٢ / ٨٩٩) كتاب القدر ، باب : النهى عن القول بالقدر (٤) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٥) كتاب القدر ، باب كل شىء بقدر (١٨ ـ ٢٦٥٥) ، والبخارى فى «خلق أفعال العباد» (١٧) ، وأحمد (٢ / ١١٠) ، وابن حبان (٦١٤٩) ، والبغوى فى شرح السنة (٧٢) من حديث ابن عمر مرفوعا.

(٢) البيت بلا نسبة فى الدرر ٦ / ١٣٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦١٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٦.

(٣) البيت لحسان بن ثابت فى ديوانه ص ٨٩ ، والأزهية ص ١٢٥ ، والحيوان ١ / ١٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٥٥ ، ١٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤٧ ، والكتاب ٣ / ١٨١ ، والمقاصد ـ

٥٤٢

ولا يمنع كونهما جملتين ابتدائيتين ، إذا كان معنى الكلام معنى «أى» كقولك : «ما أبالى أبعض التّيوس نابّ ، أم بعض اللّئام سابّ» ، ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر (١)

أراد : ما أدرى أشعيث بن سهم أم شعيث بن منقر.

ففى هذا البيت حجة على وقوع «أم» المتصلة بين جملتين ابتدائيتين ؛ لأن المعنى معنى «أى» كأنه قال : «ما أدرى أى النّسبين هو الصّحيح» ،

و «ابن سهم» و «ابن منقر» خبران لا صفتان.

وحذف التنوين من «شعيث» على حد حذفه من «عمرو» فى قول القائل : [من الكامل]

عمرو الّذى هشم الثّريد لقومه

ورجال مكّة مسنتون عجاف (٢)

ومن وقوع «أم» المتصلة بين جملتين ابتدائيتين قول الآخر : [من الطويل]

ولست أبالى بعد فقدى مالكا

أموتى ناء أم هو الآن واقع (٣)

وأشرت بقولى :

__________________

ـ النحوية ٤ / ١٣٥ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ٥٠ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٤٤٥ ، ٢ / ٧٤٦ ، وجواهر الأدب ص ١٨٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٧٢ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٨.

(١) البيت للأسود بن يعفر فى ديوانه ص ٣٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ١٣٨ ، والكتاب ٣ / ١٧٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٣٨ ، ولأوس بن حجر فى ديوانه ص ٤٩ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٢٨ ، وللأسود أو للعين المنقرى فى الدرر ٦ / ٩٨ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٧٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢١ ، ولسان العرب (شعث) ، والمحتسب ١ / ٥٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ٤٢ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٢.

(٢) البيت لمطرود بن كعب الخزاعى فى الاشتقاق ص ١٣ ، وأمالى المرتضى ٢ / ٢٦٨ ، ومعجم الشعراء ص ٢٠٠ ، ولعبد الله بن الزبعرى فى أمالى المرتضى ٢ / ٢٦٩ ، ولسان العرب (سنت) ، (هشم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٠ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٦٣ ، ورصف المبانى ص ٣٥٨ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٨٩ ، وشرح المفصل ٩ / ٣٦ ، والمقتضب ٢ / ٣١٢ ، ٣١٦ ، والمنصف ٢ / ٢٣١ ، ونوادر أبى زيد ص ١٦٧.

(٣) البيت لمتمم بن نويرة فى ديوانه ص ١٠٥ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ٥١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٦٨ ، وجواهر الأدب ص ١٨٧ ، والدرر ٦ / ٩٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٣٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ٤١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٣٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٢.

٥٤٣

وربّما أسقطت الهمزة ...

 ...

إلى أن «أم» المتصلة قد تسقط الهمزة التى قبلها ، فيكتفى بتقديرها ، وكون موضعها مشعرا بها كقول الشاعر : [من الطويل]

فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر

أتونى فقالوا : من ربيعة أم مضر؟ (١)

أى : أمن ربيعة أم مضر؟.

وكقول الآخر : [من الطويل]

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان (٢)

ومنه قراءة ابن محيصن (٣) : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦].

فهذا وأمثاله من مواضع حذف الهمزة المعطوف على مصحوبها بـ «أم» جائز بعد صلاحية المكان لـ «أى».

وقد أجاز الأخفش (٤) حذف الهمزة ـ فى الاختيار ـ وإن لم يكن بعدها «أم»

__________________

(١) البيت لعمران بن حطان فى ديوانه ص ١١١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٥٩ ، وبلا نسبة فى الخصائص ٢ / ٢٨١ ، والمحتسب ١ / ٥٠ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٦٩ ، ٦٧٠.

(٢) البيت لعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه ص ٢٦٦ ، والأزهية ص ١٢٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٢٧ ، ١٣٢ ، والدرر ٦ / ١٠٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٥١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣١ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٤ ، والكتاب ٣ / ١٧٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٢ ، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٣٥ ، والجنى الدانى ص ٣٥ ، ورصف المبانى ص ٤٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٩٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٠ ، وفقه اللغة ص ١٨٤ ، والمحتسب ١ / ٥٠ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٢.

(٣) وقرئ «أأنذرتهم» بتحقيق الهمزتين ، وهى لغة بنى تميم ، وبتخفيف الثانية بين بين ، وهى لغة الحجاز ، وبإدخال ألف بين الهمزتين تخفيفا وتحقيقا. ومنه :

أيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النقا أأنت أم أمّ سالم

وقال آخر :

تطاللت فاستشرفته فعرفته

فقلت له أأنت زيد الأرانب

وروى عن ورش إبدال الثانية ألفا محضة ، ونسب الزمخشرى هذه القراءة للّحن ؛ قال : «لأنه يؤدى إلى الجمع بين ساكنين على غير حدهما ، ولأن تخفيف مثل هذه الهمزة إنما هو بين بين». وهذا منه ليس بصواب ؛ لثبوت هذه القراءة تواترا. وللقراء فى نحو هذه الآية عمل كثير وتفصيل منتشر. ينظر : الدر المصون (١ / ١٠٦) ، وانظر : المحتسب فى توجيه قراءة ابن محيصن (١ / ٥٠).

