شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

فإضافتها ، أبدا ، لفظية ، وأمّا اسما الفاعل والمفعول ، فعملهما في مرفوع هو سبب (١) ، جائز مطلقا ، سواء كانا بمعنى الماضي ، أو بمعنى الحال ، أو بمعنى الاستقبال ؛ أو لم يكونا لأحد الأزمنة ، بل كانا للإطلاق المستفاد منه الاستمرار ، نحو : زيد ضامر بطنه ، ومسود وجهه ، ومؤدّب خدّامه ؛ وذلك لأن أدنى مشابهة للفعل تكفي في عمل الرفع ، لشدة اختصاص المرفوع بالفعل ، وخاصّة إذا كان سببا ، ألا ترى إلى رفع الظرف ، والمنسوب في نحو : زيد في الدار أبوه ، على مذهب أبي علي (٢) ، ونحو : مررت برجل مصريّ حماره ، وكذا برجل خزّ صفّة سرجه (٣) ؛ وإذا كانا كذا (٤) ، فإضافتهما إلى سبب هو فاعلهما معنى : لفظية دائما من حيث اللفظ ، وأمّا من حيث المعنى ، فلأن المضاف في الحقيقة نعت المضاف إليه ، ألا ترى أنك إذا قلت : زيد قائم الغلام ، فالمعنى : له غلام قائم ، وكذا مؤدّب الخدّام ، وحسن الوجه ، والنعت هو المعيّن للموصوف والمخصّص له ، لا المتعيّن منه والمتخصص ، فلم يمكن تعيين هذه الثلاثة بما أضيفت إليه ، ولا تخصصها منه ، بخلاف : خاتم فضة ، وغلام زيد ، فإن المضاف إليه في الحقيقة ههنا : صفة للمضاف ، لأن المعنى : خاتم من فضة وغلام لزيد ،

ويعمل ، أيضا ، اسما الفاعل والمفعول : الرفع في غير السبب ، بمعنى الاطلاق ، كانا ، أو بمعنى أحد الأزمنة الثلاثة ، نحو : مررت برجل نائم في داره عمرو ، ومضروب على بابه بكر ، لكن لا يضافان إلى مثل هذا المرفوع ، إذ لا ضمير فيه يصح انتقاله إلى الصفة وارتفاعه بها ، فيبقى بلا مرفوع في الظاهر ، ولا يجوز ذلك لقوة شبههما بالفعل ، كما سيجيء ؛ وكذا يعملان في الظرف ، والجار والمجرور مطلقا ، لأن الظرف يكفيه رائحة الفعل ، نحو : مررت برجل ضارب أمس في الدار ، ومضروب أوّل من أمس

__________________

(١) المراد به الاسم المرفوع المشتمل على ضمير يعود على الموصوف باسم الفاعل أو اسم المفعول ، ويطلق عليه : السببيّ ،

(٢) أي الفارسي ، واشتهرت نسبة هذا الرأي إليه ،

(٣) صفّة السرج : أعلاه ، وصفّة البيت جانب منه ،

(٤) أي كما شرحنا ،

٢٢١

بالسوط ، وكذا ينبغي أن يكون «الحال» (١) ، لمشابهته للظرف ، وكذا المفعول المطلق ، لأنه ليس بأجنبيّ ،

وأمّا عمل اسمي الفاعل والمفعول ، في المفعول به ، وغيره من المعمولات الفعلية (٢) ، فمحتاج إلى شرط ، لكونها أجنبية ؛ وهو (٣) مشابهتهما للفعل معنى ، ووزنا ، ويحصل هذا الشرط لهما ، إذا كانا بمعنى الحال أو الاستقبال ، أو الإطلاق المفيد للاستمرار ، لأنهما ، إذن يشبهان المضارع الصالح لهذه المعاني الثلاثة ، الموازن على الاطراد ، لاسم الفاعل والمفعول ، بخلاف الماضي ؛ أمّا صلاحيته (٤) للحال والاستقبال فظاهرة ، وأمّا صلاحيته للإطلاق المفيد للاستمرار ، فلأن العادة جارية منهم ، إذا قصدوا معنى الاستمرار أن يعبّروا عنه بلفظ المضارع ، لمشابهته للاسم الذي أصل وضعه للاطلاق ، كقولك : زيد يؤمن بالله ، وعمرو يسخو بموجوده ؛ أي : هذه عادته ؛

فإذا ثبت أن اسمي الفاعل والمفعول يعملان في الأجنبي ، إذا كانا بأحد هذه المعاني الثلاثة ، فإضافتهما ، إذن ، إلى ذلك الأجنبي لفظية لأن هذا مبني على العمل ، كما تقدّم ؛

وأبنية المبالغة ، لمّا كانت للاستمرار ، لا ، لأحد الأزمنة ، عملت ، نحو : إنه لمنحار بوائكها (٥) ، و:

٢٨٣ ـ ضروب بنصل السيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنك عاقر (٦)

واسم الفاعل ، واسم المفعول ، لا يضافان ، من بين مطلوباتهما ، إلا إلى الفاعل والمفعول

__________________

(١) المراد الاسم المنصوب على أنه حال ؛

(٢) أي متعلقات الفعل المختلفة ،

(٣) أي الشرط المطلوب ،

(٤) أي المضارع ،

(٥) البوائك جمع بائكة ، وهي الناقة السمينة ، ومنحار : كثير النحر ، لهذا النوع من الابل ،

(٦) نسب هذا البيت إلى أبي طالب بن عبد المطلب ، وهو من قصيدة في رثاء أميّة بن المغيرة المخزومي ؛ وخطّأ البغدادي من قال إن الشعر في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم أو غيره ؛

٢٢٢

به والمفعول فيه ، لشدة طلبهما لها ، دون سائر معمولاتهما ؛

وقد جاء بعض الأسماء مؤوّلا باسم الفاعل المستمر ، فكانت إضافته لفظية ، كقوله :

بمنجرد قيد الأوابد هيكل (١) ـ ١٧٧

أي : مقيّد الأوابد ، ومنه قولهم : هذه ناقة عبر الهواجر (٢) ، أي عابرة كقوله :

يا سارق الليلة أهل الدار (٣) ؛ ـ ١٦٨

وأمّا إذا كانا بمعنى الماضي ، فإضافتهما محضة ، لأنهما لم يوازنا الماضي ، فلم يعملا عمله ، إلّا عند الكسائي فإنه (٤) عنده يعمل ، فتكون إضافته عنده لفظية ؛ والدليل على أن كونهما (٥) بمعنى الماضي محضة ، قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً) (٦) ؛ جعل «فاطر» و «جاعل» صفتين للمعرّف ؛

هذا من حيث اللفظ ، وأما من حيث المعنى ، فلأن ملابسة المضاف للمضاف إليه قد حصلت في الماضي واشتهرت ، في نحو : ضارب زيد أمس فيصح أن يتخصص المضاف به كتخصص الغلام بزيد في : غلام زيد ، حين اشتهر بمملوكيته ، وأمّا الحال فلم يتمّ بعد حصوله ، والمستقبل مترقب ، فلم يشتهر فيهما ملابسة المضاف للمضاف إليه بحيث يتعيّن المضاف بها أو يتخصص ؛

واسم الفاعل أو المفعول المستمر ، يصح أن تكون إضافته محضة ، كما يصح ألّا يكون كذلك ، وذلك لأنه وإن كان بمعنى المضارع ، إلا أن استمرار ملابسة المضاف

__________________

(١) هو عجز بيت من معلقة امرئ القيس في وصف فرسه ، وتقدم البيت شاهدا في أول باب الحال ؛

(٢) الهواجر جمع هاجرة وهي شدّة الحرّ ، يعني أنها تعبر الأماكن التي تشتد فيها الحرارة لا تباليها لقوتها ،

(٣) تقدم ذكره قريبا ؛

(٤) فانه : أي الوصف ، لذلك أفرد الضمير ،

(٥) أي على أن إضافتهما ..

(٦) الآية الأولى من سورة فاطر ،

٢٢٣

للمضاف إليه ، يصحح تعيّنه به أو تخصصه ، ولا سيما (١) إذا كان معنى الاستمرار في الفعل غير وضعي ؛ فإن وضعه على الحدوث ؛

قال سيبويه (٢) : تقول : مررت بعبد الله ضاربك ، كما تقول مررت بعبد الله صاحبك ، أي : المعروف بضربك ، كما تقول : بزيد شبيهك ، أي المعروف بشبهك ، فإذا قصدت هذا المعنى ، لم يعمل الفاعل (٣) في محلّ المجرور به نصبا ، كما في «صاحبك» ، وإن كان أصله اسم فاعل من : صحب يصحب ، بل نقدره كأنه جامد ، قال تعالى : (حم ، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ)(٤) ؛

ومثال اسم المفعول المضاف إلى الأجنبيّ ، أي المنصوب قولك : زيد معطى الدار ، أي يعطى الدار ، وعمرو مكسوّ الجبّة ، أي يكسى الجبّة ؛ وحاله كحال اسم الفاعل المضاف إلى المنصوب ، كما مرّ ؛

واعلم أن حال المصدر بخلاف الصفة ، فإن إضافته إلى معموله محضة وذلك لنقصان مشابهته للفعل لفظا ومعنى ، أمّا لفظا ، فلعدم موازنته ، وأمّا معنى فلأنه لا يقع موقع الفعل ولا يفيد فائدته إلا مع ضميمة وهي «أن» (٥) ، بخلاف الصفة فإنها تؤدي معنى الفعل بلا ضميمة ، تقول : أعجبني ضرب زيد عمرا ، أي : أن ضرب زيد عمرا ، وتقول : زيد ضارب عمرا ، أي : يضرب عمرا ، فلقوة شبه الصفة ، لم يكن لها بدّ من مرفوع إمّا ظاهر أو مضمر ، بخلاف المصدر كقوله تعالى : (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا) (٦) ، فإنه مجرّد عن المرفوع ، وكقولك : أعجبني ضرب ، فإنه مجرد عن المرفوع والمنصوب ، فلما

__________________

(١) يريد أن يقول إن الأصل في الفعل وضعه على الحدوث وذلك مما يقوي دعوى أن إضافة المستمر محضة ،

(٢) هذا منقول بمعناه من سيبويه ج ١ ص ٢١٣ ،

(٣) أي اسم الفاعل ،

(٤) الآيات الثلاث من أول سورة غافر ؛

(٥) هو معنى قولهم في شرط عمل المصدر : أن يكون مفسرا بأن والفعل ،

(٦) الآتيان ١٤ ، ١٥ سورة البلد ،

٢٢٤

كانت الصفة أقوى شبها بالفعل ، كانت أولى بعملها عمل الفعل ، فكان تقدير الانفصال (١) فيها ، أظهر ، فمن ثمّ كانت إضافتها إلى معمولها لفظية ، وإضافة المصدر إلى معموله محضة ، فيختص المصدر ، أو يتعرف ، بنسبته إلى فاعله أو مفعوله ، لاشتهاره به ، كاختصاص الغلام برجل ، وتعرفه بزيد ؛

فإن قلت : فمقتضى ما ذكرت ، أن يكون عمل الصفة عمل الفعل ، أولى من عمل المصدر عمله ، والأمر بالعكس وذلك أن المصدر في عمله لا يحتاج إلى شرط ، بخلاف الصفة ، فإنها تحتاج إلى الاعتماد ، واسم الفاعل واسم المفعول محتاجان إلى كونهما بمعنى المضارع ، مع الاعتماد ، كما سيأتي في أبوابها ؛

قلت : إن الأمر كذلك ؛ إلّا أن المصدر أطلب (٢) لما هو فاعل له ، ومفعول من الصفة ، لأنه يطلبهما لكونهما من ضروريّاته عقلا ، لا وضعا ، فبعد حصولهما له ، يكفيه للعمل فيهما أدنى مشابهة للفعل ؛ واسما الفاعل والمفعول ، يطلبانهما لتضمنهما معنى المصدر الطالب لهما ، فبعد حصولهما ، لهما ، يحتاجان إلى مشابهة قوية مع الفعل ، وشروط ، حتى يعملا عمل الفعل ؛

فالمحصول (٣) ؛ أن طلب المصدر للفاعل والمفعول قوي لكونه لذاته ، وعمله فيهما ضعيف ، لكونه لمشابهة ضعيفة مع الفعل لفظا ومعنى ، فلهذا كان المصدر المضاف إلى أحدهما أكثر استعمالا من المصدر المعمل فيهما ، وطلب الصفة (٤) ، للفاعل والمفعول ، ضعيف ، لكونه بتضمن المصدر ، وعملها فيهما قويّ ، لكونه لمشابهة قوية مع الفعل لفظا ومعنى ، فلهذا ، إذا جررت في اللفظ فاعلها فلا بدّ من تقدير ضمير فيها قائم مقام الفاعل ،

__________________

(١) الذي هو معنى الإضافة اللفظية.