(٤) قال الأخفش فى هذه الآية : فيقال : هذا استفهام ؛ كأنه قال : «أوتلك نعمة تمنها». ينظر : معانى القرآن للأخفش : ٢ / ٦٤٦.

٥٤٤

وجعل من ذلك قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ)؟. [الشعراء : ٢٢]

ومنه قول الشاعر : [من المنسرح]

أفرح أن أرزأ الكرام وأن

أورث ذودا شصائصا (١) نبلا؟ (٢)

وقول الآخر : [من الطويل]

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّى وذو الشّيب يلعب؟ (٣)

أراد فى الأول : أأفرح أن أرزأ؟

وأراد فى الثانى : أو ذو الشيب يلعب؟

وأقوى الاحتجاج على ما ذهب إليه الأخفش : قول رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لجبريل ـ عليه‌السلام ـ : «وإن زنى ، وإن سرق؟ قال : وإن زنى وإن سرق» (٤).

أراد : أو إن زنى وإن سرق؟ لأنه من هذا التقدير.

وأشرت بقولى :

وما عليه عطفت «أم» لا يجب

إيلاؤه الهمزة ...

إلى أنه يجوز أن يفصل بين الهمزة وبين ما عطفت عليه «أم» نحو : «أرأيت زيدا أم عمرا»؟

__________________

(١) الشصوص : التى قبل لبنها وذهب. ينظر : اللسان (شصص).

(٢) البيت لحضرمى بن عامر فى لسان العرب (جزأ) ، (شصص) ، (نبل) ، وتاج العروس (جزأ) ، (شصص) ، (نبل) ، (زنن) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٣٧٩ ، وتهذيب اللغة ١١ / ٢٦٣ ، ١٥ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٣٨٣ ، وديوان الأدب ١ / ١٧٣ ، ٢٢٩ ، وكتاب العين ٨ / ٣٢٩.

(٣) تقدم تخريج هذا البيت.

(٤) أخرجه أحمد (٥ / ١٥٩ ، ١٦١) ، والبخارى (٣ / ٤٤٤) كتاب الجنائز ، باب : فى الجنائز ، (١٢٣٧) ، ومسلم (١ / ٩٤) كتاب الإيمان ، باب : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ومن مات مشركا دخل النار (١٥٣ ـ ٩٤) من حديث أبى ذر رضى الله عنه. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتانى آت من ربى فأخبرنى ، أو قال : بشرنى أنه من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة». قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : وإن زنى وإن سرق».

قال الحافظ فى الفتح (٣ / ٤٤٥) : قوله : «فقلت : وإن زنى أو سرق» ، قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبىّ ، والمقول له الملك الذى بشّره به ، وليس كذلك ؛ بل القائل هو أبو ذر ، والمقول له هو النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما بينه المؤلف ـ أى البخارى ـ فى اللباس.

وللترمذى : «قال أبو ذر : يا رسول الله». ويمكن أن يكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله مستوضحا ، وأبو ذر قاله مستبعدا» ا. ه.

٥٤٥

ولكن عدم الفصل فيه أكثر.

ومن شواهد الفصل قول الشاعر : [من الخفيف]

ليت شعرى سعا أترضين من ه

واك أم من يغريك بالشّنآن

وأشرت بقولى :

وفصل «أم» ممّا عليه عطفت

أولى ...

إلى أن قول القائل : «أزيد عندك أم عمرو»؟ بفصل «أم» من «زيد» بـ «عندك» أولى من قوله : «أزيد أم عمرو عندك»؟ بمواصلة «أم» لـ «زيد» ، وأن المواصلة لا تمنع.

هذا مذهب سيبويه (١) ، ومن يراعى مذهبه من المحققين.

وهكذا ـ أيضا ـ يفعل إذا كان المعطوف فعلا على فعل كقولك : «أقعد زيد أم قام»؟ هذا أجود من أن يقال : «أقعد أم قام زيد»؟ وكلاهما جائز.

فإن وقعت «أم» غير مسبوقة بالهمزة لا لفظا ولا تقديرا فهى منقطعة كقوله ـ تعالى ـ : (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ٢ ـ ٣].

وكذا إن كانت مسبوقة بالهمزة ، وليس فى الكلام معنى «أى» كقوله ـ تعالى ـ : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥].

ولا بد فى المنقطعة من معنى الإضراب ، والأكثر اقتضاؤها مع الإضراب استفهاما.

وإلى هذا أشرت بقولى :

ومع الاستفهام إضرابا جلت

 ...

ومنه قول بعض العرب : «إنّها لإبل أم شاء»؟ أراد : بل أهى شاء؟

وقد يتجرد بها الإضراب كقول الشاعر : [من الطويل]

وليت سليمى فى الممات ضجيعتى

هنالك أم فى جنّة أم جهنّم (٢)

وإلى هذا أشرت بقولى :

 ... وقد ترى

ك «بل» لإضراب موال خبرا

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٣ / ١٦٩).

(٢) البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ملحق ديوانه ص ٥٠١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٧٦ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٣.

٥٤٦

وأما العطف بـ «أو» :

فتخيير نحو : «خذ هذا أو هذا».

أو إباحة نحو : «جالس الحسن أو ابن سيرين».

أو تبيين قسمة نحو : «الاسم نكرة أو معرفة».

أو إبهام كقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤].

أو شك نحو : «قام زيد أو عمرو».

وأجاز الكوفيون موافقتها «بل» فى الإضراب ، وحكى الفراء : «اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم» فالظاهر أن هذا إضراب صريح.

ووافق الكوفيين أبو على وابن برهان. قال ابن برهان فى «شرح اللمع» : «قال أبو على : «أو» حرف يستعمل على ضربين : أحدهما : أن يكون لأحد الشيئين أو الأشياء ، والآخر : أن يكون للإضراب».

وقال ابن برهان : «وأما الضرب الثانى فنحو : «أنا أخرج ثمّ تقول : أو أقيم» ، أضربت عن الخروج ، وأثبت الإقامة كأنك قلت : لا بل أقيم».

وهذا معنى قولى :

 ...

والإضراب عن قوم نمي

ومن مجيء «أو» للإضراب : قول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك : [من البسيط]

ما ذا ترى فى عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لو لا رجاؤك قد قتّلت أولادي (١)

ثم نبهت بقولى :

وربّما عاقبت الواو ...

 ...

على أن «أو» قد تقع موضع الواو ؛ وذلك إذا أمن اللبس كقول الشاعر : [من البسيط]

__________________

(١) البيتان فى ديوانه ص ٧٤٥ ، وجواهر الأدب ص ٢١٧ ، والدرر ٦ / ١١٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٠١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٧ ، ومغنى اللبيب ١ / ٦٤ ، ٢٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٤ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ١٢١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٢ (الثانى فقط) ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٤.

٥٤٧

جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر (١)

وكقول الآخر : [من الكامل]

قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره أو سافع (٢)

ومثله قول امرئ القيس : [من الطويل]

فظلّ طهاة اللّحم ما بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل (٣)

ومن المواضع التى تتعاقب فيها «أو» والواو : الإباحة نحو : «جالس الحسن أو ابن سيرين» أى : جالس الصنف الذين منهم الحسن وابن سيرين ، فلو جالسهما معا ، أو أفرد أحدهما بالمجالسة لم يخالف ما أبيح له.

والاعتماد فى فهم المراد من مثل هذا الخطاب على القرائن ، فلذلك لو جيء بالواو مكان «أو» لم يختلف المعنى.

وأكثر ورود «أو» للإباحة فى تشبيه أو تقدير :

فالتشبيه نحو : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤] و (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧].

__________________

(١) البيت لجرير فى ديوانه ص ٤١٦ ، والأزهية ص ١١٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٦٩ ، والدرر ٦ / ١١٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٣ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٩٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٦٢ ، ٧٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨٥ ، ٤ / ١٤٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٢٤ ، والجنى الدانى ص ٢٣٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٩٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٧ ، وشرح قطر الندى ص ١٨٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٤.

(٢) سفعت الفرس : إذا أخذت بمقدم رأسه. ينظر : مقاييس اللغة (سفع).

والبيت لعمرو بن معد يكرب فى ديوانه ص ١٤٥ ، ولحميد بن ثور فى ديوانه ص ١١١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٠٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٨ / ٢١٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٧٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٢٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٨ ، ولسان العرب (سفع) ، ومغنى اللبيب ١ / ٦٣.

(٣) البيت فى ديوانه ص ٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٩٢٩ ، وجواهر الأدب ص ٢١١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٧ ، ٢٤٠ ، والدرر ٦ / ١٦١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٥٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٨ ، ولسان العرب (صفف) ، (طها) ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٦ ، وبلا نسبة فى الاشتقاق ص ٢٣٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٤ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٦٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤١.

٥٤٨

والتقدير نحو : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [النجم : ٩] و (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧].

فلو جيء بالواو فى مثل هذا من الكلام لم يختلف المعنى.

ولذلك قرأ بعض القراء (١) : وارسلنه إلى مائة ألف ويزيدون [الصافات : ١٤٧] ـ بالواو ـ.

ومن مواضع تعاقب «أو» والواو : التقسيم كقول الشاعر : [من الطويل]

وننصر مولانا ونعلم أنّه

 ـ كما النّاس ـ مجروم عليه وجارم (٢)

أى : بعضهم مجروم عليه ، وبعضهم جارم ، أو منهم مجروم عليه ، ومنهم جارم ، فلو جيء بـ «أو» لجاز ، وكان التقدير : الملقى منهم مجروم عليه أو جارم.

ومثل هذا البيت قول الآخر : [من الطويل]

فقالوا لنا : ثنتان لا بدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل (٣)

فلو جيء بالواو هنا لكان جائزا ، ولكان أوفق لقوله : «ثنتان لا بدّ منهما» إلا أنه يسامح لوضوح المعنى.

و «إمّا» المسبوقة بمثلها ، عاطفة عند أكثر النحويين.

ومذهب ابن كيسان ، وأبى على : أن العاطف إنما هو الواو التى قبلها ، وهى جائية لمعنى من المعانى المفادة بـ : «أو».

وبقولهما أقول فى ذلك تخلصا من دخول عاطف على عاطف.

ولأن وقوعها بعد الواو مسبوقة بمثلها شبيه بوقوع «لا» بعد الواو مسبوقة بمثلها فى مثل : «لا زيد ولا عمرو فيها». و «لا» هذه غير عاطفة بإجماع ، فلتكن «إمّا» مثلها ؛ إلحاقا للنظير بالنظير ، وعملا بمقتضى الأولوية.

وذلك أن «لا» قبل مقارنة الواو صالحة للعطفية بإجماع ، ومع ذلك حكم بعدم عطفيتها عند مقارنتها ، فلأن يحكم بعدم عطفية «إمّا» عند مقارنة الواو أحق وأولى ،

__________________

(١) ينظر : المحتسب (٢ / ٢٢٦) ، الكشاف (٣ / ١٣٥٤).

(٢) تقدم تخريج هذا البيت.

(٣) البيت لجعفر بن علبة الحارثى فى الدرر ٦ / ١١٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٤٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٠٣ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٤٦٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ٦٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٤.

٥٤٩

وفتح همزتها لغة تميمية.

وقد تغنى عنها «أو» فيقال : «قام إمّا زيد أو عمرو» وإلى هذا أشرت بقولى :

 ... وقد

تجيء «إمّا» قبل «أو» ...

وأصلها : «إن» ، فضمت إليها «ما».

وقد يستغنى عن «ما» فى الشعر كقول الشاعر : [من الوافر]

وقد كذبتك نفسك فاكذبنها

فإن جزعا وإن إجمال صبر (١)

أراد : فإما جزعا ، وإما إجمال صبر.