(٢) أي أشد طلبا منهما ،

(٣) هذا تلخيص للكلام السابق : أي الذي يمكن تحصيله من الكلام السابق ، ويعبّر عنه المؤلفون بقولهم :

والحاصل كذا ،

(٤) المراد ما يشمل اسم الفاعل واسم المفعول ،

٢٢٥

مرفوع ، وإن لم يكن في الحقيقة فاعلا ، كقائم الغلام (١) ، وحسن الوجه ، فإذا كانت أقوى في العمل من المصدر ، كانت إضافتها بتقدير الانفصال ، أولى من المصدر ، لأن انفصال الإضافة مبني على العمل ، كما ذكرنا ، لا على طلب الفاعل والمفعول ؛

قوله : «ولا تفيد إلا تخفيفا في اللفظ» ، وذلك لما قلنا ان مشابهتها للفعل قوية ، فكان إعمالها عمل الفعل أولى ، إلا أنه يطلب التخفيف اللفظي ، والتخفيف في اسمي الفاعل والمفعول المضافين إلى الأجنبي ، لا يكون إلا في المضاف ، وذلك بحذف التنوين أو النونين ، نحو : ضارب زيد ، ومعطى الأجرة ، وضاربا عمرو ، ومكسوّو الفراء ؛ وأمّا في اسمي الفاعل والمفعول المضافين إلى السّببين ؛ والصفة المشبهة ، فقد يكون (٢) في المضاف والمضاف إليه معا ، نحو : زيد قائم الغلام ، ومؤدّب الخدّام وحسن الوجه ، فالتخفيف في المضاف بحذف التنوين ، وفي المضاف إليه بحذف الضمير واستتاره في الصفة ، وقد يكون في المضاف وحده ، كقائم غلامه ومؤدّب خدّامه ، وحسن وجهه عند من جوّز ذلك ، كما سيجيء في أبوابها ، وقد يكون في المضاف إليه وحده ، كالقائم الغلام ، والمؤدّب الخدّام ، والحسن الوجه ؛

فإن قلت : كيف ادّعيت أنها لم تفد إلّا التخفيف ، وقد علمنا بالضرورة أن التخصيص الذي في : ضارب زيد ، لا ينقص عمّا في : غلام رجل ، إن لم يزد عليه ؛

قلنا : التخصيص لم يحصل بإضافة ضارب إلى زيد ، بل كان حاصلا لضارب من زيد ، حين كان منصوبا به أيضا ، بلا تفاوت في التخصيص بين نصبه وجرّه ، ومقصودنا أن الإضافة غير مخصّصة ولا معرّفة ؛

قوله : «ومن ثمّ جاز : مررت برجل حسن الوجه» ، أي من جهة أنها لم تفد تعريفا ، بل أفادت تخفيفا ؛ فمن جهة أنها لم تفد تعريفا جازت هذه المسألة ، وامتنع : بزيد حسن

__________________

(١) لأن الفاعل في الحقيقة هو المضاف إليه في المثالين.

(٢) فقد يكون : أي التخفيف ،

٢٢٦

الوجه ، فلو أفادت تعريفا لم تجز الأولى للزوم كون المعرفة صفة للنكرة ، ولجازت الثانية ، لكون المعرفة ، إذن ، صفة للمعرفة ، ومن جهة أنها تفيد تخفيفا ، جاز : الضاربا زيد ؛ لحصول تخفيف بحذف النون ، وامتنع : الضارب زيد ، لعدم التخفيف ، لأن التنوين في الأوّل (١) سقط للألف واللام ، لا للإضافة ؛

قال المصنف : أجاز الفراء نحو : الضارب زيد ، إمّا لأنه توهّم أن لام التعريف دخلته بعد الحكم بإضافته ، فحصل التخفيف بحذف التنوين بسبب الإضافة ، ثم عرّف باللام ؛ وإمّا لأنه قاسه على : الضارب الرجل ، والضاربك ؛ فإن جازت (٢) الإضافة فيهما مع عدم التخفيف ، فلتجز فيه أيضا ؛ قال : وكلا الأمرين غير مستقيم ، أمّا قوله : لأن لام التعريف دخلت بعد الحكم بإضافته ، فإنه رجم بالغيب ، ومن أين له ذلك؟ ونحن لا نحكم إلا بالظاهر ، فإنه ، وإن أمكن ما قال ، إلا أننا نرى اللام سابقة حسّا على الاضافة ، والاضافة في الظاهر إنما أتت بعد الحكم بذهاب التنوين بسبب اللام ، فكيف ينسب حذف التنوين إلى الإضافة بلا دليل قاطع ، ولا ظاهر مرجّح ؛

وأمّا قياسه على : الضارب الرجل ، فليس بوجه ، وذلك أن الضارب الرجل ، وإن لم يحصل فيه تخفيف بالإضافة إلا أنه محمول على ما حصل فيه التخفيف ، ومشبّه به ، وذلك هو (٣) : الحسن الوجه ، والجرّ فيه هو المختار ، وذلك لأنك لو رفعت الوجه ، لخلت الصفة من الضمير ، وهو قبيح ، كما يأتي في باب الصفة المشبهة ، وأمّا النصب في مثله فتوطئة للجر ، وذلك أنهم لما أرادوا الإضافة في : الحسن وجهه بالرفع ، قصدا للتخفيف ، حذفوا الضمير ، واستتر في الصفة ، وجيء باللام في المضاف إليه ، ليتعرّف الوجه باللام ، كما كان متعرّفا بالضمير المضاف إليه ، واللام بدل من الضمير في مثل هذا المقام (٤) مطردا ،

__________________

(١) أي في أول اللفظين وهو المضاف ؛

(٢) يعني : فحيث جازت هنا فلتجز هنا.

(٣) أي المحمول عليه ،

(٤) أي في باب الصفة المشبهة ؛ وهو مطرد فيها ،

٢٢٧

وفي غيره أيضا ، عند الكوفيين ، كما في قوله :

٢٨٤ ـ لحافي لحاف الضيف والبرد برده

ولم يلهني عنه غزال مقنع (١)

والأولى أنه يقوم مقامه فيما لم يشترط فيه الضمير ، كما في البيت المذكور ، أما في الصلة أو الصفة إذا كانت جملة ، وغير ذلك مما يشترط فيه الضمير ، فلا ،

فلما جيء (٢) باللام مع قصد الإضافة ، نصبوا أوّلا ، ما قصدوا جعله مضافا إليه ، تشبيها بالمفعول ، فقيل : الحسن الوجه ، كما يقال الضارب الرجل ، لتصحّ الإضافة إليه ، لأنهم لو أضافوا إلى المرفوع ، لكان إضافة الوصف إلى موصوفه ، إذ الرافع من الصفات ، نعت للمرفوع ، بخلاف الناصب مع المنصوب ، ألا ترى أن في قولك : زيد ضارب غلامه عمرا : الضارب هو الغلام ، دون عمرو ، وهم يراعون في الإضافة اللفظية حال الإضافة المحضة ، فكما لا يجوز في المحضة إضافة الصفة إلى موصوفها على الأصح ، كما يجيء ، لم يجيزوا في اللفظية ، أيضا ، مثل ذلك ، لكونها فرعها ؛ فجعلوا المرفوع في صورة المنصوب ، حتى لا تكون كأنك أضفت الصفة إلى موصوفها ؛

فتبيّن من هذا التطويل (٣) ، أن المختار في : الحسن الوجه ، جرّ الوجه ، وأن نصبه تشبيه له بالمفعول في نحو : الضارب الرجل ، وأن التخفيف فيه حاصل بحذف الضمير واستتاره ؛

ثم نقول : كما شبّه : الحسن الوجه في النصب بالضارب الرجل ، مع أن حقه الرفع ،

__________________

(١) هذا أحد بيتين نقلهما البغدادي عن حماسة أبي تمام ، منسوبين لمسكين الدارمي ، ورواية الحماسة : والبيت بيته ، والبيت الثاني هو :

أحدّثه إنّ الحديث من القرى

وتعلم نفسي أنه سوف يهجع

وموضع الشاهد قوله : والبرد ، أي وبردي ، أو وبيتي بيته كما في رواية الحماسة ؛

(٢) مرتبط بقوله : وجيى باللام في المضاف إليه ، قبل قليل ، وما بينهما استطراد ،

(٣) جميل من الشارح المحقق : الرضي أن يعترف بأن هذا تطويل ، وهو كذلك حقا ؛ لكنه مفيد ؛

٢٢٨

ليصحّ اضافة الصفة إليه على ما تقدم : شبّه : الضارب الرجل ، على سبيل التقاصّ (١) ، في الجر ، بالحسن الوجه ، مع أنّ حقه النصب ؛

وليس للفراء أن يقول : فليشبّه : الضارب زيد ، بالحسن وجه ، وذلك لأن : الحسن وجه ، لا يجوز ، لما ذكرنا أن الأضافة اللفظية مجراة مجرى المحضة ، فكما لا يجوز في المحضة إضافة المعرفة إلى النكرة ، فكذلك لم يجوّزوا ذلك في اللفظية ؛

ونسب ابن مالك إلى الفراء أنه يجيز إضافة نحو : الضارب ، إلى المعرّف من العلم وغيره ، أمّا إلى المنكّر فلا ، فعلى هذا ، له أن يقول : الضارب زيد ، يشابه : الحسن الوجه ، أيضا ، من حيث كون المضاف إليه معرّفا ، وإن اختلف التعريفان ؛

والظاهر أن الفراء لا يفرق بين المعرّف والمنكّر ، كما نقل عنه السيرافي ، فإنّه قال : إن الفراء يجيز : هذا الضارب زيد وهذا الضارب رجل ، ويزعم أن تأويله : هذا «ال هو (٢)» ضارب زيد ، وهذا «ال هو» ضارب رجل ، أي : هذا الذي هو ضارب زيد ، وضارب رجل ؛ فيجعل ما بعد الألف واللام جملة اسمية في التقدير ، ولا يوجب كون صلة الألف واللام فعلية كما هو المشهور عند النحاة ؛ (٣)

قال السيرافي : هذا قول فاسد ، قال : ويلزمه : هذا الحسن وجه على تقدير : هذا الذي هو حسن وجه ، وهذا الغلام زيد ، أي : هذا الذي هو غلام زيد (٤) ،

قال المصنف : وأما قياسه (٥) ، على الضاربك ، فلا يجوز ، وذلك لأن في : الضاربك

__________________

(١) أي بأن يقتصّ كل منهما من الآخر ، فيأخذ منه مثل ما أعطاه ،

(٢) سيوضح الشارح معناه ،

(٣) يقول النحاة : إن صلة الألف واللام جملة فعلية في الأصل ، لكنهم جاءوا بها على صورة المشتق استنكارا لدخول حرف التعريف على الأفعال ولو في الظاهر ؛

(٤) يعني وهذا لا يجوز ،

(٥) رجوع إلى مناقشة رأي الفراء ،

٢٢٩

قولين ، كما يجيء عن قريب : أحدهما أنه ليس بمضاف ، بل الكاف منصوب على أنه مفعول به ، فقياس الفراء ، حينئذ ، عليه مندفع من أصله ، والثاني أنه مضاف ، إلا أنه حمل في صحة الإضافة ، وإن لم يحصل بها تخفيف على ضاربك ، فانه أضيف بلا نظر إلى التخفيف ، وإنما قلنا إن إضافة ضاربك ليست للتخفيف ، لأنها لو كانت لأجله ، لم تلزم ، لأن الإضافة المقصود بها التخفيف لا تلزم الكلمة ، كما في : ضارب زيد ، وضارب زيدا ، وإنما لزم نحو ضاربك ، الإضافة ، لأن في آخره إمّا تنوينا أو نونا ، وهما مشعران بتمام الكلمة ، والضمير المتصل في حكم تتمة الأول ، فلو لم يحذفا (١) ، ولم تضف الكلمة ، لزم كون الضمير متصلا منفصلا في حالة واحدة ؛ فلما التزموا الإضافة في : ضاربك ، من غير نظر إلى تخفيف ، حمل : الضاربك عليه ، فأضيف ، أيضا ، بلا تخفيف ، لأنهما من باب واحد ، لا فرق بينهما إلا اللام ؛