وقد يستغنى عن «وإمّا» بـ «وإلا» كقول الشاعر : [من الوافر]

فإما أن تكون أخى بصدق

فأعرف منك غثّي (٢) من سميني

وإلا فاطّرحنى واتّخذنى

عدوّا أتّقيك وتتّقيني (٣)

وقد يستغنى بالثانية عن الأولى ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

نهاض بدار قد تقادم عهدها

وإمّا بأموات ألمّ خيالها (٤)

ومثله قوله النمر بن تولب : [من المتقارب]

__________________

(١) البيت لدريد بن الصمة فى ديوانه ص ٦٨ ، والأزهية ص ٥٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١٤ ، ١١٦ ، والدرر ص ١٠٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٠٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٨ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ١٠٩ ، والجنى الدانى ص ٢١٢ ، ٥٣٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٨١ ، ٩٣ ، ٩٦ ، ورصف المبانى ص ١٠٢ ، وشرح المفصل ٨ / ١٠١ ، ١٠٤ ، والكتاب ١ / ٢٦٦ ، ٣ / ٣٣٢ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٢٩ ، والمقتضب ٣ / ٢٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

(٢) الغث : غث حديث القوم : ردؤ وفسد. ينظر : الوسيط (غثث).

(٣) البيتان للمثقب العبدى فى ديوانه ص ٢١١ ـ ٢١٢ ، والأزهية ص ١٤١ ـ ١٤١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٨٩ / ١١ / ٨٠ ، والدرر ٦ / ١٢٩ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٦٦ ـ ١٢٦٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٩٠ ، ١٩١ ، ومغنى اللبيب ١ / ٦١ ، وله أو لسحيم بن وثيل فى المقاصد النحوية ١ / ١٩٢ ، ٤ / ١٤٩ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٥٣٢ ، وجواهر الأدب ص ٤١٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٦ ، والمقرب ١ / ٢٣٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

(٤) البيت لذى الرمة فى ملحق ديوانه ص ١٩٠٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٩٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٠ ، وللفرزدق فى ديوانه ٢ / ٧١ ، وشرح المفصل ٨ / ١٠٢ ، والمنصف ٣ / ١١٥ ، ولذى الرمة أو للفرزدق فى خزانة الأدب ١١ / ٧٦ ، ٧٨ ، والدرر ٦ / ١٢٤ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٤٢ ، والجنى الدانى ص ٥٣٣ ، ورصف المبانى ص ١٠٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٦١ ، والمقرب ١ / ١٣٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

٥٥٠

سقته الرّواعد من صيّف

وإن من خريف فلن يعدما (١)

قال سيبويه (٢) : «أراد : إما من صيف ، وإما من خريف ، فحذف «إمّا» الأولى ، واقتصر على الثانية بعد حذف «ما»».

وقد تجيء الثانية عارية من الواو كقول الشاعر : [من البسيط]

يا ليتما أمّنا شالت نعامتها

أيما إلى جنّة أيما إلى نار (٣)

وروى قطرب : [من منهوك الرجز]

لا تفسدوا أيما لكم

أيما لنا أيما لكم (٤)

أراد : إما لنا ، وإما لكم ، ففتح الهمزة وهى لغة بنى تميم ، وأبدل الميم الأولى ياء ، وحذف الواو.

وأما المعطوف بـ «لكن» فمحكوم له بالثبوت بعد نفى كقولك : «ما قام زيد لكن عمرو» ، أو بعد نهى كقولك : «لا تضرب زيدا لكن عمرا».

فإن دخلت عليها الواو كقوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٤٠] عريت «لكن» من العطف ، وقدر ما بعدها جملة معطوفة على ما قبلها بالواو ؛ لأن بقاء «لكن» بعد الواو عاطفة ممتنع لامتناع دخول عاطف على عاطف ، وجعل الواو

__________________

(١) البيت فى ديوانه ص ٣٨١ ، والأزهية ص ٥٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٩٣ ـ ٩٥ ، ١٠١ ، ١١٠ ، ١١٢ ، وشرح شواهد المغنى ص ١٨٠ ، والكتاب ١ / ٢٦٧ ، والمعانى الكبير ص ١٠٥٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٥١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٢٧ ، ٢٣٦ ، والجنى الدانى ص ٢١٢ ، ٥٣٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٥ ، والخصائص ٢ / ٤٤١ ، والدرر ٦ / ١٢٨ ، وشرح المفصل ٨ / ١٠٢ ، والكتاب ٣ / ١٤١ ، ومغنى اللبيب ١ / ٥٩ ، والمنصف ٣ / ١١٥.

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ٢٦٧).

(٣) البيت للأحوص فى ملحق ديوانه ص ٢٢١ ، ولسان العرب (أما) ، ولسعد بن قرط فى خزانة الأدب ١١ / ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٩٠ ، ٩٢ ، والدرر ٦ / ١٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٨٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٣ ، والمحتسب ١ / ٢٨٤ ، ٢ / ٣١٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٣ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٨٢ ، وتذكرة النحاة ص ١٢٠ ، والجنى الدانى ص ٥٣٣ ، وجواهر الأدب ص ٤١٤ ، ورصف المبانى ص ١٠٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٥ ، وشرح المفصل ٦ / ٧٥ ، ومغنى اللبيب ص ١ / ٥٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

(٤) الرجز بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٥٣٥ ، والدرر ٦ / ١٢١ ، والمحتسب ١ / ٢٨٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

٥٥١

عاطفة وحدها مع كون ما بعد «لكن» مفردا ممنوع ؛ لمخالفته فى الحكم للمعطوف عليه ، وحق المعطوف بالواو إن كان مفردا أن يستوى هو والمعطوف عليه فى الحكم.

فإن كانا جملتين ، اغتفر تخالفهما فى الحكم كقولك : «قام زيد ولم يقم عمرو» و «أكرم خالد وأهين بشر» و «أطع الله ولا تتّبع الهوى».

وزعم ابن خروف : أن المعطوف بعد «لكن» لم يستعمل إلا مع الواو.

وذكر بعض الأئمة : أن يونس لا يرى «لكن» عاطفة ، وكأنه إنما لم يعدها من حروف العطف ؛ لعدم استعمالها غير مسبوقة بواو.

ولم يمثل سيبويه للعطف بها إلا بعد واو فقال : «ما مررت بصالح ولكن بطالح» (١) ، وسمى المعطوف بها وب «بل» بدلا.