هذا زبدة كلام المصنف (٢) ، وفيه نظر ، وذلك أن للفراء أن يقول : إذا جاز لك حمل ذي اللام في : الضاربك في وجوب الإضافة ، على المجرد منها لعلة في المجرد ، دون ذي اللام ، وهي اجتماع النقيضين (٣) لو لم يضف ، لما ذكرت أنهما من باب واحد ؛ فهلا جاز لي : حمل ذي اللام في : الضارب زيد ، على المجرد منها ، وهو : ضارب زيد في صحة الإضافة ، لعلة حاصلة في المجرد ، دون ذي اللام ، وهي حصول التخفيف بناء على أنهما من باب واحد ؛

هذا ، وينبغي أن يعرف حال إضافة اسم الفاعل واسم المفعول مجرّدين من اللام ، ومعها ، وكذا حال الصفة المشبهة ؛

فاعلم أوّلا أن اسمي الفاعل والمفعول المضافين إلى ما هو من سببهما ، في حكم الصفة

__________________

(١) أي النون والتنوين ،

(٢) ما تقدم كله مناقشة من المصنف للفراء ، نقلها الرضي وتصرف فيها ويقول إن هذا كله زبدة كلامه بعد اعترافه بأنه تطويل ،

(٣) يعني أداء ذلك إلى جعل الضمير متصلا منفصلا في حالة واحدة ؛

٢٣٠

المشبهة ، كما يجيء ، وأمّا اسما الفاعل والمفعول المضافان إلى الأجنبي المنصوب بهما فنقول :

إمّا أن يكون كل واحد منهما مجردا عن اللام ، أو معها ، وكل واحد منهما إمّا أن يليه مفعول ظاهر أو مضمر ؛

فالظاهر إن ولي المجرّد ، جازت إضافته إليه ولم تجب ، نحو : ضارب زيد ، وإن ولي المقرون باللام ، جازت الإضافة إذا كان المقرون بها مثنى أو مجموعا بالواو والنون ، لحصول التخفيف بحذف النونين ، نحو : الضاربا زيد ، والضاربو زيد ، وكذا يجوز إن كان المفعول به معرّفا باللام وإن كان الوصف المقرون بها خاليا من نون المثنى والمجموع ، نحو : الضارب الرجل ، والضاربات الرجل ، والضوارب الرجل ، لمشابهته للحسن الوجه ، كما تقدم ، أو مضافا (١) إلى المقرون بها .. وهلمّ جرّا (٢) ، نحو : الضارب وجه فرس غلام أخي الرجل ؛ قال ابن مالك : أو مضافا إلى ضمير المعرّف بها ، نحو : الرجل الضارب غلامه ؛ وذلك لجري ضمير المعرّف باللام ، عنده ، مجرى المعرّف باللام ؛

وكان على قياس قوله : انه يجوز : الضاربه ، على الإضافة إذا عاد الضمير على ذي اللام ، ومذهبه ، أن : الضاربه ليس بمضاف ؛ بلى ، قد يجعل ضمير المعرّف باللام مثل المعرّف باللام في التابع ، كقوله :

٢٨٥ ـ الواهب المائة الهجان وعبدها

عودا تزجّى خلفها أطفالها (٣)

لأنه يحتمل في التابع ما لا يحتمل في المتبوع ، كما يجيء عن قريب ؛

وإن ولي المقترن باللام المجرد عن التنوين ، غير ما ذكرنا من المظهرات ، لم تجز إضافته إليه ، خلافا للفراء ، كما مرّ ؛

__________________

(١) معطوف على قوله : معرفا باللام في قوله وكذا يجوز إن كان المفعول به .. الخ ؛

(٢) بأن يكون هناك أكثر من مضاف بحيث ينتهي الأمر في الأخير منها إلى المقترن باللام ، كما مثل ،

(٣) هذا من قصيدة للأعشى في مدح قيس بن معد يكرب الزبيدي ، مطلعها :

رحلت سميّة غدوة أجمالها

غضي عليك ، فما ـ تقول ـ بدالها

وتقول ـ بمعنى تظن ، وسيأتي البيت في الشرح مرة أخرى ويوضح الشارح معناه ،

٢٣١

وإن ولي المجرّد عن اللام ، أو المقرون بها مضمر ، فحذف النون ، أو التنوين فيهما واجب ، على الصحيح المشهور ؛

وحكى بعضهم جواز : ضاربنك ، وضاربني (١) ، في الشعر ، وأنشد :

٢٨٦ ـ ألا فتى من بني ذبيان يحملني

وليس حاملني إلا ابن حمّال (٢)

وقيل : بل النون للوقاية ؛ وأنشد أيضا :

٢٨٧ ـ هم الفاعلون الخير والآمرونه

إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما (٣)

قال سيبويه : البيت مصنوع ، وأنشد أيضا :

٢٨٨ ـ ولم يرتفق والناس محتضرونه

جميعا وأيدي المعتفين رواهقه (٤)

قال سيبويه : هذا لضرورة الشعر ، وجعل الهاء كناية (٥) ، وقال المبرد : الهاء في : الآمرونه ، ومحتضرونه ، للسكت ، لم يحذفها إجراء للوصل مجرى الوقف ، وحرّكها تشبيها لها بهاء الضمير لمّا ثبتت وصلا ؛

ثم ان الضمير بعد المجرد ، في موضع الجرّ بالإضافة ، الّا عند الأخفش ، وهشام (٦) ، فانه ، عندهما ، في موضع النصب ، لكونه مفعولا ، وحذف التنوين والنون ليس ، عندهما ،

__________________

(١) أي على اعتبار أن هذه النون هي التنوين وكسرت لأجل ياء المتكلم ، ومقابله أنها نون الوقاية كما سيقول في البيت ، وكلاهما شاذ ،

(٢) هذا أحد أبيات أوردها المبرد في الكامل منسوبة لأبي محلّم السعدي في مدح طلحة بن حبيب ، وقيل هذا البيت.

لطلحة بن حبيب حين تسأله

أندى وأكرم من فند بن هطّال

ورواية المبرد : وليس يحملني ، ولا شاهد فيه ؛ وفند بن هطال أحد كرام العرب ،

(٣) أجمع النحاة على أن البيت مصنوع وعبارة سيبويه : زعموا أنه مصنوع ج ١ ص ٩٦.

(٤) وهذا البيت أيضا مصنوع ، وجزم البغدادي بذلك ، وعبارة سيبويه في هذا البيت لا تشير إلى أنه مصنوع كما فعل في الذي قبله في الموضع نفسه ؛

(٥) كناية أي ضمير ويقابله أنها للسكت كما قال المبرد ،

(٦) المراد : هشام بن معاوية الضرير من علماء الكوفة وتقدم ذكره في هذا الجزء وفي الجزء الأول ،

٢٣٢

للإضافة ، بل للتضادّ بينهما وبين الضمير المتصل على ما مرّ ؛ (١) وأمّا الضمير بعد ذي اللام ، فقال سيبويه : إن لم يكن ذو اللام مثنى أو مجموعا بالواو والنون ، فهو منصوب لا غير ، نحو : الضاربه ، لاعتباره المضمر بالمظهر (٢) ، فالضاربه ، عنده ، كالضارب زيدا ، لا يجوز فيه إلا النصب ، ويحتمل ، عنده ، بعد المثنى والمجموع بالواو والنون : أن يكون مجرورا على الإضافة ، ومنصوبا ، كما في قوله :

٢٨٩ ـ والحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائها وكف (٣)

بالنصب ؛

وقال الرمّاني (٤) والمبرد ، في أحد قوليه ، وجار الله (٥) ، ان الضمير بعد ذي اللام ، مفردا كان ؛ أو مثنى ، أو مجموعا : مجرور بالإضافة ؛

هذا كله فيما أضيف إليه اسم الفاعل والمفعول ؛ وأمّا في تابع المضاف إليه ، فسيبويه يجيز فيه ما لا يجوز في المتبوع ، فأجاز : الضارب الرجل ، وزيد ، وهذا الضارب الرجل زيد ، على أن يكون «زيد» عطف بيان ، وهو في الحقيقة البدل ، على ما يأتي في بابه (٦) ، فإن قدرت البدل قائما مقام المبدل منه ، لم يجز ذلك ، وان لم تقدره كذلك ،

__________________

(١) يعني لأن النون والتنوين يدلان على تمام الكلمة ، وكون الضمير متصلا ينافي ذلك ، فالإضافة تؤدي إلى جعل الضمير متصلا منفصلا كما قال من قبل ؛

(٢) أي لقياسه الضمير على الاسم الظاهر ، والظاهر لا يجوز أن يضاف إلى ما فيه الألف واللام ؛

(٣) ينسب إلى عمرو بن امرئ القيس الخزرجي ، واختلط على بعض الناس فنسبه إلى قيس بن الخطيم ، وله قصيدة على هذا الوزن ، ومما يتصل بيت الشاهد : البيت المشهور :

نحن بما عندنا وأنت بما عند

ك راض والرأي مختلف

(٤) أبو الحسن علي بن عيسى الرماني ، أخذ عن الزجاج وابن السراج ، وأحد من شرحوا كتاب سيبويه توفي سنة ٣٨٤ ه‍.

(٥) أي الزمخشري ، ورأيه هذا في المفصل ، انظر شرح ابن يعيش ج ٢ ص ١٢٣ ،

(٦) يحرص الرضي على إبراز ما ذهب إليه في عدم الفرق بين عطف البيان وبدل الكل ، كلّما تهيأت المناسبة لذلك ؛

٢٣٣

جاز ، كما ذكرنا في باب المنادى في نحو : يا عالم زيد ، ويا عالم زيد وزيدا ،

وقال المبرد : لا يتبع مجرور اللام الّا ما يمكن وقوعه موقع متبوعه ، وأنشد :

٢٩٠ ـ أنا ابن التارك البكريّ بشرا

عليه الطير ترقبه وقوعا (١)

بنصب «بشر» ، لا غير ، حملا على محل البكريّ ، وقال : قد يعطف على مجرور ذي اللام ، ما يكون في قوة ما يمكن وقوعه موقعه ، يعني المضاف إلى ضمير ما فيه الألف واللام ، لأنه في قوة المضاف إلى ما فيه الألف واللام ، كقوله.

الواهب المائة الهجان وعبدها (٢) ـ ٢٨٥

وتقديره : وعبد المائة ، قال : وأمّا إذا عطف عليه نحو : زيدا ، وغلام زيد ، فليس فيه إلا النصب ، حملا على محل المجرور ؛

ومذهب سيبويه قويّ ، إذ قد يحتمل في التابع ما لا يحتمل في المتبوع ، لأن القبح فيه ليس بظاهر ، بل يظهر بالتقدير ، ألا ترى إلى جواز قولهم : يا زيد والحارث ، وغير ذلك ؛

وأمّا الصفة المشبهة ، واسما الفاعل والمفعول اللازمان ، فإمّا أن تكون مجرّدة من اللام أو مقرونة بها ؛

فإن ولي المجرّدة منها ظاهر سببيّ مرفوع بها ، جاز إضافتها إليه بعد نصبه ، كما ذكرنا ، وجاز تركها (٣) ؛ سواء كان ذلك الظاهر محلّى باللام بدرجة أو درجات (٤) ، أو منكرا

__________________

(١) هذا البيت للمرّار الفقعسيّ ، وبشر المذكور ابن عمرو بن مرثد قتله رجل من فقعس فافتخر المرار بذلك وبعد البيت :

علاه بضربة بعثت بليل

نوائحه وأرخصت البضوعا

ومعنى : أرخصت البضوعا ، أن قتله كان سببا في تعرض نسائه للسّبي لعدم وجود من يحميهن ويدافع عنهن ؛

(٢) تقدم هذا الشاهد مع بقيته وسيأتي مرة أخرى ،

(٣) أي ترك الإضافة ؛

(٤) بأن يتعدد المضاف حتى ينتهي إلى المعرف باللام.