وأما «لا» فيعطف بها بعد خبر مثبت أو أمر نحو : «هذا زيد لا عمرو». و «أقصد محمّدا لا بشرا» ، وبعد نداء كقولك : «يا زيد لا عمرو» و «يا ابن لا ابن عمّ».

ومنع أبو القاسم الزجاجي (٢) فى كتاب «معانى الحروف» أن يعطف بـ «لا» بعد الفعل الماضى. وليس منع ذلك صحيحا لقول العرب : «جدّك لا كدّك». وقيل فى تفسيره : معناه : نفعك جدك لا كدك.

ومثله فى العطف على معمول فعل ماض قول امرئ القيس : [من الطويل]

كأنّ دثارا حلّقت بلبوبه

عقاب تنوفى لا عقاب القواعل (٣)

وجعل الكوفيون من حروف العطف : «ليس» ومن حججهم قول الشاعر : [من الرجز]

__________________

(١) ينظر : الكتاب (١ / ٤٣٥).

(٢) هو عبد الرحمن بن إسحاق أبو القاسم الزجاجى ، صاحب الجمل ، منسوب إلى شيخه الزجاج ، ولزمه حتى برع فى النحو ، وحدث عنه وعن نفطويه وابن دريد وأبى بكر ابن الأنبارى ، وغيرهم ، من تصانيفه : «الجمل» ، «الإيضاح» ، «الكافى» ، «شرح كتاب الألف واللام» ، «شرح خطبة الكاتب» ، وغيرها. مات سنة (٣٣٧ ه‍) على خلاف.

ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٧٧) ، الأعلام (٣ / ٢٩٩) ، وفيات الأعيان (١ / ٢٧٨).

(٣) البيت فى ديوانه ص ٩٤ ، وجمهرة اللغة ص ٩٤٩ ، والجنى الدانى ص ٢٩٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٨١ ، ١٨٤ ، والخصائص ٣ / ١٩١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥٠ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٤١ ، ٢ / ٦١٦ ، ولسان العرب (ملع) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٤٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٤ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٨٨ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٧ ، ومجالس ثعلب ص ٤٦٦ ، والممتع فى التصريف ١ / ١٠٤.

٥٥٢

أين المفرّ والإله الطّالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب (١)؟

وتوجيه هذا على مذهب البصريين : أن يجعل «الغالب» اسم «ليس» ، ويجعل خبرها ضميرا متصلا عائدا على الأشرم ، ثم حذف لاتصاله ؛ كما تقول : «الصّديق كانه زيد» ، ثم تحذف الهاء تخفيفا ؛ كما تحذفها من نحو : «زيد ضربه عمرو» فيصير : «زيد ضرب عمرو».

وأما «بل» : فللإضراب ، وحالها فيه مختلف.

فإن كان الواقع بعدها جملة ، فهى للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره ، ولا تكون فى القرآن إلا على هذا الوجه.

وإن وقع بعدها مفرد وليس قبله نفى ، ولا نهى ، فهى لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها نحو : «جاء زيد بل عمرو» و «خذ هذا بل ذلك».

فإن كان قبل المفرد نفى أو نهى ، آذنت بتقرير حكمه ، وبجعل ضده لما بعده ؛ فـ «زيد» من قولك : «ما قام زيد بل عمرو» قد قرر نفى قيامه ، و «عمرو» قد أثبت قيامه ، و «خالدا» من قولك : «لا تضرب خالدا بل بشرا» قد قرر النهى عن ضربه و «بشر» قد أمر بضربه ، هذا هو الصحيح.

ولذلك لم يجز فى المعطوف بـ «بل» و «لكن» على خبر «ما» إلا الرفع ، لأن «ما» لا تعمل إلا فى منفى ، والمبرد يوافق فى هذا الحكم.

ويجوز مع ذلك أن تكون «بل» ناقلة حكم النفى والنهى لما بعدها. وما جوزه مخالف لاستعمال العرب كقول الشاعر : [من البسيط]

لو اعتصمت بنا لم تعتصم بعدا

بل أولياء كفاة غير أوغاد (٢)

وكقول الآخر : [من البسيط]

__________________

(١) الرجز لنفيل بن حبيب الحميرى فى الدرر ٦ / ١٤٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٧٠٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٢٣ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٤٩٨ ، ومغنى اللبيب ص ٢٩٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٨.

(٢) الوغد : الدنىّ. ينظر : مقاييس اللغة (وغد).

والبيت بلا نسبة فى الدرر ٦ / ١٣٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٦.

٥٥٣

وما انتميت إلى خور (١) ولا كشف (٢)

ولا لئام غداة الرّوع أوزاع

بل ضاربين حبيك (٣) البيض إن لحقوا

شمّ العرانين عند الموت لذّاع (٤)

وكقول الآخر : [من البسيط]

لا تلق ضيفا إذا أملقت معتذرا

بعسرة بل غنى النّفس جذلانا (٥)

(ص)

وفصل عاطف بحرف جرّ او

ظرف أجز مخالفا قوما أبوا

نحو (اكسنى اليوم قميصا وغدا

بردا) وفى نثر ونظم وردا

وفصل غير الواو والفا بالقسم

قد يستبيح ناثر ، ومن نظم

وأعد العامل بعد ما فصل

إن كان خافضا توافق من عدل

ك (امرر بذا وبعد بابنى) واغتفر

نحو (لذا شهد وخالد صبر)

وجرّ (خالد) بلام قد حذف

أولى من العطف على ذا فاعترف

ومثل ظاهر ضمير منفصل

فى العطف والعطف عليه قد جعل

وإن على مضمر رفع متّصل

تعطف فقبل العطف جئ بالمنفصل

أو بسواه افصل ، وربّما ورد

عطف بلا فصل كـ (سرنا والمدد)

وعود حرف الجرّ فى عطف على

ضمير جرّ ، أو بعيد فضّلا

وحيث لا يعاد فالنّصب أحق

وقد يرى للرّفع عند ذاك حق

وإن يك المجرور مرفوع المحلّ

فالنّصب فى حكم النّحاة لن يحلّ

وذو اتّصال من ضمير النّصب لا

حجر لدى عطّف عليه بولا

والأخفش الواو و (ثمّ) والفا

زاد وحذف عاطف قد يلفي

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو إذ لا لبس وهى انفردت

بعطف عامل مزال قد بقى

معموله دفعا لوهم اتّقي

__________________

(١) الخور : الضعف. ينظر : مقاييس اللغة (خور).

(٢) الأكشف : من لا ترس معه فى الحرب القاموس (كشف).

(٣) الحبك : الشدة والإحكام القاموس (حبك).

(٤) البيتان لضرار بن الخطاب فى الدرر ٦ / ١٣٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٧ ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ٢ / ١٣٦.

(٥) البيت بلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص ٦٣٢.

٥٥٤

وقد يسوغ حذف متبوع هنا

إن كان تحصيل المراد ممكنا

ومتبع بالواو قد يقدّم

موسّطا إن يلتزم ما يلزم

وعطفوا فعلا على فعل كـ (من

يجمع ويمنع فهو غير مؤتمن)

وألزمنهما اتّفاقا فى الزّمن

واغتفر اختلاف لفظ حيث عن

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا

ك (ربّ بيضاء من العواهج

أمّ صبى قد حبا أو دارج)

كذا (يعشّيها بعضب باتر

يقصد فى أسوقها وجائر)

(ش) منع أبو على الفصل بين العاطف والمعطوف بظرف أو جار ومجرور ، وجعل من الضرورات قول الشاعر : [من المنسرح]

يوما تراها كشبه أردية ال

عصب ويوما أديمها نغلا (١)

وليس الأمر كما زعم.

بل الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف والجار والمجرور جائز فى الاختيار إن لم يكن المعطوف فعلا ولا اسما مجرورا ، وهو فى القرآن كثير كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء : ٥٨] ؛ ففصل بـ «إذا» وما أضيفت إليه بين الواو و «أن تحكموا» وهو معطوف على «أن تؤدّوا».

وكقوله ـ تعالى ـ : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] ؛ ففصل بـ «فى الآخرة» بين الواو و «حسنة».

وكقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس : ٩] ؛ ففصل بـ «من خلفهم» بين الواو و «سدّا».

وكقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق : ١٢] ؛ ففصل بـ «من الأرض» بين الواو و «مثلهن».

فإلى هذا أشرت بقولى :

 ...

 ... وفى نثر ونظم وردا

__________________

(١) البيت للأعشى فى ديوانه ص ٢٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٢٤ ، ولسان العرب (خمس) ، (نغل) ، (أدم) ، وبلا نسبة فى الخصائص ٢ / ٣٩٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٦.

٥٥٥

ثم بينت أن غير الفاء والواو من حروف العطف ، قد يحال بينه وبين المعطوف بالقسم نحو : «قام زيد ثمّ والله عمرو» و «ما لك دينارا بل والله درهما».

فلو كان العاطف فاء أو واوا ، لم يجز هذا الفصل ؛ لأن الفاء والواو أشد افتقارا إلى ما يتصل بهما من غيرهما.

ثم بينت أن المفصول من العاطف إن كان معطوفا على مجرور أعيد معه الجار كقولى :

 ... امرر بذا وبعد بابنى ...

 ...

فلو حذفت الجار لم يجز.

بخلاف الرافع والناصب ، فالاستغناء عن إعادتهما بعد الفصل جائز. نحو : «يقوم اليوم زيد ، وغدا عمرو» و «رأيت زيدا وقبله عمرا». ثم بينت أنه لا يمتنع نحو :

 ...

 ... لذا شهد وخالد صبر

لكن فى جوازه مذهبان :

أحدهما : أن يكون جر «خالد» بالعطف على «ذا» ، و «صبر» معطوف على «شهد» فيكون عطفا على عاملين ، وهو عند أبى الحسن فى مثل هذا جائز.

والثانى : أن يكون جر «خالد» بلام محذوفة ، دلت عليها اللام المتقدمة.

ولا يلزم من هذا عطف على عاملين ؛ فإن الجار والمجرور : خبر مقدم و «صبر» : مبتدأ ، والجملة : معطوفة على الجملة المتقدمة.

وهذا أقرب من عطف على عاملين ؛ إذ ليس فى هذا التوجيه ما يستبعد إلا حذف حرف الجر ، وبقاء عمله ، ومثل هذا لوجود ما يدل على المحذوف جائز بإجماع ؛ ولذلك جروا بـ «من» محذوفة بعد «كم» إذا دخل عليها حرف جر.

وقد أجاز الأخفش والسيرافى وغيرهما من المحققين جر المجاب به بحرف محذوف إذا كان حرف الجر ظاهرا فى السؤال نحو أن تقول : «زيد» لمن قال : «بمن مررت»؟.

وإذا كان معنى حرف الجر فى السؤال قد سوغ للمجيب أن يجر بحرف محذوف ، كقول رؤبة : «خير» ـ بالجر ـ لمن قال : «كيف أصبحت»؟ فلأن يسوغ ظهور حرف الجر فى السؤال إعمال الجار المحذوف أحق وأولى. فهذا يقوى ما أشرت إليه من صحة قولى :

٥٥٦

 ...

 ... لذا شهد وخالد صبر

والأصل المصحح لقولى :

 ...

 ... لذا شهد وخالد صبر

ولقول النحويين : «فى الدّار زيد ، والحجرة عمرو» : قوله ـ تعالى ـ : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية : ٤ ـ ٥] ؛ فالواو من : «واختلاف اللّيل» عاطفة جملة على جملة ، كما تقرر فى توجيه : «لذا شهد وخالد صبر».

وحذف خافض : «اختلاف اللّيل والنّهار» لدلالة خافض : «خلقكم» عليه. ومثل ذلك قول الشاعر ؛ أنشده الفراء : [من الطويل]

ألا يالقوم كلّ ما حمّ واقع

وللطّير مجرى والجنوب مصارع (١)

وقراءة حمزة والكسائى (٢) : «آيات» على تقدير «إن» و «فى» لدلالة المتقدمين عليهما.