٢٣٤

كذلك ، نحو قولك : حسن الوجه ، وحسن وجه أبي الغلام ، وحسن وجه ، وحسن وجه أبي غلام ، أو مضافا إلى ضمير ذي اللام كذلك ، إذا لم يكن ذو اللام صاحب الصفة ، نحو : حسن وجه الأخ جميل فعله ؛

وقد تضاف إلى ظاهر مضاف إلى ضمير صاحبها ، نحو : زيد حسن وجهه ، وهو قبيح عند سيبويه ، إلا للضرورة ، قال :

٢٩١ ـ أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (١)

وكذا ما هو في حكم المضاف إلى ذلك الضمير ، كقوله :

٢٩٢ ـ رحيب قطاب الجيب منها رفيقة

بجسّ الندامى بضّة المتجرّد (٢)

إذا حذفت التنوين من «رحيب» ؛ ومثل هذا جائز مطلقا عند الكوفيين ،

وقال المبرد : الضمير الذي في «مصطلاهما» للأعالي ، لأن المعنى : كميتا الأعليين فيكون مثل : حسن وجه الأخ جميل فعله ؛

وقد يجيء (٣) في باب الصفة المشبهة ، علة استقباحهم لمثل : زيد حسن وجهه ، بالإضافة ، والرواية الصحيحة في بيت طرفة : رحيب بالتنوين ؛

__________________

(١) هذا هو البيت الثاني بعد المطلع من قصيدة للشماخ بن ضرار ، والمطلع هو :

أمن دمنتين عرّس الركب فيهما

بحقل الرّخامي قد أنى لبلاهما

حقل الرخامي اسم موضع به شجر السدر البري ، قوله : أني بالنون بمعنى حان ، وفاعله : بلاهما ، واللام زائدة ، أي حان فناؤهما ، وفي تخريج بيت الشاهد كلام كثير أفاض فيه البغدادي ، والبيت في سيبويه ج ١ ص ١٠٢.

(٢) من معلقة طرفة بن العبد التي أولها :

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وقبل هذا البيت المستشهد به :

نداماي بيض كالنجوم وقينة

تروح علينا بين برد ومجسد

رحيب قطاب الجيب ...

«البيت»

وقد ورد بالروايتين : تنوين «رحيب» ورفع قطاب ؛ وإضافة رحيب إلى قطاب ؛

(٣) هكذا يعبر الرضي عند الإشارة إلى ما سيجيئ من الموضوعات ، ومرة يقول : وسيجيئ ،

٢٣٥

وإن ولي المجردة ضمير بارز هو فاعلها ، وجب إضافتها إليه ، نحو : زيد حسن الغلام كريمه ، خلافا للكسائي ، على ما نقل عنه ابن مالك ؛

ولعلّه يجوّز النصب فيه تشبيها بالمفعول ، كما في : حسن الوجه ، ويحذف التنوين والنون للمعاقبة (١) ، لا للإضافة كما ذكرنا من مذهب الأخفش وهشام في اسم الفاعل المجرد ؛

وإن ولي ذات اللام ظاهر سببيّ مرفوع بها ، فإن أضفتها إليه وجب أن يكون ذا لام بدرجة أو درجات ، نحو : الحسن وجه أبي الغلام ، إذ لا يجوز : الحسن وجه ، ولا : الحسن وجهه ، كما يجيء في باب الصفة المشبهة ؛

وجوّز ابن مالك أن يكون مضافا إلى ضمير المعرّف باللام ، نحو : الحسن الأخ والجميل وجه غلامه ، وليس بوجه ، إذ ليس في الإضافة ، إذن ، تخفيف ، وأيضا ، يلزم تجويز : الحسن الغلام والجميله ، ولا يجوز اتفاقا ؛ بلى ، القياس جواز إضافة ذات اللام التي فيها نون المثنى والمجموع ، إلى أيّ ضمير كان ، أو إلى المضاف إلى الضمير ، لحصول التخفيف بحذف النون ، كقولك : مررت بالرجلين الحسني غلامهما والجميليه ، وكذا بالرجال الحسني الغلام والجميلي وجهه ؛ ويجيء في باب الصفة المشبهة لهذه الوجوه مزيد شرح إن شاء الله تعالى ؛

ولا تضاف الصفة إلى مرفوع بها غير سببي ، نحو قولك : مررت برجل طيّب في داره نومك ، لئلا تبقى الصفة بغير مرفوع بها في الظاهر ، كما ذكرنا في اسمي الفاعل والمفعول ؛

قوله : «المائة الهجان» ، أي : مائة الناقة ، والهجان : البيض ، يستوي فيه الواحد والجمع ، كالفلك ، على ما يجيء في باب الجمع ؛

__________________

(١) أراد به ما تقدم من مذهبهما وهو ما يؤدي إليه ذلك من جعل الضمير متصلا منفصلا في حالة واحدة ، وتقدم ذلك قريبا ،

٢٣٦

قوله : «وعبدها» ، أي العبد الذي يرعاها ، وتمام البيت : (١)

عوذا تزجّى خلفها أطفالها

العوذ جمع عائذ ، وهي الحديثة النتاج ، وزجّى أي ساق ؛

__________________

(١) تقدم البيت وأشرنا إلى مجيئه هنا ؛

٢٣٧

[إضافة الصفة إلى الموصوف]

[وما يتصل بذلك]

[قال ابن الحاجب :]

«ولا يضاف موصوف إلى صفته ، ولا صفة إلى موصوفها ،»

«ونحو : مسجد الجامع ، وجانب الغربي ، وصلاة الأولى ،»

«وبقلة الحمقاء متأوّل ؛ ومثل : جرد قطيفة ، وأخلاق»

«ثياب ، متأوّل ، ولا يضاف اسم مماثل للمضاف إليه في»

«العموم والخصوص كليث وأسد ، وحبس ومنع ، لعدم»

«الفائدة ، بخلاف : كل الدراهم وعين الشيء ، فإنه يختص ،»

«وقولهم : سعيد كرز ونحوه متأوّل» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن الاسمين الجائز اطلاقهما على شيء واحد ، على ضربين ، إمّا أن يكون في أحدهما زيادة فائدة ، كالصفة والموصوف ، والاسم والمسمّى ، والعام والخاص ؛ أو لا يكون ؛