__________________

(١) البيت للبعيث فى لسان العرب (حمم) ، ولخداش بن بشر العاملى أو لقيس بن ذريح فى المقاصد النحوية ٣ / ٣٥٢ ، وبلا نسبة فى الدرر ٦ / ١٥٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٩.

(٢) الأخوين يقرآن «آيات» بالكسر ، وهى تحتاج إلى إيضاح ؛ فإنّ الناس قد تكلموا فيها كلاما كثيرا وخرّجوها على أوجه مختلفة ، وبها استدلّ على جواز العطف على عاملين. قلت :

والعطف على عاملين لا يختص بقراءة الأخوين ، بل يجوز أن يستدلّ عليه أيضا بقراءة الباقين ؛ كما ستقف عليه إن شاء الله تعالي. فأمّا قراءة الأخوين ففيها أوجه :

أحدها : أن يكون «اختلاف اللّيل» مجرورا بـ «فى» مضمرة وإنما حذفت لتقدم ذكرها مرتين وحرف الجرّ إذا دلّ عليه دليل جاز حذفه وإبقاء عمله ؛ أنشد سيبويه : [من البسيط]

فالآن قد بتّ تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيام من عجب

تقديره : وبالأيّام ؛ لتقدّم الباء ، فى بك ولا يجوز عاطفه على الكاف ؛ لأنه ليس من مذهبه ـ كما عرفت ـ العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار. والتقدير فى هذه الآية : وفى اختلاف الليل ، فآيات على ما تقدم من الوجهين فى «آيات» قبلها العطف أو التأكيد. قالوا : ويدل على ذلك قراءة عبد الله «وفى اختلاف» تصريحا بـ «فى». فهذان وجهان.

الثالث : أن يعطف «اختلاف» على المجرور بـ «فى» و «آيات» على المنصوب بـ «إنّ» ، وهذا هو العطف على عاملين ، وتحقيقه على معمولى عاملين ؛ وذلك أنك عطفت «اختلاف» على «خلق» وهو مجرور بـ «فى» فهو معمول عامل ، وعطفت «آيات» على اسم إنّ وهو معمول عامل آخر ؛ فقد عطفت بحرف واحد ـ وهو الواو ـ معمولين ـ وهما : «اختلاف» و «آيات» ـ على معمولين قبلهما ، وهما «خلق» و «آيات». وبظاهرها استدل من جوّز ذلك كالأخفش.

٥٥٧

__________________

وفى المسألة أربعة مذاهب : المنع مطلقا ، وهو مذهب سيبويه وجمهور البصريين ، قالوا : لأنه يؤدى إلى إقامة حرف العطف مقام عاملين وهو لا يجوز ؛ لأنه لو جاز فى عاملين لجاز فى ثلاثة ، ولا قائل به ، ولأن حرف العطف ضعيف فلا يقوى أن ينوب عن عاملين ، ولأن القائل بجواز ذلك يستضعفه ، والأحسن عنده ألا يجوز ؛ فلا ينبغى أن يحمل عليه كتاب الله ، ولأنه بمنزلة التّعديتين بمعدّ واحد وهو غير جائز.

قال ابن السراج : العطف على عاملين خطأ فى القياس غير مسموع من العرب ، ثم حمل ما فى هذه الآية على التكرار للتأكيد. قال الرّمّانىّ : هو كقولك : إنّ فى الدار زيدا والبيت زيدا ؛ فهذا جائز بإجماع. فتدبّر هذا الوجه الذى ذكره ابن السراج ؛ فإنه حسن جدا ، لا يجوز أن يحمل كتاب الله إلا عليه ، وقد يثبت القراءة بالكسر ولا عيب فيها فى القرآن على وجه ، والعطف على عاملين عيب عند من أجازه ومن لم يجزه فقد تناهى فى العيب ؛ فلا يجوز حمل هذه الآية إلا على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره.

قلت : وهذا الحصر منه غير مسلّم ؛ فإن فى الآية تخريجات أخر غير ما ذكره ابن السراج يجوز الحمل عليها. وقال الزجاج : ومثله فى الشعر :

أكلّ امرئ تحسبين امرءا

ونار توقّد باللّيل نارا

وأنشد الفارسىّ للفرزدق :

وباشر راعيها الصّلا بلبانه

وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّق

وقول الآخر :

وأوصيت من برّة قلبا حرّا

بالكلب خيرا والحماة شرّا

قلت : أما البيت الأول فظاهر أنه عطف «ونار» على «امرئ» المخفوض بـ «كل» ، ونارا الثانية على «امرءا» الثانى ، والتقدير : وتحسبين كلّ نار نارا ؛ فقد عطف على معمولى عاملين.

والبيت الثانى : عطف فيه «جنبيه» على «بلبانه» ، وعطف حرّ النار على الصّلا ، والتقدير : وباشر بجنبيه حرّ النار.

والبيت الثالث : عطف فيه «الحماة» على الكلب وشرّا على «خيرا» تقديره : وأوصيت بالحماة شرّا. وسيبويه في جميع ذلك يرى الجرّ بخافض مقدر ، لكنه عورض بأنّ إعمال حرف لجر مضمرا ضعيف جدّا ؛ ألا ترى أنه لا يجوز : مررت زيد؟ بخفض زيد إلّا فى ضرورة كقوله :

إذا قيل أىّ النّاس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع

يريد : إلى كليب ، وقوله :

 ...

حتّى تبذّخ فارتقى الأعلام

أى إلى الأعلام ؛ فقد فرّ من شىء ووقع فى أضعف منه.

وأجيب عن ذلك : بأنه لما تقدّم ذكر الحرف فى اللفظ قويت الدلالة عليه ؛ فكأنه ملفوظ به ما أوردتموه فى المثال والشعر.

والمذهب الثانى : التفصيل وهو مذهب الأخفش ؛ ذلك أنه لا يجوز إلا بشرطين :

أحدهما : أن يكون أحد العاملين جارّا.