والأوّل على ضربين : إمّا أن تجوز إضافة أحدهما إلى الآخر اتفاقا ، كالمسمّى إلى الاسم ، والعام إلى الخاص ؛ أو تجوز على الخلاف ، كالصفة والموصوف وعلى العكس ؛

والمتفق على جواز إضافة أحدهما إلى الآخر ، إمّا أن يحتاج ذلك إلى التأويل ، أو لا يحتاج ، فالذي لا يحتاج إلى التأويل ، العامّ ، غير لفظي : «الحيّ» ، و «الاسم» ،

٢٣٨

إذا أضيف إلى الخاص ، نحو : كل الدراهم ، وعين (١) زيد ، وطور سيناء ، ويوم الأحد ، وكتاب المفصّل ، وبلد بغداد ، ونحو ذلك ،

وإنما جاز ذلك لحصول التخصيص في ذلك العامّ من ذلك الخاص ، ولا ينعكس الأمر ، أي لا يضاف الخاص إلى العام المبهم ، لتحصيل الإبهام ، فلا يقال مثلا : زيد عين ، لأن المعلوم المتعيّن بعد ذكر لفظه وتعيينه لا يكتسي من غيره الإبهام ،

والذي يحتاج إلى التأويل : المسمّى المضاف إلى الاسم ، كالاسم المضاف إلى لقبه ، نحو : سعيد كرز ، (٢) ونحو : ذو ، وذات ، مضافين إلى المقصود بالنسبة ، نحو : ذا صباح ، وذات يوم ؛ وكذا لفظ «الاسم» المضاف إلى المقصود بالنسبة ، كاسم السّلام ، واسم الشّيب ، ولفظ «الحيّ» ، مضافا إلى المقصود بالنسبة ، نحو : قالهنّ حيّ رباح ؛ (٣)

أمّا الاسم المضاف إلى اللقب فنقول : إذا اجتمع الاسم مع اللقب ، وجب تأخير اللقب ، لأنه أبين وأشهر من الاسم ، كما يجيء في باب العلم ، ويجيء هناك أنه يجوز نصب اللقب المؤخر ، ورفعه على القطع ، سواء كانا مفردين ، أو مضافين ، أو أحدهما مفردا ، دون الآخر ، وأنه إذا كانا مفردين أو أوّلهما ، جاز إضافة الاسم إلى اللقب ، وهي الأكثر ؛

وظاهر كلام البصريين أنك إذا لم تقطع الثاني رفعا أو نصبا وجب إضافة الأول إليه ، وقد أجاز الزجاج والفراء ، الإتباع أيضا على أنه عطف بيان ، وهو الظاهر ، نحو : جاءني قيس قفّة ؛

وإن كانا مضافين أو أولهما ، لم تجز الإضافة ، بل يجب : إمّا القطع ، لتضمن اللقب

__________________

(١) المراد : ذات زيد ، وليس المراد عينه التي هي عضو منه ،

(٢) الكرز في الأصل : خرج الراعي الذي يضع فيه متاعه ، وقد يراد به الحاذق ، أو الخبيث اللئيم ؛

(٣) سمع الأخفش أعرابيا ينشد شعرا فقال له لمن هذه الأبيات ، فقال الأعرابي : قالهنّ حي رباح ، بكسر الراء وبالباء الموحدة.

٢٣٩

مدحا أو ذمّا ؛ أو الإتباع ، على أن الثاني عطف بيان ، لأنه أشهر ؛

فإذا تقرر هذا ، قلنا : ان تأويل نحو : سعيد كرز ، أن يقال : المراد بالمضاف الذات ، وبالمضاف إليه : اللفظ ، وذلك أنه كما يطلق اللفظ ويراد به مدلوله ، يطلق أيضا مع القرينة ، ويراد به ذلك اللفظ الدالّ ، تقول مثلا : جاءني زيد ، والمراد : المدلول ، وتكلمت بزيد والمراد اللفظ ، فمعنى جاءني سعيد كرز : أي ملقّب هذا اللقب ، ولا ينعكس التأويل ، أي لا يقال ان الأول دالّ والثاني مدلول حتى يكون معنى سعيد كرز : اسم هذا المسمّى ، لأنهم ينسبون إلى الأول ما لا يصح نسبته إلى الألفاظ نحو : ضربت سعيد كرز ، وقال سعيد كرز ؛

فإن قلت : فلم لم يقدّموا اللقب ، مضافا إلى الاسم أو غير مضاف؟ قلت ، قد تقدم أن المقصود ذكرهما معا ، ولو قدّم اللقب لأغنى عن الاسم ، إذ اللقب يفيد تعيين الذات الذي يفيده الاسم مع زيادة وصف تمدح به الذات أو تذم ، فالذات باللقب أشهر منها بالاسم ؛

وأمّا : «ذو» ، و «ذات» وما تصرف منهما إذا أضيفت إلى المقصود بالنسبة فتأويلها قريب من التأويل المذكور ، إذ معنى جئت ذا صباح ، أي وقتا صاحب هذا الاسم ، ف «ذا» ، من الأسماء الستة ، وهو صفة موصوف محذوف ، وكذا : جئت ذات يوم ، أي مرّة صاحبة هذا الاسم ، واختصاص «ذا» بالبعض ، و «ذات» بالبعض يحتاج إلى سماع ؛

وأمّا : ذا صبوح وذا غبوق ، فليس من هذا الباب ، لأن الصّبوح والغبوق ليسا زمانين ، بل ما يشرب فيهما ، فالمعنى : جئت زمانا صاحب هذا الشراب فلم يضف المسمّى إلى اسمه ؛ وقوله :

٢٩٣ ـ اليكم ذوي آل النبي تطلّعت

نوازع من قلبي ظماء وألبب (١)

__________________

(١) الألبب ، جمع لبّ ، وفك الادغام في الجمع شاذ ، وظماء جمع ظمآن ، وهذا البيت من قصيدة طويلة ـ ـ من جيّد شعر الكميت بن زيد ، في مدح آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ، هي من أول ما قال من الشعر ، أوّلها :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب

إلى أن قال :

ولكن إلى أهل الفضائل والتقى

وخير بني حوّاء ، والخير يطلب

٢٤٠