٥٥٨

أو على جعل «آيات» الثانى ، والثالث توكيدين لـ «آيات» الأول.

والتوكيد بعد التوكيد ، وحذف ما دل عليه دليل ليس ببدع ؛ بخلاف العطف على

__________________

والثانى : أن يتّصل المعطوف بالعاطف أو يفصل بـ «لا» ، مثال الأول : الآية الكريمة والأبيات التى قدمتها ؛ ولذلك استصوب المبرد استشهاده بالآية ، ومثال الفصل بـ «لا» قولك : ما فى الدار زيد ولا الحجرة عمرو. فلو فقد الشرطان نحو : إنّ زيدا شتم بشرا ووالله خالدا هندا ، أو فقد أحدهما نحو : إنّ زيدا ضرب بكرا وخالدا بشرا ـ فقد نقل ابن مالك الامتناع عند الجميع ، وفيه نظر ؛ لما ستعرفه فى الخلاف.

الثالث : أنه يجوز بشرط أن يكون أحد العاملين جارّا ، وأن يكون متقدما نحو الآية الكريمة ، فلو لم يتقدم نحو : إنّ زيدا فى الدار وعمرو فى السوق لم يجز ، وكذا لو لم يكن حرف جرّ كما تقدم تمثيله.

الرابع : الجواز مطلقا ، ويعزى للفراء.

الوجه الرابع ـ من أوجه تخريج القراءة المذكورة ـ : أن ينتصب بـ «آيات» على الاختصاص ؛ قاله الزمخشرى ، وسيأتى فيما أحكيه عنه.

وأما قراءة الرفع ففيها أوجه :

أحدها : أن يكون الأول.

الثانى : أن يكون تأكيدا لآيات التى قبلها ، كما كانت كذلك فى قراءة النصب.

الثالث : أن تكون المسألة من باب العطف على عاملين ، وذلك أن «اختلاف» عطف على «خلقكم» وهو معمول لـ «فى». فـ «آيات» معطوفة على «آيات» قبلها ، وهى معمولة للابتداء ، فقد عطف على معمولى عاملين فى هذه القراءة أيضا. قال الزمخشرى : قرئ (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بالرفع والنصب على قولك إنّ زيدا فى الدار وعمرو فى السوق أو عمرا فى السوق. وأما قوله (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فمن العطف على عاملين ، سواء نصبت أم رفعت فالعاملان فى النصب «إنّ» و «فى» أقيمت الواو مقامهما فعملت الجرّ فى (اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) والنصب فى «آيات» وإذا رفعت فالعاملان الابتداء و «فى» : «عملا الرفع فى «آيات» والجرّ فى «اختلاف». ثم قال فى توجيه النصب : والثانى : أن ينتصب على الاختصاص بعد انقضاء المجرور.

الخامس : أن يرتفع «آيات» على خبر ابتداء مضمر ، أى : هى آيات ، وناقشه الشيخ ، فقال : ونسبة الجرّ والنصب للواو ليس بصحيح ؛ لأنّ الصحيح من المذاهب أنّ حرف العطف لا يعمل. قلت : قد ناقشه الشيخ شهاب الدين أبو شامة أيضا ، فقال : فمنهم من يقول هو على هذه القراءة أيضا. يعنى قراءة الرفع. عطف على عاملين وهما : حرف «فى» ، والابتداء المقتضى للرفع ، ومنهم من لا يطلق هذه العبارة فى هذه القراءة ؛ لأن الابتداء ليس بعامل لفظى. وقرئ «واختلاف» بالرفع «آية» بالرفع والتوحيد على الابتداء والخبر ، وكذلك قرئ. «وما يبثّ من دابّة آية» بالتوحيد ، وقرأ زيد بن على وطلحة وعيسى «وتصريف الريح» كذا قال الشيخ. قلت : وقد قرأ بهذه القراءة حمزة والكسائى أيضا.

ينظر : الدر المصون (٦ / ١٢٢ ـ ١٢٥).

٥٥٩

عاملين ؛ فإنه بمنزلة تعديتين بمعد واحد ، فلا يجوز.

ثم بينت أن الضمير المنفصل فى عطفه على غيره ، وعطف غيره عليه بمنزلة الظاهر ؛ فيقال : «أنت وزيد صديقان» و «عمرو وأنتما متّفقون» و «إيّاك وخالدا أكرمت» و «لا تصحب إلا أخاك وإيّاى».

فإن كان المعطوف عليه ضميرا متصلا مرفوعا ، فالجيد الكثير أن يؤكد قبل العطف بضمير منفصل كقوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأنبياء : ٥٤].

أو يفصل بينه وبين العاطف بمفعول أو غيره كقوله ـ تعالى ـ : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) [الرعد : ٢٣].

وقد يغنى عن الفصل فى الجملة المنفية وقوع «لا» بين العاطف والمعطوف كقوله ـ تعالى ـ : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨].

ولا يمتنع العطف عليه دون فصل ، ومنه ما حكى سيبويه من قول بعضهم : «مررت برجل سواء والعدم» (١).

فعطف «العدم» دون فصل ، ودون ضرورة على ضمير الرفع المستتر فى «سواء» ، ومثله قول جرير : [من الكامل]

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا (٢)

وهذا ـ أيضا ـ فعل مختار غير مضطر ؛ لتمكن الشاعر من نصب «وأب» على أن يكون مفعولا معه.

ومثله فى عدم الاضطرار والتكلم بالاختيار قول عمر بن أبى ربيعة : [من الخفيف]

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الملا (٣) تعسّفن رملا (٤)

__________________

(١) ينظر : الكتاب (١ / ٤٣٥).

(٢) البيت فى ديوانه ص ٥٧ ، والدرر ٦ / ١٤٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٠ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٤٧٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٩٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٩ ، والمقرب ١ / ٢٣٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٨.

(٣) الملا : الفلاة الواسعة. ينظر : اللسان (ملا).

(٤) البيت فى ملحق ديوانه ص ٤٩٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٥٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٦ ، واللمع ص ١٨٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦١ ، وبلا ـ

٥٦٠